القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية شظايا قسوتة من البارت 11الي البارت 20 بقلم رحمة سيد كامله

 


رواية شظايا قسوتة من البارت 11الي البارت 20 بقلم رحمة سيد كامله 






رواية شظايا قسوتة من البارت 11الي البارت 20 بقلم رحمة سيد كامله 


شظايـا قسوتـه 


الفصل الحـادي عـشـر : 


ومـن دون مقدمـات وجـدت نفسها هي من أسفـله .. هو من يطـل عليهـا بهيئتـه الشامخـة .. 

كالعـادة عينـاه السوداء الحادة كسيـف مميت تختـرقهـا، وزفـرات الهواء الخشنـة تلفـح صفحة وجههـا الأبيض .. 

لتغلق عيناهـا خشيةً من تلك النظـرات التي تهـدم أي ثبـات داخلهـا !! 

تشكـل هجومًا عنيفًا على خصوصيتهـا في الثبات والأستقلال امامـه !! 

بينمـا هي في دائـرة ذاك الأقتـراب الخطـر، وما يعنـي أن دقاتهـا تُبطئ بخوف رويدًا رويدًا !!!!! 

قطـع ذاك الصمت صوتـه الأجش وهو يسألها :

_ كنتِ بتعملي إية ؟ 

رفـعت كتفيـها قليلاً تحاول إختلاف البرود :

_ كنت آآ كنت بس بجيب الهدوم المش نضيفة عشان داده فاطيمـا هي اللي طلبت مني، غير كدة والله مكنتش طلعت صدقني وبعدين انا مش مستغنية عن آآ ..

قاطعهـا بجدية خبيثة :

_ هشش افصلي شويـة،  وبعدين حد قالك إن الهدوم عليا ولا إية ؟ 

همسـت ببلاهة :

_ أكيد لأ يعني 

رفـع حاجبـه الأيسر يسألهـا :

_ امـال إية 

مدت يدهـا تحاول دفعـه متابعة بتلعثم :

_ طب آآ ابعد بقا لو سمحـت

سألها بعبث :

_ ولو مابعدتش ؟ 

ولا تعرف ما جعلها تتحـداه بقولها :

_ هقـول لخالتو جميلة ودادة فاطيما، الصقر حابسني في اوضـة 

كادت تنطـلق منه ضحكة خافتة على تلك الطفلة التي بين يديـه .. والان ادرك سبب انجـذاب الجميـع لها 

روحهـا التي تأسرهـم بخيوط طيبتها وحنانهـا !!! 

واجاب بجدية مصطنعة :

_ قولتلك أنا الصقر، مابخافش من اي حد غير اللي خلقني 

اومـأت مسرعة بتوتر انتهى من افتراشه على ملامحها التي كانت هادئة :

_ طيب انت اصلا مفيش حد زيك، ممكن تبعد عشان لو حد شافنا هتحصل حاجة مش كويسة ابداً 

مـط شفتيـه وهو يردف :

_ معنديش اي مشكلة عادي يعني هما متعودين على كدة 

ووغـزة في قلبها جعلتها تسأله :

_ اية ده، يعني متعودين يدخلوا يلاقوك مع واحدة في اوضتك !!!؟ 

ولاحـت ذكـرى تقبيله للفتـاة جالبه معها " نكد " فطري للأنثى - المصرية - في اوقات التوتـر !!!! 

اقتـرب اكثر ليداعب انفهـا بأنفه مشاكسًا :

_ وإنتِ مالك اتضايقتِ لية ؟ 

هـزت رأسها نافية :

_ لا خالص وانا مالي اصلاً 

اقتـرب رويدًا رويدًا، وكاد يلتهم شفتاها فأبعدت رأسها على الفور لتتفاداه فارتكزت القبلة على رقبتهـا البيضـاء التي ظهرت أسفل حجابها !!!! 

وشعـرت انه صـك ملكية لها إهانة ابدية !! 

ثم دفعته بكامل قواها المختزنـة، وابتعد هو بأرادته فنهـضت وكادت تسير إلا انه اوقفهـا :

_ هو انا قولت لك تمشي ؟ 

أمـر جديـد يقيدهـا دون إرادتهـا .. قيـده كلمة منه !!!! ولكن كلمة ملغمة بالتهديد المعهود في نبراتـه .. 

فألتفتت له متساءلة بخجل وضيق معًا :

_ نعم في حاجة تانـي ؟ 

غمـز لها بطرف عينـاه متابعًا :

_ ماخدتيش الهـدوم 

ابتسمت نصف ابتسامة محرجـة من الأرتباك الذي فرض مقاليده على ذاكرتها فأنساها ما أتت له !! 

ولأول مرة يبادلها الأبتسامة الهادئـة !!!!! 

معجـزة ستدون في تاريخهما معًا 

" الصقـر يبادلها الابتسامة ؟!!!!!! " 

إلتفتت تأخذ الملابس مسرعة متلعثمة، لتسمع صوته الجاد وهو يدعك رأسه :

_ اعمليلي كوباية قهوة يا سيلا لو سمحتِ

اعترضت هادئة :

_ مينفعش قهوة على الريق كدة 

هـز رأسـه نافيًا بنفس وتيرة الهدوء :

_ لأ انا مش لسة صاحي، صاحي من بدري بس كنت بشتغل وغفيـت في النوم 

اومـأت موافقة : 

_ حاضر 

ثم إستدارت تغادر، تركتـه متعجبًا من حالة الهدوء تلك !! 

والأعجـب " الصقر يبرر لشخصًا ؟؟!!!!! " 

ضرب رأسه برفق هامسًا لنفسه :

_ في إية فوق من امتى وانت بتبرر تصرفاتك لحد !!!! 


                          **********


دلـفت رقيـة إلى غرفتهـا بهدوء، إرهـاق يتلبسهـا من نومتهـا على الأريكة في المستشفى بجوار جدهـا .. 

بالطـبع السبب إصرارهـا على البقاء..  

لم تفعل شيئ وفجأة وجدت مجدي يضيئ النـور جالسًا على طرف الفـراش !! 

نظـرت له بذهول للحظـات قبل أن تسألـه ببلاهة :

_ مجدي إنت هنا ؟ 

سـؤالها بالرغـم من سذاجتـه، إلا انه وصلـه مرافقًا بالصدمة وعدم الرغبة !!! 

فنهـض يقول بسخرية :

_  أية مكنتيش متوقعة أني اجي ولا أية ؟

ونفسهـا الثائـرة الغاضبة ... 

كرامتهـا كزوجة وانثى عاشقـة، هي من نطقـت بحـروف كستها بالحدة والسخرية :

_ اه مكنتش متوقعة ولا عايزة اصلاً 

طحظت عيناه بصدمة فلم تعطيه فرصو للرد وقالـت :

_ اصل عرفت ان صباحيتك النهاردة صح مبروك 

للحظـة كان سيتهاون أمام الحزن الذي قرأه بين سطـور عيناها ... 

سينسى كالعادة ويتغاضى ليأخذهـا في رحلة جديدة من العشق يعلمها فيها حروف الأبجدية !!

ولكـن كلمات والدته تـرن في اذنيه كأجراس تأمره ببدء الحرب واخذ الثأر !!

فبادلها بنظرات قاسية وهو يردف مزمجرًا :

_ انا حر اجي وقت ما اجي عشان اشوف مراتي، واه كانت صباحيتي عاجبك ولا مش عاجبـك ؟! 

لا تصـدق ذاك الجبـروت والبـرود الذي يضعهم امامها كغـلاف لعيناه المبررة !!!!! 

ولكنها الاخرى اومأت ببرود :

_ اه مش عاجبني، وبعدين خلاص مبقاش من حقـك 

واصطنـع عدم فهم مغزى عبارتهـا الذي كان يظهر بكل وضوح وهو يسألها :

_ يعني أية ؟ 

رفعـت كتفيها مجيبة ببرود :

_ مش معقول الحاجة الوالدة ماقالتلكش ولا اية، تؤ تؤ ماتقوليش انها اتكرمت وكانت بتحافظ على بيت ابنها اللي هي عايزه تخربه اصلاً 

كـز على أسنانه بغيظ وقال محذرًا :

_ رقية أعرفي لكلامك عشان مش همسك أعصابي اكتر من كدة 

وجـدتهـا كحلقـة امامهـا مفتوحـة لتدلف فيها لتحرقه اكثر كما احترقت هي 

ولكنها لم تلحـظ أنها من الممكن أن تُحرق هي، وصاحت فيه مشيرة :

_ لا مش هراعي، مش هراعي ومش هعرف لكلامي زي ما انت ماراعتش شعوري لما روحت اتجوزت عشان تخلف، ماراعتش أن انا كمان اكيد نفسي اخلف، ماراعتش أن كل ده بسببك اصلاً انت بس، أنت اللي حرمتنا إحنا الاتنين من الحق ده

إتسعـت حدقتـا بصدمة !!!!! 

توقـع جرحهـا وحزنهـا منه، ولكن لم يتوقع ذاك العمق الذي يجعلها تُسبب الاسبـاب بشكل خاطئ - من وجهة نظره - 

فسألها هامسًا بصدمة :

_ أنا السبب !!! اللي يشوفك يقول إن انا فضلت اصلي وادعي ان ربنا يجعلك مابتخلفيش ؟! 

وهي الاخـرى لم تصـدق ما قالتـه .. تركـت لجـام غضبها قليلاً فكادت تحرق نفسها بهذا الغضب قبله !!!! 

ويا ويلها أن علم أنها تأخذ - مانع للحمل - بأستمرار !!!!!!؟ 

هـزت رأسها نافية بيأس :

_ خلاص على العموم الكلام مابقاش ينفـع يا مجدي 

تغاضى عن كلامهـا وهو يسألها بغضب اعمـى لإهانة والدتـه :

_ ثم أنك ازاي تعملي مع امي كدة، وهي في بيتك كمان ؟! 

اجابته دون تردد بحماقة :

_ وأنت كنت عايزني اعمل اية، ده كويس جدًا إن معملتش اكتر من كدة كمان 

 وعندمـا تتكاثـر الصدمة عليك في شخصًا كنت تعتقـده شيئً كامل ما به سوى ثقوب صغيرة !!!

وتتفاجئ أن تلك الثقـوب اصبحـت حفـرة واسعة .. وجدًا !! 

تزداد رغبتك في حرق ذاك العشق لتظهر رائحته إن كان له رائحة !!!! 

أشار لها بيده مذهولاً :

_ يعني إنتِ بتقولي ادامي عادي ومش هامك أن دي امي ؟! 

اومـأت بكل بـرود :

_ ايوة لان انا مغلطتش كنت باخد حقي 

وكلاً منهم يرى من قالب معيـن .. 

هي لم تهيـن والدته من الأسـاس 

وهو يراها تتفاخـر بإهانة والدتـه امامه !!! 

وعُقـد لسانه فلم يجـد سوى الصفعة ردًا على إهانة تردد صداها عليه هو !!! 

ولم تجد هي سوى الصراخ في وجهه باهتيـاج :

_ طلقني يا مجدي، طلقني انا مستحيل اعيش معاك 

اومـأ بأنفعال :

_ هطلقك يا رقية لإن انا مابقتش عايز واحدة بتهين امي ومابتخجلش من غلطها !!!!!!!!! 


                         *********


ركـض ياسيـن لسيارتـه منطلقـــًا لدار الأيتـام !!! 

ألف فكرة وفكرة مخيفة وردت على عقله فجعلته يسـرع اكثـر كطيـر يرغب التحليق ليلحـق بما تبقى من الأمل !! 

قلبـه يعتصـر بخـوف حقيقي، يعتصر بعصابة مميتة تشكلت على هيئة جملته السابقة للمرضة :

_ أقفلوا عليها الباب وأنا جاي 

لعن لسانه في تلك اللحظة .. 

يا ليتـه لم يخبرها بأغلاق ذاك البـاب !! 

يا ليتـه لم ينطقهـا ويأسرهـا مع وحوشها الخيالية فلا تجـد من تختبئ خلفه

 فتُفضل حافة الموت لتختفي خلفها ومـعها !!!!! 

وصـل امام الدار فترجل من سيارته وقدماه تتحرك نحو الداخل تلقائيًا .. 

وجـد سيارة الأسعاف امام الدار .. 

فازداد قلقـه اضعافًا !! 

دلـف ليجـدهم يحملـوها متجهين لسيارة الأسعـاف .. 

ظل يمسح على شعره عدة مرات وهو يرى  صفحـة وجهها الأبيض اصبحـت شاحبة كشحـوب الموتى .. 

الدمـاء تغطي يدها اليمنى !!!! 

وشفتاها الورديـة اصبحت كزهرة ذبلت !!! 

شفتاها فقط .. 

اصبحـت هي شخصيًا زهـرة لم تجـد حارسـها فاختارت الذبـلان طريقًا إجباريًا !!!!!!!؟ 

واللوم لنفسه لا يتركه فيلتف حوله كسلاسل حديدية تخنقـه .. 

اتجه لسيارة الأسعاف، فسأل الطبيب بوجه واجم :

_ هينفع أركب معاهـا ؟ 

سأله بهدوء :

_ بصفتك ؟ 

اجابه بأسف :

_ الدكتور النفسي بتاعها، بس ضروري أكون معاها 

اومـأ الاخر مشيرًا لها :

_ طيب يلا بسرعة عشات بتنزف 

استقـل السيـارة معهم وتلقائيًا امسـك يدهـا، وهو جالس لجوارها يهمس بأسمها بحزن وضيق :

_ نادين، أنا اســف 

ولكن بالطـبع لا من مجـيب، سمـع فقط همسـه صدرت بصعوبة :

_ ســ سلـيم !!!!! 

بالـرغم من صدمتـه .. من تعجبه وأندهاشـه، إلا ان جزءً من الاطمئنـان طاف بخلده، على الاقل هي بخير الان !!!! 

مـاذا عسـاه أن يفعل ؟!! 

اخـرج بهاتـفه ليتصل بتلك الممرضـة، والتي اجابته بسرعة :

_ ايوة يا دكتور ياسين ؟ 

_ مين سليم اللي بتقول أسمه ؟ 

_ اخوهـا يا دكتور 

_ اخوها ازاي ؟!!!! 

 _ اللي جابها هنا يعني قصدي 

_ على العموم مش وقته، أتصلي بيه وعرفيه اللي حصل خليه يجي على المستشفى 

_ على اي حال هو هيعرف لأنه صاحب الدار، لكن حاضر هاتصل بيه حالاً 

_ سلام 

_ مع السلامـة 

اغلـق الهاتـف وهو يتنهـد بقوة .. 

يسأل نفسه بحيـرة لمَ شعـر بفتيـل حارق داخله يشتعل من همستها تلك ؟؟؟!!!!! 


                         **********


جـلـس سليـم مع جميلة في مربـع اسرارها - حديقة المنزل الواسعـة - يرتشـف القهـوة بهدوء في الهواء الطـلق .. 

عله يفـرغ عقلـه من تساؤلات كثيرة متشابكة بعقله لا تتركـه !!! 

نظـر لخالته التي كان حالهـا لا يختلف عن حاله كثيرًا وقال بهدوء :

_ بقولك إية يا خالة 

حانـت منها إلتفاتـه منتبهة، ليسألها :

_ متعرفيش داريـن هنا في الأقصـر ولا لا

رفعـت كتفيهـا مجيبـة بلامبالاة :

_ لا والله معرفش، ده انا حتى مابكلمش امها بقالي شوية كدة 

عقد ما بين حاجبيه بسخرية غير مقصودة :

_ لية يا خالة مش دي اختك وبنت اختك الأمورة اللي دبستيني في خطوبتها 

قهقهت جميلة متابعة :

_ لا صدقني يا سليم البنت مش وحشة، هي بس محتاجة شوية تظبيط وانا متأكدة أنك انت اللي هتعمل كدة 

اومـأ بغرور لا يصطنـعه .. 

كلامـها يشبـع غزيرتـه الرجولية الحادة المتكبـرة !!! 

وإرتشـف من القهوة قائلاً :

_ اه طبعاً هو انا اي حد، ده انا سليم الصقر

ووجدت حنينها لأستسلامه هو من يسأله :

_ لأمتى يا سليم ؟ 

إلتفت لها بهدوء :

_ لأمتى اية ؟ 

اكملت بتنهيدة :

_ لأمتى هتفضل تقـول سليم الصقر، إنت مش سليم الصقر، ليك اسم عيلة يا حبيبي 

عائـلة !!!! 

كلمة وضـع عليها - غبارًا - من النسيـان عن عمـد !! 

 كلمة كرهها حرفيًا ولم يعد يريد حتى تدخلها ولو بلفظ في حياته !! 

وأردف بعنـف وهو يترك قهوتـه :

_ لأ يا خالة، اسمي سليم الصقر بس، وأن كنتِ بتحبيني فعلاً ماتجبيش السيرة دي ادامي تاني 

وكالعـادة كادت تعتـرض، ولكن قاطعتهـا رنات هاتـف سليم 

التي وكأنها شعرت بدقاتـه التي كادت تتوقف من كثرة الأنفعـال !!!! 

ليجيـب سليـم بجدية :

_ الوو نعم 

وحدق امامه وهو ينهض :

_ نعممممم، انا جاي حالاً 

واغلـق الهـاتف ليهـرع لغرفته ركضًا لتبديل ملابسـه والاتجـاه للمستشفى دون ان يشرح حتى لخالته التي سألته بقلق !!!! 


                           ***********


أمـام المنـزل .. بمسافـة متوسطـة الى حدًا ما، كـانا رجـلان ملثمـان، ذوي عضلات مفتولة وملابـس سـوداء توازي حلكـة قلوبهـم الخاضعة تحت حـب الأموال وطاعة من يعطيها لهم !!! 

رفـع احدهم الهاتف يجيب :

_ ايوة يا باشـا 

_ انتوا فين، وشوفتوه ولا لا 

_ اهوو خارج ادامي يا باشـا 

قالها وهو يراقـب بعينـاه سليم الذي خرج لتوه من المنزل مسرعًا فأمره الاخر :

_ تدخلوا براحة وبدون مشاكل محدش يحس بيكـم 

فتابـع الاخر مؤكدًا :

_ حاضـر يا باشـا حاضر 

_ تخلصوا اللي امرتكم بيه وتمشوا علطول

_ اوامـرك 

_ بس لو حد حس اوعوا تستسلموا ليه وخلصوا عليه هو كمان 

_ اكيد يا باشا 

_ خلص واديني خبر 

_ حاضر يا باشـا تحت امرك 


أغلـق الهـاتـف وهو ينظـر لصديقه هامسًا بخبث :

_ يلا يابني، قتلة تفوت ولا حد يموت !!!!!!  

                           *********


يتــبـع


شظـايـا قســوته 


الفصل الثانـي عـشـر : 


أستـعدت " سيـلا " للرحـيل، استعـدت للفـرار من مستنقـع الإهانـات التي لم تُنـسب لها من الأسـاس !! 

واستأذنـت " فاطيمـا " في بعض الأموال للعودة للقاهـرة، وبالطـبع لم تمنـع الاخرى بسبب جهلها في الأمـر، والطيبة التي غمـرت بهـا سيلا !!!!

ظـلت تنظـر بكـل جـزء من المنزل بابتسامة لا تعـرف هي حزينـة .. ام سعيدة للعودة .. ام مشتـاقة !!!؟ 

لن تخـبر أي شخـص بذاك الرحـيل ؟! 

لن تتركـهم يؤثـروا عليها ولو للحظـة، إن كانت ستشتـاق لهم ذرة أشتيـاق .. 

فأشتياقهـا لأهلها اضعـاف الذرات التي تحثها على الإسـراع !! 

ولا تعـرف تحديدًا ما الـذي اجبـرها على الاتجـاه لغرفـة " سليـم " في هذا الوقت تحديدًا الذي تعلم فيه أنه غير متواجد !! 

السـبب مجهـول .. واجابته غير مرغوب بها ابدًا !!!!! 

وصـلت امام الغرفـة، وشيئ خفـي يجعلها تُكـمل ما أتـت له !! 

تريد سبـر أغـوار غامض وحاد ولو مرة !؟

فتحت البـاب ودلفت لتغـلق البـاب خلفهـا 

شعـرت بحركـة خفيفة في الغرفـة فأنقبض قلبها بين ضلوعها بخـوف بدء يتسلل لخلايـاها وهمست :

_ في حد هنا ؟! 

من تهاتـف وهي تعلم أنه من المفتـرض عدم تواجد أي شخـص !!!!!؟ 

وعند هذه النقطـة اضطربـت انفاسهـا، وأمتلك القلق قلبها بقبضته ... 

إلتفتت مرة اخرى بفـزع :

_ مييييين !!؟ 

بينما الاخـرون يشيـران لبعضهمـا، فأشار احداهما للأخـر فانطـلق باتجـاه سيلا التي ما إن استدارت حتى فاجئهـا بقطعة قطنية مخدرة افقدتهـا وعيهـا على الفـور !!!!!! 


                           **********


وصـل سليـم ركضًا نحـو المستشفـى، وقلبـه لا يتركـه الهـلع والأرتيـاع .. 

هلع من فقـدان ما لا طاقة له به، فقـدان سيأسـره خلف جدران الوحدة والانتقام مرة اخرى !!!! 

وهل له من طاقة للمتابعـة ؟! 

وبلا شــك بالطـبع لا .. نفذت وأنتهى الأمر ..

وسؤاله للأستقبال المعتاد ليتجـه للغرفة التي قطنت بهـا شقيقته المعنويـة .. 

ليجـد ياسيـن يجلس امام الباب ويـداه تحيـط بوجـهه الأسمر .. تحيطه علها تخفي  خطـوط الأسف واليأس من على محياه !!

فسأله سليم مسرعًا :

_ فين نادين ؟ 

وبادله الاخر السؤال :

_ إنت اخوها ؟ 

اومـأ سليـم مؤكدًا :

_ ايوة انا 

تنهـد ياسيـن وهو يشرحله مهدئًا ... 

هـدوء !!!! 

لم يذقـه هو منذ ما حـدث، والان يرويـه بجديـة عارمـة 

وكأنه ساقي ظمأن يروي زهـوره !!!!

 :

_ الحمدلله الدكتور خرج وطمني، آآ اقصد طمنا يعني، هي بقـت كويسة هي بس نزفت كتير عشان كدة اغمى عليها لكن هي بخير، وعملولها ايدهـا 

اومـأ سليم زافرًا بارتيـاح :

_ الحمدلله 

وسرعان ما سأله بحدية الصقر التي تظهر - تلقائيًا - عند الخطـأ وكأنه عقاب لا ينتظر الحكم :

_ إزاي قدرت تمسك حاجة تنتحر بيها، وأية اللي وصلها لكدة، مش حضرتك الدكتور المسؤل عن نفسيتها 

اومـأ مؤكدًا بأسف :

_ ايوة يا استاذ سليم، بس حضرتك انا كنت فـ بيتي وقت ما عملت اللي عملته، وحقيقي أنا مش فاهم إية اللي وصلها لكدة، مجرد شك بس 

بالـرغم من تأكـده مما حـدث .. 

بالرغم من يقينـه أنه كان سببًا مشتركًا فيما حدث لها !! 

إلا انه نفـى علـه يخفف تلك السلاسل عن عنقـه قليلاً !!!!

فسأله سليم مضيقًا ما بين عيناه :

_ أكيد هنتكلم وهفهم كل ده، بس أتطمن عليها دلوقتِ 

اومـأ وهو يشير نحو الغرفـة :

_ طيب، هي في الأوضة 

سأله مستفسرًا :

_ لوحدها ولا في حد ؟ 

ورد بجدية :

_ المساعدة كانت معاهـا جوة وخرجت من دقايـق 

أتجـه سليـم للداخـل فوجـد ناديـن قد عادت لشرودها الأبدي مرة اخرى .. 

فاقتـرب منها هامسًا بحنان قبل أن يحتضنها :

_ نادووو، سلامتك يا حبيبة أخوكِ 

وابتسامـة ضعيفة لم تنتظـر الأذن شقت شفتاها المرتعشـة !!!! 

وكأن الاستجابـة لا تظهـر إلا عند دفعة الحنـان ؟! 

نظـر في عيناهـا وهو يمسـك وجهها بين يديـه الخشنة برفق ليسألها وكأنها شخصًا طبيعيًا يتحدث معه :

_ سمعت أنك قولتي اسمي وإنتِ بتفقدي الوعي 

لم يجـد استجابـة فأكمل بتنهيدة حارة :

_ صدقيني يا ناديـن زي ما إنتِ محتاجاني أنا محتاجـك أكتر بكتييير 

واحتضنهـا بحنان أخـوي صـادق .. 

وكان ياسين يراقبهم من خلف الزجـاج بأعين متلهفـة .. 

يخشـى المواجهة بصعوبتها واعتذراتها واسفهـا المخـزي .. لا يرغبها بالمرة !!!! 

أشـار له سليم من الداخـل فدلـف بهدوء يقدم واحدة ويؤخر الاخـرى .. 

أصبـح امامهم تمامًا، فأشار سليم نحو ياسين هاتفًا بهدوء لنادين :

_ فكراه يا نادو، ده ياسين الدكتور بتاعـك

وببطئ رفعت عيناها نحـو ياسيـن الذي كان مترقبًا رد فعلها 

رمقتـه بسهام الخزي والخـذلان !! 

والخذلان من حنان كانت بحاجته فلم يكن بجوارها ليمدها به !!!! 

قطـع حديثهم الصامـت صوت الباب الذي فُتح لتوه بعد طرقة خفيفة على الباب، لتدلف الممرضة ممسكة بتقرير في يدهـا، وكادت تعطيـه لياسين إلا ان سليم اخذه منها وهو يسألها بخشونة :

_ إية ده ؟ 

رفعت كتفيها تجيب متعجبة :

_ ده تقريرها يا فنـدم 

سألها مرة اخرى :

_ ايوة تقرير عن أية يعني مش هي كويسة ؟ 

اومـأت مؤكدة بهدوء :

_ ايوة يا فندم هي بخير، بس ده تقرير من دكتور النسـاء في المستشفى عشان نطمن على مدام ناديـن بس !!!!!!!!!!! 

وصدمة كادت تصبـح شهقة !! 

مـدام ؟!!!!!!


                          ***********


كـانت " رقيـة " في غرفتهـا تُعـد الحقائـب الخاصة بـ " مجدي " !! 

مجدي الذي أنطلق من ذاك المنـزل خشيةً من فقـدان أعصابه اكثر من ذلك فينهي اخـر خيطًا يجمعهم معًا !!!! 

نعم .. مازال يبقي على حبًا نبـت بداخله منذ زمـن !!  

إهانتهـا مؤلمـة ولكـن بُعدهـا اكثر إيـلام !!! 

لن يريـها قسوته الجامحة .. 

ولكنه سيُريهـا - شظايـا قسوتـه - !!! 

بينمـا هي .. كعادتهـا في تلك المواقـف تسب وتلعن دون وعي .. 

والإسـراع اول من يجول بخاطرها فيجعلها تقـوم بما لا تتحمله لاحقــــًا !!!! 

انتهـت من اعداد ملابسه في حقيبة واحدة استعدادًا لرحيله المؤكـد !!!! 

نظـرت امامها وهي تزفر بغضب حقيقي حـارق :

_ ماشي أنا هوريكم مين هي رقية 

وفجأة صدح صوته متهكمًا :

_ اممم يا ترى ست رقية هتعمل إية تاني اكتر من اللي عملتـه ؟ 

نظـرت له ببلاهة هامسة :

_ إنت لحقت ترجـع !! 

اومـأ ببرود وصـوت صلبـه :

_ ايوة، قولت لك قبل كدة براحتي

وعـادت لها حماقتهـا وعِندها وهي ترد :

_ لا مش براحتك، ويلا شنطتك أهي

نظـر لها ثم للحقيبة بذهـول !!!!! 

هل حقـــًا أرادت منه الرحيـل ؟! .. لم تعد تتمسـك به لهذه الدرجـة !! 

ازدادت المسافات بينهم لدرجة الاستسلام في الفـراق !!!!! 

وقـال بصوت أجش :

_ لأ 

سألته بعدم فهم :

_ لأ انا غيرت رأيي، مش هطـلق 

فغـرت فاهه وهي تسأله بحـدة مفرطة :

_ نعم يعني أية مش هتطلق هو احنا هنلعب ولا إية ؟ 

ضحـك بسخرية وهي يومئ :

_ بالظبط كدة، لسة هنلعب وهوريكِ اللعب على أصوله 

دقائـق مرت وهي مثبتة نظراتهـا المتعجبـة عليه .. لم تعتـاده ساخر .. لم تعتـاده بـارد، لم يكـن هكذا ابدًا !!! 

تـرى الحـزن والغـضب سهامًا تُغيـر مجرى الحياة والحالة بهذه السرعة ؟! 

خلـع حذاؤه وهو يتابـع آمـرًا :

_ روحي هاتِ لي مياة سخنة عشان تدلكِ لي رجلي 

هـزت رأسها نافية دون تردد :

_ لا طبعًا انت مجنون، مستحيل أعمل كدة

رمقـه بنظرات حادة مخيفة وصدح صوتـه محذرًا :

_ لسانك ده اخر مرة هقولك خدي بالك منه، بعد كدة هقصهولك مش هفوت لان أنا مبقتش زي الأول فاهمة 

نظـرت للجهـة الأخـرى بغيـظ 

بالطبـع لم يبقى كما كـان .. لم يـعد يهدئ ويروي بل يغضب ويحتــد ويجازي إن اضطر الأمـر !!!! 

فصاح فيهـا بجدية :

_ ماسمعتيش ولا إية 

واتخـذت العند الذي لم تجـد غيره سبيلاً كالعادة ونطقـت :

_ لأ، ولو اجبرتني هقول لجدو وبابا هما كدة كدة زمانهم على وصول 

وكأنه تذكر فنهض متساءلاً :

_ صح إنتِ كنتِ فين يا هانم من أمبارح مستني جنابك 

بالرغـم من معرفتـه بأمر الزيـارة، إلا انه وكأنه بسؤاله يرغـب في تأكيد حق امتلاكـه لها والذي لن ينتهي في عُرفه !! 

وردت هي ببرود :

_ ملكـش دعوة 

وفي لمح البصر كان مقتربًا منها يقبض على ذراعهـا بقوة.. قوة بثها لها في نظراته او قبضته القاسية او سؤاله الجامد :

_ انجزي يا رقية مش هتحايل عليكِ، كنتِ فين لحد الصبح 

إبتلعت ريقها بازدراء مجيبة :

_ كنت عند جـدو .. في المستشفى 

اومـأ وهو يسألها :

_ ومقولتليش لية ؟

أبعدت قبضته الحديدة التي تحكمها عن ذراعها وقالت :

_ وهو حضرتك كنت موجود ولا كنت فاضي ليا عشان أقولك 

أشـار للخارج ببرود قبل أن يبدء بخلع قميصـه :

_ طب يلا روحي هاتي الميـاة 

وتلقائيًا ابعـدت بصرها عنه واضطرت للطاعـة، سارت متجهه للخارج ولكن لمحته وهو يمد يده ليفتح الدرج فاسرعت نحوه في لمح البصر جعلته على الفراش وهي تطل فـوقه !! 

نظـر لها بتعجـب وهمس :

_ في إية يا رقيـة ؟ 

وهي كانت متوتـرة حد الجنون من هذا القـرب .. قلبهـا الذي يلامس قلبـه تمامًا وكأنه امتزاج للعـشق جعلها تتضطرب انفاسهـا ... 

لم يكـن امامها حل سوى هذا القـرب .. 

أيمكن ان تكون تغترف من رؤيـاه وملامحـه الجذابة لتملي شوقها الذي بدء يتدفق منها من الان ؟! 

اقتربت منه اكثر والخوف هو من يحركهـا، يأمرهـا ويجبرها على القرب الحنون الذي حرمت نفسها منه !! 

وهمست بجـوار أذنـه :

_ متزعـلش يا مجـدي 

مد يده يتحسس جبينها بحركة مباغتـه من تغيير صُدم من ظهـوره المفاجئ !! 

فأمسـكت بيده تقبلهـا بنعومة :

_ مقدرش أزعلك لفترة طويلة 

لم تعطيـه فرصة للأعتـراض، فاقتربت اكثر تقبـل شفتـاه مغمضة العينـان ... 

والاستسـلام مر امام عيناها للحظة يدعـوه له فيغدق زوجته عشقًا !! 

ولكنه أبعـده وهو يبعدها عنه بقوة لينهـض قائلاً ببرود أتقنـه :

_ مكنش المفروض تعملي كدة من البداية وترجعي تندمـي، مابقتش اتقبل نـدمك  خلااص !!!!! 


                             ********


جـلست " بـدور " بجـوار والـدة مجـدي التي ظلـت جالسـة أمام التلفـاز مع بدور، تشـاهد باستمتـاع وارتيـاح غريـب يسكنهـا !!! 

ارتيـاح سكنهـا عند إتمـام نصـب خيوطها الخبيثة، وتنفيـذ مجدي لتلك الخيوط !!! 

هي لم تحـب رقية يومًا .. 

لم تحـب شخصيتها القويـة .. العنيـدة !! 

لطالما حاولت منعه عن هذا الزواج، ولكن كل محاولاتها بائت بالفشـل امام عشقهم المتيـن !!! 

فلم تجـد سوى الخبث وسيـلة لأبعادهـم، وقـدم لها الحـظ يد المساعدة فوجـدت رقيـة لن تحقق أمنيـة ابنها الوحيـدة !!!!! 

استفاقت من شرودها على صوت بدور المتنحنح :

_ احم منورة يا طنط 

اجابتها ببرود :

_ بنورك يا حبيبتي 

وبهـدوء اصطنعتـه بمهـارة سألتها :

_ حضرتك ناوية تقعدي معانا اد اية يا طنط ؟ 

رفـعت حاجبها الأيسر متعجبة :

_ اشمعنا يعني بتسألي سؤال زي ده ؟ 

رفعـت كتفيها مجيبة ببـراءة لا تليق بخبث يمـوج بين جوفيهـا العميقين :

_ عادي يعني عشان ابقى عاملة حسابي مش اكتر 

مـطت شفتيها ببرود ثلجي :

_ بصراحة لسة مش عارفة، ممكن 3 ايام وممكن اكتر 

اومـأت الاخرى بينما خلايـاها تجهر بالاعتـراض !! 

الاعتـراض على غطاءً كاتم لراحتها ونعيمها بالهدوء ألا وهي والدته .. 

لم تتحمـل خبثهـا والذي لحسـن حظهـا كان شفـاف امامهـا فماذا ستفعـل إن حل هذا الخبث عليها كاللعنة لا تزول !!!!!؟

وفاجئتها بسؤالها :

_ طيب بما اننا قاعدين مع بعض كتير لحد ما مجدي يرجع ما تحكِ لي يا طنط إية اللي حصل بينك وبين رقيـة بالظبط ؟ 

كادت تستسلم للتوتر الراغب في السيطرة عليها كرد فعل طبيعي ولكن قالت بثبات ظاهري :

_ ما انا حكيت ادامك كل حاجة لمجدي 

هـزت بدور رأسها نافية :

_ تؤ تؤ، انا متأكدة إن في حاجة حضرتك ماحكيتهاش يا طنط، او يمكن اتلخبطتي وبدلتيها بحاجة كدة ولا كدة 

جحـظت عيناها من خبـث رأتـه يوازي خبثها فبدى له مكشوفًا وغمغمت :

_ نعم، إنتِ قصدك إية ؟ 

رفعت كتفيها قائلة :

_ مش قصدي حاجة اكيد، هو حضرتك فهمتي أية !!؟ 

هـزت رأسهـا :

_ لا مفهمتش، اسكتِ واقفلي السيرة الفقر دي بقا هه 

اقتـربت منها بدور هامسة بجوار اذنها :

_ متأكدة إنك مش عاوزة تحكيلي حاجة يا طنط ده أنا حتى ممكن أساعدك 

إلتفتت لها متساءلة :

_ تساعديني أزاي ؟ 

زمـت شفتيهـا مكملة :

_ اساعدك يا طنط، وحضرتك اكيد فاهمة قصدي أية، ثم ان واضح إن رقية دي مفيش حد بيطيقها خالص 

اومـأت مؤكدة :

_ اه فعلاً 

فسألتها بحماس مشبـع بالخبث :

_ طب هاا بقا احكي لي يلا 

تنهـدت الاخرى وهي تبدء بقص ما حـدث بالتفصيل لتـلك - العقربة - التي ظنتهـا ستساعدها فيما ارادتـه .. 

فستصبـح هي اول من يتأذى بسمها ذاك !!!!!!!!  


                          **********


وفي احدى المنـاطق الشبه خالية من السكـان، لا يُسمـع بها سوى صـوت نسمات الهـواء الطـلق ... 

وقـفا الرجـلان بهـدوء بجوار بعضهمـا، ينتظـران مقابلة من اوصاهم بفعل ما فعلـوا فيخبـروه بما حدث .. 

ومـرت دقـائـق حتى وجـدوه يترجـل من سيـارته السوداء الكبيرة الفاهـرة .. 

اقتـرب منهم واضعًا يداه السمراء في جيب بنطاله الأسـود، يرتدي نظـارته التي تغطي عيناه السوداء - عادةً - وبغرور وكبريـاء لا يليـق بشخصًا مثله اقترب منهم فسارعوا بتحيـته :

_ اهلاً يا باشا نورت 

اومـأ قبل أن يسألهم بجدية :

_ فين الـورق ؟ 

نظـرا لبعضهـم قبل أن يقول احدهم متلعثمًا :

_ آآ مفيش ورق للأسف يا باشا 

جحـظت عيناه وهو يسأله مصدومًا :

_ يعني إية مفيش ورق !!!؟ 

رفـع كتفـه متابعًا بصوته الأجـش :

_ يعني دورنـا يا باشا وملقينـاش الورق اللي حضرتك قولت عليه 

نهـره بحدة :

_ ومادورتوش في كل البيت لية كويس يا أغبية ؟ 

هـز رأسه نافيًا وبرر :

_ يا باشا ده احنا عدينا الحراسـة بمعجزة، والخدم مالي البيت جوة، رجالة وحريـم

ظـل يمسـح على شعره عدة مرات هاتفًا :

_ أغبية الواحد مايعتمدش عليكم ابدًا 

أشار له الاخر بيـده :

_ يا باشا ده احنا كنا هنروح في داهية بسبب البت اللي دخـلت 

سألـه مضيقًا عينـاه :

_ بت مين ؟ 

اجاب بلامبالاة :

_ معرفش بتعمل إية بالظبط هناك، لكن فجأة لقيناها داخلة الأوضة علينـا 

سأله مستفسرًا :

_ اممم كمل انجز وعملتوا إية ؟ 

رفعـا كتفيهم معًا في صوتًا واحدًا :

_ عملنا زي ما حضرتك قولت لنا 

اومـأ موافقًا بغيظ :

_ خلاص روح ياخويا انت وهو، اما اشوف اية الخطوة الجاية هبقى اكلمكم 

اومـأوا مؤكدين :

_ تحت امرك في اي وقت يا باشا 

ثم استـداروا مغادريـن ... 

ليقف هو ينظـر امامه بشـرود هامسًا :

_ شكلي هعمل معاك زي ما عملت مع أبوك زمان يا سليم، مش هستنـاك لما تخليني أعلن إفلاسـي !!!!!!!! 


                         ***********


نـامـت " نـاديـن " بعد وقـت ليس بطـويل، نامت واستسلمت للغـفو عندمـا غمـر الاطمئنـان روحهـا فهدئ من روعها قليلاً ..

اقـتراب وقلق اثنـان عليها .. 

احداهما أخيهـا بحـق ولكن ليس بالدماء 

والاخـر لا تعـرف ما هو تحديدًا، ولكن يكفيهـا هالة الحنان الذي يحيطها به في قربـه !!! 

وهذا ما ترغبـه وكفى ... حنان حُرمـت منه فقـط !!! 

اما سلـيم .. فكـان قلقـه يُعلق في ذهنـه افكارًا على اختًا يتيمة كادت تموت قهرًا ..

وسـؤالاً واحدًا دار بخلده كالطوفان

" هل هي متزوجـة " ؟!

وياسين بالطـبع كاد يجن وهو يفكر في اجابة لنفس السؤال...   

فنظر سليم لياسين الصامت بجواره ليسأله :

_ هو انا عادي لو اخدتهـا معايا البيت ؟ 

عقـد ياسيـن حاجبيه وقال :

_ أعتقد اه لان اساسًا وجودهـا في الدار مش ضروري 

اومـأ سليم بعزم :

_ هاخدها معايا البيت هبقى مطمن عليها اكتر 

تنهـد ياسين شارحًا :

_ كدة افضل، لاني اعتقد إن نادين محتاجة حنان بس، هي اتعرضت لصدمة دخلتها في الصمت ده، لكن لما تختلط بناس كويسة وحنونة عليها انا متأكد أن ده هيساعدهـا 

اومـأ سلـيم موافقـــًا :

_ تمام 

رن هاتفـه فزفر وهو يخرجه من جيب بنطاله بهـدوء ليجيب :

_ ايووة يا صـادق 

اجابه الاخر بصوت هـلع :

_ إلحجنا يا سليم بيه 

سأله سليك بفزع :

_ في اية يا صادق 

_ البنت اللي بتشتغل هنا اللي اسمها سيلاااا لجيناهـا في اوضتك واجعة مغمًا عليها ومصابة باينهـا ........ !!!!!!! 


                         *********


يتبـع


شظايا قسوته 


الفصل الثـالث عشـر : 


مصـائـب !! 

عندمـا تتكاثـر وتزداد عليـك تشعـر وكأنك مغناطيسًا - خطيرًا - جاذبًا لها !! 

وهو لا يعـرف لمَ تركـض ورائـه المصائـب واحدة تلو الأخرى، وكأنهـا ربطـت شباكها الحديدية به فتعلقت به للأبـد حتى تنتهي وتنهيـه معهـا !!!! 

نظـر لياسين مسرعًا وهو يضـع هاتفه في جيبـه مرة اخـرى وقال :

_ قولهم يجهزوا كل حاجتها في الدار وهتخرج من المستشفى على هنا 

سأله ياسين بهدوء :

_ إنت رايح فين ؟ 

اجابه وهو يستـدير ليذهـب :

_ لازم امشي دلوقتِ، سلام 

اومـأ ياسيـن متنهدًا :

_ ربنا يكون في عونك شكلك جات لك مصيبة تانية 

ونظـر لناديـن الهادئـة .. لأول مرة يلـحظ ملامحـها التي تنـم عن الضعـف !! 

الهـالات السـوداء التي تكـونت تحت عيناها - مؤخرًا - 

 الجاذبيـة التي تختبئ خـلف شحـوب وجهها كستـار عـازل لمنـع تلك النظرات التي تخشاها .. وبشدة !! 

ومـد يـده يتحسس وجههـا الأبيض ليهمـس بشرود :

_ شكلك عانيتِ كتير أوي !! 

وكـأنها اصـرت على الاجابة فصـدر منهـا أنينًا خافتًا متألم .. 

أنيـنًا ذُبــح حرفيًا كما ذُبحـت هي تمامًا !!! 

هو يراهـا ساكنـة نائمـة تنعم بالراحة .. 

وهي تتعـارك مع ذئابها البشريـة في كابوسها الذي يتردد لها باستمرار ..... 

ظـلت تعـود للخـلف وجسدها كله يرتعـش، الظـلام فقط من يحبسها مع هؤلاء الذئـاب الجائعـة ... 

ودموعهـا تسبق كلماتها المترجية التي خرجت علها تجد شبرًا واحدًا من الرحمة أو العطف :

_ ارجـوكم ابعدوا عنـي، سيبونـي 

ولكن بالطـبع بينهم وبين رجـاءها الحـار سدًا منيعًا من رغبتهم الجامحة فيها !!! 

ظـلوا الاثنـان يقتربا منهـا اكثر بهيئتهم الرجولية - اللثمـة - ويترنجوا في سيرهـم فتحاول الفرار .. 

فتجد واحدًا منهم يتمسك بقدماها قائلاً بخبث :

_ رايحة فين يا حلوة، أحنا لسة معملناش حاجة 

ظـلت تنحب وهي تترجـاه مبتعدة قدر الإمكـان :

_ ارجـوك .. ارجـوك سيبني أمشي، أبوس ايدك سيبوني 

وكانت ابتسامتـه تزداد إتساعًا وهو يراها مرتعدة هكذا!!! 

فتحسس وجهها بيده المقززة قبل أن يهمـس :

_ أسيـبك اية، متخافيش يا حلوة، أنا هكون حنين أوي معاكِ 

ظـلت تهـز رأسها نافية بهيستريـا ... 

وكلمـا اقتربوا منها اكثر كلما إنقبـض قلبها اكثر فشعرت به سيتوقـف !!!!! 

وإنقضـا عليها كذئـاب مفترسة لم تصدق عيناها عندما وجـدت فريستهـا !!!! 

وهي تصـرخ حتى ذُبحت احبالها الصوتية فما عـادت تستطع الصراخ !! 

تـرى حياتهـا تُسحـب منها كما يُسحب حق لم يكن لهم يومًا !!!!!

تـرى نفسها ذبيحـة لذئـاب افترست ما تركه الأخ !!!!!! 

واستيقظـت صارخـة كعادتهـا تبكِ .. 

وياسين يهدئهـا كالعادة، ولكن تلك المرة الكابوس كان بجرعة أكبر من العذاب فلم يستطـع تهدئتهـا !!!!

ويحاول الاقتراب منها ليهدئها :

_ نادين اهدي انا ياسيـن ؟! 

ولكـن أبـت الرضـوخ .. هي بعالم لم يكـن ياسين فيه معها ليحميها !!! 

لم يكـن سليم بجوارها ليحنو عليها !! 

كانت فقط الذئاب تكشر لها أنيابها لأسبـاب مختلفـة !!!!!!!! 

وإن تركها هكذا حتى تهدئ فستصاب بأنهيار عصبي بالطبـع .. 

فلم يجـد سوى تلك - الحقنـة - المهدئـة التي منعها عنها من قبل حلاً لتهدأة ثورتهـا التي بدت لا نهاية لها !!!! 


                          **********


وسليـم ... تقريبـًا اعتـاد على حالات الفـزع تلك التي أصبـح بها مؤخرًا .. لا تتركـه ولا يتركهـا !! 

الألاف من الأسئلة تتشـابك في سمـاء قلقـه الذي يجتاحه إلى حدًا ما .. 

لمَ يقلق من الأسـاس .. هي مجرد خادمة كما يقـول لها، ماذا حـدث اذًا ؟! 

لا والله حـدث .. حدث الكثير والكثير في هذان الأسبوعـان !!! 

دقاتـه التي تقـرع مطالبة إياه بالإسراع تعني حدث ... 

عقله الذي تشتت من كثرة التفكير فيما تكمن الاصابة يعني انه حدث !! 

اعضـاؤه الجسدية التي تُسـرع الى المنزل على غير عادته تعني انه حـدث !!!!! 

ولكنه يجهـل ما حدث، يعي انه ينجذب لها قليلاً فقط ... 

لذلك يقلق قليلاً فقــط !!!! 

وصـل الى المنـزل فركـض مترجلاً من سيارتـه، ليسأل صادق مسرعًا :

_ إية اللي حُصل يا صادق ؟ 

اجابه صادق متوترًا :

_ والله ماعرفشي يا سليم بيه، أنا رچعت مكاني تاني أول ما كلمت حضرتك 

اومـأ وهو يتجه للداخـل .. ليجـد خالتـه بجوار سيلا التي مازالت فاقدة الوعي .. 

وبقـلق إتضـح في نبرتـه دون وعي منه سأل خالته :

_ إية اللي حُصل يا خالتي مالها ؟ 

اجابته بقلة حيلة وهي تمسـح الدمـاء التي كانت تسيل من جبين تلك المسكينة :

_ والله ماعرف يابني، انا ملقتهاش ف البيت ف قولت للخدم يدوروا عليها، فهما لاقوهـا مرمية في اوضتك بنفس الحالة اللي إنت شايفها دي 

اقتـرب منها بهدوء يرش عليها قطـرات المياة .. 

كل قطـرة تأمرها أن تُسرع في الاستيقاظ عن ذي قبل !!! 

يأس فنـهض قائلاً بحزم :

_ لأ انا مش هستنى اكتر، هتصل بالدكتور هو يشوف مابتفوقش لية 

اومـأت جميلة مؤكدة :

_ ايوة يا سليم بسرعة معلش 

أتصـل بالطبيب ليسرعه بالقـدوم، فلبى طلبه بالتأكيد .. 

ومن لا يقـدر على عصيـان أمر الصقـر !! 

هي فقط وحدهـا التي جعلت من امره من عصاه حديدية تسقط على الشخص فينفذ فورًا .. 

لعصا بلاستيكية تُشكلها كيفما شاءت !!! 

ربما هذا هو سر جاذبيته لها ؟! 

ومـر الوقت سريعًا .. او شعر هو به سريعًا فلم يشعر سوى بالطبيب يدلف من الباب متجهًا نحوه ..

فسأله بجدية :

_ إية اللي حصل يا استاذ سليم ؟ 

تنهـد مجيبًا وهو يشير لها :

_ بيقولوا طلعوا لاقوها واقعة بنفس الحالـة دي

اومـأ وهو يقتـرب منهـا ليتفحصها بهدوء ... مرت دقائـق حتى انتهى فنظر لسليم وقال بدبلوماسية :

_ هي اخدت مخدر، مفيش اي حاجة أول ما وقته ينتهي هتفـوق طبيعية، والأصابة دي سطحية، انا طهرتها لها وعملتها، يعني مفيش قلق 

تنهـد بارتيـاح ممتنًا :

_ متشكر يا دكتور تعبناك معانـا 

هـز رأسـه نافيًا :

_ لا شكـر على واجب، انا في الخدمة 

ابتسم سليم ابتسامة صفـراء وهو ينظـر على سيـلا .. 

قطتـه الشرسـة التي بدت ضعيفة وساكنـة الان !! 

فقدانها لوعيها شكـل واقعها الذي تحاول رسم غيـره !!! 

وغـادر الطبيب فبقى هو وجميلة معها ينتظراها بنفس الجلسة .. 

حتى أشـارت جميلة لأحدى الخـدم قائلة :

_ تعال يا معتز شيل سيلا وديها أوضتها 

وتلقائيًا وجـد سليم نفسه يعترض متنحنحًا :

_ لا يا خالة، خليك يا معتز أنا هوديهـا 

ثم أقتـرب ليحملها بين ذراعيـه بخفـة، يشعـر بتنفسها المنتظـم الذي يلفح صـدره فيشعـره بسخونة اقترابهـا !! 

وتنهـد وهو يدقق النظـر لها، وتعجبـت خالته وابتسمت في آن واحد وهي تـراه يتجـه نحو غرفتـه هو !! 

اما هو فوضعهـا برفـق على الفـراش الخاص به، وكأنهـا ماسة يخشى خدشها حتى !!؟ 

مسـح على وجهها بنعومة وهو يهمس :

_ إية اللي حصل ياترى ؟ 

قبـل جبينهـا بهدوء ثم ابتعـد !!!!! 

قبل جبينهـا ؟! 

هل فعلها يومًا ألا لوالديه او خالتـه ؟! 

لم يفعلها ابدًا .. والسؤال المعتاد الذي يجتاحه عند تلك المواقـف 

" ماذا يحدث معه ؟! " 

لفت نظـره الغرفة التي كانت كما تركها تمامًا، لم يتغير بها اي شيئ .. 

نهض مسرعًا ليغلق الباب، ثم وقـف في منتصـف الغرفـة ليـدب بقدمـه قليلاً .. ففُتحـت خزنتـه السرية !!!!! 

ظل يتفحصها ليطمأن على اوراقـه .. 

اوراق انتقامـه التي ستهدئـه فوجـدها كما تركهـا .. 

عقـد حاجبيه وتساءل :

_ امــال إية اللي حصل !؟ 

نهـض ليجـلس لجـوارهـا، منتظـرهـا أن تفيـق حتى يهدئ ثورتـه المرتعـدة !!!! 


                          *********


بعـدمـا إنتهـت رقيـة من تنظيـم المنـزل لعودة جدهـا الحبيب اتجهت لغرفتها والتي نـام بها مجدي بكل بـرود .. 

برود قـررت أن تصنـع غلافًا له لتعتـاد عليه مع الوقـت حتى لا تُصـاب - بجلطة - في القـلب !! 

بالطـبع لم تنـسى سيـلا ... 

وآآه من فقـدان لم يتأكـدوا منه، دائـرة ينقصها التأكيد فتصبح دائـرة مميتة فعليًا !!! 

زفـرت وهي تنـظر لمجـدي بغيظ .. 

ينـام هو بهدوء تـام ويتركهـا هي الدماء تغـلي بأوردتهـا بفعل كلمـاته اللعينة ! 

وقـررت وأنتهـى الأمر !!!!! 

ستنفـذ ما قالتـه له " أمنيـة "، على ما يبـدو أن كـلامها هو من سيجـدي نفعًا مع ذاك الـ " مجدي " ... 

وإن اضطـرت التخـلي عن شيئً اخـر حتى تكمـل مـربع خطتهم النسائيـة !!!! 

اتجهـت لدولابهـا لتخـرج قميصًا قصيـرًا من اللـون الأحمـر اللامـع يصـل إلى ركبتيهـا ومفتــوح من الجانب الأيمـن، ذو فتحـة عريضة عند الصـدر .. 

ثم اتجهـت للمرحـاض لتغتسـل، فتـح مجدي عينـاه .. فهو من الأساس كان مستيقظًا يشعـر بنظراتها تمطره فتود احراقـه بغيظها !!! 

ضحك بخفوت ليهمس في خلـده :

_ هتلعبي معايا بسلاح ذو حديـن، بس أشطـا يا روكـا هنستمتـع أوي 

بينمـا هي بعد قليل إنتهـت من حمامها الممتـع 

وخرجـت مرتديـة - البكشيـر - القصير تلف به جسدها الناعـم .. 

وشعرها المبلل يقطـر قطرات من المـاء .. 

كان مجدي يراقبها بعيناه التي كادت تفترسهـا .. 

وفجـأة صـدح صوتـه الأجـش :

_ فكرة حلووة بردو اللعب ده 

شهقـت بصدمـة فكـادت المنشفة تقــع منها ولكن أمسكت بهـا في أخر لحظة .. 

حاولت أن تصطنـع ذاك الثبـات الذي فقدتـه وهي تتقـدم من - التسريحـة - الخاصة بهـا، وجلست على الكرسـي بدلال خـاص .. 

دلال مقصـود لذوبـان جليـد " مجدي " 

وكانت تهنـدم خصلاتهـا برفق ... 

ثم نهضـت لتدلف إلى المرحاض مرة اخرى لترتـدي قميصها الأحمر .. 

انتهـت وخرجـت بطلتهـا المثيرة التي اجبرت عيناه على التحديـق بها 

اتجهت للفـراش وتسطحـت بجواره، ثم نظرت له مشاكسة بجدية مزيفة :

_ خير في حاجة باصص لي كدة لية ؟ 

ومن دون مقـدمـات طـل عليهـا بمنكبيه العريضيـن ليمنـع انفاسها من الأنتظـام !!!

إبتلعت ريقها بصعوبة مغمغمة :

_ في إية يا مجدي 

اقترب اكثر ليهمـس :

_ إنتِ اللي فيه إية، عايـزة إية 

رفعـت كتفيها ببراءة مصطنعة :

_ مش عايزة حاجة طبعاً هكون عاوزة إية 

هـز رأسه نافيًا :

_ عليا بردو، ده انا عاجنك وطابخك يابت

ودعوة الاقتراب المغري كانت تنضح من عيناها العسليـة، فأجاب الدعوة وهو يقتـرب ناظرًا لشفتاهـا .. 

حتى أنقـض على شفتاها يلتهمهم بنهـم في قبـلة طويلة عميقة .. قبلة أوضحت لها ما حاول اخفاؤه خلف شظايا قسوتـه !!!  وتحولت لقبـلات متتالية لا تنقـطع على رقبتهـا الظاهرة بنعومة اثارت قشعريرة جسدهـا، ثم لجبينهـا ووجنتيها ثم عودة لشفتاها مرة اخـرى ... 

كادت يده تعبث بقميصها، ولكن استعاد نفسـه ليبتعد هامسًا بجمود بجوار اذنهـا :

_ خلاص يا رقية، بطلت اضعف ادامك لو ده هيجيب الإهانة لأمي .... !!!!!! 

ثم تركها ونهض هكذا ببساطة ؟!


                         ***********


وإتصـال اخـر يستقبـله الخـادم - الخائـن - للمعـروف من الخاطفـين .. 

إنعـزل في جزءً صغيرًا كعادته ليطمأن من عدم سمـاع أي شخص لهذه المكالمة التي يمكـن أن تكـون سوطًا يهبط عليه فيدمـر حياتـه بلا رحمـة !! 

وبالطـبع هذا جزاء الخائـن عند الصقـر !!!! 

رد على الهـاتف ليهمس خافتًا :

_ الووو ايوة يا باشـا 

اتـاه صـوت الاخـر الأجـش قائلاً :

_ الوو أيوة يابني، في جديـد 

هز رأسه نافيًا وقال :

_ لا يا باشا لحد دلوجتي ماحاولتش تهرب 

سأله ببعضًا من التعجب :

_ إنت متأكد من الكلام ده ؟ 

اومـأ بتأكيد :

_ ايوة يا باشا، ده انا زي ظلها 24 ساعة من غير ما تاخد بالهـا 

تـابـع بجديـة :

_ طب كويس جدًا، استمر انت كدة، ولو حاولت تهرب اعمل المستحيل وهددهـا بجدها تاني لو أصـرت، لاننـا مش هنضحي بنفسنا عشـان نرجعها لأهلها 

اومـأ موافقًا :

_ ماشي يا باشا 

ثم همـس ببعضًا من التوتر شابـه الأعتراض :

_ بس يا باشا أنا كنت عايز اسـأل، أكيد انا مش هراجبهـا طول عمري يعني 

نفـى الأخر بصلابة :

_ لا لا، أحنا اساسًا مسافرين برة البلد خـلال شهـر، والشهر اهوو عدى منه اسبوعيـن، هتراقبها اسبـوع كمان بس لحـد ما نطلـع برة البلد وسيبهـا على راحتها 

اومـأ بتنهيدة :

_ طيب يا باشا، زي ما أنت عاوز 

_ ابقى بلغني لو حاولت تهـرب 

_ حاضر يا باشا 

_ سلام 

_ مع ألف سلامـة


أغلـق الهـاتف وهو يزفـر بقــوة .. 

يزفـر بضـيق على أمـوال كانت ذراعًا لأجباره على ما لا يرغبـه ولا توقـع أن يفعلـه يومًا .. وخاصةً مع الصقر !!!!!!! 


                          **********


وإستعـادة وعيها بعد إنتهـاء مدة المخـدر كان أمـرًا مفروغ منـه .. 

وأبتعـدا جفنيهـا عن بعضهـما ليشـرق بحر عيناهـا الساحـر، تأوهت بألم وهي تضـع يدهـا على جبينهـا بجوار الإصابة .. 

فنهـض سليـم متجهًا لهـا بهـدوء، وما إن إرتكـزت نظراتها امامهـا حتى رأتـه، كـادت تصرخ قبل أن تعي انه سليم :

_ اية ده انا فين !!؟ 

اقتـرب منها بهـدوء جاد ليـرد :

_ إنتِ في أوضتـي 

وقبل أن تكمـل تـابـع :

_ اللي إنتِ جيتيها بنفسـك 

 وكأن كلمتـه داعبـت ذاكرتـها مطالبة إياها بتبريرًا واقعيًا يملي رغبـة عقله في فهم ما حـدث .. 

فسألتـه ببلاهـة :

_ أنتم لقتوني على السرير إزاي ؟!!! 

هـز رأسه نافيًا :

_ لا إحنا لقيناكِ مرمية على الأرض ومتعورة كدة 

عضـت على شفتاها السفليـة بقلق وخوف، خـوف مكبـوت رأه يتفجر بين بحـور عيناها كلما تعمقت في التذكـر !!! 

فسألها متوجسًا :

_ إية اللي حصل ؟ 

رفعـت كتفيهـا مجيبة بصوت مختنق :

_ معرفش 

كـز على أسنانـه بغيظ وسألها مُـصرًا :

_ إزاي يعني أمال مين اللي يعرف، إنطقـي يا سيلا إية اللي حصل ؟ 

هي لا تكـذب !!!! 

بالفعـل هي تجهـل ما حـدث .. 

تجهـل كونهـا كأنها ارادت سبر اغوار غموضـه لتجـد نفسها بين دائـرة تحطيها من الخطـر !!!!!! 

دائـرة لا تعلم متى دخلتها ولا كيف دخلتهـا !!!!؟ 

ولكن - غالبًا - رغبتهـا ما رمتهـا في تلك الدائـرة، لتتعلم حرفيًا أن تُشدد قيودها عليها فيما بعد !!!!! 

فلا تضطر لمعانـاة ما عانـته من خوفًا حقيقيًا مرة اخرى !! 

ونظرت للأسفل تفـرك أصابعها بتوتر قائلة :

_ صدقني انا معرفش تحديدًا إية اللي حصـل، أنا كنت داخلة الأوضة وآآ .. 

قاطعها بسؤال هادئ ولكن جاد ؛

_ لية ؟ 

تصنعت عدم الفهم :

_ لية إية ؟ 

أعـاد سؤاله متحكمًا بغيظـه فلا ينفجـر بوجههـا ضاربًا بأستفزازهـا عرض الحـائـط فيحوله لشظايا تخشى قسوته :

_ لية دخلتِ أوضتي، وياريت ماتختبريش صبري كتير، إتقي شر الحليم إذا غضب

إبتلعت ريقها بصعوبـة لتهمس :

_ معرفش، لاقتني عاوزة أدخلهـا 

أشـار لها أن تكمـل فقالت :

_ وفجأة ماحستش غير بواحد بيخدرني وبس، صحيت لقتني هنا 

سألها بجدية :

_ شوفتـيه ؟ 

هـزت رأسها نافية :

_ لأ ملحقتش 

تنهـد وهو يمسـح على شعـره والغيظ يتشرب داخله أكثر فأكثـر .. 

وما زاد - الطين بلاً - كما يقولون.. 

قولها الجاد وهي تنهض :

_ أنا همشي من البيت ده، إستحالة اقعد هنا لحظة واحدة تاني !!!!!!! 


                         *********



شظايا قسـوتـه 


الفصـل الرابــع عشـر : 


ذهـاب .. و رحـيل !!!! 

كلمـاتـان بمعنـى واحـد، وإجابة واحدة في قامـوس " الصقـر " .. 

_ لأ 

قالهـا ببساطـة وهو ينهض مقابلاً إصرارها العازم على الهـروب من الخطـر .. 

بجمـود حتمي يخبئ خلفـه رغبـة خلف رغبـة يمنعهـم بمهـارة من الظهور !!! 

فرمقتـه بنظـرات متعجبة من رفـضًا غير مبرر بالنسبة لها ثم سألته بحدة :

_ وإنت مالك أصلاً ؟ 

رفـع كتفيه ليرد ببرود :

_ أنا صاحب الشغل اللي إنتِ بتشتغلي فيه وبقولك لأ 

عقـدت ذراعيها متساءلة بغيظ مكتوم :

_ لأ لية إن شاء الله ؟؟ 

وكالعـادة رسم الجديـة الخشنة قبل أن يقـول مشيرًا بأصبعه :

_ واحد إنتِ ماعندكيش سبب مقنع، أتنـين أنا صاحب الشغل وبقولك مش هينفع تسيبيه دلوقتِ لإني مفيش خدامة تاخد مكانك، تلاتة أنا مش فاضي لشغل العيال ده إطلعي برة 

جحـظت عينـاها بذهـول حقيقي .. 

يرسـم لها خطـوط رغبـته وإرادتـه، ثم يتركها وكأنه متأكدًا من سيرهـا حسب خطوطـه - إجباريًا - دون تردد !!!! 

ولكـنها لن تفعـل .. لن تكـون خائفـة مرتعـدة دائمًا وهي التي كانـت لا تهـاب شيئً !! 

فكـزت على أسنانها بغيظ، ثم خـرج صوتهـا جامدًا بصلابـة :

_ السبب المقنـع وعندي إن انا حتى معرفش مين الناس اللي جـم دول وعايزين مني إية او حتى عملوا فيا أية، أما انك بتقول الشغل فدة مش ذنبي إن مفيش حد عايز يشتغل عندك 

ورده كان حـازم :

_ اللي جم دول ماجوش عشانـك إنتِ، رغم إني مش مضطر أبررلك بس دول جايين عشان ياخدوا ورق تبع الشغل 

اومـأت بتصميم :

_ بردو 

جـلس مرة اخرى وقال بهدوء بارد :

_ أبقي إمشي أول ما ألاقـي شغـالة مكانك

ولا مفـر مر فرمـان صدر من الصقـر .. 

فرمان إن خالفتـه بالتأكيد سيُصدر واحدًا مماثلاً له - للقضـاء عليها - 

وللحق هي في غنى عن غضبه الجم !!! 

اومـأت بنفاذ صبر :

_ ماشي ماشي، بس أول ما تلاقي شغالة همشي فورًا 

اومـأ بجمـود :

_ أبقي امشي، اكيد مش هشبط فيكِ زي العيل الصغير من جمال عيونك يعني 

ورمقتـه بنظـرات مغتاظـة .. 

لقد تيقنـت أن مشاداته لها أصبح لا يستغنـى عنها، وكأنها تصدر تلقائيًا كلما رأهـا امامـه !!!!! 

فأجـابت بسؤال مصحوب باللوم :

_ هو أنت مابتعرفش تشوفني إلا وتنكشنـي يعني ؟ لية بتجر شكلي نفسي أفهم يعني !؟

وهـو نفسـه يجهـل ذاك السـبب !! 

يجهله أم يريـد تجاهله عن عمد ؟! 

لا يهم ايًا كـان .. هو بعنفـه الدائـم معها يستشف إنقطـاع خيوط إنجذابـه لها !! 

والتي تقريبًا تأتي بنتيجة عكسية تمامًا !!!!!

إبتسم من زاوية فمه ليهتف :

_ الحقيقة مش عارف، بس ممكن تصدقي ! 

وفغـرت فاهه وهي تحدق به كالبلهـاء !!

اصبـح تجفل من تغيـره المفاجئ هذا .. 

وكأنـه شيئً ما مدهش ينتقـل من مرحلة لأخرى قبل أن تبدء باستيعاب ما يفعـله !!!!!

عقـدت ذراعيهـا لتغمغم بغضب :

_ رخم كان مفروض يسمـوه الصقر الجارح مش الصقر بس

وإقترب منها في لمح البصـر يمسـك ذراعهـا ليسألها بحدة مصطنعة :

_ إنتِ قولتِ إية ؟ 

إبتلعت ريقها بازدراء، ثم اجابت بعدم فهم مصطنع :

_ أنا، هو انا قولت حاجة اصلاً، انا مقولتش خالص يعني 

كـادت أبتسامـة صغيرة تشـق طريقها لثغـره كعادته عندمـا يتحدث معها .. 

وأصبح يتعجب نفسه، لا يصبـح على طبيعتـه ابدًا معها !!! 

وكأنـه يُسلـط عيناه على افعالهـا الجيدة فقط، حتى ينقذها من غضـب الصقر المُدمـر !!!!! 

هل تُشكـله هو كقطعة صغيرة كيفما شاءت دون أن تدري ؟!!

تركها وهو يشيـر لها للخـارج ويقول :

_ روحي على شغلك، وتجبيلي كوباية قهوة مظبوطـة 

اومـأت بحنق :

_ ماااشي 

سارت وكادت تخـرج إلا أنـه اوقفهـا بصوته الأجش :

_ أستني 

إلتفتت له متساءلة :

_ نعم !؟ 

أشـار لفاهها متساءلاً بعبث وخبث :

_ مش ده اللي بينطق حاجات هو مش أدهـا، انا بعد كدة هعاقبه بطريقتي بقا 

وسألته بسذاجة :

_ إزاي يعني ؟!!! 

وفرصـة للأقتـراب يجب إغنتامهـا كعادته، فاقتـرب من شفتاها الورديـة التي اصبح يتوق لأكلها .. 

لتبتعد هي صارخة بجزع :

_ خلاص خلاص فهمت أنا اسفة 

قهقه على ذعرهـا ليشير لها :

_ طب يلا يا طفلة أطلعي بـرة 

زمـت شفتيها بحنق :

_ أنا مش طفلـة 

سألها بخبث :

_ وإية اللي يثبت لي 

ونظـراته أوحت لها ما يدور بخلـده، فأشارت له وهي تركض :

_ خلاص خلاص أنت مابتعرفش تفكر غير في كـدة 

ليضحـك هو هامسًا :

_ والله طفلة، بس طفلة هتخليني أعمل حاجات كتير تندمني فيما بعد !!!!!! 


                          **********


" وعندمـا تكون مشاهـد فقط تختلف عن كونـك أنت المحاور " !! 

وصـل " مجـدي " إلى منـزله الأخـر ...

لم يكـن يعلم ضرر الزيجـة الثانيـة، رأى وسمـع المشكلات والغيـظ الذي يكـون ضبابًا حول الزوجـة .. وماسًا لمن يحاول مشاكستها ويسخر ويصمت !! 

ولكن الان .. فعليًا يجـرب ذاك الغيظ الذي إنفجـر من شخصًا غير متوقع !!!!! 

" رقية " التي كانت تُمثل المعنى الحقيقي للهـدوء والرزانـة !!! 

ولكن الغيـرة فعلت فتيل الغيـظ بداخلها !


فتـح باب المنزل ليجـد " بـدور " تجلس بجوار والدته أمام التلفاز يشاهدون أحدى الأفلام بهدوء .. بجوار ضحكاتهم العالية والتي كانـت كالسهام تقصد هدفًا ما !! 

وظـل ينظر لوالدته باذبهـلال ... 

ألم تكـن تلك من كانت تتجنـب رقية دائمًا !؟ 

بل غالبًا لا تجلس معها وحدهـم !!!؟ 

ألم تكن تلك قوانينها المعتادة مع زوجته، الان تنحـدر عن تلك القوانين مع زوجتـه الاخرى .. ولكـن - الغاية تبرر الوسيلة - !!!

اقترب منهم وهو يلقي التحية :

_ السلام عليكم يا أمي

اجابت بود :

_ وعليكم السلام

ثم سألته مصطنعـة خطوط الحزن على قسماتهـا :

_ عملت إية يا حبيبي ؟ 

سألها بجدية :

_ بتسألي لية يا أمي ؟ 

رفعـت كتفيهـا لتجيب بلامبالاة مصطنعة :

_ عادي بسأل مش أكتر 

تـابع بجدية ألزمتها الصمت :

_ لو سمحتي ماتفتحيش الموضوع ده تاني، وتأكدي أن اخدتلك حقك وخلاص

اومـأت هامسة بهدوء :

_ طيـب 

إتجـه للداخـل كالأعصـار الغاضـب يكتسح من امامـه، فلكزت بدور في ذراعها مغمغمة بخـبث :

_ قومي يابت ورا جوزك شوفيه، أكيد جاي متنكد من عند الهـانم 

اومـأت وهي تشير لها بنـبرة خبيثة توازي خبثهـا الدائـم :

_ منا عارفة بس كان لازم أكون الزوجة المطيعة اللي مابتتدخلش بين الأم وأبنها

ضحكت متابعة :

_ طيب يلا ياختي قومـي 

نهضـت بدور وهي تعـدل من هندامهـا، علها تنجـح في إثـارته وتتوغل لداخله ولو مرة واحـدة فقـط .. 

مرة واحدة تشعر فيها أنها انتصرت أمام من تتربـع على عرش قلبـه !!! 

دلفت الى الغرفـة ثم رمقتـه بنظرة ذات مغزى وهي تراه يخلع قميصـه لتقول :  

_ إية يا حبيبي اجهزلك حمامـك 

هـز رأسه نافيًا :

_ لا أنا بعرف لوحدي، روحي إقعدي زي ما كنتِ قاعدة 

سألته مضيقة عيناها بخبث :

_ مالك يا مجدي شكلك متضايق ؟!! 

إبتعـد وهو يرد ببرود :

_ لأ مش مضايق 

فاجئتـه باحتضانهـا له من الخـلف، لتشعـره بسخونة جسدها .. ومشاعرها المتدفقـة الغزيـرة نحـوه، وإن كانـت طريقتها خاطئة ... 

يبقى هو أمنيتهـا وحبها الوحيـد !!!! 

يبقى هو المنـال والحُلـم الذي لا يفارقهـا فيجعلها تتمسـك برسم خططها الخبيثة اكثـر !!!

فهمست بجوار اذنه بطريقة حميمية :

_ وحشتني على فكرة 

تقـوس فمه بابتسامة ساخرة :

_ أنا سيبتك يوم واحد 

شددت من احتضانـه هامسة بسببًا مشتاقة يسخر منه كالعادة :

_ إنت بتوحشني حتى وأنت معايا 

دلـف الى المرحاض ثم همس :

_ اه وماله، هنبقى نتناقش في الموضوع ده بعدين 

أغـلق البـاب بعنف في وجههـا، وكأنه بتلك الحركة يعبر لها عن أغلاقـه لكل الفرص لدلوفها وتعمقها في حياته !! 

يذكرها بسبب قدومها لهذا المنزل، يذكرها كما يُذكر نفسه بسبب رابط الزواج الخانق بالنسبة له معها !!!!!! 

بينما هي تأففت بغيظ :

_ ماشي يا مجدي، أنت اللي اضطرتني لكدة وهاجيبك ليا راكع بردو 

فاتجهـت للمكتبة الصغيرة فأخرجـت زجاجـة صغيرة، ثم اتجهت للفراش وهي تنظر خلفها كل حينٍ ومين .. 

ثم بدءت ترش على الفراش برفـق وحذر !!!!!!!! 


                           **********


جـلست ناديـن تنظـر من شرفـة الغرفة للعالـم الخارجي المشرق .. 

العالم الذي غادرته بفضـل زجـة الذئـاب البشرية وفعلتهم الشنيعـة !!! 

عيناهـا هائمة شاردة في نور الشمّس خلسة وكأنها ترجوه ألا يغادرها !! 

أقترب ياسين الذي لم يغادر من جوارهـا ليصبـح خلفهـا تمامًا .. 

وهمس بصـوت عذب هادئ :

_ يلا يا نادو عشان هتروحي تعيشي مع سلـيم 

لم يجـد رد فعل كالعـادة فهمـس بهدوء :

_ هسرحلك شعرك أكيد مش هتروحي كدة 

ولأول مرة يفعلها .. 

يهتم لأمر شخـص او يهنـدم شخص، هذا ليس من عادتـه ولن يكون من عادتـه يومًا !!!!؟ 

ولكن الاستثنائـات تظهـر .. من أجلها فقط !!

أمسك بفرشاة الشعـر ثم اقترب منهم يمسد على خصلاتها الناعمـة كنعومة شخصيتهـا وهشاشتهـا .. 

ثم بدء يحدثـها وكأنه تسمعـه او ستتجـاوب معـه :

_ إنتِ عارفة أنه انا اول مرة أسرح لبنت شعرهـا ؟ 

صمت برهه يستشف رد فعلها ليردف : 

_ النهاردة الجوو حلو جدًا، رطب وهادي، أكيد إنتِ كمان حاسـه بيه 

لم يعـرف لمَ شعـر أن تلك الجملـة أخذهـا على وتيـرة نفسـه !!!؟ 

وكأن لسانه اخطأ مسـاره ووُضعـت مرآة الحيـرة فعُكست الجملة على نفسـه !! 

ولكن فعلاً .. هل تشعـر به ام لا ؟! 

وكأنه اجابـت بأمساكها ليده التي توقفت عن العبث بمنابت شعـرها أثنـاء شروده !!!

وكـانت دعوة صريحة منها أن يُكمل ما كان يفعلـه ... 

فابتسـم بفرحـة مهللاً :

_ إنتِ فعلاً حاسه بيا يا نادو، حاسه بيا صح ؟!!!! 

أكمل ما كان يفعله ليتابع :

_ عارفة يا ناديـن، لما جيت لك ماكنتش أول مرة أشوفك، كنت شايفك بقالي شهور من يوم ما جيتي هنـا، براقبك غصب عني وكأن حاجة بتجبرني على كدة، مكنتش فاهم ولا عارف إنتِ فيكِ إية بس كنت عايز أبقى قريب منك وخلاص، كنت بستنى كل زيارة للدار عشان أشوفك واعرف اخبارك من الممرضات لحد ما شكـوا فيـا خلاص 

ضحـك وهو يضربهـا على رأسها برفق وقال بمـرح :

_ عاجبك كدة انا الدكتور الهادي الشديد ياسين منصور أفضل اسأل على واحدة معرفهاش 

ولمـح طيفًا صغيرًا من ابتسامتـها التي حكمـت عليها بالمـوت كصاحبتها !!!! 

والأرتياح أنعش روحه القلقـه، وزرع به أملاً جديدًا قويًا إلى حدًا ما ... 

أي خيوطًا من الحنـان تقابلهـا بسلاسـل تتمسك به !!! 

انتهـى ليجعلهـا تنهـض، وما إن انتصبت امامـه حتى وجـد نفسـه يستنشـق عبير شعرهـا الجـذاب ... 

ويقيد خصرهـا بيـداه الصلبـة ليغرز رأسـه عند خصلاتها التي تغطي رقبتهـا، ويغمض عينـاه متأوهًا من ذاك القرب الذي لطالما تمنـاه منذ أن رآهـا ... 

بينما هي كانت ترتعـش بيـن يـداه .. 

ترتعـش من لمسـات لم تعهـدها ابدًا من قبـل ... 

لمسـات كـانت كسحر يُصب عليها لأول مرة فيصيبها بـدوار مفاجئ !!! 

أبتعد هو عندما شعر بحالتها تلك، ولام نفسـه بشدة .. 

لام نفسـه على إقتراب لم يأخذ مفتاحه منها، شعر أنه .. مستغـل !!! 

مستغل لتلك الحالة التي تجتاحها دومًا !!

أمسـك بوجههـا بين يديـه ليهمس متأسفًا بحنق من نفسه :

_ نادين أنا اسـف، بجد أسف، مش عارف إية اللي بيحصلي وأنا معاكِ 

أقتـرب أكثر حتى ألصق جبينـه بجبينهـا، ثم تابع همسه امام شفتاها بشغف :

_ سامحيني يا حبيبتي، سامحي ضعفـي قدامـك !! 

وفجـأة وجـد البـاب يُفتـح دون أن يُطـرق، ودون فرصة له للأبتعـاد حتى و.. !!!!!!!!


                           *********


وعنـدمـا يأكلك الغيـظ اكلاً بلا رحمـة، كدعوة منه للتصرف مسرعًا، تحاول التمسك بحلاً سريعاً، وإن كنت لا ترغبه !!!!! 

جـلستـا كـلاً من " بـدر " شقيقـة " بـدور " بل وتؤأمهـا الثانـي .. 

توأمها في الخبث .. في الحقد وفي الرغبـة، وكأنهم لم يتشابهـوا في الشكل فقـط، بل تشابهوا في الچينـات والصفـات ايضًا 

" فولة وإتقسمت نصين " كما يقولون !!!  ووالدتهـا في مـنزلهم المتوسـط، تحديدًا في الصالـون، يتحاورون كعادتهـم ويتدخلون فيما ليس لهم علاقة بـه !!!! 

يجلسا سويًا على الأريكة البنية الناعمـة ، و

زفـرت بدر وهي تخبط على قدمها قبل أن تقـول بسخط :

_ يا ماما قولتلك بدور مش هتعرف تتصـرف 

مصمصت والدتهـا شفتيها بتهكم :

_ لا والله، وإنتِ اللي كنتِ هتعرفي تتصرفي ياختي 

اومأت مؤكدة بغرور :

_ أيوة طبعًا، أنا انصـح منها شويـة 

نظـرت له باستهانـة، لتشدد على قولها الجـاد كتحذير واضح :

_ خلاص، دلوقتِ هي اللي مراتـه وهي اللي لازم تتصرف 

عقـدت ذراعيهـا مغمغمة بغيظ :

_ منا قولت لك كنت أنا اللي اتجوزتـه 

رمقتهـا بنظرات حادة صراخة :

_ إنتِ عبيطة يابت إنتِ، أمه كانت عاوزة أختك مش عاوزاكِ إنتِ !!! 

تأففت وهي تبرر :

_ قال يعني هو بيعرف يفرق بين وبين أختي هو او أمـه دي 

أشـارت لها بيدهـا .. خوفًا حقيقيًا ينبـع بداخلهـا من تفكير أبنتها السام والذي تعرفه عن ظهـر قلب !!! 

كـيف تمنعهـا ؟! 

كيف تكـون واقـي لحياة أبنتها الأخرى وهي من علمتهم الأصرار حد الموت على شيئً يرغبـوه !!!!

فقـالت حانقـة بحـزم : 

_ بدر خلاص الكلام خلص، أختك اكيد هتعرف تتصـرف ده الحل بقا في إيديها !

_ مااااشي يا امي مااشي 

همست بها بدر وهي تتابع خطاها بحقد بينما نهـضت متجهة لغرفتهـا دون كلمـة اخرى... 

لتحتـد عينا بدر السـوداء وهي تمسك خصلاتها - المصبوغة الصفراء - لتهمـس بصوت اشبه لفحيح الأفعى :

_ وحياة قصاقيصي دول لو ماعرفت تتصرف لهتصرف أنا وعليا وعلى اعدائي !!!!!!!!! 


                         ***********


في مكـان إرتيـاح جميلة المعتـاد .. في الحديقـة الخضـراء، تحديدًا وقـت غروب الشمـس لتودع الأرض بوعد العودة مجددًا جـلست جميلـة كعادتها على كرسيها الخشبي الذي يهتـز .. 

يهتـز ويهز معه تفكيرها الدائم فيصبح وكأنه يُقلل منه قليلاً !!!!! 

وسيـلا امامـها تجلس بابتسامتها المعهـودة، يتحـدثـان سويًا .. 

حسب أول خطـوة في خطـة جميلة !!! 

يدردشـان سويًا وبالطبـع كانـت اسئلتهـا حول حياتها تسقط على سيلا كسـوطًا من الأشتياق الحـاد !!!!! 

وأرسـلت جميـلة احدى الخدم لشـراء بعض الأشيـاء للتسلية، والذي تذمـر باعتراض شديد على ذهابـه بدلاً من صديقه المريض ... 

ونظرت لها حتى فاجئتهـا جميلة بسؤالها الذي يحمل معنًا حاولت سيلا تجاهله :

_ ها يا سيلا لسة مش ناوية تحكي لي عن حياتك بردو ؟ 

هـزت رأسهـا نافيـة، وطغـى التوتر على ملامحهـا وهي ترد متلعثمة :

_ وهو انا فاكرة اصلاً يا طنـط عشان أحكي لك ؟ 

اومـأت جميلة مؤكـدة بابتسامة :

_ طبعًا فاكرة يا سـيلا عـزت 

ثم سألتها بخبث :

_ مش أسمك سيـلا القاضي بـردو ؟ 

وتلـون وجههـا باللون الأصفر على الفور ... 

لون الأرتبـاك المعتاد الذي زحـف لوجنتاهـا خوفًا من القـادم !!!!!!

لتهمس بسذاجة :

_ وآآ حضـ حضـرتك عـ عرفتي إزاي !!؟ 

مـطت شفتيهـا مرددة :

_ طريقتي الخاصة بقا يا حبيبتي، المهم هاا قوليلي أبوكِ لسة زي ما هو ولا اتغير

إبتلعت ريقها هامسة بارتعاد:

_ أنا مش فاكرة اصلاً عشان أقول لحضرتك 

رمقتهـا جميلة بنظرة زادت من معدل القلق بداخلها .. نظرة حذرتها واكدت لها أن مُعـراة امامـه !!!! 

فيما يعني أن كذبهـا شفـاف امامها !! 

أن معلوماتهـا كجهاز كاشف للكذب عن سيـلا !!؟

فتابعت :

_ لأ إنتِ فاكرة كويس أوي، سيلا عزت القاضـي، بنت عيلة القاضي الغنية عن التعريف، 23 سنـة بتشتغلي محاميـة، رقية أختك الغير شقيقة، والدتك الله يرحمها 

معلومـات بالرغم من انها عنها هي، إلا انهـا كانت كموجـات كهربائية صاعقة تسري بجسدهـا !!! 

ماذا تفعـل الان !!!!!! لن تستطـع الهرب، والمأزق اصبح مأزقيـن ؟!!!

ووجدت نفسها تسألها ببلاهة :

_ طـ طب هو حضرتك تعرفيني منين ؟

عـادت جميلة بظهرها للخلف لتستطرد :

_ بطلي تقولي حضرتك تاني، قولي خالتو، ثانيًا مش مهم عرفت منين، المهم إن انا مش عدوتك ومش عاوزاكِ تخافي مني خالص بل بالعكس أفتحيلي قلبك وأحكي لي إية اللي جابك هنا ؟ 

وما بيـن صدمة وحيـرة .. 

ظلت هي عالقـة، ماذا تفعل الان ؟! 

وتخبرها وتُخاطر بحياة جدها الحبيب ام تصمـت لتخسر درعًا قويًا كجميلة ؟!!! 

وكأن سليـم شعر بحيرتها فهبط من الأعلى بملابسه المهندمة كالعادة ..

ليجد سيلا هكذل فقال دون تردد :

_ أية ده إنتِ قاعدة كدة لية ؟ 

ردت جميلة بهدوء :

_ عادي يا سليم بندردش بس 

رمـق سيـلا بتلك النظرات القاسيـة والتي اقتربت على الاعتياد عليها وأردف :

_  من أمتى وأحنا بندردش مع الخدم يا خـالة ؟ هه من امتى ؟ 

كادت جميلة تعتـرض بغضب من إهانـات باتت تشعر بها بلا نهاية :

_ سليم مينفعش كدة إنت آآ 

قاطعها مشيرًا لسيلا بصـوت آمر :

_ خشي على شغـلك يلا بلا دلع ماسخ

وبالطـبع نهضت سيلا دون كلمـة اخـرى متجهة للداخـل، والدمـوع كانت كالغمامة امام عينيها البنيـة .. 

فكادت تلامس سليم دون قصد فإبتعدت على الفور كأنها لمست كهرباء مميتـة !!! 

لتسير ببطئ متجهة للداخل هائمـة حتى اصطدمـت في زهرية كبيرة فكادت تقـع، وكـان أول من يمسكها من خصرها ليمنعها من السقوط هو سليـم !!! 

نظر لعيناها التي امتـلأت بالدمـوع، فلم تعطيه فرصة وهي تبعد يدها عنه متمتمة بصوت مبحوح :

_ شكراً مش محتاجة مساعدة من حد 

ثم سـارت للداخـل بخطوات شبه راكضـة، لينظـر سليم لأثرهـا ببعضًا من الضيق !! 

نهضـت جميـلة بغـضب .. غضب تكـور داخلها كبركـان سينفجر حتمًا في وجه ذلك الصقــر .. ما بالك بهذه الفتاة التي منذ مجيئها لم يكف عن قسوته المعتادة !!!! 


لتصيح فيه بحدة ولأول مرة :

_ أية اللي أنت عملته ده يا سليم ؟ 

لم يـرد عليها ومازال ينظر لأثـار سيـلا، فاستلم هو الأمر هذه المرة وقد تبدلت الأدوار :

_ تخش تعتذر لها دلوقتِ وحالاً، وإلا قسمـاً برب العزة قلبي وربي غضبانين عليك ليوم الدين يا سليـم يابن وردة 

ولم يشعـر بنفسه ألا وهو يركـض متجهًا نحو غرفة سيلا !!!!!!!! 


                       **********


يتبـع


شظايا قسـوتـه 


الفصل الخامـس عشــر : 


وصـوت بكـاءهـا العالي الذي صـدح من خـلف بـاب غرفتهـا، كـان كسهـام قاصـدة تأنيبـه بسمهـا .. ولكـن لم تنجـح سوى في القليـل !!!! 

وفعليًا " هو طبعـه ولا هيشتريـه " !! 

القسـوة نبتـة فطرية وُلـدت معـه، وكبـرت مع مواجهته لهذه الدنيا التي تعلم منهـا القسـوة حرفًا حرفًا ... !! 

حـسم قـراره ثم طـرق البـاب .. وبالطـبع لن تستقبـل أي شخـص بقلبًا رحـب ابدًا !!! 

ستـرفض أي تدخـل كمـا سترفضـه هو حتمًا !!! 

وفتـح البـاب بمفتاح المنزل الذي يبقى بحوذتـه دائمًا ..  

ليجـدها تتكـور في ركـنًا ما في الغرفة تأخذ وضـع الجنيـن وتبكِ بقهـر !!! 

قهـر تشبعها بجدارة بعدما حاولت مرارًا وتكرارًا التغاضـي عنه !!!! 

ولكن شعرت كأنه سراب لا يمكـن الهـرب منه .. يجدك أينما حاولت الهرب منه !!! 

وفجأة شعـرت بمـن يمسـح دموعهـا بطرف اصابعه الخشنة التي لا تناسب نعومة لمستـه .. 

نهضـت وهي ترمقـه بنظـرات حادة مغتاظة، وحمراء من كثرة البكاء ثم هتفت ناحبة :

_ نعم جاي هنا لية، جاي تكمل جرعة إهانتـك 

هـز رأسه نافيًا :

_ لأ، مش كدة أنا آآ 

قاطعتـه وهي تشيـر له بحدة :

_ أطلع برة عشان أشوف شغـلي 

أقتـرب منها قليلاً لتعود للخلف هي مسرعة بقلق مرددة :

_ ماتقربـش منـي 

أجاب بثبـات :

_ أما تهـدي الاول كـدة مش هقرب 

عقـدت ذراعيها لتتابع بصوت مختنق :

_ أنا هادية على فكـرة ملكش دعوة 

ولم يعـرف لمَ شعر بتأثير دموعهـا على قسوته المتحجـرة ؟! 

لمَ لام نفسـه على عادة لديه مع الجمـيع !؟

أستفاق على صوتها الشبه باكِ :

_ اطلع بررررة بقا 

هـز رأسه نافيًا، ليقترب منها اكثر مغمغمًا بأسف :

_ آآ أنا أ آآ ماتزعليش 

يصعـب عليه نطقهـا .. يصعب عليه الأعتـذار !! 

الصقر الذي لم يصيبه وباء الضعف والاعتـذار يومًا الأن يحاول الوصول لذاك الوباء ولكن يفشل ؟؟؟! 

بينما هي أنفجـرت في البكـاء الحاد .. 

يهيـن ويهيـن ثم يأتي ليرطـب !!! 

أي كائـن هذا بحق الله !!؟ 

دفعتـه بقبضتها الصغيرة وهي تقول باهتيـاج :

_ اطلع برة مش عايزة أشوفك ومش عايزاك تعتذر، سيبني لوحدي 

أمسـك بيدها يثبتها على صدره ليستطرد بخشونة معهودة منه :

_ الخالة جميلة هي اللي اضطرتني أجي اشـوفك على فكـرة 

أبتعـدت عنه ولم تكـف عن البكـاء ثم صرخت فيه :

_ لا ماتسمعش كلامها، أنا اصلاً مش عايزة أشوفك خالص، أنا بكررررهك .. بكرهك يا سليـم

تكـــرهــه !!!!! 

هل تكرهه فعليًا ؟؟ 

سـؤال تردد صـداه بقلبـه قبل عقلـه .. 

هل إزدادت إهاناتـه الغير مقصودة وقسوتـه إلى مرحلة اللارجـوع ؟؟!!!!! 

هل تحول صبرهـا من إحتمال عميق لكره اعمق وأعمق !!!؟ 

ظـل محـدق بها وهي تبكِ .. وشعوران مختلفان يتأججـان داخله 

احداهم يخبره أن يحتضن صغيرته ليهدئ من ثورتـها !! 

أن يخبأها بين ضلوعه فلا تنهـار هكذا مرةً اخرى .. 

والاخـر يخبره أن يعنفها أكثر على تلك الكلمة التي قالتهـا !! 

ووجـد نفسـه يهمس بخفوت :

_ بتكرهينـي ؟

اومـأت مؤكدة بشراسة :

_ بكرهك وبكره نفـسي اللي فكرت اعذرك مرة، وبكره اليوم اللي شوفتك فيه 

كـز على أسنانه وهو يغمـض عينه هاتفًا :

_ متقدريش تكرهينـي 

دفعته مرة اخـرى للخارج وهي تزمجر فيه بغضب حقيقي :

_ أطلع بررررة بقا وأبعد عني أنا مش عايزاااك 

وكأنـه سمع كلمتها معكوسة فاقترب حتى لفحـت أنفاسـه صفحة وجهها البيضـاء .. 

احدى يـداه تقيـد خصرها بقيدًا متملكًا تعرفه جيدًا !! 

والاخرى تمسك بيداها الصغيرة بين يده، ليهمس بجوار أذنهـا :

_ مش بمـزاجك أبعد عنك أو لا ... ولا حتى بمزاجـي للأسف !!!!! 

ثم ابتعد ليغادر دون كلمة اخرى تاركًا اياها في صدمتها تفكر في كلماتـه الغريبة !؟ 

ووجـد خالته بالأسفل كما هي .. تنتظره وتفضل عدم التدخل اكثر لترى رد فعل، وما إن رآته حتى سألته :

_ عملت إية يا سليم 

لم يرد عليها وأنما انطلق مغادرًا بصمـت تام أقلقهـا !!!!!!!! 


                         **********


وإنتهـى " مجدي " من أغتسـاله .. أنتهى من إفـراغ همومـه التي من الواضـح أنها لن ولم تنتهـي، وخـرج بهدوء يتنفس الصعـداء ويمـلأ رئتيـه بالهواء الطـلق .. 

أستعدادًا لأغـراء تلك الخبيثـة بالخـارج !! 

وبالفعـل خـرج ليجـدها تقف امام المـرآة بكامل أناقتهـا المعهودة مؤخرًا ..  

ترتـدي قميصًا من اللون الأزرق، قصيرًا جدًا لا يكاد يغطي فوق ركبتيهـا ذو فتحة واسعة عند منطقة الصـدر ... 

ينظـر للجهة الأخرى وهو يترجى عينـاه ألا تستسلـم لسحرًا من الأغواء يسيطر عليه فيعميـه عن أوامـر قلبـه !!!!!! 

قلبـه الذي يضـخ بعنـف .. وخوف من رجلاً يُحـارب بأقوى الطـرق لهزيمته !! 

وبالفعل اتجهـت هي نحـوه لتتلمس صدره العـاري وهي تهمـس :

_ لسة تعبـان يا حبيبي ؟ 

اومـأ وهو يبتعد عنها مغمغمًا :

_ اه وهنام دلوقـتِ 

ذهبـت وراءه تحايلـه بـدلال :

_ إية ده إحنا ملحقناش نقعد مع بعض يا مجدي 

هو بالأسـاس لا يريـد تلك الجلسـة .. 

تلك الجلسة التي حتمًا سيخـرج منهـا فاقدًا جزءً من عقله بسبب كثرة التأنـيب !!!! 

رمقهـا بنظرات جادة وهو يستطرد :

_ وانا أقعد معاكِ لية أصـلاً، ياريت ماتنسيـش إحنا متجوزين لية من الأساس 

اومـأت هي مرددة بغيظ :

_ ولما أنت مش ناسي أن احنا متجوزين عشان نخلف، ياريت تفتكر إن بطريقتك دي عمرنـا ما هنخلف 

زفـر بقوة قائلاً :

_ لا هنخلف إن شاء الله 

تخصـرت وهي تتمايل هاتفـة بسخرية - غير خجلة - بالمرة :

_ لا والله أذا كان انت مابتجيش جمبي إلا مرة واحدة يبقى أزاي بقا هنخلف، بالبلتووث ولا إية ؟ 

إلتفت لها وهو يزمجـر فيها غاضبًا :

_ إنتِ عايزة اية دلوقتِ، عايزة تتخانقي وخلاص صح 

هـزت رأسها نافية ببراءة مصطنعة :

_ لا طبعًا يا مجدي، هو أنا عشان بتناقش معاك تقولي إنتِ عايزة تتخانقي يعني ؟!

رفـع حاجبه الأيسر متهكمًا :

_ طب يـلا ياختي مش وقت مناقشات عايز اتخمد، احسن وربنا اسيبلكوا البيت ده واقوم اغـور 

هـزت رأسها نافية بسرعة :

_ لا لا وعلى إية، الطيب أحسن، نام يا حبيبي نومة العوافـي 

ثم إستـدارت لتسيـر متجهة امامهـا، عيناهـا تكاد تختلع وهي تراقبـه .. 

تراقبه وتدعوا الله في سرهـا أن ينام وحالاً !!!! 

حتى أستقـر على الفراش مغمض العينين، فتنهدت بقوة وهي تقول في خلدها :

_ هيييح، نام نام بالشفى ياخويـا 

ثم خـرجـت لتجـد والدته تجـلس كما هي، اقتـربت لتجلس بجـوارها، لتسأله الاخرى مسرعة بنـزق :

_ إية ده يابت إية اللي جابك دلوقتـي، ده أنا قولت زمـانك عايشة أحلى اوقات حياتك 

مـطت الاخرى شفتاهـا مغمغمة بخفوت :

_ وهو اللي مع ابنك دي هتشوف احلى اوقات غير في تربتها 

حدقت بها الاخرى بجدية :

_ نعم !!!!! 

هـزت رأسها نافية لتستدرك نفسها :

_ لا طبعًا، أنا بقول يعني مفيش حاجة جايبـة نتيجة، لا اغراء ولا غيره 

سألتها مستفسـرة :

_ طيب وحطيتيله البتاع على السرير 

اومـأت بدور مؤكدة :

_ ايوة طبعًا اول ما دخل الحمام 

تنهـدت وهي تربـت على يدهـا قائلة بحماس :

_ خلاص يبقى إطمني، مفعـول الحاجة باتعـة مسمـع ماشاء الله 

عقـدت ذراعيهـا هامسة بغيظ :

_ أما نشوف الحاجة نيلة دي، ده انا حاسه إني لو جبتله الجني بذات نفسه يقنعه مش هيرضى، مش اعمله سحر بس !!!!!

_ هتشوفي ياختي هتشوفي 

قالتها والدته وهي تنتبـه للفيلم الرومانسي الذي تشاهـده باندمـاج !!! 

و - الغايـة تبرر الوسيـلة - 

مقولـة استُخدمـت في الغايـات الجادة البريئـة !!!! 

ولكـنها الان .. طبقتهـا حرفًا حرفًا فغايتهـا للوصول لذاك المجدي، من المفتـرض أن تبرر وسائلها الخبيثة التي لا تنتهـي .. 

ولكن الان ... 

استخدامهـا للسحـر على زوجهـا كنوعًا من الاجبـار للتوغل بداخله بجوار كرات دماء التي يسيطر عليها عشق " رقية " 

لا يُـبرر .. إطلاقًا !!!!!!!! 


                         **********


وصـل سـليم إلى المستشفـى ليترجـل من سيارتـه بهدوء وجدية لا يتخلى عنهـم، يجوارهم كظلـه غضب وحنق من نفسـه ومن تلك " الطفلة " التي ندمتـه فعليًا !!؟

إتجـه إلى الغرفة التي كـانت تقطـن بهـا ناديـن بخطى مسرعة .. 

ودلف بعد أن طرق الباب وسمع صوت ياسين الهادئ :

_ ادخـل على طول 

نظـر لياسين بابتسامة صفـراء هاتفًا :

_ أوعى اكون عطلتك عن حاجة

عطـله !!! 

لا ابدًا .. والعكس تمامًا رغب في شكـره بحرارة على وقتًا ممتعًا مر عليه كدهرًا جميـلاً عاد على قلبه بنسمات رطبة هانئـة !!!! 

وهـز رأسه نافيًا وهو يجيبه :

_ لا خالص، ماتنساش إن ده شغلي اصلاً يا استاذ سليم 

قال سليم بجدية :

_ لا لو على الشغل فـهو في مساعدة تفضل معاهـا، لكن كـون إنك عايز تساعدها ده حاجة تانـي 

اومـأ ياسيـن ببعضًا من التوتـر :

_ مش هتفرق كتير يعني 

اومـأ سليـم وهو يقتـرب من نادين ليمسك يدها مقبلاً اياهـا بحنان وقال :

_ إية يا حبيبتي عاملة إية دلوقتي ؟

وبالطـبع لم يجـد ردًا فمسد على شعـرها وهو يردف بهدوء :

_ يلا بقا عشان هتيجي معايا البيت يا نادو

سـأله ياسين متدخلاً بجدية:

_ الجلسات النفسية هتجبها لي العيادة ولا إية ؟ 

أجابه سليـم بجدية لازمة مماثلة :

_ إنت تعالى البيت لها بدل ما كـنت بتيجي الـدار، اللي هيتغير الموقع بس 

اومـأ ياسين موافقًا :

_ تمام ماشي 

ونهضـت نادين مع سليم متجهـين للخـارج .. ياسين ينتظـر .... عيناه تقـرع قلبها طلبًا لإلتفـاته واحـدة، نظـرة تملئ خانـة الصبر والشـوق !! 

ولكن لم تفعـل .. هي لم تراقـبه منذ شهـور دون أن يشعـر ابدًا !!!!! 

هي لا تملك مكانًا .. للعـشق على الإطلاق !!

وغـادروا هـم، ليتركـوه هو تحت تأثير محط ذاكرتـه 

فلاش بـاك 

دلفـت تلك المساعـدة، وإن كان لسانهـا لم ينطـق بالشـك فعيناهـا كانت تمـوج بالشـك القاتـل نحو ذلك الوضـع !!!! 

إستدار ياسين مسرعًا وهو يسألها :

_ إنتِ آآ إنتِ إية آآ 

سألتـه بـريبـة :

_ في إية يا دكتـور ؟ إية اللي بيحصل هنا !!؟ 

رفـع كتفـيه يجيب متلعثمًا :

_ مـفيش .. يعني هيكون في إية 

أشـارت نحو نادين متساءلة :

_ أمال حضرتك كنت ماسكها كدة لية ؟! 

موضـع الضعف الان لن يجدي نفعًا !!! 

فليتماسك قليلاً .. من أجلهمـا معًا .. 

ونظـر لها بجدية ليقول ءة

_ فارق معاكِ كتير ؟ 

رفعـت كتفيها لتردف بلامبالاة خبيثة :

_ لا بس انا يعني قصدي إن لازم اكـون معاها 24 فـ لازم أكون عارفة إية اللي بيحصل معاهـا 

أشـار لها بيـده قائلاً :

_ أنا ونادين هنتخطب قريب، فمفيش داعي تخافي وهي معايـا 

نظـرت له بتعجب لثواني قبل أن تومئ موافقة :

_ أوكيه يا دكتور ماشي

ثم استـدارت لتغـادر على وعدًا لنفسها بإخبـار سليم .. على الفـور !!!!!!!! 


                         **********


هبطـت " رقيـة " بعدمـا إرتـدت ملابسهـا المكـونة من " جلبـاب للمنزل " وحجابها الصغير يخبئ خصلاتها الناعمـة .. 

وجههـا لا يخلو من مساحيق التجميل الي وضعتها على أمل ان تخـفي أطياف الحزن التي تلوح بوجههـا !! 

لتجـد جدها يجلس بجوار أبيها، نظرت له ورسمـت إبتسامة صفـراء وهي تحييه :

_ حمدلله على السلامة يا جدي، أن شاء الله ما تزورش المستشفى تاني إلا في الخير 

همس بحبور وهو يربت على رأسها :

_ تسلمي يا حبيبتي يارب 

سألته رقية بهدوء :

_ حاسس إنك احسن يا جدي دلوقتي ؟ 

اومـأ مؤكدًا بابتسامة صفراء :

_ اه الحمدلله بقيت أحسن 

جلسـت بجوار والدها بعدما ألقت التحية عليه لتسأله بتوجـس :

_ لسة معرفتوش حاجة عن سيلا بردو يا بابا ؟ 

هـز رأسه نافيًا بأسـف :

_ لأ .. خالص يا رقية 

وغامـت سحابـة من الحزن العميق في أعين كلاهمـا ليتنحنح نصـار بجدية حزينـة :

_ بخصـوص سيلا كنت عايز أقولكم 

 نظـروا له باهتمام :

_ اتفضل يا بابا خير ؟ 

تنهـد قبل أن يقـول بعـزم منكسر :

_ سـيلا .. اتأكدت إنها .. مـاتت !!!! 

نظـرت له رقية بصدمة قبل أن تصـرخ باهتيـاج :

_ لاااااا مستحيل 

زفـر وهو ينظـر للجهـة الاخرى متابعًا :

_ للأسف المستحيل بقا حقيقة يا بنتي 

سأله عزت بحزن وضيق معًا :

_ عرفت أزاي يابويا 

ضغط على يده وهو يجيبه بجزع :

_ عرفت بالطريقة اللي عرفت بيها وخلاص، وياريتني ما عرفت 

سأله عزت :

_ إية اللي هيحصل دلوقتي ؟ 

هـز رأسه بحزنًا تعمقه أكثر :

_ هنعمل .. العزاء في اقرب وقت !!!!!!! 


                          *********


وصـل كلاً من سـليم وناديـن الى المنـزل، بالطبع دون تلك المساعدة التي اخبرهـا سليـم أنهم لم يصبحوا بحاجتها في هذا الوقـت .. 

وكان سليم يحاول فتـح اي حوار يجذب إنتبـاه نادين ولو قليلاً ..  

فيجبر أطياف التركيز المتبقي لديها على التجاوب معه !! 

دلفـوا بهـدوء ليجلسـا بجوار جميلة التي وجدوها تجلس باسترخاء في الحديقة، لتبتسم هي على الفور مغمغمة لنادين :

_ اهلاً اهلاً نورتي بيتنا يا نودي 

نهضـت لتقبل جبينها بحنان فطري قبل أن تقـول :

_ ماشاء الله عليها، جميلة وباينها رقيقة وحاجة هشة كدة 

اومـأ سليم مؤكدًا وهو يجلس :

_ اه طبعًا، وده اللي مخليني متمسك بيها كأني اعرفها من سنين مش شهور بس

اومأت جميلة بابتسامة صافية :

_ طب روح أنت وخليها قاعدة معايا شوية


واجبـره قلبه على السؤال بما على طـرف لسانه :

_ فين سيـلا ؟ 

سألتـه بخبث دفين ؛

_ بتسأل عنها لية يعني ؟ 

رفـع كتفيه بلامبالاة مصطنعة :

_ عادي يعني كنت عاوزها تعملي كوباية قهوة مش أكتر 

مـطت شفتيها بعدم رضا :

_ ما ممكن أي حد يعملها لك يا سليم 

زفـر بنفاذ صبر :

_ لا يا خالة لا، هي اللي بتعرف تظبطها، هي فين ؟ 

اشـارت للداخـل مردفة بهدوء ضاحك :

_ جوة اكيد مع دادة فاطيمـا 

اومـأ موافقًا بجدية : 

_ ماشي أنا طالـع 

وكـاد ينهـض متجهًا لـهـا .. ولكن فجأة وبأقل من الثانية كـانت عقبـة حياتـه الوحيـدة والدائمـة تتجسـد امامـه ... 

وصوت يعرفه جيدًا ينـادي بهدوء مشوق :

_ سلييييييم !!!!! 


                         **********


يتبـع


شظايا قسـوتـه 


الفصل السـادس عـشـر : 


فـرار !!!! 

وهل عرف الصقـر معنًا للفـرار يومًا ؟! 

بالطبـع لا، ولكـن عندمـا يتجسد امامك أقتراب اكبر مكروهاتك ومخاوفك من القـادم ... تترجـى الفرار ليسحبك معه !!! 

إلتفت لها بهدوء ما قبل العاصفة ليهمس :

_ دارين !!! 

ولم تعطيه هي الفرصة للنفـور او الابتعـاد او غيـره، قيدته بذراعيها كما قيـدت عشقها عليه على أمـال كاذبة !!!! 

ليبعدها عنه بعد ثواني مرددًا بغضب :

_ إية ده يا دارين، مش هتبطلي بقا الحركـات دي 

ابتسمـت بهدوء لتهمس بعدها بنعومة توازي هيئتها المهندمة :

_ الله، أنت وحشتني أوي يا سليم

لوى شفتيه متهكمًا :

_ ماتشوفيش وحش ياختي 

وهنـا تدخـلت جميلة متنحنحة ببعض الهدوء :

_ أزيك يا دارين 

استدارت لها مغمغمة بود لا يليق بها :

_ أنطي، انا تمام إنتِ عاملة إية وحشاني جدًا يعني 

ابتسمـت جميلة ابتسامة صفـراء متمتمة :

_ إنتِ اكتر يا حبيبتي 

تصـرفـات داريـن لم تحلـو لها ابدًا هذه الفتـرة ... 

حركاتها التي تقيد بها سليم واغواءتها الفاشلـة كانت كعرض مسرحي لم يروق لها فقررت مسحه الابدي !!!!!! 

استـدار سليم وهو يقول بجدية :

_ عن اذنك يا خالة، أنا طالع ورايا شغل كتير 

استوقفتـه دارين مسرعة :

_ إية ده هو انا لحقت أقعد معاك يا سليم، مش كفاية مابتسألش عليا خالص 

تأفف وهو يجيبها ببرود :

_ أنا بشتغل مش بلعـب 

اما هي فكـانت تحتـرق من ذاك التجاهـل، هي لا تعشقـه حد الموت ولكنها ترغبـه .. 

وهذا يكفـي في عُرفها لتحارب من أجله !!!!!

لا تعـرف متى ستتمكـن من أمساك مقاليد حياتـه .. كاملة !؟ 

ليس الان .. ولكنها ستتمكن .... قريبًا !! 

إنطـلق متجهًا لغرفة سيـلا بهدوء، قلبه يدعو أن تكون هدءت ولو قليلاً ... 

نادت جميلة دارين لتقترب وهي تهمس بهدوء مع ابتسامة مجاملة :

_ أقعدي يا دارين نتكلم، بقالنا كتير ما دردشناش مع بعض 

اومـأت دارين بابتسامة :

_ صح يا خالتو فعلاً 

سألتهـا جميلة بنبرة ذات مغـزى :

_ إنتِ جيتي لوحدك ولا إية ؟ 

هـزت رأسها نافية :

_ لأ انا جيت مع يوسف أخويا، لأنه بيعمل شغل هنا وانا كمان كنت محتاجة أغير جو ف قولت أجي واشوف سليم بالمـرة 

سألتها مرة اخرى بجدية :

_ امال هو فين يوسف ماجاش معاكِ لية ؟

اجابتها بفتور :

_ محتاج يخلص شغل ضروري اول ما يخلصه هيجي يسلم عليكم 

اومـأت جميلة موافقة :

_ طب يا حبيبتي أطلعي ارتاحي إنتِ وبكرة نكمل كلامنـا

ثم سألتها :

_ طبعًا عارفة اوضتك ؟ 

اومـأت دارين مؤكدة بابتسامة واسعة :

_ أكيد يا أنطي 

..... 

كان سليم مازال واقفًا امام الغرفـة التي تقطن بها سيـلا .. التردد لا يتركه ابدًا !! 

يدلـف لتجربـة لم تسطر بها بداية مفهومـة!!!؟ 

تجربة لطالما كان يخشاها ويكرهها ؟؟!!!! 

أم يأسر قلبه وعقله بصمتًا ايضًا كان يكرهـه !!!!!!! 

حسم أمـره والسلطة كانت للقلب، ليطرق البـاب بخفوت .. وبعد دقائق تهندم ملابسها وحجابها الذي تدهور من كثرة البكاء فتحت الباب لتجده هو !! 

ظلت تنظر له ببلاهة قبل أن تهمس :

_ سليم !!! 

وهمسـة واحدة بأسمه من بين شفتاها الورديـة كانت كفيلـة لتمحي قطرات تردد شغـوف !! 

دلف ليغـلق الباب خلفه، فنظرت له بتوتر قبل أن تسأله :

_ في أية أنت عاوز حاجة ؟! 

الان فقـط ادرك لمَ جاء هنا .. 

لما أطاع قلبـه وتقدم غير مبالايًا بتحذيرات عقلـه !! 

هو يريـد قربها، وهذا ما يعرفه .. على الأقل حاليًا !!!! 

اقتـرب منها اكثر وفجأة جذبها من ذراعهـا نحـوه ليلصقهـا بـه .. ثم سألها بهمس مماثل :

_ لسة زعلانة وبتعيطي مش كدة ؟ 

حاولت الفرار من بين أسر ذراعيه وهي ترد متلعثمة :

_ لا، مش آآ مش زعلانة أبعد شوية 

هـز رأسه نافيًا وراح يقول مداعبًا :

_ تؤ تؤ ، إنتِ لسة زعلانة وأنا لازم اصالحك، ماتعودتش ازعل حد مني بردو 

هـزت رأسها نافية بسرعة :

_ لا لا صدقني انا مش زعلانة خالص، مين قال أني زعلانة اصلاً !! 

وهذه المرة لم يمنـع ابتسامته الهادئـة من الظهـور، وكيف يمنعها وقلبه داخليًا يبتسم بفـرح .. 

يبتسـم على طفلـة غضـبت قليلاً ولكن قلبهـا لم يعد به مكانًا للغضب !!! 

مد يـده يتحسس وجهها الناعـم بأعين متلهفـة .. يتلمـس كل أنش بوجهها وهي مغمضة العينين .. تحاول الفرار منه ولكـنه ربطهـا بسلاسل خفيـة !!! 

وصل لشفتاهـا التي يتوق لها، تحسسها بشغف وهو ينطق ؛

_ مش عارف إية اللي بيحصل لي لما بكون معاكِ 

فعليًا لم يكن يكذب في حيـرته .. في شغفه في القرب لسبب مجهـول !!! 

أصبحت رغبته في قربها تسري بين دماؤه كشيئً يسكر روحـه القاسيـة .. 

وهي كانت مغيبة بين يديـه .. تبحث عن رد فعل قوي لموقف هكذا بين جنبات عقلها ولكن فشـلت !! 

لم تتعـرض يومًا للمسـات أثرت عليها هكذا !! لم تدري أين ذهبت قوتها وردها اللاذع !؟؟؟ 

واخيرًا ابتعد ليتركها تتنفس الصعداء من قـرب كاد يزهق روحها من كثرة تأثيره .. 

لينظـر في عيناها مباشـرةً وهو يردف :

_ إعملي لي قهوة وهاتيهالي في أوضتي 

هـزت رأسها نافيةً دون تردد :

_ هعملها وابعتهالك مع أي حد 

كـاد يقترب وهو يسألها :

_ لية ؟ 

عادت للخلف تغمض عينيها وهي تهمس بضعف :

_ أبعد بقا وأرحمنـي 

اقتـرب اكثر حتى أصبح امامهـا يبادلها الهمس الملتـاع :

_ مش أما ترحميني إنتِ وتسيبيني أرجع لطبيعتي 

ودلـوف " داريـن " كان من جعلهم يلتفتوا بصدمة !! 

بينما وزعت دارين نظرها بينهم، لتلك الفتاة العاديـة .. ولكنها ذات تأثير خاص !! 

لمعان بين بحريهـا البنيـان بشرة بيضـاء كثـوب ناقـي ... 

وجسـد مرسـوم حرفيًا ليعطيها نكهة الجذب !! 

وأشارت نحوها وهي تقول لسليم بنزق :

_ هو ده الشغل اللي سيبتني عشانه يا سليم ؟ 

اقترب منها قليلاً وهو يسألها بخشونة :

_ وإنتِ مالك، حد عينك واصي عليا ؟ 

اجابته مزمجرة :

_ ليا طبعًا، بما إني خطيبتك يبقى لازم اعرف إنت إزاي تسيبني عشان البت دي !!؟

خطيبتـه !!!!!!! 

وقعـت كلماتهـا على روحها كصـوت الرعد الذي زلزلها داخليًا ..  

كيف خطيبتـه وهي قاربت على شهرًا كاملاً لم تراه يحادثها يومًا ؟! 

كيف ولم يتحدث عنها مرة ؟! 

لا يهم الشكليـات، ولكنها بالنهاية " خطيبته " اختارها زوجة وانتهى الامر !!!! 

أستفاقت على صوته الحازم وهو يرد :

_ ملكيش دعوة وإعدلي لسانك أحسن لك يا دارين، ويلا إطلعي شوفي إنتِ رايحة فين 

كادت تعترض متذمرة :

_ بس يا سليم 

ولكن قاطعها بصرامة لاذعة :

_ ماسمعتيش أنا قولت إية، اطلعي يلااااا 

اومـأت وهي تسير متجهة للخارج، تتمتم بحقد وغضب :

_ ماااشي، بس و رحمة امي ما هسيبك تتهنى بيها يا سليم !!!!!!!! 

بينمـا نظـر سليم لسيلا التي بقيت متجمدة بمكانهـا، ليناديها بهدوء :

_ سيلا !! 

نظـرت له نظرة ولأول مرة لم يستطع فهمها ..  

برود .. أم غضـب .. ام لامبالاة وغيظ ؟! 

ولكن غالبًا كلاهما معًا !!!! 

اجابت بوجوم :

_ نعـم 

سألها :

_ مالك ؟ 

وردت بنفس الهدوء البارد :

_ مليش خالص، روح صالح خطيبتك عشان ماتحصلش مشكلة بينكـم بسببي

اقتـرب منها مرة اخرى فعـادت للخلف وهي تشير له :

_ لو سمحت امشي بقا 

وهذه المرة كان الفـوز لقسوته المعتادة التي قاربت على التحول معها لــ " شظايا قسوتـه " 

لينصـرف دون كلمة اخـرى كأعصـار صعب عليه التوغل لمنطقة يريدهـا !!!!!! 


                        ***********


وأشـرقت الشمـس تملئ الأرض بأشعتهـا الذهـبية، تمـلمل ياسيـن في فراشـه ليحاول النهـوض وجفنـاه يغادرا بعضهمـا !! 

ولكنـه - اسفًا - لم يحظى بنومـه هنيـة .. لم ترتـاح اعماقه حتى في الفترة المخصصة لهـا !!! 

حلمًا .. لا لا بل كابوسًا شنيعًا حـلق بين زهـور أمنياته الكثيرة ليلاً لينشر بينهم القلق والخوف منه !!!! 

..... 

نـادين تقـف على حافـة هاويـة طويـلة، ترتدي فستانًا طويلاً  من اللون الأسـود يغطيها حتى كاحليهـا .. 

والظـلام سيـد الموقف، ظـلام لا يبـدو له اولاً من اخـر !! 

خصلاته الناعمة كانت ثائرة على عيناها الحمراء بهمجيـة محببـة .. 

وتبكِ وتنـوح وهي تلـوح له، تطلب المساعدة من اعماقها بصـوت مكتـوم !! 

ملامحها أوحـت بما رغبت حروفها التعبير عنه ... 

ويريد هو التقـدم نحـوها، يريد التمسك بها قبل أن تسقط في حافة اللارجـوع !!!

ولكن شيئً ما يكـبل يـداه .. 

يقف امامـه ويمنعه، نظر خلفه ليجدهـا هي " ماهيتـاب " تنظر له نظرة لن ينساها يومًا ولو كانت مجرد حُلم !! 

ويحاول النطـق بأسمها .. الصراخ بها حتى ينقذها من السقـوط !!!!  

ولكن لم ينجـح وهو يراها تسقط رويدًا رويدًا لتبتسم ماهيتاب بانتصـار !!! 

......... 

عاد من شروده ليمسح على وجهه عدة مرات وهو يخبر قلبه بتأني 

" لن يحدث شيئ، هذا مجرد كابوس ليس إلا " ..

نهض من فراشـه ليتجه لمرحاضه يغتسل ويتوضئ ليؤدي فريضته ..

وبعد قليل كان قد إنتهـى فاتجه للأسفل بخطى هادئـة وقد عزم على التوجه لسليم على الفور !!! 

بـدت والدتـه شاردة هائمة بالأسفل وكأنها تنتظـره .. 

فألقى التحية بود حقيقي :

_ صباح الخيرات يا حجة، عاملة اية 

ابتسمت نصف ابتسامة وهي ترد :

_ الحمدلله تمام 

ضيق عينيه متساءلاً بتوجس :

_ مش باين يعني، مالك يا زوزو 

تنحنحت وهي تشيـر له ليجلس بجوارهـا ؛

_ مفيش يا حبيبي عايزة اتكلم معاك اقعد هنا تعالى 

جلس بجوارها يسألها :

_ خير يا ماما قلقتيني ؟؟ 

تنهـدت قبل ان تبدء الحديـث بما لا يروق له بالمرة :

_ أبوك .. 

سألها بتوجس :

_ ماله بابا ؟ منا شوفته امبارح كان تمام 

اومـأت متابعة بجدية :

_ راح عزم ماهيتاب وأهلها على العشا عشان نحدد ميعاد كتب الكتاب والفرح

جحـظت عيناه بصدمة !!!! 

لـولا انه أبيه لكـان أعتقـد أنه يعشق تلك الفتـاة !! 

ما به يسرع بـأجباره على الزواج ممن لا يخصها القلب بدقاته ؟!! 

بل تكتم دقاته وهي بجـواره فيختنق !!! 

نهض وهو يصيح بغضب :

_ إزاي بابا يعمل كدة، هو انا طفل بيحدد جوازي من غير ما يقولي حتى 

حاولت تهدأتـه بخفوت :

_ ده لسة بليل يا ياسـين هيحددوا 

كـز على أسنانه بغيظ قبل أن يتـابع :

_ هو لية مصمم على ام الجوازة دي، لية مصمم يربطني بواحدة مش بكن لها اي حاجة ولا حتى اعجاب، عايز يدمر حياتي عشان مصالحه مع أبوهـا !!!!!!؟؟ 

نهضت وهي تقتـرب منه بجدية :

_ يا حبيبي ماهيتاب أي حد يتمناها، بنت أدب وجمال وحسب ونسـب و... 

زمجر فيها باهتيـاج :

_ اي حد يتمناها بس مش أنا يا امي مش انااا اللي متمنيهـا 

كادت تعترض إلا انه قاطعهـا بجدية خشنة :

_ قولي للسيد الوالد إني مش هحضر العزومة دي، ومش هتجوز ماهيتاب، وهخطـب قريب جدًا اللي قلبي أختارها 

قال كلماته الاخيرة وهو ينسحـب .. عازمًا على كـون " نادين " زوجته في أقرب وقت !!!!!!!! 


                         **********


وإنتهـى العـزاء لمن مازالت على قيـد الحياة !!!!

انتهـى ذاك العزاء الذي أعلـن وبوضـوح دمار قلوبًا لطالما كَنـت عشقًا فطريًا لـ سيلا ... 

وانتهـت معه رقية فانهـارت !! 

تحاصرهـا الموجـات الحزينة الشاقة من كل زاوية من زوايـا حياتهـا ..  

تحاصرها حتى باتت تشعر انها لن تتركها !!

حتى اصطدمت بصخـرة الألم الفوق المحتمل فتحولت لشظايـا مُحطمة وحطمتها معها !!!!! 

كانـت في المرحاض الخاص بغرفتهـا، تحديدًا تغمس جسدها بين المياة الباردة في الــ - بانيـو - علها تسترخي قليلاً فتستطيع النسيـان !! 

كـلمات مجدي مع ذاك الخبر كانت كأشواك مميتة إلتفت حول روحهـا أرادت زُهقها !!

 اصبحـت تبكِ وهي تغمـض عيناهـا .. تبكِ بقهر وهي تزيل قناع القوة والتماسك المزيـف !!! 

وفجـأة شعـرت بيـداه الخشنة التي تحفـظ لمساتها عن ظهـر قـلب ..  

قشعـر بدنها قبل أن تلتفـت له بشهقة قصيرة :

_ خضتني يا مجدي 

ظهرت شبح ابتسامة على ثغره ليرد :

_ سلامتك من الخضة 

أبعـدت يـده لتهمس ببرود ثلجي :

_ إية اللي جابك دلوقتي !؟ 

رفـع حاجبه الأيسر مغمغمًا بضيق :

_ هو حرام أجي اشوف مراتي لما تكون محتاجاني ولا إية ؟ 

 إلتفتت له تهتف بحـدة :

_ وإنت عرفت ده دلوقتي، معرفتش أن عزاء اختي اتعمل وخلص وأنت محضرتوش، كأني مش متجوزة اصلاً 

نظـر للأسفل بخـزي قائلاً :

_ كنت مشغول في الشغل ماحستش بنفسي لإن بقالي يومين مابروحش، ده غير إنك مقولتيليش، ده انا عرفت صدفة

 زفـرت قبل أن تردف ساخرة :

_ طب يستحسن تمشي لإن أبويا وخصوصًا جدي مش طايقك لانك محضرتش وكأنك مش فرد من العيلة يعني 

رمقها بنظرات مغتاظة فتابعت بجدية :

_ بالعافية إمبارح أقنعتهم إن والدتك تعبانة جدًا جدًا وإنك مش هتقدر تحضر وبتعتذرلهم كتييير

نظرت له ثم قـالت بفتور :

_ على العموم يلا اطلـع بقا عشان أقوم ألبس 

منحهـا ابتسامـى عابثـة قبل أن يـرد :

_ ماتقومي هو أنا ماسكك، ده انا زي جوزك بردو 

وفي المقابـل كانـت نظراتـها حادة كسيف قاطعًا لأي أمل بالعودة للسابـق .. 

فتنحنحت قائلة بنعومة حادة :

_ لأ، إطلع برة الأول يلا لو سمحـت بقا 

وقيد وجهها بين يـداه، يحاصرها بنظراته الكاشفة لها، ليهمـس بما قد يذيب جليدهـا الثلجي :

_ رقية إنتِ محتاجاني دلوقتي، أنا مستوعب سيلا كانت إية بالنسبالك، أستسلمي شوية بقا، شوية بس 

وبالفعل كادت دموعها لتنجـرف لنبع حنـان حلق في الأفـق امامهـا ...

هي الان بحاجته فعليًا، تحتاج لحضنًا دافئًا يحتويهـا بين يديه !! 

ولكنهـا لن تستسلـم .. ابدًا مهما كان الثمـن، هي لطالما كانت رقية القويـة المتينة ولن تصبـح غير ذلك !!! 

وشعـرت بشفتـاه تحـوم على كتفيها العاريـن، ويـداه تجول في جسدها بحرية، فشهقت وهي تحاول إبعاده :

_ مجدي مينفعـش 

لم يكـن معها بالأسـاس، روحـه متعلقـة بحبيبته فقط والتي هي بحاجة لحنانـه الان !! 

بحاجة لرحلة عشق تأخذهـا في طياتهـا فلا تتذكـر ذرة واحدة من الحـزن !!!!! 

وحملها عنوة عنها ليمسك المنشفة يلفها حول جسدهـا بعشوائيـة .. 

وهمسة بجوار اذنهـا :

_ هششش، النهـاردة ليلتنـا بس، هننسى الدنيا ومافيها، هننسى كل حاجة بتقهرنا، هننسى كل مشاكلنا وهمومنـا 

واسترخـت بين ذراعيـه .. وإن كـانت محاولاتـه لتخفيف مثقـال حزنهـا على هيئـة - رغبة زوجيـة - فلا يهم !!! 

ستحاول النسيـان كما قـال لها .. وستفعل إن عاونها القـدر !!!!!!! 

ووضعهـا في وسـط الفـراش، وهو فوقهـا ينظـر لها بنظراته المتيمة عشقًا .. 

ازاح بيده خصلاتها الثائـرة لسمع قولها :

_ إحنا الاتنين بنغلط في حق بعض، ومازلنـا، إحنا الاتنين مفكرين إن التاني غلطان، أحنا بنعااااند بس 

وأسكتها بشفتـاه التي إلتهمت شفتاها بشغـف، قبلة كادت تسحب روحها معها في سبيل العشق .. 

وتشعر بدقاتـه تعـزف على أيقونـة عشقها، وتكتم صوت اعتراضها بصخبها !! 

ابتعد بعد قليل لحاجته للهواء، ليقول بصوت لاهـث :

_ إنسي كل حاجة النهاردة، إفتكري إن انا جمبك وبس !!!!!! 

ومرحـلة اخـرى تُـدون في مدونة عشقهم - الغريـب - ألا وهي " اللامبالاة في المشكلات " ... !!!!!! 


                       ************


_ امممم، يا ترى جبت لي أخبار زي الناس ولا كالعـادة 


قالهـا احدهـم وهو يجلس في حديقـة منزله الفاخـر يضع قدم فوق الاخرى بملابسه التي تليق بمستـواه الاجتماعي العالي، وأصابعه السمراء تقبض على سيجـاره الكبير، وعيناه تتفحص ذاك الذي يقـف امامه بهدوء ليجـيب بثقة :

_ طبعًا يا فهد بيه، جيبتلك كل الاخبار عنه

رمقـه بنظرة متلهفة :

_ هاا قول 

زفـر قبل أن يـرد بجدية مناسبة :

_ اللي عرفتـه يا باشا إنه زي ما تقول كدة ملوش غالي، عايش كدة مرسخ حياته للشغـل وبس، طبعه قاسي مع كل الناس، معندوش الا واحدة بس في حياتـه اللي بيحبها شوية 

سأله مستفهمًا :

_ مين دي ؟ 

_ خالته يا باشا، هي اللي مربيـاه يعتبر من وفاة أهلـه، تعتبر هي كل حياته 

سأله مرة اخـرى بخشونـة :

_ وخطيبـته ؟ 

اومـأ وهو يسرع للرد :

_ اه، عرفنا إنها جت لهم امبارح يا باشا، زيارة يعني 

تابـع اسئلتـه كـقاضٍ يستعـد للحكم الحتمي بالموت على عـدوه المنتقم :

_ ومين البنت اللي دخلت عليكم الأوضة لما كنتوا هناك ؟ 

أشار له بلامبـالاة :

_ لا دي طلعت حتت خدامة ملهاش لازمة يا بـاشا 

اومـأ موافقـــًا وقد ظهـرت أبتسامـة خبيثـه تلوح على ثغره الأسمـر موازيـة عيناه التي تمـوج خبثًا لرجلاً خبرته الشيطانية طويلة، ليس بشابٍ في منتصف الثلاثيـنات من عمره :

_ تمام، يبقى رقم واحد ... خطيبتـه المصونة !!!!!!!!!!! 


                         **********


طفلاً في الثامنة من عمـره، زهـرة متفتحـة في بدايـة حياتهـا .. زهـرة قُطـفت في وقتًا مبكـرًا .. جدًا، كان يلهـو في حديقة منزلهـم الواسعـة تحت أشعة الشمـس التي تغطـي معظم الأماكن في صعيد مصـر !! 

تقـدمـت منه والدتـه التي زمجـرت فيه بغضب ينـاسب طفولته :

_ إية ده يا سليم، مش قولنا ماتلعبش وتبهدل هدومـك كدة ؟ 

اومـأ وهو يعتذر ببراءة :

_ معلش يا امي، بنسى علطول 

ابتسمـت له بحنان امـومـي فطـري :

_ طب يلا يا قلب ماما عشان تفطـر بقا وتروح تشـوف بابا في المسجـد 

اومـأ سليم بحماس وهو يمسك يدها :

_ ايوة يلاااا 

أمسكـت يـده وساروا متجهيـن للداخل مرة اخرى، ولكن فجأة جُرحت والدته من احدى الزهـور الخشنـة فتأوهت بألم :

_ آآه إيـدي 

أمسك يدها بلهفة متساءلاً :

_ مالك ياماا ؟ 

نظـرت له بعثب مرددة :

_ حبيبي ماتتكلمش زي الناس اللي عايشين هنا، أنت صعيـدي بالأقامة، لكن أصلك لا 

اومـأ وهو يقترب من الزهرة مغمغمة بضيق :

_ دي اللي عورتك صح ؟ 

ابتسمت برقة لطفلها الحبيب وهي تهمس :

_ خلاص يا قلبي ده جرح صغنن خالص

ولم يبالـي وهو يقطتف تلك الزهرة ليرميها ارضًا بغل .. فصاحت فيه والدته :

_ لية كدة يا سليم ؟ 

اجاب دون تردد :

_ عشان جرحتك، شيلتها خالص 

ملست على وجهه بحنان، ولم تـدري لمَ وجدت نفسها تقـول ببعضًا من الجدية :

_ أوعـى تكسـر حد يا سليم في يوم من الأيام، أوعى تقسى مهما حصل، اوعي تكون قاسي يا سليم ماتخليش حاجة تغيرك يا حبيبي 

وفجـأة .. دوى صوت الطلق النـاري لتسقط هي ارضًا والدماء من حولها تتدفق بغزارة، فشهق سليم صارخًا :

_ ماااامااااااا لااااا لااااا 

.....

هب منتصبًا يستيقظ بفـزع من ذاك الكـابوس الحقيقي ... 

المشهد الذي يتكرر كل يومـان تقريبًا .. لا يتركه فيعذبه ولا يتركـه سليم فيتذكره دومًا بحزن توغله !!! 

مسـح على شعـره عدة مـرات وهو يهمس :

_ أدينـي بقيت قاسـي يا أمي والدنيا غيرتنـي أوي 

تنهـد وهو ينهـض متجهًا للمرحـاض ليغتسـل كعادتـه ثم يتوضئ ليؤدي فريضته بخشـوع تـام ... 

وما إن انتهى وكاد يهبط بهدوء سمـع صوت صـراخ يأتي من الأسفل، فركض مسرعًا للأسفل بهلع .....   !!! 


                          **********


يتـبــع


شظايـا قسوته 


الفصل السـابــع عــشـر : 


ركـض سليـم للأسـفل بهـلع، لم يعد هادئ عند سمـاع الصـراخ، لم يعـد كما كان !! 

تمثـل الصـراخ بالنسبة له في عدادًا للخطـر ليس إلا !!!! 

ووجـد الصرخـة كانت من سيـلا !! 

كالعـادة كانت من شخصًا يخشى عليه دائمًا !!! 

وامامـها تجـلس " داريـن " وعلى وجهها علامـات الإنزعـاج .. 

أقتـرب سليـم من سيلا التي كـانت تبكِ وهي تمسك بيدهـا بألم ويسألها بلهفة متوجسة :

_ إية اللي حصل في إية ؟! 

والأجابـة كانت من " داريـن " التي قالت بضيق مصطنـع رسمتـه بين حروف كلماتها بمهارة :

_ عملالي قهوة طعمها زي الزفت يا سليم، وغير كدة بتسيبهالي وتمشي، بكلمها بتتشخط وتتنـتر عليا كأن انا اللي شغالة عندها مش هي !! 

كـز سليم على أسنانه متساءلاً بغيظ :

_ اممم وإنتِ عملتِ إية بقا ؟ 

رفـعت كتفيها ترد بلامبالاة :

_ دلقت لها القهـوة 

إلتفت لسيلا التي تبكِ بقهر ينظر على يـدها ليلاحظ أثـار الحرق !!! 

إحتـدت عيناه وإشتعلت وكأن ذاك الحرق لم يكن إلا بجسـده هو !!!!! 

ليقتـرب من دارين صارخًا فيها بغضب أعمى :

_ إنتِ مجنووونة، مجنوونة ولا شكلك كدة، عملتلك قهوة وحشة بتحرقيلها ايديها بيها ؟ 

تأففت وهي ترمقه بنظرات مغتاظة :

_ ده بدل ما تزعقلها هي يا سليم عشان مابتحترمنيش بتزعقلي أنا ؟ 

ضغطـت على يـده بقـوة يحاول ربـط أعصابه التي ستتلف حتمًا من كثرة التحكم بها !!! 

من كثرة الغيظ الذي يسري بينها !!!! 

إستـدار لسيـلا التي قالت بشهقـات متألمة كطفلة بريئة تدافع عن نفسها :

_ والله العظيم ما عملت لها حاجة، أنا آآ اديتها القهوة لقيتها بتدلقها على إيدي 

أندفعـت دارين تبرر كاذبة :

_ بطلي كذب يا متخلفة إنتِ، اما إنك سوسة ومكارة، أكذبي دلوقتي ومثلي كويس أدامه يا حقيـرة 

وكأن المـرآة وجههـت على نفسهـا 

تنطـق بخطاياهـا وأفعالها هي الشنيعة !!!

مرآة الكذب عكست صورتها هي وليست تلك البريئة !!!! 

ولم يحتمـل سليم كلامـها الذي كان كسكين يمـر عليه هو اولاً قبل أن يصـل لـ " سيلا "

فدفعها للخلف بقوة مزمجرًا فيها :

_ اخرسي بقاا إنتِ وبطلي الشغل بتاعك ده، أمتى هتهدي وتعقلي من الجنان ده، بحركاتك دي مفيش حد حقير غيرك، توقعت إنك هتعملي اي حاجة بسبب افكارك الهباب عن اللي شوفتيه امبارح بس ماتوقعتش توصل للأذية ابدًا

ثم استـدار لسيـلا مغمغمًا بأسف وهو يتفحص يدها :

_ روحي خلي أي حد من الخدم يحط لك مرهم للحـروق 

نظـرت له من أسفل اهدابها المبللة لتهمس :

_ أنا آآ بـ 

قاطعها بصرامة :

_ قولت روحي، إية مابتفهميش عربي ؟

اومـأت بانكسار مجيبة :

_ لا بفهم 

ثم استـدارت متجهة للداخـل .. متجهة لمأواهـا ومسكنها الوحيـد 

لم تعـد تفهمـه ابدًا، تشعر بالتناقضـات تسري بين خلايـاه !!! 

تارة تشعره حنون هادئ، وتارة يُوضـح لها أنه قاسـي وإن حاول تفتيت تلك القسوة !!!؟ 

متى سيُفـك لغز حياتـه تلك ؟! 

متى سيعاملها بتلقائية !!!؟؟ 

ولكـنها لن تنتظـر اكثر .. ستهـرب حتمًا ودون تردد أو انتظـار !!!! 

وهمسة شاردة في خلدها الحزين :

_ إية كنتِ مفكرة هيجي يعالج لك إيدك بنفسه عشان دافـع عن الحق بس !!!!؟؟؟؟


                         **********


نهـضت رقية من الفـراش وهي تلعـن إستسلامهـا المخـزي، تلعن ضعفهـا أمام عشقًا كان كالأدمـان لها !! 

تلعـن محـارب ضدهـا يهزمهـا بسلاح الاحتيـاج له .. والعشق !!!!! 

بينما جلس منتصبًا في فراشـه يسألها بجدية :

_ مالك يا رقية ؟ 

رفعـت كتفيها بلامبالاة مصطنعة :

_ مفيش منا عادي اهوو 

هـز رأسه نافيًا بتصميم غاضـب :

_ لا مش عادي يا رقية، دي مش عيشة كل ما هقـرب منك هتلوي بوزك كدة كأننا بنعمل حرمانية مش جوزك !!؟ 

وقد إنفجـر غضبها من غضبًا وغيظًا تراه يتطايـر من جـوفًا خاطئًا، فصرخت فيه بانفعال :

_ لا والله وأنت عايزني أبقى أزاي، ابقى طايرة من الفرحـة لأني في حضـن جوزي حبيبي اللي بيعشقني انا بس، صح ! 

اومـأ مؤكدًا :

_ ايوة لأن دي الحقيقة 

وأزدادت شرارات عيناها الحانقة وهي تزمجـر فيه بنفاذ صبر :

_ لأ يا مجدي لأ، الحقيقة إنك مش بتيجي هنا غير عشان رغباتك، أو زهقت من الهانم التانية بس 

- وعندمـا يكون الغضب ضبابـة عامية أمام عينيك، وتسلك طريقًا خاطئًا من الأفعـال، قد ترجو الندم أن يجدي نفعًا، ولكن .. لن يستجيب - !!! 

ولم يدري بنفسه وهو يصرخ بوجهها :

_ وإنتِ متوقعة الواحد هيجيلك غير عشان كدة يعني ولا إية، إنتِ فيكِ إية ولا عندك إية يخليني أجي لك غير كدة !!!؟ 

والصدمـة لن تعبر عن ذرة واحدة من الصدمة التي احتلت كيانهـا ... 

لم التكـن الصدمة من الكلام المسمـوم، ولكن كانت .. من صاحب ذاك السم !!!! 

وجحظت عيناها وهي تهمـس ببلاهة :

_ أنا يا مجـدي ؟ 

اومأ متابعًا بعصبية مفرطة :

_ اه إنتِ، أنا كنت دايمًا بحاول أراعـي مشاعـرك، لكن خلاص، طفـح الكيل منك

وكادت تنهـمر دموعهـا من عيناها التي تحجرت من الصدمـة .. 

فأومـات باستهانة :

_ صح أنت عندك حق، وأنا كنت متوقعة إية اكتر من كدة يعني 

ولفت القميص الخاص بها على جسدهـا بعشوائية، لتتجه نحو المرحـاض، والمياة تغمرهـا مختلطة مع بكاؤها الحـاد !!!!!!! 

بينمـا هو ظل يمسح على شعـره الغزير عدة مرات بغضب أهوج هامسًا لنفسه :

_ اووف، انا عارف أن ختامها مسك، لازم نتخانق كالعادة !!! 

وفتح ذاك الـدرج يبحث عن دواءً لرأسه التي يشعر بها تكاد تنفجـر ... 

ولكـن أزداد أنفجارها وألامها ولم يقـل وهو يـرى ذاك الدواء - مانع للأنجاب - 

وظل يحدق به للحظـات .. تـرى هل كرهته لتلك الدرجة !!!؟ 

هل أصبحت تكره الأنجـاب حتى لت تحتفـظ برابطًا قويًا بينهم فيما بعد !!!!؟ 


ليصـرخ مناديًا بأسمها بانفعال حقيقي :

_ رقيييييييية 

وفـزعت هي بالداخـل من صرخته التي ذبذبت الباقي من تماسكها امامـه .. 

وبعد دقائق خرجت بمنشفة صغيرة تلفها حول جسدهـا .. 

لتجـده ينهال عليها بالصفعـات القوية دون توقف وهو يهتف بها بغل :

_ حيووووانة، بتقولي إنك مابتخلفيش لكن إنتِ اللي مش عايزة تخلفي، حقييييرة حيوانة 

وهتفت بضعف :

_ لأ يا مجدي أنا آآ 

قاطعها بعنف :

_ إنتِ حيوانة ماتستهليش ذرة حب من اللي كنت شايلهالك ابدًا 


ولم تـدري تحديدًا لمَ تصرخ بصوت مكتـوم، من ألامهـا الجسديـة التي ما عادت تشعر بها من كثرتها !! 

ام من ألامهـا النفسية وفعلتها الشنيعة بحق نفسها قبله هو !!!!!!؟ 

وعامةً .. الأثنـان أسـوء من بعضهما !! 


                          **********


جـلس " عـزت " في  الصـالون بمنـزلهـم، يتنهـد بين كـل حيـن والأخـر .. 

هو رأى صورتهـا التي كانت - جثة هامدة - فيهـا .. ولكن لم يدري ما ذاك الشعور الذي يعترض على تلك الحقيقة الخانقة !!! 

وشعـر بأحـدى رجاله الأقـربون يقترب ليتنحنح بهدوء :

_ عزت باشا، تسمح لي أقعد ؟ 

اومـأ عزت بهدوء مرددًا :

_ أقعد يا فهمي أنت مش غريب 

أبتسم المدعو بفهمي - مجاملةً - ليسـأله :

_ مالك يا باشا ؟ 

هـز الأخر رأسه نافيًا بتنهيدة حارة :

_ مليش يا فهمي، حاسس إني مخنوق بس

سأله مرة اخرى متوجسًا ببعض الحزن :

_ عشان الست سيلا صح، ربنا يرحمها برحمته يا باشـا 

اومـأ عزت بشرود :

_ يارب، المهم خير أنت كنت عايز حاجة ولا أية ؟ 

إبتلـع ريقه وهو يسأله :

_ كنت عايز أسأل حضرتك يا باشا

نظر له باهتمام :

_ خير يا فهمي 

أكمل تساؤلـه بتوتر :

_ هتقول لنصـار بيـه على الحقيقة، إن أبن آآ .. 

قاطعه عـزت بجزع :

_ هششش وطي صوتك يا حمار، الموضوع ده أتقفل من سنين ومش لازم يتفتح ابدًا 

قال معترضًا بأشفاق :

_ انا قولت بسبب تعـب نصـار بيه اللي بيزيد كل شوية أنت هتقوله، عسى تخفف عنه ألم الفـراق 

هـز رأسـه نافيًا بشـرود تـام :

_ مينفعش انا كدة هزيد عليه مش هقلل

سأله ببلاهه :

_ أزاي يعني يا باشا ؟ 

قال بضيق واضح :

_  هصدمـه بأنه عايش في كذبة بقاله سنين، حد كان مفكره ملوش وجود اجي فجأة اقوله ده عايش وماشاء الله عليه !!!؟ 

هـز الاخر رأسه بتعجب :

_ براحتك يا باشـا 

فتنهد عزت وهو يهمس بأصرار :

_ مينفعش، مينفعش خااالص !!!!!!!!!


                         **********


في غرفـة " جميلة " تحديدًا على فراشها المتوسـط، تسطحت بأريحية وكانـت تمسـك بالصورة التي تجمـع افراد عائلة عدة .. 

دمـوع الاشتيـاق .. والحزن والفرح تتجمع بين جحور عينيها في آن واحد !!! 

وهزيمة يتردد صداها بداخلها " ستُرمم تلك المسافة التي هُدمت بينهم حتمًا " !! 

ظلت تتلمسهـا وهي تهمس بشرود :

_ هجمعهم تاني ومش هسيبهم كدة

اومـأت مؤكدة بأصرار :

_ مش هقف أتفرج تاني وهنفذ وصيتك 

وبتصميم صادق وواعد قـالت :

_ لازم عيلة القاضي تعرف إن ليهم أبن عاايش وموجود !!!!!!!!! 

وفجأة دلفت داريـن متذمـرة وهي تقول بضيق :

_ شوفتـي اللي حصل يا خالتو 

سألتها جميلة ببعضًا من التوتر وهي تخفي الصـورة :

_ اية اللي حصل يا دارين ؟ 

لوت شفتاها متابعة في إستنكـار :

_ بقا أنا اروح اشتكِ لسليم من الخدامة دي اللي اسمها بيلا ولا سيلا دي، ألاقيه بيبهدلني أنا بدل ما يبهدلها هي ؟! 

عقدت حاجبيها قائلة بصدمة مصطنعة :

_ اووه لا مش معقول إزاي سليم يعمل كدة

زمجرت دارين غاضبة :

_ خالتو أنتِ بتتريقي إنتِ كمـان 

هـزت جميلة رأسها متابعة بجدية :

_ خلاص يا دارين هبقى أتكلم مع سليم حاضر 

ثم تركتهـا وخرجت وهي تتأفف من طفلة مشاغبة غير مرغوب فيها !!!! 

بينما كـزت الاخرى على أسنانها بغيظ مغمغمة ؛

_ اكيد دي عملالكوا سحر، بس أنا بقا هعرف أتصرف لوحدي !!!! 


                           **********


طـرق " ياسيـن " بـاب منزل " سليـم " وهو يهنـدم هيئتـه الجادة دومًا ..

وبين طيـات نفسـه عزيمـة واحدة ولكن قويـة، وسينفذهـا حتمًا !! 

سيتـزوج من دق القلب لها .. من قرع شوقًا ولهفة لقربهـا .. من كـانت أجمل صورة بعيناه دومـــًا وأبدًا !!!!  

وفتحـت له " سيـلا " الباب بهـدوء، ليسـألها هو بجدية :

_ أستاذ سليم موجـود 

اومـأت مؤكدة بهدوء :

_ أيوة مين حضرتك 

اجابـها بليـن :

_ أنا ياسين الدكتـور النفسي الخاص بالأنسة ناديـن 

أشـارت له للداخل وهي تهمس بحبور :

_ أتفضل وانا هنـادي سليم ... بيه 

وإنخفض همسها اكثر عن كلمة " بيه " وكأنها تخشاها بحق !!!! 

ونطقهـا لسانهـا بتلقائية جادة ملتزمًا بتلك القواعد الحتمة التي رسمتها هي لنفسها مع ذاك " الصقر " ...

دلـف ليجلـس بهدوء في الصالون خلفهـا، بينما اتجهـت هي لغرفة سليم لأخبـاره 

وجـدته يجلس أمـام اوراقه الخاصة بالعمل كعادتـه، فتنحنحت قبل أن تدلف :

_ ممكن أدخل 

اومـأ بجدية ؛

_ خير ؟ في حاجة ولا إية، كمن إنتِ مابتجيليش إلا لو في مصيبـة !؟ 

إهانـة اخرى ملغمـة بطعـم الإهانـة !!!! 

وهل تتوقـع أن تخـرج كلمـات من الصقر يومًا دون أن تمـر على "" فلتـر الإهانـة "" ؟!

نظرت للأرض وقالت بصوت مختنق :

_ الدكتور اللي اسمه ياسين بتاع نادين مستنيك تحت 

اومـأ موافقًا بجدية :

_ ماشي روحي حطي له حاجة يشربها وأنا جاي وراكِ 

اومـأت هامسة :

_ حاضر 

كـادت تستدير لتهبـط، ولكن فجأة وجدتـه يمسـك يدهـا، مثبتًا نظراتـه على عيناهـا التي كالعادة - دامعـة - ليهمـس بخشونـة لا تناسب نظـراته اللينة :

_ كفاياكِ دموع مابتزهقيش منها  

وما كـان منها إلا الهـرب !! 

وهل تستطيـع فعل غيره اصلاً ؟! 

بالطبع لا، حصـار الصقر لا تغـادره سوى من ثقب واحد صغيـر يمنن عليها به !!!! 

بينما تنهـد هو وهندم ملابسـه سريعًا يسترجع هيئته الشامخة التي يفقدها مع تلك " الطفلـة " ليتجه للأسفل ...

ووجـد ياسين يجلس بهدوءه المعتـاد، فاقترب منه مرحبًا :

_ اهلاً نورت يا دكتور

ابتسم ياسين بحبور :

_ تسلم منور بصحابه

سأله سليـم بهدوء جـاد يلازمه في تلك الأوقـات :

_ الخدم جابولك حاجة تشربها ولا لا ؟ 

اجاب ياسين ببساطة :

_ الحقيقة مشوفتش حد غير مدام حضرتك 

ودق القلب معلنًا الانتصـار .. بالفعل هي خاصتـه، هي لـه ملكه على أي حال من الأحـوال !!!! 

هي من تربعت على عرش قسوته فعدلته كما تشـاء !!! 

ونظـراته كانت صَك ملكية صدر منذ فتـرة بحق تلك الجاذبة .. وفي قانـونه من أصبحت تحت خانـة - المهمـين - لا تنحدر منها .. ابدًا !!!!!!! 

وللغرابـة اومـأ بشبح ابتسامة قائلاً :

_ تمام، تحب تشرب اية عشان أقولهم يجيبولك ؟ 

هـز رأسه نافيًا ؛

_ لا متشكر، أنا جاي عشان الجلسة وعشان أتكلم معاك في حاجة 

و" سيلا " تقـف على بُعد مسافة منهم، والصدمة أساس بناءها !!! 

كيف زوجتـه ولم يعتـرض ؟! كيف ربطها به في ثوانٍ بكذبة لن تدوم !!!؟ 

كيف صمـت عن المستحيل الذي زلزل كيانهـا حرفيًا وقابله بابتسامة وهدوء !؟ 

دوامـة من الأسئلة عصفت برأسها حتى شعرت بالدوار فكادت تقـع وهي تحمل الأكـواب من هول ما يحدث !!!!!! 


                        ***********


شظايا قسوتـه 


الفصل الثـامـن عـشـر :


" وهل رأيـت من أحب الكـذب يومًا " ؟! 

بالطـبع لا، ولكن هي أحبته .. لا بل هللت ورحبـت بكذبـة جعلت قلبها يكاد يخرج من بين ضلوعهـا من إضطراب دقاته العاشقـة !!! 

دقاتـه التي لم يُعتـرف بها حتى الان !؟

وشم وشمًا لا يزول حتى بالنيـران !!!! 

وشمًا كان أساسـه نيران - متملكـة - !! 

أقتـربت منهم لتضـع الأكواب امام ياسين الذي قـال بابتسامة :

_ تسلم إيدك يا مدام 

وردت بتلقائية ادهشتـه :

_ أنا أنسة مش مدام 

رفـع حاجبه الأيسر وهو يسألها متعجبًا :

_ هو مش حضرتك مدام سليم ؟ 

والأجابة لم تكـن من حقهـا تلك المـرة، تكفلت " دارين " بأجابة مخصبة بالإهانة كعادتها :

_ لأ طبعًا، أنا مدام سليم، دي الخدامة، مش معقول مش باين على لبسها ؟!!! 

هـزة رأس بسيطة مع ردًا أكثر احراجًا لها :

_ بصراحة اه مش باين، الأنسة ماشاء الله شيـك جدًا واللي يشوفها يقول ست بيت، مش بتشتغل هنا خالص يعني 

وتعمـد إزالـة كلمة " خدامـة " التي وضعتها هي مسبقًا من كلامه .. 

ربمـا شفقةً على تلك المسكينة التي تلـون وجهها بألف لونًا ولون !!

الأحمـر .. لون الخجل والغضب معًا 

والأصفر .. من إهانـة باتت دورية تعاد عليها مرارًا وتكرارًا !!!!! 

وهنا نطـق سليم بجديـة :

_ خلاص روحي إنتِ يا سيلا 

همس ياسيـن بابتسامة ودودة :

_ كمان سيلا، أسم جميل أوي 

وأشتعلت نارًا بصـدره من مغازلـة صريحة لا يستطـيع التغاضي عنها !!! 

تؤرق دقات قلبه الذي جهر بالأعتـراض، وتكسح أي هدوء او راحة تقابلها !!!! 

فصاح فيه بحدة :

_ خلاص يا دكتـور ياريت تحترم البيت والراجل اللي أنت قاعد معاه 

غمغم معتذرًا بصدق :

_ معلش يا أستاذ سليم، أنا بس بديت إعجابي بالأنسة لكن مش قصدي أي حاجة تاني يعني 

 نظـر سليم لسيلا يزمجـر فيها غاضبًا من إستقبالها لتلك المغازلة على وتيرة الصمت :

_ ما خلاااص مش قولت إمشي مستنية إية، امشييي 

وهمست بصوت شبه باكٍ :

_ عن اذنكـم 

ثم أستـدارت لتذهـب وهي تكبح دموعها بصعوبة كعادتها .. 

أصبحت متيقنة أنها لن تكـون في صراع مع تلك " العقربة " أو صقرهـا إلا وتخرج منهزمة مُهانـة منه !!!!! 

هي لم تكـن ضعيفة يومًا هكذا .. 

لم تكن تصمت عن الإهانـة ابدًا، ولكن تلك الرهبة هي من تمنعها من الدفاع عن نفسها دومًا !!!!!! 

نظـر سليم لدارين يقول ببرود :

_ يلا يا دارين روحي شوفي وراكِ إية، أنا ودكتور ياسين هنتكلم في حاجة خاصة 

اومـأت موافقة بامتعاض لتنهض :

_ أوكيه، هستناك في أوضتك يا سليم، عن اذنك، عن اذنك يا دكتور 

همس ياسين ببلاهـه :

_ أتفضلي اتفضلي 

أستفـاق من الحـوار الذي حدث امامه وكان أشبـه لــ - مسلسل مصري ساخر - على صوت سليم الأجش :

_ أتفضل يا دكتور قول حضرتك كنت عايز إية ؟ 

منذ ثواني كان المشاهد .. الان سيصبح الضحية التي يشاهدها المشاهدون بالتأكيد !! 

قال لنفسه هكذا قبل أن يرمق سليم بنظرة جادة قائلاً :

_ بما إنك تعتبر أخو نادين، وأهلها وكل حاجة ليها، فـ أنا كنت عايز أتكلم معاك في حاجة بخصوصها 

سأله سليم متوجسًا :

_ إية هي، ادخل في الموضوع على طول من غير مقدمات يا دكتور 

اومـأ ياسين متابعًا وقد تحلى ببعضًا من الشجاعة :

_ أنا كنت عاوز أطلب ايديها منك 

رمقـه سليم بنظرات متعجبـة .. أي زواج يريد حدوثه هذا ؟! 

أي رابطًا يجبـره على الزواج ممن قد لا تُشفى لاحقًا !!!! 

زواج ممن لا تـدرك ما يحدث حولها حتى الان !!!!!؟ 

وهمس بسذاجة :

_ إزاي يعني ؟ 

رفـع ياسين كتفيه مجيبًا ببساطة :

_ جواز على سنة الله ورسوله يا سليم

أستعـاد سليم رباطة جأشـه وهو يسأله بجدية :

_ لية يعني ؟ إستحالة تكون دايب في نظراتها، أو تكون شايف فيها زوجة مناسبة وهي أصلا مابتعملش حاجة 

شـرد في اللحظـات القليلة التي جمعته بهـا، في لحظـات خلدت بين جدران ذاكرته بحـروف لامعـة بعشقًا - غريب - إلى حدًا ما !!! 

ليتنهـد مردفًا :

_ اه، تقدر تقول دايب في نظراتها، أنا  نفسي مستغرب نفسي إزاي ويعتبر الحوار ما بينا من طرفي أنا بس، لكن أساسًا انا كنت بشوف نادين من بدري، من ساعة ما أنت جيبتها الـدار معاك 

اومـأ سليم وهو ينظـر له متفحصًا هيئته الشاردة فيما هو متأكد منه، ليهتف بابتسامة عادية :

_ تمام، إن شاء الله هرد عليك قريبًا، وتكون قولت لأهلك عشان يجوا معاك لو في نصيب بأمر الله 

اومـأ ياسين مهللاً بفرحـة زالت نصفها من بروده كلماته الثقيلة :

_ بأذن الله، أكيد 

ثم همـس بخلده في حيرة تملكت منه :

_ وأنا هقـنع أبويا إزاي بس ياربي !!!!! 

عاد على صـوت سليم المازح :

_ طب يلا مش هتطـلع تشـوف شغلك ولا إية يا دوك، هنقضيها سرحـان ؟ 

ومن أكثر منه شوقًا لرؤية معشوقتـه التي لا يعادل ربعها حتى من ذاك الشرود المكروه أحيانًا !!!!؟ 

رمق سليم بنظرات امتنان وهو يقول :

_ لا طبعًا، أكيد هي فين أوضتها ؟ 

أشار له سليم واحدى الخدم يقترب :

_ علي هيوريهالك، والمساعدة معاها فوق عشان لو احتاجت حاجة 

اومـأ ياسين بابتسامة مشتاقة :

_ ماشي بعد اذنك هطلع انا بقـا 

وغادر على عقبيـه تاركًا ذاك الصقـر الذي لمستـه كلمات ياسين العاشقة بحق !!! 

واخذ يتساءل بحيرة شاردة .. متمنية 

" هل قد أقـع يومًا فريسة لذلك العشق ؟! "


                         **********


" وعندمـا يصبـح الألم جزءً لا يتجـزء منك، لا تعترضه ولا يعترضـك، فيتسلل لخلايـاك كمخـدر .. مؤلم حد المـوت " !!!! 

لم تعـد " رقية " تشعـر بجسدها من كثـرة الضـربات التي تلقتها من هنا وهنـاك، شفتاهـا الوردية أصبحـت حمراء كلون الدمـاء !! 

ولكن .. فلنحذف - كـَ - فهي فعليًا أصبحت غلافها الدمـاء، تضامنًا مع اجزاء جسدها التي مالت للأحمرار الزائـد .. 

ولا مـانع من سبـاب وكلمات لم تطرق على أذنيها من قبل !!!!! 

وماذا كانـت تتوقـع رد فعلاً أقل من هذا ؟!

حرمـانه من شعور الأب .. وتلك المعاناة التي عاشوها سويًا بالطبع امرًا لن يمر مرور الكـرام !! 

ولكنها في نفس الوقت لم تتـوقـع ألا يترك جزءً بجسدها إلا وترك عليه اثرًا يذكرها بفعلتها الشنيعة !!!!!!! 

جلست في أخـر الفـراش تضـم ركبتيهـا إلى صدرهـا، تكتبت تلك الدقـات التي تحاول تقديم عذرًا لعاشق كاد يزهق روح معشوقته ولكن لم تجد !!!!! 

وخـرج هو من المرحـاض ليجدها على هيئتها تلك .. 

لم يركض لها ولم يحبسها بإحضانـه ولم يعتذر لها عن رد فعل كان عنيفًا بشكل مُقهـر !!!! 

بل أتجه للدولاب الخاص به ليرمقها بنظـرات باردة قبل أن يقول بنبرة توازي تلك النبرة :

_ إنتِ لسة قاعدة كدة لية ؟ أوعي تقولي إنك موجوعة من الضرب !؟ 

لم تـرد بالطـبع .. وأين لسانها السليط من الأسـاس ليـرد الان !!؟ 

جُـرح وينزف كمـا جُرح قلبها قبل جسدهـا، لتتيقن أنهـا اصبحت عنده تحت خانة 

" القمـامـة !!!!! " 

أقتـرب منها فعـادت للخلف أكثر تتحاشى نظراته التي تُكمـل عليها قتلاً لتسمعه يقول :

_ لا لا مش من حقك خالص، إنتِ كدة اخدتِ نص الجـرعة بس، لسة النص التاني مايخطرش على بالك أصلاً 

كـز على أسنانه بغيظ يخرج مفترقًا منه ليتابـع بغـل واضح :

_ إية يا حبيبتي، كنتِ متوقعة إية مني كـراجل أتعذب واتضغط وحزن واتقهر لما عرف إن مراته مابتخلفش، وبعدها بمنتهى البساطة عرف إنها هي اللي حرمته وحرمت نفسها مش اكتر 

بدءت هي بالبكـاء الحـاد، ذاك البكاء الذي إختزنتـه لفترة طويلة إلى حدًا ما .. 

إزداد شعور النـدم بجوار الألم فلم تعد لها قدرة أكثر على الأختـزان !!!!! 

وأمسك ذراعيها يهزها بقوة صارخًا :

_ لا يا رقية لاا، أنا مش بطل مسلسل ولا فيلم هقولك إتس أوكيه يا بيبي فداكِ ما كلنا بنغلط، إنتِ غلطك كان مع سبق الإصرار والترصد للأسف !!!!

نهـض وهو ينظـر للجهة المقابلة ماسحًا على شعـره بغضب، ليصدح صوته معلنًا أوامره بشخصيته الجديدة - القاسية - :

_ اسمعي بقا يا بنت الناس، أهلك ناس محترمين على عيني وعلى راسي، لذلك هما مش هيعرفوا أي حاجة، كفاية عليهم مـوت بنتهـم الوحيدة الأصيلة، قسمًا بربي اللي ما بحلف بيه كدب يا رقية، لو شموا خبر بس باللي بيحصل بينا لأخليكِ ماتشوفيش الشمس تاني، وماتنسيش إنك لسة مراتي ... للأسف !! 

قال كلمته الأخيرة وهو يلتفت لها بنظـرة عميقة متأسفة فعليًا .. 

واخيرًا خرج صوتها ضعيفًا مبحوحًا :

_ خلصت كل كلامك وإهاناتك وأوامـرك

اومـأ ساخرًا بجمود :

_ اه، عند حضرتك أي تعليق 

هـزت رأسها نافية وهي تنظـر ارضًا :

_ وأنا عليّ التنفيذ 

أشـار لها متابعًا بحدة :

_ هنزل تحت أعتذر لجدي واقعد معاه شوية، أطلع الاقي الأوضة دي زي الفل، وأنتِ محضرة لي الأكل بنفسك مش حد من الخدم 

ثم صرخ بصوت عالي إلى حدًا ما :

_ سااامعة 

اومـأت بضعف هامسة :

_ سامعة 

استـدار مغادرًا، كالأعصار الذي دمر كل شيئ بنجاح ثم غادر ببرود ظاهري !!! 

نهضت وهي تتأوه من الألم الذي يجتاحها كليًا .. 

ووقـع نظرها على ذاك - الدواء - وفي قرارة نفسها تلعن ذاك اليوم الذي قررت فيه ذلك القرار المخزي !! 

وبلا تـردد اتكأت تمسـك به ثم اتجهت للشرفة تفتحهـا لتلقي به مع زفرة قويـة مشتعلة بشحنات حانقة من نفسها قبل أي شيئ !!!!!!!


                          **********


بمجـرد دلـوف ياسيـن إلى الغرفـة حتى وجدها كالعادة شـاردة في مـٰلكـوت أخـر !!

مٰـلكـوت لم تكـن به ضحيـة .. 

بل كانت القاضـي الذي يحكم كيفمـا شـاء وأينما شـاء !!!!! 

مـلكـوت هي به سلطانة متوجه على عرش القوة، وليست ذبيحـة مُقدمة لذئاب بشرية !!!!!!! 

أقتـرب منها ينتحنح بهمس حنون :

_ نادووو 

وحانت منهـا إلتفاتـه صغيرة مع نصف ابتسامـة وهي تبادله الهمس المنقطع :

_ يـ ياسين !!! 

وإنفجـرت أساريره من أستجابتها التي شعـر انه سيمـوت حتمًا قبل أن يلقاها !!!

وفي قامـوسه " تجاوبت معه يعني أن قلبهـا كاد يمتزج بذاك الشـوق والعشق الذي يعتصره " 

وفي حد ذاتـه هذا يُعد إنجـاز !! 

جلـس بجـوارها ليبدء بسؤاله الهادئ :

_ عاملة إية النهـاردة ؟ أكيد القعدة هنا أحسن من الدار مليون مـرة 

ظلت كما هي فسألها بتوجس :

_ لسة بتجيلك الكوابيس اللي بتصحي مفزوعة منها ؟! 

ظـلت تهـز رأسـها مؤكدة بقوة .. بدمـوع جاءت مجاورة لتيـارات جارفة من الألم لتلك الذكريات أو المعنى الأصح - تلك الكوابيس - التي ترغب في محوها نهائيًا !!!!

ليمسـد على شعـرها بحنان صادق قبل أن يستطرد ؛

_ لو تحكي لي، لو تخرجي اللي جواكِ وتشوفي وتعرفي أنا حبيتك إزاي هترتاحي، والله هترتاحـي وهتريحيني معاكِ 

تنهـد قبل أن يبـدء اسئلته النفسية المعتادة ؛

_ مين أكتر حد بتحبيه ؟ 

لم تستجيب .. صمت فقط من تلقاه كالعادة، ليسألها مرة اخرى بتركيز :

_ طب مين اكتر شخص بتكرهيه، او اكتر شخص اذاكِ ؟ 

صمت .. يتبـعه همسه مختنقة منها :

_ حــازم !!!

 أبتسـم بسعادة وهو يتابع مترجيًا :

_ طب لية يا نادين ؟ لية بتكرهيه ومين حـازم ؟ 

أجابت بنفس الشـرود المختنق :

_ شيطـان !!! 

وقد تكـون تلائمت الخيوط مع بعضهـا إلى حدًا ما بين جنبـات عقله .. 

الان أدرك ولو قليلاً، من أذاهـا - حازم - 

حازم فقط من ترك اثرًا عميقًا يتوسطه لقبًا قد يكون يناسبه - الشيطان - !!!! 

مسـح على شعـرها بكل ذرة حنان يمتلكهـا ليهمس بعدها بتصميم :

_ هاتخفي يا نادين، هاتخفي وهتنتقمي من اللي عمل فيكِ كدة 

ثبـتت يـداها على يـده بابتسامة صغيرة زينت ثغرهـا الأبيض .. وهي تهمس باسمه كأنها طفلة تردد :

_ ياسيـن !!! 

زفـر هو بقـوة ليتمالـك نفسـه قبل أن يكمل جلسته العلاجيـة المعتـادة .. والتي يتجدد بها الأمـل في شفاء تلك المعشوقة !!!!!! 


                         ***********


" والـذبـلان .. إحـدى علامـات قرب الأنهيـار العـام، قرب الدمـار الكلي والمحتوم " !!! 

يبتسم ويتحدث ويتحاور ويهنئ وينام، ولكـن .. يبقـى شيئً ما يُنغـز عليه هدوءه المؤلـم ليذكـره بـ - الغالية - التي لم ولن ينساهـا من الأساس !!! 

لم تكـن حفيدتـه فقط .. بل كانت أبنتـه وإن كـره الاخرون !!! 

عاد بظهـره للخـلف يتسطح على الفـراش، يغمـض عينـاه وهو يعود بذاكرته لسابقًا يتذكـر ما كان قد يريده من - المحامي الخاص به - 

يتذكر رغبته في تغيير الوصية لتصبح بأسم ابنه وحفيدته " رقية " فقط بعدما كانت تستحـوذ " سيلا " على النصيب الأكبر !!! 

يتذكـر شعوره الذي نهره لتلك الفعله، شعوره الذي تأجج بداخله يدعوه للأنتظـار، يصدح بداخله 

" هي مازالت على قيد الحياة .. تمهل " 

وبالفعل انتظـر .. انتظر وسينتظر ما دام به نفس، سيظل يبحث عنها حتى يذهـب لها، في عالمًا ليس به فـراق أو حزن !!!! 

وتنهـد وهو يسترجـع ما جعـله يقوم بعـزاء لـ " سيلا " ... 

عل هؤلاء الأوغـاد إن كانت معهم يتركونـها لأعتقادهم أن اهلها قد فقدوا الأمل !! 

ولكنه لن يبعث الأمل في نفوس الاخرين بأحتمال استمرار سيلا على قيظ الحياة، فيأتي الخبر الصادم الحقيقي ويطفئ شعاع الأمل الوحيد .. بلهيبًا من نار الفـراق !!!!!!! 

و ........... 

فلاش بــاك ## 

_ لاااااا يا عثمـان لاااا، قولت مش هتتجوز البـت دي يا عثمان كله إلا دي 

قالها " نصـار " بغضب حارق يحتل كيانـه لأبنه الأكبر " عثمـان " الذي يقـف امامه متمثلاً لكل معاني الأصرار والرغبة .. 

ليرد هو مندفعًا برجاء :

_ لية يا بابا، لية حرام عليك تحرمني من البنت الوحيدة اللي حبيتها 

هـز رأسه نافيًا وهو يبـرر :

_ يا حبيبي عيلتها في بينا وبينهم مشاكل لا تعد ولا تحصى، وانت عارف كدة كويس، يبقى لية تفتح القديم تاني ؟ 

صرخ بنفاذ صبر واصرار :

_ لأني بحبها، انا مليش دعوة باللي حصل بينكم وبين عيلتها زمان، احنا ولاد النهاردة يا بابا 

هـز نصار رأسه نافيًا بجمود :

_ لا، حتى لو أنا وافقت اهلها مش هيوافقوا 

قال عثمـان مسرعًا بلهفة :

_ وافق انت بس يا بابا ارجووووك 

تابع نصـار زافرًا بضيق :

_ البنت لو هربت من أهلها العداوة هتتفتح تاني، ومش بعيد يبقى فيه دم كمان !!!!! 

وإن وُجـد سدًا من جهـة .. وسدًا أقوى من الجهة الأخرى، لا يبقـى امامك سوى اختيار واحد واخير 

" المراوغة الٱجباريـة " !!!! 

تنهـد عثمان قبل أن يقول عازمًا على الحفاظ على نبتـه نَمت بداخله لن يميتها بسموم الماضي :

_ أنا هاتجوزها يا بابا، حتى لو اضطريت اخدها واهرب أنا وهي من البلد كلها 

بـــاك ... 

كـادت تفـر دمعة هاربة من أعين " نصـار " وهو يهمس بنـدم :

_ ياريتني سيبتك تتجوزها يابني مكنتش هربت وبعدت عني وعن أهلك ومعرفش عنك اي حاجة، غير إنك مُـت يا ضنايا !!!!!!!!!!!


                         ***********


 " وإن كـان القـرار وحـده لا يجـدي نفعًا، فعندمـا يُغلـف القـرار بالإصرار القوي للفرار من أهانـات مميتـة، فسيجدي نفعًا بالتأكيـد " !!!!!! 

مسحـت سيلا دمعة كانت كالدماء تقطر من بحر عيناها المشتـاق .. الملتهب !! 

لتنهـض وهي تنظـر حولها هنا وهناك، هذه المرة لن يوقفها مخلوقًا !!! 

ستفـر هاربة ولن تعـود، وإن كان هذا الهرب تأخر قليلاً اجباريًا فهذه المرة ستدعو من كل قلبها أن تنجح في الهـرب .. 

ستخلف وعدها بالانتظار لشهرًا حتى يجد " الصقر " خادمة اخرى .. 

ولكـن لا يهـم .. لا وعوود ولا قلق ولا إنتظار سينقذهـا من قبضة الصقر عندما يعلم حقيقتها !!! 

الفرار افضل حل على أي حـال ....

سـارت على اطـراف اصابعها نحو البـاب وعيناها تتفحص المكـان من حولها .. 

وفتحت البـاب ببطئ شديد حتى لا تيقظ ذاك العامـل، وما إن اخرجت قدمها لتسير حتى وجدت من يقيد حركتها من الخلف ويضع يداه على فاهها حتى يمنعها من الصراخ و........ !! 


                        ***********



شظايا قسوته 


الفصل التـاسـع عشـر : 


" وإن تنازعـا الاثنـان .. رغبـة القدر ام رغبـة بشرًا عاديًا، والرد الطبيعي والحتمي رغبة القـدر التي إن وضعت حواجـزهـا لشيئً ما قد يعجبك أو لا يعجبك، لن تجـد لإصرارك مكـانًا .. ابدًا " !!!!!!! 

وسيـلا في غرفتـها المعتـادة، تضم ركبتيها لصـدرها وتبكِ بعنف، لم يتلاقى جفنيها تلك الليلة ابدًا، وبدت دموعهـا كبحرًا حُرم على أرضـه أن تجففه !!! 

تتذكـر المـانع الجديد بالنسبة لها الذي ظهر من حيث لا تدري ولا تحتسب ليجبرها على خُطـى عكس اتجاهها تمامًا !! 

فـلاش بـاك ## 

وشعـرت بقيدًا اخـر يُقيدهـا رغمًا عنهـا فيتسبب في زرع الذعر في أرض قلبها - التي كانت تخرب تمامًا - بلا منـازع !؟ 

استدارت لتـرى ذاك البغيض .. لتجـده احدى الرجال الذين يعملون بالمنزل، وسحبها هو نحـو غرفتـه الصغيرة ثم أغلق البـاب برفق ليبعد يـده عنهـا، فكادت تصرخ بهلع :

_ ابعد آآ 

قاطعها وهو يضع يـده مرة اخرى على فاهها ليقول بهمس تحذيري :

_ إهدي يابت، أنا هاسيبك عشان أسمعك الكلمتين وابجي اعملي ما بدالك 

اومـأت بخوف موافقة وهي تحرك شفتاها :

_ حاضر 

وما أن ابعد يده حتى سألته بارتعاد :

_ في إية ؟ 

اجابهـا بخبثًا اقلقها :

_ كنتِ عايزة تهربي مش كدة، وماسمعتيش تحذيـرات الباشا بردو 

أبتلعـت تلك الغصة المريـرة من خاطـرة عابرة مرت لتذكرها بهؤلاء الحمقى الذين اختطفوها .. فهمست متوجسة بتساؤل :

_ باشا مين، أنا معرفش انت بتتكلم عن أية !! 

رفـع حاجبه الأيسر متابعًا بتهكم :

_ متعرفيش انا بتكلم عن إية ياختي، أنا هعرفك دلوقتي 

ثم أخـرج من جيبـه هاتفـه، ليظهر صورة جدها الحبيب بنفس المشهد الذي رأتـه سابقًا مع رئيسهـم .. 

ذلك المشـهد الذي ترك فيها أثــرًا واضحًا متخوفًا ممن قد يحـدث !!!! 

مشهد جعل قلبها ينتفض بين ضلوعهـا ذعرًا مميتًا !! 

وسألته بضعف قهري :

_ أنتوا لية مش عايزين تسيبوا جدو في حاله بقا 

ليجيبهـا ببرود :

_ ومش هانسيبه لان إنتِ الواحد مايأمنلكيش، أسمعي بقا هو فترة قصيرة أقل من الشهـر كمـان وهنبعد عن جدك تمامًا لو سمعتي الكلام ومحاولتيش تهربي تاني 

سألته بدهاء :

_ واشمعنا شهر ؟ 

تأفف وهو يقـول بغيظ :

_ مايخصكيش بقا، أنا بصبرك بس وبعـرفك إن فات الكتير ما باقي إلا القليل 

اومـأت بحـزن تعمق نبرتها المنكسرة اكثر فأكثر حتى كادت تنعدم :

_ حاضر 

أشـار لها بأصبعه محذرًا :

_ إياكِ تعملي حركة كدة ولا كدة، أعرفي إنك متراقبة 24 ساعة، والناس دي مابتهزرش، ممكن يضحوا بجدك عشان يعلموكِ الادب، لكن مش هيخاطروا بنفسهم ابدًا !!!!! 

بــاك .. 

ومن غيـرها قـد خاطـر ؟! 

من غيرها ضحى وتنـازل ومازال الخطر يفيد الأستمرار !!

من أخـذ عهدًا قاطعًا وصامتًا على نفسـه بعدم أذية من تحبهم ولو كان - كبش الفداء - هي فقط !!!!!!؟

هي فقط التي حُشـرت بين أشواك ليست لها ... على الأطلاق !! 


                          **********


" وعندمـا تكـون في بدايـة الطـريق، وأنت علم علمٍا بفـخ يُنصـب لك، فالاستعـداد أنسـب فكرة .. مؤقتًا " !!! 

دلف ياسين إلى المنزل وهو يملئ رئتيه بالهواء الطلق الذي سيختنق حتمًا بالداخل من المناواشات التي ستحدث !!!! 

وكـان والـده تقريبًا يتشاجـر مع والـده، وبالطبع السبب لا يُخفـى .. 

والجمـلة الرئيسية ومسمار وأسس الأتهـام عند الخطأ لوالدته المسكينة 

" اه ما إنتِ اللي عاملة فيه كدة بدلعك ده "


تقـدم ليتنحنح بصوته الأجش معلنًا إختلاف توجه السهام لتُرمى عليه هو :

_ في إية يا بابا، في إية يا ماما ؟ 

أجابه والده صارخًا بحدة :

_ اه اهلاً أنت نورت يا حبيب ماما، عايز تروح تتجوز من غير موافقتنا يا ياسين 

هـز رأسه نافيًا ببساطة :

_ لا طبعًا يا والدي، ده في حال أنكم رفضتم رفض نهائي، أنا مش هسيب البنت اللي حبيتهـا ابدًا 

رفـع والـده حاجبـه الأيسر متهكمًا :

_ لا والله، ده تهديد بقاا مش كدة 

سارع ياسين مبررًا :

_ ما عاش اللي يهددك يا حج، بس أنا مش عايز أموت نفسي بالحياا، أو اعصي كلامك، لو عندك أختيار وسط هنفذه من غير ما اتـردد 

أشـار له والده مزمجرًا بغضب حقيقي نشب بين أوردتـه من تحدي إبنه الغير مباشر له :

_ عندي إن مفيش حد بيموت من غير حد، وبعدين الحب عمل أية ياخويا، ما خلق الله كلهم عايشين اهم، بلاش وهم وكلام فاضي 

كـز على أسنانه ليتمالك نفسه بصعوبة :

_ لو سمحت يا حج، كله بالخناق إلا الجواز بالأتفاق، سيبني أختـار شريكـة حياتي بمزاجي أنا 

حاولت والدتـه تهدأة المـوقف بجملتها التي ظنت انها سترطب الأجواء ولو قليلاً :

_ يا حبيبي أبوك خايف عليك وعايز مصلحتك بس 

ومسـح على شعـره وهو يصيـح باهتياج :

_ أنا مش طفل انا اعرف احدد مصلحتي لوحدي، لية مش قادرين تفهموا يا أمي، لية مُصرين تبعدوني عنكم بتصرفاتكم دي !!!؟ 

ولم يجـد ردًا سـوى " صفعـة " مدويـة من والـده شهقت على اثرهـا والدته بصدمة !!

صفعـة كان مبتغـاها أن يعـود لوعيه كما ظـن والده أنه قد يحدث .. 

ولكنها قد تأتي بنتيجة عكسية، قد تجعـل مكانهـا محفـورًا ليخفيه فيما بعـد بإهداء رغبته ما يحب !!!!! 

ونظـر لوالده مطولاً بصدمة، ليسمع والدته تقول بجـزع :

_ إية اللي أنت عملته يا منصور ده 

واجابها بقوة باردة :

_ بفوقـه، عشان الظاهر ماكنش في وعيه ومحتاج يفوق !! 

 اومـأ باستهانة :

_ مكنتش في وعيي، صح عندك حق، أنا من دلوقتي مش هكون في وعيي في أي حاجة بعملها او هعملها !!!

ثم أولاهم ظهره ليغادر دون كلمـة اخرى، ليهـوى والده على الأريكة بهمدان قبل أن تقول والدته :

_ ياسين مبقاش صغير يا منصور عشان تمد إيدك عليه، ده راجل وبيشتغب وبيصرف على نفسـه !! 

أشار لها منفعلاً وهو يـردف بحرقة :

_ هيدمر كل حاجة عشان تفاهه اسمها حب، الحب مش هيأكلنا ويشربنا يا ام ياسيـن 

نهـضت وهي تضرب كفًا بكـف بتعجب حقيقي !!! 

يرمـي بطموحات وأمنيات ابنه الوحيد عرض الحائـط، ليرمم جانب اخـر .. 

جانب مصالحه وأنانيـته التي بدت كالسراب لا نهاية له !!!!! 

بينما أخـرج هو الهاتف الخاص به من جيبـه ليتصل بشخصًا ما، وما أن اجابه حتى قال بجدية متساءلاً :

_ هاا يابني عرفت كل حاجة عن البت ؟ 

اجابه الاخر مسرعًا بتأكيد :

_ اه يا باشا عرفت وأطقسـت كويس اوي على اد ما نفـع 

اومـأ منصور على الرغم من انه لا يـراه ثم سأله بلهفة :

_ طب قول انجز عرفت إية ؟ 

_ يا باشا البت دي زي ماتقول كدة مقطوعة من شجـرة، ميعرفولهاش اصل ولا فصل حتى، جابها واحد اسمه سليم الصقر لو حضرتك تعرفه، الدار اصلاً ملكه، واستاذ ياسين كان بيروح لها عادي يمارس مهنته كـدكتور نفسي لانها بيقولوا متعرضة لصدمة شديدة وحالتها النفسية وحشة جدًا 

زفـر وهو يقـول بجمود :

_ تمام، نفـذ أنت 

_ اوامـرك يا بـاشا 

واغلق الهـاتف وهو يتنهـد بأرتياح يشعر به على مشارف روحه لما قد يحدث !!!! 


                          *********


هبطـت " رقيـة " من الأسفـل بدمـوعها التي لم تعـد تفارق وجههـا الأبيض .. 

اصبحت غلافًا دائـم له لا يتركهـا !!! 

أقتـربت من أمنية التي جاءت لها في وقتها المناسب تمامًا، هي بحاجـة لتفريغ شحنات الغضب والغيظ من بين خلايـاها لتهدئ تلك الثـورة قليلاً !! 

حاولت رسـم ابتسامـة مزيفـة وهي تهمس بحبور :

_ أزيك يا أمنية منورة 

شهقـت أمنية من مظهـرها المفجـع، عيناها التي سطـرت المعنى الشامل للألم والحزن، ملامحها التي كانت عنوانًا للجذب .. اصبحت واجمة ذابلـة .. 

ووجنتاهـا التي صـُك عليها علامة أصابعـه كوشمًا لخيانتها !!!! 

وسألتها مسرعة :

_ في إية يا رقية مالك ومابترديش علي أتصالاتي لية ؟ 

رفعـت كتفيها تحاول تصطنـع اللامبالاة :

_ ابدًا عادي كنت مضايقة شوية بس ومش قادرة أكلم حد 

ضيقت أمنية عينيها بشـك لتتابع متساءلة بأصرار :

_ لا لا باين عليكِ إنك معيطة، أحكِ لي يا رقية ده أنا زي سيلا ؟! 

وعنـد تلك السيرة خاصةً كانت كمفتـاحًا لإنفجـارها الغاضب المأسـور .. والمكسـور لتبدء بالبكـاء، حتى سألتها امنية بفـزع :

_ لا لا في إية بس مالك يا حبيبتي قولي يمكن ترتاحي شوية 

كادت تنطق بصوت متقطـع :

_ أنا وآآ ومجـدي .. 

سألتها بلهفة :

_ اممم كملي ماله مجدي، إتخانقتوا ولا إية ؟ 

اومـأت وهي تحاول أستئناف ذاك الحديث الذي تشعـر به يخنقها من مجرد تذكره :

_ اه عشـان آآ 

قاطعتها يـدًا تسحبها بقوة، يدًا تحفظ ملمسها عن ظهـر قلب .. وتكره في آن واحد !!!! 

لتجد مجدي يسحبها خلفـه وهو يقول بجدية موجهًا حديثه لأمنية :

_ معلش يا أمنية عايز رقية في حاجة 

ثم أستـدار وهو يسحب رقية التي ألجمت الصدمة لسانها مرددًا :

_ البيت زي بيتك بقا، enjoy !! 

وإختفـوا من أمامـها في لمـح البصـر، لتكـز على أسنانها بغيظ وهي تحمل حقيبتها لتغـادر وهي تلعن ذاك الــ " مجدي " !!! 

بينما في الاعلى أغلق مجدي الباب، لتواجـه رقية الشرارات الغاضبة التي تتطاير من عينـاه بقلقًا إرتفـع بين أفق عيناهـا وخاصةً وهي تسمعه يقول :

_ كنتِ عايزة تحكيلها يا رقية صح، مع إني منبه عليكِ محدش يعرف ؟ 

هـزت رأسها نافية بسرعة :

_ لا لا مش كدة، أنا بـس كنت آآ 

قاطعهـا بصفعـة أصبحت تعلم مجراهـا جيدًا !!!! 

وصمة جديدة لن تشكل فارقًا بالنسبة لها، فالطالمـا كانت البدايـات خير مُبشر !!!! 

وبصـوت مرتجـف متزلزل كبركان أوشك على الإنفجـار :

_ مجدي أنا .. آآ صدقني 

قاطعهـا وهو يقبـض على ذراعها بقوة كجمرة مشتعلة اُلقيـت عليها وقال :

_ أسكتِ، أحمدي ربنا إني عارف أتمالك أعصابي شوية، كل ما افتكر اللي إنتِ عملتيه بحس إني مكنتش راجل كفاية عشان أخليكِ تثقي فيا !!!!! 

ورماهـا على الفـراش بعنـف ليهدر بعدها وهو يفتح ازرار قميصه :

_ وأنا فعلاً مبقتش عايزك ألا عشان الرغبة بس زي ما قولتِ 

وبلحظـات كان فوقها يقبلها بعنف وقسـوة، قسـوة هي من جعلتها تتفجر من بين جحـور إحكامـه .. فلتواجهها اذًا !!!!!؟ 

يقتنـص حقـه - الشرعـي - ولكن بطريقة غير شرعية .. ابـدًا !!!!! 


                         ***********


ظـلت " بـدور " تسير ذهابًا وإيـابًا بافتعال حقيقي .. والسـؤال الذي يسيطر عليها كليًا الان 

" ترى لمَ لم يعود من عندهـا " ؟!  

المزيـد والمزيـد من الموجـات المغتاظة تعوم بين طيـات روحها قبل عقلها !! 

لم يفيـد سحـر .. ولم يفيد إغـراء ولم تفيد أسباب كاذبـة !!!! 

كلها كانت مجرد - محاولات فاشلة - سُجلت ضمن تاريخ رسوبها الدائم في امتحـان حياتها الوحيـد !!!! 

ووالدتـه بالخـارج تشاهد إحدى مسلسلاتهـا مع - فشـار - وجوًا هادئًا بعيدًا عن أشتعال ابنتهـا !! 

توجهـت لها وهي تصيح بنفاذ صبر ؛

_ اهوو لا سحـر نفع ولا نيلة، ده انا حاسه إنه جه بالعكس

سألتها ببرود :

_ لية ؟ 

اجابت بغيظ يشوبه الحدة وهي تقترب أكثر منها :

_ اهو تاني ليلة يباتها عندها، وماكلفش نفسه يرد عليا يقولي حتى جاي ولا لا 

ثم ضـربت على قدمـها بغلب وهي تستطـرد حانقة :

_ ياريتني ماسمعت كلامك أو كلام أمي، بلا سحر بلا نيلة أنا كنت ناقصة هم 

لـوت الاخرى شفتاها متهكمة :

_ ياختي وهو حد أجبرك توافقـي 

رفعـت حاجبها الأيسر بغيـظ وهي تكمل :

_ أذا كان إنتِ اللي أسمك امه وافقتي، أنا اللي هموت على نظرة منه مش هوافق ؟؟ 

هـزت رأسها نافية قبل أن تبرر بجدية :

_ لا لا، انا وافقـت لانكم قولتولي مفيش ضرر ليه خالص، إنه هيحبك ويرضى بيكِ بس 

تأففت بـدور وهي تسألها بنفاذ صبر :

_ طب هنعمل إية بقا ؟ 

هـزت رأسهـا ولأول مرة تنطق بصدق وقوة :

_ معرفش، أنا من دلوقتي برة اللعبة دي، مفيش حاجة بتيجي بفايدة وأنا ابني لو عرف هخسره للأبد، كفاية أني اجبـرته عليكِ 

إتسعت حدقتا عيناها وهي تسألها مصدومة :

_ نعم !!! يعني إية بقا الكلام ده ؟ 

نهضـت وهي ترد ببرود :

_ كلامي واضح، وابعدي عن السحر ده خالص، سهر ممتعة، باي يا حبيبتي 

ثم تركتهـا لتغـادر بكـل برود .. وكأنها سحبته ممن كان يملكه يومًا لتختزنه هي ... 

بينمـا همست بدور بأصرار خبيث :

_ بس أنا بقى مابستسلمش بسهولة، وهتشوفي يا حماتي !!!!!!!! 


                         **********


" وعندمـا تتيقـن من كـونك ستظـل أسيرًا تحت رحمتهم حتى يمنـوا عليك بذرة رحمـة، فلا مانـع من التمتـع بالحرية ولو للحظـات وحيدة لن تتكرر " !!! 

وفي غرفة سيـلا، اخيرًا خلعت حجابها لتطلق الحرية لخصلاتها البنية الناعمـة، تقريبًا في قرارة نفسها حسدته على الحرية التي ينعم بها !!!!! 

ظـلت تتنهـد وهي تأخذ نفسًا عميقًا .. 

هي لم ولن تتعب من العمل مع " فاطيمـا "

ولكـنها لم ولن تحتمل تلك التي تُدعـى " داريـن " !! 

لا تتـرك دقيقة تمر إلا وختمت عليها ختم أهاناتها المؤكد لسيلا كـ خادمة !!!! 

ومن دون مقدمـات وجـدت الباب يُفتـح ليدلف سليـم .. - كعادته مؤخرًا - 

شهقت وهي تضـع يدها على شعرها متساءلة ببلاهة :

_ أنت إية اللي جابك هنا ؟

ظل هو ينظـر لخصلاتها الطويلة .. لا بل الطويلة جدًا، تكاد تنتهي عند خصرهـا !! 

وبقعـة كبيرة من الرغبـة في إستنشاق خصلاتها الناعمة تلك تتسع داخله رويدًا رويدًا مع مرور الثواني كنسمـات من الهواء إزدادت فجأةً عليك !!!!! 

" يا الله .. أية من الجمـال خُلقت .... له !! "

قالها بين ثورته الهائجـة ثم أستفاق على صوتها ليقول بثبـات ظاهري :

_ اولاً ده بيتي يعني أجي في أي حته وقت ما احب إنتِ مش هتقوليلي أعمل إية وماعملش أية !!؟ 

وظل يرمقها بنظرات خاصة قبل أن يتـابـع بنبرة ذات مغزى " حادة " :

_ ثم إنك إزاي ماتقفليش الباب زي الناس، افرض حد من الخدم شافك وأنتِ بشعرك كدة ؟! 

ووجدت نفسها تبرر بتلقائية :

_ أنا آآ كنت لسة هقفله كويس بس أنت دخلت، وأنا اتخنقت من كتر ما بشيلش الطرحة والجو حر جدًا 

فعليًا الجـو كنـارًا من حولـه .. 

ولكن ليست كالنيـران المشتاقة التي تغـار والتي تنـدلع في قلبه بين ضلوعه الان !! 

اومـأ وهو يقتـرب منها ببطئ متعمدًا تلاعبها على وترها الحساس :

_ شعرك .. حلو أوي 

وأصبحـت تكـره تلك المسافة التي تنقـص بينها، تخشى اقترابه الذي كاد يفقدها عقلها !!! 

اصبحت تخشـاه هو شخصيًا !! 

تتخـذ أقترابه على وتيـرة خاطئـة .. على سبيلاً لم يتخذه هو يومًا - الرغبة - ليس إلا !!!!!!! 

اصبح امامها تمامًا وهي ملتصقة بذاك الجدار اليتيم تتمسك به، لتشعر بأصابعه تتخلل خصلاتها بنعومة ورقة غير معهودة منه، قبل أن يهمس :

_ ماشاء الله 

ولا مـانع من تنفيذ تلك الرغبة التي كادت تقتله داخليًا .. ليقترب وهو بالكاد يحتضنها بين ذراعيـه المفتولتيـن ويغمض عيناه وهو يملئ رئتيه برائحة شعرها الجذابـة !!! 

وهي ترتعـش بقلق بين يديه، وتلقائيًا امتدت يدها تستند على صدر ذاك الجدار المتيـن !! 

وبالخـارج تقف " داريـن " وهي تقبـض بيدها على " المقص " الذي تمسكه، تود لو قطعت ذاك المشهد من سلسلة ذاكرتها ... ولكنها ستقطع السبب لذاك المشهد حتمًا !!!!!!!!!!! 


                           *********


يتبــع


شظايا قسوتـه 


الفصل الـعـشـرون : 


ودفعتـه سيلا عنها برقتهـا المعهـودة، قبل أن تمـوت سَـيلاً بين ذراعـيه !!! 

وبالطـبع من شدة تأثير لمساته وذوبانهـا بين يديـه التي تعرف مبتغاها جيدًا !! 

وهمسـت بضعف حزين بعض الشيئ :

_ سليـم .. لو سمحـت !! 

أبتعـد قليلاً رفقًا بها .. رفقًا على خجلها وعذرية تلك اللمسـات لها !! 

على مشاعر متضاربة تعصف بها فجأةً دون رحمة !!!!! 

ليبادلها الهمس بابتسامة هادئة :

_ حاضـر 

وسرعـان ما أختفت تلك الابتسامة لتتبدل بحدة ظهـرت مكتسحة تلك الحروف :

_ بس لو لقيت حد شافك ولو صدفـة كدة بشعرك ده، هرتكب جنايتين 

ثم سألها بمكـر :

_ عارفة اية هما ؟ 

هـزت رأسها نافية ببلاهة :

_ لا، أية هما !

واجابته كانت مع اقترابـه القلق ليهمس بجوار أذنها وكأنه سرًا يخشى افتضاحه :

_ اول جناية هخرمله عينيه اللي بيبص بيها ويمكن اموته خالص، وتاني جنايـة هخدك أحبسك واتجوزك غصب عنك 

ثم غـمز لها بطرف عينيه متابعًا بنفس المكـر الذي يجتاحه :

_ وإنتِ مش ادي بصراحة 

وقد تـدافع مقصـد أخـر لعقلها جعل الدموع تترقرق بين بحر عيناها اللامع ليزداد لمعانًا !!! 

- هي ليست من مستـواه الأجتمـاعي - !!؟

تلك الجملة إرتكـزت بين أطياف سماءها الخجولة لتمحي ذاك الخجل في ثواني وتحل محله الحزن المعتاد .. 

الحزن لإهانـة قُدمـت خاطئة لها، هي بالفعل " مش أده " ولكنها أكبر !!!!! 

فسألها متلهفًا للمحه تلك الدمـوع التي اصبح يكرهها بين عيناهـا :

_ مالك في إية ؟ 

اجابتـه وهي تنظر للأرض بصوت مختنق :

_ أمشي عشان محدش يشوفك هنا مينفعش، أنت مش ادي مينفعش تقف معايا هتسوء سمعتك 

وقد وصلـه مقصد تلك الطفلة - الهشة - فعليًا .. تحزن وتبكِ من كلمة غير مقصـودة !!! 

كالماسة إن لمسها أي شخص بعنف من دون قصـد - تنكسر على الفور - !!! 

ليمسح على أنفها التي كادت تصبح حمـراء وهو يقـول مشاكسًا :

_ ماتبقيش زي الطفلة كدة، ولا زي إية، إنتِ طفلة فعلاً، انا قصدي مش قد عصبيتي، مش قد غيرتي على أي شخص يخصني ولو جدتي، مش قد قسوتي، اللي معاكِ .. بتبقى مجرد شظايا !!! 

وتعجب من نفسه بالفعل .. في البداية يبرر تصرفاته لعقله الذي ينهره على تلك الحماقـات ... 

وفي النهايـة يداوي ما فعله، بترطيبًا خفيفًا ولكن قويًا ممن يشعر به !! 

" ختامهـا مسك كما يقولون " !!!!! 

وقالت بصوت مضطرب وهي تنظر حولها تتفقد المكـان :

_ طب آآ دارين .. دارين ممكن تيجي او خالتو 

مـط شفتيه بلامبالاة شقية ؛

_ عادي يعني، محدش يقدر يقولي تلت التلاتة كام 

اومـأت بنصف ابتسامة قائلة :

_ طب يلا، عشان عاوزة انام 

وقال بشقـاوة :

_ طب ما تنامي هو انا ماسكك ؟ 

دفعتـه وهي تكمل ضاحكـة بحزم :

_ أطلع عشان انام 

ثم مسحت على شعرها بإرهـاق واضح متابعة :

_ بكرة ورانا شغل كتير في المطبخ، عايزة ألحق ارتـاح 

وشهقت وهي تلاحظ انها مازالت خالعة حجابها، فركضت باتجاهه لتمسكه إلا ان سليم امسكه قبلها ليخفيه خلف ظهـره، فتوسلته بخفوت :

_ سليم لو سمحت هات الطرحة 

هـز رأسه نافيًا، ثم بنبرة جعلت القشعريرة تسير في جسدها من مغزاها :

_ طب ما تريحـي بكـرة، أنا مش عايزك مرهقة خالص ده لسة اللي جاي احلى 

إبتلعت ريقها، وتلك المرة اقتـربت هي .. رويدًا رويدًا حتى اختلطت أنفاسهم !! 

" تلك المرة هي مـضطرة للمجازفة " 

وسحبت حجابها وسـط شروده الهائم في اقترابها، وكادت تبتعد مهللة بانتصار :

_ اخدتها بردو 

ولكنه ألصقهـا به مرة اخـرى، وانظاره مثبتة على شفتاهـا، ليردف بعبث :

_ بس يا حبيبتي، هو دخول الحمام زي خروجه 

وفي لمـح البصر ودون أن يعطيها الفرصة للصدمة او الاندهاش كان يقبض على شفتاهـا باشتياق لم يراعي في قوانينه قلقها العارم منه !!!! 

يلتهم ما كان يتوق لالتهامه طيلة الأيام الماضية !! 

وهي تحاول التملص من بين حصـاره الحديدي بذراعيه، لتدفعه اخيرًا لاهثة :

_ بس بقااا اخرح برررررة يلا 

اومـأ ببرود عابث :

_ إيتس أوكيه، براحة يا حبيبتي 

" حبيبتي " ؟!!! 

همسـة تصاحب تيـارات مصدومة من الخجل .. والتوتر .. والخوف !!! 

هل هي حبيبته بالفعل، ام مجـرد كلمة تلقائية خرجت هربًا دون المرور على - فلتـر الإهانة والقسوة لديه - !! 

ولمَ يهمها ذلك من الأساس ؟؟؟!!!! 

أستفاقـت من شرودها على صوت الباب الذي أغلقه قبل أن يغادر بعدما نـال مبتغاه الذي أزداد بعدما حققه !!!!!!! 


                         **********


وجلست جميلة في الحديقـة تهـز الكرسي الخشبي الذي تجلس عليه بقوة .. 

تفكـر وتفكـر .. التنفيـذ خطـوة ليست بالسهـلة نسبةً مع " الصقـر " !!! 

 تفكر وتدبر وتنصب الخيوط ولا تعلم أن القـدر خير معاونًا لها !!!! 

انه ادمى قلوبهـم عشقًا مكبوتًا سينفجر من سهمًا واحدًا منها !! 

ظـلت تهمس وهي مرتكزة بنظراتها على اللاشيئ :

_ قبل ما ادبسهم لازم أعرف أن كان سليم خلاص حبها ولا لسة 

صمتت برهه تفكـر لتكمل بعدها متساءلة لنفسها ؛

_طب هعرف ازاي بقا !! 

هـزت رأسهـا وهي تردف بحيرة :

_ بس ازاي اخليـهم يتجوزوا وسليم مفكر إنها فاقدة الذاكـرة 

مسحـت على رأسهـا وهي تتابع شاردة :

_ اجباريًا لازم سليم يعرف الحقيقة بس بعد التدبيس 

اتسـعت ابتسامتها قبل أن تمسك بالهاتف الذي بجـوارها ثم تتصـل بـ " يوسف " شقيق دارين الوحيد

 ليأتيها صوته بعد ثواني مرددًا :

_ ست الحبايب بتتصل بيا مرة واحدة لا لا المفاجأة هاتموتنـي 

ضحكت قبل أن تقول :

_ مش هاتبطل مشاكستك دي يا ولد 

_ لا اكيد، وحشاني صدقيني 

_ لو وحشاك كنت جيت تشوفني يا يوسف، مش مطنشني كدة وباعت لي اختك بس 

_ معلش والله الشغل متلتل فوق راسي 

_ لا مفيش اعفاء، عايزاك هنا النهاردة او بكرة بالكتير 

_ من عنياا، انت تؤمر يا قمر 

_ ماشي يا حبيبي، بس اكيد عشان عايزاك ضروري 

_ تمام تمام خير اللهم اجعله خير 

_ تقلقش خير ان شاء الله 

_ ماشي يا حبيبتي يلا عاوزة حاجة 

_ عاوزة سلامتك، سلام 

_ مع السلامـة 


أغلقـت ويجتاحها شعور باليقيـن أنها اختـارت الشخص الصحيح تمامًا .. 

من سيشعل فتيل غيرة " الصعيدي " بداخل - ذاك العنيد - سليم !!!!!!!! 


                          ***********


_ كفاية يا مجدي، أحنا مابقاش ينفع نكمل مع بعض بعد كل اللي حصل 


قالتهـا " رقيـة " وهي تقف امام مجدي الذي خرج لتوه من المرحـاض بصـوت ضعيف واهـن ..

 نبـرة تخللها الألم والضعف درجاتهـا !!! 

إن كانت تعلم أن هذا هو جزاء ما ستفعل لمـا كانت فعلت ابدًا !!

إن وضعت العقـاب والجزاء والفعل بينهما قبل أي شيئ، سيكون التردد المصير الحتمي !!!

ليرمقهـا بنظـرات ساخرة يتوارى خلفها الكثير والكثير من بذور القلق من قرار قد يصـدر وهو لا طاقة له به و رد :

_ اية ده معقول تعبتي بسرعة كدة 

ثم اقترب منها يربت على كتفها باستهانة ساخرة :

_ معلش انا عارف إن رد فعلي كان قاسي شوية، لا شويتين، بس مش بعد ما تركبِ الوحش الجنان، تطلبي منه الهداوة !!!! 

هـز رأسها نافية لتتابــع :

_ لأ، أنا مش طالبة منك الهداوه، انا طالبة طلب وحيد واخيـر 

وعنـد ذكر النهاية .. تتلف أوتـار قوتـه وصبـره !! 

وهل ما زال يعشقها ؟! 

بالتأكيد نعم .. سنين وسنين من العشق لا يزيلها شهرًا من الألم !!! 

ولكنه سألها بثبات ظاهـريًا فقط :

_ ولو انك ملكيش طلبات، بس اطلبي خير ؟ 

تنهـدت وهي تنطقها بوهن :

_ نتطلق، خلينا ننفصل بهدوء يا مجدي، أنت لا يمكن تنسى اللي حصل، وانا لا يمكـن استحمل واكتم جوايا اكتر من كدة 


اقترب منها في لمح البصر يقبض على ذراعها بقسوة مرددًا :

_ مش إنتِ اللي هتحددي ننفصل ولا لا ده اولاً، ثانيًا طلاق مابطلقش، ثالثًا انا حذرتك إن حد من اهلك يعرف، احنا ادامهم اسعد زوجـين في العالم 

هـزت رأسها نافية بأصرار وقـوة نبعت من إهانة باتت لا تُطـاق :

_ لا كفايـة، لازم يعرفوا بقا مش هخبي تاني خلاص 

وكاد يصفعها ولكن تماسك بصعوبـة، كونهـا وصلت لمرحلة اللامبالاة في الخطأ .. 

هو لا يريد أن يصبح مثلها بالمرة !!!!! 

 اقترب منها يمسـك يدها ولأول مرة منذ فترة برفـق ليقول :

_ اوعي تفكري إن أنتِ لوحدك اللي بتعاني، أنا يمكن تعبان أكتر منك، عمرك شوفتي طفل غلط واهله ماعقبوهوش ؟ 

هـزت رأسها نافية :

_ لا بس أنا آآ 

قاطعها وهو يبتعـد بصلابة وصرامة لاذعة :

_ مابسش يا رقية، النقاش انتهى، طول حياتنا واحنا بتناقش لحد ما عملتِ اللي عملتيه، دلوقتي فترة الأوامر بس 

هـزت رأسها نافية بجمود ؛

_ انا عمري ما هامحي شخصيتي يا مجدي

اومـأ ببرود وهو يخرج من الغرفـة :

_ وانا مش عايزك تمحيها اساسًا يا حبيبتي 

غادر ليتركها تكز على أسنانها بغيظ، لتهمس متوعـدة له :

_ و3 ايام ضعف خلصوا يا مجدي، وبس خلاص مش هاسكت تاني !!!!!!! 


                          ***********


وكانت سيلا ساكنة بمكانها كالعادة، لتجد دارين تدلف دون أي اذن، كأعصـار حارق يود النشب في كل من امامه، ثم سحبتها من يدها بعنف وكأنها عروس للعب !!!! 

فسألتها سيلا بتوجس :

_ في أية إنتِ وخداني على فين ؟ 

اشـارت لها دارين ان تصمت بصوت امر :

_ اخرسي ماسمعش صوتك 

حاولت سيلا أن توقفها مرددة ؛

_ طيب هحط طرحة على شعـري 

هـزت الاخرى رأسها نافيـة بخبث شابه الحقد الدفين :

_ أنا اصلاً وخداكِ عشان شعرك ده !!

سألتها سيلا ببلاهه ؛

_ يعني إية !!؟ 

ووصلوا امام غرفة داريـن، فدلفت هي وسيلا ثم اغلقت الباب، لتتجه نحو المقص تمسك به ثم اقتربت من سيلا مرة اخرى والشر يتطاير من بين عيناها ..

بينما الاخرى تشعر بقلبها يُعتصر بخـوف وقلق من تلك الخبيثة لتسألها متوجسة :

_ إنتِ هتعملي إية ؟ 

اجابتها ببرود حاقد :

_ هادمر اي حاجة بتجذبه ليكِ !!!!!!! 


                          **********


طـرق سليم بـاب الغرفة التي تقطـن بها ناديـن، ليفتحه ببطئ ليراهـا تمسـك القلم بين يديها البيضاء الناعمة، وامامـها أوراق بيضـاء ترسم عليهـا بشـرود تام .. 

ولكن وكأن تلك المرة ذلك الشـرود حاولت أخراجه على هيئة رسومات نابعـة من فراشة يتحكم بها القلب !!!! 

اقترب منها بابتسامة ليسأل المساعدة بجدية :

_ أية الاخبـار ؟ 

اجابت بجدية متحمسـة لطريقًا اُنير امامها :

_ الحمدلله في تحسن يا استاذ سليم، أديتيها ورق وقلم ترسم لعلها تقدر تخرج اللي جواهـا في الرسم ده، ولقيتها استجابت وبترسـم 

اومـأ سليم بامتنـان :

_ طب الحمدلله، أن شاء الله تتشفى تمامًا وتخرج من الصمت ده 

رددت خلفه :

_ إن شاء الله 

ثم تنحنح قائلاً بجدية شبه آمـرة :

_ أطلعي برة معلش وخدي الباب في إيدك عشان عاوز اتكلم معاها في حاجة 

اومـأت بهدوء :

_ حاضـر 

غادرت بهدوء ليتجه سليـم نحـو ناديـن التي لم يهتز لها جفـن، وما إن جلس بحوارها واستنشقت رائحته المنفردة حتى نظرت له وهي تهمس بابتسامة :

_ سليم 

تهللت اساريره بفرحـة عارمة لم تُبقى خلية من خلايـاه إلا وتمرغت فيها، ليمسك يدها مرددًا بسعادة :

_ عرفتيني يا نادين، يا الله ماتتخيليش فرحان بتطورك ده أزاي ! 

جلس بجوارهـا ليبدء حديثه بسؤاله الهادئ :

_ نادين، إنتِ عارفة ياسين صح ؟ 

صمت .. ثم صمـت ثم هـزة رأس مؤكدة بابتسامـة !!! 

وكأنهـا كانت تبحـث بين جنبات عقلها عن اسم غيـره ولكن .. لم تجـد سواه تتذكـره كما كـان، فاشقت الابتسامة ثغرها دون تردد !!!! 

فأكمل سليم بحـزم حنون :

_ ياسين عايز يتجـوزك يا نادوو، موافقة عليه ؟ 

لم يجـد رد فسألها بود :

_ بتحبي ياسين يا نادوو ؟ 

اومـأت بلا تـردد بنفس الابتسامة الشـاردة، لتتسع ابتسامة سليم وهو ينهض قائلاً :

_ كدة تمام اوي 

ثم اخرج هاتفه ليتصـل بياسين وعيناه ترافق ناديـن التي عادت لرسمها مرة اخـرى، ليأتيه صوت ياسين المتلهف :

_ الووو ايوة يا سليم 

_ ياسين اية اخبارك ؟ 

_ مستني ردك على احر من الجمـر 

_ طب تمـام، حيث كدة بقا هات الحاجة الوالدة والوالد ونورونـا 

_ بجد، أنت مش متخيل فرحتني ازاي، روح اللهي ربنا يبتليك بواحدة تطلع عينك، آآ قصدي تفرح قلبك 

ضحك سليم قبل أن يردف بصوته الأجش ؛

_ ماشي يا مشاكس، يوم الخميس الساعة 7 بليل يناسبكم ؟ 

_ يناسبنا جدًا، ده انا هقوم ألبس من دلوقتي 

_ ماااشي، يلا مع السلامة 

_ سلام يا برنس 


اغلق الهاتف وهو يتنهـد بارتيـاح، إلتفت لنادين مرة اخرى لتقـع عيناه على الرسمة التي رسمتها .. 

وما أن دقق بها حتى أتسعت حدقتا عيناه صدمة حقيقية !! 

وهو يـرى ياسين وكأنه يتجسد امامه .. 

الصورة تمثله حرفيًا !!!! 

وكأن تلك الملامـح حُفـرت بذاكرتها بشكلاً من الذهب فكان من السهل أن ترسمها بذلك التطـابق !!! 

اقترب منها يربـت على شعـرها بحنـان خالص وهو يهمس :

_ كدة أنا اتطمنت إنك هاتكوني مع الشخص الصـح، من خلال معلوماتي عن ياسين، اقدر احط أيدي الاتنين في مياة باردة !! 

وما إن انتهى من جملتـه حتى سمـع صـوت عالي بالأسفـل و...... !!



يتبـع

تكملة الرواية هنااااااااااااااا








تعليقات

التنقل السريع