الفصل الثامن و التاسع والعاشر
دلفت زينة الى جناحها وهي تشعر بسعادة كبيرة لأول مرة منذ وفاة علي ..
تلك السعادة بقدوم طفل صغير من دم الرجل الوحيد الذي أحبته وتمنته لها ..
وضعت كف يدها على بطنها تتلمسها بسعادة غير مصدقة لما حدث معها ..
هل سوف يبتسم لها الحظ أخيرا بعد كل هذه المعاناة ..؟!
أدمعت عيناها وهي تتذكر علي ، كم تمنت لو كان موجودا وشاركها هذه اللحظة ..؟! لكن ابنها سيعوضها عنه ..
جلست على السرير وهي ما زالت تحتضن بطنها بكفيها وتنظر إليها وكأنها ترى صورة الطفل بداخلها ...
حملت هاتفها وقررت أن تجري اتصالا أجلته طويلا .. اتصال بصديقتها المقربة والتي تناستها بعدما حصل خاصة لأنها سافرت إلى ألمانيا في رحلة عمل ..
اتصلت بصديقتها تنتظر منها أن تجيبها ليأتيها صوت صديقتها الصاخب :
" زينة وأخيرا افتكرتيني ، انتي فين ومختفية ليه ..؟! أنا حاولت اتصل بيكي معرفتش .. سامحيني يا زينة ، ياريتني ماكنت قلتلك متقوليلهوش حاجة ..."
ضغطت زينة على هاتفها وهي تحاول ألا تتذكر ما حدث لكنها رغما عنها شردت فيه ..
ذكرى زواجها من علي وتوترها وعدم إخباره بالحقيقة والتي انتهت بموته ..
سوف تظل تحمل ذنبه طوال عمرها في عنقها ...
" زينة رحتي فين ..؟!"
أجابتها زينة أخيرا :
" ايوه يا نور ، انا معاكي .."
" انتي لسه زعلانه مني ..؟!"
سألتها نور بتردد لتجيبها بدموع :
" لا والله مش زعلانه ، انتي وحشتيني اوي ..."
جاءها صوت نور الحزين :
" وانتي واحشاني أكتر يا زينة ، انا راجعة قريب وهشوفك .. "
" ياريت بجد يا نور ، انا محتجاكي اووي ..."
ابتسمت نور بألم وقالت :
" طمنيني عليكي .. اخبارك ليه ..؟!"
أجابتها زينة بنبرة خافتة :
" انا كويسة وعندي ليكي خير حلو .."
" بجد ..؟! خبر ايه ..؟! قوليلي .."
" انا حامل .."
تجمدت نور للحظات من صدمة الخبر الذي سمعته ثم ما لبثت أن قالت بعدما استوعبت الصدمة :
" مبروك يا زينة .. مبروك يا حبيبتي .."
ثم أكملت بتعجب :
" بس ازاي حصل كده ..؟!"
" مش عارفة ، اهو حصل وخلاص .. "
ضحكت نور بخفوت وقالت :
" طلعتي مش سهلة يا زينة.."
" تقصدي ايه..؟!"
سألتها زينة ببراءة لتتنحنح نور بحرج وتقول مغيرة الموضوع :
" ولا حاجة ، المهم احكيلي بقى ..."
...............................................................................
كان زياد يسير داخل غرفة النوم ذهابا وإيابا يفكر بما حدث وكيف سيخبر أهله به ..
عادت كلمات زينة تتردد داخل أذنه وهي تخبره بأنه لم يلمسها أحد سوى علي ..
لا يعرف لماذا شعر برغبة كبيرة في تصديقها ..؟! ولكن هناك أشياء تمنعه من هذا ..
توقف في منتصف الغرفة يفكر في إمكانية رؤيتها الأن والحديث معها ،نظر الى الساعة فوجدها التاسعة مساءا ...
قرر زياد الذهاب إليها فخرج من جناحه واتجه الى جناحها المقابل له ، طرق على الباب بتردد لتفتح له زينة الباب بعد لحظات وهي ترتدي بيجامة طويلة ..
تنحنح قائلا بإرتياك:
" عايز اتكلم معاكي .."
" اتفضل .."
قالتها زينة وهي تفسح المجال له كي يدخل فولج الى الداخل وتبعته هي بعدما أغلقت الباب ..
التفت زياد نحوها يسألها بوجوم :
" انتي ليه قلتيلي محدش لمسني غير علي ..؟!"
نظرت زينة له بدهشة محاولة أن تستوعب كلماته ، لم تستوعب سؤاله هذا فرمشت بعينها وقالت بعدم تصديق :
" نعم ..؟!"
زفر زياد أنفاسه بقوة وقال :
" كلامي واضح يا زينة ، تقصدي ايه بكلامك ده ..؟!"
أجابته بتوتر ملحوظ وهي تفرك يديها :
" عشان هي دي الحقيقة يا زياد ، انا محدش لمسني غير علي .."
ضحك زياد بقوة ثم قال بلهجة هازئة :
" هو انتي فاكراني عبيط وهتكدبي عليا ...؟!"
" والله هي دي الحقيقة ، انا فعلا مكنتش فيرجن وده لإني تعرضت للإغتصاب .."
قاطعها بملل :
" اغتصبوني وضربوني وايه كمان ..؟!"
أدمعت عينا زينة وهي تهتف بصوت متشنج :
" انت ليه مش مصدقني ..؟! ليه محدش فيكوا بيصدقني ...؟!"
أجابها زياد بنبرة جادة :
" عشان كلامك مش منطقي ومفيش دليل عليه .."
هطلت الدموع من عينيها بغزارة وهي تهتف بلهجة باكية :
" والله العظيم هي دي الحقيقة ، انا اغتصبوني ثلاث شباب بعدما خدروني و.."
قاطعها زياد بضيق :
" خدروكي ..؟! "
أومأت برأسها وهي تمسح دموعها بأناملها ليقترب زياد منها محاولا تهدئتها ، قال زياد وهو يجذبها بجانبه على الكنبة :
" طب اقعدي واحكيلي .."
جلست زينة بجانبه وهتفت بنبرة رقيقة ضعيفة :
" الحادثة دي حصلت من خمس سنين ، كنت لسه فالجامعة ، كان ليا صديقة اسمها منى وكان فيه شاب هناك اسمه ماجد بيحاول يقرب مني طول الوقت .."
أومأ زياد برأسه طالبا منها أن تكمل لتسترسل زينة في حديثها قائلة :
" ماجد كان شاب صايع وغني مصاحب نص بنات الجامعة ، كان بيحاول يصاحبني بكل الطرق وأنا برفضه .. لحد ما فيوم منى قالتلي إنها تعبانه ومحتاجة تروح بيتها وطلبت مني أوصلها عشان مش قادرة تروح لوحدها .."
أغمضت عينيها للحظات وهي تتذكر ذلك اليوم بكل ما فيه من بشاعة ، كيف خدعتها منى وأخذتها الى شقة ماجد ثم أصرت عليها أن تتناول شيئا من صنع يديها لتجلب لها الشاي الذي يحتوي على مادة مخدرة ..
خدرتها منى وتركتها فريسة لماجد وأصدقائه اللذين تناوبوا عليها واغتصبوها واحدا تلو الاخر حتى انتهوا منها وتركوها لتستيقظ بعد عدة ساعات وتجد نفسها وحيدة عارية في السرير ..
" مكنتش مستوعبة الي حصل اول ما صحيت ، اتجننت من الصدمة ومعرفش ازاي لبست هدومي المرمية على الارض وخرجت بسرعة من الشقة ، مكنش فيه حد منهم هناك ..."
اعتصر زياد قبضة يده بقوة محاولا أن يسيطر على أعصابه وهو يستمع الى صوتها الباكي وملامحها المتعدية ...
تحدث أخيرا بصوت قوي :
" عرفتي ازاي انهم ثلاثة ..؟!"
أجابته من وسط دموعها :
" منى هي اللي اعترفتلي بده قبل متنتحر ..."
" انتحرت ليه ..؟!"
" مقدرتش تعيش فعذاب الضمير ، اصلها عملت اللي عملته مقابل فلوس دفعها ماجد ليها عشان تعالج أختها الصغيرة .."
توقفت زينة عن الحديث للحظات محاولة أن تأخذ أنفاسها قبل أن تكمل بصوت شجي :
" انا سامحتها بعد ما ماتت ، مقدرتش مسامحهاش رغم كل اللي عملته فيا .."
ثم نظرت الى زياد الصامت وسألته بخفوت :
" زياد انت مصدقني صح ..؟! قول إنك مصدقني .. انا والله مش بكدب .."
نظر إليها زياد بطريقة غريبة ثم ما لبث أن قال بلهجة جامدة بثت الرعب داخلها :
" أساميهم ايه ..؟!"
ابتلعت ريقها وأجابته بوهن :
" ماجد حافظ عبد الرحيم ، الاتنين الباقيين اعرف أساميهم بس مصطفى وعبد الرحمن ..."
نهض من مكانه واتجه خارج الجناح تاركا إياها تتابع أثره بحيرة قبل أن تنهار باكية من جديد ..
.........................................................................................
دلف زياد الى غرفته وهو يكاد ينفجر من شدة الألم والغضب ...
فتح أول ثلاثة أزرار من قميصه وأخذ نفسا عميقا لعدة مرات ...
لم يمنع نفسه من أن يأخذ القدح الموضوع على الطاولة ويرميه على الأرض ليتحطم الى عدة اجزاء ..
لا يعرف لماذا شعر بنفسه يتحطم مثل هذا القدح ..؟!
أخرج هاتفه من جيبه وأجرى اتصالا سريعا بمنتصر الذي أجابه بدهشة :
" واخيرا اتصلت بيا ، انت مش ناوي ترجع بيتكم ..؟!"
" حافظ عبد الرحيم .. تعرف حد بالإسم ده ...؟!"
أجابه منتصر بعد تفكير استمر لعدة لحظات :
" ايوه تقريبا ده رجل اعمال مهم ..."
" طب اعرفلي اذا كان عنده ولد اسمه ماجد وجبلي كل التفاصيل اللي تخصه .."
" طيب بس هو عمل ايه ..؟!"
أجابه زياد بحسم :
" مش مهم تعرف المهم تجيبلي التفاصيل عنه لو طلع هو نفسه .."
الفصل التاسع
جلس على سريره بعدما أنهى اتصاله بمنتصر يعتصر قبضتي يديه بقوة حتى برزت عروقه فيهما يحاول أن يسيطر على غضبه والنيران المندلعة داخل صدره بلا فائدة ..
نهض من مكانه وهو ما زال يعتصر قبضتي يديه بنفس القوة ، أخذ يسير داخل الغرفة كطير ذبيح لا يعرف ماذا يجب أن يفعل ..
ارتسمت صورة زينة وهي تغتصب أمامه .. صورة علي وهو يموت قهرا ..
لم يشعر بنفسه إلا وهو يلكم الحائط بيديه عدة مرات ويصرخ قهرا بينما الدماء أخذت تتطافر من يديه ..
توقف عما يفعله أخيرا ليستند على الحائط وهو يلهث بعنف ..
ظل على هذه الحال حتى استرد أنفاسه الطبيعية ليجلس على الكرسي الموضوع جانبا بوهن وفي تلك اللحظة أقسم في داخله أن يسترد حقها وحق أخيه مهما بلغ الثمن ...
...............................
في صباح اليوم التالي ..
استيقظ زياد من نومه متأخرا قليلا فهو لم يستطع النوم حتى ساعات الفجر الأولى ..
نهض من مكانه واتجه نحو الحمام ليأخذ حماما سريعا قبل أن يخرج وهو يلف المنشفة حول خصره ..
حمل هاتفه من فوق المنضدة الموضوعة بجانب السرير وأجرى إتصالًا سريعا بمنتصر يذكره بما طلبه منه ليلة البارحة ليخبره منتصر أنه سيتأكد من جميع المعلومات التي تخص هذا الرجل اليوم ..
اغلق الهاتف مع منتصر وغير ملابسه مرتديا ملابس الخروج ثم صفف شعره ووضع عطره وخرج من الغرفة ليتسمر في مكانه وهو ينظر الى باب جناح زينة المغلق شاعرا بالتردد في الدخول إليها من عدمه ..
كانت هناك رغبه قوية في داخله بأن يراها ويتحدث معها وبالفعل قام بتلبية رغبته تلك وطرق على باب الجناح بيديه لتفتح له زينة الباب بعد لحظات وهي ترتدي نفس البيجامة ، وجهها أحمر وعيناها منتفختان من شدة البكاء ..
لقد قضت الليل بطوله تبكي وتنتحب وقد عادت الذكريات السوداء إليها من جديد .. تأملها زياد بألم عميق وقد أدرك في تلك اللحظة أنه يحبها وبشدة ..
لقد ظن أن مشاعره نحوها لا تتعدى الإعجاب وأنه لا يحبها .. ظل يقنع نفسه طوال الوقت بهذا خاصة بعدما ارتبطت بأخيه ..
أفاق من أفكاره على صوتها تناديه برقتها المعهودة :
" زياد .."
لم يشعر بنفسه إلا وهو يدفعها الى الداخل ويدلف خلفها غالقا الباب خلفه متسائلا بنبرة قلقة :
" انتي كويسة ..؟!"
هزت رأسها نفيا وقد عادت الدموع تطفر من عينيها ليتمنى في داخله أن يحتضنها ويخفف عنها ..
سيطر عليه في تلك اللحظة الشعور بالعجز .. العجز من مواساتها وتخفيف عذابها ...
" متعيطيش يا زينة .."
قالها برجاء خالص لتحاول زينة كتم شهقاتها وهي تجيبه :
" مش هعيط .."
لعن نفسه لأنه إتهمها يوما بالخيانة والخطيئة ، كيف صدق أن ملاك مثلها قد يخطأ بهذا الشكل ، إنها بريئة للغاية .. بريئة بشكل يعجز عن تفسيره ..
حتى ملامحها تنطق بالبراءة والعفوية والطفولية ..
" تعالي اقعدي هنا .."
قالها زياد وهو يجذبها من ذراعها ويجلسها على الكنبة ثم جلس بجانبها وقال بلهجة وديعة :
" ممكن تهدي ..؟!"
أومأت برأسها وهي تمسح وجهها بباطن كفيها ليهتف زياد بصوت هادئ :
" أوعدك يا زينة إنوا اللي عرفته ده مش هيعدي بالساهل وإني هجيب حقك منهم .."
نظرت إليه من تحت أهدابها وسألته بحيرة وإضطراب :
" هتعمل ايه ..؟!"
أجابها بشرود :
" هتعرفي بعدين ، بس ألاقيهم الأول .."
عارضته بسرعة وخوف :
" لا يا زياد ، ماجد واحد واصل بلاش تورط نفسك معاه .."
نظر إليها بعدم تصديق وقال بغضب لم يستطع السيطرة عليه :
" انتي بتقولي ايه ..؟! عايزاني اسيبه ..؟! انتي عارفة كل اللي حصل معاكي حصل ليه ..؟! حصل بسبب خوفك وسلبيتك وهبلك .."
تراجعت الى الخلف بعينين متسعتين محاولة إستيعاب ما تفوه زياد به بينما استعاد زياد وعيه أخيرا وأفاق من نوبة الغضب التي سيطرت عليه ليهتف بسرعة متأسفا :
" زينة ، انا اسف .."
ابتلعت زينة ريقها وقالت بملامح شاحبة :
" متعتذرش يا زياد ، انت معاك حق .. كل اللي حصل بسبب سلبيتي وهبلي .."
هز رأسه نفيا وقال بتوسل :
" متقوليش كده ارجوكي ، انا اتسرعت وقلت كده .. انتي مكانش قدامك حل تاني ، كان لازم تخبي عشان تعيشي ..."
نظرت إليه بملامح متعبة .. متعبة من كل ما مرت وما زالت تمر به قبل أن تهتف أخيرا بنبرة مرهقة :
" انا تعبت ونفسي ارتاح .."
" هترتاحي ، أوعدك بده .."
نظرت له بصمت بينما نهض هو من مكانه وأخبرها أنه سيذهب الى شركته تاركا إياها تتابعه وصوت كلماته يتردد داخل اذنها " هترتاحي ..."
..........................
دلف زياد الى شركته واتجه نحو مكتبه ليخبر السكرتيره وهو يمر من أمامها :
" خلي منتصر يجيني حالا .."
دلف الى داخل مكتبه ليتفاجئ برنا تنتظره هناك ..
" رنا ، انتي بتعملي ايه هنا ..؟!"
سألها مصدوما من وجودها في مكتبه بينما نهضت هي من مكانها واقتربت منه تعاتبه بحزن :
" كده بردوا .. هو ده إستقبالك ليا يا زياد..."
ربت زياد على كتفها واعتذر منها مبررا موقفه :
" انا اسف يا رنا .. انا بس تفاجئت من وجودك .."
قالت رنا مفسرة سبب مجيئها :
" انا جيت عشان اتكلم معاك ... محتاجة اتكلم معاك ضروري .."
أشار لها زياد طالبا منها أن تجلس على الكرسي ليجلس هو أمامها ويسألها بقلق :
" احكي يا رنا .. فيه ايه ..؟!"
أجابته بتوتر :
" مش ناوي ترجع البيت يا زياد ..؟! ولا انت خلاص صدقت إنك هتتجوز زينة وتحميها ..؟!"
نظر إليها زياد وقال بنبرة قوية حازمة :
" زينة مسؤوليتي يا رنا سواء رضيتوا بده أو لا ، هي غلطت صحيح بس ده مش معناه إني أسيبها كده .. لازم أوقف جمبها وأساعدها وأحميها .."
" غلطت ..!! هي غلطت غلطة عادية مثلا ..؟! دي قتلت أخوك .."
أشاح زياد وجهه بعيدا عنها لتهتف بعدم تصديق :
" هي عملتلك ايه عشان تدافع عنها وتحميها بالشكل ده ..؟! نفسي افهم ضحكت عليك ازاي ..؟!"
" كفاية يا رنا ، زينة ملهاش دعوة بكل ده .. هي عمرها مطلبت مني أفضل جمبها أو أحميها .."
قالها زياد بعصبية واضحة لتردف رنا بسخرية :
" لا واضح إنها قدرت تخدعك وتمثل دور البراءة عليك زي ما عملت مع علي قبل كده .."
زفر زياد أنفاسه بقوة وقال بضيق :
" قلتلك كفاية يا رنا .. كفاية .."
نهضت رنا من مكانها وقالت بنبرة متأسفة :
" للاسف مكنتش منتظرة منك ده .. انا اصلا جيت عشان أقولك انوا ماما تعبانه وعايزاك ترجع البيت تاني .."
ثم أكملت بسخرية مريرة:
" ماما مش قادرة تستحمل بعد ابنها اللي فاضلها من الدنيا ..."
تطلع إليه بعجز بينما خرجت هي من الغرفة بعدما رمته بنظرات مزدرءة ليدخل في نفس اللحظة منتصر وهو يقول متسائلا بدهشة :
" هي رنا كانت بتعمل ايه هنا ..؟!"
أجابه زياد بتهكم :
" كانت جاية تقطمني .."
تطلع إليه منتصر بحيرة بينما أكمل زياد بجدية محاولا أن ينسى كلام رنا :
" ها عملت ايه ..؟! جبتلي المعلومات اللي تخصه ..؟!"
أومأ منتصر برأسه وهو يجلس امامه هاتفا بجدية :
" طلع هو نفسه اللي قلتلك عليه ، عنده ولد وحيد اسمه ماجد .. "
" جبت معلومات عن الولد ..؟!"
أومأ برأسه وقال :
" ايوه كل المعلومات بتقول إنه ولد محترم جدا وخلوق .. بيشتغل فشركة والده .. حتى والده نفسه رجل محترم وشريف ..."
" انت متأكد من الكلام ده ..؟!"
سأله زياد مصدوما لما يسمعه ليرد منتصر بجدية :
" ايوه متأكد طبعا ..."
شرد زياد في كلام منتصر وأخذ يقارنه مع كلام زينة ليجده على النقيض تماما ..
الفصل العاشر
أمام إحدى أهم شركات الإستيراد والتصدير في البلاد أوقف هو سيارته معطيا مفاتيحها الى الحارس الخاص بالشركة ثم اتجه بخطوات عملية الى داخل الشركة ..
وصل الى مكتبه الذي يقع في الطابق الخامس ليجدها جالسة على مكتبها تعمل على حاسوبها الشخصي بتركيز شديد ..
تأملها مليا بنظرات عاشقة وهي شاردة في عملها غير منتبهة لكل ما يدور حولها ..
أفاق من شروده أخيرا ليستوعب ما يفعله فتنحنح مصدرا صوتا وهو يلج الى الداخل ملقيا تحية عملية عليها :
" صباح الخير .."
نهضت هي من مكانها على الفور و أجابته بنفس العملية :
" صباح النور يا فندم .."
تحرك الى داخل مكتبه ضاغطا على أعصابه بقوة كي لا يستدير نحوها وينظر إليها بينما عدلت هي حجابها وجلست مرة اخرى على مكتبها ..
بعد لحظات قليلة وجدته يطلب منها أن تدخل إليه فسارت نحو المكتب وولجت الى الداخل قائلة :
" نعم با فندم ..؟!"
" جهزتي الملفات اللي تخص الصفقة الجديدة ..؟!"
أومأت برأسها وهي تجيبه بتأكيد :
" ايوه يا فندم وراجعتها ..
" كويس ، تقدري تروحي تشوفي شغلك .."
خرجت هي من مكتبها ليدلف بعد لحظات صديقه وأحد الموظفين في شركته هاتفا بنبرة مرحة :
" صباح الخير يا بوس .."
" صباح النور ..."
" أخبارك ايه..؟!"
" كويس .."
تطلع صديقه إليه وشعر بأنه ليس بخير فسأله بقلق :
" مالك يا ماجد ..؟! شكلك مش مرتاح .."
تنهد ماجد وقال بجدية :
" تعبان شوية يا مؤمل .."
" تعبان ليه ..؟!"
سأله مؤمل بحيرة ليرد ماجد بجدية :
" موضوع ريم من جهة ، وضغط الشغل .."
" انت لسه مصر على موضوع ريم ..؟!"
قال ماجد بسرعة وإصرار :
" طبعا مصر ، انا بحب ريم وهتجوزها .."
نظر إليه مؤمل بعدم إقتناع لكنه لم يشأ أن يزعجه بحديثه حول هذا الموضوع بينما شرد ماجد في مشكلته التي لا يوجد لها حل ..
...................................
عاد زياد الى الفندق مساءا بعد يوم طويل قضاه في العمل ..
دلف الى جناحه وألقى بجسده على السرير بتعب قبل أن يخرج هاتفه من جيبه ليجد دينا قد اتصلت به مرات عديدة .. أغلق الهاتف مرة اخرى ورماه بجانبه على السرير ثم اعتدل في جلسته وأخذ يفكر في حديث منتصر عن ذلك المدعو ماجد ، هل يعقل أن يكون ماجد شخص محترم مثلما أخبره منتصر ..؟! أم إنه يخدع الجميع مدعيا حسن الخلق والإحترام أمامهم ..؟!
أفاق من أفكاره تلك على صوت طرقات على باب جناحه ، اتجه نحو الباب وفتحها ليتفاجئ بزينة أمامه ، فسح لها المجال كي تدخل لتلج الى الداخل بخطوات خجول مترددة ..
التفتت زينة نحوه بعدما أغلق زياد الباب وسار خلفها ، تأملها زياد مليا قبل ان يسألها بحيرة :
" فيه حاجة يا زينة ..؟!"
أومأت برأسها دون أن ترد فوجد نفسه يسألها بنفاذ صبر :
" فيه ايه ..؟!"
أجابته بتردد :
" جيت أكلمك عشان موضوع ماجد .."
" ماله ..؟!"
سألها زياد بسرعة وترقب لترد بجدية :
" انت ناوي تعمل ايه معاه ..؟!"
أجابها زياد وهو يقترب منها بخطوات مدروسة :
" هعاقبه العقاب اللي يستحقه ، بس انتي بتسألي ليه يا زينة ..؟!"
ثم أكمل وهو يميل بوجهه ناحية وجهها :
" مهتمة فالموضوع ده كده ليه ..؟!"
شعرت زينة أن هناك شيئا ما وراء سؤاله فقالت :
" انت بتكلمني كده ليه ..؟! هو فيه حاجة ..؟!"
وجد زياد نفسه يخبرها بصراحة تامة عما سمعه وعرفه عن ماجد :
" انا سألت عن ماجد حافظ عبد الرحمن ، وعرفته ، طلع شاب خلوق محترم ملوش فالمشي البطال.."
" كذب ، اكيد ده واحد تاني . ."
قالتها زينة بسرعة وهي تهز رأسها نفيا بعدم تصديق ليردف زياد بقوة :
" للأسف مش كدب ، انا إتأكدت إنو هو نفس الشخص من خلال الكلية اللي درس فيها واللي نفسها كليتك .."
تطلعت زينة إليه بنظرات مضطربة وقالت بنبرة تائهة متحيرة :
" ازاي ..؟! الكلام ده كدب .. أمجد عمره مكان محترم او كويس ...أمجد ده اغتصبني عشان رفضته .."
ثم أكملت وجسدها يرتجف وعيناها تترجانه أن يصدقها :
" والله كدب يا زياد ، متصدقش الكلام ده ، صدقني ارجوك .. بلاش متصدقنيش انت كمان ..."
قالت جملتها الأخيرة بوجع وإنهيار ليقترب زياد منها ويحتضنها هاتفا بمؤازرة :
" اهدي يا زينة ، انا مصدقك .."
لا تعرف لماذا شعرت زينة بالأمان بين أحضانه .. أمان افتقدته لوقت طويل ..
اما زياد فتنحنح بتوتر وهو يفكر بأن هذه الوضعية لا تجوز أن تستمر فأبعدها عنه بحرج وقال :
" انا لازم أشوف ماجد ده .."
" انت مصدقني مش كده ..؟!"
سألته زينة بعينين دامعتين ليومأ برأسه دون رد فتتنهد زينة بإرتياح وهي تفكر أن الله يحبها لدرجة أنه بعث زياد لها كي ينقذها مما هي عليه...
..................................
بعد مرور اسبوعين
خرج زياد من الفندق صباحا متجها الى شركة حافظ عبد الرحمن ، لقد قرر أن يبدأ في خطته التي قررها منذ وقت طويل ..
وصل إلى هناك ليجد السيد حافظ وماجد ابنه ومجموعة من موظفي الشركة الأساسيين في إنتظاره ...
ألقى التحية عليهم ليجد الترحيب الحار منهم فهو زياد الشريف والذي تعاملهم معه يعتبر مكسب كبير لهم ..
جلس الجميع يتحدثون بشأن البضاعة التي يريد زياد استيرادها بالتعاون مع شركتهم ..
اتفقوا على كل شيء ليقول زياد أخيرا :
" بمناسبة توقيع العقد انا عازمكم الليلة على العشا في الفندق اللي مقيم فيه حاليا .."
قال حافظ بجدية :
" ميرسي يا زياد بس انا للأسف مشغول النهاردة جدا ... ممكن ماجد يحضر .."
قال ماجد بسرعة :
" اه طبعا ده شيء يشرفني .."
ابتسم زياد بإنتصار وحيا الجميع مودعا إياهم بعدما أعطى عنوان الفندق لماجد وأكد عليه أن يحظر مساءا ...
...................
وقف زياد أمام المرأة يعدل ربطة عنقه وهو يفكر بأن اليوم سيعرف جزءا من الحقيقة أو ربما الحقيقة بأكملها ...
اليوم سيتأكد اذا ما كانت زينة صادقة في حديثها أو لا ..
انتهى من تعديل ربطة عنقه ليحمل سترته ويرتديها قبل أن يخرج من الغرفة ويتجه الى جناح زينه ..
لقد أقنعها بعد عدة محاولات أن تحضر هذه العزومة معه مخبرا إياها أن ضيفة هو صديق له من أيام الجامعة ...
وبالرغم من عدم اقتناعها وعدم فهمها لإصرار زياد على حضورها خاصة بسبب وضعها الإجتماعي إلا أنها وافقت على مضض ...
خرجت زينة من جناحها وهي ترتدي فستان أسود قصير وتضع مكياج خفيف ، ابتسم زياد ساخرا وهو يفكر أنها تنسى أحزانها بسرعة بينما تأملته زينة بحرج قبل أن يبتسم في وجهها وهو بقول :
" جاهزة ..؟!"
أومأت برأسها ليتجه بها الى المطعم حيث سيأتي ماجد الى هناك ..
دلف الاثنان الى المطعم وجلسا على طاولة الطعام ينتظران قدوم ضيف زياد ..
دلف ماجد بعد لحظات الى المطعم ومعه اخته الصغرى لينا ، تقدم نحو الطاولة التي يجلس عليها زياد غير منتبها لزينة التي تجلس أمام زياد مولية لهما ظهرها ...
ما إن وصل ماجد الى الطاولة حتى تصنم في مكانه غير مصدقا لما يراه أمامه ...
تصنمت زينة هي الأخرى في مكانها محاولة أن تستوعب ما تراه قبل أن تهتف بعدم تصديق :
" ماجد .."
تكملة الروايه من هنا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا