القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية شظايا قسوتة من البارت الاول الي البارت العاشر بقلم رحمة سيد كامله

 رواية شظايا قسوتة من البارت الاول الي البارت العاشر بقلم رحمة سيد كامله 






رواية شظايا قسوتة من البارت الاول الي البارت العاشر بقلم رحمة سيد كامله 


شظايا قسـوته 


الفصل الأول :


تحت أضـواء القمـر المنير الذى يسطَع بنوره الزهـي ليغطـي الكرة الأرضية، ليملئ القلـوب بالنور والأمل، ولكن القلوب الحالكة .. طيف نور لا يؤثر بها !! .. 

تحديدًا في منزل اشبه للقصـر، كانت تقف هي و قدماهـا ترتعـش، لا تقويـان على حملها فيحملان ما لا طاقة لها به، وخوف حقيقي يسيطـر على خلاياها كليًا !! 

دلفت الي المكتب، لتجـده يجلس كالعادة امام الجهاز الخاص به وأوراقـه .. 

تنحنحت وهي تقترب منه بالقهـوة خاصتـه، لينظـر لها بعينيه السوداء الحـادة كالصقـر، نظرة داعبـت خوفها المكبوت فانفجر وظهر !! 

لتُسقط كوب القهوة من يدها على الأوراق الخاصة به .. 

وكأنها اسقطت النيران على فتيل غضبه فصرخ فيها بحدة مفرطة :

_ أنتِ غبية مابتشوفيش ابدًا 

هـزت رأسهـا بخوف حقيقي وهي تغمغم متلعثمة :

_ أسفة والله أسفة مش قصدى 

بدء يلملم اوراقـه وهو مستمـر في زمجرته بوجهها كأنه لا يستغنى عنها ابدًا !! 

ولمَ كأنه ؟! 

فهو بالفعل القسوة والغضب جزئـان اساسيان في شخصيتـه .. 

قواعده وسلوكه جميعهم يرتكزوا على ذاك الجزء .. 

وهما ما يبعثـان الخـوف والرعب في نفوس الاخرين تلقائيًا كنسمات الهواء !!!

واستمر في صراخه بقوله الحاد :

_ اعمل أية انا بأسفك ده، الورق ده مهم جدًا، ده يمكن أهم منك أنتِ شخصيًا 

جـرح اخـر بفضل كلماته اللاذعـة التي تقطـر سمًا حقيقيًا يقتلها تلقائيًا !!! 

اسبوع واحد اقامته معهم ولكنه كان كالدهـر .. 

وكل مرحلة فيه تعلمت أن تتحمل الألم وتصمت عن الأهانات اكثـر .. 

ودائمًا ما تستقبل الاهانات منه ومن " خطيبتـه " الحمقاء على وتيـرة الصمت !! 

نظـرت لأول مرة وهي تلهث من انفعالها مرددة :

_ فعلاً ماكنتش قاصدة والله 

نهـض وهو يشيـر لها بعصبية هبت في وجهها فأسارت القشعريرة في جسدها :

_ لأمتى، هتفضلي تغلطـي وتقولي مكنتيش قاصدة لأمتى !!!!؟ 

نظـرت له ببلاهـة، أى غلـط هذا !!؟ 

أي غلط أكتنفته فتسببت في غضبه .. هي دائمًا تحاول أن تتلاشـاه نهائيًا !!!! 

ولكن لمَ لا يمكن أن يكون الخطأ في حد ذاته هو بعدهـا وخوفها اللانهائي ؟!!!

أطرقـت رأسهـا وهي تتراجـع للخلف ببطئ علها تمنـع أنفاسه أن تلفح صفحة وجهها الأبيض وقالت :

_ أعتبرها أخر مرة، بعد كدة هبعت لك القهوة مع أي حد 

ظل يقتـرب منها ببطى ... 

بطئ متعمـد ليلاعب أوتارهـا الحساسة !! 

وهي تعود للخلف أكثر .. 

كل خطوة تتراجعها وكأنه يُقسـم أن يتقدم العشـرات مثلها !!! 

حاصرهـا بذراعيه كالقيـود الحديديـة... 

قيود حقيقية لطالما تحكمـت بها ولكن السبب مجهـول ! 

وفعليًا لفحت أنفاسه صفحة وجهها الذى زحفت الحمرة له تلقائيًا من ذاك القرب الذى يُخدر حواسهـا .. 

مخدر لم ترغبه ولا تريـده !! 

ثم همـس بصوته الأجش :

_ أنتِ اللي هتجيبي القهوة وقت ما أطلبها، ماتنسيش إنك هنا مجرد خدامة بس، مش انتِ اللي هتتحكمي فينـا 

اومـأت بدموع بدءت تحاول الانهمـار من عينيهـا ولكن أبت النزول .. 

وكالعادة إبتلعت تلك الغصة المريرة في حلقها وهمست :

_ صح، أنا هنا مجرد خدامة فـ المطبخ 

ابتعـد قليلاً وقد إنقلبت ملامحه تمامًا للضيق لتنطلق هي راكضـة بحزن حقيقي أدمى قلبها !! 

وصلت لتلك الغرفـة الصغيرة التي تقيـم فيها بجـوار المطبـخ لتغلق الباب عليها وتبدء بالنحيب كالعادة وهي تتذكـر الذى جلبها لذاك المنزل واول لقاء لها بذاك الصقـر  ... 

فــلاش بــاك ..


ظـلام دامـس، ظلام يحيـط بهـا من كـل مكـان، خيوطه تكاد تغطي من حولها، و عصبـة قطنيـة تحيط بعينيها البنيـة لتمنـع عنها ذاك النـور ... ! 

ولكن أى نـور، هى لم تعرف للنـور معنى منذ وفـاة والدتهـا !! 

حياتهـا وتيـرة واحدة لا تتغير، سلسلة تتكرر يوميًا بملل...

 ولكن دومًا كان الظلام سيدهـا !!،

حيـاة بائسـة فعليًا واساس ذاك البؤس أب غير مبالى، وأم تركتها في الظلمات وتوفيت دون سابق إنذار ... 

ولكن يبقي النور الطفيف الذى لم ينطفئ حتى الان ... جدهـا الحبيب 

قطـع سيـل ذكرياتهـا المتقطـرة صـوت رجلاً أجش يقول بجوارهـا :

_ هنعمل فيها أية ؟ 

رد صوتًا اخر لم تعرف كلاهما :

_ مش عارف، كان لازمتها أية الورطـة دى

تأفف الاول مجيبـًا :

_ الفلوس، الفلوس هى اللي عملت كدة 

طرق الاخر يداه ببعضهما وهو يقول بغضب :

_ طب فكر معايا فــ صرفة بقي يا أستاذ، احنا اخدنـا فلوسنـا خلاص بس هنعمل اية ف المصيبة دى 

رد مسرعًا :

_ طب ما نرجعها لأهلها بقي 

صاح فيه منزعجًا :

_ نرجعها أزاى وهى شافت وشي يا غبي، كدة احنا هنروح فــ داهية 

تقـوس فمها بابتسامة ساخـرة بالرغم من سوءها إلا انها زينت ثغرهـا الأبيض بشفتاها الورديتيـن .. 

أشفـق عليها القـدر بنعمة جعلتها ترى وجه ذلك الوغد الذى اختطفها لتقاضيه حتمًا عندما يتركونهـا !! 

صورته حُفـرت بذاكرتها فعليًا، فأعطتهم كامل الحق للخوف منها .. 

نعم ستقاضيهم، من الأساس هذا شغلها الفعلي، محاميـة مجتهدة .. 

ولكن هل هي نعمة فعلاً .. أم نقمـة بسببها ستلعن ذاك اليـوم !!!؟ 

فجـأة صدح صوت احداهم العالي وهو يقول بسعادة :

_ لاقيتهااا 

سأله الاخر باستفهام :

_ اية دى ؟ 

اجابه بتفكير خبيث :

_ لاقيت فكرة جهنمية ياض

هتف الاخر مسرعًا :

_ الحقنى بيها بس تعالى برة 

خرجوا سويًا للخارج، تاركين اياها تنعى حظها وتبكِ قهرًا .. 

وهنـا جاء حكم القاضي على حياتها البائسة بصوته الخشن :

_ أحنا نوديهـا لبيت الصقر

حك طرف ذقنه محاولاً التذكير :

_ الصقر مين !!؟

تأفف وهو يلكزه بقوة متابعًا :

_ سليم الصقر يا أهبل، كدة كدة احنا بقينـا فـ البلد اهوو واهلها ف القاهـرة مش هيخطر على بالهم إننا مابقيناش فـ القاهرة 

سأله مرة اخرى مفكرًا :

_ طب هنوديها ازاى 

رفع كتفيه وراح يشرح له بخبث ؛

_ ياض ركز معايا، أنت عارف إن الصقر برغم قسوته إلا انه مابيبخلش على حد وبيمد إيده للمحتـاج 

اومـأ الاخر بتركيز :

_ امممم فعلاً، يبقي أحنا نوديها له على أساس إنهـا مجرد بنت فقيرة مش لاقية شغل وهنغير اسمهـا 

اومـأ  بتأكيد ثم قـال :

_ ايوة وكدة هو عمره ما هيعرف يوصل لأصلها، والبت هتفكر انه هو اللي خاطفها 

ضربه على رأسه برفق وهو يقول :

_ ايوة تمام 

غمـز له وهو يتجـه للداخل بسرعـة مغمغمًا :

_ طب يلا بسرعة عشان نلحق نغورها ونستمتع بالخمسة مليون 

اومـأ الاخر ثم استداروا متجهيـن لها مرة اخرى ... 

اقتـربوا منها، ونظـر احدهم لجسدهـا المرسـوم وملامحـها الجذابة التي تعطيها نكهة خاصة، بنظـرة امتلأت بالرغبة قبل أن يهمس بهمسة اثارت القشعريرة المريرة في جسدهـا :

_ طب ما نظبط نفسنا بيها الاول 

هـز الاخـر رأسه نافيًا قبل أن يهتف بتحسـر علي غنيمـة مثلها :

_ كان نفسي، بس للأسف مفيش وقت، أهلها اكيد مش هيسكتوا، ولا أنت ناسي دى بنت مين 

أهل !!! 

هل لهـا اهل من الاساس !!؟ 

مجرد حروف تسمعهـا يوميًا ولكنها لم تعرف معنـاها الحقيقي يومًا !!! 

لطالمـا كانت حبـال علاقتهم من حريـر .. 

تتهشم بسهولة من مجرد شيئ بسيط !!

ولكنها حروف عليها غمامـة من الهيبـة أمام اى شخص .. 

بعد ما يقـرب من ساعة تصاحب فيها الظلام، تشعر به كالصديق يرافقها هو فقط ليس سـواه !! 

ظلام اعتادته واعتادها منذ زمـن ... 

وصـلت .. وصلت إلي منزل " الصقر " ... 

دائمًا ملامحـها وتعابيرهـا تفضحانها، والان الذعـر والخـوف هم المسيطـران على صفحة وجهها الأبيض .. 

دلف أحدهم اولاً وبقي الاخر معها، اصبح امامها تمامًا وهو يزجرها بعينـاه قبل أن يقول محذرًا :

_ أسمعي اللي هقولهولك كويس 

نظـرت له بتساؤل متوجس ليتابع هو بهمس :

_ أنتِ من اللحظة دى أسمك سيلا ابراهيم، سيلا إبراهيم مش اى اسم تانى وانتِ فاقدة الذاكرة 

حدقت به قبل أن تسأله ببلاهة :

_ أنت عايزنى أغير أسم والدى كمان وامثل اني فاقدة الذاكرة 

شـقت وجهه أبتسامـة ساخرة ومن ثم غمغم بصوت مسموع :

_ كنت عارف إنك مش هتيجي بالزوق 

ثم أخـرج من جيبـه هاتف ومن ثم بعد دقيقة أولى لها الهاتف لتشهق واضعة يدهـا على فاهها .. 

جدهـا الحبيب وشخص ملثم يصوب سلاحه تجاهه من على بعد !!! 

والدقـات توقفت هنا، لن تخسـره .. هو العامود الرئيسي في حياتها البائسة، سينهدم كل شيئ إن رحل هو بالتأكيد !! 


تصاعدت الدماء لوجهها وهي تصرخ به :

_ أنت مجنون، جدو ماله حرام عليكوا 

نظـر لها بطرف عينيه وقال ببرود :

_ هاا يا أنسة سيلا، هتتشرفي كتير بإسم العيلة ولا عقلتي ؟! 

اومـأت موافقة برعب حقيقي :

_ هعمل اللي أنتم عايزينه بس ملكوش دعوة بجدو 

مـط شفتيـه واجابهـا :

_ ده أكيد، بس تأكدى فــ أي وقت لو خلفتي اللي أتفقنـا عليه او قولتى لأى حد أى حاجة يبقي تقرأي الفاتحة على روح جدك ! 

دمـوع حارة تلقلقت في ساحـة عينيها التي تشبه كوب القهـوة .. 

دمـوع قهـر وغلب من معانـاة بدت أبديـة، ولكن ستظـل تحوم بداخلها، لأن لن ولم تسمح لها بالهطول مادامت أمام اى شخص فهي القويـة المتينـة .. ظاهريًا !! 

وقفـت تنتظـر جكم قاضيها الظالم، وبعد ثوانى تقدم الاخر وهو يشير لهم مسرعًا :

_ يلا تعالوا بسرعة 

امسـك بيدهـا وهو يشدهـا مسرعًا للداخـل، ليدلفـوا إلى صالة واسعـة تابعة لذاك المنزل الكبير، أثـاث حديث ملفت للنظـر، والمنزل من طابقيـن .. واللون المسيطـر بجدارة، الأسـود فقط !!! 

وكأنه يعبر عن حياة من به ! 

وهبـط " سليـم " ... 

لتتعجب هي في نفس اللحظات !!!! 

شـاب في أواخـر العشرينـات من عمره، يمتلك بشرة قمحيـة وعيون سوداء حادة تناسب اسمه تمامًا " الصقر " .. 

يرتـدي " جلباب " أسمـر، شعيراتـه السوداء تكاد تصل لجبينـه .. 

ملامحـه تجذب من يدقق فيها وكأنه يرسمها بسحـر لا ينتهي مفعوله !!! 

اقترب منها ثم ظـل يتفحصهـا من اعلاها الى اسفل قدميهـا .. 

لم يستطع اخفاء نظرة الاعجاب التي لاحت في عينـاه .. 

فمـط شفتـاه وهو يقول باللهجـة الصعيدية :

_ مش بطالة يا ولد عمي 

اسرع الرجل في القول :

_ وفقدت الذاكرة يا حبت عيني، ف جولنا محدش هينصرنا غير الصقر اللي بيساعد الغلابـة 

اومـأ وهو مازال محدقًا بها ثم أمرهم :

_ طيب خلاص، عشان خاطركم هشغلها مع الحاجة فاطيما في المطبخ، هي بردو محتاجة حد كبرت في السن، والخالة جربت ترجع من السفر وعايز البيت يبجى على سنجة عشرة زى ما بيجولوا 

ابتسـم الرجلان بانتصـار، ليقول احدهم بامتنان حقيقي :

_ ربنا يخليك لينـا يا ريس ولا يحرمش الناس منك ابدًا 

ابتسـم بغرور ثم تابع :

_ خلاص بجى روحوا انتوا واعتبروها اتعينت اهه 

وبالفعـل إنطلقـوا مسرعين مهللين من امامـه، لينظـر هو لـها ثم سألها بنبرة ذات مغزى :

_ أسمك أية بقا ؟ 

فغرت فاهه بشكل مضحك ثم قالت ببلاهة :

_ أية ده ما أنت بتتكلم زينا أهوو 

اومـأ مؤكدًا وهو يجيبها بجدية معتادة منه :

_ ايوة، انا صعيدى اصيل بس درست برة 

كادت تهتف بشيئ اخر الا انه قاطعها بصرامة لاذعة وهو يشيـر لها :

_ على المطبخ، ماتتعوديش على الحديت الماسخ ده، الحاجة فاطيما حتفهمك كل حاجة مفروض تعمليها 

اومـأت بضيق بدءت يجتاحها ومؤكد سيزداد مع ذاك الصقـر !!! 

باك 

مسحـت دمعاتهـا الهاربـة، سيظـل بكاؤوها يوميًا وقهرهـا شيئ يُخفـي عن الجميع، حتى يعلن القلب نفاذ طاقتـه نهائيًا !!! 


                            *********


الجـو مشحـون بالتـوتر، وحالة من البؤس والتوتر قد سيطـرت على ذاك المنزل،  التوتـر من فقدان " الغالية " كما يلقبهـا جدهـا .. 

تساؤلات وبحث وقرارات صارمـة من الجد قد صدرت، وسحابة حزينة سوداء قد سيطرت عليه، جلس في منزله الكبير الذى يعيش فيه هو وابنـه .. 

على أحدى الكراسي الخشبية المهتزة التي تحركه تزامنًا مع عصبيته المفرطـة، صرخ في " أبنه " امامه بحدة مشيرًا له بيده التي ترتعش :

_ يعني أية يا عزت مش لاقينها، أقلبوا البلد عليها 

بينما " عـزت " ... جبـروت وبرود إرتسموا بدقة على تلك الملامح السمراء !! 

وقـف يتأفف بين كل حين ومين وكأن من فقدهـا ليست أبنته ابدًا 

اشـار لوالده وهو يقول بضيق :

_ يعني أعمل اية يا ابويا، دورت عليها وبدور بقالي اسبوع اهو بس شكل الخاطفين مارجعوهاش ومش هيرجعوها  

هـز رأسه نافيًا وهو يستطرد بجزع :

_ لا لا، سيلا مش هتستحمل الخطف والبهدلة 

مـط الأخر شفتيه وتابع بحـزن أصطنعه بمهارة :

_ منا عارف والله يابويـا، بس ده قدر ربنا حد يقدر يعترض ؟! 

هـز رأسه بعصبيـة ثم سأله :

_ لا طبعًا، بس أنت متأكد إنك عطيت لهم كل الفلوس اللي طلبوهـا 

واخيرًا استخدم الجدية لمرة وقال :

_ أيوة يابويا والله عطيناهم الفلوس، بس اخدوها وضربوا الراجل وهربوا ف اخر لحظة ومش عارفين نوصل لهم 

هـز رأسه نافيًا ومن ثم هتف بأصرار :

_ مليش دعوة أتصرف يا عزت، وإلا قسمًا بالله أنزل ادور على حفيدتي بنفسي، دي الغالية 

امتعض وجهه وهو يجيبه بخشونة :

_  خلاص يا بابا، أنا هدور تاني، ماتنساش الدكتور قالك أية، صحتك ماتستحملش 

لوى شفتـاه متمتمًا بحنق :

_ اما نشوف يا عزت 

وأنطلـق عـزت من امامه ليدعي البحث مرة اخرى .. 

واي بحث هذا .. هو لا يرغبها من الأساس !! 

هي مجرد " عبئ " يصعب التخلص منه فقط !!!! 


                           **********


كـانـت تجـلس هي في نفس المنـزل بالأعلى في غرفتها الخاصة بها وبزوجهـا، تحديدًا في غرفتهم الواسعـة، بأثاثهـا الحديث الذى يتناسب مع زواجهـا الذي لم يمـر عليه ثلاث سنـوات .. 

أرجعـت خصلاتهـا السوداء خلف أذنهـا لتنظـر لــ " أبنة خالتها " التي تجاورهـا ثم هتفت بصـوت قلق بعض الشيئ :

_ اختفاء سيلا كل الوقت ده مش مطمني ابدًا، والجد عمره ما هيسكت 

اومـأت الأخرى مؤيـدة ومن ثم تابعت بنبرة عاديـة غير مكترثـة :

_ أه منا عارفة يا رقيـة 

ظـلت تدور بعينيها في ارجـاء الغرفة وهي تفـرك أصابعها داعية :

_ ربنا يرجعها بالسلامة يارب 

أبتسمـت أمنيـة ثم همسـت بهدوء :

_ حقيقي اللي يشوفك كدة مايقولش إنها اختك من الأب بس 

فعليًا هي لا تعـرف ما الذر يربطهـا بــ سيلا لهذه الدرجـة !!؟ 

تعشقهـا وكأنها توأمها وليست أخت غير شقيقة، يربطهم رابط خفي متين لا يعرفانه حتى الان !! 

اومأت وهي تقـول بحب :

_ أنا بحب سيلا جدًا، معرفش السبب لكني بحبها اكتر من أي حاجة، يمكن عشان أحنا ملناش غير بعض 

اومأت امنية وهي تلكزها في كتفها متساءلة بتوجس :

_ سيبك من سيلا دلوقتِ وقوليلي أنتِ عاملة أية مع جوزك ؟ 

جالـت سحابـة حـزن عميقـة في سمـاء عينيها السوداء المكحـلة عند تلك السيـرة ... 

تلك السيرة التي لم تجلب لها سوى الألم والحـزن الحقيقي في طياتها .. 

ثم نظـرت لها وأجابـت بلامبالاة مصطنعة :

_ زي ماهو يا أمنية، دايمًا تهديدات بإنه هيتجـوز، وأنا زي ما تقولي أتعودت بقا 

إتسعت حدقتـا عيناها وهي تغمغم بتعجب يشوبه الضيق :

_ أنتِ هبلة يابت ولا أية، هي في واحدة تسيب جوزهـا يتجوز غيرها 

وفجأة صرخـت فيها بحدة .. حدة كانت من المفترض أن تنفجر بوجه ذاك الذى يدعى زوجها ولكن أخطأت مسارها :

_ يعني أنا الغلطانة يا أمنية عشان ربنا مش كاتب لي أخلف !!!؟ ، هعترض على حكم ربنا كمان، ولا أنا كان بأيدي أية أعمله وماعملتوش 

مـطت الأخرى شفتاهـا وقالت متهكمة :

_ لأ معملتيش اللي عليكِ، أنتِ ناسية إنك روحتي لدكتور واحد بس ومش عايزة تشوفي غيـره ؟! 

تـوتـر ... 

سيطر بجدارة على ملامحها البيضاء الهادئـة ..  

ثم نظرت للجهة المقابلة واجابت متلعثمة :

_ بردو آآ هو مـ آآ مش صابر وراح يتجوز 

غمـزت لها بطرف عينيها وقـالت بنبرة ذات مغزى :

_ أسمعي كلامي وصدقيني هتتحل 

هـزت رقيـة رأسها نافيـة بتصميم :

_ مستحيل ابدًا 

وفجأة فُتـح الباب ليدلـف " زوجها المصون " .. بجسـده العادي المتهالك وشعره الأسـود   ببشرتـه السمراء التي تزداد سوءً بملامحـه السمـراء ليهتف ساخرًا :

_ قطعت قعدتكم الجميلة معلش 

نهضت لتجيبـه بحدة :

_ في أية يا مجـدي دي بنت خالتي 

أشَارت لها أمنية بهدوء قائلة :

_ خلاص أنا اصلاً ماشية دلوقتِ 

كادت تسيـر من جـواره لتجـده يشير لها بيده متابعًا بنبرة جادة :

_ خليكِ، أنا حبيت بس أعرف زوجتي المصونة إني اتجـوزت وخلاص، وأجرت شقة ليا ولمراتي !!!!!!!! 


                             *********


_ يا أهلا وسهلا يا خالة، كيفك ؟ 


قالها سليـم بصوتـه الرخيـم وهو يتقـدم تجاه خالتـه الحبيبة التي اشتاقهـا، ملامحهـا التي حُفـرت في ذاكرته تحت خانـة الأحبـاء والذين لك يتخطـوا الأربعـة !!! 

احتضنهـا بشـوق حقيقي لم يظهـر سوى لها منذ عمـر .. 

لتقول هي بحب نابع من غرزيتها الأمويـة التي حُرمت منها : 

_ كويسة يا حبيبي، أنت عامل أية وحشتني أوي 

أبتسم بهدوء مرددًا :

_ وأنتِ اكتر يا حبيبتي، عملتي أية في السفر إن شاء الله تكوني بجيتي كويسة دلوقتِ 

اومـأت بابتسامة لم تـزول منذ أن رأته :

_ أه احسن كتير بفضل الله 

جلسـوا على الأريكـة في تلك الصالة الواسعـة ثم اقتربت خالته منه قليلاً وقالت بصوت متوجس :

_ سليم كنت عاوزة أتكلم معاك فــ حاجة 

نظـر لها باهتمام ثم سألها :

_ حاجة اية يا خالة أتفضلي جولي 

إبتلعـت ريقها بازدراء استعدادًا للرفض الحتمـي الذي ستواجهه الان بذراع من الصبر والأيمان .. والأصـول !! 

ثم تشجعت واستطردت :

_ كنت عاوزة أتكلم معاك بخصوص عمك يعني و... آآ 

قاطعها وقد ظهر قناعه الجامد القاسي وهو يشير لها :

_ للمرة المليون هجولك يا خالة لو بتحبيني جد ماتفتحيش معاي الموضوع ده تاني 

كـادت تعتـرض إلا أنه قاطعهـا بسؤاله الهادئ وكأن شيئً لم يكن :

_ شكلك تعبانة تحبي تشربي جهوة ؟ 

تلك النبـرة التي أعلن بها بوضوح نهاية ذاك الحوار الذي اصبح يمقته هي من جعلتها ترد باستسلام :

_ أيوة ياريت 

فنظر أمامه ونادى بصوت عالي :

_ سيلاااااا 

وبعد دقيقـة كانت تتقـدم هي بحاجبهـا الصغير الذي يزيـن وجهها ثم همست قبل أن ترفع وجهها :

_ نعم 

كاد يأمرهـا كعادتـه ولكن قاطعته همس خالته المصدوم :

_ مش معقول !!!!!! 


                            **********


يتبــع

شظايـا قسوتـه 


الفصل الثانـي : 


ظـلت " خالتـه " محدقـة في سيلا بصدمـة بدت لهم واضحـة كعين الشمس !! 

تدقق في تلك الملامـح التي كانت تعرفها عن ظهر قلـب لعل عيناها تخطئ !!! 

ولكن نسبة الحقيقة وكأنها تزداد مع مرور اللحظـات ... 

قطـع ذلك الصمت صوت سليم الأجش وهو يتساءل ببلاهـة :

_ في أية يا خالة ؟ 

واخيرًا إستطاعت السيطـرة على الصدمة التي أفترشـت على ملامحهـا المسنـة لتسرع مبررة بتوتر :

_ آآ مفيش يا سليم 

رفـع حاجبه الأيسـر وهو يسألها مرة اخرى بريبـة :

_ أمال اية ده اللي مش معقول ؟ 

أبتسمـت ابتسامة صفراء وهي تحاول معالجـة الأمر :

_ يا حبيبي يعني أقصـد جمالها مش معقول، بشرتها وملامحها وعينيها البني دي تجذبك كدة ليهم 

لم ينكـر .. بالفعـل لعينيها بريق وسحر خاص، سحر لن يتركك إن رأيته مرة إلا بعد أن تصبح أسيـر رحمته !!! 

ولكن قال لها باستنكـار :

_ متأكدة جمالها يا خالة ؟ 

اومـأت مؤكدة وهي تحاول قد الإمكان عدم التحديـق بــ " سيلا " وردت :

_ ايوة يا سليم امال هيكون في أية يعني !!؟ 

مـط سليم شفتيه بملل وهي يتابع :

_ بس على فكرة هي مش رائعة الجمال للدرجـة دي، جمالها عادي خالص زي أي واحدة بعيون بني وبشرة بيضة ؟!!! 

ابتسمـت الاخـرى بشرود مرددة :

_ واكيد شعر بني كمان 

ضيـق سليم عينـاه السوداء، ليتغلب طبع الصقر على طبعه المسالم بسؤاله الخبيث :

_ وأنتِ عرفتي منين ان شعرها بني إذا كان هي محجبة ؟!!! 

خطـأ !!! 

خطأ اخـر أمام " الصقـر " .. 

وفي قانونـه من يخطأ اكثر من مرتان فهـو " كاذب " ... 

وبالطبـع هي لا ترغب في فتح تلك الأسئلة التي لا تنتهـي .. 

لا ترغـب في فتح أبواب وسلاسل الأنتقام دون أن تدري !!! 

لتقول بتلعثم :

_ أنـا آآ أنا خمنت يعني يا سليم هو تحقيق ولا أية ؟! 

هـز رأسه نافيًا ليرد بهدوء : 

_ ما عاش ولا كان اللي يحقق معاكِ يا خالة 

نظـر لسيلا ثم قـال بصوت جـاد :

_ أعمليلنا أتنين قهوة لو سمحتـي 

اومـأت دون أن تنظر لهم ثم غادرت بهدوء، كان عقلهـا منشغل بكلام تلك السيـدة .. معرفتها بها جعلتهـا تشك بها ولو قليلاً .. وسؤال واحد يرتكـز بجدارة وسط سمـاء تفكيرها الغارق 

" هل تعـرف والدتهـا ؟! " ... 

بينمـا في نفس اللحظـات كان سليم يقول لها بهدوء :

_ اسمعيني يا خالة جميلة، دي البنت اللي قولتلك عليها اللي جابوهالي وقالولي انها فاقدة الذاكرة وعايزة تشتغل وانا شغلتها مع الحاجة فاطيما فــي المطبخ 

نظـرت له الاخرى باهتمام ليتابع فتابع بقوله المتوجس :

_ بس أنتِ عرفاني مابشغلش أي حد عندي وخلاص، بعت رجالتي يدوروا ويسألوا في كل حته عن سيلا إبراهيم عسى يلاقوا لها اهل، لكن في حاجة غريبة 

إبتلعت ريقها بإزدراء ثم سألته :

_ اية اللي حصل ؟ 

هـز رأسه ومن ثم أجابها بحيرة :

_ البلد كلها محدش يعرف مين سيلا إبراهيم خالص، والناس هنا كلها عارفة بعضهـا 

وقلـق عارم بدء في السيطـرة على مقاليـد كيانها كلـه .. 

يشـك !!! 

الصقـر يشـك، وإن اجتاحه الشك سينقلب كل شيئ رأسًا على عقب .. 

والمعنى الوحيد لذلك ... أنه سيعرف كل شيئ، وستشتغل شعلة مدمـرة و.. 

وعند هذه النقطـة ومن دون تردد وجدت نفسها تبرر :

_ لا لا يا سليم، أكيـد يعني محدش يعرفها أو اهلها مش ف البلد حاليًا 

هـز رأسه وهو يحاول إقناع نفسه :

_ امممم ممكن 

اومـأت هي الأخـرى، لتتابع :

_ اكيد يعني امال هيكون اية غير كدة 

اومأ ثم قال بإيجاز :

_ ماشي اتمنى كدة، بس أنا بقى فكرت ف حاجة عشان أعرف هي كذابة ولا صادقة وفاقدة الذاكرة 

طـرق القلـق بابها مرة اخـرى بلا منازع، ونظـراته تطـوفها كليًا ... 

فسألتـه بجديـة حاولت التمسـك بها :

_ ازاي يعني يا سليم ؟ 

أراح رأسه للخـلف وهو يقول بنبـرة أعلمتها أن كل شيئ قد ينتهي بلحظات :

_ انا اتصلت بالدكتـور، وخدت ميعاد، هنروح نعمل أشعـة ونشوف هي فعليًا فاقدة الذاكرة ولا لا 

ظلـت ناظـرة امامهـا ... رغبتهـا في عدم كشف أي شيئ توازي رغبته المتينـة في الوصول للحقيقة الكاملة .. 

ورغبة امام رغبة ولكـن .. رغبتهـا ستحاول - عنـوة - ان تجعلها تفوز بدافعها القوي .

فقالت بنبرة عادية بعض الشيئ :

_ اللي أنت شايفه صح أعمله يا سليم .. أنا واثقـة فـي كل قراراتك 

اومـأ بابتسامة صافية إحتلت ثغـره .. 

بينما كانت هي على الطرف الأخـر بالقـرب منهم، ترتجـف فعليًا .. 

ماذا عساها أن تفعل وكل كلامه مغلـف بالإصرار والجديـة ؟!! 

لن تستطيع ايقافه، ومن هي لتقف بوجه الصقر في شيئً يريد فعله !! 

ماذا ستفعل ؟؟؟! 

تهـرب ... 

وأي مهرب هذا، هي حتى لا تذكر انها رأت الشـارع الخارجي منذ قدومهـا !!!! 


                            *********


وصفحـة وجهها سطَورهـا غير مفهومة بالمرة، يملؤوها ضبـاب التعجب !!؟ 

او الصدمة الحالية ! .. 

نعم الحالية فأي صدمة هذه وهي تعي تمامًا أنه يومًا ما سيتزوج فعليًا !!! 

سيتزوج وسينجب قريبًا، وهي .. هي زوجـة ليست كاملة !!!! 

شعرت بغصة مريرة في حلقها عندما تيقنت تلك الكلمة .. 

يجب أن تتهيئ لسماعها مرارًا وتكرارًا !!

وسألته باستنكـار حقيقي :

_ اتجوزت !!؟ 

اومـأ وهو يجـيب ببساطة لا تليق بموقف كهذا :

_ ايوة امال انتِ كنتِ مفكرة أية ؟

رفعـت كتفيهـا لتقول باستهانة :

_ لا مكنتش متوقعة، أنا عارفة إن مسيرك تتجـوز يا مجدي 

اومـأ مجدي وهو ينظـر لها بأمعـان ... 

ألم تكن تلك من من تزوجهـا لأنه يحبهـا ؟! 

يحبها !!!!! 

وهل من يعـرف الحب يومًا يتخلى عنه بهذه السهولة ؟! 

لا هو لم يتخلى، هو أراد صبي من صلبـه، جدار يستنـد عليه في الكبر !! 

بينمـا نهضـت أمنيـة لتقـول بهدوء حذر :

_ طيب عن أذنكم أنا بقـى 

سـارت متجهة للخـارج بخطـى مسرعـة، وكادت " رقيـة " تلحق بها إلا أنه أمسـك بيدهـا يجذبهـا نحـوه ليقول وحروفـه تقطـر لومًا لم يُخفى عليها :

_ لية بتعملي كدة، لية بتعذبينا أحنا الاتنيـن 

نظـرت له بحـدة، حـدة تمعنت عيناهـا لتُخرج شرارات حارقة وردت :

_ مش أنا اللي بأعذبك يا مجدي، أنت اللي بتعذب نفسـك من يـوم ما فكـرت تشرب الزفـت المخدرات 

والى متـى سيلـوم نفسـه على غفـوة شيطانية !!؟ 

نـال قدرًا كافيًا من البُعـد .. والحزن والعتـاب .. 

أراد العـودة ... ولكنها بدت بعيـدة جدًا عن نقطة إستطاعتـه .. 

وللمرة التي لا يذكر عددها أردف :

_ لحد امتى هفضل أقولك إني بطلت الزفت 

رفعـت كتفيها وهي تقول بجدية :

_ وأنا ايش ضمني إنك ماترجعلهاش في اي وقت ؟ لية أحط إيدي تحت سنان النمـر ؟؟ 

جذبهـا لأحضانـه، يتأوه بخفـوت من فرط شوقـه لها .. 

شـوق امتدت جذوره لدرجة رجاءها، ولكنه قطعـه بسكيـن كرامتـه وشخصيته الشرقية .. 

غمس رأسـه عند رقبتهـا، يملأ رئتيـه بعبيرهـا الذي وكأنه يعيد تنشيط خلايـاه كليًا .. 

ليقـول بصوت اُرهـق حرفيًا :

_ أنا تعبت، وزهقـت، كفاية بُعد، كفايـة لوم كفاية بقـا 

هـزت رأسهـا نافيـة لتهمس له :

_ أنا تعبت أكتر، انت هتروح تتجوز، لكن أنا، أنا هفضل طول عمري معنديش طفل يقولي يا ماما !!! 

شيئ من الألم إرتسـم على ملامحـه الخشنـة، كيـف لا وكل وغـزة ألم تشعر بها وكأنه يقتسمهـا معها !!؟ 

ليبادلها الهمـس الهادئ :

_ صدقينـي أبني مش هيقولك غير يا ماما

نظـرت في عينـيه، وتعلقت بأخـر حبل للأمـل والحب بينهما لتقول بما أشبه للرجـاء :

_ ماتتجوزش يا مجدي، طلقهـا !! 

هـز رأسـه نافيًا .. لينقطـع ذاك الحبل رويدًا رويدًا مع قوله :

_ مش هينفع، للأسف مش هينفـع، لو أنا سكت أهلي مش هيسكتوا، عايزين يشوفوا حفيد ليهم في أقرب وقت 

حاولت الابتعـاد وهي تصرخ في وجهه مزمجـرة بغضب :

_ طول عمرك هتفضل كدة، تحت طوع أمك بس 

وصفعـة كانت الـرد !!! 

صفعـة لم تأخذها منه يومًا .. واليوم كـانت مع دعـوة صريحـة منه للأبتعاد إن كان هذا  هو قربهـا !! 

ليصيح فيها حادًا :

_ اولاً صوتك مايعلاش عليا، ثانيًا لازم تعرفي ازاي تتكلمي مع جوزك يا هانم

اومـأت والغضب يتطاير من مقلتاها، لتكمل بعدها بنفس الغضب :

_ ماشي يا مجدي ماشي، بس تأكد إنك مش هتلمس مني شعـرة 

وطـوال قاعدة حياتـه كان رده جملة قصيرة مع - ضرورة التنفيذ - ليجذبها في لحظات يطبق على شفتاها الصغيرة بغضب وقسـوة، وقوة من المفترض ألا تواجهها هي .. ليبتعد بعد دقيقة تقريبًا وهو يتابـع بخشونة :

_ وقت ما أحب أقرب منك هقـرب، بس أنا قرفان منك دلوقتِ 

وأنطلق مغادرًا تلك الغرفة التي شهـدت حديثهم - المهـين - لتهوى هي على الفـراش بغلب، واخيرًا اعطت الأذن لدموعها لتنفجـر شلالات على وجنتاها البيضاء، لتهمس لنفسها بأسف حقيقي :

_ دي كانت أخر فرصة عشان تثبتلي فيها إنك باقي عليا، لكن للأسف ضيعتها !! 

ومالت على - الكمديـن - المجاور للفراش لتفتح الدرج وتأخذ قرص - لمنع الأنجـاب - وهي تغمض عينيها بألم !!!!! 


                            *********


كـانت " سيلا " تعمـل بالمطبـخ شاردة، هائمـة وحزينـة .. 

تلك العينـان البنية التي كانت تمـوج فرحًا وشقاوة طفوليـة، الان اصبحت تموج حزنًا وخوفـــًا !! 

خوفًا من ذاك الصقـر الذي وكأنه قاصـد تمثيل حروف أسمه على شخصيته حرفيًا !!! 

أقتـربت منهـا تلك السيـدة الكبيرة - عمرًا -  التي تحمل ملامـح تنم عن طيبتهـا الفطريـة .. 

أقتـربت من سيلا لتعـدل من وضع الحجاب الكبير الأسـود الذي يغطي خصلات شعرها التي بدءت تصبح بيضاء والذي يرتدونـه - عادةً - في مدن الصعيـد 

لتربت على كتفها بهدوء مرددة :

_ مالك يابنيتـي ؟ 

رفعـت عينـاه لتقابل نظراتها المشفقـة !! 

تلك النظرات التي كانت دومًا تكرههـا .. ولكن الأن وبكل صراحة هي تحتاجهـا، تجتاح لتراهـا تنغمس بين حروف وكلمات ذاك الصقـر ولو لمرة !!! 

فهمست لها مجيبة :

_ تعبت أوي يا خالة فاطيمـا 

سألتهـا بأشفاق حنون :

_ مالك يا عيون الخالة فاطيما، اية اللي مخليكِ على طول مهومة إكدِه يا بتي ؟ 

البـوح بالسـر !!! 

وهل لها فرصة كهذه من الأسـاس ؟

هل تبـوح وتخرج ما في صدرها من همـوم لم تعد لديها القدرة على أحتمالها

وتخاطـر - فعليًا - بأحتمالية معرفة الصقر بذاك الكلام !!!

دقاتها اختنقت من كثرة الاحتباس، وعقلها تشتت من فرط التفكير وحرفيًا 

" أعان الله قلبًا نقيًا صافيًا رغم شدة الكـرب لا يبـوح " 

نظـرت لها لتتابع - بتمويـه - :

_ كل حاجة تعبتني، حاسة إني مخنوقة أوي أوي 

سألتها مرة اخرى بحزن :

_ لسة مافكراش حاچة يابتي ؟ 

إبتلعت ريقها بصعوبة وهي تومئ مرتبكة :

_ اه للأسف، وحاسه أني مش هفتكر ابدًا 

هـزت الأخـرى رأسها نافيًا، لتقول بإيمان صادق خرج في صورة امل لــ سيلا :

_ ماتجوليش إكدة يابتي، ربنا بيجول " أنا عند ظن عبدي بي " ، اوثجي في ربنا إنه مش هيحطك في حاچة إلا لو فيها خير او امتحان ليكِ 

ابتسمت سيلا بامتنان لم يتخط حروفها :

_ ربنا يخفف عنك يا حاجة فاطيما زي ما بتحاولي تخففي عن غيرك 

مسدت " فاطيما " على حجاب سيلا لتكمل متساءلة بفضول :

_ لكن أنتِ لجـوكِ فين يا بتي يمكن أهلك في نفس البلد ؟ 

عضـت سيلا على شفتيها بحيرة شديـدة، لتجيب بعدها مصطنعة التفكير :

_ حقيقي مش فاكرة، أنا كنت اللي كنت بحاول اعمله إني أستنجـد بأي شخص اشتغل وخلاص 

اومـأت برأسها لتبتسم مرددة بهدوء :

_ ربنا معاكِ يا حبيبتي 

وخاطـرت بالفعل وهي تسألهـا بما يشبه الرجاء الحار :

_ هو انا ينفع أطلب منك حاجة يا خالة فاطيمـا 

اومأت بتأكيد وهي تهتف بلا تردد :

_ أكيد لو في استطاعتي ماهتأخرشي عنك أبدًا يا بنيتي 

استطردت - مغمضة العينين - بتردد :

_ ينفع تخليني أخرج من هنـا 

عقـدت الاخرى حاجبيها متساءلة بشك :

_ لية يا سيلا، أنتِ مش جولتي إنك عايزة تشتغلي على الأقل لحد ما تفتكري كل حاچة يا بتي ؟ 

اومـأت سيلا مؤكدة وسارعت تبرر :

_ عايزة أشوف أهلي وحضرتك عارفة إن سليم بيه مش سامح لي إني اخرج خالص طالما جيت بيتـه 

هـزت رأسها نافية لتدافع عنه بصوت جاد وهادئ معًا :

_ يا حبيبتي سليم بيه هو طبيعته كدة ما بيثجش في اي حد بسهولة، وهو مايعرفكيش وبما إنك دخلتي بيته مش مسموح إنك تمشي لحد ما يتأكد إنك مثلاً مش جاسوسة او واحدة مزجوجة عليه، دِه راجل اعمال كَبير جوي وليه أعداء كتيـر 

اومـأت بيأس، وفجأة لمعت عيناهـا وهي تردف :

_ طب حتى أعمل تليفون صغير ؟ 

هـزت رأسها نافية بأسف :

_ اعذريني يابتي انا اكل عيشي هينجطع لو سليم بيه عرف بحاچة ، انا اسفة 

هزت رأسها بابتسامة صفراء مرددة :

_ ولا يهمك يا حاجة، حقك طبعًا 

وإنقـطع أخر امل لها ... وانتهى الأمر !! 

ولكن هل هو بدء بالفعل لينتهي ؟ .. 

ام تلك مجرد - بداية حتمية - ؟!!! 


                            *********


كـان سليم يهبـط من غرفتـه العلويـة، ليقابـل سيلا التي كانت تسير مسرعـة وهي تطالع الأرضية الرخاميـة، كادت تصطدم به وتقـع، لولا إعتقاله لخصريهـا النحيفيـن، إعتقال صادم أربكهـا بشدة وجعل الحمرة تزحف لوجنتاها الناعمتيـن، لتحاول النهوض وهي تقول متلعثمة :

_ أسفة مـا آآ ماخدتش بالي 

كـز سليم على أسنانه بغيظ ومن ثم قال بحدة :

_ مخدتيش بالك بردو !!؟ ومين كان واخده بالك ده !؟ 

للحظـة أعتقدتـه يتحدث بجدية، ملامحـه الجادة والحادة هي ما زودتهـا بأعتقاد ابله كهذا ففغرت فاهها :

_ نعم !!! 

انتصـب في وقفته وهو يبعدها عنه ليأمرها بجدية :

_ ابقي خدي بالك بعد كدة، أنا مش عايش مع بنت اختي بتلعب في البيت 

يمـزح !!! 

أهو يمـزح بالفعل ؟! 

لا لا هي تحـلُم !!!! الصقر لا يمزح ابدًا .. 

ام استجاب الله لدعاؤوها بهذه السرعة !؟ 

وسقطت من سماء الهدوء النفسي لأرض الحقيقة الحادة بقوله : 

_ روحي شوفي شغلك بلاش دلع ماسخ امال 

نظـرت له بحرقة ثم صاحت فيه :

_ انا معملتش حاجة لده كله !! 

نظـر لها نظـرة داعبت خوفها المكبـوت، لتصمت فورًا ولكنها حاولت أن تبقى نظراتها حادة ليقول بخشونة معهودة منه :

_ لما تتكلمي تتكلمي بأحترامك يا أنسة هه 

عضـت على شفتاهـا لتتابع حانقة :

_ إنسان دبـش 

جحظت عيناه وهو يسألها بصدمة من جرأة تلك الفتاة التي مؤكدًا تريد في تفتتيت حياتهـا البائسة لمجرد شظايا !!!! : 

_ أنتِ قولتي أية ؟ 

ابتلعت ريقها وهي تلعن لسانهـا الأحمق الذي يتفوه - دفاعًا - دومًا دون الرجوع لعقلها لتسارع بالقول :

_ معلش معلش 

ثم ركضـت مسرعة من امام ذاك الاعصار الذي كاد يهب بوجهها لتظهر شبح ابتسامة على ثغره وهو يهمس :

_ طفلة والله 

وسرعان ما اختفت وهو يعود لطبيعته الحـادة متعجبًا من تلك الابتسامة التي ظهرت على وجهه خلسة !!! 

وكاد يخرج إلا أن قاطعه مناداة خالته الهادئة :

_ سليم 

إلتفت لها يجيبها بتهذيب :

_ خير يا خالة ؟ 

اجابته بهدوء متساءلة :

_ رايح لــ " ناديـن " مش كدة ؟

اومـأ سليم مؤكدًا :

_ أيوة يا خالة، إنتِ عارفة إن ده ميعاد زيارتهـا 

اومـأت وهي تبتسم له متمتمة :

_ ربنا يديك على اد نيتك يابني، بس قولي 

سألها مضيقًا عينـاه :

_ اية ؟ 

سألته بتردد بعض الشيئ :

_ انت هتاخد سيلا امتى للدكتور اللي قولت عليه هيكشف عشان تتأكد 

سـار وهو يجيبهـا بجدية هادئة :

_ اول ما اجي إن شاء الله 

اومـأت بهدوء موافقة وردت :

_ ربنا يوفقك يا حبيبي 

_ أميـن .. تسلميلي 

قالها وهو يخرج بشموخه المعتـاد، تاركًا اياها تفكـر لتنفيذ ما ألقت خيوطها عليه حرفيًا !


                          **********


عـاد عـزت بعـد طول بحـث دام لساعات تقريبًا، بحـث لم يفعله ابدًا بأتقـان بل يصطنعه !!! 

دلف الي غرفة والده، ليجد حاله كما هو منذ رحـيل سيلا ليطـرق رأسه آسفًا :

_ اعذرني يا بابا ملقتهـاش 

حدق به الجد بقوة ... لا يكاد يصدق أن فقـد صغيرته المدللة 

فقد أخـر شيئ كان يعيش من أجله في هذه الحياة .. 

وإن فُقــد الدافـع فمؤكد .. تزول الرغبة ! 

سأله وكأنه لم يستوعب بعد :

_ يعني أية ؟ 

رفـع كتفيه ليجيبه بشيئً من البرود :

_ يعني مش لاقيها انا يأست خلاص إني ألاقيهـا 

صرخ فيه أبيه منفعلاً :

_ لا، مستحيل هتكون راحت فين، مش ف الاقسام او المستشفيات او اي دار او اي مكان هتكون راحت فين، بس انا متأكد أنها عايشة 

لوى عزت شفتـاه ليقول هذه المرة بحزن لم يصطنعه :

_ انا مش عارف اقولهالك ازاي يا حج والله 

سأله متوجسًا وهو يضع يداه بجوار قلبه :

_ في اية يا عزت انطق على طول 

اشار له مهدئًا :

_ طب اهدى يا حج كدة عشان صحتك 

صرخ فيه بنفاذ صبر ؛

_ انطق ماتشلنييييش يابني 

_ سيلا ماتت يا بابا 

نطق بها وهو يغمـض عينـاه بحزن حقيقي لم يستطع منعه من السيطرة على ساحة عيناه !!!!! 


                            **********


شظايا قسوته 


الفصل الثالث : 


شعـر بالكون يدور من حوله ... 

ماتت !!!!!!! 

كيف ومتى !! .. لا لا هي ما زالت على قيد الحياة، شعور فطري يؤكد له ذلك .. 

وإن لم تكن أبنتـه ولكنها أغلى من أبنته .. 

ظل يهـز رأسه نافيًا بقوة .. 

قانـونه الحانِ لا يُقبل به شيئً كهذا !! 

ونغـزة قوية نبعت من دقاته الأبوية التي كادت تتوقف فصرخ في وجهه :

_ كدااااب بنتي عايشة أنت قولت إنك مش لاقيهـا 

هـز رأسه نافيًا ليقول بعدها مبررًا :

_ قولت إني مش لاقيها لانها ماتت 

سأله دون تردد :

_ عرفت إزاي ؟ 

 أغمـض عيناه ليقول بعدهـا متأثرًا :

_ بعتولنا صورتها وهي مرمية ميتة، عشان مانتعبش نفسنا وندور عليها 

كـز على أسنانه وهو يسأله مرة اخرى :

_ وعرفوا ازاي إننا بندور عليها ؟ 

اجابه متأففًا :

_ اكيد مراقبينـا يا بابا 

هز رأسه نافيًا ومن ثم قال بأصرار :

_ لا أنت بتكذب عليا عشان أبطل ادور عليها 

زفـر الأخر زفرة ضيق حقيقية ليشرح له محاولاً إقناعه :

_ لا طبعًا يا بابا، صدقني دي بنتي قبل ما تكون حفيدتك، انا يمكن اكون باين متهاون وبارد لكن ده عشان انا يأست، وفي اختها محتاجانى دلوقتِ، وبعدين والله مش هستفاد حاجة لو كذبت عليك 


جلس على الكرسي الخشبي بهمـدان حقيقي ... لم يعد يحتمل صدمة كذلك، لا الدقات الضعيفة عادت تحتمل .. 

ولا ذلك العقل الذي شـاب يحتمل ضغط مفاجئ كهذا .. 

وفجأة سقط متأوهًا بألم .. 

ليركـض عزت بأتجاهه مسرعًا بلهفة :

_ مالك يابويا مالك يا حج فيك أية 

كان يضع يداه على قلبه وكأنه يريد إيقاف الألم الذي يزداد .. 

وهمس وهو يختنق :

_ هموت مش قادر 

واغمض عيناه ليصرخ الاخر بجزع وهو يحاول حمله لينقله لأقرب مستشفي !!! 


                          ********


وصـل سليـم الى " دار خاصة للأيتام " ليترجل من سيارته بهدوء لا يفارقـه كظلـه .. حتى دلف متجهًا نحو غرفة " نادين " ، تلك الأخـت - معنويًا - والتي يلتزم بزيارتها في ميعادهـا ..  

وكأنها فعليًا كالدواء او الادمان لا يستطيع الأبتعاد عنه !! 

ولمَا لا .. فهي بالفعـل تذكـره بما مضى .. 

ولكن تذكره بالجـزء الذي ينعشـه ويجعل السعـادة تغمره كليًا وكأنها تسلط الضوء عليه لتنيره دون إرادةً منها !؟ 

دلف إلى غرفتهـا ليجـد الممرضة بجوارها كالعادة .. 

ابتسم بمجرد أن وقعت عيناه عليهـا ليقترب منها محتضنًا اياها وهو يهمس بأشتياق حقيقي :

_ وحشتيني يا نادو 

ولكنها - أسفًا - كانت كالجسد بلا روح !!

عيناهـا الزيتونية شاردة امامها في اللاشيئ .. ولكنه ليس بشرود مؤقت يجتاحها لتعود لطبيعتها .. 

بل هو شـرود " أبـدي " يسيطر عليها !!!! 

لم يجـد أي رد فعل فأمسك بصفحة وجهها الأبيض بين كفي يده السمراء ليسألها متوجسًا وهو ينظر لوجهها الواجم :

_ نادو حبيبتي أنتِ سمعاني، أنا اخوكِ سليم مش فكراني ؟ 

بالطبـع لم يجـد أي رد فعل.. 

زفـر بضيق وهو يبتعـد عنهـا ليسأل الممرضة بنبرة جادة :

_ لسة على نفس الحالة ؟ 

اومـأت وهي تجيبه بأسف :

_ للأسف اه، وكأننا مابنعملش اي حاجة طول الشهور دي، من ساعة ما حضرتك جبتها وهي كدة، لا بترد على حد ولا بتكلم حد ولا حتى بتبص على حد 

زفـر بضيق قبل أن يسألها مرة اخرى :

_ طب حتى لو حصلت أي حاجة ماتنتبهش 

هـزت رأسها نافية لتبدء الشرح له :

_ بردو لا، لو كانت أقل من 3 سنين كنا قولنا ده مرض التوحد، لكن دي 23 سنة تقريبًا فالتوحد لو كان عندها كان ظهر من سن 3 سنين او اقل، وحضرتك قولت إن يوم ما جبتها كانت بترد ولو بهزة راس ؟!

اومأ موافقًا بحزن لتكمل :

_ بس عامةً في دكتـور نفسي جه جديد  بقاله أسبوع تقريبًا بيستكشف وبيدرس حالتها وهيبدء يقعد معاها من النهاردة 

اومـأ مغمغمًا بامتنان :

_ متشكر 

ابتسمت مجامـلةً لتخرج بهدوء تاركـة اياه يجلس بجوار ناديـن .. 

وعينـاه تمـوج حزنًا حقيقيًا، حزنًا شعر به من مجرد شعور هاجس بأنه يخسر عائلته مرة اخرى !!!! 

جلـس لجـوارهـا ... لينظـر لها وقد زين ثغره ابتسامة اشتياق - منكسـرة - 

ليتحدث وكأنها تسمـعه :

_ عارفة يا نادين، أول ماشوفتك فكرتيني بأبويا اللي خسرته ..

صمت برهه يبتلع تلك الغصة التي ألمته في حلقه ليتابع باختناق :

_ وبتفكريني بأمي اللي خسرتهـا وادام عنيـا

نظـر لعينيها تحديدًا ليبتسم تلقائيًا وهو يستطرد :

_ وبتفكريني بالأخت اللي كان نفسي فيها تكون جمبي دلوقتِ تخفف عني

تلقلقـت الدمـوع التي كان يحتجزها في جحـر القسـوة المكبوت .. 

لتلتمع عينـاه ببريق الحرمـان الأسري!! 

وفجأة شعر بيدهـا تمسح تلك الدموع !!!!! 

جحظت عيناه بصدمـة .. 

لقد تحركت !!!! 

أثـرت بها تلك الدمـوع لتداعب الحنان التي اختزنته هي بالمقابل ؟! 

وبعد أن استوعب نهض مهللاً بأبتسامة :

_ نادو حبيبتي أنتِ حاسه بيا صح، سمعاني وفاهمة أنا بقول أية 

 وبالخـارج امام نفس الغـرفة التي تقطـن بها ناديـن .. 

كان يقـف هو بمنكبيه العريضين الذي يغطيهم معطفه الأبيض الخاص بالأطباء، يرتـدي نظارته الشمسية علها تغطـي عيناه البنيـة التي مثبتة فعليًا على " نادين " من خلف الزجـاج !! 

تراقبهـا دائمًا وحتى دون الأذن منه !!!

تجبـره على التأمل لتلك الغابات الزيتونية الشاردة وكأنهما يلتقيان في مـلكـوت أخر ... 

أستفاق من شروده على صوت الممرضة وهي تناديه مسرعـة :

_ دكتور ياسين، المريضة اللي حضرتك هتدخلها اخوها بيقول إنهـا تجاوبت معاه بتحريك ايدها ياريت حضرتك تيجي تشوفهـا 

اومـأ مسرعًا بهدوء ليرد بصوته الرجولي :

_ جاي وراكِ حالاً 

اومـأت لتوليه ظهرهـا ليبتسم هو ابتسامة صافية واساسًا قد رأى ما حدث بتلك العينان التي لم تكـف عن مراقبتهـا !!!! 

فسـار متجهًا لها بحمـاس شديد ... 


                            *********


كـانت " رقيـة " في غرفتهـا، كلمـا تخيلته مع زوجتـه الثانيـة الان شعـرت بالدمـاء تغلي بين أوردتهـا .. 

ولكن تبقى هي من تركتـه !!! 

هي من قدمت لها تلك الفرصة لتقتلها بها رويدًا رويدًا !! 

نهضـت متجهة الى الدولاب الخاص بهم، لتفتحه بغل ثم اخرجـت ملابسـه ومن ثم اتجهت للكمدين لتجلب المقص وجلست على الفراش لتبدء بقصهم جميعًا !!!! 

ظلت تردد بهيستريا :

_ خااااين خااين نـدل اتجوز 

لا تعـرف لمن تردد هي تلك الكلمـات !؟ 

لها لانهـا هي التـي تركـت الخيوط التي بينهم تذوب وخانت عهدهـم !!

ام له لأنـه سيتزوج مرة اخرى من دون أن يضيع وقت ؟! 

ام هذه الكلمة خرجت - تلقائيًا - لكلاهمـا !!! 

ما إن انتهت حتى وجدته امامها، شهقت وهي تضع يدها على فاهها بصدمة من تواجده المفاجئ :

_ اية !!!! 

مـط شفتيـه بسخرية مجيبًا :

_ شوفتي عفريت ولا اية ؟ 

كـزت على أسنانها بغيظ حقيقي لتجيبه :

_ لا بعيد عنك أسـوء 

ضغـط بقبضة يـده ... وتنفسـه الغير منتظم كان دليل لها على تمالك نفسـه بصعوبة !! 

ليقول بعدها مزمجرًا :

_ رقية، ياريت لما تتكلمي تعرفي تتكلمي ازاي مع جوزك ومش هحذرك تاني ؟! 

رفـعت كتفيها لتقول باستهانة غير مقصودة :

_ اية هتعملي اية وأهلي عايشين معانا في نفس البيت ؟ 

والغيظ تعـدى كل المراحـل المسموح بها .. 

ليصبح في مرحلة - خطيرة - فعليًا قد تتحـول لشرارات تتقافز منه لتحرقها دون رحمة !!! 

فصاح فيها بحـدة اخافتها قليلاً :

_ أقدر اعمل كتير، واقدر اشتكيكِ لأهلك واقول بنت الأصول مش مخلية جوزها يجي جمبها بقاله شهر يمكن !! 

وتحـول ما في حدقتيها من غضب وغيظ لرجـاء حار وهي تهمس :

_ لو سمحت أهلي مايعرفوش حاجة، حتى جوازك انا مخبياه عليهم، كفاية عليهم خطف سيلا وتعب جدي اللي في المستشفى ده !! 

سألها مستفهمًا :

_ ماله جدي ؟ 

اجابته وقد تلقلقت الدموع في عيناها :

_ تعب وابويا اخده المستشفى ومعرفش اية اللي حصل بينهم خلاه يتعب كدة

سألها بتوجس :

_ طب وحصل اية ؟ 

اجابته وهي تحارب لمنع دموعها من الهطول بغزارة : 

_ بابا قال هيتصل يطمني لما يروحوا 

قال مسرعًا :

_طب هتصل بأبوك واروح اشوفهم

هـزت رأسها نافية بأصرار :

_ لا بابا قال ان شاء الله مش هنطول ومحدش يجي غشان منعملش شوشرة عشان الصحافة كمان 

للحظـة كان سيسحقهـا في عناق قوي يمتص منها تلك الهالات الحزينـة !! 

رجاؤوهـا كان كالسحـر عليه يجعله كطفل مطيـع !؟ 

ومن قال إن اللين لا يجدي نفعًا ؟؟ 

فمعه يجدي نسبة لا تعد من النفع ... 

أمسـك كتفيهـا برفق يقول :

_ متقلقيش محدش هيعرف حاجة وان شاء الله الجد هيكون بخير 

تمتمت متمنية :

_ امييين يارب يا مجدي 

ولم تعطه الفرصة وكأنها ضمنت فعادت تسخر :

_ وأنت أية اللي جابك هنا مش المفروض تبقى مع العروسة الجديدة فــ اول ليلة ؟ 

هـز رأسـه نافيًا، ويجهل ما جعل لسانـه الذي اُحكم تحت قلبه يجيب بدلاً من عقله القاسي ليرد :

_ أنا عايزك أنتِ مش عايزهـا هي 

بدت له مرتبكة .. 

خجولة بعد سنتين الزواج !!! 

دقاتهـا تسرع من اللحن الذي راق لها .. 

وعيناها تبحث عن مهرب من حصار عيناه التي تود فضحها .. 

لتسمعه يقول بعدها مداعبًا :

_ أية فين صوتك القطة أكلت لسانك ولا اية ؟ 

فأجابته حانقة :

_ لا لسة موجود 

عادت لهجته تلين وهو يقترب ليلصق جبينه بجبينها :

_ لية بتحرمينا من بعض ؟ 

من بعض !!!!! 

وكأنه قرء الشوق له بين سطور عيناها التي فضحتها فما عاد يتحدث عن نفسه فقط !!! 

هـزت رأسها نافية لتتابع بعند :

_ بس ياريت متقولش من بعض لو سمحت !! 

ومن ثم استطردت بنبرة مختنقة :

_ وهجاوبك، عشان انا بقيت مانفعش وفي واحدة بدالي وآآ .. 

اسكتهـا بقبلته العاصفـة.. 

القبلة التي هدمت كل حصونها وشفتاه تصل لمآوها اخيرًا بعد طول انتظار !! 

والشوق كاد يقتله إن كبته اكثر من ذلك ..... 

ليبتعد قليلاً لرغبته في الهواء وهو يتابع لاهثـــًا :

_ ابدًا .. محدش يقـدر ياخد مكانك، هي مجرد اسم زوجة 

هـزت رأسهـا نافية، لتكمل بحزن :

_ الكلام ده زمان لما كنت أنا مراتك الوحيدة وأنت جوزي حبيبي، قبل ما تدخل حد تالت بيننا 

وقبلة اخرى كانت الرد .. 

قبلة يعبر لها فيها عن مدى خطأ حديثـها اللاذع .. 

ودون شعور منها تسللت يده لبلوزتهـا القصيـرة عابثة بأزرارها .. 

وكادت تعترض بخجل واضح :

_ مجدي لأ 

ولكنه لم يكـن يسمـع لها من الأسـاس .. بمجـرد موافقة ولو خفية منها هدت كل حصون قسوته التي كان يحاول الحماية خلفها من نيـران عشقها الأبدي !!! 


                             *********


كان عـزت بالمستشفى الخاصة مع والده وبعض الرجال الأقـربون ... 

كان يجول امام تلك الغرفة التي بينه وبين والـده ذهابًا وايابًا بقلق .. 

قلق !!!! 

اهو كان يعرف للقلق معنى بعمره !؟؟ 

ولما لا ؟ .. 

" الدم عمره ما يبقي مياه " كما يقولون .. 

شعـوره - الفطري - بالخوف نحو من تربطهم علاقة متينة لا يقل بسبب قسوتـه المعروفة !! 

 ماذا سيحدث إن فقد والده العزيز ؟! 

إن فقـد من كان يجمع شمل تلك العائلة - بقدر المستطاع - سينهار كل شيئ بالطبـع في نفس الوقت !!!! 

والسبب مخجل بالفعل 

فبسبب شيئ - هو غير متأكد به - اقحم والده بين جدران تلك الغرفة اللعينة ! 

وقطـع شروده خروج الطبيب بهيئته الجادة المعتادة ليركض نحوه متساءلاً بتوجس :

_ خير يا دكتـور طمني على والدي 

اومـأ له مجيبًا بجدية :

_ اهدى الحمدلله عدت على خير

نظر له مستفهمًا ليتابع شارحًا :

_ هو بس القلب تعب تاني بسبب الضغط المفاجئ وكان هيتعرض لأزمة قلبية بس الحمدلله لحقنـاه 

أخذ نفسًا عميقًا قبل ان يغمعم حامدًا :

_ الفضل والشكر لله.. الحمدلله يااارب 

ابتسم الطبيب بهدوء قبل ان يردف  :

_ بس طبعًا مش هأكد عليك تاني إن مايتعرضش لانفعال او غيره، الله هو اعلم هنلحقه ولا لا المرة الجاية 

اومـأ عزت بهدوء ليسأله مستفهمًا :

_ طب هيخرج امتى يا دكتور ؟ 

اجابه بنفس الجدية :

_ يوم او يومين بس نكون اتطمنا عليه تمامًا 

همس عزت بامتنان :

_ متشكر يا دكتور 

اومـأ الطبيب بابتسامة معتادة ليغادر على عقبيـة في حين كان كانـت تلابيب عقله منشغلة فعليًا بالتفكير في والده الحبيب وإن كان لن يبحث من اجل سيلا نفسها .. 

فالغاية تبرر الوسيلة 

وغايته في شفاء والده أكبر وأقوى من أي شيئ .. وسيبحث عنها بالتأكيـد !!! 


                           *******


الفرصـة الان وكأنها تعرض نفسها حرفيًا على " سيلا " ... 

المنـزل شبه خالٍ.. سليم خارج المنزل وخالتـه بالأعلى تنام في غرفتهـا والخدم بعملهم .. 

ماذا عساها تنتظر أكثر من ذلك لتهـرب ! 

لتركض للحرية كعصفـور خرج من القفص واخيرًا لترفرف جناحاته اخيرًا كما كانت ؟! 

نظـرت حولها يمنًا ويسارًا .. 

أمـر إن كُشفت فجأة لا يجعـل الخـوف ينهش بين جنبات قلبها فقط !! 

بل يجعلها تعيد التفكير للتراجع !!!!! 

هذا " خاطفهـا " الصقر .. 

جلبها تلك المسافة ومؤكد أنه اقنع اهلهـا بأي شيئ فسيغلب عليه أن يأسرها بقيود تحكمه وجبروتـه الشامخ ؟! 

تحركت على أطـراف اصابعهـا، لتتجه نحو باب المنزل، كادت تمد قدمها لتخـرج إلا انها فجأة وجدت حارس ضخم يسألها بصوته الأجش :

_ خير رايحة فين ؟ 

فـزعت وكادت تصرخ قبل أن تشهق مصدومة بجزع :

_ اعوذ بالله من غضب الله، في اية يا أخ انتَ 

اجابها مشيرًا بسخرية :

_ أنا بردو اللي فيه أية، أنتِ اللي طالعة تتسحبي زي الحرامية كدة لية ؟ 

وقفـت امامه بقوة .. 

اخيرًا سنحت لها الفرصة لتهاجم وتواجه، قبل أن تفقـد قاموسها سوى كلمة " نعم .. حاضر .. مخدتش بالي " !!! 

نظـرت له لتقول بحنق :

_ أنا مش حرامية ثم إنك أنتَ مالك اصلاً بيا 

رفع حاجبه الأيسر ليتابع بخشونة :

_ انا حارس البيت ومسؤل عن من فيه 

هزت رأسها نافية وقالت :

_ مش عليا، ملكش دعوة بيا، هلاقيها منك ولا من الصقر بتاعكم ده اللي قرفني 

فغر فاهه بصدمـة .. 

صدمـة من إنفلات لسانهـا عن " الصقر " 

الصقر الذي كانت هيبته تسبقه لتقبض لسان من يحاول التفوه دون الاذن منه !!! 

ليسألها بعدهـا ببلاهة :

_ أنتِ واعية للي أنتِ بتقوليه ؟ 

اومـأت لتتابع بفخر :

_طبعًا واعية جدًا، أنا مش جبانة زيكم 

نظر امامه وهو يتابـع ببرود كالأنسان الآلي :

_ طيب يلا يا قطة هش على جوة، عندي أوامر من الصقر إن أنتِ بالذات متخرجيش في غيابه 

صرخت فيه بحدة :

_ يعني أية، أنا مليش دعوة بالتخلف بتاعكم ده، الصقر ده يمشي اوامره عليك أنت معندكش شخصية لكن أنا لأ 

والغضب كان كالغمامة امام عيناه فدفعها بقوة وهو يرد لها الإهانة اضعافًا :

_ أنتِ هنا أقل مني، أنتِ مجرد خدامة لا راحت ولا جات ! 

سقطـت على صخـرة كبيرة حادة، لينجـرح باطن قدمـها، ظلت تتألم وكادت تبكِ وهي تصرخ بألم حقيقي :

_ آآه رجلي وجعاني اوي 

لم تكـن لتأبه بألم نفسي الان .. 

الألم الجسدي لأول مرة يتفوق على ألامها النفسية ويتشبعها كليًا بجدارة !!! 

كاد يقترب منها إلا أن قاطعته مزمجرة فيه :

_ ابعد عني ملكش دعوة بيا يا حيوان 

كـز على أسنانه بغيظ وهو يغمغم :

_ تصدقي أنك عايزة قطع لسانك تستاهلي 

حاولـت النهوض ولكن محاولتها بائت بالفشل لتسقط على الأرض باكيـة .. 

فجأة وجدت يد " الصقر " السمراء ممدودة لها لترفع واجهه لتلاقي سحابة عيناه الجامدة دائمًا لتهمس متلعثمة :

_ أنت آآ أنت 

وتاهـت منها الحروف .. 

وتحداها لسانهـا !!!! 

تاهت حروفها بين موجات أرتباكها وخوفها اللانهائي منه ! 

لتحتد عيناه وهو يأمرها :

_ قومي، هاتِ أيـدك 

مـدت يدهـا بتردد، لتثبت اخيرًا بين راحتي يـده .. 

لتشعر بسخونة يـداه .. لا تعلم ماذا بعثت فيها تلك السخونة تحديدًا ... 

ولكن ما شعرت به الأن تحديدًا ينبعث منها  " الأمـان " فقط !! 

ذاك الشعور الذي ينعشها حرفيًا فيمدها بالقـوة .. 

وتلك النظرات التي كانت دائمًا تخشاهـا منها وتبعثرها لشظايا مرتبكة .. 

الان هي فرحة داخليًا لأنها وجهت نحـو ذاك الوحش الأحمق .. 

وفجأة لم تدري إلا ويد الصقر تهبط بصفعة على وجه الرجل بعنف و..... !!!! 


                         *********


يتبــع


شظايا قسوته 


الفصل الرابـــع : 


قد تكـون خلاياهـا الان تهلل لأخذ ثأرهـا، ولكن يبقى جانبهـا الأنسانـي يحزن من أجل تلك الصفعة الذي صبغـت العار والخزي وخاصةً امامهـا على وجنة ذاك الرجـل ... 

كانـت عينـا " سليم " أقل ما يُقال عنها جمرتان من النيران تحترق الان !!! 

لا تعـرف فتيل الاحتراق بدء من خوفـه عليهـا ام غضبه من ذلك الرجل 

ام كلاهمـا ؟! 

ولكن ما هي تعرفـه جيدًا .. أن نيرانـه ستسقط حتمًا على سماء فرحتها لتعكرهـا على الفور !! 

وصـدح صوتـه القـوي هاتفًا بغضب تسبب بقشعريرة جسد كلاهما :

_ اية اللي أنت عملته ده ؟ 

كان الاخر ينظـر للأرض بخزي، قبل أن يحاول النطـق :

_ يا سليم بيه أنا بس كنت بمنعهـا تخرج

صرخ فيه بحدة مفتعلة :

_ ومن امتى انا بجولك اوامر بضرب الحريم يا صادق ؟ 

هـز " صادق " رأسـه نافيًا ليسارع مبررًا :

_ لا هي بس كانت عايزة تخرج بالعافية 

ضغـط على قبضة يـده ليتابع بجدية لا تخلو من الحدة اللازمة :

_ ماتمنعهاش بالضرب، من متى وأحنـا بنضرُب حريم هه ؟ 

نظـر للأرض بحرج ليهمس :

_ حجـك عليا يا سَليم بيه 

هـز رأسه ليقـول بعدها بصوته الأجش :

_ أنا مامديتش يدي عليك إلا عشان أعرفك أنها حاچة واعرة جوي إنك تضرب حد ماجادرش يردهالك، ما بالك بمَـرة بجى بتضربها !!؟ 

اومأ الأخـر بأسف مغمغمًا :

_ فهمت 

وقاعـدة أخـرى تكتشفها في شخصيتـه الغريبـة من جميع النواحي 

" يتحدث بالصعيدية عند الغـضب !؟ " .. 

وشيئً ما لم تفهمـه ابدًا .. 

كانت دائمًا القاعدة الوحيدة في حياتهـا - القاسي لا يبـرر - ولكن ماذا إن برر بعد العقـاب وقلب كل شيئ !! 

لمَا لا فهو " الصقر " في مملكته الخاصة، فليفرض سيطرته اذًا ومقاليد حكمه على كل من يقطن معه .. ليخنقهم رويدًا رويدًا بمقاليده الحديدية !!! 

ولكنها .. لن تكون معه ابدًا ! 

أستفاقت على صوته وهو يأمر الرجـل ببعضًا من الحدة :

_ أعتذر لها دلوجتِ 

إبتلع الاخرى ريقه ليعتذر لها بضيق :

_ حجك عليّ يا أنسـة 

اومـأت هامسة بحروف لم تتخط شفتيها :

_ خلاص مفيش حاجة حصل خير 

كانت قدمها قد بدءت بنزف الدماء وهي تحاول التماسك امامهم .. 

ولكن لا .. الألم اقوى من أي تحمل !! 

فصرخت متأوهه :

_ مش قادرة رجلي 

نظـر لهـا سليم لثواني، وفي لمح البصـر كان يحملهـا بين ذراعيـه المفتولتيـن .. 

كانت دقاتها لم تهدء ابدًا ، وكيف تهدء وهي محاصرة بين ذراعي من لا يرحم دقات ولا غيرها ؟! 

وعيناها البنية اصبحت ترمش كل لحظة، وكأنها تحاول إستيعاب ما حدث !! 

ملمس يداه على جسدها تشعر بها تحرقها !!!! 

تحرقها بالفعـل وتخدرها كأنها اصبحت لا تشعر بها !! 

فهمست بتوتر ملحوظ :

_ نزلني لو سمحت 

والاجابة كانت بكلمة واحدة حازمة :

_ لا !! 

ولم يأبه لصدمتهـا او اعتراضها الذي كانت تبديـه .. 

ولكن .. لأول مرة يجد رائحتـها تؤثر عليه، وكأنها تُسكـر روحـه !! 

أغمض عيناه ينفض تلك الأفكار عن رأسه ليسير مسرعًا نحو .. غرفته !!! 

وصل الى غرفتـه وكانت هي مغمضة العينين، تحاول جمع شتات نفسها المبعثرة من هجومه المفاجئ .. 

لتشعر بنفسها اخيرًا قد وضعها على الفـراش، فحاولت إخراج الحروف عنوةً عنها :

_ أنت إزاي تــ آآ 

قاطعها وهو يشير لها آمرًا :

_ أسكتِ 

وبالفعـل إلتزمـت الصمـت .. 

كلمة واحدة منه كانت كافية لجعل حروفها لا تتخطى شفتيها التي كادت ترتجف !! 

إتجه للمرحاض الملحق بغرفتـه ليجلب الأسعافات الأولية ... 

وتقدم منها بهدوء المعتاد - ما يسبق العاصفة - ليجلس بجوارها بمسافة واضحة .. 

ثم بدء يعد الدواء والمطهر لتسأله هي ببلاهة :

_ أنت بتعمل أية ؟ 

اجابها بغيظ واضح :

_ أنتِ شيفاني بعمل أية ؟ 

إبتلعت ريقها بازدراء لتقول بعدها بشجاعة مزيفة :

_ لو كنت سبتني عليه كنت خدت حقي تالت ومتلت بس حظه إنك جيت وهو اعتذر وسمع الكلام 

_ لا والله ! 

قالها وهو رفـع حاجبـه الأيسـر بسخريـة .. خُيـل له أنها استقبلت دفاعه عن مبدء ضرب الأنثى على وتيـرة خاطئـة .. 

وتيرة مسارهـا يودي لطريق يكرهه !! 

ليتنحنح مستطردًا بخشونة شابتها بعض الحدة :

_ اولاً هو سمع الكلام لإنه راجلي وبيحترمني مش مفكر إن مفيش حد اده !! 

صمت بعدها ببرهه ليلقي بقنبلة إهانته القادمة :

_ ولما ضربته او قولت اي حاجة، ده كان دفاعًا عن مبدء ضرب الست نفسها، لكن مش عشانك إنتِ لإنك لا تعني لي شيئ اصلاً يا أنسـة ! 

إبتلعت تلك الغصـة المريـرة في حلقهـا بصعوبـة .. 

هي من جلبت لنفسهـا تلك الأهانـة، ليداعـب جروحها المكبوتة التي حاولت مرارًا وتكرارًا اخفاؤوهـا .. 

هي من دفعتـه ليقتلها بكلماته من مجرد حروف مميتة مثلت لها معنى الإهانـة .. وسقطت من سماء تخيالاتها وفرحتهـا لأرض الواقـع المريـر !!! 

لتهمس وهي تومئ بحزن :

_ صح، أنا أسفـة 

لا يعلـم لمَ شعـر بأطـراف ضيق تحتلـه !! 

هو عادةً لا يهتم بأي شخص .. 

ولكن لمَ الان .. تحديدًا مع تلك الفتـاة التي يرى فيهـا شيئ شفاف يجذبه نحوهـا ولو واحد بالمائـة ؟! 

نفض تلك الأفكـار من رأسه وهو يجيبهـا بجمود يعكس ما بداخلـه من اهتيـاج ضيق برود وهدوء :

_ العفوا 

نهضت فجأةً لتصرخ بألم ثم ترنـجت مكانها لتسقـط عليه وهو ينهـض 

اقترابها منه لهذا الحـد يفزعها حرفيًا ! 

واختلطـت انفاسهم المضطربة من ذاك القـرب، وزحفت الحمرة تلقائيًا لوجههـا بينما هو في عالم اخـر .. 

عالم سارح فيه في بحر عيناها البنية الذي لم ينتبه له من قبل !!

وافاق من شروده على دفعتها الضعيفة وهي تحاول النهوض قائلة :

_ أسفة آآ .. 

قاطعهـا وهو يقول مشاكسًا :

_ ماخدتيش بالك مش كدة ؟ 

كادت إبتسامة تنفلت منها لتشق طريقها لشفتاها الورديـة ولكن منعتهت بصعوبة لتومأ بعدها ببلاهة :

_ أيوة 

استقامت في جلستها لتجلس وهي تمسك بقدمها التي عادت تؤلمها من جديد وجلس هو لجوارهـا ثم مد يـده يخرج الدواء ليضعه على قدمها ويبدء بدعك قدمهـا، وتلك المرة لمسته كانت أخطـر .. 

وكأن فيهـا طيفًا من الاعتذار الرقيق على تلك الكلمـات !!!! 

انتهـى ليقـول بعدها هادئًا :

_ خلاص تمام، ماتمشيش عليها كتير بقا عشان الجرح يلم 

اومـأت كالقطة المطيعة وهي ترد :

_ حاضر 

نهض ليغسـل يده في المرحـاض، بينما هي انتبهت للباب الذي تركه مفتوحًا - عن عمـد - وقد تأكدت أنها فعليًا في حماية صقر، ولكن آمـن وليس جارح !!! 

جالت عيناها على جميع انحاء غرفتـه، التي كانت بالطبع يغلب عليها اللون الأسود، نظـرت لشهادات التقديـر التي كانت معلقة على الحائـط لتضـحك بصوت عالي كاد يخـرج منها وفجأة صدح صوته يقول :

_ بتفكرك بــ صعيدي في الجامعة الأمريكية صح ؟ 

حاولت كتم ضحكتها ولكن لم تستطع فانفجـرت ضاحكـة ومن ثم هتفت من بين ضحكاتها :

_ بصراحة اه، اللي يشوفك وأنت بتزعق لصادق ده تحت بالصعيدي وبتقوله 

" من متى وأحنا بنضرُب حريم يا صادق " 

مايعرفش إنك دارس في امريكا خالص يعني ! 

وشيئً اخر لم ينتبه له منذ أن رآها 

" ضحكتها الساحـرة " !! 

يُفترض الغضب في تلك اللحظات، ولكنه ليس بخطأه إن سيطر الشرود على خلاياه كليًا !!!! 

لتابـع مبتسمًا نصف ابتسامة :

_ بتحصل في أحسن العائلات 

وفجأة عاد لجديته وهو يأمرها مشددًا على كل حرف :

_ يلاا عشان تلحقي تريحي رجلك عشان هنروح مشوار النهاردة بليل كدة 

إبتلعت ريقها بازدراء .. 

وطيـف خوف حقيقي داعبها، ماذا سيحدث !!

ولكن ما يحيرها بدرجة كبيرة 

كيف يساهم في اخفاءهـا ويتعاون مع هؤلاء الحمقى ثم يرغـب في التأكد !!!؟ 

وسمعـت صوتـه يقول :

_ يلاا مستنية أية ؟! 

نهضت مسرعة وهي تجـر أزدال خيبتهـا ... ! 


                          *********


كانت " رقيـة " تتوسـط صدر مجدي العادي على فراشهم الكبير والذي شهد مراسم حبهم الذي يعاندوا فيه دائمًا !!

تغمـض عيناها بضيق حقيقي، لم تكـن ترغـب أن يمسها أبدًا 

وخاصةً بعد زواجـه بمن لا تعرفهـا ! 

ولكن الان أصبحت شفافـه امامه، لقد ظهر له الجزء الذي كانت تحاول دائمًا اخفاؤه !!! 

تنهـد قبل أن يسألها بهدوء :

_ مالك يا روكـا ؟ 

رفعت كتفيها قليلاً لتقول باستنكار مصطنع :

_ مالي يعني مفيش 

رفـع وجهها بيـده لينظـر في عيناها التي تفيض ندمًا !! 

ندمًا ازعجه بالفعل وأحزنه ايضًا !؟ 

ليردف بلوم :

_ إنتِ ندمانة يا رقيـة ؟ ندمانة إنك اديتِ جوزك حقوقـه ؟ 

هـزت رأسهـا نافيةً وحاولت التبرير بانزعاج :

_ لا مش كدة، بس يعنـي آآ أنا متضايقـة شويـة 

سألها دون تردد :

_ متضايقة من أية ؟ 

اجابته متهربة :

_ مُـش لازم يعني تعـرف وتقرف نفسك معايا 

إبتسم بهدوء قبل أن يستطرد بود حقيقي :

_ ومين قال إن إنتِ قرف، أنا كُلي تحت أمـرك 

تنهـدت قبل أن تقـول بحزن لم تستطع اخفاؤه :

_ مخنوقة، حاسه إني مش كاملة، إنك اتجوزت عشان أنا مُش قادرة احققلك رغبتك، عشان أنا نص أنثى في نظـرك 

وجحظـت عيناه بصدمـة !!! 

لم يتوقـع أنها تخفي مشاعرها خلف قناع القوة والقسـوة !! 

أنها حزينة لهذه الدرجـة المغزية ! .. 

امسك وجهها بين كفيـه ليسارع بالقول :

_ رقية إنتِ لية مش مصدقة أني فعلاً حاسس إنك كل حاجة ليـا، إنتِ في نظري كاملة وست البنات مش نص انثى، إنتِ أول واخر واحدة ببقى مبسوط معاها، جوازي ماهو إلا وسيلة عشان الطفل اللي العيلة كلها هتموت عليه 

تحـاول إقنـاع نفسها بكلامـه .. ولكن كأنها تزيد تعري لتظهـر نفسها السيئة اكثر !!! 

نعم السيئة فهي من منعت نفسها ومنعته من ذاك الحق ! 

هي من دفعته للزواج بأخرى 

وبسبب غلطة يكفر عنها حتى الان !!! 

حاولت الأبتسام وهي تومئ هامسة :

_ متقلقش عليا يا حبيبي، عادي مفيش حاجة 

قبل جبينها بحب خالص، لينتبه بعدها مهللاً :

_ إنتِ قولتي أية ؟

كست الحمرة وجهها وهي تسأله بعدم فهم مصطنع :

_ أنا مقولتش حاجة قولت اية ؟ 

هـز رأسه نافيًا باصرار سعيد :

_ لأ قولتِ 

ثم برجاء حار قال :

_ قوليها تاني يا رقية عشان خاطري، أنا حبيبك ؟ 

اومـأت بخجـل لتجيبـه بما أثلـج صدره سعادة شعر أنها ربما لن تنتهـي :

_ حبيبي وجوزي وكل حاجة حلوة ليا

تأوه بخفـوت ... 

كلماتها المعسولة التي طالـت الغياب على أذنيـه، الان تروي ظمأه من عشقهـا .. 

ليميل عليهـا يقبلها بشغـف، فحاولت دفعه وهي تقول بدلال :

_ مجدي 

غمغم مغمضمًا عينيه مستمتعًا بعطرها الذي يجذبه :

_ عيون وقلب مجدي 

_ أبعد بقا 

همستهـا وهي تبتسم بمشاكسة، وقد ازدادت نبرتها لينًا لينقض عليها مشبعًا رغبته العاشقة فيهـا بعد ان أردف :

_ وإنتِ متوقعة إني أسيبك بعد الدلع ده كله !!!!! 


                              ********


 كـانـت خالتـه " جميلة " في غرفتهـا، متسطحـة على فراشـها الكبير، وتمسك بيدهـا صورة ما عائلية كبيـرة .. 

تشق ابتسامة شاردة وجههـا المُجعـد، شاردة الذهـن .. شاردة في ماضي قد يكـون رحل فعليًا، ولكن شظاياه مازالت تتردد إلى الان !!!! 

اخـذت تتلمـس الصـورة بابتسامة هادئة قبل أن تهمس :

_ ياااه، مكنتش أعرف إن الدنيا دوارة كدة 

ثم تنهـدت تنهيدة طويلة حارة تحمل الكثير قبل أن تتابع بنفس النبـرة :

_ معقول اللي حصل زمان يتكرر تاني 

اومـأت وهي تتذكـر سيلا ... 

نفس تلك العينـان البنية التي يغطيهـا شعاع لامـع جاذب وغامض في آن واحد !!

نفس الملامـح التي تحمل المعنى الصحيح للطيبـة والود للجميع !! 

نفس الشعر البني الناعم والتي لم تراه الى الان !!!! 

وكأن الزمن يعيد نفسه مرة اخرى 

أيعقل ذلك ؟!

اومـأت مؤكدة وهي تهتف بأصرار غريب :

_ أيوة، هعمل أي حاجة ومش هخلي سليـم يعـرف مهما حصـل لحد الوقت المناسب بس 

نهضـت ثم اتجهـت الي الدولاب الخاص بهـا ثم اخرجـت ملابسها لترتديهـا في دقائق ثم عدلت هندامهـا واتجهت الى الأسفل .. عازمة على الذهـاب معهم الى ذلك الطبيب الذي يلجأ له الجميع !!!! 


                               *******


منذ دلـوف ياسيـن الى ناديـن لم يكـف عن النظـر لها .. 

ليس بأرادتـه، فهي ليست طبيعتـه أن يحدق بالمرضى هكذا .. 

ولكن شيئً ما غريب بها يجعله يحدق بها كأنه طفل صغير منبهرًا بشيئً ما !! 

لا يصـدق الوضـع الذي اقحمها القـدر فيه، وفشلت كل محاولاتـه للتحدث معها كطبيب .. 

جلـس بجـوارهـا مرة اخرى، ليبـدء بالحديـث متنحنحًا بابتسامة مشرقة :

_ أنا مش عارف إية اللي مخليني عندي فضول أعرفك أوي 

بالطـبع لم تعيـره أدنى اهتمام، كانت تنظر امامهـا وكأن شيئً ما شفاف يرغب في التوغل داخلها وهي لا ترغبه !!! 

مد يـده يربت على كتفها ليقول :

_ نادين، أعتبريني اخوكِ، لازم تحكي لي كل حاجة 

وكأن كهرباء صعقتها فهبت منتصبة تضع يداها على اذنيهـا .. واخيرًا خرج صوتها متحشرجًا بصراخ :

_ لاااااااا ابعد عني !!!!! 

ظـل ينظر لها مذهولاً بالفعـل .. 

صراخـها ينم عن حـدوث صدمة تسببت لها في ذاك الصمـت الأسـر !! 

وابتعد على الفور وهو يقول مهدئًا :

_ اهدي اهدي انا اسف 

بالرغـم من فزعـه عليها إلا أنه ارتـاح قليلاً لكونها مدركـة ما يحدث حولها .. 

جلس بهدوء مرة اخرى ليسألهـا ببعض الجدية مستفسرًا :

_ فين أهلك يا ناديـن ؟ 

لم تـرد عليـه وظلت أسيرة الصمـت، ليسألها مرة اخرى بابتسامة :

_ طب ليكِ اخوات ؟ 

عند هذه النقطة ظلت تهز رأسها نافية وهب متشنجـة وقد شعر أنها ستعاودها تلك الحالة من جديد فابتعد برفق وهو يشير لها :

_ اهدي، خدي نفس واهدي، إنتِ لازم تتكلمي، لازم تخرجي من صمتك ده

لم تـرد عليه بالطبـع .. 

ولكنـه أخيرًا استطاع معرفة نقطة ضعف واحدة لها .. 

فقال متساءلاً بهدوء مصطنـع : 

_ طب فين اخواتك وسيبينك كدة لية ؟ 

نهضـت لتبـدء بتكسـير كل شيئ، كل ما تطوله يدهـا تدمـره مع استمرارها بالصـراخ والنحيـب .. 

لا تتحـدث بالطبع ولكن هذا يعد مؤشرًا مبشـر بالقادم !! 

ظلت هكذا حوالي خمسة دقائق لينهض هو مقتربًا منهـا .. 

وفجأة جذبها لأحضانـه ليحتويها بذراعيه بحنـان، وكأنه يخبأها بين ضلوعـه التي تعد كالحصن لها وأنفاسهم المضطربة جنودًا مرتبكة فيها !!!!! 

وفجأة صـدح صوت يعرفـه جيدًا وهو يناديه بنزق مصدوم ؛

_ ياسيـن !!!!! 


                           **********


جلـس كلاً من سليـم و جميلة بالأسفل بأنتظـار سيلا التي كانت ترتدي ملابسهـا، كان سليـم ينظر أمامـه بهدوء ولكن عقله شارد !! 

عقله في سمـاء الامنيـات متمنيًا أن لا تصبح كاذبـة 

هو يكـره الكذب وبشـدة، وإن فعلتهـا ... 

لا يضمـن ماذا سيفعل بها، ولكن غالبًا 

لن يجعل عيناهـا تلمع بفعل سطوع شمس الدنيا مرة اخرى !!!! 

تنهـد بقـوة وهو يمسـح على شعره الأسود الغزيـر .. 

بينما " جميلة " لم تكـن أقل شرودًا منه، ولكنها لا تتمنى 

تفكـر بدقـة لتنفذ ما خططت له منذ أن رأت سيلا اول مرة !!! 

واخيرًا تقدمـت منهم .. وقد شحـب وجههـا، لا تعلم شحب من الخوف ام قلة الطعام !!! 

ولكن المؤكـد أن الخوف لم يترك خلية من خلاياها إلا وتوغلها كليًا !!! 

تخشى إن علم هؤلاء بمعرفة سليم ماذا سيحدث لجدها الحبيب !!! 

وبالأخير خشيت على روحهـا هي .. 

روحها التي ستُزهـق إن علم ذاك الصقر بالتأكيد !! 

صدحت جملة سليم الساخـرة :

_ اية يا عروسة كل ده بتجهـزي 

مطـت شفتيهـا وهي ترد بغيظ مكبوت :

_ منا كنت بلبس بس احتارت اعمل إية يعني 

رفـع حاجبيه ليتابع بنفس السخرية المغتاظة :

_ لية حد قالك إننا خارجين ده احنا رايحين لدكتور ؟! 

اومـأت مردفة ببرود :

_ بردو 

رفعـت " جميلة " يدها لتصيـح بانزعاج مصطنع :

_ خلاص صدعتونـي، عاملين زي القط والفار 

اكملت سيلا وهي تشير له بغضب :

_ لأ يا طنط هو اللي مش طايقني كل ما اعمل حاجة يعلق لي عليها تعليق سخيف !!!

رد مسرعًا بلاذعة مماثلة :

_ لية إن شاء الله كنتِ مرات أبويا ولا اية !!؟ 

رفعـت كتفها لتقول ببرود ظاهري :

_ معرفش اسأل نفسـك 

ضحكـت جميلة لتشيى لهم منهية الحوار :

_ خلاص يا سليم، خلاص يا سيلا اسكتوا، يلا عشان نلحـق 

وهنـا قد عاودهـا ذلك القلق الذي افترش على ملامحـها 

خاطفًا روحها المشاكسة في لمح البصر .. 

جاهدت لتخـرج حروفها ولو متلعثمة قائلة :

_ لأ

سألها سليم رافعًا حاجبه الأيسر :

_ لأ اية ؟ 

هـزت رأسها وهي تنظر للأرضية وتفرك يدها البيضاء :

_ لا مش هروح لدكتور !!!!!! 


                           ********


يتبـع


شظايا قسوته 


الفصل الخامس : 


والشـك إنغـرز بقلبـه على الفـور من رفضهـا !! 

ذاك الرفض الذي لم يكن يتمنـاه ابدًا، وذاك الشك الذي سيجعلـه يفعل اشياء لم يكـن يرغبها !!!! 

وفي عُـرف الصقـر " إن اجتاحه الشك اكثر من ثلاث فانتهى الأمر !!! " 

بينما كانت جميلة تنظـر لها بشـك ايضًا، وقد راودها شعور بالحقيقة .. 

هي لم تكـن فاقدة الذاكرة، ولكن السؤال الوحيد الذي يسيطر على مقاليد عقلها 

" ماذا جلبها لهنـا وبأرادتهـا ؟! " 

بينمـا هي كانت تشعـر أن التوتر والقلق أصبح جزءً لا يفترق منها .. 

نظراتهم المتوجسة تخترقهـا ودون تردد لتفتتهـا لمجرد شظايـا تخشى قسوته !!! 

واخيرًا أستطاعت النطق ؛

_ يعني اية مش هتروحي 

رفعـت كتفيها لتقول ببساطة :

_ يعني مش هروح لدكاتـرة !! 

شعـر بداخله يكاد ينفجـر من الغضب المكبوت ليسألها مرة اخرى ولكن بحدة بدءت في الظهور على محياه : 

_ مش هاتروحي يعني اية هو لعب عيال !

هـزت رأسها نافية لتجيبه بأصرار مزيف :

_ لأ مش لعب عيال بس مش عايزة أروح 

سألها مزمجـرًا :

_ والهانم مش عايزة تروح لية بقا إن شاء الله ؟

توتـرت اكثر حتى احمـر وجههـا كاللوحة كانت فرشاتها مصنعة من القلق والخوف ولكنها حاولت ان تجيبه بثبات :

_ أسباب خاصة بيا 

لم يحتمـل كبت غضبه فاقتـرب منها واصبح امامها في لمح البصـر ليقبض على ذراعهـا النحيف بقسوة وقوة ألمتها بالفعل، فحاولت ابعاده وهي تقول متألمة :

_ آآه دراعي هيتكسر في ايدك 

ظل يهزهـا وهو يسألها بما اشبه الصراخ :

_ إنطقـي مش عايزة تروحي لية خايفة من إية ؟ 

والدمـوع كانت أسرع ما تكون في عيناهـا، دمـوع كالشلالات التي حُبسـت خلف سد الأصرار على عدم إظهار انهيارها امامه !!! 

واخيرًا نطقت بصوت يقترب من البكاء :

_ مش خايفة من حاجة 

وعاد سؤاله بنفاذ صبر :

_ امال ماعايزاش تروحي لأم الدَكتور لية بجى ؟ 

هـزت رأسهـا لتكمل كاذبة :

_ أنا بس مش عايزة افتكر، عايزة افضل فاقدة الذاكرة 

سألها وكأنه القاضي هنا يسأل فقط :

_ لية وإنتِ مين عرفك إن ماضيكِ مش هيعجبك عشان متفتكريهوش ؟ 

هـزت رأسها تردف صدقًا هذه المرة :

_ أنا حاسه إن الماضي زفت، مش عايزاه، نفسي امحيه من حياتي خالص 

وكلماتهـا تلك المرة لم تكـن بدافع الهروب من الطبيب قط .. 

وإنما كلمات خالدة بين جدران قلبها الذي أوشك على الإنكسـار !!! 

ليستمـر هو ملقيًا بإهاناتـه وكلماته التي تقطـر سمًا بوجههـا :

_ وأنا مالي، ماتنسيه ولا تغوري، المهم أتأكد إنك مش تبع الكلاب وإعملي اللي تعمليه إن شاء الله تموتي نفسك ! 

شعـرت جميلة بقرب إنهيـار سيلا فاقتربت منهم ممسكـة بيد سليم التي تقبض على سيلا فقالت جادة :

_ خلاص يا سليم، بالهداوة مش كدة 

هـز رأسه نافيًا ليستطرد غاضبًا :

_ هداوة اية يا خالة دي هتجنني، أنا قولت لك إني شاكك فيها من البداية 

اومـأت لتقـول بهمس وهي تبتعد عن سيلا التي كانت ترتعـش شفتاهـا محاولةً لحبس دموعهـا :

_ إنتَ قولتلها كلام زي السم يا سليم، كل ده عشان قالتلك مش هاروح للدكتـور، طب ما تسيبهـا يا أخي 

أبتعد عنها قليلاً، ليزفـر قبل أن يقول بجدية شبه حادة :

_ لأ يا خالة ماينفعـش، إفرض كانت منهم وجاية هنا عشان حاجة معينة، انتِ عارفة إن اعداء شغلي كتير ؟ 

ربـتت على كتفه، لتنظر أمامها بشـرود، وقد تحـدث شرودهـا فيما تتيقـن منه فقالت :

_ أنتَ بتثق فيا يا سليم صح ؟ 

اومـأ مؤكدًا :

_ أكيد طبعًا يا خالة 

ابتسمت وهي تتابـع برقــة :

_ وأنا بأقول لك البنـت دي مش من أعدائـك، دي فعلاً المفروض مكانها هنا، معانـا ! 

نظـر لها مضيقًا عينـاه بريبة وسألها :

_ تقصدي إية يا خالة 

 تنهـدت قائلـة بغمـوض لم يفهمه سليم قط :

_ أكيد هتفهم كل حاجة في وقتها يا حبيبي، المهم إنك ماتفقدش اعصابك مع البنت دي، دي طيبة أكتر مما كنت تتوقع، وسليم اللي انا اعرفـه حليم وهادي مش بيتعصب بسهولة كدة 

اومـأ ليزفـر بضيق حقيقي عارم، ثم اقترب من سيلا التي كانت تقف كالصنـم مكانهـا، وكأن كلماته كانت مسمـار يثبتها بمكانهـا ولكن مصاحب بالألم الشديد !!! 

فقال مشددًا لها على كل حرف :

_ يلا هنروح للدكتور دلوقتِ 

لم يعطيها فرصة للاعتراض فسحبهـا من يدهـا للخارج بينما كانت هي مستسلمة لقدرهـا ... !! 


                           *********


_ ياسيـن !!!! 

قالتهـا فتـاة تقتـرب من ياسيـن بنزق مصـدوم .. 

أصبحـت أمامـه تمامًا، عيناهـا تكاد تختلـع من مكانهـا لتخنق " ناديـن " تلك المسكينة التي كانت تجلس لا حول لها ولا قوة !! 

بينما همس هو ببلاهة :

_ إية ده ماهيتـاب !!؟ 

اومـأت وهي ترفـع حاجبها الأيسر مرددة :

_ أيوة ماهيتـاب يا أستاذ خطيبتك، خطيبتك اللي أنت مكنتش بترد عليها بقالك يوميـن ! 

أغمـض عينـاه بملل، ذاك الصـوت وذلك الكلام يشعره بالخنقة فعليًا !!! 

هو بحياتـه لم يكن يرغبها !! 

كان في حياته كالسلاسل الحديدية تخنقـه كلما اقتربت منه اكثر !!!! 

نظر لها بهدوء وهو يبرر كاذبًا :

_ معلش كنت مشغول في الشغل جدًا اليومين دول 

نظـرت لناديـن التي لم تتخلى عن الصمت لحظة كأنه رفيقها الوحيد لتتابـع بتهكم جارح :

_ مش فاضي عندك شغل ولا مطنشني عشان دي !!! 

قالت كلمتها الأخيرة وهي تنظر لها من أعلاهـا الى امحص قدميهـا .. 

لو كـانت نادين بوعيهـا الان وتلقيـت تلك النظرة الجارحـة لسقطـت باكية من تلك الأهانـة العميقة !!!! 

ولم تكـن ماهيتـاب بقليلة حتى لا تفعـل ذلك .. 

هي ماهيتـاب النجار أبنه أكبر رجـل أعمال، خصلاتهـا المصبوغـة تكاد تغطي نظرات عيناها التي تكاد تقتل الجميـع .. 

وملابسها القصيرة تنم عن مستواها الاجتماعي العالي !! 

بينما صاح ياسين فيها بجدية تحمل بعضًا من الحدة :

_ اولاً اسمها نادين، ثانيًا دي مريضتي، يعني مش قاعد معاها بتسلى 

اجابتـه بنفس النبرة المغتاظة :

_ أمال مابتردش عليا لية 

صرخ فيها بنفاذ صبر بصوت بدء يرتفع رويدًا رويدًا :

_ قولتلك شغل .. زفت شغل 

ظلت تزفـر بقـوة وهي مغمضة العينين، تحاول تهدأة نفسها الثائـرة .. 

فهي تعلم جيدًا بل تحفظه عن ظهر قلب، إن غضـب وثـار عليها سيصبح كالاعصار لا يقف بوجهه اي شخص ابدًا !!!! 

اومـأت وهي تسأله بشك :

_ متأكد يا ياسين أنه مجرد شغل ؟

كاد يجيبهـا إلا انه سألها مضيقًا عيناه :

_ إية ده صحيح إنتِ بتراقبيني يا ناديـن ؟

نظـرت للأسفل تفرك اصابعها قبل أن تجيبـه :

_ لا طبعًا، ولا عمري أفكر في كدة 

فسألها مرة اخرى بجمود :

_ امال ده اسميه أية ؟ 

رفعت كتفيها لتقول ببراءة مصطنعة :

_ أنا بس قلقت عليك لما لاقيتك مش بترد عليا، فـ قمت قولت أجي لك في الدار هنا، انا عارفة إنك اشتغلت فيه وسألت عليك برة قالولي في الأوضة دي 

اومأ موافقًا ليقول لها بنبرة شبه آمـره :

_ روحي دلوقتِ وأنا هخلص شغلي واتصل بيكِ نتقابل بليل 

كـادت تعتـرض إلا انه قاطعهـا بخشـونة أنهت اعتراضها السخيف :

_ ماهيتاب، خلصنا ده شغل مش تسلية !!! 

اومـأت وهي تعض على شافهها السفلية بحرج وغيظ لتغمغم بعدها :

_ ماشي يا ياسين، هستنى اتصالك هه 

اومأ ياسين بتأكيد :

_ خلاص يا ماهيتـاب خلاص هتصل 

استدارت وهي تشير لها لتذهـب حانقة من جلوسـه بمفرده مع " ناديـن " 

بينمـا هو إلتفت الي نادين التي لم تتحرك بالطبـع ليهمس بعدها :

_ أنا مش عارف انا بعمل كدة لية، زهقت !!!! 


                             **********


كانت " رقيـة " تتوسـط صـدر " مجـدي " العاري، تغمـض عينيها عل ذاك الحلم الرائـع لا تنتشله منها الحقيقة المريرة !!! 

بينمـا هو لم تزول الابتسامة من ثغـره، الفرحة غمـرت قلبه المُظلم ولو قليلاً ! 

تنهـد قبل أن يقـول بهدوء مُهلل :

_ ياه، ماتتخيليش أنا مرتاح قد أية دلوقتِ يا رقية 

ابتسمت هي الاخـرى .. 

رغم تغاضيهـا عن كلمـة " مرتـاح " وليس " سعيـد " .. تلك الكلمة التي اشعرتها انها يمكن ان تصبح مصـدر للأرتياح فقط ليس اكثـر !!!! 

ولكن هتفت بنفس الهدوء :

_ وأنا يا مجدي بردو 

سألها بهمـس حنون :

_ إنتِ إية يا قلب مجـدي ؟ 

إبتلعت ريقهـا بصعوبة، لا تحب ذاك الحصـار في كلامه .. 

حصار يجبرها على النطـق بمدى عشقها له وقد تنـدم عليه لاحقًا !!!! 

شعـرت بيـداه تتلمـس شفتـاها .. ووجنتاهـا تُحمر كأنذار للأجابـة .. 

فقالـت بصوت مبحـوح :

_ مرتاحـة 

سألها مرة اخرى بمراوغـة :

_  مرتاحة بس ؟ 

وكأن الهاتـف انقذهـا من اعتراف قد يجعلها في موضع ضعـف 

نعم ضعـف .. العشـق يجـلب الأسـر 

الأسر الذي يجعلها تراه مع زوجتـه وتصمت .. بسبب ذاك العشق !!!!! 

ابتعد قليلاً ليمسـك بهاتفـه، توتـر افترش على ملامحه السمراء لتلكزه رقية في كتفه قائلة :

_ في اية مالك ما ترد !! 

وضـع الهاتـف بجـواره مرة اخرى ليقول بلامبالاة مضطربة :

_ لا لا تليفون مش مهم 

سألته بشك :

_ مين ؟ 

لم يـرد فكررت سؤالها بجديـة ظهرت في وقتها المناسب :

_ مين اللي بيتصل يا مجدي ؟ 

_ بـدور يا رقية 

قالها وهو يتأفف من ذاك الهاتف الذي لم يكف عن الاتصـال .. 

سألتـه وقد بدء الأمر يتضح امامها :

_ بدور مين، مــ .. 

وعجـزت عن إكمـال تلك الكلمة التي لم يسعفها لسانها لنطقهـا !!! 

تلك الكلمة التي جهـر قلبها باعتراض شديد على مجرد نطق كلمة ستجعلـه يُمزق حرفيًا !!!! 

ليومئ برأسه قبل أن يستطرد بصوت هامس :

_ اللي لسة متجوزها 

ابعدت يدها عنه لتنهـض، بالطبـع ظهـر الحزن والغضب والألم معًا على قسمات وجههـا .. 

من مجـرد إتصال !!!!! 

أتصال اشعل في كل حواسها الغيرة الفطرية من " درتهـا " 

امسـك بذراعها ليسألها بجدية :

_ رايحة فين يا رقية 

عادت لطبيعتها لتصرخ بحدة :

_ هغور في داهية ملكش دعوة !

نظـر للهاتف الذي طال اتصاله ليرد بغضب :

_ الووو نعم 

_ ................. 

_ اية ازاي ده!!!!!! 

_ ................... 

_ حاضر حاضر مسافة السكة 

_ ................... 

_ سلام


اغلق الهاتف لينهض مرتديًا ملابسه بسرعة وعينـا رقية تترقبـه وتخترقه .. 

ودت لو تحرقه قبل أن يذهب !!!!!!


                             *********


عـاد " عـزت " للمستشفى التي يكمـن بها والـده، ليدلف الي الغرفـة ... 

وجـد والده كمـا هو، شارد وحزيـن، وكأنه اقسم ألا يبتسم لتلك الدنيـا بعـد أن ذهبت هي منهـا .. 

اصدر أنينًا قصير وقد دمعـت عينـاه !! 

نعم كاد يبكِ بالفعل !!

حبه لحفيـدته فاق مجرد السير في اوردتـه، بل اصبـح كالادمان يصعب التخلي عنه !!!! 

نظـر لعزت وسأله بحزن يسيطر على نبرته  :

_ ملاقتهاش بردو يا عـزت ؟ 

هـز رأسه نافيًا ليجيبه بضيق :

_ لا بردو يا بابا، مش عارف كأن الأرض إنشقت وبلعتها ! 

نظـر الاخر امامـه بيأس، ليتابـع عزت وقد بدء الحزن يظهر في نبرتـه :

_ ولا تكـون .. تكون آآ ماتت زي ماقالوا لنا ؟!؟؟؟ 

هـز رأسه نافيًا لينهـره بشدة :

_ لا يا عزت لا متقولش كدة 

سأله عزت بنفاذ صبر :

_ امال تفسر اختفاء اسبوع ونص بأية يابويا ؟ 

رفـع كتفيه ليرد بقلة حيلة :

_ اكيد مسيرنا نلاقيها، ان شاء الله ندور عليها العمر كله ! 

اومـأ عزت وهو يردف متمنيًا بصدق :

_ ان شاء الله 

وفجأة امره والده بجدية :

_ قوم هاتلي رقم المحامي بتاعي وهات التليفون 

سأله عزت بعدم فهم :

_ لية يعني !! 

_ محتاجـه 

قالها وهو ينظر امامه بجدية صلبة ليقول عزت مستنكرًا :

_ محتاجه في المستشفى هنا ؟ 

اومــأ بأصرار ليستطرد متأففًا بنفاذ صبر :

_ ايوة يا عزت هو تحقيق يلا روح هاته 

نهـض عزت بهدوء وهو يغمغم بغضب :

_ كأن عزت ده عيل صغير ياربي 

ثم اتجـه للخـارج بهدوء ليجلب له ما طلب، بينما الاخر كان يجوف بين محيط افكاره بحزن !!!! .... 


                          **********


كـانت " سيلا " تجلس امام ذاك الطبيـب الذي سيجعـل كذبتهـا - الاضطرارية - حقيقة أمام الجميـع ..  

حقيقة ستجعلها ترتجـف لمجرد اقتراب " الصقر " منها، وعينـاها حملت في طياتها رجاء حـار بالطبـع لم يلحظـه، وخيـوط أمـل تنقـطع امامهـا ما أن تـرى معامـلة الطبيب الوديـة لسليـم !! 

وشيئً ما اقوى من الخوف يعتصـر قلبها .. 

هي ستنفي ايًا كان ما سيقوله !!! 

خاطبت نفسها هكذا ربما لتهدأة عقلها الهائـج الذي كان يتخبط صرخًا بين جنبـات عقلها ! 

واقتـراب الطبيب ليجلس امامهـا كان كأقتـراب الخوف والقلق اكثر .. 

بدء جلستـه بسؤاله المعتاد :

_ أسمك اية ؟ 

اجابته بثبات مزيـف :

_ سيلا 

سألها مرة اخرى مستفسرًا :

_ عرفتي أزاي ؟ 

رفعـت كتفيها تقـول الحقيقة هذه المرة :

_ انا عرفاه كدة 

اومـأ ليبدء اسئلته وبالطبـع هي تتقـن كونها - فاقدة الذاكـرة - وما إن انتهى حتى قال لها سليم الذي دلف لتوه :

_ يا دوك لو سمحت نعمل الأشعة بقا عشان نعرف 

اومـأ الطبيب مؤكدًا ليجيب برسمية :

_ حالاً اهو يا استاذ سليم 

وبعد فتـرة ... 

فتـرة مـرت على سيلا كدهـر .. دهـر يمـر بمراحـله البطيئة المعذبة فعليًا 

كأنها فتـرة حـرب ونظرات سليم كالسهام موجهه نحوهـا فيها !!! 

مرت ساعتـان وتمت الاشعة وظهـرت النتيجة التي ستحدد مصيرهـا .. 

استسلمت للأمر الواقـع وجلست مغمضة العينين صامتـة .. 

 وتقدمـت " جميلة " تجلس بجوارها هادئـة ساكنـة .. 

وصدح صوت سليم متساءلاً :

_ ها يا دكتور اية النتيجة، فعلاً فاقدة الذاكرة ولا ؟ 

نظر له بهدوء ليجيب بعدها وهو ينظر لسيلا نظرات ذات مغزى : 

_ فاقـدة الذاكرة فعلاً، الأشعة اللي عملناها ع المخ وضحت كدة !!!!!!! 


                          **********


يتبــع



شظايا قسوتـه 


الفصل السادس : 


 لا يعلـم يهدء دقاتـه الثائـرة ويُهلل أم يلوم عقلـه الذي اصبح الشـك جزءً اساسيًا منه يجعله يشك بمن حوله وكانه واجب !!! 

وكأنه لم يستوعب فهمس ببلاهة :

_ فعلاً ؟ 

اومـأ الطبيب مؤكدًا وهو يشـرح له بإيجاز :

_ ايوة، لأن العقل لو كان سليـم كنا هنقول بتكذب، إنما الأشعة اثبتت كلامهـا 

ابتسـم سليم بهدوء ليقول بعدهـا بأمتنان :

_ متشكرين يا دكتور تعبناك معانا 

هـز رأسه نافيًا :

_ لا ابدًا يا سليم، ده واجبي كـ طبيب العيلة الكريمة 

وسأله مرة اخـرى بنـرة جادة لا تقبل النقـاش :

_ عاوز الأشعـة يا دكتور لو سمحت 

عقـد الطبيب حاجبيـه .. لا يفهم هل وصلـه شكه لمن بينهم سنوات - عِشـرة - 

هل كبر شكه ليقضي على سنوات من الثقـة بناها والده !!!! 

 وسأله ببعضًا من الضيق :

_ حضرتك مش واثق في كلامي ولا أية يا استاذ سليـم 

هـز رأسه نافيًا ومن ثم نطق مبررًا :

_ لا لسمح الله، أنا بس عاوزها عشان حاجة تاني خاصة، وكدة كدة يعني كنت هاخدها ده شيئ طبيعي 

اومـأ مغمغمًا بجدية :

_ تمـام 

نهـض ليجـلب له - الأشعـة - وخرج، لتقتـرب " جميلة " من سليم قائـلة بنبـرة ذات مغزى :

_ إية يا سليم ماطلعتش كدابة وطلعت فعلاً مجرد بنت مش لاقية شغل يعني ؟ 

اومأ ليقول بامتعاض :

_ منا عرفت خلاص يا خالة وصدقت 

ابتسمـت لتقترب منه تشده من اذنـه متابعة بلـوم خفي :

_ قولتلك دي مش من اعدائـك، إلا أنك كنت مصمم وكانك شوفتها عملت حاجة ماتصحـش 

زم شفتيـه بضيق كالأطفال ليرد :

_ كان لازم اتأكد بردو يا خالة 

سألته مرة اخرى :

_ واتأكدت ؟ 

اومـأ بارتيـاح :

_ أكييييييد 

ربتت على كتفـه قائلة بحنـان :

_ طب الحمدلله، يارب بقا وسواس الشـك ده يسيبك شوية 

غمغم ببعض الضيق الحقيقي :

_ إن شاء الله يا خالة جميلة 

بينمـا سيلا كانـت في عالم اخـر .. 

عالم تتخبط فيه بصدمة !!

كيف حدث ذلك !!!!!! كيف اخبره الطبيب بالكـذب !! 

كيف رمـم حبال أمالهـا الضعيفة لتصبح قويـة من جديد ؟!!!! 

كيف ظهـر من العـدم من يجذبها من جوف الظلمـات !

لا تعلم .. لا تعلم ابدًا ولكن لا يهم ... 

ما يهم الان انهـا اصبحـت بامـان !! 

وكأن القلق فـر هاربًا من بين جنبـات عقلها ليصبح الأرتياح مكانه .. 

عادا طيفًا صغيرًا قلق حول كيفية حدوث ذلك !؟ 

نظـرت لسليـم لتقول بانتصار :

_ شوفت إنك كنت ظالمني بس 

فاجئهـا بقوله الحاد :

_ إخرسي، هتهزري معايا ولا اية ماتنسيش نفسك !

ودوامـة من الألم عصفـت بها لتذكرهـا بعدم التدخـل بشؤون ذاك الصقر الجارح احيانًا !!! 

_ سليم 

همست بها خالتـه ليقاطعها مشيرًا بيده بجدية هادئـة ولكنها لا تخلو من الحدة :

_ لو سمحتي يا خالة سيبيني، دي مجرد خدامة انا مش فاهم إنتِ لية متعاطفة معاها زيادة عن اللزوم ؟! 

_ سليم انت من امتى بتجرح في الناس كدة ؟ 

سألته بصوت منخفض مصـدوم بالفعل من تصرفاته التي اصبحت غريبة مؤخرًا !! 

ليجيب بصوته الرخيم :

_ من بدري يا خالة بس يمكن إنتِ اللي مكنتيش واخدة بالك 

_ خلاص يا سليم بيه أنا اسفة 

قالتها سيلا  التي كانـت تنظـر لهم بألم حقيقي احتل نظراتهـا .. خادمة !!!! 

كيف وهي سيلاااا .. سيلا صاحبة الشـأن العالي، الغالية ... 

آآه كم اشتاقـت لجدهـا الحبيب، أشتيـاق غُلـف بالألم الشديد !!! 

والطريـق للعودة لأهلهـا امامهـا بالرغم من انه اصبح قصير إلا انها من زواية الحزن والالم التي تعمقتها تـراه طويلاً وجدًا ! 

صمتت خالته وصمتت هي .. 

كيف لا تصمـت والصمـت هو وسيلتها الوحيـدة .. 

الصمت الذي يأسرها دائمًا خلف طياته العميقة !!! 

تقدم الطبيب بالأشعـة واخذهـا منه سليـم لينهض متجهًا للخارج دون كلمة اخرى تتبعـه خالته التي تعجبت من عودتـه لكلامه الذي لا يكـف عن قطـر سمًا مميتًا !!


                           *********


وصـل " مجـدي " إلى شقتـه الأخرى الذي استأجرهـا مؤخرًا .. 

لزوجتـه التي تُعـد اهم عقبة في حياة " رقيـة " !!! 

رقية التي تركهـا وركض لتلك العروس التي من المفترض انها ليلة عرسها ! 

تركهـا تغلي الدماء بين اوردتـها .. تتلـون باللون الأحمر من شـدة الغضب .. وكأن ذاك اللون يزداد كلمـا زاد الغضب 

درجات الغضـب التي وصلت لها لا تُحصـى ولا تعـد !!! 

وفتـح الباب ليجـد بدور تجلس على الأرضية ويدهـا تنـزف الدماء وهي تكتمهـا بقطعة قطنيـة بيضاء !! 

ركض لها ليسألها مسرعًا :

_ اية اللي حصل يا بـدور ؟ 

 نظـرت له بعينـان - كانـت - من اللون العسلـي، واصبحت حمراء من البكاء !!! 

لتقول بشهقات متقطعة :

_ إيدي، إيدي وجعاني اوي والازاز دخل فيها يا مجدي 

سألها مرة اخرى بتوتر :

_ طـب إزاي ! 

اجابت بحزن :

_ كنت آآ كنت بأحضـر اكل، والطبق الازاز وقع من فوق على إيـدي 

لا يعـرف ماذا يفعـل !!! 

يتأفف لكونهـا جلبتـه لإصابة غير خطيرة .. 

ام يركض ليداوي يدها التي دخل فيها الزجاج !!!

ومابين تلك الحيـرة التي لا تناسب ما يحدث إطلاقـــًا صرخت فيه هي بحدة :

_ اعمل حاجة بقولك الازاز دخل في إيـدي 

نهض مسرعًا ليجلب لها الأسعافات الأوليـة، وبعد قليل كان قد انتهى من مداواة جرحهـا ... 

بينما هي كانت تتفحصـه .. 

مجدي علـوان .. 

الزوج الذي لطالما تمنتـه .. بعيوبه قبل مميزاتـه، بتتشتاتـه وعصبيته وعلاقته بزوجتـه التي رأت فيها سلاسل تقيدهم ببعضهم !!! 

وحتمًا ستفصلهم بمطرقة - الغيرة - 

لا يهم السبب .. ولا يهم ذاك العشـق الذي يتلاحم بينهم مع الوقت اكثر !! 

أنتبـه لنظراتـها ليسألها ببلاهـة :

_ مالك ؟ 

رفعـت كتفها العـاري الذي لم ينتبـه له إلا الان لتجيب :

_ مليش، منا كويسة جدًا اهوو 

اومـأ وهو ينهـض متجهًا للغرفـة التي خصصها له وقال :

_ انا داخل ارتاح شوية يا بدور 

هتفت بسرعة :

_ طب استنى 

بالطـبع لن تتركـه، بعدما حالفها الحظ واستجاب نداءها ليأتي تتركه ؟! 

لا والله لن تفعـل .. سحر عينـاه الذي يجذبها كالمغناطيس اساسًا لن يجعلها تتركه !!!!! 

كاد يغلق الباب إلا انها منعته ثم دلفـت واغلقت الباب ..

عارضـت احدى قوانين الطبيعة واصبحـت الفريسة هي من تعـرض نفسها على صائـدها !!؟ 

نظـر لها قاطبًا جبينه بضيق وسألها :

_ في اية يا بدور 

اقتـربت منه ببطئ، وقدماها يتلمسان وهي تسير مترنجـة - عن قصد - وكأنها سخـرت سيرتهـا الدلاليـة لتجذبه هي مرة !! وكأنها عارضة ازياء، وأنتبـه لــ - قميص نومهـا - الذي ترتديـه !! 

لم ينتبه وكأنه لم يراه، ولكن الان اجبرته عيناه كـ رجل للتحديق بتلك الفاتنة التي تعرض نفسها عليه بوضوح !!! 

اصبح امامـه متلاصقـة به، لتشعره بسخونة جسدهـا وهمست :

_ إنت اللي في اية كأنك مش طايقني 

هـز رأسه نافيًا ومن ثم اجاب ؛

_ لا ابدًا كل المشكلة أني تعبان شوية من الشغـل وكدة 

وضعت اصابعهـا تحسس على جبينه لتتابع همسها الذي اصبح مثير :

_ أنا هريحك بطريقتي الخاصة، هتنسي كل همومك 

هـز رأسه نافيًا ببعضًا من التوتر لهذا القرب الذي يعلم سببه الخفي :

_ لا انا هنام شوية وهبقى كويس 

وقررت أستخـدام - الوسيلة الوحيدة - ونقطة الضعف لصالحهـا .. 

لتهتف بعدهـا بدلال يشوبـه بعض الحزن :

_ مجدي النهاردة ليلة فرحـنا، وأنت عايز تنام وتسيبني ؟ 

تنهـد بضيق وقد أيقن أن لا مفـر !!! 

وكاد يكمل :

_ لا مش كدة بس انا تعبـان شوية وآآ 

وكانـت هي الأسـرع بقبلـة دامية تكـن هي فيها الطرف الراغـب !! 

وكرجـل كان الاغـراء اول من يراه منهـا أستسلم لاغوائهـا !!!! 

ومد يده يحيـط بخصرهـا ويبادلها قبلاتهـا ليحملهـا ويلقيها على الفـراش، ليدلـف معها الي عالم ... الرغبة فقـط !!!! 

ما به من عشق او حنان !!! 


                         **********


في منـزل " الصقـر " تحديدًا بجـوار المطبـخ، جزءً خالي من المنـزل، وقـف إحدى الرجـال، يرتـدي الملابس المعتادة لأهـل " الصعيـد " جلبـاب من اللون الرمادي، وعمامـة بيضـاء، ظل يلتفت حوله يتأكد من عدم مراقبة أي شخص له، ثم اخرج الهاتف الصغير ليجيب على الاتصـال :

_ الووو يا باشا 

_ ايوة يا زفت مابتردش على التليفون لية ؟ 

_ معلش يا باشا ماعارفشي أتكلم كَتير اليومين دول 

_ ماشي المهم أية الاخبار 

_ مراجبها يا باشا زي ما حضرتك امرتني

_ وبلغت بوليس او لاحظت انها بتتكلم ف التليفون مع حد او اي حاجة 

_ لاه يا باشا، انا عيني مابتترفعش من عليها 24 ساعة كأني ظلهـا 

_ مش عايز تقصير يا حسنين الموضوع ده فيه قطـع رقاب، لو البت دي حد عرف انها كانت مخطوفة اهلها لو رجعتلهم هيودونا لحبل المشنقـة 

_ متجلجشي يا باشا، ماهتخرجشي ولت هتتكلم مع حد الا وانا عارف 

_ وياريت ماتجتمعش مع الصقر كتير 

_ رغم انها صعبة بس حااضر يا باشا هحاول أنت تجمر وكله بحسابه 

_ طيب لو في حاجة بلغني 

_ اوامـرك 

_ سلام 

_ سلام يا باشا 


أغلـق الهاتف وهو ينظـر حوله مرة اخـرى، وضـع الهاتف في جيب جلبابه مرة اخـرى، ليتنهـد قبل ان يمط شفتـاه هامسًا بضيق :

_ كم هي بت هبلة، جاعدة چمب أجرب الناس ليها وماعرفاش تعمل إية !!!!!! 


                             **********


منـزل كبيـر .. غـرف واسعـة به، واثاثـه حديث يدل على فخامتـه ... 

كان يقـف هو على السـلم يرتـدي ملابسـه المهندمة والتي كانت عبـارة عن بنطال جينـز وتيشـرت من اللون الأخضـر يتناسب مع بشـرته القمحيـة .. 

بين اصابعه السمراء السيجـار، وأمامـه هي مُلقـاة على الأرض، شعرهـا الأسود مشعث حول وجهها الأبيض بعشوائيـة .. 

نظـرت له بعيناها الخضراء الممتلئة بالدمـوع لتقـول برجاء حار :

_ حرام عليك يا حازم، حرام عليك هروح فين 

اجابها ببرود ثلجي :

_ معرفش اتصرفي بقا يا ناديـن، انا حذرتـك إنك تبلغي شرطة او تعملي حاجة وإنتِ ماسمعتيش الكلام 

هـزت رأسها نافية لتتشدق باستنكار :

_ حرام عليك عايزني أسكت عن حقي في ورث اهلي وتاخد أنت كل حاجة !

اومـأ ليجيب بهدوء مستفـز :

_ ايوة لان انا اللي هعرف احافظ على الفلوس دي مش إنتِ 

نهـضـت لتركض له وهي تهمس بصوت مبحـوح :

_ طيب سيبني أقعـد وأوعـدك هتنازل عن القضية وهسكت خالص 

قال نافيًا :

_ لأ، قولتِ كدة قبل كدة ومعملتيش كدة، وأنا مش فاضي لوجع الدمـاغ ده 

ثـم دفعهـا بيـده لتسقـط ارضًا متأوهه بألم يسكـن روحها التي كادت تنكسر قبل جسدهـا، ليكمل بخبث دفين :

_ لكن كدة، هيفتكروكِ موتـي وتبقى كل حاجة ليا رسمـي !!! 

حاولت إقناعـه بحزن حقيقي :

_ دي وصية بابا يا حازم ؟ طب لو مش عشان بابا عشان ربنا 

رمقـها بنظرات قاسيـة وعيناه السوداء تحتد، تناسقًا مع ملامحه الحادة قبل أن يزمجر فيها بغضب :

_ وإنتِ معرفتيش ربنا لما روحتـي تبلغـي وتشحطتي اخوكِ في الأقسـام 

صرخـت فيه بعدم تصديق : 

_ بس متقولش أخوكِ، أنت إستحالة تكون أخويا، أنت مش بني ادم أنت شيطان اكيد شيطااان !! 

صفـق بيـده ليستطرد بعدها بابتسامة مستفزة :

_ أيوة شيطان عاجبك ولا لا ؟ 

وإن كان للشيطـان خليفة في الدنيـا 

فإنه هو خلفيتـه، وبالطبـع الشيطـان لا يعـرف للرحمـة معنًا !!!! 

ولكن هي.. هي التي ستمـوت قهرًا، تبحـث عن خيطًا واحدًا للرحمة من بين فروع قسوته وجحوده اللانهائي 

خيطًا نابع من طفولتهم سويًا .. 

وصية أبـواه الراحليـن... رحمة نابعـة من حنانه الفطري تجاه اختـه 

ولكن .. لم تجـد، وجدت فقـط ينابيـع من الجشـع وحب المال يتدفقـا من عيناه القاسيـة !!!!! 

وقالت بهمس يائـس :

_ انا حتى معرفش حد في الأقصر يا حازم

اومـأ مؤكدًا ببرود :

_ وهو ده المطلوب، إنك تكوني هناك ومحدش يعرفك عشان محدش يعرف إنك لسة عايشـة

توسلتـه لأخر مرة :

_ طيب ادينـي اي فلوس وحاجتي وانا همشي ومش هاوريك وشي تاني 

مـط شفتاه ليجيبها ساخرًا بما صدمها فعليًا :

_ إذا كان انا مش هاديكِ بطاقتك الشخصية يبقى هديكِ فلوس !!!؟ اكيد لا

وجحظـت عيناها بعدم تصديـق، لتهمس بعدها ببلاهة اضحكته :

_ أنت بتقول اية، أنت مجنووون !!!!

ضحـك ليردف مستفزًا :

_ ايوة للأسف مجنون بالفلـوس

ولم يعطيها الفرصة لتستمر بالحديـث فصفق بيده ليأتي رجلان مفتولي العضلات، فأشار لنادين وقال :

_ أنتم عارفين طبعًا هتودوهـا فين ؟ 

اومـأ بتأكيد لتصرخ هي بهلـع عندما سمعت كلمته الآمـره :

_ طب يلا امشـوا !!! 

ظلت تصرخ :

_ لااااااا حرام عليكم سيبوني ، بابااااااااا لااااااا

وذهبـوا بها، لتواجـه باقي جرعـة عذابهـا والتي كانت سببًا أخر لما هي به .. 

وكأن القدر يختبر قدرتها التي نفذت على الأحتمـال !!!! 

استيقظـت نادين من نومتهـا القصيـرة لتصرخ بفـزع حقيقي :

_ لاااااااا سيبوني 

إرتعـد ياسين الذي كان يجلس بجوارها منتظرًا استيقاظهـا .. 

يراقبهـا بعينـاه التي كانت كالمرصاد عليها، تتلهف لشيئً خفي لا يفهمه !! 

امسـك بيدهـا يحـاول تهدئتهـا وهو يهمس :

_ إهدي يا نادين ده مجرد كابوس إهدي 

ظلـت تردد بهذيـان :

_ شيطان .. شيطااان كلكم شياطيـن 

ولم يجد حلاً لتهدأتهـا سوى احتضانـه الحنـون .. وملجأها الوحيد الذي اصبحت لا تهدأ، إلا بينـه !!!! 


                            *********


استـأذن " سليـم " من خالتـه لتذهـب هي الي المنزل مع السائـق 

واخذ هو سيلا بسيارته الخاصة، انطلق بهـا الي مكان مـا !! 

كانت تجلس بجواره، تنظـر له كل ثانيـة.. السـؤال الوحيد على حافة لسانها 

" إحنا رايحين فين ؟ " 

ولكـن، نظراتـه الحادة المصوبة نحوها كانت دائمًا الحاجز القوي لتصمـت !! 

واخيرًا نطقت عندما نظر امامـه :

_ ممكن افهم انت واخدني على فين ؟ 

نظـر لها بحدة لتلعن لسانها الذي تفـوه الان في خلدهـا .. 

ولكن حاولت استجماع شجاعتها وهي تهمس ساخرة :

_ ده انا لو شتمتك مش هتعمل كدة 

صاح فيها بحدة مماثلة لنظرات عيناه :

_ تعرفي تخرسي ولا لا ؟ 

لم تعـرف من أين اخترقتهـا القوة لتعـارض كلام الصقـر !! 

كلامـه الذي كان دائمًا كالخـط الحديدي المستقيـم، إن انحرف عنه اي شخص دمره بأشواكـه !!!!

فقالت له بعنـد افتقده لفترة تطيع فيها الأوامر فقط :

_ لا مبعرفش، أنت مجرجرني من إيدي زي العيلة الصغيرة معاك ومقولتليش إحنا رايحين فين وكمان عايزني اسكت !؟ 

لم يـرد عليهـا ظل يقـود وهو يضغط على المقود علها يكـبت غيظه لفترة اطول .. 

فتابعت هي بغيظ :

_ لأ وكمان أنت اللي مابتردش عليا، اللي يشوفك يقول إنك تقلان عليا وانا بتحايل عليك تكلمني، كل الموضوع إني عاوزة اعرف احنـا فين بس لكن أنت لازم تطنشني زي الكلبة كدة، اه ماهو طبعك ولا هتشريـه 

اوقـف السيـارة فجأة لتصدر صريرًا عاليًا، وصرخ فيها وهو يضع يده الخشنة على شفتاها الناعمة :

_ بسسس، إنتِ اية يخربيتك راديو وإتفتح !!؟ 

 كـانت تنظـر له مذهولة وعيناها متسعـة على اخرهـا .. شفتاهـا ترتجـف أسفـل يـده، وزوايـة من بين نظرات عيناها تترجـاه أن يبتعـد .. هي تكره أي اقتـراب !!!! 

لاحـظ يده علي شفتاهـا .. للحظة خيل له شيطانـه إن كانت شفتاه هي من تطبـق على شفتاهـا !!!! 

يتذوقهمـا مثلما أراد !! 

لا لا ما هذه الحماقة !! 

قال هكذا في خلده قبل أن يفيق من شره على صوتها الهامس ببلاهة :

_ أنت مجنون ؟!!! 

اجابها بجدية شابتها الحدة :

_ أنا بردو اللي مجنون، ثم أنك أزاي تقولي كدة، قولتلك قبل كدة ماتنسيش مقامك واعرفي إنتِ بتتكلمي مع مين !

هذه المرة لم تصمت بالرغم من الألم الذي احتل كيانهـا، بل صرخـت فيه باهتيـاج :

_ حرام عليك، حراااام عليك بجد انا مش فاهمـة انا عملتلك اية، كل ما اتكلم اسمع منك إهانـة، او تهزيق او مش بعيد حتى شتيمـة، هو انا مرات ابـوك، ولا انت دي طبيعتك وكلامك على طول دبش كدة بترميه في وش اي حد، حرام عليك محدش حاسس بيا، أنا مخنوقـة اوي، تعبانة اوي وحاسه اني هموت من كتر الضغط، كل شوية ماتنسيش نفسك ماتنسيش نفسك، أنا مش فقيييييرة انا زيي زييك ويمكن أحسن منك 

بدءت تبكِ بحدة، نحيـب كانت تحاول كتمه منذ قدومهـا، ولكن ذاك الحاجز إنهـار فعليًا، قدرتها على الأحتمال أنعدمـت !! وصمت برهه واكملت ما قذفته به :

_ صدق اللي سماك الصقر، فعلاً اسم على مسمى، وانا معرفش إية اللي وقعني في طريق الصقر ده !!!!! 

سمعت همسـه بنبرة غير مفهومة لها :

_ القدر !!!!! 

وفجأة اتسعت حدقتا عيناه وهو يرى ... 


                           *********


يتبـع


شظايا قسوتـه 


الفصل الســابــع : 


نظـرت له بعدم فهم لتلك النبـرة التي سمعتهـا، هي لم تخطئ، ام ان اذنيهـا هيئـت له نبرته الهادئـة و.. الحنونـة عطفًا عليها من سلبيات تتوغلها لتخنقهـا !!!! 

تنظر في عينـاه علها تستطـيع قراءة سطـور عينـاه .. 

ولكن كلما دققـت النظر وفشـلت، شعـرت انها فاشلـة .. بفـك رمـوز عيناه الغامضة !!

وكالعـادة في هذه المواقف تظهر البلاهة فتقـول :

_ نعم ! 

رفـع حاجبـه الأيسـر ليهتف بتهكـم صريح :

_ إية اول مرة تسمعي عن القـدر ولا أية ؟

هـزت رأسها نافية لتمسـح دموعهـا قائلة :

_ لا بس اول مرة اسمع إن الصقر مؤمن بالقـدر 

سمعته يتابـع :

_ خيره وشـره !! 

إرتسـم على فاههـا ابتسامة ساخـرة، لتستطرد مستنكـرة :

_ ماشاء الله اللهم بارك، وده من امتى !!! 

رفـع إصبعه في وجهه ليحتد قائلاً :

_ إلزمـي حدودك ياريت، وماتتجاوزيش الكلام معايا مرة تانية عشان هيبقى ليا تصـرف مش هيعجبـك إطلاقــــًا !

إلتمـعت الدموع في عينـاها 

دمـوع حُبسـت للمرة الثانيـة خلف غلاف القــوة !!! 

لتسمـع قوله القاسي :

_ لا لا مبحبش دموع التماسيح دي، أنشفي كدة وبطلي دلـع مش كل ما حد هيكلمك هتعمليله كدة !! 

صرخـت فيه بحـدة وكأنها اكتسبتها من كثرة الاهانـات :

_ ملكش دعوة أنا مخدتش رأيك، أنت حيـوان مابتحسش زي بقيت الرجالة وبقيت الناس عمومًا، ده مش ذنبـي !! 

ولم تشعـر إلا بصفعة تسقط من يده على وجنتاهـا التي إلتهـبت بحمرة ازدادت !!! 

لم تصـدق عيناهـا !!!! 

جوابـه كان صفعـة .. صفعة قاسيـة جعلت الحروف تُلجـم بلجـام قسوته المعهودة، والتي كان يحاول التحكم بها لتصبح " شظايا قسوتـه " ولكنها ... 

داعبـت تلك القسوة بقوة بكلماتهـا المزينـة بإهانـة لرجل شرقي - صعيـدي - لا يقبل الإهانـة .. 

فانفجـرت تلك القسوة لتخرسهـا هي !!!!! 

وهو .. عقلـه القاسـي يؤيده وبشـدة، ويقـدم له المبـررات !

وقلبه العطـوف يلومـه على ضـرب الأنثى التي كان يدافـع عنها مسبقًا فانقلبت القاعدة التي أرساها .. ليسقط هو ندمًا قبلها !!!! 

ولكنه أصبح في مرحلة، لا يجدي الندم فيها نفعًا ! 

وتحـكم عقله بتصرفاتـه ازداد حد التنفيذ فقـال بحـدة :

_ مع إني عمـري ما فكرت أمد ايدي على واحدة، بس إنتِ تستاهليه عشان تتحكمـي في لسانك وماتغلطيش فـ راجل تاني، لأ ومش اي راجل، ده راجل صعيـدي

ثم صـرخ فيها زاعقًا :

_ ساااامعـة 

حاولت فتح الباب وهي تبكِ قائلة بهيستريـا :

_ لأاااا مش سامعـة، مش سااامعة ومش هسمع، إفتح لي الباب ده عايزة انزل 

هـز رأسـه نافيًا ليمسكهـا من ذراعهـا يشدها نحـوه قبل أن يردف بصوت جاد :

_ إنتِ مجنونة، إحنا بقينا بليل، انزلك فين، إنتِ هتشتغلي زي ما كنتِ، خدامـة !! 

بـدءت تبكِ بهيستريـا .. تبعده عنهـا وهي منهـارة تمامًا !!! لم يكـن يتخيل أنها ستنهار بهذا الشكل .. 

لم يكن يتخيل أن ذلك الضعف يتوارى خلف القوة والعنـاد المزيـف !!! 

أن صفعـة متهورة لأول مرة تعرفه معنى التهور في حياته ستقلب صفحات حياتها الجامدة هكذا !؟ 

وحلاً متهورًا طار في أفـق عقله، ليمسكهـا يشدهـا نحوه فجأة .. 

ويلتهم شفتاهـا بنهـم في قبلة داميـة.. قبلة هادئة وحنونة عصفت بكيانهـا لتهزه !!! 

هدفهـا ان يلهيهـا عن الانهيـار وينتشلها من ضعفهـا !! 

يتذوق شفتاهـا وهو مغمض عينـاه يسرق تلك اللحظات التي ربما سيقتل عقله لومًا عليه فيما بعد !! 

دفعتـه عنهـا وهي تمسـح شفتاها التي كادت تدمي دمًا من إلتهامـه، لتهمس مصدومة بعنف :

_ أنت زيههم، زي كل الرجالة، مجرد واحد بيمشي ورا رغباته بس

_ اخرررسي، ماسمعش صوتك لحد ما نوصل فاهمة 

ضغـط على يـده بقوة يحاول التحكم في غضبـه حتى لا يضطر لفعل ما فعل مرة اخرى فيصبح النـدم الضعف !!! 

وللحـق .. هو نفسـه لا يفهم كيف فعلها ! 

كيف فعلها وهو يمطرهـا من سماء قسوته دائمًا ولا يأبه بها !!!!؟ 


                           **********


جلـس ياسيـن ليلاً في إحـدى المطاعـم الشهيـرة، وامـام النهــر تحديدًا ليشكيـه همـه، يشكيه هم عشـق كُبل به .. 

وفعليًا هو حاول تقبلـه، ولكن ماذا يفعل في قلب لا يُظهـر سوى النفـور لها !! 

لتلك التي تُدعـى خطيبتـه !؟ 

كان ينتظرهـا بعدما اخبرها بتلك المقابلة - الجبريـة - لترتدي ملابسها وتسرع إليه .. 

وصلـت فتقدمـت منه بأناقتهـا المعتادة، وشعرهـا المنسدل على ظهرهـا يحيط بملامحهـا الهادئـة بينه .. 

هو لا ينكـر جمالها، ولكن .. كم جمالها الهائـل لا يكتـم خانـة العشق فيملأهـا !!! 

جلسـت أمامـه على الكرسي الخشبـي وامامهم منضدة صغيرة تفصلهمـا .. 

إبتسمـت بفرح لتقول بعدها :

_ لما كلمتنـي مصدقتـش إنك فعلاً عاوزنـا نتقابل وجتلك جري رغم اني زعلانة منك

غامـت عينـاه ببـرود حقيقي لم يخفـى عنهـا ليهمس :

_ معلش بقا 

اومـأت متحمـسة، غير مباليـة ..وكأن ما رأتـه لم يكـن سوى شريـط سينمائـي لم يعجبهـا فمزقتـه .. وألقت به في جوف عدم مبالاتهـا !!!! 

وقالـت بابتسامـة شقـت وجههـا :

_ يلا بقا نفكـر في الڤيلا اللي بقالنا كتير ماشوفناش العمال بيعملوا فيها إية

 وتتكـدس المشكلة في كل مرة عن ذي قبل !!!! 

بكل مرة يزداد توهـج عيناها وهي تتحدث عن زواجهـم !!!

يصعب عليه أن يطفأه بنفـوره الأبدي منها !!!! 

وما يصعب الأمـر اكثر تلك التضحية الضعيفة التي تسكـن مقلتيها ! 

افـاق على همسهـا المتساءل :

_ ياسين روحت فين 

اجاب بابتسامة صفراء :

_ لا معاكِ اهو، المهم تشربي أية ؟ 

بادلتـه الابتسامـة - الحنونـة - لترد بهدوء :

_ أي حاجة، ولا أقولك .. اطلب لي زي ما انت هتشـرب 

اومـأ ليشيـر للنـادل وبجدية :

_ اتنين برتقـال لو سمحـت 

نظـر لـ ماهيـتاب مرة اخـرى لتقـول هي بجديـة متحمسـة :

_ يلا نشوف الموديلز على الانترنت ونختار 

وكـانت اجابتـه معتـذرة متلعثمة بعض الشيئ :

_ ماهي إحنا لازم نتكلـم في حاجة 

 سألتـه متلهفـة بابتسامة :

_ نتكـلم في إية ؟ 

يخبـرهـا ويحطمهـا وينتهي الأمـر !!!! 

أم ينتظـر حتى يزداد توغـل العشق فيهـا فيصبـح يسري معها كنسمـات الهواء الطـلق !؟ 

والأختيـار يصعـب كلمـا فكـر فيه يشعـر به يتلفت منـه فيخنقه التفكير أكثر ! 

حسـم الأمـر وقال بجدية :

_ ماهي انا مش عاوز أظلمك معايا 

سألته بتوجس وقد زالت ابتسامتها :

_ قصدك إية يا ياسين، أنت مش ظالمني ابدًا 

وأخـذ نفسًا عميقًا يستعـد به لملاقـاة دفاعتهـا القوية وسألهـا :

_ إنتِ مبسوطة معايا يا ماهي ؟ 

اومـأت مؤكدة بلا تردد :

_ طبعًا يا ياسين، أنا عمري ما كنت مبسوطة زي دلوقتِ 

فاجئهـا بجملتـه المغيمـة بالضيق :

_ بس أنا حاسس إني مخنوق 

وسؤالها المصدوم كان رد فعل طبيعي :

_ يعني إية ؟ 

رفـع كتفيه وأجاب ببراءة صادقة :

_ يعني انا كل مرة بقنع نفسي إني هأحبك مع الوقت، لكن كل ما فترة تمـر بأحس إني شعوري مابيتغيـرش 

هـزت رأسها نافيـة وبررت :

_ إنت ملحقتش تدي نفسك فرصة يا ياسين صدقني 

أستطـرد متنهـدًا بهدوء حـازم :

_ أديـت، متهيألي 4 شهـور فرصة كويس لنفسي اللي هي مش عاوزة تحب، أنا أسف يا ماهيتـاب 

برقـت عيناهـا من رفـض غير متوقـع ابدًا !!! .. رفـض أقسمت انه لن يأتي يومًا ربما لأنه مقيدًا بالمصالح المشتركة بين والديهـم ؟!

وسألته هذه المرة بسذاجة :

_ لا لا مستحيل، إنت متأكد من اللي إنت بتقوله ده يا ياسيـن 

اومـأ مؤكدًا :

_ أول مرة أكون متأكد كدة 

زمجـرت بغضـب عمى عيناها عما تقوله :

_ اه قول كدة بقا، كل ده عشان الحيوانة المجنونة اللي كنت حاضنهـا في المستشفى صح ؟ 

إتسعـت حدقتـا عينـاه السوداء 

رأتــه !!! 

رأتـه بالفعـل وتغاضـت عن هذه !!!

تغاضت عن جزءً منها .. ألا وهو الغيرة الفطريـة ؟! 

 ولكـن اجابتـه كانت بغضب مماثل :

_ ياريت تعرفي كلامك كويس، ثم أني مش شغال في السرايا الصفرا، أنا شغال في دار للأيتام، والبنت اللي إنتِ بتقولي عليها حيوانة ومجنونـة دي ممكن تكون أحسن منك، " إن الله لا ينظـر إلي صوركم وأموالكم، ولكن ينظـر إلى قولبكم واعمالكم " اما اني حضنتها ف ده شيئ مايخصكيش يا أنسة ماهيتاب 

نهـض وهو يخـرج الأموال ليضعها على المنضدة ويسير هاتفًا في حنق :

_ عكننتِ مزاجي الله يسامحك 

غادر لتكـز هي على أسنانهـا بغيظ، وخرج همسها متوعدًا بشراسـة :

_ مش هاسيبها لك يا ياسين صدقني !!!! 


                              ********


جـلست " رقيـة " في غرفتهـا، تلك الغرفة التي شهـدت حالاتهـا المتغيـرة ... 

تحديدًا على فراشهـا الكبيـر، امام الكمديـن الذي يحمـل سـرًا مغلف بقدرتـه الجبارة على تدميـر حياتها مع " مجدي " 

أخرجـت الدواء من الدرج، لتنظـر له .. 

وعيناهـا تنطـق بما على طـرف لسانهـا 

" أخد منع الحمل زي ما انا ولا لا " 

" مبقتش عارفة محتارة أوي " 

" لا بس مجـدي اتغيـر فعلاً، وبطل المخدرات خالص !! " 

" وافرض رجعلها في أي وقـت ؟! " 

تأففـت وهي تكاد تضـعـه في الدرج مرة اخـرى بغيـظ .. 

وانتهـت تلك الأمـواج المتلاطمة داخلها باصطدام في صخرة الواقـع 

ألا وهي " مجدي لا يستحـق ما تفعله !!! "

وفجأة فُتـح البـاب ودلفت ابنة خالتهـا " أمنيـة " دون أن تطرقـه .. 

فشهقت رقية وهي تقول :

_ في إية يا امنية خضتينـي 

غامـت عيناها بخبـث تحفظه رقية عنها، وسألتـها مباشرةً :

_ لية إنتِ كنتِ بتعملي حاجة ولا إية ؟ 

هـزت رقية رأسها نافيـة بارتبـاك وتلعثمت وهي تجـيب :

_ لأ طبعًا، هــ هكـون بأعمل إية يعني !؟ 

اومـأت أمنيـة، وإلتزمـت الجدية وهي تخبرهـا :

_ طيب، على العموم حماتك جات تحت، عايزة تشوفـك 

سألتهـا عاقدة حاجبيها :

_ إنتِ جاية معاها ولا إية ؟ 

هـزت رأسها نافيةً بسرعة :

_ أكيد لأ، أنا كنت جاية لك عادي، قابلتها تحت شكلها هي كمان لسة جاية وقال إية جاية تسلم عليكِ 

زمـت رقية شفتاها ساخرة :

_ كتر خيرها بصراحة

نهضـت بهدوء لتغلق الدرج متجهه للخارج، واغلقت الباب خلفها ثم نزلت امام أمنية التي ابتسمت وهمست بخبث :

_ هبلة، مفكراني مشوفتش الدواء اللي  كانت بتخبيـه !!!!! 

... 

ابتسمـت رقية ابتسامة صفـراء أرهقتهـا لأخراجهـا في وجه تلك السيـدة الخبيثة المكروهه، والتي لا تدعـو ملامحها الي الابتسام امامها ابدًا !! 

فيما هتفت الاخرى بفـرح لا تتدعيـه :

_ اهلاً اهلاً بمرات أبني الغاليـة 

جلست بجوارهـا وهي تبادلها الابتسامة متمتمة :

_ نورتي يا طنط 

ربتت على كتفهـا وقالت بتلقائيـة :

_ بنورك يا حبيبتي 

ثم سألتـها بهدوء يمـوج به الخبث :

_ عاملة إية يا روكا  

_ الحمدلله تمام اهوو

قالتهـا وهي تنظـر امامها تعبث بأظافرهـا، كـزت الاخرى على أسنانهـا بغيـظ، وقد قررت بث بعضًا منه لها بكلامها فقالت بحزن مصطنـع :

_ معلش يا حبيبتي أنا عارفة أنها صعبة 

نظـرت لها رقيـة، وضيقت ما بين حاجبيها وهي تسألها :

_ هي إية دي اللي صعبة يا طنط ؟ 

وضعـت يدها على فاهها بصدمـة إرتسمـت على محياها بمهـارة في الاصطناع وأردفت :

_ لا مش معقـول متعرفيش إن صباحيـة أبني مجدي النهاردة 

وعندمـا تجـد الغيـظ هو فقط امامـك .. 

والغضب يتهافـت من عينـاك 

فاتخـذ الانفجـار طريقًا لك !!!!

وبالفعـل صرخت فيها باهتيـاج :

_ إنتِ مجنونة ياست إنتِ

نهضت الاخر تصيح فيها بحدة :

_ لا ماسمحلكيش، كل ده عشان قولتلك صباحية إبني 

ضغطـت على يدهـا بقوة وتابعـت مزمجرة :

_ صباحية إية ونيلة اية يا ولية إنتِ 

 سـارت متجهة للأمام بنفـور وقالت :

_ لا ده إنتِ بقيتي بيئة اووي يا رقية، انا ماشية ولما تعرفي تتكلمي نبقى نشوف 

أوقفتهـا رقية بقولها الجامد :

_ إستني هنا 

سألتهـا بسخرية :

_ ها في إهانة تاني ولا إية ؟ 

عقـدت ساعديها وهي تقول بصوت خالٍ من أي موجات عطوفة :

_ قوليله يبعتلي ورقة طلاقـي !!!!!! 


                          *********


وصـل " سليـم " امام إحـدى المحلات  التجارية للملابـس، نظـرة خاطفة نحو " المحـل " لتسأله بجدية غير معهودة منها :

_ إية ده إنت جايبني هنا لية ؟ 

نظـر لها بطرف عينيـه واجابته كانت باردة ملغمة بالتهكم الصريح :

_ هما بيعملوا إية في محلات الهدوم يا أنسة ؟ 

تأففت قبل أن تتابـع مستنكـرة :

_ بيشتروا هدوم بس إنت مين قالك إني عاوزة أشتري هدوم يعني !!؟ 

أشـار لعقلـه وقال :

_ ده، ويلا مش عاوز رغي كتير هه 

ترجـل من السيارة بهدوءه ورزانتـه المعتـادة ليتجـه نحوهـا، نظـر لها مضيقًا عيناه وسألها :

_ ما تنزلي مستنية إية حضرتك ؟ 

وكـأنها عاد لها قنـاعها المعتاد، ذو الكبرياء اللانهـائي كجبلاً لا يعـد ولا يحصى من الرمـال !!!

فنظـرت له نظرة ذات مغزى وأردفت :

_ مش لما تفتح لي الباب ؟ 

كـز على أسنانـه بغيظ حقيقي وكاد يفتك بها وهو يفتح الباب ليقول :

_ أنا مش الشوفير بتاع أبوكِ عاد يا أنسة 

نظـرت له من أعلاه إلى أمحص قدميه وهتفت :

_ ملكش دعوة بـ بابا لو سمحـت 

بالرغـم من عدم مبالاتـه .. من عدم حبـه لها اطلاقـــًا !!! 

إلا انها لن تلـوث تلك العلاقـة الأبوية من الطرفيـن !! 

دلفـوا إلى احدى المتجر .. تحديدًا إلى قسم السيـدات، في حين لم تتوقـف هي عن قول :

_ قولت مش عاوزة هدوم مش عاوزة زفـت 

وقسـوة تلقائيـة تمسـكت بخيوط رده اللاذع ليصرخ فيها :

_ معنديش خدم يلبسوا هلاهيـل، إنتِ هتشتغلي في بيت الصقر يا أنسة 

بدءت تشعـر أن كلامهـا ماهو سوى مغناطيـس للإهانـة !!! 

كلما حدثتـه بشيئ تلقت إهانـة تلقائـية تتلبس كلماتـه السامة !! 

وكالعادة سارت وشفتاها التي ترتعـش كانت خير دليل على محاولتها لكتم دموعهـا ... 

كانت صامتـة تمامًا في حين كان هو يختار لها الملابـس .. 

ملابـس مهندمـة تليق بتلك الطبقـة العاليـة، وكأن هو من سيرتدي تلك الملابـس وليست هي !!! 

استقـر على فستانًا طويلاً خاص بالمحجـبات، ضيق من الأعلى وواسع الى حدًا ما من الاسفل، تربطـه " فراشـة " عند الخصـر .. 

نظـر لها وهو يعطيها الفستـان وقال بخشونة :

_ خشي قيسي ده 

لم تتكـلف سوى بنظـرة باردة فقط، فكرر جملته الملحة :

_ بقولك خشي قيسي ده يلا 

عقـدت ذراعيهـا، واخرجـت حروفهـا مزخـرفة بالحدة الملاصقـة :

_ لأ، ماقبلش إن حد يصرف عليا 

ألقـى به عليها وقـال بجمود :

_ ده هيبقى من مرتبك يا انسة مش مجاملة لجمال عيونك 

تأففت وهي تستديـر لترتدي ذاك الفستان بغـل .. 

فيما كـانت فتـاة، شعـرها الأصفر يغطي جزءً كبيرًا من ملامحها الخبيثة البيضـاء، اقتـربت من سليـم بخطـوات مغزاهـا إظهـار جسدهـا المرسـوم !!! 

وضيقت عيناها الزرقاء وهي تسأله بنعومـة :

_ تؤمر بحاجة ؟ 

هـز رأسه نافيًا ولم يخـفى عليه خيـوط أنثى خبيثة ترغب الايقـاع به فيها، فابتسم بخبث متبادل ورد :

_ ميرسي لذوقك، لما احتاجك .. اكيد هقولك 

وبالداخـل إنتهـت سيلا، فنظـرت لنفسهـا بالمرآة .. وكان مظهرهـا كالأميرات في حفل زفافهـم ! 

ابتسمـت وخرجت بهدوء، لتصـدم بما أزال الابتسامة من على ثغرهـا في ثوانٍ معدودة !!!! 


                            *********


يتبـــع



شظايا قسوته 


الفصل الثامـن : 


صُعقـت حرفيًا .. وتجسـدت الصدمة امامهـا  وهي تـرى " سليم " والفتـاة امامـه شفتاها تكاد تلامـس شفتـاه !!!! 

اقتـراب من مجرد رؤيتـه فقط خجلـت وغضبـت في آن واحـد !! 

اقتـراب !!!

حروف لم تتمناها يومًا، دائمًا كانت عليها أتربـة الخطر فتتجنبهـا .. وخاصةً مع ذاك الصقر !! 

اقتـربت منهم ومن ثم صاحت بغضب واضـح :

_ إنتـم اية اللي عامليـنه ده ؟؟؟ 

ابتعـدت الفتـاة بتوتـر، فيما رفـع سليـم حاجبه والأيسر ورد ببرود :

_ إية نظرك بقا ضعيف ولا إية يا أنسة 

وإتسعـت حدقتـا عيناها من بـرود لم تتوقـع ظهـوره في موقف كهذا ؟!!!! 

يجعـل البـرود خلفيـة لوضعه - المخجل - الان بدلاً من الاعتـذار ؟؟!!!!! 

هـزت رأسها نافيـة وقالت بحدة :

_ لا نظري مش ضعيف، إنتم اللي احترامكم لذاتكم قبل اي حد بقا ضعيف أوي كمان 

كلماتهـا كـانت محقـة .. مصوبـة في الاتجـاه الصحيح ... 

ولكنه .. لن يسمـح لها بتخطي حدودًا رسمها لأي انثى !! 

نظـر لها مضيقًا عينـاه وهتف بجمود :

_ حاجة ماتخصكيش 

وجهت سيلا نظراتها القاتلـة نحـو تلك الفتـاة اللعينـة لتزمجـر فيها :

_ وإنتِ يا حيوانة إية قليلة حيااا، انا هطلب لك بوليس الاداب حالاً، واقول شوفتهم في وضع مُخـل، وتتطردي إنتِ من الشغل اللي إنتِ مش مقدرة قيمتـه ده 

جحـظت عينا الفتاة ولمعت بخـوف حقيقي .. 

اما سليـم فقد كان يرمـق سيلا بنظرات لم تروق لها ابدًا !!

نظرات تختـرقها بحثًا عن غيـرة فطرية في بحـر عيناها العسلية !!!! 

غيرة !!!! 

نعم .. لم يكـن سليم بشخـص ساذج حتى يغفـل عن خيوطًا واضحة من الغيـرة انسدلت من كلماتهـا !!!! 

ليشيـر للفتـاة بصوت آمـر قائلاً :

_ روحي إنتِ شوفي شغلك 

نظـرت له الفترة بقلق وتساءلت :

_ طـب آآ هي 

قاطعهـا بصوت اكثر خشونة :

_ قولت روحـي 

اومـأت وهي تسير متجهه للخـارج .. 

تاركـة القطـة الشرسـة تحاول خدش الصقر !! 

واقتـرب سليـم من سيلا، اقتـراب جعل انفاسهـا تتضطـرب .... 

ظل يقتـرب وهي تعـود للخـلف حتى إلتصقـت بالحائـط خلفهـا، إلتصقت به اكثر وهي ترى اقتراب سليم يزداد !!! 

يزداد ليحيط بها كهالـة تخنقهـا قاصـدة ذاك التوتر الممتع بالنسبة له !! 

همست بصوت قد يكون ثابت الي حدًا ما :

_ إبعد ماتقربش اكتر من كدة 

هـز رأسـه نافيًا وهو يقترب اكثـر ملتهمًا تلك المسافة بينهـم وهمس بجوار اذنيها :

_ متقدريش تعملي لها حاجة، إنتِ خدامة عندي، مش مراتي !!!

نظـرت له متسعـة حدقتاهـا !! 

فاقتـرب مرة اخرى يكمل همسـه العابث :

_ غيرانة لية، ولا دي غيرة طبيعية يعني كمن إنتِ فكرتِ إني مهتم بيكِ 

دفعتـه بيدها وهي تسارع مبررة :

_ لا طبعًا غيرة إية أنت مجنون !!؟

سألها بخبث :

_ تفسري بأية إنفعالك ده ؟ 

رفـعت كتفيـها لتقول بلامبالاة مصطنعة :

_ كل المشكلـة يعني إني شوفت سفالة مفروض متحصلش في مكان عام كدة، إية مش خايف حد يشوفك

وبغـرور لا يصطنعـه قال :

_ أنا الصقر، مابخافش غير من اللي خلقني يا أنسـة  

وملاحظـة خاطفة طـارت فـوق سمـاء صدمتهـا من جبروتـه 

" لا ينطـق أسمهـا ابدًا !!!! " 

وكأن تلك الحـروف كانت وبـاء يخشى على نفسه نطقهـا ؟! 

بدلها بحـروف مرصعـة بالحـدة والجدية الزائـدة " أنسـة " !!! 

لوت شفتاهـا بتهكم وقالت :

_ طب ابعد يا صقر عشان مابحبش الحيوانـات الجارحة 

إحتـدت عينـاه .. ومن نيـران تتقافـز بين عيناهـا، لمستـه بغضبًا جم في روحه هو !!!

فأمسك فكهـا يضغط عليه بقوة محذرًا :

_ للمرة الأخيرة بقولك خدي بالك من كلامك لاني هاجي في مرة هقطـع لك لسانك ده

إبتلعـت ريقهـا بازدراء، وخوف داعبهـا من إهانة وسخرية خرجت زائـدة بين حروفهـا .. 

وربمـا ستضطر للتراجع عنها على حساب كرامتها التي اوشكت على النفاذ امام ذاك الصقـر !!!! 

ابتعـد عنهـا وهو يأمرهـا مشيرًا للفستان :

_ خشي غيري هدومك وفي ثواني ألاقيكِ ادامـي سامعـة 

غمغمت بضيق وهي تدلف :

_ سااامعة خلاص اسكـت 

ودلفت مسرعة مرة اخـرى، بينمـا اتجـه هو للفتـاة مـرة اخـرى !!!! 

وبعد دقائق انتهت سيلا وخرجـت وهي تزم شفتاها بضيق اجتاحهـا ويسيطر عليها منذ مقابلتها لهذا الصقـر ! 

وكان ينتظرها هو في الخـارج وبيده الملابس التي اشتراها لها .. 

وما إن خرجـت سيلا ورأتـه مرة اخرى حتى صُدمت من الفتاة التي كانت تقف بجواره ... 

تنهـدت وهي تُقسـم أن شحنـات الغضب في العالم كله اختزنت بداخلها هي لتفرغها اليوم !!! 

وصلت امامهم فاستطردت ساخرة :

_ إية جاية عاوزة تتهزقي تاني ولا أية ؟ 

اجاب سليم بدلاً منها بصلابة :

_ لا جاية عشان تعتذري لها علي اللي قولتيه جوة 

رمقتـه بنظرات غاضبة .. حزينـة .. مترجيـة .. نظرات كانت كالسلاسل تحاول تقييده بها عن ذاك الاعتذار المخجل ولتلك الفتاة تحديدًا !!!! 

ولكنه لم يأبه وهو يشدد على حروفه قائلاً :

_ يلا ياريت بسرعة عشان تشوف شغلها اللي هي عارفة قيمتـه كويس 

اغمضـت سيلا عيناها عن تلك النظرات المنتصرة بعين تلك الفتاة لتهمس :

_ سوري 

ثم استدارت لتركـب السيارة مسرعـة، وكأنها تختبئ من عـار اوصمه هو عليها بكلمة واحدة !!! 

ولكن كلمة لم تنطق بها يومًا لأي شخص سوى جدهـا فقط !! 

ولكن فجأة اغلقت البـاب لتركـض مسرعـة كالقطـة التي فـرت من براثن - صقر جارح - و...... !!!!!!!!! 


                          *********


جلست " أمنيـة " بجـوار رقيـة، في غرفتهـا، منذ مغادرة تلك السيـدة ورقية لم تكف عن السب واللعن فيها ... 

تخـرج غيظها على هيئـة صراخ وكلمـات سامة !!! 

بينمـا أمنية لم تكـف عن القول بذهول :

_ سيبتيـه يتجـوز يا هبلة يابنت الهبلة 

وصرخت فيها رقية بنفاذ صبر :

_ امنية، اطلعي من دماغي دلوقتِ أنا عفاريت الدنيا بتتنطط أدامي 

عقـدت امنيـة ساعديهـا، ولم تجد سوى التهكم تصرح به :

_ تقتل القتيل وتمشي في جنازته صحيح، مش إنتِ اللي خلتيه يتجوز ياختي 

نهضـت رقية وهي تكـز على أسنانـه .. 

وكانت ذكـرى ليلتهم معًا شريـط ملعون يتراقص بين جنبـات عقلهـا !!! 

ليجعلها تلعن نفسها قبله على تهاونهـا معه !! 

هتفت بغـل ظهر في نبرتها :

_ أنا السبب اللي خليته يتجوز ماشي، إنمـا ما قولتلهوش روح أدخل عليها وقوم من حضني عشانها 

_ عبيطـة 

قالتها وهي تنهـض لتقـف بجوارهـا ثم تابـعت تبث الكلمـات التي تريدها هي في عقلها :

_ منا بقالي اد اية بقولك اسمعي كلامي، وإنتِ مش راضية 

هـزت رأسها وبأصرار حتمي استطردت :

_ ايوة، مش هعمل كدة يا امنية انسي الموضوع ده 

رفعـت كتفيهـا تقول بلامبالاة مصطنعة :

_ براحتك 

زفـرت رقيـة بقوة وهمست بشراسة :

_ بس ورحمة أمي ما هسكت وهوريهم النجوم في عز الضهر زي ما بيقولوا 

سألتهـا أمنية مستفسرة :

_ أوعي تكوني هتطلقي فعلاً زي ما قولتي للولية الأرشانة دي ؟ 

اومـأت مؤكدة :

_ ايوة هتطلق، استحالة افضل على زمته يوم واحد تاني 

نهـرتها الاخرى وهي تلكزها في كتفـها محذرة بخبث :

_ هبلة وعبيطة ومتخلفة كمان 

نظـرت لها رقية بحدة وسألتهت متهكمة :

_ لية بقا، لتكوني عاوزاني افضل معاه بعد ما اتجوز وسابني عشان يروح لها كمـان ؟ 

أشـارت لها مهدئة بيدها وأكملت :

_ يابت أفهمي، إنتِ كدة بتفضيلها الساحة، وبتقوليلها خدي جوزي على طبق من دهب اهوو

هـز رأسها نافية :

_ مش هقدر صدقيني اشوفه بيروحلها كل شوية وانا عارفة اية اللي بيحصل بينهم، انا مهما كنت ست بردو وبغير يا أمنية

 اقتربت منها أمنية تسألها مرة اخرى :

_ إنتِ عايزة ترجعي جوزك ليكِ ولا لا 

والاجابة كانت امرًا مفروغ منه ...

شيئ يتضـح في عيناهـا التي تنضـح بعشق ابدي قبل تصرفاتهـا التي نبعـت من تلقائية انثى تغـار !!! 

واومـأت مؤكدة :

_ اكيد طبعًا

نظرت لها بطرف عينيها وأردفت :

_ يبقى هتسمعي اللي هقولك عليه 

مطـت شفتاها وقالت بجدية :

_ على حسب اللي هتقوليه 

قهقت واجابت :

_ لا متقلقيش مش هتعترضي عليه أوي يعني 

سألتها رقية بفضـول شابه بعض الحمـاس لتلك العـودة القوية :

_ ها قولي يا مصيبة 

اقتربت منها لتبـدء الهمس في اذنهـا ما يجب أن تفعله .. 

تعلمهـا حرفًا حرفًا بالأبجديـة في عُرف الأنثـى الشرسة !!!!!! 


                         **********


وصـل ياسيـن الي منـزله، كـان مُـرهق فعليًا من كثـرة التفكيـر فيما حدث .. وما سيحدث !! 

عندما دلـف الي المنزل شعر وكأنه فأر يدلف الي منزل القـط وبقدمـيه !!! 

وتوقـع ثبت صحته حرفيًا عندما وجد والده ووالدتـه في بهو المنزل وبالطبـع في إنتظـاره .. 

لم تكـن " ماهيتـاب " إن لم تخبرهـم بما حدث !! 

لمَا لا وهي تتحكـم كأنه عرائـس اللهو تحركهم كيفما شائـت .. وكان أبيهـا وتعاوناتـه سدًا منيعًا خلفها !!!!! 

بمجرد أن رأه والده قال بجدية متهكمة :

_ شرفت يا سبـعي .. نورت البيت اللي أنت هاتخربه 

تنهـد ياسيـن بقوة، كأستعداد وتهيئة نفسية لأستقبـال - المرشـح الممل - القـادم 

ثم سأله بكل هـدوء :

_ هخربه لية يا بابا 

نهـض حسن متساءلاً بعصبية :

_ يعني أنت مش عارف لية ؟ 

اومـأ ياسين فصاح والده فيه بحدة :

_ إنت إزاي تفسخ خطوبتك بماهيتاب، ومن غير ما تاخد رأي اي حد فينا، ولا احنا ملناش لازمة في حياتك ؟ 

هـز رأسه نافيًا :

_ ابدًا يا بابا ماعاش ولا كان اللي يقول كدة 

اقتـرب منه يسأله بنفس الصـوت العالـي، وكأنه يستخدمـه كأداة لرهبة ياسين الذي لم تهتـز له شعره واحدة :

_ اومال إزاي حضرتك تعمل كدة، مش أنت اللي وافقت من البداية تخطبها 

اومـأ موافقًا بتنهيـدة :

_ عشان أنتم كنتم مُصريـن أوي عليها وانا عملت كدة عشان اريحكم، واهو اجرب 

ابتسم والده ابتسامة ساخرة وقال :

_ لا والله هي فردة جزمة بتجربها جنابك ولا إية، أنت مش واعي للمصالح اللي بينا وبين أبوها ؟ 

نظـر نحو والدتـه الصامتـة تمامًا، وكأنهم تعطيهم الساحة لجدال هي متيقنة أنه لن يجـدي نفعًا وخاصةً مع ياسيـن واردف :

_ لا مش فردة جزمة ولا حاجة، كل الموضوع إن الجواز ده نصيب، وأنا نصيبي مش مع ماهيتاب، أما الموافقة فهي عشان المصالح اللي حضرتك بتقول عليها 

مسـح والـده على خصلات شعره البيضـاء بغضب مكتـوم ... 

رغبـته في عدم اجـبار إبنه على أي شيئ امام قلقـه من فـض الشراكـات بين والد ماهيتـاب !!!! 

والغايـة تبرر الوسيلـة .. مهمـا كـانت في عُرفـه !! 

واخيرًا صدح صوت والدته الهادئ وهي تقول :

_ روح يا حبيبي خد دش وغير وأرتـاح شويـة 

اومـأ وهو يصعـد بهدوء مُرهـق ... 

وجلس والده بجوار والدتـه، بغضـب لم يكن منصهـر .. ولم يكـن بارد قليلاً .. بل كان خبيثًا يوازي إصرار ياسيـن !!!

فنظـر لها وقال :

_ قبل ما تتكلمي، مش هينفع أسيبه يدمـر كل حاجة عشان تفاهه اسمها حب !!!!!! 

بينمـا في الأعـلى انتهـى ياسين من الاغتسـال .. 

وخرج من المرحاض ليلقي بنفسه على الفـراش ..

تنهـد تنهيدة طويلة حارة تحمل بطياتها الكثير والكثير !! 

نظـر للأعلى بشـرود ... شعـور غريـب بدء في إحتلال ارضـه الخالية !!! 

ولكنه لم يستطـع تفسيره .. ولا يريد أن يفسره من الأسـاس !!!! ربما يكون إعجاب !!!؟ 

تذكـر ما حـدث بعد إستيقاظ ناديـن وكأن ذاكرتـه تؤكد له سبب ذاك الشعور الغريـب 

فلاش بــاك 

ظـلت ناديـن تهـزي وتصرخ بهيستريا :

_ شياطين، كلكوووا شياطيـن ! 

حاول الإمساك بيدها وهو يسألها :

_ نادين اهدي، إهدي 

لم ترد عليه واستمـرت على ما هي عليه، ليسأله مستفسرًا في محاولة للهدوء :

_ طب مين ده اللي شيطان ؟ 

لم تـرد عليـه .. خُيـل لها أنهم امامـها، وكان الذعـر أول مم إرتسم على محياهـا، لتعود للخلف تتكور في وضع الجنين .. 

وهي تضع يدها على اذنها صارخة ببكاء :

_ لا ابعدوا عني لااااا 

حاول ياسين احتضانهـا ولكن بالطبـع لم ترضى ولم تهدئ !!! 

ثورتهـا الان اكبر من مجرد احتضان - أخـوي - هادئ يمكن ان يهدئ من روعها !!

دلفت الممرضة في تلك اللحظة ممسكنة بــ - حقنـة المخـدر - وقالت :

_ سيبها يا دكتور ياسين، انا هديها الحقنى وهتنام 

هـز رأسه نافيًا بأصرار :

_ لأ، انا ههديها من غير حقن، هي لازم تبقى واعية وتواجه شوية 

كادت تعترض بتوجس :

_ بس دي مش هتهدى يا دكتور وآآ 

قاطعهـا بخشونـة وقد علمت من نبرته أن - لا مجال للتراجـع -

_ قولت لا خلصنا 

 فاستسلمت وعادت من حيث أتــت ... 

فيمـا أقترب ياسين من نادين ببطئ وهو يقول بصوت هامس :

_ إهدى يا نادين، أنا ياسيـن .. ياسين مش حد تاني 

اصبـح امامهـا تمامًا، ومن دون تردد هي من احتضنتـه !!! 

تشبثت به كطفلة تخشى من شيئ فتختبئ في حضن والدهـا الحنـون !! 

واخيرًا حدثتـه بصوت يكاد يسمـع :

_ ماتسبنيييش .. ياسين 

ابتسـم بسعـادة .. تحـدثت .. ونطقت بأسمـه !!! 

استطـاع التأثيـر عليها ولو لوهلـة !؟ 

حروف اسمـه خرجت من بين شفتاها بشكلاً غريب اثار تعجبه إلي حدًا ما !!! 

وكأن اسمه ما هو إلا طـوق نجاة بالنسبة لها فقط !!!! 


بـــاك ... 

_ مش هاسيبـك يا ناديـن 

قالها وهو يبتسـم لتلك الذكرى الهادئـة، ثم اغمـض عيناها بهدوء، لتبقى تلك الذكرى اخـر صورة يحتفـظ بها جفنــاه !! 


                        ***********


جـلست " جميلة " في حديقـة المنـزل، تلك الحديقة المزينـة بالزهور الطبيعية .. تضيئها الأنـوار الزهيـة حولها بشكل دائـري، وهي تجس بالوسط كأنها مـحط لفت الانتبـاه وهي تنظـر امامها بشـرود ... 

ما حدث عند الطـبيب وما أكد لهـا ان سيلا لم تفقد الذاكـرة يومًا كان كالزهـور القوية الملتفـة بين جنبـات عقلهـا !!! 

تذكـرت ما فعلتـه هناك ... 

فلاش بــاك .. 

دلفت للطبيب في مكتبـه الخـاص، بهيئتهـا الجادة والعالية المعروفـة 

لينهـض الطبيب محييًا اياها بترحاب شديد :

_ اهلاً اهلاً يا مدام جميلة منوراني 

ابتسمت مجيبة بحبور :

_ شكراً يا دكتور ده زوقك 

سألها بجدية مناسبة :

_ خير يا مدام جميلة، الاشعة لسة خلصانة وكنت جاي لكم بيها 

اومـأت موافقة وسألته :

_ والنتيجة اية ؟ 

اجاب بلا تردد :

_ البنت كذابة، مش فاقدة الذاكرة ولا حاجة، العقل سليم ميه في الميه

تنهـدت وإرتسـم على فاهها ابتسامة ثقـة... 

ابتسامـة كان مصـدرها ثقتهـا بكذب سيـلا !!! 

وهتفت بلا تردد :

_ مش عايزاك تقول لسليم يا دكتور 

جحظـت عينـاه بصدمـة، ليسألها بعدم فهم :

_ ازاي يعني يا مدام جميلة مقولوش، انتِ عارفة اني ماقدرش اخبي على سليم حاجة زي دي 

تنهـدت وهي تشرح له بغموض :

_ دي حاجة عائلية يا دكتور، وانا مش واحدة غريبة يعني، إنت عارف انا مين في حياة سليم ومش اول مرة اتعاما معاك، وإنت اكيد عارف إني يستحيل أأذي سليم 

اومأ مؤكدًا :

_ محدش يقدر يشك فيكِ يا مدام جميلة 

_ تمام، ياريت تنفذ طلبي يا دكتور ده اول طلب، ولولا انها حاجة عائلية كنت شرحت لك السبب بالتفصيل 

قالتهـا وهي تنهـض فيما اومأ هو بابتسامة مترددة :

_ بأذن الله، نورتينا يا هانم 

ابتسمت بهدوء :

_ شكراً بنورك 

ثم استـدارت وغادرت بهدوء تــام يجتاحهـا !!! 

بـــاك 

تأكـدت .. وبعدما تأكدت وقد علمـت سبب مجيئ سيـلا، فـلن تسمـح لها بالمغادرة 

إلا بعدما تؤدي ما أرادتـه .. 

مهما كلفها الثمـن، وإصرارهـا امام رغبـة سيلا في الفرار 

كان كنقطـة بيضاء وسط محيـط واسع من السـواد !!!!!! 


                           *********


ظـل " سليم " يركـض خلف " سيلا " التي لم تتوقف لحظة عن الركـض .. 

تفـر ويعاونهـا نحافة جسدهـا، تفـر وكل جزءً منها وكأنه يفـر من الإهانـات التي تحيط به من كل مكان !!! 

وتبكِ ... 

نعم تبكِ علها تخـرج شحناتها الغاضبـة !!! 

كلها تهدئ خلايـاها الثائـرة بداخلها !! 

ظل يناديهـا بصوتًا عالي :

_ سيلااااااا، إنتِ يابت اقفي يخربيتك 

بالطبـع لن تعيـره اهتمام ... 

اذنيها صُبغـت بصمـت - كعقـاب - فرض له !! ونادى مرة اخرى بحدة :

_ يا زفتة أقفي بقااا 

وطابـع الصقر بداخله دفعه للإسراع اكثر فأمسك بها اخيرًا وهو يلتقط انفاسـه، لتنظـر له بغضب محاولة الفرار منه، ولكنه كان الاقوى وهو يهزهـا مزمجرًا بوجهها :

_ إنتِ مجنونة بتجري كدة لية ؟ 

لم ترد فاستطرد بخشونة معهودة منه :

_ أفهم من كدة إنك زعلتي يعني ولا إية 

نظرت للجهة الاخرى فتابع بغضب مصطنـع - لأول مرة - :

_ لما أكلمك تردي عليا هه ؟ 

لم ترد ايضًا، فحذرها بوعيد ؛

_ هتردي عليا ولا .. ؟ 

هـزت رأسهـا نافية ومن ثم رمقتـه بنظرة متساءلة .. نظرة ملتقطة تهديده القادم بلامبالاة فأكمل ؛

_ ولا اعمل كدة 

وإلتقـط شفتاهـا في قبلة عميقـة، يلتهم فيها شفتاها بنهم مقيدًا خصرها بذراعيـه .. 

دفعتـه هي بقـوة .. 

وهتفت بغضب جم :

_ إنت قليل الأدب 

وفجأة رفعت يدها بكامل قوتهـا لتحاول صفعـه !!!! 

تصفـع الصقـر !!! 

لم تعـرف من أين اخترقتهـا القوة لتحاول فعلها .؟؟!!!! 

ربمـا أخلاقهـا من وخزتها لفعلها حتى لا يتكرر ذاك مرة اخرى !!!! 

ولكن .. فلتقابل العقاب اذًا بنفس القوة إن استطاعت !! 

وعند وصول عقلها لهذه النقطة ركضت مرة اخرى مستغلة صدمته القصيـرة التي انتهـت لتصبـح بقعة واسعة من الصدمة وهو يراها تركض وهي تنظر عليه وفي المقابل سيارة سريعـة متجهه نحوها و.............. !!!! 


                        ***********


يتبـــع



شظايـا قسوتـه 


الفصل التــاســع : 


وبالطـبع لم يكـن الوقت من نصيب التفكيـر إطلاقـــًا، فركـض بأسرع ما يملك نحوهـا، ليجذبها نحوه في لمح البصر .. 

فسقطـت هي بأحضانـه بعيدًا عن السيارة التي لم تتوقـف من الأساس !!!! 

كـان ذلك في وقت لم يتعدى الثواني !! 

ثواني حُسبـت في عداد الرعب الحقيقي، رعب أحتل كيانها كليًا وهي ترى الموت على حافة حياتهـا يقترب منها !!!؟ 

ودون أن ترى ما تحبهـم ... 

دون أن تتـوب الي الله في كل شيئ .. 

دون أن تستغفر عما سبق حتى ؟؟!!! 

بينمـا هو... لحظـات مـرت وهو مغمـض العينين، والقلق الحقيقي يعتصـر قلبـه في قبضتـه المميتـة !! 

لحظـات مـرت عليه كنسمـات الهواء ساحبـة منه كل ذرة من الهدوء والارتيـاح !!! 

واخيرًا أستعاد قليلاً من هدوءه المتوجس فسألها :

_ إنتِ كويسة يا سيلا ؟ 

عينـاها تنفـي .. والقلب يجهـر بالاعتـراض، هذه اللحظات المحملة بالموت لم تمر بسهولة هكذا !!! 

ولكن شفتاها عارضت وهي تؤمئ :

_ ايوة، كويسة 

تنهـد بقوة مستعيدًا هيئته القويـة، لينهـض واقفًا، مد لها يـده .. فنظـرت نحو يده مرة، ونحوه مرة ... 

والتردد لم يستطـع اختراقهـا فأطاعت نظراته ومدت يدها تضعها في يده .. 

قد تكـون تلك مجرد حركة مباغتة منها، ولكن بالنسبة له هي حركة أثبتت شيئً واحدًا 

" هي لا ترفضه .. ترفـض قسوتـه فقط !! "

سألهـا مشاكسًا وهم يسيروا :

_ بتحبي الجري اد كدة ؟ 

شق وجـهها نصف ابتسامة محرجـة، فأطرقت رأسها مجيبة :

_ يعني 

ابتسم وهو يتـابع قاصدًا لومهـا :

_ كنا هنـروح فشوش اهو عشان تجري كويس 

رفـعت كتفيهـا وقالت بتلقائيـة :

_ أنا بس اللي كنت هأموت، إنت جريت عليا لية !؟

صمت عن الكلام وحدق بها بتلقائية مماثلة !!! 

وتمتم بداخله 

" اسكـتِ !! " 

وتلقائيتهـا كانت سببًا لسـؤال يفقد اجابتـه !! 

لمَ أنقذهـا ؟! لمَ ركض نحوهـا ؟!

لمَ منعهـا من ذكـر المـوت على لسانها ولو على سبيل المـزاح ؟!!!! 

اسئلـة كثيرة تتزاحـم بعقله طالبـة التفسيـر، ولكنه بالطبع .. لا يرغبـه !! 

أبعد يده عندما لاحظ وقال ببعضًا من التوتر : 

_ معلش 

سألتـه ببلاهـة :

_ معلش إية ؟ 

إبتلـع ريقه ولم يجد سوى القسـوة سبيلاً يتخـذه، فأردف :

_ سيبك من ده كله، إنتِ مفكراني نسيت إنتِ كنتِ عاوزة تعملي إية من شوية 

لـوت شفتاهـا بتهكم وهمست :

_ اوف لازم يرجع لطبيعته، اه امال إية ده الصقـر !! 

سألها مضيقًا ما بين حاجبيـه :

_ بتبرطمـي تقولي إيـة ؟ 

رفعت كتفيها قائلة ببراءة :

_ مابقولش حاجة .. ابداً 

كاد يبتسم ولكن منعهـا، وهو يسألها مرة اخرى بخشونـة :

_ إية مفكراني هعديلك دي كمان، الظاهر إنك خدتي على كدة عشان بعديلك حاجات كتير 

فغـرت فاهها بصدمـة !!!! 

بالأساس هي كانت تشك أنه يضـع جهازًا للترقـب لها، فيقابلها بإهانـة على الفور !! 

الان يقول انه يتهاون معها ؟؟!!!! 

لا والله لم يفعلهـا ... 

قالتها في قرارة نفسها، ونظرت له متابعة بتهكم :

_ إنت كدة بتعدي لي، يا شيخ أتقي الله، ده انا لو عطـست من غير أذنك هتقولي إنتِ هبلة بتعطسي لية ماتنسيش نفسك إنتِ خدامة عندي 

هـذه المـرة لم يستطـع كتم ضحكاتـه، فقهقه بمـرح على جملتهـا التي قالتها بعفوية .. 

فيما كان التعجب من نصيبهـا هي هذه المـرة ... 

وضحكته الجذابة كانت أكبر اداة لجذب انتباهها !! 

ابتسمـت وهي تهمـس ببلاهـة :

_ ضحكتك حلـوة أوي 

توقـف عن الضحـك لينظـر لها دون تعبيـر واضح، وكالعادة فشلت في تفسير ما بين سطـور عينـاه .. 

بينما هي كانت تقريبًا شفافـة أمامه فغمـز لها قائلاً بخبث :

_ ضحكتي بس ؟! 

أستعـادت جديتهـا، لتلعـن ذاك التأثير - الأحمق - الذي وضعها بموقف كهذا !! 

فتنحنحت متساءلة بثبات مصطنع لتغيير الموضوع :

_ العربيـة لسة بعيد عليها ؟ 

اومـأ مؤكدًا ومن ثم هتف بغيظ :

_ ما البركة فيكِ إنتِ اللي خلتينـا نجري ده كله 

ابتسمت باحراج احتل قسماتهـا .. 

لتسمعـه يتساءل فجأة بهدوء غير مريح بالمـرة :

_ كنتِ عاوزة تخرجي لية ساعتهـا ؟ 

سألته بسذاجـة :

_ مش فاهمة، ساعتها اللي هو امتى ؟ 

اجابهـا بجدية :

_ يوم موضوع صادق، إية مفكراني نسيت ولا إية ؟ 

هـزت رأسها نافيـةً، وحاولت القول بثبـات فشلت في إظهـاره بسبب ذاك التوتر الفاضـح :

_ لأ، ده بس داده فاطيما قالت لي أشتري لها شوية حاجات 

نظر لها بحـدة .. حـدة ظهـرت فجأة عند شعوره بكذبهـا، فصاح فيها :

_ كله إلا الكذب، إزاي الدادة فاطيمـا هتبعتك تشتري حاجات إذا كان في حد مخصوص للشـراء وبتبعته دايمًا، والبيت كله عارف إنك مابتخرجيش من البيت ؟

وعندمـا يحاصـرها بين كلماتـه المتيقنـة وبين حدتـه المعهودة .. 

يبقى الصمـت هاويتهـا الوحيدة للهـرب .. 

ولم تصـدق اذنيهـا وهي تسمعـه يقول متجهًا للأمام :

_ لما تحبـي تحكِ لي أبقي أحكِ يا سيلا، بس ياريت تسرعي في القرار ده، لإن صبـري بينفـذ بسرعة، وخصوصًا مع الكذب الكتير !! 

 ظـلت تنظـر لأثـره بصدمة حقيقية !!! 

ها هو أثبت لها أنه يتهاون - فعليًا - أنـه  حكيـم وعاقـل بالرغم من قسوتـه المعروفة .. 

يظهـر لها طابــع اخـر يجذبها نحوه دون أن تدرى ... 

وسؤالاً مخيف، بحروف متوجسة سألته لنفسها :

_ هو عرف أني بكذب ومش فاقدة الذاكرة ولا إية !!!!!!؟ 


                          ***********


نهـض مجـدي من فراشـه، دومًا كانت يعتبر فراش نومـه شيئ - شاهدًا - على مراسـم عشـق معـززة ... 

ولكن الان يشعـر انه يخشـى البـوح بما حدث، - يشمأز - من نفسـه فعليًا ولكن يبقى يذكـر نفسه 

" إنـها زوجتـه !! " 

ولكنه لم يتقبلها كـزوجـة فعلية !!! 

لم يفتـح لها محـراب العشق الخاص به فتتربـع داخله !! 

وخــان !!!!!!! 

هل خان رقيـة بالفعل ؟! 

وقلـب يجيب بحزن : نعم خنتهـا، خلفـت وعدك بعدم لمس حواء غيرهـا ... 

وعقـل يجهـر بالنفـي، بجبـروت طُبـع عن قلب الرجـال .. 

" لا والله لم تفعـل، هي زوجـتك، زوجتـك أمام الله والناس والقانـون، أين الخيانـة اذًا ؟!!! " 

تأفف وهو يضـع يــداه على رأسه عله يستطيع إيقاف تلك الأفكار المتدفقـة منه، ودون قصدًا منه صرخ بصوت عالي :

_ بس بقاا 

سألتـه تلك القابعـة بجـواره - عارية الجسد - بدلال يليق بها إلى حدًا ما :

_ إية يا حبيبي مالك ؟ 

تنهـد بيأس وهو ينظـر امامـه - شاردًا - وقد يكون - نادمًا - وقال بصوت مبحوح :

_ تعبـان أوي 

نهـضت لتمسـك كتفـه هامسة بنعومة :

_ مالك يا حبيبي 

أبعـد يده عنها ليرد بنفور :

_ مفيش، انا قايـم 

مالـت عليـه مرة اخـرى لتهمس :

_ لية بس يا حبيبي خليك معايا 

هـز رأسه نافيًا :

_ بقولك تعبان هقوم أخد دش عشان أفوق كدة 

بدءت تحسس على ظهـره بطريقـة مثيرة .. وأصابعهـا تعـرف دورها الصحيح لإتمام مهامها الخبيثة !!! 

وهمست :

_ أنا هريحك صدقني 

فنهض يصيح فيها بغضب وحدة :

_ إنتِ إية مابتفهميش، مش كل الناس بترتاح في السرير بس يا مدام 

وكأنها كونت حصنًا من كلماته الباردة فلم تعد تتأثر، فقالت ببرود يشوبه بعض الغيظ :

_ هو أنت كل حاجة هتتنرفز عليا ولا أية 

اومـأ ببرود مماثـل :

_ ايوة، إن كان عاجبك 

كـزت على أسنانهـا وحاولت تمالك نفسهـا وهي تـرد :

_ أنا هاسكت دلوقتِ لانك متضايق بس، لكن بعد كدة مش هاسكت على أي إهانـة 

نظـر لها من أعلاها الى اسفل قدميها ومن ثم غمغم بضيـق :

_ متقدريش تعملي أي حاجة أصلاً 

ونـهض متجهًا للمرحاض يغتسـل والمياة تسقط عليه بغزارة ... 

علهـا تستطـع مسـح ذلك الوقت من ذاكرتـه .. عله يستطـع نسيـان ضعفـه امام تلك !! 

ولكـن يبقى سبب ذاك الزواج مبررًا قويًا لأفعاله .. 

" ألم يكن قد تزوج للأنجـاب من الأساس ؟! " ، وتنهـد بقــوة، تنهيدة طويلة ودت لو خـرجت صـراخ فأراحتـه قليلاً .. 

ولكن مـرت على ينابيـع رجولته فخشى الضعف وخاصةً امام تلك المرأة !!! 

وفجأة سمـع صـوت والدتـه العالي يأتي من الخـارج .. 

اسرع في الانتهاء وإرتـدى ملابـسه ليخرج فيجد والدته امام البـاب .. 

تكاد تبكِ وهي تـراه يقتـرب، وتنوح بحزن مصطنـع :

_ شوفت مراتك عملت فيا إية يا مجدي !!!!!!!! 


                          **********


بدء ياسين يتململ في فراشـه بكسـل، فتح عينـاه العسلية قبل أن ينهـض من فراشـه، وبدء يستيقظ بملل على صـوت هاتفـه الذي لم يكـف عن الاتصـال، إلتقطـه ثم تـأفف وهو يجـيب بملل :

_ الووو

_ ............... 

_ إزاي يعني ده 

_ ................ 

_ طيب طيب بس سيبوهـا 

_ ................ 

_ اسمعي الكلام وانا مسافة الطريق هكون هنـاك 

_ ................. 

_ أقفلوا بس الباب، مش هتأخر 

_ ................... 

_ يلا سلام 


اغلـق الهـاتف وهو ينهض مسرعًا، اتجـه للمرحـاض ليغتسـل سريعًا ثم ارتـدى ملابسـه .. 

وسؤال لم يتركـه يتردد في عقلـه بصلابـة ليهز جدران حيرتـه وقلقه 

" ماذا حدث ... ماذا رأت ؟؟!!! "

ونزل للأسف ليجد ما لم يعجـبه .. 

ماهيتـاب ووالدها ووالدتهـا، المعنى الحقيقي للأختناق بالنسبة له !! 

 تنهـد بقـوة وهو يتقـدم منهم راسمًا ابتسامة صفراء على ثغـره .. 

وبمجـرد أن رآه والـده قـال بابتسامة :

_ اهو ياسين جـه اهوو 

سـأله ياسين مستفسرًا :

_ خير يا بابا في حـاجـة ولا إيـة ؟ 

هـز رأسه نافيًا :

_ لا كويس إنك جيت كنت لسة هبعتلك حد من الخدم عشان يصحيك، خطيبتك وعيلتها جايين يتعشوا معانـا 

خطـيبتك !!!!! 

ينسبهـا له من جديـد .. يربطها به مرة اخـرى !!! 

يضـع جبـل الذنـب على صـدره مرة اخرى فقـط لرغبتـه ومصالحـه هو !!؟ 

وسأله ببرود ظاهـري :

_ خطيبتي مين يا بابا !!!!!؟ 

رفـع والـده كتفيـه وقـال ببرود مماثـل وبعضًا من الجدية :

_ ماهيتـاب، انا اعتذرت لها نيابةً عنك، وقولتلها إنك مش قصـدك وإنك كنت تعبـان بس زي ما قولتلي  يا ياسيـن 

وضغـط على اخر كلمـة متعمدًا، وكأنه يحـذره !!! 

اومـأ ياسين غيظًا وقال :

_ اه اوكيـه وهو كذلك، أنا ماشي عندي شغل دلوقتِ عن اذنكم 

وكاد يسير إلا أن قاطعـه قول والد ماهيتـاب - السمـج - وهو يشير لياسين :

_ إية يا ياسين هو إذا حضرت الشياطين ذهبت الملائكـة ولا إية !!؟ 

هـز رأسـه نافيًا ليبرر بهدوء :

_ لا ابداً يا عمي بس جالي شغـل طـارق كدة ولازم أروح دلوقـتِ 

تنهـد والده وأستطـرد بحدة :

_ أقعد يا ياسين الشغل مش هيطير، هما مش بيتعشوا كل يوم عندنـا 

وكاد يعترض بخفوت :

_ يا بابا ده شغل مهم و.. 

نظـرات الجميـع المصوبـة نحوه تخترقـه لتجبره جعلته يلتزم ذاك الصمت المغتاظ، ويجلس بجوار ماهيتـاب التي هللت بابتسامة نصـر :

_ يـس .. هو ده الصـح يا ياسوو !!

مسـح على شعـره وهو يدعـو أن لا يحدث ما يكمن في خاطـره .. ابدًا !!!!!! 


                           *********


وصـلت رقيـة الى المستشفى التي يقطـن بها جدهـا، كانت تسيـر مسرعة وتلـوم نفسعا على تأخير تلك الزيـارة !! 

وصلت للأستقبال فسألت ؛

_ لو سمحـتِ فين أوضـة نصار القاضي 

 اجابتها بجديـة معهودة :

_ تالت دور على اليمين، الأوضة رقم 30 

اومـأت مسرعة :

_ متشكـرة 

اتجهـت للغرفة بخطى سريعـة .. 

وصلت فاطرقت البـاب بهدوء لتسمع رد والدها فدلفت على الفور ملقية التحية :

_ السلام عليكم 

وقبلت يـد جدهـا الحبيب هامسة :

_ شفــاك الله وعفــاك يا جدي 

ابتسم وهو يمسـح على حجابهـا بحنان :

_ تسلمي يا حبيبتي، مكنتيش جيتي، كدة كدة انا خارج النهاردة 

غمغمـت باعتـذار :

_ معلش والله اتأخرت بس بابا قالي ماتجيش غير لما اكلمك ومادانيش خبر 

همس بنـصف ابتسامة :

_ ولا يهمك يا بنتي 

جلسـوا جميعًا، وفي وسط الحوار سألت رقية بتوجـس :

_ لسة مالاقيتوش سيلا يا بابا ؟ 

هـز عزت رأسه نافيًا ببعض الحزن :

_ للأسف لأ، وفي احتمال سيئ أأسف انه يكـون حقيقة 

غـزى الألم قلب " نصـار " عند تلك الأسيـرة .. وأسـره حزنـه العميق على " الغاليـة " 

عند جملة عزت صرخ بفزع :

_ قولت لك لا سيلا كويسة اسكـت بقااا 

إبتلعت رقية ريقها بصعوبة مما قد وصل لها من كلامهـم الغير مفهـوم كاللغز مؤلم يُميت من يفـكه وسألت :

_ مالها سيلا يا بابا ؟ 

رفـع عزت كتفيه بيأس وأردف :

_ مش لاقينها خالص يا رقية، كأن الأرض اتشقت وبلعتها، والخاطفين بيقولوا آآ .. بيقولوا إنهم قتلوهـا !!!!

جحـظا عينـاها بصدمـة حقيقية إرتسمت في ثوانٍ على ملامحهـا !! 

وكأنها فقدت جزءً غاليًا من قلبهـا حرفيًا !!

سيلا لم تكـن مجرد أخت .. 

سيلا كـانت ترمي بخيوط حبهـا للجميـع فتأسرهم بحبهـا الحقيقي لها !!!! 

وهتفت بجـزع :

_ لا لا جدي معاه حق، أكيد بيكذبوا 

ثم همست بحيـرة وقد تلقلقت الدمـوع في عيناهـا : 

_ بس إية مصلحتهم إنهم يكذبوا في حاجة زي دي بعد ما اخدوا الفلوس ؟!! 

بادلها والدها الهمس المحتار :

_ مش عارف يا رقية مش عارف 

وهنا سمعـوا صـوت نصار يقـول بصوت عالي يتعمقه الحزن :

_ آآه يا خـالد يا يابني، لو كان هنا كان زمانـه مارجعش البيت غير لما يلاقي بنت اخـوه، مش مكسل يدور بضمير 

كـز عزت على أسنانه بغيظ وسارع مبررًا :

_ قسمًا بالله دورت لما تعبت انا والرجالة يا حج، قربنا نكمل اسبوعين بندور اهوو 

هـز رأسـه نافيًا وتابـع بأصرار :

_ لأ، إنت دايمًا بتعمل كدة، زي ما عملت وانت بتدور على اخوك ومراته صح 

أطـرق عزت رأسه .. 

تلك السيرة لا يرغبهـا، تُفتـح في ماضي أشواكـه لم تَمـُت بعد !!!!!!! 


                          **********


وصـل كلاً من سيـلا وسليـم إلـى المنـزل، ليجـدوا " جميـلة " تجلس كمـا هي، تشـرد وتفكـر وتخطط ايضًا كما كانت !! 

ترسـم الخيـوط التي ستضعهـا بينهم كما تشـاء !!!! 

 اقتـرب منهـا سليـم ليحتضنهـا بـود حقيقـي، ابتسمـت وهي تسأله بشرود :

_ إية يا حبيبي، جيتوا أمتـى ؟ 

جلس بجوارها وهو يرد بنفس الابتسامة المتبادلـة .. ابتسامة نابعـة من حنان فطري لا يظهر إلا معهـا :

_ لسة جايين اهـوو 

اقتـربت منهم سيلا ايضًا، لتلقي السلام بهدوء مبتسمة :

_ السلام عليكم، أزيك يا طنط ؟ 

رمقـتهـا جميلة بنظرات حنـونة، وهتفت مشاكسة :

_ لا طنط، قولي يا ماما أو يا خالة زي ما سليم بيقـول، ولا اكمـن أنا اصغر من مامتك أكيد يعنـي ؟! 

إشتيـاق من نـوع اخـر إنغرز بروحهها المهشمـة ... 

إشتيـاق انغرز بروح كلاهمـا وليس هي فقـط !! 

ودمـوع لا تنتظـر الصبـر عن تلك السيـرة التي تُظهـر الحـزن المخفي بين أعماقهـا فتخـرج ظاهرة بين بحر عينيها البنية .. 

وهمـست بابتسامة صفـراء :

_ حاضر يا خالتو 

سألهـا سليم بحزم حنـون :

_ أكلتِ يا خالة ولا لا ؟ 

هـزت رأسها نافيـة :

_ لا مقدرتش 

نهـض ينادي على احدى الاشخـاص لينظر لها متابعًا ؛

_ مينفعش يا خالة، بعيد الشر لو جرالك حاجة انا اعمل إية 

ضحكت بخفة وقالت :

_ يا حبيبي أنا كويسة بس مليش نفس 

بينمـا كانت سيـلا تراقبـهم بأعين متعجبـة بالفعل !! 

حنـانه يتدفـق من بين عينـاه مع خالتـه فقط !!! 

وظلالـه عميقة سوداء من القسـوة تظهر لتحيـط بها هي .. وغالبًا كل الأناس !!!!! 

قسـوة هي أكتفت منها فعليًا ... 

قسـوة عانـت منها بكل معناهـا .. كل مراحلهـا وكل تجاربهـا !! 

تفتقـد طيفًا من الحنـان، تفتقـده منذ فتـرة كبيـرة ... لا تتمسـك سوى بخيطًا كاد ينقطع من الحنان .. وبالطبع من جدهـا فقط !!!! 

أما أبيهـا، مجـرد كلمة تنسـب لها فقط، لكنها فعليًا - لم تشعـر بها يومًا - !!!!! 

وقالت في خلدهـا بحزن :

_ ماهو بيعاملها كويس وبحنية اهو، اشمعنا انا بيصدر لي الوش الخشب 

وعندمـا سمعـت ضحكـة " جميلة " التي أظهـرت لها مدى حماقتهـا .. 

أيقنت أن كلامها كان بصوتًا عالي !!!!! 

ربمـا أختنـق داخلها فقرر الظهور قليلاً ؟! 

وهمس سليم بصدمة :

_ نعم !!!!

فقـالت جميلة :

_ معلش يا سيلا، هو سليم كدة طبعه دبش في كلام، وقاسي خارجيًا، لكن هو اساسًا حنين جدًا من جوة، زي امه بالظبط 

وابتسمـت سيـلا وهي تسألها :

_ ومامتـه فين دلوقـتِ ؟ 

عبسـت جميلة وهي تجيب بخفـوت :

_ ربنا يرحمها ويسكنهـا فسيح جناتـه 

تمتمت سيلا بحـزن :

_ اللهم أميين، أنا اسفة والله ماعـرفش 

بينمـا سليـم كان وجـه كخريطـة من الغضـب رسمتها سيلا بكلماتهـا !!! 

كلماتهـا التي لم تـدري أن بها تفتـح جرحًا لم يُشفى بعد ... فتلهبه بلهيب كلماتهـا - الجارحة دون قصد - !!!! 

وركـض للداخـل دون سابـق إنذار متجهًا نحو غرفتـه ... 

سألت سيلا ببلاهـة متعجبة :

_ إية اللي حصل يا خالتو ؟ 

رفعـت جميلة كتفيهـا وقالت :

_ مش عارفة إية اللي بيحص له لما حد بيجيب سيرة مامتـه !! 

عقـدت ما بين حاجبيها متساءلة :

_ يعني المعـظم والدتـهم تبقى ميتـة، ويزعـل ويدعيلها لما يتذكـر، لكن هو اية اللي حصل له طلع يجري كأنها لسة ميتة دلوقتِ يعني آآ انا قصدي 

قاطعتهـا جميلة بتنهيدة :

_ لااا، هو أمـه ماتت بس اثرت عليه جامد باللي حصل، مش زي اي حد مامته بتتوفى 

سألتها سيلا بفضـول قاتل :

_ لية هو اية اللي حصل لها يا طنط، ماتت إزاي ؟ 

واجابـة انقطـعت بسبب صراخ يأتي من الأعلى و......... !! 


                     **********


يتـبــع


شظايا قسوتـه 


الفصل العـاشـر : 


والفـزع كـان مجـاور لنسمـات الهـواء الطلق نسبـةً لكلاهمـا، ركـضـت سيلا تتبعهـا جميلة التي لم تسعفها قدماها للركـض نحو غرفة سليـم .. 

وصـلت فـوجـدت سليم يدمـر كل شيئ أمامـه، كل ما تطـوله يـده يدمـره، يُمثـل ما يريد فعله حرفيًا .. 

تدميـر كل من ينطـق ليذكـره بما حـدث دون تـردد !!!! 

وهي التـردد سيطـر على عقلها، تدلـف إلي غرفة الصقـر بقدميهـا وتتحمـل نتيجـة تدخلهـا الذي سيُخرجهـا بأهانـات جديدة تشكلت على خطـوط كرامتهـا التي كادت تنعـدم .. أم تظـل هكذا وهي تراه الغضب يأكله كالصدئ في الحديـد !!!!!؟ 

وما بين الأختيـار ذلك وذاك اتخـاذ سريـع للقـرارات مهما كـانت .. 

فدلفت مسرعة وهي تقول بثبـات ظاهـري :

_ إهدى يا سليم، في إية مالك !!؟ 

نظـر لها بعينـاه الحمراء التي ارعبتهـا ومن ثم صـرخ بحدة :

_ ملكيش فيييييييه، غوري على شغلك إنتِ 

ٱرتعـش جسدهـا بخـوف حقيقي من هيئتـه وصراخـه .. 

صراخـة الذي هـدم أخـر بنـاء للثبات والقوة لديهـا، وفجأة صرخت فيه بغضب مماثل :

_ لا ليا، ليا ومش همشي غير لما تهدى خالـص 

رمقـه بنظـرات كشفتهـا امام نفسها الضعيفة وهددهـا صراحةً :

_ قسمًا بالله لو ما مشيتي من ادامي دلوقتِ لكون عامل فيكِ حاجة مش هتعجبـك ابدًا 

وتمسكت بذاك القناع الوهمي وهي تسأله بتحدي :

_ هتعمل فيا أية يعني ؟!!! 

اقتـرب منها ببطئ، ليتابع بنفـس الحدة التي تغلـفت بالغضب الأعمى :

_ بحذرك لأخر مرة إبعدي عني، إتقي شـر الحليم إذا غـضب 

ومن المفتـرض أن يُـزرع الغضـب والإرتعـاد في أعماقهـا الان .. 

ولكـن لمحـة الضعف والألم التي لمحتهـا تطـوف بين حمـرة عيناه الغاضبة، جعلتها تدرك أنه كصقـر شرس يحتاج من يروده فقط !!!! 

وهذه المـرة الاقتـراب كـان منهـا ... 

ولم تعـرف أي حماقة تمتلكتها لتقترب من الصقـر بما يُقدمها على الموت - الأرادة - فهمسـت بنعومة :

_ سليم ممكن تهدى، اهدى عشان أي حاجة حلوة، إفتكـر مامتك وهي شيفـاك منهار كل ما تيجي سيرتها هتكون أزاي دلوقتِ ؟ 

افتكـر هل هي مبسوطـة إن ابنها مابيحبـش يجيب سيرتهـا ؟؟ 

هـزت رأسها نافية وأردفت :

_ اكيد لا، مهمًا كان اللي حصل واللي أنا معرفهوش لحد دلوقـتِ، إنت لازم تهـزم صراع الأنتقام اللي جواك 

نظـر لها بصدمة !!!! 

ألهـذه الدرجـة أصبح شفـاف أمامهـا فرأت ما جعل لسانه يصمت عنه !!؟ 

وكلمـة واحدة لم يجـد سواها الان في قامـوس حياتـه القاسية :

_إطلعي برة يا سيلا 

سألته مرة اخرى بجديـة :

_ ولو ماطلعتش هتعملي اية ؟ 

جـزءً بداخلـه يحثـه على الأنقضـاض عليهـا، وجـزءً اخر يكبلـه بحبـال صبـره وهدوءه !! 

أمسكهـا من ذراعهـا بقوة ألمتهـا ولكن لم تظهـر وهي تهمس :

_ دراعي يا سليم 

ظـل ينظـر في عيناها، تلك العينان التي تمـوج عبثًا لا يفهمـه !!! 

ليصدح صوتـه الأجش محذرًا :

_ صدقيني لو مطلعتيش دلوقتِ هتحصل حاجة مش هتعجبك 

هـزت رأسهـا نافية فاستدار وظل يدمـر كل شيئ من حوله وهو يصرخ :

_ لييييييية ؟؟؟؟؟ 

كـانت جميلة تراقبـهم من امام البـاب، تنتظـر لترى رد فعـل سيلا الذي ترغبـه .. 

وبالفعـل أشبعت عيناها اطمئنانًا ممن تستطع ترويض الصقـر !! 

نظـر سليـم لسيـلا، ولمعـت تلك الدمـوع بعينـاه الحجريـة !!!!! 

عرفت الدمـوع لعينـا الصقـر طريقًا !!!؟؟

وإنـدفـع نحـوها يكاد يحتضنهـا وسط إنهيـاره .. 

فعادت للخلف مطرقة الرأس، دائمًا ما تضـع الله أمامـها في كـل خطـوة .. لن تُفضـل سليم على شـرع الله ابدًا .... 

وهنـا تدخـلت جميلة فاسرعت نحوه تحتضنـه، تعطيه ذاك الحنان الذي يرغبـه ولكنه أخطأ مسـاره !!!!!! 

ظـلت تهدءه وهو يهـزي بحقـد :

_ مش هاسيبهم هما السبـب 

هـزت رأسها نافيةً بقوة :

_ لأ يا سليم، هما ملهمش أي يد في الموضوع، ده قضاء ربنا يابني 

أنتحـب صوتـه وهو يتـابع، بأحبـال صوتية اُرهـقت من كثرة الصراخ والتوعد فلم تجـد سوى النحيب في حضـن حنون :

_ آآه مش قادر أنسى إنها ماتت بين ايديـا، ماتت ومقدرتش اعمل لها حاجة 

مسـحت على شعـره وأردفت بصوت يكسوه الحزن :

_ إنا لله وإنا إليه راجعـون يا حبيبي، إنهيارك كل ما تيجي سيرتها مش هينـفع 

نظـر لها بأعين متوعـدة شرًا وقال :

_ الإنهيـار ده هيروح يوم ما أنتقـم منهم 

تنهـدت وهي تجيـب برزانـة :

_ مش هاسمحلك ابداً يا سليم، إنت أنتقمـت من اللي قتلوهـا، مفيش داعي تـدب في اللي منك كمـان 

صرخ فيها بعصبية مفرطة - غير مقصودة لها - على الأطلاق :

_ هما السبب الرئيسي، المجـرم مش هو اللي بيقتل بس، المجرم اللي يكون سبب تاني في القتـل يا خالة وانتِ اللي بتمنعيني كل مرة 

ظـل يتنفس بصوتًا عاليًا، وخرج صوته لاهثًا من كثرة إنفعالـه متوعدًا بشراسـة تليق بصقـر :

_ بس ورحمة أمي اللي ما لحقت أشبع من حنانهـا ما هسيبهم متهنيـن !!!!!! 

وهـا هي قـد وجدت ورأت سببًا أخـر وحتمـي لتنفيـذ ما خططت له ... !! 


                        ***********


وفـن وإصطنـاع التمثيـل والحـزن ببراعـة لا يجيـده إلا البعـض .. 

اجادتـه " والدة مجـدي " فصنعـت صـورة مزيفـة مما عانـته بسبب " رقيـة " امامـه !! 

وللحق هو بُهـر حرفيًا من الحـزن الذي تعمـق والدتـه هكذا فجأة !!! 

والذي لا يعلم له سببًا حتى الان سوى .. رقيـة فقط !!!! 

استمـرت في البكـاء المزيـف وهي تتابـع :

_ ماكنش يـومك يا عفـاف، ماكنش يوووومك ابداً 

سحبهـا مجدي للداخـل بهدوء ومن ثم اغلق البـاب، ليلتفت لها متساءلاً :

_ إية اللي إنتِ عاملاه ده كله يا أمي في إية القيامة قامـت ؟ 

ضـربت على فخذيهـا بغلب - مصطنـع - بالطـبع وأجابتـه :

_ ما إنت لو تعرف اللي أتعمل فيا هتعذرني ومش هتقول كدة 

رفـع حاجبـه الأيسـر وسألها مستفسرًا :

_ إية اللي أتعمـل فيكِ يا أمي ؟ 

رمقتـه بنظرات مغلولـة وقالت :

_ اللي ما تتسمـى مراتك، اللي ما هتـورد على جنـة ولا على نار دي، تنشـك في بوقها اللي نطـق كلمـة وحشة في حقـي، يتقطـع صباعها اللي شاور عليا وآآ 

قاطعهـا مجدي بملل شابـه شبرًا من الغضب :

_ هاا يا أمي خلصتِ ليستت الشتايم والدعاوي، ممكن أفهم عملتلك إية بقا اللي ما تتسمـى دي ؟! 

وجـدت البكـاء مناسبًا في تلك المرحلة وهي تشـرح له :

_ روحت لها يا مجـدي، روحت لها أسلم عليها واسأل عليها بدل ما تقول ابنها اتجوز وكرهتني، وإنت عارفني مابكرهش حد، روحت لها وياريتني ما روحـت 

قلـق ... 

قـلق حقيقي طـرق بـاب قلبـه في تلك اللحظـات من تلك المعركة التي مؤكدًا نشبت بين والدتـه و زوجتـه، والتي لن يكون فيها طرفًا خاسرًا سـواه !!!!

سألها مكملاً :

_ ها إية اللي حصل هناك بدون مقدمات 

اكمـلت وهي تمسـح عيناهـا، علها تهدئ من ذاك الانهيـار المزيـف :

_ بواسيها وبقولك معلش يا روكا يا حبيبتي متزعليش نفسك خالص، إلا اني فجأة يابني لاقتها هبت فيا زي البوتجـار ابو خمس عيـون مولعيـن، وبتقولي إنتِ بتقولي إية يا ست يا خرفانة إنتِ، إنتِ مجنونة ولا إية، وفضلت تقولي كلام من اللي قلبـك يحبه يا مجدي يابنـي 

كـز على أسنانـه بغضب جامـح وسألها :

_ وإنتِ سكتِ على الإهانـة دي يا حجة ؟ 

هـزت رأسها نافية :

_ عمالة اقولها إهدي يا رقية، مش كدة يا رقية، ده أنا اد أمك يا رقيـة، إلا انها كانت زي ما تكون لاقت فرصة تهزقني فيها، وبعدها يادوب باخد نفسي، تخيل عملت إية كمـان 

تمتم بغيظ :

_ امممم عملت إية كمان 

_ طردتني وشتمتني يا مجدي، شتمتني وقالت لي أبقي خلي سيـد الرجالة يبعت لي ورقة طلاقي في أقرب وقت !!!!!! 

عنـد هـذه النقطـة ويكفـي !! 

طـلاق .. مصاحب بالإهانـة له ؟!!! 

وصـلت ينابيـع غضبـه حد الغليـان من تلك التي كان يكـن له عشقًا مأسـورًا !!!! 

وكانت بدور تتابعهـم بدقة شديدة، وتترقب كل حرف تنطقه تلك السيـدة، والتي تيقنت أنه كـذب ... 

عاشـق ولهـان مثل مجدي علوان لا يهـب قلبـه إلا لمن تستحـق !!

وفي يومًا وليلته تحـولت من محض حب الجميـع .. لحجرًا يرمي إهانات فقط ؟! 

وقد صـدق من قـال 

" ماتفهمش الست إلا الست اللي زيهـا " 

وعلى أي حال.. بالطبع هذا لصالحها !!!! 

بينمـا نهـض مجـدي وشرارات غاضبة تتطايـر من عينـاه ليزمجـر :

_ كدة جابت اخرهـا معايـا، وانا هوريهـا بقا سيد الرجالة هيعمل إية !!!!! 

وإتجـه نحـو البـاب، ليهبط مستقلاً سيارته ليتجه نحو ... رقيـة 

وكأنه يسير بالحرف على تلك الخطوط الخبيثة التي رسمتها والدتـه !!!!!!! 


                          *********


شقـت شمـس يومًا جديـد سمـاء الأرض، فملأتهـا حيويـة بأشعتها الصفـراء الهانئـة، هانئـة على بعضًا .. وربما البعـض الأخـر لا، تسيـر بمقولة 

" يوم ليك ويوم عليـك !! " 

كان ياسيـن على فراشـه، يتذكـر ما حدث بالأمس، يتذكر الورطة التي وُضـع فيها، ويتذكـر سعادة " ماهيتاب " التي كانت تتقافـز من بين عيناهـا !!!! 

يتذكـر ثرثرتهـا الزائـدة معــه وحده، ويتذكـر إختلائهـا به .. وقد عُكست الأية تمامًا !! 

فـلاش بـاك .. 

جلسـا سويًا في حديقـة المنـزل، وبالطبـع من اقحمـه في ذلك الموقف ايضًا - والده العزيـز - والذي يعتقد أنه هكذا يقربهم من بعضهم اكثر !!! 

جلسـا امام - حمام السباحـة - ترى ماهيتـاب إنعكـاس صورتها الجذابـة، بفستانهـا القصيـر والذي إرتدتـه عمدًا لا يكاد يصـل لما فوق ركبتيهـا !! 

ابتسمـت وهي تبادر بالقول :

_ مبسوطة إنك وعيت للي كنت بتقوله يا ياسوو، وأفتكـرت إن احنا ماننفعش غير لبعـض 

بادلها بأبتسامة - صفـراء - و رد :

_ أسمي ياسين مش ياسو، أنا راجل مش بنـت بتدلعيها كدة 

اومـأت مؤكـدة :

_ وهو حد يقـدر يقول غير كدة يا حبيبي

نظـر للجهة الاخرى بضيق من تلك الجلسـة - البــاردة - حرفيًا .. 

ليشعـر بيدهـا تتحـسس ذقنـه القصيـرة بطريقة حميمية، ليمسك بيدها ويحاول ابعادها محذرًا :

_ ماهيتـاب 

اقتـربت اكثر لتهمس بجوار أذنـه بنعومه :

_ عيـون ماهيتـاب 

تأفـف وهو يهتف حنقــــًا :

_ مينفعش كدة على فكـرة 

سألته ببرود :

_ هو إية اللي ماينفعـش !! 

حـاول النهوض متابعًا بضيق حقيقي :

_ اللي إنتِ بتعمليه ده مش هيأثر فيا 

_ قصدك إن انا مش بأثر فيك يعني

 سألته بخبث ومن ثم اصبحـت ملاصقـة له تمامًا .. 

علها تؤثـر عليه بجسدهـا الأنوثـي المرسـوم، تُشعـره بسخونـة جسدها من قربه عله يحترق منها مثلها !!!!!! 

شفتـاها تصـل لشفتـاه فجأة، لتقبلـه بعمق، قبلة لا تقبلها فتـاة من المفترض أن تكـون - خجولة - في موقف كهـذا ؟!!!! 

ويـداها تعبـث في أزرار قميصـه .. 

ابتعـد صارخًا فيها :

_ إنتِ بتعملي إية إنتِ مجنونة !! 

اومـأت وهي تقول ببراءة لا تليق بها :

_ مجنونة عشان بحبك يا ياسيـن ؟ وبعدين مفيش حد هايجي هنا خالص إلا اما احنا نروح لهم 

هـز رأسـه نافيًا، وأشار لها باصبعه قائلاً بحدة :

_ ايًا كان، حتى لو محدش جه، كنتِ متوقعة إية يحصل بين إتنيـن قاعدين لوحدهـم، " مـا اجتمـع رجلاً وامرأة إلا وثالثهما الشيطـان " 

رفعت كتفيها تجيب بدلال :

_ زي ما بيحصل بين أي اتنين بيحبـوا بعض 

هـز رأسه ساخرًا :

_ تبقي بتحلمي، مش أنا اللي اعمل حاجة تجبرني على حاجات تانية فيما بعد، ومش أنا اللي أعصي ربنا وأعمل حاجة من الكبائـر عشان واحدة ست 

خـص كلمته الاخيرة بنظـرة استحقـار لم يستطـع اخفاؤوها من عينـاه .. 

ليوليها ظهـره منهيًا ذاك الحوار الذي لم يودي نتيجة نافعًا ابداً !!!!! 

بــاك 

تنهـد بضـيق مازال يجتاحـه إلى الان .. 

لا يـدرك ماذا يفعـل !! 

كره محط الضعف والضغط الذي اصبح فيـه الان !!!! 

وإتصـال اخر على هاتفـه جعله ينتـفض ممسكًا به واجاب :  

_ الووو ايوة 

واتـاه صوتهـا صارخًا بفـزع :

_ إلحقنـا يا دكتـور ياسين، البنـت حاولت تنتحـر !!!!!!! 


                         ***********


جـلسـت جميـلة شـاردة الذهـن كالعادة في الحديقـة التي أصبحـت مربـع أسرارهـا الخالدة الوحيـد !!! 

وضـعت قـدم فـوق الأخـرى، كل دقيقة تأمر وكأنها تأمرها بسرعـة التنفيـذ، وها هي ستنفـذ بالفعـل ... 

ولاح في عقلهـا السبب الذي جعلهـا تسـاعد سيلا في عـدم كشف أمرها دون أن تدري...

السبب الذي جعلها تكـون غطاءً على سيلا التي تعلم انها - كاذبة - ولكن السبب مجهـول لها حتى الان !!!! 

فـلاش بــاك 

أغلقت جميلة باب غرفتهـا عليها جيدًا، لتتأكد من عدم اقتـراب أي شخصًا منه حتى، ثم اتجهت للكمديـن تلتقط هاتفها المحمـول لتتصـل بشخصًا ما، اتاهـا صوته الأجش قائلاً :

_ الووو 

_ الووو يا إبراهيـم 

_ ايوة يا حجة خير، انا ببلغك بكل حاجة أول بأول 

_ انت بتسأل وبتجبلي اخبار كل شهر، انما انا دلوقتِ عايزاك تروح تسأل وتعرف اللي حصل خلال الاسبوع ده 

_ اشمعنا يعني يا مدام ما من بدري بجبلك اخبار بالشهر 

_ اسمـع الكلام لو سمحت يا ابراهيم، عايزة اعرف كل حاجة بالتفصيل 

_ هعملها ازاي دي يا مدام 

_ معرفش اتصرف يا ابراهيم، عايزة اعرف اية اللي حصل مع البت الأسبوع ده 

_ هحاول اطأس كدة واسأل 

_ ماشي هستنى منك الاخبـار 

_ مـاشـي سلام 

_ مع السلامـة 


اغلقت وهي تتنهـد بهدوء .. 

وبعدهت بوقتًا مناسب، علمت أنها خُطـفت وأن الاهـل يبحثـون عنها في كل ارجاء المدينـة ..... 

بــاك 

عيناها ظلت مثبتة على اللاشيئ، علمـت نقطـة ولكن لم تصـل للنقطة التي توازيهـا !! علمت أنها لم تترك منزل اهلها بل اختُطفت ولكن لم تعلم كيف أتت إلى هنـا تحديدًا ؟!!!! 

والكثير والكثير من التساؤلات التي تتعلـق بين جنبـات عقلهـا 

كأعتراض مطالب بأجابـة منطقيـة !!!!! 


                           *********


وقفـت سيلا بجـوار " فاطيمـا " تؤدي الخدمـة المنزلية كالعادة منذ أتت في هذان الاسبوعـان - عملهـا المؤقـت - ... 

عمـلها الذي جعلهـا كائـن مغناطيسي جالب للأهانـة !!!! 

جعلها محـط للشفقـة والعطـف !! 

شعـوران متناقضـان لطالما كرهتهمـا، كانت هي من تشعر بهم تجاه بعض الأنـاس ... 

ولكـن الان أنعكـس القالـب لتصبح هي من تثير الشفقـة !!!!!! 

انتبهـت لفاطيما التي قالت لتجذب انتباهها :

_ يا بتي، وين روحتي إنتِ ؟ 

ابتسمـت ابتسامة صفـراء وهي تـرد مغمغمة :

_ معلش يا دادة سرحـت شوية 

سألتهـا بفضول وهي تعمل :

_ اممم، جوليلي بجـى سرحتي في إية ؟ 

تنهـدت تنهيدة طويلة حارة تحمـل بطياتهـا الكثير .. 

قـلق .. توتـر .. خوف من القـادم .. وقرار صـادم رممتـه بقوتها المعهـودة ... 

قـرار كسـاه ونبـع من الأشتيـاق لأهلها !! 

الرحـيل !!!!! 

سترحـل بالفعـل وانتهى الأمر ؟! 

ستنتهـي تلك الفترة - التي اعتقـدت - انها اُهينـت فيها بما يكفـي !! 

قطـع ذاك السيـل الممتلئ من الافكار المزدحمـة في عقلها صوت فاطيما العاتب :

_ واه، الظاهر انك ما عايزاش تحكِ يا بتي، متزعليش مني ده مچرد فضول بس 

هـزت رأسها نافية وسارعت تبرر :

_ لا لا ابداً يا دادة، انا اللي بقيت بسرح كتير بس

ابتسمت الاخـرى وسألتها :

_ ماتجربي تحكِ لي أي حاچة عنك يابتي يمكن تفتكري ايتها حاچة 

ابتسمت سيلا بود حقيقي .. ود ظهـر لطيبـة وحنـان صادق يظهـران بكل وضوح على قسمات تلك السيـدة !! 

وهمست بشرود :

_ الفترة اللي قضيتها معاكم صدقيني كانت فترة حلوة، مانكرش أني اتقالي إنتِ خدامة بعدد شعر راسي بس فعلاً تفاصيل اللي حصل ماتتنسيش، الحنية اللي شوفتهم هنا 

ونظرت لها بطرف عينيها :

_ بغض النظر طبعاً عن دبـش الصقر والقسوة اللي بيحاول يقللهـا 

وتحدث صوتهـا في خلدها :

_ وبغض النظر عن الشوق لأهلي اللي كان هيموتني كل يوم، بس فعلاً حبيتكم 

قاطعتهـا فاطيما ضاحكة :

_ طب بمناسبة الصجـر، إطلعي هاتي لي الهدوم اللي مش نضيفة من السلة اللي فوج 

سألتها مستفسرة :

_ فوق فين ؟ 

رفعـت كتفيها ببساطة :

_ في أوضة الصجـر يابنيتي مالك 

همست :

_ مليش حاضر طالعةة

أفتـرش التوتر على قسماتهـا، ولكن اومـأت بهدوء واتجهـت للأعلى .. 

لعلها توعـده في اخـر لقَاء سيحدث الان 

وتنقطـع كل الخيوط بينهم بعد ذلك .. سواء إهانة او غيرهـا 

بمقـص ... القـرار الحـاد !!!!! 

وجـدت الغرفة ساكنة تمامًا والباب مفتوح الى حدًا ما، تنحنحت وهي تدلف واعتقاد خاطئ انه يعمل الان كالعادة يسكنها !! 

وفجأة رأته امامهـا ينام على الأريكة امام اوراقـه !!!!!

واجبرتها عيناها على التحديـق به .. 

كـانت قسمـاتـه هادئـة .. مسترخية وخالية من شوائـب القسوة والحدة !! 

ظل تتأمله للحظـات، تنسخ صورة له في عقلهـا علها تحتاج لحدتـه يومًا !!! 

وفجأة ومن دون سابـق إنذار ........ !! 


                           ********** 


يتبـع

تكملة الرواية هناااااااااااااا 





تعليقات

التنقل السريع