رواية كاره النساء كامله البارت 11-12-13-14-15بقلم سهير عدلي جميع الفصول كامله
رواية كاره النساء كامله البارت 11-12-13-14-15بقلم سهير عدلي جميع الفصول كامله
الفصل الحادي عشر
أربعة أيام وجومانة هاربة في غيبوبة ..عقلها الباطن الذي يشجب ما حدث لها، أراد أن يريحها من عذاب الدنيا..فأخذها لعالم الأحلام..دنيا نظيفة خالية من شرور البشر وقسوتهم..استطاع الطبيب الشاب بكل ما أوتي من قوة أن يوقف النزيف ليس من أجل زوجها ذلك القابع بجوارها ليل نهار. والذي يزرف دموع الندم من أجلها دموع تشبه لدموع التماسيح..لقد أنقذ حياتها من أجلها هي..من أجل زهرة شبابها المقهور، كانت رموشها ترتعش..تجاهد أن تفتح عيونها، لكنها خائفة أن تصطدم بواقعها المؤلم، عندما لمح مروان تململها وعيونها التي تحاول فتحهما ابتسم بفرحة وراح ينادي أسمها:
-جومانة..جومانة أصحي..أنا جمبك اهو ..اصحي ياحبيبتي.
كانت ما بين النوم واليقظة..صوته يتسلل لأذنها فينقبض قلبها بخوف..انه هو صوته صوت الذئب الذي نهشها..فتعود للنوم من جديد.
عندما وجدها عادت لغيبوبتها اختفت فرحته فركض لكي يستدعي الطبيب عله يساعدها للعودة الى الحياة من جديد فصرخ بلهفة:
- دكتور أكرم ..يا دكتور.
دلف الى حجرته باندفاع..واستطرد وهو يعتذر:
--أنا آسف..بس جومانة فاقت شوية كانت حتفتح عنيها وبعدين أغمى عليها تاني.
خطف اكرم سماعته وخطى بنشاط نحو حجرتها.. ظل يتفحصها، يفتح عيونها ويسلط عليها ضوء من كشاف طبي صغير..ثم حقنها بحقنة لتنشط خلاياها..بعد لحظات بدأت بالفعل تفيق ..فاقت على صوت مروان وهو يهتف باسمها:
-جومانة ..اصحي..فوقي ياحبيبتي.
عندما اتضح لها صوته الذي باتت تكرهه..ووقعت عيناها على صورته المهزوزة أمامها.. حضر مشهد ليلة زفافها وهو ينقض عليها كالذئب المفترس.. فاختنقت أنفاسها..وشحب وجهها.. وراحت تصرخ وتصرخ..وتبتعد عنه منكمشة كأنها رأت عفريتا يريد أن يتخطفها.
انزعج مروان لرعبها منه وقال محاولا أن يهدأ من روعها:
-جومانة مالك ..جوما.......
ولكن اكرم اوقفه وهو يحذره قائلا:
-من فضلك يا أستاذ مروان لازم تخرج حالا ..واضح أنها بتنهار لما بتشوفك.
مروان معترضا:
-أزاي أخرج و أسيبها بالحالة دي.
اكرم وهو يشير على جومانة:
-لازم تخرج وحالا أنت مش شايف حالتها..لو عايزها تخف لازم تبعد عن وشها..لحد ماتعدي مرحلة الخطر..وجودك قدامها بيسببلها انهيار..لو يهمك يعني مصلحتها.. وعلى فكرة هي محتاجة لدكتور نفسي يتابع حالتها وانا رشحت واحد من أصدقائي.
زفر مروان بضيق..واضطر أن يخرج.
في تلك اللحظة حقنها دكتور أكرم بحقنة مهدئة حتى تهدأ.
جلس مروان على مقعد الأنتظار..يمسد جبينه بضيق..فانتقلت يده نحو رقبته عسى أن يمحو الأختناق الذي انقض عليه..فهمس لنفسه:
-منك لله كله منك يا عبد الحميد..الله يسامحك ياشيخ.
وصدح صوت بداخله يلومه ويقوله له:
( وهل عبد الحميد وحده مسئول عن ما حدث لتلك المسكينة)
وهنا أدرك أنه طرف في ذنب عظيم..لقد أصدر عبد الحميد الحكم بالأعدام..وكان هو عشماوي الذي نفذا هذا الحكم.
-أنت مذنب أيضا يامرون..يكاد ذنبك يكون أعظم.
هكذا هتف ضميره..واستطرد يعاتب نفسه :
-ياترى حتقدر يامرون تصلح ال عملته؟
************************************
ظلت تقلب في يدها جوزات السفر بغير تصديق وهي تهتف بفرحة تخرج من القلب:
-معقول..أنا مش مصدقة عنية.. أخيرا ربنا كتبهالنا وحنروح نزور النبي..ياما أنت كريم يارب..تسلملي ياحج..ربنا ما يحرمني منك يارب.
كان يتأمل سعادتها الطاغية ويبتسم لفرحتها قائلا وهو يربت على ظهرها:
-كل شي لما يعوز ربنا يا أم نريمان..وآهه ربنا رايد أننا نبجى زواره.
قالت وهي ترفع عيناها اللامعة بدموع السعادة للسماء:
-ونعم بالله.
استطردت وهي تنظر له بامتنان:
-بس بصراحة دي مفاجأة حلوة قوووي.
-أنا كنت مأجلها لما نريمان تتدوز واهاه بجت في عصمة رادل..اعتمد عليه..عشان لما أسافر أبجى مطمن عليها.
وداد بابتسامة حامدة:
-بس ياترى نريمان حيكون رد فعلها ايه؟
خالد:
-حتجول ايه يعني حتفرح لينا ..همتك أنتي عاد وجهزي الشنط.
قالت وداد وهو تنظر للجوازات كأنها تتأكد أن الأمر حقيقة وليس أحلام:
-متقلقش يا حج اعتبر كل حاجة جهزت خلاص ان شاء الله.
*********************************
عندما علمت نريمان بأمر سفرهما فرحت من أجلهما ولكنها شعرت بوحدة..وخوف رهيب هجم على قلبها فجأة..ومما زاد من وحدتها اهمال مالك لها وعدم ادراكه لحبها له.
بعد أيام ذهبت مع مالك ليودعا أبيها وأمها وفي العودة وهي جالسة بجواره كان يقود السيارة وكأنها غير موجودة بجواره، شارد أمام الطريق لا يكلمها كلمة واحدة..زفرت بضيق وأجبرت نفسها على النظر من نافذة السيارة..في هذه اللحظة بالذات ودت لو تبكي في حضنه، علها تصب حزنها ووحدتها وخوفها داخل صدره..ضمت نفسها بيديها ولا تعلم اهي تحتمي من هواء النافذة أم من برد مشاعرها.
-يلا أنزلي ..وصلنا.
ترجلت من السيارة دون تعليق منها ركضت صوب حجرتها، وارتمت على فراشها تفرغ كل انفعالاتها على وسادتها.
أما مالك عاد الى عمله دون حتى أن يلقي عليها السلام، كان عقله مشغول في حديث عمه الذي قاله لها قبل أن يسافر.
بعد أن أعياها البكاء رفعت رأسها، مسحت دموعها بأصابعها، وضعت الوسادة على فخذيها وظلت تفكر، تحاور نفسها قائلة:
- هو انتي يعني يانانا عايزاه يحبك وانتي بتتعاملي معاه كده بقرف ..من أول ما جه البيت وعاش معانا وانتي مطهقاه في عيشته وعالطول مقالب فيه لما زهقتيه ..عايزاه بقى يتعامل معاكي ازاي بعد ده كله..مستحيل طبعا يحبك ولا يفكر فيكي أصلا.
أسندت رأسها على السرير ثم استطردت تقول لنفسها كأنها تحلل علاقتها به وتحاول ايجاد حلول له:
- أكيد كرهك من كتر عاميلك فيه عشان كده لازم تصلحي ال أنت هببتيه فيه. . بخيبتك القوية.
طب أعمل ايه دلوقت أنا بجد تعبت من كتر الشد والجذب البينا ..هو دلوقت جوزي نفسي يحبني ويحس بيا.. آاااه ياربي حاسة اني ضايعة من غيره..لما بيبقى جمبي بحس بالأمان مع أنه مش طايقني ..نفسي بقى أشوف نظرة حب في عنيه أمتى ده يحصل؟
تركت فراشها وهي تزفر في يأس تتجول في حجرتها على غير هدى..ثم توقفت خطواتها أمام المرآه تنظر لصورتها المعكوسة ترى الحزن على وجهها..والبؤس في نظراتها.
داعبت شعرها بأصابعها في ملل..ثم ابتسمت فجأة وهي تتمايل يمينا ويسارا في دلال انثوي تهمس لنفسها بأمل:
-طب ليه مفحتش صفحة جديدة معاه..وأحسسه بحبي واسبني بقى من كبريائي ده..والعند ال بيبعده عني أكتر .
اتسعت ابتسامتها وكأن ما قالته لنفسها راق لها، فشعرت بحماسة لأن تتخذ مثل هذه الخطوة..مشوار الحب يبدأ بخطوة..اتجهت لخزانتها وتناولت منها قميصا عاريا يجسد جسدها القد المتناسق..صففت شعرها وجمعته كله على كتفها الأيمن، وضعت عطرها طلت شفتيها بلون وردي زادها جاذبية.
وفي الأخير راق له حسنها وشكلها النهائي، وباتت تتخيل نظراته الولهة المعجبة بجمالها حتما لن يقاوم فتنتها.. سمعت صوته فخفق قلبها وضعت يدها عليه لتهدأ من دقاته.
لا تعلم سر خفقاته اهي فضولها لمعرفة رد فعله عندما يراها هكذا لأول مرة..أم خفقات حب واشتياق .. أم خفقات لشئ مجهول تخشى حدوثه.
فتح مالك باب الحجرة ولما لمحها بذلك المنظر تسمر مكانه ولم يكمل دخوله، أطرقت برأسها خجلا، من نظراته تلك.. رفعت رأسها علها تلمح الأعحاب في عينيه..لكن نظرات عينيه ليست حب..ولا وله ولا أعجاب..بل نظرات نارية، قاسية، نظرات حاقدة كأنها عدائية، حتى انها جعلتها ترتبك وتتراجع للخلف في خوف، خاصة عندما تقدم هو الآخر نحوها في تحفز.. حاولت أن تتماسك وتبتسم له..لكن رغم عنها وجدت نفسها تبتلع ريقها بصعوبة، لا تستطيع أن تتنبأ برد فعله ترى ماذا سيفعل بها.. وعندما أصبح أمامها تمام لا يوجد غير خطوة واحدة تفصلهما.. وجدته يضم شفتيه بغيظ الدنيا كلها وظل يصفعها على وجنتيها صفعات مجنونة..غبية كأنه فقد السيطرة على نفسه يردد:
-مجرفة..مجرفة..كلتكم زي بعض كلتكم زي بعض..كلتكم زي بعض.
تصد صفعاته بذراعيها ،وهي تضرخ متعجبة لا تعلم ما الذنب الذي اقترفته لكي تستحق كل هذه الصفعات:
-بتضربني لييه..بتضربني ليه..عملت ايييه آااااااه؟؛
وكانت صفعاته لها بدون وعي..لم يكف عن صفعها الا بعد أن غابت عن الوعي وخيوط الدماء تنسال من جانب شفتيها..بعدها شعر بداور من فرط الانفعال.. وعيناه أرتخت في تعب وكلل..ثم تركها وانصرف بخطوات مترنحة كأنه سكير أسكره الغضب.. وهو يردد
كسحة تاخد الحريم كلتها.
********************************
في صباح اليوم التالي فاقت جومانة كانت تشعر بخواء ..ضعف يتملكها، قوتها متلاشية..ظلت تتأمل الحجرة حولها وهي تقول باعياء شديد:
-أنا فييين؟؛؛؛
رأت وجه يبتسم لها ويقول:
-متخافيش أنتي في المستشفى.
بنظرة مريضة ونبرة ضعيفة..سألته:
-أنت مين؟؛
-بنفس الأبتسامة أجابها:
-دكتور أكرم سليمان .
هتفت عزيزة بسعادة واحتوتها بنظراتها الحنون:
-حمدالله على سلامتك ياضنايا الف حمدالله على سلامتك .
ابتسمت جومانة بضعف لعزيزة ولكنها لم تستطيع التحدث..
التفتت عزيزة للطبيب عندما قال لها:
-بقولك ايه ياست عزيزة مهمتك بقى انك تأكليها كويس عشان تسترد عافيتها بسرعة .
بحماس هتفت عزيزة:
-من عنية يادكتور حاضر حأكلها.
ثم التفت لجومانة وقال لها باابتسامته العذبة:
-عروستنا بقى الحلوة تقوم وتحاول تاكل.
قبل أن يخرج أوصى الممرضة أن تعطيها الدواء في مواعيده ..وأن تمنع زوجها مروان من زيارتها..ذهب الى صديقه دكتور حافظ رجب استشاري الأمراض العصبية، والنفسية شرح له حالة جومانة فوعده حافظ أن يمر عليه في المساء لكي يراها.
وبالفعل مر دكتور حافظ على جومانة بصحبة أكرم تحدث معها مدة قصيرة وفهم ما هي حالتها.
في حجرة أكرم
بلهفة سأله أكرام:
-حالتها ايه بالظبط ياحافظ طمني عليها.
ضيق حافظ عينيه وهو يتفرس وجه صديقه والاهتمام البادي على وجهه المبالغ فيه، والذي يبديه لاول مرة لمريضة..فهمس له:
-مالك ياأكرم أول مرة أشوفك قلقان كده على مريضة.
تدارك أكرم قلقه بسرعة فقال سريعا وهو يخفي خوفه:
-اا عادي يعني ياحافظ ..يمكن بس عشان صعبت عليا..المهم قولي حالتها ايه؟؛
-قال حافظ وهو يحاول أن يقتنع بتبريره على الرغم من أن بداخله يشعر أن أكرم به شئ مختلف.. فقال بنبرة طبيب يشرح حالة مريضة:
-شوف ياسيدي..هي اتعرضت لصدمة نفسية عنيفة خلتها ترفض الوقع وتغيب عن الوعي اربعة أيام..بالاضافة الى انهيار عصبي لما شافت جوزها لأن رؤيتها له بتفكرها بالحادث البشع ال حصلها على ايديه..دلوقت ياريت تبعدوها عن أي مؤثر يفكرها بالحادثة عشان ميأثرش عليها تأثير سلبي عليها.. ياريت كمان اهلها يحاولوا ان يفرحوها بأي طريقة أو شكل من الأشكال.. وبكده ممكن تخف بسرعة.
استمع أكرم له وهو يهز رأسه بتفهم .
ثم شكره من كل قلبه.
الفصل الثاني عشر
كاره النساء
في عشية وضحاها فوجئت نريمان بمالك يصرف الخدم، ويطلب منها أن تقوم بكل الأعمال المنزلية، تكنس وتمسح وتطبخ كيف لها أن تفعل كل ذلك؟ وهي لا تجيد أي عمل من أولئك، حتى عندما هبت أن تعترض وتقول له:
-ازاي انا اكنس وأطبخ وأمسح وأنا متعوتش أعمل الحاجات دي..الخادمين ال كانوا بيعملوها ولو سمحت بقى ترجعهم.
فكان رده أنه جذبها من شعرها وظل يهزها بعنف ويصرخ بها ثائرا:
-أسمعي أنا محبش الحرمة بتاعتي تعصالي أمر..وال حجولك عليه تنفذيه من غير مجاوحة..خابرة ولا لاه..والا قسما بالله لو اتعوجتي لحتنضري مني ال عمرك منضرتيه.
ثم دفعها بعنف حتى أنها سقطت على الأرض.
ظلت تبكي على وضعها..وتسأل نفسها ما به?أصبح حاد معها عنيف..أهذا انتقامه منها على ما فعلته به؟ وهل ما فعلته يستحق كل تلك القسوة.. أنها تلعن اللحظة التي فكرت فيها أن تتزين له كأي زوجة تتزين لزوجها حتى تستميله لها.. وكانت تنتظر منه القبول والأعجاب..بيد أنها فوجئت بردة فعله وكانت أقسى مما توقعته..لقد ظل يصفعها دون رحمة..بل الأنكا أنه تركها دون حتى أن يحاول ايفاقتها..تبكي وتولو وتتألم بمفردها دون طبطبة من أحد ، قامت مغصوبة تفعل شغل البيت على قدر استيعابها.
كانت حائرة كالغارقة في شبر من المياه، لا تعلم كيف تتصرف؟ ولا ماذا تعد له من الاطعمة..انها لا تجيد طهي أي نوع من المؤكلات، فقررت أن تجري تجربة لبعض من الأصناف التي جلبتها من البحث على مواقع المعلومات.. انتهت من اعداد بعض انواع هذه الاصناف..ثم شرعت في التنظيف باقي من الزمن ساعة ثم يأتي هذا الجلف..مر الوقت وعاد مالك ابتسم بسخرية عندما رآها بشكلها المشعث..وثيابها المببلة ووجهها الملطخ بهباب المطبخ..حتى أنه قال في نفسه ساخرا:
-مالكيش غير إكده..كسحة تاخد النسوان كلتها
ثم خطى نحوها واذ بقدمه تنزلق فكانت الأرض مبللة بالماء والصابون، فوجئت نريمان به فانشقت من بين زهولها ضحكة على منظره وهو واقع كالأطفال، فقام لاعنا اياها وعلى وجهه الغضب ضاما شفتيه يخطو نحوها للأنتقام منها.. كفت نريمان عن الضحك وحل محله الخوف منه، تراجعت للخف وهي تبتلع ريقها بقلق..حتى امسكها من ذراعها بقسوة وقال لها بصوت كالرعد:
-أيه ال أنتي مهبابه ديه.. ايه الفوضى دي .
بتلبك أجابت:
-ك كنت بمسح البيت.
بنبرة غاضبة قال:
-وال يمسح البيت ده يشندل حاله إكده يجيب عاليه واطيه..ويكتر الصابون عشان ال يمشي يتزحلج.
طأطأت رأسها تخفي ضحكة عندما تذكرت مشهد سقوطه..ولكنها رفعتها سريعا عندما صرخ بها:
-يلا خلصيني من الفوضى دي..وحطيلي الوكل عشان متدلي تاني ورايا شغل.
-ح حاضر.
لملمت المكان من حولها سريعا..ثم جهزت له الطعام ونادت عليه..وما ان وضع لقمة في فمه..حتى لفظها على المائدة..وراح يسعل بشدة..حتى جحظت عيناه..وبعد أن هدأ صرخ فيها :
-أيه الجرف ال انتي طبخاه ديه..ده وكل ديه ال انتي مسوياه..مليان ملح وشطة أكل ماسخ ملوش طعم زي ال سوته.
قالت وهي تبكي:
-أنا قلتلك معرفش أطبخ ولا أعمل حاجة.
اردف وهو يشهر سبابته امام وجهها في تحذير وتوعد:
-بجولك ايه..أنا مليش صالح تعرفي تطبخي متعرفيش..المهم أجاي الاجي وكل زين..وبيت نضيف ومترتب، اتعلمي، فاهمة ولا لاه والا ورب العزة لحوريكي ال عمرك ماشفتيه.
كسحة تاخدك وتاخد الحريم كلتها..نسوان فقر.
بعد قوله هذا دفع بالطعام فسقط على الأرض، جعلها تضم كتفيها نحو اذنيها وتغمض عينيها في انزعاج. .ثم تنفست الصعداء عندما انصرف وزفرت في راحة وراحت تغمغم مع نفسها:
-اعمل ايه بقى انا ياربي دلوقت..اصرف ازاي مع الجلف ده..فينك يابابا عشان تخلصني منه فينك ياماما..جلست على المقعد ودفنت وجهها بين ذراعيها وراحت تبكي بقلة حيلة.
*********************************
دلف أكرم الى حجرة جومانة لكي يتابع حالتها، وجدها شاردة، وبعض الدمعات تتلألأ على وجنتيها، قوس فمه شفقة عليها ..ولكن سرعان ما نفض عنه هذا التأثر وقال وهو يبتسم بعذوبة:
-صباح الخير.
مسحت جومانة دموعها بأصابعها سريعا والتفت له وهي تهمس بضعف:
-صباح النور.
بنفس الابتسامة العذبة:
-عاملة ايه دلوقت.
بنفس الهمس الضعيف:
-الحمد لله.
التقط يدها متأملا ساعته حتى يتابع النبض.. واستطردا في فحصها بقياس الضغط وسماع نبضات قلبها، وأثناء هذا الفحص كانت عيناها بعيدة عنه ود لو نظرت له حتى يغوص في عينيها البريئتين الحزينتين..قال لها حتى تنظر له:
-شكلك مش بتاكلي خالص..طب ده ينفع..مش عايزة تخفي ولا ايه؟
- صرخت فجأة وقالت وكانت على وشك الأنهيار:
-أنا مش عايزة اخف..مش عايزة أخف..وياريت أموت واستريح.
انزعج اكرم من ثورتها فقال وهو يربت على يدها:
-طب خلاص اهدي..اهدي ياجومانة لو سمحتي.
نادى على الممرضة وطلب منها حقنة مهدئة بعد أن حقنها بها ..دقائق معدودة وراحت في ثبات عميق..ثم قال للممرضة:
- خليكي جمبها ولما تفوق تقوليلي عالطول
الممرضة وهي تدثر جومانة جيدا:
-حاضر يادكتور.
في المساء حضر أكرم ومعه صديقه حافظ الطبيب النفسي لكي يباشر حالة جومانة النفسية..كان حافظ يحمل بين يديه زهور فهو يعلم مدى تأثيرها على نفسية المريض مدها لها وقال باابتسامة ودودة:
-مساء الخير ازيك ياست البنات..ممكن تقبلي مني الورد ده.
-ردت جومانة بابتسامة وقد جذبتها الزهور بالفعل:
-مساء النور
كانت تنظر للزهور بسعادة..تستمد منها الحياة تداعبها بعينيها. وتقربها من انفها لتستنشق عبيرها وكأنه أكسير الحياة.
نظر أكرم لحافظ بتعجب ممزوج بشفقة.
بعد لحظات سألها حافظ وقد اراد أن يستدرجها للحديث عن نفسها حتى يخرجها من اكتئبها:
-بتحبي الورد ياجومانة؟
-قالت وهي تنظر له بعينان متيمتان:
-ايوة..بحبه قووي.
-بابا كان بيجبلك ورد؟
نظرت لنقطة ما واستعاد وجهها الشحوب سريعا وكأنها تتذكر الماضي.
-عمره ما جبلي وورد
وجدت نفسها وبدون شعور تسرد حكايتها ولم يقاطعها حافظ بل است
كانت تحكي كل شئ عن أبيها وعن قسوته معها..وكيف كان يضيق عليها الخناق..تحكي ودموعها تحكي معها..حتى وصلت لذكرى يوم زفافها بدأت تصفها وتصف احساسها بها وهي ترتعش وجسدها يرتجف كيف شعرت وقتها أنها حيوانة ليس لها شعور ولا احساس، كيف تمرمغت كرامتها تحت وطأة ذكورة متخلفة رجعية، كيف شعرت انها شاة ذبحت وقدمت كربانا في معبد الرجعية، حينها ثارت وتشنجت وظلت تصرخ وتصرخ كأنها تعيش نفس اللحظة القاسية، تستغيث بالأنسانية وبحقوق المرأة المنتهكة اللى الآن.. لم تشعر في خضم ثورتها بحافظ وهو يحقنها بحقنة مهدأة بعد لحظات بدأت تشعر بان روحها تنسحب الى عالم اللاوعى.
قال حافظ بعد ان نامت وكان أكرم في قمة القلق عليها رابتا على كتفه:
-متقلقش جتكون كويسة.
اكرم وهو يشير عليها بانزعاج:
-ازاي دي انهارت وتعبت.
حافظ بكل ثقة:
-قلتلك متخافش ال حصل ده امر طبيعي..ال حصل انها فرغت كل شحنة الغضب واحساسها بالقهر لما حكت لنا كل الحصلها فخففت عبء كبير من على نفسيتها وروحها..صدقني بمجرد ما تفوق حتكون احسن كأنها اخذت دوش فوقها ونظف قلبها من التعب.
اومئ اكرم براسها تفهما لتحليله الطبي الذي لا يجادل امامه.
خرج حافظ وعاد أكرم يتأملها بعينيه المليئة بالشفقة وشعور غريب يتسلل اليه..يقاومه..يردعه دون جدوى نعم انه يعترف انه شئ قوي يجذبه نحوها برغم كل الحدود والممنوعات..والمحظورات كيف له أن يحب فتاة متزوجة..كل شئ يرفض ويلومه..ولكن قلبه يأمره وبقوة، أنه ولو أول مرة ينبض تلك النبضات النادرة ويدق دقات غير طبيعية..تسللت يده رغم عنه الى شعرها يمسح عنها كل ما تشعر به.
ودون انذار سمع صوت جعله ينتفض ويبعد يده سريعا كأنه ماس كهاربائي اصابه انه صوت مرون وهو يقول بسخرية مطعمة بالغضب العارم:
- ايه يادكتور دي طريقة جديدة للعلاج ولا ايه؟؛
************************************
أسبوع مر على نريمان وهي تقوم بكل أعمال البيت.. كانت أعمال شاقة بالنسبة لها لم تعتاد عليها..لقد فكرت بأن تتصل بمربيتها أم أحمد لكي تأتي لها سرا دون علم مالك حتى تساعدها في شئون البيت..وبالفعل ساعدتها أم أحمد ،وعلمتها كيف تطبخ وكيف تهتم بشئون منزلها ،حتى انها كانت تصطحبها للسوق لكي تشتري الخضروات اليومية، بدأت تتعلم وكانت الأ كلات تخرج من تحت يديها نوعا ما مقبولة، حتى أن مالك تعجب وهو يأكل فقد وجدا أن الطعام تغير مذاقه وأصبح مقبولا وشهيا.
حتى أنه قال لها ذات مرة هي واقفة على رأسه منتظرة منه أوامره:
-لاه زين الوكل..أديكي بتتعلمي أهاه.
ثم قام بعد أن انتهى من طعامه وقال لها بأسلوب أمر فظ:
-أنا رايح انعس شوي ساعتين إكده بالتمام وتصحيني عشان عندي معاد شوغل فاهمة.
ثم رماها بنظراته المستاءة وقال جملته التي باتت تكرهها، كسحة تاخد الحريم كلتها.
بعد ساعتين ايقظته نريمان ارتدى مالك ملابسه وذهب الى موعد عمله.. كانت منهكة من أعمال المنزل..مرهقة، شعرت بأوجاع في جميع أنحاء جسدها.. فدخلت الى المرحاض وملئت حوض الأستحمام ونزلت داخله حتى تجلب الاسترخاء لجسدها المتعب..لحظات جلب عقلها لها مشاهد حياتها الأولى قبل أن يدخل مالك حياتها ..كانت حياة باردة بلا هدف بلا لون..عقلها فارغ لا يحمل الا اللهو والتفكير في كيفية خلق مواقف تعزز غرورها وتغذي عنجهيتها..الآن شعور غريب يتسلل اليها تشعر بقيمتها في الحياة انها زوجة تكد وتتعب من أجل أن يكون بيتها في أجمل صورة، حتى التعب الذي تشعر به تجد به حلاوة خاصة بعد انتهاء يومها المليئ بالكد، وعندما يتلقفها فراشها وكأنه يحتضنها لكي يزيل عنها عبئها اليومي.. سعادة تنتشر في خلاياها لا يشوهها غير فظاظة مالك وقسوته عليها كم تمنت وهي في حضن فراشها أن يكون بجوارها زوجها يضمها بحنان وتمتص عيناه العاشقة كل تعبها، انها تتعجب من نفسها كيف تحبه وتشتاقه وهو يعاملها بتلك القسوة..ترى هل تكمن خلف قسوته تلك حنان وحب كبيرين..أنها توقن من ذلك..يوم ما سوف يغدق عليها ذلك الحنان ويصب عليه حبه صبا.
انتهت من حمامها شعرت بعدها بنشاط عجيب دب في جسدها ..قررت أن تنام حتى تستيقظ قبل عودة مالك في المساء بساعة وتعد له العشاء..كانت تصفف شعرها فوجئت بمن يقتحم عليها الحجرة ويفتح بابها بقوة..كان مالك ترى لماذا عاد سريعا؟ نظرت له بتعجب فقد كان شاحب الوجه..عيناه غائرتان، مترنحا كالسكير هيئته غريبة..ما به؟ كان يخطو نحوها في تؤده..خطواته ثقيلة متداخلة في بعضها البعض.. وعندما اقترب منها القى بنفسه بين يديها ثم غاب عن الوعى..فصرخت نريمان باسمه في لوعة وانزعاج:
-ماااااااالك..فيك ايه مالك ياحبيبي؟
ترى مالذي حدث لمالك
ستعلمون في الفصل القادمة باذن الله
الفصل الثالث عشر
كاره النساء
كانت تصفف شعرها فوجئت بمن يقتحم عليها الحجرة ويفتح بابها بقوة..كان مالك ترى لماذا عاد سريعا؟ نظرت له بتعجب فقد كان شاحب الوجه..عيناه غائرتان، مترنحا كالسكير هيئته غريبة..ما به؟ كان يخطو نحوها في تؤده..خطواته ثقيلة متداخلة في بعضها البعض.. عندما اقترب منها القى بنفسه بين يديها ثم غاب عن الوعى..صرخت نريمان باسمه في لوعة وانزعاج:
-ماااااااالك..فيك ايه مالك ياحبيبي؟
اضطربت عند سقوطه بين يديها وقد سقطت معه ..وزادات خفقات قلبها.. وظلت تضرب على وجنتيه ضربات خفيفة عله يفيق لكنه لا يستجيب، حتى قالت بصوت مرتبك حروفه مرتعشة يملؤه القلق:
-اعمل ايه دلوقت يارب مش راضي يفوق..اتصرف ازاي وانا لوحدي ومش معايا حد.
كان جسدها كله يرتعش من فرط خشيتها عليه نهضت وأبعدت رأسه عن صدرها وسارعت الى الهاتف تضرب ازراره بأصابع مرتجفة، فقالت بلهفة عندما أجابها الذي اتصلت به:
-دادة..الحقيني..مالك أغمى عليه فجأة ومش عارفة ماله هاتي دكتور بسرعة وتعالي.
ثم أغلقت الهاتف بسرعة بعد ذلك تناولت زجاجة عطر..ثم عادت الى مالك المسجي على الأرض، قربت الزجاجة من أنفه ولكنه لم يبد أي رد فعل، كانت الدقائق تمر بطيئة ثقيلة تزيد من توترها واضطرابها، ترفع رأسها نحو السماء تتضرع لله أن لا يمسه مكروه..حتى جاءت أم احمد ومن خلفها الطبيب نظرت لمالك وقالت بقلق وهي تضرب على صدرها:
-يلهوي ..سي مالك أيه الحصلك يابني.
نريمان :
شيلي معايا يا دادة نحطه على السرير..وانحنيتا عليه ليحملانه ولكنهما لم يستطيعا فقال الطبيب وهو يضع حقيبته على المنضدة:
-خلي عنكم يامدمات أنا حشيله
وانحنى الطبيب ورفعه من فوق الارض ووضعه على فراشه..وبدأ يفحصه..ثم التفت لنريمان وسألها:
-هو أيه الحصل بالظبط يامدام؟؛
نريمان والكلمات تخرج منها سريعة مضطربة:
-لقيته متغير مش زي عادته..وشه أصفر..وعنيه دبلانه.. وبيطوح كأنه شايل نفسه بالعافية ومرة وحدة اغمى عليه.
لم يعلق الطبيب على كلامها بل راح يستمع بسماعته لدقات قلبه..ويتابع نبضه يفتح عينيه بابهامه وسبابته، ونريمان تنقل بصرها بينه وبين مالك باضطراب شديد، تنتظر بفارغ الصبر ما سيقوله الطبيب، واخيرا أنقذها الطبيب من قلق كاد يقتلها عندما قال بعد أن انهى فحصه:
- معندوش أي حاجة عضوية..ال عنده انهيار عصبي حاد.
قالت نريمان وقد ذاد قلقها:
-يعني ايه يادكتور:
-يعني حضرتك متقلقيش لكن يستحسن تجيبله دكتور نفسي متخصص يتابع حالته.
نريمان وهي تنظر لمالك بانزعاج:
-طب هو ليه مافقش يادكتور.
الطبيب وهو يلملم أدواته ويضعها في حقيبته:
-لانه في غيبوبة نفسية.
قالت وكأنها على وشك البكاء:
-يعني مش حيفوق خالص.
-بنبرة هادئة وباابتسامة وديعة كي يطمئنها:
-لا هو ممكن يفوق في أي وقت بس هو محتاج لطبيب نفسي ضروري عشان يشخص حالته بالظبط..أنا حديكي كارت لواحد صديقي..دكتور كويس جدا حيعرف يشخص حالتة كويس ويعرف يعالجه.
تناولت منه الكارت وما ان خرج حتى اطلقت العنان لدموعها..ترمي رأسها على صدر مالك وتبكي بحرقة، قالت وهي تضمه بذراعيها:
-قوم يامالك..قوم ياحبيبي..حصلك ايه بس؟أنا مش حعرف أعيش من غيرك ولا أعمل أي حاجة.
انتابها خوف شديد..واجتاحتها وحدة فظيعة جعلتها تشعر بخوف من المجهول ولا تعلم لماذا؟ وكأن ما سيأتي سوف يحمل في طياته عذاب كبير لها وآلام لم تعهدها..شعرت بيد تربت على ظهرها في حنان..وصوت همس لها بدفئ:
-متخفيش ياست نريمان ان شاء الله حيكون كويس.. قومي اغسلي وشك واتصلي بالدكتور النفسي وخليه يجي عشان يطمنا عليه.
رفعت نريمان رأسها وصدرها يعج بالتنهدات الموجعة، نبضاتها تصرخ تترقب المستقبل بخوف هيستري..وأفكار سيئة تملأ عقلها، اتصلت على الطبيب وطلبت منه الحضور على الفور.
بعد ساعة حضر الطبيب النفسي، وبعد أن فحصه طلب منها أن يتحدث اليها.. حتى يستفسر عنها عن بعض المعلومات التي ستفيده في علاج المريض فسألها بعملية:
-ممكن يامدام تحكيلي عنه شوية؟
-حضرتك عايز تعرف ايه؟
-كل حاجة..كل ال تعرفيه عن جوزك..وازاي اتجوزتو.. وهل كان جوازكم جواز سعيد ولا في مشاكل.
أطرقت بأسف ثم راحت تحكي له بنبرة حزينة كل ماحدث.. منذ أن اتى مالك الى بيتها وحتى لحظة غيابه عن الوعي..حكت له عن مضيقاتها له وتحديها وكلماتها المهينة التي ترميها في وجهه والتي كان يتلاقاها ببرود مستفز..كيف كانت تكرهه وتتمنى طرده في أي لحظة..وكيف وبدون انذار وجدتت نفسها واقعة في غرامه. حكت له كل شئ ..كانت تحكي والطبيب يدون في أجندته ملاحظاته.
*********************************
انه الآن اعترف أن هناك شئ قوي يجذبه نحوها برغم كل الحدود والممنوعات، والمحظورات .
كيف له أن يحب فتاة متزوجة؟؛
كل شئ يرفض ويلومه
..ولكن قلبه يأمره وبقوة، أنه ولأول مرة ينبض تلك النبضات النادرة ويدق دقاته الغير طبيعية..تسللت يده رغم عنه الى شعرها يمسح عنها كل ما تشعر به.
ودون انذار سمع صوت جعله ينتفض ويبعد يده سريعا كأنه ماس كهربائي أصابه.. أنه صوت مراون الذي صدح بسخرية مطعمة بالغضب العارم:
- ايه يادكتور دي طريقة جديدة للعلاج ولا ايه؟؛
ابتلع أكرم ريقه محاولا السيطرة على هدوءه، معدلا من معطفه الأبيض قائلا بثبات مفتعل :
-ايه يا أستاذ مروان هو في حد يدخل كده من غير استئذان.
مروان بضحكة سخرية من جانب شفتيه:
-لا والله عايزني أستئذن وأنا بدخل أوضة
مراتي.
أكرام بنظرات ثابتة متحدية :
-أوضة مراتك في بيت حضرتك لكن هي هنا في مستشفى يعني حضرتك لازم تراعي الأصول قبل ما تدخل.
احمرا وجه مروان بفعل الغضب وتحدي اكرم السافر له فاشتعلت عيناه غيظا فقال وهو يمسك بتلابيبه:
-أنت بتتكلم عن الذوق والأصول يادكتور؛
وهو من الأصول بردو انك تحط ايدك على شعر مراتي..هي دي أخلاق الدكاترة؟
وبعينان مليئة بالتحدي والأحتقار أيضا أردف أكرم:
-أنا عشان دكتور لازم يبقى في قلبي رحمة خاصة لبنت اتعاملت بحيوانية.
مروان وقد احتقن وجهه واتسعت عيناه بشدة:
-أنت تقصد ايه؟
أكرم: شيل ايدك لحسن أخلي الأمن يرميك بره.
وكاد أن يحتد الشجار بينهما لولا صريخ جومانة الذي انطلق في الهواء كأنه طلقات نارية جعلتهما يتوقفا وينظران لها في انزعاج.
لقد تسلل صوت مروان لأذني جومانة ..عندها استيقظت وعندما فتحت عيونها ورأته يتشاجر مع الطبيب راحت تصرخ وتصرخ..وتزحف على فراشها وتحبس نفسها في أخره.. وعندما تطور الأمر تخلت عن فراشها وركضت نحو النافذة تريد أن تلقي بنفسها منها..لولا أن لحقها أكرام وهو يهتف باسمها في صرخة تحذير:
-لا يا جومانة اوعي تعملي كده أنت لازم تعيشي ..فاهمة لازم تعيشي.
وجومانة تصرخ وتعافر تتلوى كالحمامة بين ذراعيه تحاول أن تحرر أسرها منه بالقوة لكي تتلخص من حياتها:
-اوعى سبني..سبني أموت..أنا عايزة اموت.
رأى مروان ذلك المشهد فتمزقت أحشائه من الغيرة..كاد قلبه أن يلفظ دقاته الأخيرة فضم قبضته بقوة ضاما شفتيه بغضب ..ضاربا الهواء بتلك القبضة الغاضبة.. ترك الحجرة يركض ركوض الليث الغاضب.
أما أكرم فضم جومانة الى صدره يحكم قبضتها بين ضلوعه يحميها من نفسها.. ولكن من يحمي قلبه من هواها؟.
********************************
دلفت الممرضة الى الحجرة بعد ان اذن لها أكرام قائلا لها:
-في ايه منال؟
منال:
-المدير عايز حضرتك يادكتور.
-انا رايحله..خلي بالك منها يا منال متسبيهاش لحظة.
قالها وقد ألقى نظرة أخيرة عليها قبل أن ينصرف.
طرق باب حجرة المدير الذي سمعه يأذن له بالحضور قال بعد جلس أمامه
-ايوة يا افندم تحت أمرك.
المدير بنبرة عاتبة ممزوجة ببعض الحدة:
-ايه يأاكرم ال أنت عملته ده.
-أنا عملت ايه ياافندم.
المدير وعيناه تحذره:
-ياأكرم..ياأكرم مروان خارب الدنيا ومصمم انه ينقل مراته مستشفى تانية وده من حقه طبعا.
هنا نهض أكرام بحركة حادة وقد خشى أن ينفذ مروان تهديده بالفعل.. فماذا يفعل إن أخذها الى مستشفى أخرى..أو اصطحبها الى بيته فصرخ رافضا:
-لا ياافندم مينفعش ..ازاي ينقلها مستشفى تانية.
نهض المدير بدوره واردف:
-هو ايه ال مينفعش..دي مراته يعني محدش يقدر يمنعه.
-يا افندم حضرتك عارف حكايتها كويس وعارف ان جوزها ده حيوان ازاي نقبل أنه ياخدها..دي كانت حتنتحر من شوية.
-منقدرش نمنعه يااكرم..كل ال نقدر نعمله اننا نمضيه على اقرار.. بانه مسئول عن أي أضرار يحصلها لو خدها من هنا.
-يا افندم..ياافندم. ......
قاطعه المدير قائلا بنبرة حاسمة ليس فيها رجعة:
-خلاص يا أكرم..كل ال اقدر اعمله اني أحاول أقنع مروان أنه يخليها على شرط انك مش حتابع حالتها بعد كده.. ودكتور تاني هو ال حيتولى حالتها الطبية.
فكر أكرم لدقائق ووجد أن هذا أفضل حل لكي ينقذ جومانة من قبضة هذا الحيوان..على الاقل انه سوف يكون متواجدا في نفس المستشفى القاطنة بها..فأومئ برأسه موافقا على الحل الذي طرحه المدير.
******************************
يومان ومالك في غيبوبته لم يفق بعد.. كان راقدا على فراشه وهي بجواره، دموعها لا تنضب..تتأمله بحب وافتقاد..أنها تفتقده بشدة وتشتاقه بقوة..تشتاق حتى لقسوته عليها..لجملته التي باتت تعشقها (كسحة تاخد الحريم كلتها) تغمض عينيها بقوة فتفيض دموع على وجنتيها بسخاء..التقطت كف يده تقبلها بتضرع..وتضعها على موضع قلبها لعل دقاته تنعش روحه الغائبة عن الوعي.
طرقات الباب أنتشلتها من حزنها الذي كاد يقضي عليها..مسحت دموعها وقالت:
-مين؟
-أم احمد من الخارج:
-انا يا ست هانم الأستاذ سامر تحت وعايز يقابلك ضروري.
-طيب يادادة قدميله حاجة لغاية ما أنزل.
-من عنية.
قبلت جبهة مالك ومسحت وجنتيه بكفها في بحب قبل أن تتركه.
تجردت من شخصيتها المنهارة لسقوط زوجها الحبيب..وارتدت شخصيتها الأولى القوية الغير مبالية بمن حولها..لكن بغير عنجهية ولا تكبر كانت تتقدم نحو سامر بخطوات واثقة وكأن عمرها زاد أضعافا.. حتى أن سامر نفسه قد لمح تلك الجدية التي تحيطها فنهض وكأنه ينهض احتراما لها مدت يدها قائلة له بترحاب رزين:
-أهلا أستاذ سامر .
-أهلا بيكي ياست البنات
حينما جلس قالت وقد وضعت ساق فوق ساق ..ثم أشارت له بالجلوس:
-اتفضل اقعد..خير يااستاذ سامر
-خير يا ست ياالبنات ان شاء الله..بس طمنيني الأول على الأستاذ مالك عامل ايه دلوقت.
اجابت با اقتضاب ولم تستطيع أخفاء حزنها عليه:
-الحمد لله أحسن.
-تمام ..ربنا يعجل له بالشفاء ان شاء الله..طيب دلوقت حضرتك الشغل هناك متعطل..وفيه حاجات كتير احنا محتاجنيها من الاستاذ مالك..فبقول يعني حضرتك صاحبة المال ..وتقدري تشرفينا وتتابعي مالك بنفسك.
-أيوة بس أنا حفهم ايه في الشغل..واقدر افيدكم بأيه؟؛
لمعت عيناه بشئ خفي يدبر له فهمس بحماس:
-ياافندم مجرد وجودك وسط العمال والموظفين حيحمي اموالك من السرقة..ويخليهم يعرفوا أنه مش مال سايب ووحدة وحدة تتعلمي الشغل ماشي ازاي..لحد ما الأستاذ مالك يخف ويرجعلنا بالسلامة.
شردت قليلا في كلامه فوجدته منطقي..يجب أن تباشر أموالها بنفسها..شئ آخر طرأ على عقلها يضخ بداخلها الحماس اكثر وأكثر..شئ يريد أن يثبت لمالك بعد شفائه ويرى كم هي على قدر المسئولية وأنها ليست من النساء التافهات قد يجعل ذلك الأمر يقترب منها ويغير نظرته لها ..نظرت له في ثقة وقالت:
-خلاص أوكي أستاذ سامر من بكرة حكون في الشغل.
ابتسم سامر في انتصار اخيرا سوف يحقق ما خطط له بالتأكيد.
*********************************
بالفعل وافق مروان على أن تظل جومانة في المستشفى، لقد خشى أن يحدث لها مكروها ويكون هو السبب.. لا يريد أن تتسع الفجوة بينه وبينها أكثر من ذلك.. صحيح أنه يتمزق بداخله..ونار الغيرة تحرق فؤاده لكنه سوف يصبر حتى تتماثل للشفاء، سوف يحاول ويستميت لكي يكتسب قلبها من جديد..من داخله يعلم أن الامر صعب بل أنه مستحيل ولكنه سيبذل أقصى جهده لأنه يحبها..لولا سفره هذا الذي حتمه العمل لكان اصطحبها الى البيت فورا ولكن لا ضير..أسبوع واحد وسيعود ويعيدها لبيته مهما كان الثمن.
عندما علم أكرم أن مروان سافر تنفس الصعداء اخذ سماعته وذهب الى حجرة جومانة ليتفقدها، وجدها شاردة تبكي في صمت فزفر في أسف من حالها زين وجهه باابتسامة وقال:
-مساء الخير .
التفتت له ولم تجيبه ..هي لا تستطيع أن ترد تحيته فكل شئ بداخلها صامت كبيت مجهور خرب..تجاهل صمتها هذا وراح يكلمها حتى لو لم تبادله الحديث كل همه أن يسري عنها بأي طريقة، استطرد وهو يلتقط يدها لكي يتفقد نبضها:
-عاملة ايه دلوقت؟؛
-أنا عايزة أموت..أديني سم أو حاجة تموتني بسرعة..عشان خاطري يادكتور.
أنها تكلمت اخيرا وليتها صمتت..هنا ترك يدها وتأملها بضيق، وانزعاج أنها في حالة رفض تام للحياة، ولو ظلت هكذا سوف تبحث عن أي فرصة لكي تقتل نفسها ولم تتوانى حتى تحقق أمنيتها تلك..فماذا عساه ان يفعل..هل يعطيها محاضرة عن حرمة الأنتحار..هل يعطيها نصائح يوصيها أن لا تقدم على قتل نفسها وهي صغيرة.. وان الدنيا مليئة بالمصائب وعليها أن تتحمل وتصبر حتى يعوضها الله..لأن الله يوفي أجر الصابرين..هل فتاة بمثل سنها؟ تستوعب هذا الكلام وتعمل به ..وجد نفسه وقد حدق بها بقسوة..نظراته حازمة غاضبة منها..وصوته رافضا استسلامها فهتف في حدة:
- ايه مالك كل شوية عايزة اموت..عايزة اموت..ايه الأستسلام ال أنتي في ده..ايه الضعف ده، ليه ترضي بواقع انتي مش عايزاه..قومي كده وارفضي واصرخي..لكن متستلسميش بالشكل ده..وكأنك طفلة عندك سنتين مش عارفة تروحي فين ولا تيجي منين..اقفي في وش جوزك وارفضيه..اخلعيه حتى القانون دلوقت في صفك..قومي كده ومتضيعيش حياتك في اليأس والبكا.
صوته المحتد ونبرته القاسية..ونظراته الصارمة ويديه اللتان وكأنهما على وشك صفعها..كل ذلك جعلها تنكمش على نفسها تلملم جسدها بين ذراعيها، تتراجع في خوف ودموعها تسيل بغزارة على وجنتيها.
اطرق رأسه بندم على ما تفوه به ماكان عليه ان يحدثها في تلك اللحظات..تنفس بعمق ثم قال:
-متخافيش ياجومانة ..انا بقول كده عشان تبقي قوية..مش عشان تخافي مني متزعليش مني.
فوجئ بها تقترب وتلقي نفسها في حضنه وتقول وهي تتشبث بذراعيه تشبث الغريق الذي يأمل في النجاة:
-متسبنيش خليك جمبي..عشان خاطر ربنا..أنا خايفة لما يرجع مروان من السفر ياخدني معاه في البيت زي ما قالتلي دادة أنا مش حقدر أستحمل اعيش معاه.
لقد زغرط قلبه بداخله..لأن حديثه أتى بنتائجه..وحقق ما اراد..لقد ايقظها من نوبة الضعف التي كادت أن تهوي بها الى هوة الأنهيار..لكنه ارتبك خشى أن يدخل أحد ما ويرى هذا الوضع ويفهمه خطأ..فأبعدها عن صدر برفق وقال لها باابتسامة حنونة..ونظرات مفعمة بالود:
-متخافيش انا معاكي أوعدك واني مش حتخلى عنك..ومش حسكت غير لما أعملك كل ال أنتي عايزاه..وأخلصك من اي حد عايز يأذيكي..بس بشرط توعدينك أنك متفكريش في الموت أبدا ..ها توعديني.
أومئت برأسها ثم همست:
-حاضر
بهمس ودود هتف أكرم:
-حاضر أيه.
-أوعدك..اني مش حفكر اموت نفسي.
حدق فيها لثواني في حب وابتسامته العذبة كادت ان تصرخ بكلمة احبك.
لقد بدالته تلك الأبتسامة..باابتسامة امتنان..وثقة كأنها تقول له لقد وضعت ثقتي بك فلا تخذلني.
سريعا انتشل نفسه بعد أن ابتلع ريقه بصعوبة وقال وهو يدثرها:
-نامي دلوقت ومتفكريش في أي حاجة..كله خير باذن الله.
وتركها بخطوات سريعة حتى يلحق نفسه قبل ان تخونه..ويقبلها بين عينيها تلك البريئتين.
*********************************
دمتم بخير يارب
الفصل الرابع عشر
كاره النساء
لم تجد نريمان الرغبة في الذهاب الى العمل كما وعدت سامر، وذلك بسبب قلقها على مالك ، لم يطاوعها قلبها أن تتركه وهو مازال غارقا في غيبوبة، ولا تعلم كيف ومتى سيفيق منها، حتى عندما سألت الطبيب متى سيعود للواقع؟ قال لها لابد أن يعرف بعض المعلومات عن أيام طفولته، فاخبرته أنها لا تعرف الكثير عن حياته لأنهما كان تقريبا شبه منقطعين، فأخبرها أنه يجب عليها أن تسافر الى بلدته مسقط رأسه ،وتسأل جيرانه أو أصدقائه لعلهم يعرفون أشياء قد تفيده في علاجه.
ولكن مع اصرار سامر وكثرة اتصالاته والحاحه على حضورها اضطرات أن تذهب الى العمل، استقبلها سامر بترحاب مبالغ به، وطلب منها أن تجلس في حجرة مكتب والدها..وما إن جلست عليه شعرت بشئ غريب كأن على كاهلها جبال..مسئولية جسيمة حطت على رأسها..شتان مابين حضورها سابقا عندما كانت تحضر وهي ابنة صاحب المحلات الشهيرة، الفتاة المدللة التي تأتي فقط لكي تأخذ اموال منه وتنصرف على عجل لكي تذهب للتسوق..وبين حضورها الآن كمسئول عن كل تلك الأعمال..شعور غريب جعلها تشعر أنها قد هرمت..خاصة عندما أخذها سامر في جولة لكي تتابع الأعمال عن قرب..شعرت برهبة ورجفة في قلبها..كيف لها أن تتحمل كل تلك الأمور..الآن أدركت قيمة أباها..كيف كان يشقى ويتعب لكي يوفر لها كل أسباب الراحة والمتعة..وجدها سامر شاردة وكأنها طفلة تائهة فسألها في فضول:
-مالك يامدام نريمان..في حاجة مش عجباكي في الشغل؟
قالت وهي تنفض عن نفسها ذلك التيه فغمغمت:
-هه..لا لأ مفيش حاجة...أ أنا تعبت شوية وبقول كفاية كده..أنا حروح بقى.
سامر وهو يخفي ضيقه:
-تحت أمرك..بس بقول يعني في شوية أوراق ياريت توقعيهم.
قالت وهي تضيق عينيها باستفسار:
-أوراق ايه دي؟؛
أردف بثبات وقد هز كتفيه في حركة أن الأمر عادي:
-لا دي شوية أوراق بس خاصة بفواتير وأذون صرف وكده يعني.
لم تفهم نريمان شئ ولكنها قالت له:
-طيب خليهم بكرة لأن أنا فصلت ومش حعرف أركز في حاجة.
-وبنبرة غير مبالية حتى لا يثير شكوكها:
-تمام..مفيش مشاكل خليهم لبكرة.
ثم أمر السائق أن يقوم بتوصيلها الى المنزل وذهب هو الى مكتبه..يخرج بعض من الأوراق درج مكتبه قابضا عليهم بغيظ قائلا:
-مش مهم ..نستنى يوم كمان مش حيجرا حاجة حتروحي مني فين.
ثم زفر في عدم صبر وعيناه تشعان في اصرار حتى يحصل على مراده.
لم تمكث كثيرا في العمل كانت قلقة على مالك للغاية توجهت الى حجرته مباشرة، وجدته نائم ولكنه يبدو عليه كأنه يحلم ..يحلم بشئ مخيف هكذا اتضح من صورته، فقد كان وجهه يتصبب عرقا، ينازع ويصدر اصوات غير مفهومة، وهماهمات كأنها أواجع، ينتفض جسده على الفراش كأنه في نوبات صرع.. ركضت نحوه بانزعاج تهزه وتناديه بهلع:
-مالك..مالك..في ايه حبيبي..قوم يامالك ..اصحى ..اصحي فيك ايه ياحبيبي .
بأصابع ترتعش وانفاس لاهثة خائفة، اخرجت هاتفها تتصل بالطبيب وتخبره باكية:
-الحقني يادكتور.. مالك كأنه بيحلم بكابوس وعمال ينازع..وبيقول كلام مش مفهوم، وشه اصفر ومليان عرق.
الطبيب باهتمام:
-طب كويس ده معناه انه قرب يفوق ..مسافة السكة واكون عندكم.
جلست بجواره على الفراش تمسح عنه عرقه..وهي تزرف دموع الخوف عليه.
عندما حضر الطبيب حقنه ببعض المنشطات حتى تساعده على تنشيط وعيه..وسألها:
-قولي لي قدرتي تجيبي اي معلومات عن حياته؟
هزت رأسها بالنفي قائلة بأسف:
-للاسف يادكتور مقدرتش أروح ..اولا لاني معرفش اروح لوحدي وكمان خفت لانها بلد أرياف وأنا مش حقدر أتعامل معاهم ..ثانيا انا كنت مشغولة جدا عشان شغل والدي وكمان اهتمامي بمالك مقدرتش أسيبه لوحده وأسافر..عشان كده انا بفضل اننا نستنى والدي لما يرجع من السفر هو حيقدر يفيدك اكتر ويجبلك المعلومات الحضرتك عايزها.
أومئ برأسه تفهما فقال على مضص:
-تمام ..ياريت يفوق بقى عشان أسمع منه شخصيا.. المهم أنا عايزك تفضلي جمبه..واظن ان مراعاتك ليه وقعادك معاه وكلامك له كان ليه أثر كبير بانه بيحاول يقاوم غيبوبته..أنا حمشي وأي تطورات اتصلي بيا فورا.
-حاضر يادكتور.
قال وهو يصافحها:
-ربنا يشفيه يارب
-يااارب.
جلست بجواره تتأمله بشفقة جعلت ذراعها فوق رأسه، وأراحت خدها على جبينه مقربة رأسه نحو حضنها أكثر وأكثر وراحت تهمس له باشتياق:
-ياااه يامالك قد ايه أنت واحشني قووي..واحشني صوتك حتى لو كان زعيق وشخط..وحشتني نظراتك حتى لو كانت نظرات كره..وحشتني أوامرك ..وحشني وجودك معايا..قوووم بقى أنا محتجااالك قوووي..حاسة أن جزء مني سايبني وضايع مني..ربنا يشفيك ياحبيبي ويرجعك لي بالسلامة.
جادت عيناها بفيض من الدموع.. دموعها تسقط على وجهه علها تغسله من غياب طال لأيام وكأنها سنوات..وبالفعل دموعها أتت مفعولها فقد ظل يتململ وكأنه يقاوم لكي يخرج من غيبوبته تلك وعندما شعرت بحركته رفعت رأسها وحدقت به بشوق بالغ ولهفة تنتظر وتتمنى لكي يستيقظ.. فظلت تساعده وتخفزه بصوتها الحنون:
-قوم ..قوم يامالك..اصحى..قاوم ياحبيبي.. فوق..فوق ياروحي.
لم تصدق عيناها عندما فتح عيناه ونظر لها بأعياء وكأنه كان نائما مع أهل الكهف حدق بها وغمغم بضعف وأعياء:
-أ أ أنتي مين..أنتي ميين...
فرحتها باستيقاظه جعلتها تصرخ وتنادي على دادتها بصوت ضال اعمى لا تدري ماذا تفعل في ذلك الموقف:
-دادة ...ددداداة ..مااالك فاق ..مالك اتكلم.
حتى انها تركته وذهبت اليها..لكي تشاركها تلك اللحظة فقد شعرت أنها لحظة قوية لن تتحملها بمفردها.
*********************************
لأول مرة منذ أن جاءت الى المستشفى في حالة يرثى لها يراها وهي تبتسم ..عندما دلف الى حجرتها وألقى عليها تحية الصباح:
-صباح الخير
فردت عليه تحيته باابتسامة عذبة صنعتها شفتيها خصيصا له:
-صباح النور
قال وهو يدقق في ملامحها التي تبدلت من اليأس الى الأمل ومن التعاسة الى السعادة:
- ايه ده هو انتي بتعرفي تبتسمي زينا؟؛
أطرقت رأسها خجلا وهي تبتسم من مزاحه.
تناول يدها لكي يتابع نبضها وحتى يرفع عنها خجلها:
-وريني ياست الكل.
بينما هو محدق في ساعته كانت هي تراقبه في صمت ملامحه الرجولية ووسامته اللتان آسراها، والأهم حنانه الذي يغدقه عليها ومعاملته الطيبة لها..والتي افتقدتها وحرمت منها من قبل والدها وزوجها..وراح عقلها ينقم على والدها ذلك الوالد القاسي الذي لم يكلف نفسه أن يسأل عليها وكأنه ماصدق وتخلص منها..أي أب هذا..مازالت تجهل خبر موته فلقد فضلوا أن لا تعرف به حتى تتحسن حالتها..هتف باسمها عندما وجدها شاردة:
-مالك ياجومانة..ابتسامتك اختفت ليه مرة وحدة.
-مفيش.
قالتها وهي تضم شفتيها تحاول ان تخفي مشاعرها.
ولكنه طارد تلك المشاعر باصرار حتى لا تختزنها بداخلها فتقتلها:
-مفيش ازاي..وشك باين عليه ايه ال فكرتي فيه خلاكي اضيقتي كده مرة وحدة.
ولم طال صمتها سألها باصرار حتى تبوح بمكنون نفسها:
-قولي ياجومانة مالك في ايه؟؛ أحنا مش اصدقاء..واتفقنا انك متخبيش علياحاجة .
حدقت فيه لثواني هي بالفعل تشعر تجاهه بقرب وراحة فقالت له كأنها تشكو اليه:
-بفكر في بابا ال مسألش عليا ولو مرة وحدة من ساعة ما جيت.
أشاح بوجهه بعيد عنها في حيرة هل يخبرها عن أمر موته..أم لا ؟
وكأنها شعرت أن هناك شئ خفي لا يريد أن ببوح لها به فسألته في توجس:
-فيه ايه يا دكتور..أنت مخبي عليا حاجة؟؛
- ابوكي مات ياجومانة من أول يوم جيتي فيه مستحملش الصدمة ومات .
وجد نفسه يقول ذلك وظل يراقب ردة فعلها لأستقبالها مثل ذلك الخبر .راقب انفعالاتها ووجهها الذي ظل جامدا للحظات وعيناها الشاخصة، محدقة فيه بعدم تصديق وعدم استيعاب..حتى أنه خشى عليها فهتف اسمها بانزعاج:
-جومانة..جومانة قولي أي حاجة.
كانت جومانة في صراع مع نفسها..في تلك اللحظة لم تنقم على أبيها على الرغم مما تسبب لها من متاعب..لقد شعرت بعد أن فقدته كأنها ورقة شجرة سقطت فتلقفتها الريح تطير بها في الهواء..لقد بكت عليه بكت بشدة..برغم من كل ما حدث منه..تبكيه برغم كل الضغوط النفسية التي سببها لها ..تبكيه برغم سجنه لها وحرمانها من حنانه تبكيه.
حب الأبنة لأبيها حب فطري..لا تهدمه أي ظروف حتى لو كانت قاسية.
ارتاح أكرم لدموعها تلك فهي علامة صحية..دموع طبيعية، لقد أطمأن أن هذا الخبر لم يحدث لها أي انتكاسات ربت على يدها وقال مواسيا:
-متبكيش..اكيد ابوكي ليه ظروف خلته قست عليكي كده هي ايه الله اعلم .لكن في النهاية لازم تتطلبيله الرحمة.
لم ترد عليه ولكن راحت تبكي بحرقة ودموعها تسيل بغزارة.. حتى حضرت في تلك اللحظة مربيتها ام أحمد وقد بدى عليها الانزعاج عندما رأتها تبكي ولما سألت الطبيب قال لها بأسف:
-عرفت ان باباها مات خليكي جمبها متسيبهاش.
فاقتربت منها تضمها الى صدره وتمسح على شعرها مرددة في أسف:
-ياضنايا يابنتي..ربنا يزيح عنك ياااارب.
شيعها أكرم قبل أنصرافه بنظرات آسفة..كل يوم يرتبط بها أكثر من الأول..فكيف السبيل من التخلص من هذا الحب المستحيل.
*********************************
-وبعدين الساعة بقت عشرة الصبح ونريمان ماجتش لازم تمضي الورق قبل ما مالك يخف ويرجع الشغل.
قال ذلك سامر وهو يزفر بضيق قاطعا الحجرة ذهابا وإيابا في قلق بالغ قرر أن يتصل بها وتكون حجته سؤاله عن مالك لعله يعرف سبب تأخرها وبالفعل اتصل بها.
وعندما سمع صوتها كسى صوته الطيبة قائلا:
-السلام عليكم
-وعليكم السلام ورحمة الله
-أتأخرتي قوي يامدام نريمان فقلقت قلت اتصل اطمن عليكي.
صدمته عندما قالت له:
-معلش يا أستاذ سامر أنا مش حقدر أجاي مالك في حالة مش طبيعية ..بيفوق ويغمى عليه تاني وأنا جمبه مستنية الدكتور.
أخفى ضيقه بالكاد وقال بلهفة مصتنعة:
-سلامته الف سلامة ..طبعا لازم تفضلي جمبه..طيب لو احتاجتي حاجة رني عليا.
-متشكرة قوي.
اغلق هاتفه وضرب راحته بقبضته في غيظ..وظل يفكر وهو يعض ابهامه في قلق جم ماذا يفعل الآن ..فهداه عقله الى أن يذهب اليها بحجة أن يجب أن يكون بجانبها في مثل هذا الموقف.
كان مالك قد استفاق ولكنه لا يتكلم..عيناه مفتوحة ولكنه لا يرى أحد، بعد أن فرحت نريمان بعودته.. عادت سعادتها لتتحطم من جديد، كانت تحدق في عيناه مباشرة تحدثه ووجهها قريب من وجهه يكاد يلامسه، انفاسها تلفح وجهه كأنها رياح تريد أن تقتلعه من ذلك الجمود..راحت تهمس له وكلماتها تقطر عذاب وألم:
-أنا تعبت يامالك..أنت في عالم تاني..ومش حاسس بيا..أنا تايهة من غيرك..عنيك مفتحة بس مش شيفاني..طب سامعني يا مالك.. طيب فيك أيه..حاسس بايه..كنت فين وجرالك أيه..كنت مع مين..الدكتور ليه ساعة بيكلمك ومقدرش يستفسر منك عن حاجة..بيقول إنك لو اتكلمت حتخف..لو عرف أنت كنت فين أخر مرة حيقدر يعرف سبب الحصلك، في حاجة حصلتلك خلتك منهار كده..ايه الحصلك ياحبيبي.
ولما لم يجيب عليها وكأنها تحدث صنما..أغمضت عيناها بقوة فتولدت دمعات ساخنة ألهبت خديها ولكنها استطردت بصوت محشرج ونبرة مفعمة بالأصرار لكي تجبره على التحدث فأمسكت كتفيه بقبضتيها وراحت تهزه بقوة قائلة:
-أتكلم يامالك..أتكلم..اتكلم بقى حرام عليك تعبتني..تعبتني..فووق...فوق عشان تشيل الحمل عني..قلبي قرب ينفجر من كتر خوفه عليك أتكلم بقى.
ولكنه كالصنم ..حجر ليس فيه روح فاراحت رأسها على صدره تبكي بيأس بكاءا حارا كاد يصدع قلبها.
أخرجها من بكائها صوت مربيتها أم أحمد وهي تقول من خلف الباب:
-ست نريمان الأستاذ سامر تحت وعايز يطمن على الأستاذ مالك.
رفعت رأسها من على صدره..تنهدت بقوة..وكأنها سوف تخرج قلبها مع تلك التنهيدة..واردفت وهي تمسح دموعها:
-طيب قدميله حاجة لحد ما أنزله.
-حاضر يابنتي.. بس بعد أذنك حروح مشوار كده لحد بنتي..وآجي عالطول.. ساعة زمن مش حتأخر.
نريمان على مضض:
-طيب يادادة
ثم غمغمت لنفسها:
-هو ده وقتك أنت كمان
راحت تبدل ثيابها بثياب لائقة لأستقبال سامر.. وقبل أن تخرج نظرت لمالك فرأته على حالته زاهلا متصنما لا يبدي حراك..فاقتربت منه وساعدته أن يرقد بجسده كله دثرته ثم أنصرفت.
فتحت باب حجرتها واذ بها قد اتسعت عيناها فجأة..فتراجت للخلف بعض الخطوات فلقد رأت سامر يدخل ويقول بعد أن تحمحم:
-أنا آسف أضطريت أني اطلع لحد هنا كنت عايز اطمن على مالك وأشوفه لاني قلقان جدا عليه.
المفاجأة أربكتها وقيدت لسانها وعقلها فلم تستطيع أن تبدي أي رد فعل. غير أنها قالت له وهي في قمة حرجها:
-هه ..لا عادي اتفضل.
جلس على مقعد أمام فراش مالك ..فقال سامر بعد أن نظر له ورآه نائما:
-هو عامل ايه دلوقت:
أجابت بخفوت :
-تمام..الحمد لله بقى أحسن.
لحظات صمت ثقيلة مغلفة بالحرج..وراح سامر يتحدث حتى يقضي على ذلك التوتر:
-طيب هو الدكتور قال أيه؟
قالت دون أن تنظر له وكانت خجلة ومازالت تحت تأثير الحرج:
-قال أنه بيتحسن الحمد الله.
جذبه خجلها ..لأول مرة يرى خجلها ذلك، كان دائما لا يرى الا الكبرياء مرسوما على وجهها وكأنه جزء من قسماته، ظل يتأملها بإعجاب وهو يحدث نفسه كأنه وهي في خلوة وليس معهما أحد:
-( كل شئ اتمنيته راح مني أتمنيتك قووي..من أول ما اشتغلت مع أبوكي وكان عمرك عشر سنين وأنا حبيتك وكل ما تكبري يكبر حبك في قلبي.. تعبت وشقيت معاه وفي الآخر مانبنيش غير مرتبي.. أبوكي كبر بفضلي وفضل أفكاري ال كانت بتكبر شغله..من غيري مكنش بقى أكبر تاجر جملة..صحيح كان بيكبر مرتبي ..لكن ده مكنش كفاية ..ثروتكم دي كبرت بفضل عقلي أنا وأنا استحملت وفضلت معاه على أمل لما تكبري أجوزك. . كنت مستني تخلصي دراستك واتقدملك..لكن للأسف أبوكي جوزك بأسرع مما توقعت..استنيتك على الفاضي..كان ممكن أسيب أبوكي واشتغل لحسابي لكن مرتضتش أمشي عشان خاطرك.. بس أنا لازم آخد حقي فيكي وفي فلوس أبوكي ..وحتمضي على الورق ال معايا..ورق يثبت أنك سحبتي مني فلوس لحد ما أبوكي يجي من السفر)
كانت عيناه تخترقها نظراته خليط من الحب والحقد والرغبة..نظرات شعرت بها نريمان حتى أنها وبحركات عفوية راحت تسدل ثوبها.. وتغلق فتحة جيدها بيدها.. نظراته اصبحت صريحة تتحدث بوقاحة حتى شعرت بالأختناق..فقالت حتى تصد نظراته تلك علها تصرفه:
-طيب يا أستاذ سامر هو في حاجة مهمة في الشغل عايزني اعملها.
نطقتها مغلفة باابتسامة مجاملة، ونبرة جاهدت أن تخرج طبيبعية وقد أخفت توترها بالكاد.
لكنه لم يجيبها..وأصر أن يحدق فيها بوقاحة وجرأة لا تفهم لهما سبب..فخفق قلبها وراح ينبض بعنف..وأذ به وبدون سابق أنذار..وجدته ينهض وكأنه فقد عقله فهجم عليها يقبلها ويضمها عنوة وهو يغمغم بحقد وانتقام:
-أنا عايزك أنتي..عايزك أنتي أنا فضلت صابر عشان تكوني ملكي ..لكن خسرتك.. خسرتك..كانت تصده..بكل ما أوتيت من قوة..وهو راح يكمل اعتداؤه عليها كالمجنون المغيب عن الوعي..وهي تصرخ وتصرخ..ضعيفه لم تقوى على صد هجومه الغاشم..فبدأت تستغيث:
-آااااه ..انت اجنننت ..انت بتعمل ايه..سبني ياكلب..سبني..ماااااللك ..مااااالك الحقني..الحقني يامالك..آااااااااه ..لالاا ماااااالك.
********************************
-مش عايزة أروح معاه يادادة بلاش..بلاش تروحيني الله يخليكي.
هتفت بها جومانة، بصوت ضعيف عاجز وقد لجئت لحضن مربيتها كأنها تلوذ به، ضعفها هذه اوجع قلب مربيتها فضمتها اليها بقوة ليتها تستطيع ان تخميها وتصد عنها أي سوء تشعر بها ما حيلتها حيال ذلك غير انها تبث لها كلمات حتى لو بالكذب علها تقويها:
-ياحبيبتي مروان بيه مش حيأذيكي متخافيش..وأنا معاكي مش حسيبك.
رفعت رأسها بحركة حادة وهتفت بحدة:
-لأ أنا خايفة منه ومش طايقة اشوفه..وبعدين ايه ال رجعه بدري مش كان بيقول انه حيفضل اسبوع رجع ليه بعد تلات ايام بس.
-يابنتي مهو خلص شغله بدري ،وبعدين هو انتي حتفضلي هنا في المستشفى عالطول مكان مسيرك تروحي.
اخفت وجهها بين كفيها وهي تغمغم لنفسها:
-ياريت افضل هنا عالطول..لكن حتى ال كنت حقعد عشانه من امبارح مش باين ..هو زهق مني ولا ايه..راح فين ..رحت فين يااكرم
-يلا يابنتي استهدي بالله وقوي غير هدومك عشان مروان بيه مستني بره.
قالتها مربيتها وهي تربت على ظهرها وتجبرها على النهوض.
في النهاية اضطرت جومانة أن تمتثل لارادتها..تشعر أنها سلبت كل شئ..ضعيفة منكسرة..وحيدة..وأنها في أخر مطاف حياتها، دلفت الى المرحاض ظلت ساكنة لفترة لا تعلم ماذا تفعل؟ وجهها جامد ليس به حياة..كأنها تتأرجح بين السماء والأرض، فردت يدها أمامها تنظر لعروق يدها وتضم قبضتها بقوة حتى انتفخت تلك العروق..دموعها تسيل على وجنتيها بصمت مخيف..لماذا تعيش؟ ولمن؟ ومن أجل ماذا؟ تلك الأسئلة كانت تدور في رأسها ..ودقات قلبها اليائسة تحرضها على انهاء حياتها .. في خضم لحظاتها اليائسة تلك سمعت الممرضة تطرق عليها الباب ولم تنتظر اجابتها وفتحته بحركة سريعة..وجزعت عندما رأت منظرها ذلك وهي على وشك التخلص من حياتها فهتفت بانزعاج:
-انتي حتعملي ايه في نفسك؟ .. اوعي تعملي حاجة..الحمد لله لحقتك ..دكتور أكرم كان قلبه حاسس..خدي.. ده جواب منه بيشرحلك فيه كل حاجة اقريه ونفذي ال فيه بالظبط فاهمة.
نظرت لها جومانة بعيون زائغة لقد انقذت حياتها في اللحظة الأخيرة..راحت تتأمل الخطاب كأنه طوق نجاة القشة التي انقذتها..راحت تضمه الى صدرها تشكره لأنه اتى في ميعاده..قرأت خطابه وابتسمت وادعمت في سعادة لقد اعادت كلماته اليها الحياة ومدتها بالقوة.. ارتدت ثيابها وخرجت وهي تقول لمربيتها بثبات:
-يلا يادادة أنا جهزت
-يلا يابنتي.
قالتها وهي تتعجب من سر تبدل ضعفها هذا الى تلك القوة ..والثبات الذي بدى عليها فجأة.
₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩
ان شاء الله الحلقة الجاية مهمة جدا..حتعرفوا فيها حكاية مالك وايه الحصله..وجومانة لما ترجع بيت مروان حتعمل ايه وتوجهه ازاي وياترى اكرم قالها أيه عشان تبقى بالقوة دي
كل ده حتعرفوووه الفصل الجاي باذن الله
الفصل الخامس عشر
كاره النساء
صراخاتها تخترق سمعه، واستغاثتها باسمه تصعق قلبه، فيولد لديه صراع مرير.. بين قلبه الذي يصارع حتى يهب لنجدتها، وعقله الذي يصارع حتى يفيق ويلبي ندائها، فيتململ بقوة كأنه ينازع حتى تعود له الروح..صوتها الحنون الدافئ طوال فترة غيبوبته مازال يتردد في أذنيه..كلمة حبيبي التي أطعمت بها قلبه وغذته إياها كانت لها الفضل في أنعاش روحه ومقاومة غيبوبته، لمساتها مازالت بصمة سوف يجد أثرها حتى بعد أن يفيق..دموعها التي صبتها على صدره أنبتت داخله حنينا لها.
تصرخ باسمه وتستنجد به..اسمه بين شفتيها المستغيثتين تصفع عقله الباطن الذي يتشبث بقوة بعقله الواعي ليظل نائما في غيبات الزهول..ولكن عقله الواعي يصرخ به وكأنه يقول له:
-قم..وهب لنجدتها..انها الآن في أمس الحاجة إليك.
في خضم الصراع الذي يعانيه مالك وهو يحاول أن يقاوم زهوله وخروجه عن الواقع.. صرخات نريمان أسواط تجلده وأخيرا تغلب عقله الواعي واستفاق قلبه ونهض ليراها تسحق تحت ذلك السافل..الذي استباح عرضه أمامه ظنا منه أنه بلا وعي..وأذ بسامر يفاجأ بيد تجذبه من دبر قميصه ويكيل له ضربات سريعة متتالية..قوية.. ولم يتركه حتى سقط ذلك الذئب مغشيا عليه..ونريمان واقفة في ركن الحجرة منزوية على نفسها، شعرها أشعث ثيابها مقطعة..وجهها شاحب تلون بألوان شتى واضعة يدها على فمها وهي ترى مالك يضرب سامر بعنف..وما إن أنتهى وكان كالذي دخل معركة ببقايا قوته ولا يعلم من أتت له تلك القوة..وسرعان ما انهار أو كان على وشك. . ركضت نحوه سريعا ترتمي في حضنه تصب كل دموعها على صدره..دموع الخوف الذي تحول الى أمان بفضله. دموع الضياع الذي أنقذها من براثن ذلكن الذئب..دموع السعادة لعودته الى الحياة..دموع رجولته التي هبت لنجدتها وصارعت غيبوبته من أجلها..كانت تلصق نفسها به بشدة كأنها تريد أن تخترق ضلوعه حتى تشعر بأمان أكثر..ظل لحظات ساكن يديه بجواره مرتخيتين.. وإذ به يرفعهما بتردد وخوف ليحتويها بهما.. فاتسعت عيناها غير مصدقة أنه ضمها اليه.. ولأول مرة يفعل ذلك..فابتسمت وأدمعت حتى انها نظرت لوجهه المرهق كأنها تسأله هل أنت حقيقي ضممتني اليك..فعادت واسندت رأسها على كتفه تثتثمر تلك اللحظات النادرة وتمنت ساعتها الا تنتهي تلك اللحظات..بل أنه شدد من ضمه لها ..وشددت هي بدورها من ضمه اليها كأنه ترجوه أن لا يتركها..فهذه أول ضمة لها منذ أن تزوجها..أول مرة يلمس جسدها جسده..أول مرة يكون قريب منها..أول مرة تشعر أنه زوجها ،سندها، أمانها، رجلها..أنه كل شئ في حياتها..وإذ بها شعرت بجسده يترنح ويديه تخلتا عنها فنظرت له بانزعاج وهي تصيح :
-مالك ..في ايه...مااااالك.
كان قد سقط بين يديها ولكن عيناه مازالتا مفتوحتين بضعف وإعياء يهمس بصوت ضعيف كأنه يقاتل ويستميت حتى يبقى مستيقظا من أجلها ومن أجل أن تشعر بالأمان:
-مت..مت متخفيشي.
لم تتخلى عنه بعد أن سقط وانما ظلت يديها الضعيفتان تحملانه وتساندنه وهي تقول وصوتها المنهار تتوسله:
-أوعى يامالك يغمى عليك تاني أنا مصدقت انك رجعتلي تاني..قاوم ..قاوم أرجوك..أنا ..أنا حتصل بالدكتور..بس مش عارفة أعمل ايه أسيبك ولا أستنى داداة ولا أعمل ايه..ساعدني يامالك ساعدني عشان خاطري.
بعينين مرتخيتين..ووجه أصفر شاحب..وشفتين زرقاء أومأ برأسه رافعا يده نحو وجنتها يربت عليها بمعنى لا تخافي، ابتسمت له وحاوطت كتفها بساعده، والتف ذراعها حول خصره ترفعه حتى ينهض تهمس بصوتها الذي يعاني وهي ترفعه:
-قووووم..قوم معايا نام على السرير لحد ما يجي الدكتور.
قاوم مالك حتى استقر على فراشه.
نظرت نريمان باحتقار لجسد سامر المسجي ثم خرجت مسرعة لكي تتصل بالشرطة..وهاتفت ايضا الطبيب الذي سردت له كل ما حدث واستبشر خيرا وأخبرها أنه سوف يحضر على الفور وقد أوصاها أن تضع له طعاما حتى يسترد بعض من قوته.
***********************************
أين تماسكها الذي كانت تتحلى به، أين شجاعتها التي اقتبستها من كلمات أكرم حتى أنها شعرت أن بمقدورها أن تواجه الليث في عرينه، لماذا تبخرتا الآن؟ وبمجرد دخولها حجرتها ومروان خلفها وقد أغلق الباب بالمفتاح..حتى شعرت بخوار داخلها وتبخر تلك القوة، وماتت شجاعتها، وارتعش جسدها، وانتفض قلبها كأنه يدق آخر دقاته، خطواته التي تقترب منها جعلت نبض قلبها يسرع بجنون كأنه في سباق للركض..ولقد حضر مشهد ليلة زفافها وكأنه مشهد سينمائي يعاد تصويره..حتى أنها تراجعت للخلف في زعر..وبدأت تصرخ وتصرخ بأعلى صوتها:
-لا..لأ..ﻻ..ﻻ..متقربيليش..أبعد..أبعد..أبعد..أب....
لم تكمل استغاثتها فقد سقطت في بئر الأنهيار.
-جوماااانة.
هتف بها مروان بانزعاج..وهو يسرع اليها ..يحملها ويضعها على فراشها..رأسها مستريحة على ذراعه..ويده تزيل شعرها من على وجهها الشاحب..الغاضب..ازعجه خوفها منه..وتذكرها لليلة زفافه..شعر بغصة في حلقه، يغمض عينيه بقوة وألم يضم رأسها الى صدره قائلا في مرارة:
- متخفيش مني ياجومانة..متخفيش مني ياحبيبتي..سامحيني..سامحيني ياروحي..أوعدك أني مش حأذيكي تاني..أوعدك أني حعوضك عن كل الشفتيه مني ومن أبوكي الله يرحمه.. متخفيش من جوزك ..أنا جوزك وحبيبك .
كانت في عالم آخر لم تسمع توسلاته..ولم ترى دمعاته..ولم تشعر بندمه ولا حبه الذي يبثه لها.
لقد اتصل بطبيب وبعد أن فحصها علم منه أنها في حالة انهيار عصبي، وتحتاج للراحة وعدم تعرضها لأي تأثيرات نفسية سيئة حقنها الطبيب بمهدئ يجعلها تنام حتى الصباح..لم يستطيع مروان النوم..لقد مكث بجانبها يتأمل وجهها الشاحب المكسو بالخوف بل الرعب، وللأسف هو السبب في ذلك ماذا يفعل لكي يزيل عنها هذا الخوف الشديد ، كانت زفراته حارة كأنه يقتبس حرارتها من جهنم..يضم رأسها الى صدره علها تشعر بالنار التي تكوي فؤاده نار الندم التي يتلظى بها..ولم يشعر بنفسه حتى غفى على وضعه هذه..غفى وهو ضاما لها.
********************************
لقد عادت أم أحمد مربيتها وهي ترى الهرج والمرج الذي سباباه خروج الشرطة وهي قابضة على سامر تدفع به أمامها بقسوة، فاتسعت عيناها في انزعاج..ضربت على صدرها وهي تتمتم لنفسها بجهل للأمور:
-ياخرابي ايه الحصل في غيابي.
ثم هرولت متجهة صوب حجرة نريمان فطرقت الباب ثم دلفت وهي تتفقدهما بعيون تملؤها الجزع ثم هتفت :
-ست نريمان ايه الحصل..أنتو كويسين.
التفتت نريمان لها وأجابتها بعد أن تركت مكانها بجوار مالك وتقدمت نحوها:
-متخافيش يادادة احنا كويسين الحمد لله.
-طب البوليس ده ال ساحب سي سامر ليه ..هو عمل ايه؟؛
-تعالي معايا في المطبخ وأنا احكيلك.
قالتها بهمس وهي تسحبها من يدها متجهة بها صوب المطبخ.
ثم قصت لها ما حدث تحت نظرات الزهول التي بدت في عينان ام احمد..هذه الأخيرة التي هتفت بانزعاج:
-يخرب بيته بقى كل ده يطلع من الأستاذ سامر..
-اهو ده الحصل يادادة ..المهم دلوقت بقى عايزاكي تعملي اكل لمالك عشان ياكل ويشد حيله قبل ما يجي الدكتور.
- بس كده من عنية حاضر ..ده كفاية انه ربنا خد بايده وفاق ياما انت كريم يارب.
هتفت بها في سعادة وراحت تشرع في اعداد الطعام في حماس.
مرت أكثر من ساعة على الأحداث التي حدثت..بعدها حضر الطبيب كان مالك وقتها قد أكل واسترد القليل من عافيته، ألقى عليه الطبيب تحية مغلفة باابتسامة تنم عن سعادته بعودته من الغيبوبة:
- السلام عليكم.
ردت نريمان ومالك بصوت خافت ضعيف:
-وعليكم السلام ورحمة الله.
جلس الطبيب في مقعد بجوار مالك فهتف وهو يفحصه:
-عامل ايه دلوقت؟
مالك بصوت خافت:
-زين.
الطبيب وقد انتهى من فحصه المعتاد:
-طيب تقدر تتكلم دلوقت ولا حتتعب؟
مالك باعياء:
-لاه حجدر.
قبل أن يتحدث مالك التفت لنريمان ثم قال لها:
-أتركينا لحالنا دلوك لو سامحتي.
طلبه تسبب لها في الضيق ولكنها اخفته مؤقتا، وفضلت أن تخرج حتى يستطيع الكلام..وكم كانت تتوق لسماع حديثه فالفضول يقتلها لكي تعرف سبب ما حدث له ولكن هي الآن تتمنى عافيته قبل أي شئ.
ما إن خرجت حتى تنهد مالك براحة..وعلى أثر هذه التنهيدة سأله الطبيب :
-ليه مش عايزها تعرف ال حصل.
-إكده أحسن .
اضطر الطبيب أن يحترم رغبته تلك حتى يتحدث على سجيته ثم استطرد:
-طيب قولي.. ايه الحصل معاك خلاك توصل للأنهيار لدرجة انك تفقد الوعي؟؛
تنهد مالك بعمق يمسح وجهه بيديه بطريقة عنيفة كأنه يحاول أن يسيطر على انفعالاته، وأخيرا طاوعته حروفه فخرجت كأنها تنازع:
-فاليوم ديه كنت في الشغل..وخلاص إمروح..لجيت مدام زهرة بتدخل عليا المكتب
-مين مدام زهرة دي.
قاطعه الطبيب بها وهو يدون ملاحظاته في مفكرته.
استطرد مالك وقد نظر له بعينان زابلة:
-دي زبونة مهمة كان عمي عرفني عليها في بداية شوغلي معااه.
فلاش باك..........
في اليوم ديه استغربت عشان أول مرة تاجي متأخر إكده وكمانيتي كانوا كل الموظفين والعمال تقريبا روحو، لجيتها بتجولي:
-مساء الخيييير
تفوهت بها بغنج ودلال تمط حروفها كأنها تراقصها.
نظر مالك إليها فضيق مابين حاجبيه في استياء ..سببه سحنتها الملطخة بمساحيق تجميل صارخة، وكأنها غانية، أتت لتعرض بضاعتها الرخيصة عليه..جسدها الذي تتمايل به في ثوبها الضيق اللامع كأنه أفعى على وشك أن تبخ سمها فيه، كعبها العالي الذي يصدر أنغاما صاخبة مع خطواتها المتمايعة تحرضك على قتلها، حاول مالك أن يكتم غيظه ويوئد سخطه علها تنصرف سريعا..لذلك أجابها دون إكتراث وتصنع أنه مشغول في فحص بعض الدفاتر وبنبرة جافة:
-مساء النور.
ولأنها أمرأة ذكية وتعلم أنه يفتعل عدم الاهتمام بها لكي يتملص منها، وتعلم أيضا أنه رجل غير كل الرجال اللذين قابلتهم ، لذلك سوف تمرر له كل ما يفعله فهو صيد ثمين له مذاق مختلف لن تجعله يفلت منها أبدا، فحرصت على أن ترمي له طعم جيد لكي تصطاده بها..وكان هذا الطعم يتمثل في حركاتها اللعوب..وصوتها الذي تحشوه بالرقة، وجسدها البض المتناسق الذي يهتز بدون سبب.
اقتربت منه وكل لفتة منها تدعوه، وترغبه وترواده عن نفسه حتى كادت أن تلتصق به فهمست بصوت يملؤه الأغراء:
-أزييك عامل أيه..تعرف أنك وحشتني قوووي طول ماانا مسافرة وأنا فكر فيك.
وهنا لم يستطيع مالك كبح غضبه، أحمرت عيناه..وانتفخت أوداجه ونفرت عروق رقبته فأبعدها عنه وثار في وجهها غاضبا:
-أييه يامرة أنتي..متجفي عدل وتتحددتي زين ولمي.....
قاطعته زهرة ولم تبالي بثورته ولا غضبه بل اقتربت منه وحاوطت رأسه بيديها وشبكت أصابعها خلف رقبته وراحت تهمس وأنفاسها تلفح وجهه:
-بقولك ايه مكفاية تقل بقى..صدقني لو جربتتي مرة مش حتسلاني..أنا مفيش حد قدر قبل كده يقاومني..تعالى معايا البيت..وأنا حبسطك قوي..ثم نفخت في وجهه واستطردت تقول بصوت يحرضه على الفحش:
-هاه قلت ايه يا حبيبي.
ظل ينظر لها بحقارة أنفاسه متهدجة..قربها منه نارا تكوي جسده..أنفاسها كأنها تأتي من الجحيم..حاول أن ينزع يديها من حول رقبته ..ولكنها تتشبث به بقوة.. مغمغمة في اصرار:
-متحاولش أنت أسيري انهاردة ومش حروح غير بيك.
وكأن ما يحدث له من غزو لتلك المرأة اللعوب كان شبيها لمشهد حدث أمامه في الماضي..كان صغير عمره ست سنوات، يرى أمرأة حركاتها تشبه لحركات زهرة..ملابسها الفاضحة مثل ملابس تلك المرأة ..ميوعتها..حديثها ذو النبرة المتمايعة..شعرها الغجري وكأنه يحرضه مثلها..اصرارها في اقتناص فريستها..كل ذلك يشبه لتلك المرأة تلك المرأة التي بغضها من كل قلبه..لم يشعر الا ويديه تطبقان على رقبتها يريد أن يزهق روحها أم تراه يزهق الماضي محاولا اغتياله حتى يمحوه من عقله الى الأبد..ماضي ظل وبات يؤرقه..اتسعت عينان زهرة بقوة وحاولت أن تسعل فلم تستطيع..تشهق بعذاب محاولة ان تجلب لنفسها الهواء.. يديها تحاول بلا أمل أن تنزع يديها من على رقبتها ولكن مالك راح يضغط في اصرار حتى شخص بصرها وترنحت بين يديه..تركها أخيرا ..ينظر لوجهها الذي ازرقا.. وعيناها الشاخصة..ممدة على الارض جثة هامدة..راح يلهث بشدة يتأمل يديه اللاتي ازهقت روح تلك الغانية، كان يرجع الى الوراء بخطوات ثقيلة..زاهلة في لحظة سار قاتل..قاتل..أنه قاتل.
-مالك ..مالك حاسس بايه؟؛
هتف بها الطبيب عندما وجده يتنفس بصعوبة..ووجهه بدأ يشحب ويصير ازرق كان يصارع بيديه وقدميه كأنه يحتضر..لقد تأثر بما يحكي فعادت اليه ذكرى ذلك الحادث الأليم..نهض على الفور وحقنه بمهدأ ..وبعد أن اشتغل مفعوله ونام ..خرج الطبيب فوجد نريمان جالسة مع مربيتها يحتسان الشاي وما إن رأته حتى هرولت اليه وسألته بلهفة:
-دكتور ..مالك قالك ايه طمني؟
بصعوبة أخفى أسفه.. تذكر رغبة مالك في عدم سماعها لما يقوله..لأن ما قاله بالتأكيد أكبر من استيعابها له..لذلك لم يفصح لها بشئ حتى يظهره صاحبه..ابتسم بعملية بعدها أردف:
-يعني مفيش حاجة مهمة قوي..هو لسة تعبان عشان كده مقدرش يتكلم..أنا اديته منوم مش حيفوق قبل بكرة الصبح. . وأنا حكون هنا قبل ما يفوق باذن الله.
-طيب يادكتور.
قالتها وهي تشعر بداخلها أن الطبيب يخفي شئ عنها خاصة عندما انصرف بعجل ولم يعطها الفرصة لكي تسأله أسئلة اضافية ..بعد انصراف الطبيب ظلت شاردة تفكر في مالك وما حدث له حتى أن مربيتها أسفت لحالها فربتت على كتفها قائل:
-خليها على الله يابنتي وأدعيله ..والله أنا حاسة أن حيخف وحيبقى زي الفل.
-يارب يادادة.
-الا قوليلي ياست نريمان هما الحج والحجة متصلوش بيكي من ساعة ما مشيو .
-اتصلوا مرة وحدة وطمنتهم علينا..وأنا كمان اطمنت عليهم.
-مقالوش حيرجعوا امتى.
-لسة شوية يا دادة خمستاشر يوم كمان ويرجعوا..والله وحشوني قوي ونفسي بقى يرجعوا عشان يشيلو الحمل عني الشوية.
-ان شاء يرجعوا بألف سلامة.
-يارب يادادة يااارب.. بقولك ايه روحي انتي شوفي ال وراكي ..وأنا حدخل لمالك اطمن عليه.
-حاضر من عنية ولو عوزتي حاجة اندهيلي.
-ربنا ما يحرمني منك يارب ..أنا مش عارفة من غيرك كنتي عملتي ايه.
-متقوليش كده يضنايا انتي زي بنتي ربنا يفك كربك يااارب.
قالتها وهي تضمها لصدرها تربت على صدرها في حنان بالغ.
**********************************
استيقظت جومانة تنظر حولها في تيه، تتأمل تلك الحجرة التي تضمها كانت هي الحجرة التي ذبحت فيها، لقد تذكرت ما حدث أنه عاد بها ليعذبها بذكرى تلك الليلة المشئومة فظلت تدثر نفسها بالغطاء في ذعر وخوف، ليس لها ونيس غير دموعها، وبعد أن هدأت قليلا.. قامت من على فراشها بهدوء وحذر..نحو الباب..ووضعت أذنها عليه فلم تسمع أي صوت..أحكمت أغلاقه بالمفتاح..حتى شعرت بقليل من الأمان ..عادت الى فراشها تلملم ضعفها خلفها..جلست عليه واندست تحت الغطاء حتى تذكرت خطاب أكرم..فراحت تبحث عنه كالمجنونة تحاول أن تتذكر أين خبئته..حتى تذكرت انها دسته في حقيبتها ..نهضت سريعا تبحث عن الحقيبة حتى وجدتها بجوارها على( الكومود) فتحتها وبحثت عنه فعثرت عليه ..فتنهدت في راحة..جلست على فراشها وفتحته تقرأه مرة أخرى بل مرات ومرات حتى يطمئن قلبها.
( جوجو حبيبتي
أنا بكتبلك الجواب ده وأنا مستعجل عشان مكنش عندي وقت..انا فوجئت أن اتنقلت للصعيد..وكان لازم انفذ النقل ده فور والا يوقفوني عن العمل..لكن مدير المستشفى وعشان انا في معزة ابنه بعتني لمؤتمر طبي في قبرص..لغاية ما يحاول يلغى النقل ده..أنا عرفت ياجومانة أن مروان هو السبب في نقلي عشان يبعدني عنك..لكن متخفيش انا مش حتخلى عنك..كل ال بطلبه منك انك تصمدي وتقاومي لحد ما أرجع ..هو شهر واحد بس ياحبيبتي وحرجع وحخلصك من الحيوان ده.. جومانة مش عايزك تخافي..ولازم تعرفي اني انا جمبك حتى لو أنا بعيد..أستنيني ياحبيبتي حرجعلك بسرعة..خلي بالك من نفسك..أوعديني انك متأذيش نفسك
حتلاقي في ظهر الجواب اميلي كلميني منه..
استودعك الله
أكرم)
ضمته بعيون مغرورقة بدموع الحب ضمته اليها كأنها تضمه هو..انتشلها من تلك اللحظة طرقات على باب حجرتها ففزعت .
بسرعة خبئت الخطاب تحت وسادتها وقامت لكي تفتح الباب..كانت مربيتها جالبة لها الطعام.
-عاملة ايه ياحبيبتي.
اجابت جومانة في استقطاب:
-كويسة.
-طب يلا بقى عشان تاكلي أنتي مكلتيش من أمبارح.
صاحت جومانة ثائرة:
-انا مش عايزة أكل ويلا شيلي الأكل ده وسبيني لوحدي لو سمحتي.
سمعت أقدام تقترب من حجرتها انها خطواته..تحفظها جيدا عن ظهر قلب خطوات ثقيلة قوية تدب على الأرض دبا.. فبسرعة اندست تحت الغطاء وهي تتصنع النوم.. غطت رأسها حتى لا تراه منكمشة كالطفل في بطن أمه..مدت يدها تحت الوسادة وسحبت الخطاب..تضمه الى صدرها ..تستمد منه العون والقوة وتبكي في صمت.
لقد رآها وهي تختبئ تحت غطائها بسرعة لكي تهرب منه..أشار بعينيه للمربية حتى تخرج من الحجرة.. لاتدري أن بفعلتها هذه قد طعنته في فؤاده بخنجر سام..زوجته وحبيبته تخافه وتفر منه ،وتهرب ،وتختبئ حتى لا تراه..هو الذي يجب أن يحميها وتفر إليه وليس منه جلس بجوارها على الفراش ولقد لاحظ ارتعاشة جسدها دون ارداة منها لقربه هذا..فأغمض عينيه بقوة يكبح غضبه يعض على شفته السفلى ليخفي ألمه.. ود لو أن ينزع عنها ذلك الغطاء الذي يحجبها عنه كحاجز منيع..ود لو أن يضع يده على جسدها هذا المكفن بكفن الرعب..عله بلمساته يجلب لها الأمان..ولكنه يخشى العواقب..يخشى عليها من ضغوط على نفسيتها أكثر فاكتفى بأن همس بصوت أودع فيه كل حبه وأسفه لما تفعله به:
-يااه للدرجادي مش طايقة وشي ومش عايزة تشوفيني..عالعموم أنا مش حزعل منك..لأني عارف انك ليكي عذرك ..بس عايزك تعرفي أني حصبر عليكي لحد مترجعيلي، لانك مراتي وملكي أنا ومحدش يستجري مهما كان مين أنه يخدك مني.
جملته الأخيرة تلك ماذا تعني..اهي تهديد لي ووعيد أم ماذا..انسابت دموعها في صمت تحت الغطاء تضم ذلك الخطاب اليها أكثر واكثر كأنها تقول لصاحبه:
-أدركني ياأكرم..أغثني من ذلك الوحش ..أغثني ياحبيبي.
*********************************
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا