رواية كاره النساء كامله البارت 16-17-18-19-20بقلم سهير عدلي جميع الفصول كامله
رواية كاره النساء كامله البارت 16-17-18-19-20بقلم سهير عدلي جميع الفصول كامله
الفصل السادس عشر
كاره النساء
أخيرا استيقظ مالك واستعاد بعض من نشاطه وحيويته وكان أفضل بكثير من أمس عندما تركه الطبيب، لقد حضر طبيبه مبكرا وظل ينتظره حتى فاق، فسأله باستقطاب:
-حتقدر تكمل؟
همس مالك بعد أن تنهد وكأنه يلفظ ذلك الثقل الذي يجثم على قلبه:
-أنا نفسي اتحدد وأحكي عن كل حاجة..يمكن أرتاح بجى.
-وأنا سامعك..اتكلم يامالك قول كل ال جواك.
-اجول ايه..وأبدأ منين مخبرش
قالها وهو يمسد جبهته كأنه يأمر عقله بان يلفظ كل ما في داخله من ذكريات مؤلمة.
همس الطبيب حتى يساعده:
-اتكلم عن أي شئ يخطر ببالك..عن طفولتك مثلا.
أغمض مالك عيناه لثواني كأنه يفتح صندوق ذكرياته ويبحث عن أيام الطفولة وما حدث فيها.
فتح عيناه ونظر لنقطة مجهولة ثم تنفس بعمق وأخرج ذلك النفس دفعة واحدة وبدأ يحكي بصوت كأنه يأتي من الماضي:
فلاش باك:
يوم كباقي الأيام التي تعود مالك فيها أن يذهب لصديقه عز الدين حسانين لكي يذاكر معه وكان وقتئذ عمره ثماني سنوات ..تستقبله والدة عز الدين صديقه باابتسامة حنون..ابتسامة أم حقيقية كل اهتماماتها العناية بأطفالها..سيدة ثلاثينية..محجبة يشع من وجهها نور الطيبة سبحتها لا تفارق يدها، كانت تسحبه من يده وهي تقول له:
-عامل يامالك ياولدي..مش زين إكده؟
فيرد مالك الذي يرتاح لابتسامتها تلك ويشعر معها بالأمان وكأنها هي أمه التي يتمناها:
-مليح ياخالة..زين جوي.
وبنفس الابتسامة المريحة همست ام زين له:
-لاه منجولش إكده يامالك..ال يسألنا عن حالنا نجوله الحمد لله..نجوله أيه؟
أجاب بصوت خافت وهو يطأطأ الرأس خجلا:
-نجول الحمد لله.
-شاطر ياحبيبي..يلا خش لزين وذاكروا مليح وأنا حاروح أعملوكم ساندوتشات حلوة جووي.
وتظل تلك المرأة النشيطة تعمل على رعايتهما وتساعدهما في الأستذكار.. بل تحثهما ايضا على صلاة الفرائض..تمنحهما وقتا من الراحة..فتحكي لهما قصصا عن الصحابة..وعن الرسل..وكان مالك يستمع لها بكل جوارحه وتخترق قلبه كلماتها اختراقا..بل تخترق روحه..يتأملها وهي تصلي..ثم تباشر أعمالها المنزلية بكل حب..وفي يوم لا ينساه حضر عم زين صديقه يسأل عن أخيه ،فلم تدخله أم زين وقد تحدثت معه بعض كلمات وهي تتوارى خلف الباب ثم انصرف وأغلقته خلفه..فتعجب مالك من أمرها لماذا لم تدخل أخو زوجها الى البيت فسأل زين عن ذلك متعجبا:
-جولي يازين.
تحولت عينا زين من الكتاب اليه فاجابه:
-اجولك ايه يامالك؟؛
-هي أمك مدخلتش عمك ليه البيت..ليه حددته إكده من ورا الباب أكنه غريب.
اجاب زين ببراءة:
-أمي يامالك مبدتخلش حد البيت واصل طول ما أبوي مش فيه..حتى لو كان عمي ذات نفسيه..عشان عيب وحرام أمي بتجول إكده وأبوي كمانيتي..ولما ياجي عمي يجعد مع أبوي لحاله..وأمي تجعد في المندرة لحالها لحد ما يمشي.
مالك:
-طب وافرض عمك عاز شاي ولا حاجة؟؛
زين:
-أمي تعمله وأنا أوديه ليهم.
زين:
-يلا ياعم نذاكروا بجى لحسن أمي تاجي وتلاجينا بنرغوا ومهملين مذاكرتنا.
همس مالك بنبرة شاردة حزينة:
-يلا.
وبعد أن ينتهي المساء يضطر مالك للعودة لبيته..الذي يبغض العودة له، كم تمنى أن يحظى ببيت مثل بيت صديقه..وأم مثل أم زين..يصل مالك لبيته فلا يجد أمه فيظل ينادي عليها فيأتيه صوتها من حجرتها..أمام المرآه تتزين وتمشط شعرها بحماس..تضع مساحيق كثيرة على وجهها، شعرها سارح على كتفيها..ثوبها الضيق مكشوف الذراعين فيرهق عيناه كل ذلك فيقتطب جبينه غضبا و يمط شفتيه امتعاضا..اقترب منها على وجل قائلا بتردد خشية تعنيفها:
-آمه..عايز أكل.
فتهتف بعدم اكتراث ودون النظر له. بنبرة تؤكد رغبتها في التخلص منه سريعا:
- الوكل عنديك في المطبخ غور حط لحالك وكل.
ولكن مالك يظل متسمر مكانه وسؤال يراوده في رأسه الصغير ولكنه يخشى أن يتفوه به، وتلاحظ والدته تصنمه مكانه فتصرخ فيه بقسوة ليس لها داعي:
-مالك إكده متسمر مكانك زي السدرة متغور تطفح.
ولكن مالك يظل محدقا فيها بوجه عبوس وأخيرا تشجع وسألها:
-أنتي ليه عاملة في نفسك إكده، متزوقة كيف الأروجوز..ليه متبجيش زية خالة أم زين صاحبي.. حشمة ومبتحطش لوحمر ولا لوبيض..ليه مبتصليش زييها.
التفتت له ورمقته بغضب تركت تزيينها وقامت تصرخ فيه وهي توسعه ضربا:
-بجى أنا أرجوز ياابن الكلب..قبر يلمك أنت وابوك في يوم واحد عشان استريح منيكم.
وظلت تضربه بقسوة..ثم جرته كالجرو الصغير و ألقت به في حجرته وهي تصرخ فيه بتهديد ووعيد:
-أنت حتتحبس إهنيه يومين ومش حتروح لزين الزفت ديه واصل..وإياك تطلع من مندرتك دي ولو شفت وشك حجطع رجبتك داك الطين أنت و زين وأمه وال يتشددله قمان.
وعلى أثر ضربها له وتعنيفها..انزوى مالك في ركن حجرته يبكي بحرقة.. وبعد مرور بضعا من الوقت لم يدري مالك كم هو..سمع صوت همهمات فتصنت على الباب كان صوت أمه تهمس بخفوت مرحبة برجل غريب، وعندما نظر من ثقب الباب كانت الصدمة اذ كانت أمه في حضن عمه.. شعر بجسده يرتعش لاأراديا وكأنه أصابته حمى شديدة.
لم يعلم كيف يتصرف؟ وحتى أذا اراد أن يفعل شئ فماذا يفعل وهو حبيسا..ولم وجد نفسه عاجز..لملم نفسه المحطمة وروحه المهشمة ونام تحت غطاءه وقد زادت أرتعاشة جسده كأنه داخل ثلاجة.
منذ تلك اللحظة وتغيرت نظرة مالك لأمه، ذلك التمثال المقدس تهشم في تلك الليلة، ظل ايام حبسه يعاني من حمى الصدمة، لقد اصابته حمى حقيقية..حتى هي تعاملت مع مرضه بكل استهتار..ولسوء حظه كان أبيه في ذلك الوقت مسافر، وعندما عاد ووجده على وشك الموت ظل يعنفها ويصرخ بها، كيف تهمله وتتركه حتى كاد أن يلفظ أنفاسه.
مسح مالك وجهه فقد تعرق بفعل انفعاله وهو يحكي يستعير بعض من الهواء ليعينه على تكملة الحديث زفر زفيرا حارا ثم استطرد:
-كل يوم كنت بكرهها عن اليوم ال جبله..وأنا ناضر بعيني عربدتها ومشيها على حل شعرها وأنا لازمن أحط لساني في خاشمي عشان كنت خايف على أبوي، ولما رحت الجامعة ج.......
وهنا قاطعه الطبيب ليسأله:
-قولي يامالك وأنت بتخنق ال أسمها زهرة دي كنت شايفها أمك؟
أومئ مالك مالك برأسه مأكد استنتاجه ثم همس:
-أي كنت شايفها هي..حركاتها..لبسها..حتى حسها كأنته هو.
-لكن أنت مقلتليش حصلها أيه؟
-بعد ما وجعت جلت دي ماتت..من الصدمة جعت على حيلي ربع ساعة إكده وبعدين جلت أسيبها وأمشي كنت بمشي بالعافية..كانت رجليا مش شيلاني..لكني سمعتها بتسعل فضلت تتوعدني بصوت مبحوح أنها حتنتجم مني..بعدها معرفتش وصلت البيت كييف ..ومدريتش بحالي بعد إكده.
-ظهور زهرة في حياتك صحى الماضي تاني..صحى كرهك لأمك..ولما زهرة روادتك عن نفسك..ولقيت افعلها تشبه لأفعال والدتك فبدون شعور حاولت انك تخنقها، وأنت من جواك عايز تقتل فيها أمك.
-لكن دي مش أمي..مش أمي.
صرخ بها ينفي انتسابه لها وانتسابها له..مما جعل طبيبه يحدق فيه بعدم فهم قائلا:
-مش أمك ازاي..تقصد انك اتبريت منها:
بصوت يملؤه الأنفعال:
-لاه هي مش أمي عرفت بعد إكده أنها مش أمي.
-أزاي.
مسح وجهه ينفض عنه ألم الماضي فهمس بصوت ضعيف مجهد:
-كفاية إكده مجدرش اتحدد ..تعبت..وعايز ارتاح.
قال الطبيب على مضض:
-خلاص كفاية كده أنهاردة وبكرة باذن الله نكمل.
**********************************
- فيه أيه؟؛
هتفت بها جومانة في تعصب عندما سمعت طرقات على حجرتها..حجرتها التي تغلقها عليها بالمفتاح دائما، ولا تجعل أحد يمر عليها الا بصعوبة..رأت خادمات تحمل بين يديها أكياس كثيرة يريدون أن يدخلون بها الحجرة فردت الخادمة التي عانت من حمل ما في يدها:
-ممكن ندخل ياست هاتم ونفهمك.
لقد اشفقت جومانة عليها فقد كان باديا على وجهها كم المعاناة بسبب ما تحمله فقالت على مضض:
-ادخلي.
دخلت الى الحجرة ومن خلفها خادمتين أخريتان، يضعون ما في أيديهم وسط الحجرة
فسألت جومانة في استفسار:
-ايه ال في الأكياس دي بقى؟؛
غمغمت الخادمة بصوت يملؤه الأجهاد:
-دي حاجات بعتها مروان بيه.
فصرخت جومانة في تعصب:
-بقولك ايه انتي تاخدي الحاجات دي وتغوري بيها من هنا انا مش عايزة أي حاجة منه فاهمة.
بنبرة متوسلة ووجهه عليه علامات الخوف والبؤس قالت الخادمة:
-منقدرش يا ست هاتم نرجع بيهم لو نزلنا بيهم تاني حيرفدنا وانتي ميرضكيش ان عيشنا يتقطع..احنا عبد المؤمور ياست هانم.
أغمضض عينيها بقوة وضمت شفتيها في محاولة لكتم غيظها فهتفت من بين أسنانها:
- طيب سبيهم وغوري من وشي.
وبعد أن خرجت زفرت بقوة وتخصرت وهي تنظر للاكياس بضيق وتسأل ماذا بداخلها؟
أي شئ من طرفه باتت تكرهه وبشدة..وعلى الرغم من كل ذلك الأستياء من تلك الاشياء التي أرسلها لها ..الا أن فضولها الأنثوي يحثها على تفقد ما بداخل تلك الأكياس، وبالفعل فضتهم ورأت ما جعلت عيناها تتسع من فرط الأنبهار، كانت أزياء في غاية الرقي أزياء عالمية تبدو عليها من علاماتها المسجلة..أحذية انيقة مناسبة لتلك الازياء، اكسسوارات خلبت لبها.. لا تنكر أن قلبها قد زاد خفاقنه ..وهي تخرج الأغراض وتتفقدهم قطعة قطعة وكل قطعة تخطفها وتجعلها تشهق من فرط أعجابها بها..لقد لعب مروان على وتر شغف أي انثى بالازياء وما يخصها فما من أنثى الا يستهويها عالم الموضة..خاصة عندما تكون واردة من عقر دارها وهي باريس..لقد انبهرت جومانة بكم الفساتين التي جلبها لها مروان وقد حرص على أن يكونوا مكتملين بأحذيتهم وأكسسواراتهم حتى العطور كانت من أفخم وأثمن الأنواع، ظلت تشاهدهم جميعا.. وتجربهم واحد تلو الآخر ولا تنكر كم السعادة وهي تجرب تلك الملابس ..فهي في النهاية طفلة عمرها ستة عشر عاما استهوتها تلك الأشياء ونست صاحبها ..ونست من أرسلها..نست حتى حقدها عليه.
حتى ذكرتها نغمة هاتفها التي تعلن عن وصول رسالة من أكرم على الواتس..ولا تعلم لماذا خفق قلبها بخوف.. فانقشعت فرحتها فجأة..وشعرت بالخجل كيف لها أن تقبل تلك الأشياء من هذا الانسان الذي تسبب لها في الأذى..بل كيف تفرح بها؟
تركت تلك الأشياء وركضت نحو الهاتف لكي ترد على حبيبها..فكتبت بلهفة:
-اكرم ازيك وحشتني.
-وانتي كمان ياحبيبتي.عاملة ايه طمنيني عليكي.
- أ أأنا كويسة .
-حاسس من حروفك أنك بتكدبي مالك.
لقد شعر بها..ترددت ماذا تكتب له هل تخبره بأمر تلك الهدايا التي أرسلها لها..قطع حيرتها عندما ارسل لها رسالة تستعجلها كاتبا لها:
-جومانة مالك..مش بتردي ليه؟
-بصرحة في حاجة حصلت ومش عارفة أقولك عليها ولا لأ.
-حاجة ايه قلقتيني.
- أصل من شوية بعتلي هدايا ..فساتيين كتييير قووي..وجزم وبرفانات واكسسورات وحاجات كتتتير..
-وانتي حتقبلي الحاجات دي؟ ايه ده تمن ال عمله فيكي ولا عشان يذلك تاني..روحي ارميهم في وشه..قوليلوا مش عايزة حاجة منك..ثم أرسل لها ملصق يعبر عن غضبه.. فقالت له :
-حاضر حرميهم في وشه ومش حقبل منه اي حاجة تانية..بس عشان خاطري متزعلش.
-ماشي مش حزعل خلي بالك من نفسك وأوعي يأثر عليكي.
-متخفش أنا دايما قافلة على نفسي بالمفتاح..ومن ساعة ما جيت البيت هنا وانا مش مدياه فرصة يكلمني.
-شاطرة ياحبيبتي..خلي بالك اوعي تضعفي قدامه مهما عمل اوعي تصدقيه..وخليكي قوية لحد ما أرجع..أنا مضطر أقفل عشان عندي شغل حكلمك تاني مع السلامة.
-مع السلامة.
مع تلك الكلمة الاخيرة التي كتبتها تنهدت باشتياق وضمت هاتفها الى صدرها..وقررت أن تعيد له هداياه .
ولملمت تلك الأشياء واحتوتهم بين ذراعيها لتعيدهم اليها.. وهمت أن تفتح الباب بقدمها وإذ به تجده أمامها بهامته الطويلة المخيفة بالنسبة لها ونظراته الثاقبة..فتراجعت للخلف تلقائيا..حاولت أن تبتلع خوفها مع ريقها وتستجمع قوتها فغمغمت بشجاعة واهية:
-أ أ أ أ أنا مش عايزة حاجة منك اتفضل حاجتك اهي.
ثم القت بتلك الأشياء على الأرض واشاحت بوجهها بعيدا عنه ..لم يبالي هو بنظرات الاحتقار التي رمته بها..ولا رفضها القاطع لهداياه بل توجه بكل ثبات نحو فراشها يلتقط هاتفها ويفتح تلك الرسائل ويقرأها ثم يضعها أمام وجهها وهو يسألها:
-أيه ده؟
لقد اتسعت عيناها بدهشة..تنقل بصرها بينه وبين الهاتف كيف عرف أنها تحدثه عبر الرسائل الألكترونية؟ على رغم من التوتر الذي أصابها الا أنها وجدت نفسها وبجرأة لا تعلم كيف حضرت اليها والتبستها، وكأنها أرادت أن تنتقم منه على مافعله بها وترد له الصاع صاعين:
-ملكش دعوة دي حاجة تخصني..وو أه أنا بحبه ولما يرجع حيطلقني منك.. أنا أنا بكرهك بكرهك..ومش عايزة أعيش معاك .
لا ينكر أنه لم يكن يتوقع ردها ذلك..ولا ينكر ايضا أن كلماتها طعنته في صميم قلبه..
ولكنه استطاع أن يدفن كل ذلك تحت دقات قلبه التي تعشقها.
حدق بها بعينان تحملان عقابا لم تخمنه..لقد ظل صامتا لبضع دقائق..بوجه لا يبد عليه أي تعبير..صمته جعل أوصالها ترتجف رغما عنها حتى انها ارادت أن تبكي..ولكن تذكرت توصية اكرم لها دائما
( كوني قوية)
فابتلعت دموعها وتصنعت الصمود وقد تأبطت ذراعيها أمام صدرها في لامبالاة..أما هو فقد وضع هاتفها في جيبه..ثم اقترب منها خطوة مخيفة يهمس لها بالقرب من وجهها حتى احرقتها انفاسه:
-نص ساعة تكوني لابسة فستان من دول وجاهزة عشان حنسهر الليلة مع بعض .
وقبل أن تفيق من اندهاشها على ردة فعله الذي لم تتوقعه كان قد خرج من الحجرة.
حتى انها اتبعته بعيناها بتعجب حتى توارى خلف الباب..ثم هتفت لنفسها:
-ايه البيعمله ده بقى.. وقصده ايه من سكوته ده..لكن هو عرف ازاي ان أنا بكلم أكرم في التليفون..دخلته على التليفون عدل بيقول انه كان عارف..عقلها الصغير وتفكيرها المتواضع لم يوصلاها الى شئ فزفرت بحيرة..وهي تضع ابهامها في فمها تسأل نفسها ماذا تفعل فيما قال؟
هل ستنفذ ما طلبه.. انها لا تريد أن تخرج معه بل لا تريد رؤيته من الأصل..أخرجت اصبعها من فمها وزفرت في حيرة مفعمة بغيظ..تنظر لهداياه بنقم..وفي النهاية ركلتهم بقدمها في ضيق.
كان مروان يشاهد كل ماتفعله عبر شاشة المراقبة الموصلة بكاميرات في حجرتها..يتسلى بتلك الصغيرة التي بدأت تتمرد عليه..ولكن هيهات ياصغيرتي فأنت ملكي ولن يستحوذ عليك غيري..ضغط على زر في مكتبه..حضرت على أثره الخادمة فورا وهي تقول ملبية:
-نعم يابيه.
-روحي قولي للهانم بعد ربع ساعة تنزل وتكون جاهزة والا البيه حيطلع بنفسه يلبسك.
-حاضر يابيه.
وقبل ان تنصرف هتف لها:
-ياريت تساعديها عشان تجهز بسرعة.
-حاضر يا أفندم.
ثم أطفأ شاشة المراقبة ونهض من على مكتبه ينظر من نافذة مكتبه يدخن سيجارته ..يفكر في تلك الصغيرة التي سرقت قلبه بخجلها وبرائتها وهاه هي تسرقه من جديد بتمردها وثوب القوة المهترئ التي ترتديه.
عندما أبلغتها الخادمة تحذيره لها أنها لو لم تجهز خلال ربع ساعة سوف يأتي بنفسه ويلبسها ثيباها..تلك الجملة جعلت جسدها يقشعر رغما عنها لمجرد التخيل، فاضطرت ان تجهز نفسها حتى تتخلص من ذلك المتعسف، بعد ربع ساعة وأقل كانت أمامه ظل يتأملها ورغم انبهاره بجمالها ورقتها لكنه سألها وصوته غير راضي:
-ليه ملبستيش فستان من أل انا اشتريتهم:
قالت ووجهها لا ينظر له:
-كلهم مكشوفين وأنا محجبة.
كانت قد ارتدت فستان لها أبيض طويل قماشه من التل المنقط ،وحجابها الابيض اضفى عليها مظهرا ملائكي، جعله ينحي اعتراضه جانبا..وسار أمامها وهو يشير لها باصبعه:
-يلا عشان منتأخرش.
اتبعته وركبت بجواره السيارة جلست بعيدة عنه..وودت لو تسأله عن مكان وجهتهم..ولكنها صمتت وانتظرت مصيرها..كان عقلها يهيئ لها انه سوف يأخذها الى مكان بعيد نائي ليس به أحد ليعيد ما فعله معها ليلة زفافها.. اغمضت عنيها بقوة تطرد عنها تلك المخاوف..وهو بجوارها يراقبها من جانب عينيه..ويرى علامات التوجس التي تبدو واضحة على ملامحها..فابتسم بخفة من جانب شفتيه..يكاد يتوقع ما تفكر به تلك الصغيرة الساذجة..هي في نظره مجرد طفلة..بكل تصرفاتها وأفعالها معه طفلة بريئة..عندما توقفت السيارة سألته بتوجس لم تستطيع اخفاءه:
-أ أ احنا رايحين فين؟
همس وهو يقترب بجذعه حتى قارب ملامسة وجهها وكانت هي تبتعد بجسدها حتى التصقت ببابا السيارة:
-متخفيش مش حخطفك في حتة..ترجل من السيارة وقال بصوت آمر
-يلا انزلي.
-هو بيقرا أفكاري كمان.
همست بها لنفسها..ثم زحفت حتى ترجلت من السيارة.. وجدته قد قبض على يدها بقوة..مخترقا باصابعه الجافه فرغات أصابعها الناعمة حتى انها همست وهي تتأوه:
-آااه أيدي.
لم يبالي لها بل عصر يدها بأصابعه.. تحملت الألم رغما عنها وهي تسأل نفسها..هل هذا هو عقابه لي.
كانت خطواته سريعة حتى انها كانت تجري خلفه.
أصابعها بين يديه تلامس دقات قلبه..يؤكد لها ولنفسه أنها ملكه وحده..ولن يفلتها من يده ابدا ويجعل أحد يستحوذ عليها.
توقف بها على باب فندق كبير يعدل من نفسه ويجبرها أن تتأبط ذراعه هامسا له بتخذير:
-الحفلة دي معمولة من اكبر الشركاء ليا احتفالا بجوازنا عايز الكل يتأكد أننا سعدا..أي تصرف منك يوحيلهم غير كده متلوميش غير نفسك..ابتسمي يلا.
ابتسم وأجبرها على الأبتسام وخطى داخل الفندق ملك وملكة يقبلان على التتويج.
************************
الفصل السابع عشر
كاره النساء
وقف مروان بها على باب فندق كبير يعدل من نفسه ويجبرها أن تتأبط ذراعه هامسا لها بتحذير:
-الحفلة دي معمولة من أكبر الشركاء ليا احتفالا بجوازنا، عايز الكل يتأكد أننا سعدا..أي تصرف منك يوحيلهم غير كده متلوميش غير نفسك..ابتسمي يلا.
رسم على شفتيه ابتسامة دبلوماسية، وأجبرها على الأبتسام وخطى داخل الفندق ملك وملكة مقبلان على التتويج.
جمع كبير من رجال الأعمال اللذين يعرفهم كانوا في انتظارهما ..تصفيق حارا عند رؤيتهما جعل قلبها يختلج رهبة..فهي لم تعتاد على هذه الجموع..ولا هذه المناسبات.. كانت حياتها منحصرة ما بين مدرستها وحجرتها التي لا تفارقها ابدا..هذا العالم الجديد كبييير للغاية تشعر أنها تائهه غريبة فيه.. بل هي تاهت بالفعل احساس بالوحدة سيطر عليها، ودت لو تهرب وتركض مثل سندريلا فرار قبل أن تعود لصورتها الأولى، وكأنه شعر بارتباكها فجذب يدها برفق لتتخلل ذراعه أكثر فيربت عليها وهو يهمس باحتواء:
-متخفيش أنا جمبك.
فنظرت له فإذ بعيناه تكاد تقترن بعيناها وأنفاسه تقبل وجهها، تنهدت على مضض منصاعة للموقف الذي زجت فيه رغما عنها..ثم عادت والتفتت للمدعوين اللذين كانوا يتأملونها بتمعن..فتاة صغيرة لم يتجاوز عمرها ستة عشر عاما قرينة للرجل على مشارف الأربعون، الربيع يعانق الخريف، عيون حاسدة وأخرى منبهرة..وغيرها معجبة جعلت مروان يندم على قبول تلك الدعوة ويجعل زوجته فريسة لتلك العيون..لقد اخترق يدها بأصابعه من جديد في استحواذ، حتى يبين للجميع أن هذه العروسة هذه الملكة ملك له وحده .
حتى عندما جلسا على الطاولة التي خصصت لهما لم يترك يدها..جعلها تنظر له وتهمس بضيق:
-ممكن تسيب أيدي بقى.
همس دون أن ينظر لها وكأنها لم تتحدث، بل راح يبتسم بمجاملة للمدعوين الذين يحيونه:
-هشششش.
زفرت بعجز، وراحت تتأمل المدعوين، والمكان بملل..فلم ترتاح لوجودها وسط هذا الحشد، احساسها بالغربة يتملقها، تمنت الفرار من هذه الأجواء الخانقة، جاء على بالها أكرم بحنانه وابتسامته، ليته كان معها الآن، ليته يأتي ويخطفها من ذلك المتسلط، كانت تستعيد كلامه لها ..وحديثه الحنون معها..أخرجها من شرودها عندما شعرت به ينهض ويجبرها على النهوض مما جعلها تحدق فيه بدهشة متساءلة:
-أيه..حنروح خلاص.
همس بعينان قاسية وكأنه علم أنها تفكر في غيره:
-لأ حنرقص.
غمغمت بيأسا:
-نرقص؟؛ لكن أنا ....
قاطعها بتحذير مخيف:
-أنتي أيه؟
-مفييييش.
بترت رغبتها في أن تطلب منه العودة الى البيت..فقد خشت نظراته المخيفة والمحذرة دائما..أخذها الى ساحة واسعة وظل يراقصها، عيونها نافرة عنه، ترقص مضطرة، كأنها دمية يحركها بين ذراعيه زاد من ضيقها التحامه بها وكلما ابتعدت جذبها اليه أكثر هامسا لها:
-بصيلي.
ولكنها لم تستطيع النظر اليه..عيناه تخيفها تربكها، تجعل قلبها بداخلها يختبئ بين ضلوعها كالفأر المزعور.
صرخ بصوت خافت لم تسمعه الا هي:
-قلتلك بصيلي.
نظرت له بوجه محتقن كل خلجة فيه غاضبة ،خائفة، ترتعش، أنفاسها بداخل صدرها تقفز بجنون..كادت تبكي..حتى همست وكأنها ترجوه:
-أنا عايزة أروح بقى.
استعطفته بنبرتها الضعيفة المستسلمة، فرق لدموعها التي تتلألأ في عينيها الحزينة..فهمس بالقرب من أذنها بعد أن أسكن خده على وجنتها ويده تستقر على ظهرها باحتلال محتوى مساحته باصابعه الكبيرة:
-ماشي حنروح.. بس مش عالطول كده عشان الناس متلاحظش حاجة.
تشعر بيده الكبيرة تخترق ظهرها فينفر جسدها من تلك اللمسات الغاشمة، ومهما حاولات الفرار لكنه يزج بها داخل ضلوعه غير عابئ بكل العيون التي ترمقهما بحسد.
بعد ساعة استطاع مروان أن يختلق أعذار لكي ينسحب من الحفل، فتنفست جومانة الصعداء عندما وجدت نفسها في السيارة تشم نسيم الليل الذي يداعب وجهها وحجابها، العجيب أنه لا يزال محتفظا بكف يدها بين يديه، اضطرت أن تتحمل حتى تعود لحجرتها، عند وصولها للبيت ترجل من السيارة فنظرت ليدها التي مازالت مسجونة بين يده تنظر لها بغيظ ألم يئن أن يحررها، تبعته ودلف بها داخل البيت..أرادت ان تسحب يدها لتصعد حجرتها..ولكنه يتشبث بها بقوة يلقى مفاتيحه غير عابئ بمحاولتها للتملص منه وفي الآخر قالت له بتزمر:
-ممكن بقى تسيب أيدي عايزة أطلع أوضتي .
رمقها بنظرات خاوية من أي تعبير ولم يجيبها بشئ بل خطى وهو يسحبها من يدها التي يبدو انه من كثرة تشبثه بها التصقت في يدها هكذا شعرت صعد بها الدرج، وهي خلفه تجري تصرخ وتعترض وصمته المقيت يخنقها حتى توقفت وأجبرته على التوقف قائلة بنبرة ثائرة:
-أنت ساحبني كده ليه..وموديني فين؟؛
رمقها بنظراته الثلجية وصمته البارد أثارها أكثر ..جذبها مرة أخرى وأكمل خطواته السريعة صوب حجرتها..ما أن فتح بابها ودلف بداخلها وسحبها معه ثم أغلق الباب ..حتى اتسعت عيناها رعبا وهمست بحروف تقطر انزعاجا:
-ف ف في ايه؟؛
أرعبها همسه وهو ينزع رباط عنقه وينزع بذته ويلقي بها على الفراش:
-مفيش حنتعشى هنا مع بعض.
ابتلعت ريقها بصعوبة وتراجعت للخلف عندما رأته يخلع عنه بذته فهمست وأصابعها تتعارك مع بعضها في توتر:
- بس أنا مش جعانة ومش عايزة أكل..وووعايزة أنام.
ظل يقترب منها وهى تتراجع للخلف وهو يتقدم منها حتى اصدمت في خزانة الملابس سجنها بين ذراعيه عندما اتكأ بكفيه على الخزانة وهمس وهو ينظر في عيناها مباشرة:
-حتروحي فين تاني حتهدي الحيطة عشان تهربي مني..رفع ذقنها بأبهامه حتى يتأمل عيناها الخجلة، تابع بصوت خافت:
-أنتي مكلتيش حاجة في الحفلة..وأنا مرتضتش اكل عشان ناكل سوا..أيه مش عايزة تاكلي معايا؟
ارتعش جسدها لا اراديا واحمر وجهها عندما اقترب بشفتاه كاد أن يقبلها، وقبل أن يحقق رغبته أطرقت برأسها في حياء شديد ..وهمست في وجل:
-ح حاكل.
قالتها حتى تتخلص من غزوه لها انحنت بقامتها ومرت من أسفل ذراعه ،جلست على الفراش ويديها في حجرها في حرب، مطرقة برأسها كأنها مذنبة، ابتسم لخجلها الشديد هذا وكأنها كادت أن تذوب..نادى الخادمة وطلب منها أن تجلب لهما العشاء، عاد يجلس بجوارها على الفراش يرمقها بحب..أثاره خجلها وضعفها أمامه ..زحف بالقرب منها..وهي ظلت تزحف حتى تبتعد عنه ولكنه أمسك يدها ليستوقفها، أقترب حتى التصق بها، ابتلعت ريقها وانكمش جسدها..واقشعر على أثر اقترابه، وعندما همس بالقرب من أذنها ارتفع كتفها رهبة:
-قومي غيري هدومك لحد مايجي العشا:
رددت بصعوبة كأن الكلام محي من لسانها:
-ل ل مش دلوقت.
استطرد بهمسه الجرئ:
-مكسوفة تغيري قدامي
فشلت في أن تنقذ نفسها من محاصرة عيناه فغمغت وصدرها يختلج بداخلها:
-ل لما أكل حبقى حغير .
اقتربت يده دون استئذان من حجابها لتحرره فأبعدت رأسها في حركة عفوية، تمسك حجابها بيدها تمنعه من تحريره قائلة:
-خلاص أنا حقلعه بنفسي.
ولكنه لم يستمع لها بل راح ينزع حجابها بيده وعيناه تلتهم وجهها..شعرت انه ينزع روحها منها، وما أن تحرر شعرها الأسود الناعم حتى وارى نصف وجهها لثمت عيناه نوعمته، تخلله بأصابعه ثم أبعده وجعله خلف أذنيها، محاوط وجنتيها بكفيه، راح يتلمس خديها بابهاميه، وعيناه تغني لعيناها أغنية الشغف، وظل يقترب بشفتيه، يريد أن يقتطف زهر خديها..وهي تتراجع برأسها تغمض عيناها بقوة..تدمعان بتوسل لكي يتركها، ولكن كيف يترك نبعا سيروي ظمأه؟ يجذبها من يدها لكي يقرب رأسها التي كادت أن ترتطم برأس السرير، وجاءت طرقات الباب نجدة لها فأجبرته على تركها وهو يزفر بغيظ زفيرا حارا كأنه خارج من فوهة بركان.
ودخلت الخادمة تدفع أمامها عربة أعد عليها العشاء..حمدت جومانة ربها في سرها..وضعت يدها موضع قلبها الذي اختلج بين ضلوعها..تدعو الله أن يمرر تلك اللحظات العصيبة على خير..خرجت الخادمة وظلا يأكلان.. شاردة تفكر ماذا سيحدث بعد العشاء ماذا سيفعل بها أعتصرت عيناها بقوة لمجرد التكهن..رددت بداخلها يااارب..ولحسن حظها جاءت له مكالمة اضطرته للاصراف فورا..ما ان اختفى من أمامها حتى تنفست الصعداء..وهتفت بصوت خافت:
-هوووف أخيرا مشي الحمد لله يارب..امتى بقى اخلص منه يااارب خلصني بقى..ثم اطلقت العنان لدموعها ..دموع الخوف..دموع الارتباك..دموع اللحظات الثقيلة التي قضتها بجواره ..وتذكرت أكرم ودت لو تحدثه في تلك اللحظات ولكن كيف..وهو سد عليها كل منافذ الاتصال به.. وظلت تناديه وتهتف باسمه في استغاثة :
-أكرم..أكرم.. اكرم
******************************
-صباح الخير
هتفت بها نريمان بثغر باسم تحمل بين يديها صينية الأفطار تضعها أمامه على الفراش هاتفة :
-أنا قلت آجي أفطر معاك قبل ما أمشي.
رد صباحها وهو يتأملها بملابس الخروج فسألها وهو قاطب الجبين:
-رايحة وين عالصبح إكده؟
-رايحة الشغل أنت ناسي أن سامر اتقبض عليه ولازم حد يباشر المحلات.
أومأ على مضض.
-تصور اللئيم كان عايز يمضيني على ورق يثبت أني ساحبه منه فلوس كتتيير قوي.
-أنا من الاول مرتحتش ليه البني أدم ديه
-عامل ايه دلوقت؟
همست بها تحاول أن تخفي زفير الحب الذي كاد أن يعانق سؤالها.
-زين.. الحمد لله.
-أنا ليا يومين مشفتكش..الدكتور استحوذ عليك..بيجي يقعد معاك..ويسيبك بعد ما تكون نمت.
ودت لو تهتف بكل حرارة :
-وحشتني
لكنها ابتلعتها أنه لا ينظر لها، عيناه تجهلها تمام ..لو يلمحها فقط لرأى عينان تفيضان شوقا..لرأى صدر يعلو ويهبط في جنون ..لرأى شفتان تشققتا من فرط الجفاف زفرت بيأس وحاولت أن تستعيد طبيعتها فقالت له:
-مش حتاكل بقى قبل الدكتور ما يجي.
أومأ ..ثم شرعا في الطعام سويا..كانت هي تأكل وعيناها مشغولتان بوجهه الحزين..تتأمل عيناه الحزينة الزابلة..أنفه المستقيم..شفتيه المريضة التي تأكل ببطء ..سماره الذي تعكر بلون أصفر..لون الضعف والمرض، تفاحة ادم تلك التي برزت من جراء وضعفه.
أنه يشعر بعيناها تلك التي تخترقه بسوادها، كأنها تعاتبه عتاب طويل ..تلومه على صمته وبعده عنها..ترجوه وتتوسله عله يرق لكن لا حيلة له..تمتم بالحمد معلنا انتهائه من طعامه، حتى ينتهي من محاصرة عيناها له.
هي الأخرى نطقت بالحمد .. مقوسة شفتيها في يأس هامسة لنفسها "لا فائدة منك" رفعت الصنية وأخرجتها ثم عادت له ترتدى حقيبتها في كتفها ثم سألته:
-أنا حمشي بقى عايز حاجة؟
-لاه مع السلامة.
نظرت له بحنق أنه يأبى أن ينظر لها..كأنه يريد أن يتخلص منها سريعا.
انحنت وقبلته في جبينه وهي تهمس، سلا......
قاطع همسها قبضتيه اللاتي ضمت كتفيها وأبعدتها عنه محدقا فيها بغضب وتعجب، قاطب الجبين..ضاغطا على كتفيها بقسوة..وبرغم الألم الا انها غاصت في تلك النظرات كأنها تريد أن تعرف ماهيتها..تحللها..هل هي نظرات غاضبة رافضة لتلك القبلة، هل هي نظرات قاسية تريد فعل شئ يخشى منه، تشعر بأنفاسه المتهدجة وكأنه يقاوم شئ ما، هل يقاومها..أم يقاوم رغبته في تقبيلها، غضبه هذا ماذا يعني؟ هل جرمي عظيم لهذا الحد..الست بزوجي ومن الطبيعي توديعك بقبلة هكذا تساءلت وهي تتعمق في عيناه.
-أنا أسفة مكنتش اقصد ازعجك.
خرجت تلك الجملة محملة بأنفاسها التي لفحت وجهه..ارادت أن تضغط عليه لترى ردة فعله ماذا ستكون؟
وإذ به يلتهم شفتيها بقبلة محمومة.
لا تنكر أنها تلقت تلك القبلة بصدمة فلم تتوقعها..ومع ذلك بادلته اياها في ظمأ كبير، قطع تلك القبلة طرقات الباب تلاحقت انفاسهما وتشتت الملامح..بلع ريقهما بصعوبة وبالكاد استطاع جماع شتاتهما، توجهت للباب دون ادني كلمة..وجدت الخادمة تعلن عن قدوم الطبيب، تركته وهي تحمل اثار قبلته حتى انها راحت تتلمسها بأصابعها ..تشعر أن أنفاسه مازالت عالقة في رئتيها أغمضت عيناها وهي تعانق نفسها تشعر ببرد بعده .. تتنفس بحب متوجهة الى عملها وكأنه معها.
" أنا ضعفت لييه بس"
هتف بها وهو يصر على أسنانه قابضا على شراشف السرير بغيظ.
دلف الطبيب وهو يلقي عليه التحية وقد لاحظ بحكم مهنته ومن ملامحه المحتقنه أن به شئ فسأله:
-مالك..أنت كويس؟
-لاه أنا مش زين أنا مخنوج..أنا معرفتش أتحكم في جلبي.
-طيب ممكن تهدى
قالها طبيبه وهو يخرج حقنة مهدئة لكي يحقنه بها..بعد برهة من الوقت.
-هاه هديت
أومأ مالك.
فاستطرد الطبيب:
تحب تحكيلي ال حصل وخلاك تنفعل وتتدايق ولا تكمل.
-لاه نكمل..فالأمر الذي حدث بينه وبين زوجته سوف يحكيه له ولكن ليس الآن.
-تمام ..أنا سامعك.
تنفس مالك بعمق ثم أخرجه على مهل..فتابع وقدر شرد بعيدا.
فلاش باك:.
منذ ذلك اليوم ومالك طفل معذب مع أم تعامله بقسوة..تنهره دائما..تضربه تكرهه وبشدة وكأنه ليس ابنها، طفل صغير يعاني يتساءل عن سر تلك المعاملة السيئة، ولكنه لم يعثر على أجابة، ما كان يهون عليه والدة صديقه التي وجد فيها أم حقيقية..أم تفنى من أجل سعادة أبنها..تسهر على راحته..أم محتشمة..تصلي لا تقابل رجال غرباء..لا تتحدث بصوت عالي..لا تضرب ولا تقسو..كم تمنى مثل تلك الأم..تعايش مالك مع أمه أو من كان يظنها أمه حتى سار صبي عمره أربعة عشر عاما..في يوم كان يذاكر كعادته عند صديقه..وعائد لبيته وقبل أن يفتح الباب سمع أبيه يصرخ وصوت أمه مرتفع علم أنهما يتشاجران ..تسمر مكانه لم يستطيع الدخول..لا لكي يسمع شجارهما..بل لم يرغب أن يزج نفسه في مثل تلك المشاجرات استند بظهره على الحائط وأراح رأسه يعبث بكتبه التي في يده..وانتظر حتى تنتهي تلك المشاجرات.. كان أبيه يصرخ حتى بح صوته قائلا:
-أنا غلطت أني ادوزتك من الاول كنت فاكرك أكتر واخدة حتخافي على ولدي..لجيتك اكتر حد عذبه انتي متنفعيش تبجي أم.
-يااخي..جرفتني أنت وولدك ياريتك ياشيخ مادوزتني دفنتني معاك ومعاه بالحيا وحرمتني من الرادل ال بعشجه.
القتها في وجهه بكل جرأة.. ولم تبالي بغضبه ويبدو من صوتها الاشمئزاز من تلك الحياة..ونفاذ صبرها.
وبصدمة استطرد ابيه:
-عتجولي ايه..ولما أنتي زهجتي منينا ومن عيشتنا ليه جبلتي من الاول بينا.
وبنبرة تتراقص بتهكم استطردت:
-يعني مش عارف أنا جبلتك ليه..هو أنا كنت ريداك من اصلو مش ابوي هو ال غصبني أدوزك عشان أربي ابن أختي..لكن أنا زنبي ايه ادجوز واحد مبحبوش..اعيش حياة مش حياتي..وأكمل عيشة مش عيشتي..اختي ماتت وهي بتولده..ذنبي أيه أنا أعيش عيشتها..واعيش معاك وأنا مبحبكش ومش طيجاج..ذنبي ايه انا هاه جولي..ذنبي أيييه.
بعد هذه الكلمات اعتدل مالك واتسعت عيناه في صدمة..هذه الأم القاسية ليست أمه..اتسعت شفتيه من السعادة..نعم هو في غاية السعادة هذه الأم السيئة التي تبرى منها بيبه وبين نفسه ليست أمه..أمه امرأة جيدة ماتت وهي تلده راحة شهيدة وجوده في الحياة..لقد ساقه الله ليستمع لهذا الشجار..ليعيد له الحياة من جديد ليعيد له الأمل ، ليشعر من داخله أنه انسان سوي ليس هناك شئ يكسره..أو يستعر منه.
بعد شد وجذب مع أبيه وخالته سمع خطواتها الغاضبة، تتجه صوب حجرتها وقد صفعت الباب خلفها بعنف احتار وقتها هل يدخل بيته فيجلب لأبيه الحزن لو شك أنه سمع شجارهما بل سمع الحقيقة..لذلك فضل أن يتجول في القرية بعض الوقت ثم يعود.
كان سبب الشجار وقتها أنها أردات أن تلحقه بعمل في قرية بعيدة حتى تتخلص منه ومن عيونه التي تحاصرها دائما..وتجلدها بنظراته المحتقرة لها..وبالطبع رفض أباه فهو صغير على العمل وخشى ايضا على دراساته..
ولكن مالك وافق وجدها فرصة..يبتعد عن تلك العاهرة، انها وباء، وقد أقنع أباه بذلك، وبالفعل
سافر لقرية تبعد عن قريته ساعة اشتغل مع صاحب محل ،ومن حسن حظه أن صاحب المحل كان رجل كريم طيب عامله كأبن له، لقد ارتاح مالك معه كان يعود كل خميس لقريته فقط ليطمئن على أبيه، ولولا أبيه ماكان عاد حتى لا يرى تلك المرأة اللعينة، مكث مالك مع هذا الرجل حتى شب و التحق بالجامعة..وفي أول عام لكليته تعرف على فتاة منتقبة أحبها وجد فيها صورة مثالية لفتاة أحلامه، أعادت له زهوة الدنيا، غيرت حياته ..محت بداخله صورة زوجة أبيه أو خالته ..الصورة السيئة للمرأة التي رآها فيها..أحبها من كل قلبه..ونسج معها مستقبل باهر..لقد بني معها بيتهما بصورة مثالية صورة حلم بها بيت هادئ مبني على الحب والتدين..ولكن كل ذلك ضاع هباءا..لقد اكتشف خيانة تلك الفتاة.. وكان النقاب ماهو الا ستار لسيرها البطال..فهدمت احلامه وضاعت هباءا..ومن هنا كره كل نساء العالم.. بغض كل أنثى، وبات يكره حتى النظر لهن.
-ايه تعبت؟
تفوه بها الطبيب عندما لاحظ شحوب وجهه وأحتقانه على أثر انفعاله وتأثره بذكرياته..فأوما مالك ..ناوله الطبيب كوبا من الماء قائلا له:
- خد اشرب واتنفس بعمق واهدى
فعل مالك ما نصحه به.
-بص يامالك.. واسمعني كويس
تفوه بها حتى يلفت انتباهه له ثم استطرد قائلا:
-عقدتك اتكونت بسبب والدتك او خالتك..أنت كنت بتتمنى الصورة الطبيعية لأي أم..الفطرة ال خلقنا عليها ربنا..اي انسان صورته عن امه هي الصورة المثالية..الأم الا بتسهر على راحة أبنائها..وبتربيهم كويس وبتكون قدوة ليهم ومثال للشرف والأخلاق..ولما صورة الأم بتتشوه..بنفقد الثقة في جميع الستات..وده ال حصلك..وال زود عقدتك صدمتك في أول حب ليك..حتى الفتاة ال انت حبيتها كانت في الصورة ال بتتمناها من جواك..ولما اتصدمت فيها..عززت عندك كرهك ليهم..لكن أنا عايزة اقولك أن قانون الدنيا هو الخير والشر..حتى لو كان الشر اكتر..لكن يبقى الخير في الدنيا..ولازم تقنع نفسك ان زي ما في ستات وحشة في كمان ستات كويسة وشريفة ومحترمة زي أم صاحبك الست ال أنت تمنيت أمك تكون زيها.. انت دلوقت يامالك عرفت عقدتك الباقي عليك بقى أنك تطرد احساسك ده من جواك..وتقاومه وتحاربه عشان تقدر تعيش في سلام ..متعيش وأنت بتتعذب بسبب ماضي انتهى.
انا حسيبك تستريح..وبكرة حتكون اخر جلسة لينا..تمام.
أومأ مالك وهو يهتف:
-تمام.
**********************************
دخل مروان الى حجرة جومانة، ومد لها يده بجريدة دارات عيناها بينه وبين الجريدة في عدم فهم فسألته متعجبة:
-ايه ده؟؛
عيناه تلمع بخبث قال لها كأنه يتشفي من أمر ما :
-اقري.
القاها لها ثم تركها..تتلقى الصدمة بمفردها.
ظلت تتصفح الجريدة بعينان متلهفة وقلبها ينبض بجنون ..وأذ بها تتسع عيناها عند خبر معين صورة لأكرم جعلتها تصرخ باسمه في جزع رهييب:
-أكرررررررررررررم.
*******************************
ياترى ماله أكرم.
توقعاتكم بقى.
بااااااي
الفصل الثامن عشر
كاره النساء
دخل مروان إلى حجرة جومانة، ومد لها يده بجريدة.. دارت عيناها بينه وبين الجريدة في عدم فهم فسألته متعجبة:
-إيه ده؟؛
عيناه تلمع بخبث قال لها كأنه يتشفي من أمر ما :
-اقري.
القاها لها ثم تركها..تتلقى الصدمة بمفردها.
ظلت تتصفح الجريدة بعينان متلهفة وقلب ينبض بجنون ..وإذ بها تتسع عيناها في صدمة عند خبر معين صورة لأكرم جعلتها تصرخ باسمه في جزع رهييب:
-أكرررررررررررررم.
مازالت لا تصدق ما قرأته تحدق في الصورة والخبر بزهول يدها على فمها تكتم شهاقتها ..تهز رأسها يمينا ويسارا في عدم استيعاب..تغمغم بروح واهية:
-أكررم ..م م مات.. أ أتتقتل..طب أزاي ..أزاي ..دد ده كان كويس ..ك كان كويس وبيكلمني..لا لأ لأ لا ..أكرم اكرم أكرم.
وظلت تهتف باسمه في جنون وتصرخ عله يسمعها حتى يطمئنها عليه....لكنه لا يستجيب.. ظلت تمزق الجريدة بعصبية..رافضة هذا الخبر حتى لو كان صحيح..بل راحت تهشم كل محتويات الغرفة، ما أوقفها غير ظلام حالك ضربها على رأسها فسقطت في غيبات الأنهيار.
على باب حجرتها كانت واقفة خادتها تترقبها كما أمرها سيدها، سمعت جنونها وهي تهشم محتويات الحجرة بغضب عارم..وما ان خفت صوتها حتى ضربت صدرها بانزعاج فركضت الى سيدها تخبره بصوت مضطرب:
-الحقني يابيه..الست هانم فضلت تصرخ و تصرخ، وكان باين زي ما تكون بتكسر في الاوضة وبعدين حسها سكت فجأة، وسمعت حاجة دبت في الارض بينلها وقعت واغمى عليها.
وما إن سمع مروان منها ما سمعه..حتى هرول اليها فتح الباب وجدها مطروحة على الأرض، وجهها محتقنا كأن الدماء تجمعت فيه، شعرها مفرودا فوق رأسها بحزن..اقترب منها وحملها وضعها على سريرها ثم التفت للخادمة وقال لها بنبرة سريعة منزعجة:
-بسرعة اتصلي بالدكتور.
-حاضر يابيه.
أخذ رأسها على ذراعه وظل يضمها اليه وهو يهمس لها :
-وبعدين معاكي في البتعمليه في نفسك ده وفيا، بس معلش..يومين وتنسي دكتور الزفت بتاعك ده..وحترجعي ليا..أنا مروان حبيبك..أنا بحبك.. دفن وجهه داخل رقبتها يلثم رائحتها ويبكي كالطفل..ويوصل همسه وتوسله وبكاؤه:
-بحبك ياجوجو بحبك ..انسيه بقى ودووبي فيا
حبيني وحسي بيا، حسي بقلبي ال محتاجلك أنت ليا، ليا أنا بس فاهمة أنت بتاعتي ،ملكي أنا ومحدش حيقدر ياخدك مني..وال ياخدك مني اقتله..اقتله..فاهمة..اقتله.
قال كلمته الاخيرة وهو يهزها بعنف كأنها تستمع له..كأنها بوعيها.. طرقات الباب جعلته يفيق ،كان في غيبوبة الندم يهزي بحبه لها..ابتلع ريقه ومسح دمعاته وقال في ثبات استجمعه بصعوبة:
-ادخل.
الخادمة: الدكتور يابيه
-خليه يدخل.
₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩
-وبعدهالك يامالك..حتعمل ايه عاد؟ لحد ميتة حتداري حجيجتك..لحد ميتة حتتضحك عليها، أنت عشقتها ياخوي؟؛ وده كان أتفاجنا بردك، مسح على رأسه يحاول أن يبتلع تلك الغصة، ثم تابع حديثه مع نفسه.. يااااابوي أعمل ايه في ال أنا فيه ديه ال لكان عالخاطر واصل، تذكر حديث الطبيب عندما صارحه بحقيقة مشاعره نحوه زوجته ولكن هناك اتفاقا بينه وبينه حماه يحتم عليه وئد ذلك الحب، كان رأي الطبيب أن هذا الاتفاق ظالم لها..ولابد أن يصارحها بحقيقته..وساعتها تستطيع وحدها أن تقبل هذا أو ترفضه.
دلوجت أبوها ياجي ونطلق وأبعد عنها..احسن بردك أنا تعبت من اللعبة دي عاد خليني أبعد عنها..ياريتني ما كنت وافجت من الاول..يارياتني ماشفتك يانريمان ولا عرفتك من أصله..ولا حبيت.........
قطع همسه الخفي مع ذاته عندما شعر بذراعين تطوقان خصره من الخلف انتفض والتفت خلفه فوجدها هي نريمان ارتعش جسده وكأن ماس كهربائيا صعقه..فصرخ بها وهو عاقد جبينه قائلا بغضب:
-ايه العتعمليه ديه..مش حتبطلي حركاتك ديي.
كانت نريمان عائدة من العمل تشعر بارهاق شديد، عايناها غائرتان، وجهها شاحب، تتنفس بصعوبة من فرط أرهاقها وكأن الهواء من حولها نفذا، أبصرته واقف في الشرفة يديه مختبئة في جيوبه وظهره لها، يبدو عليه الشرود..لا تعلم لماذا سيطرت عليها رغبة في أن تحتضنه، هل لأنها في حاجة الى الراحة بعد عناء يوم شاق، أم انها اشتاقت له، ولم تتردد بل حققت ما تمنته..وعندما احتضنته أصابها اليأس عندما تلقت رد فعله الذي كانت تتوقعه ولكن لم تتوقع ان يكون عنيفا هكذا..ما كل هذا الغضب، ألست بزوجته ومن حقي أن احتضنه في أي وقت.
وبالفعل وجاهته بمكنون صدرها قائلة:
-أنا عملت ايه غلط أنت مش جوزي؟؛
صمت عاجزا عن الرد عليها كان يتنهد بشدة..اعطاها ظهره نعم انه يهرب منها ولكن هذه الصغيرة تطارده..تطارد مشاعره تركض خلف حبه كأنها تعلم الحقيقة فتلعب على الوتر الحساس دون ان تدري او تخطط لذلك، استدارت حتى اصبحت امامه فسألته :
-مالك أنت بتكرهني ؟؛.
لم يجبها آه انها تتلمس شتاته ومعاناته الآن.. استطردت في اصرار:
-رد عليا ..أنت بتكرهني للدرجادي..لدرجة انك مش بتطيق حتى أني المسك.
ظل صامتا ووقف متنصنعا الجمود.
قالت وقد رققت نبرتها كأنها ترجوه أن يسمعها:
-أنا عارفة اني زودتها قوي معاك في البداية..عارفة أني غلست عليك ورذلت كتير..عارفة أن أحرجتك قدام بابا وماما واني كمان كنت مش طيقاك ساعتها وكنت عايزة اطفشك..بس ده كان في الأول..قبل ما..قبل ما أاحببك..أنا بحبك يامالك..والله بحبك..ومش عارفة اعمل ايه عشان تسامحني..أنا تعبت انهاردة في الشغل قووي تعبت لدرجة اني حاسة أني شايلة حمل فوق طاقتي..نفسي بقى ترجع الشغل وتشيل عني الهم التقيل ده..أنا محتاجلك جمبي..عرفت بقمتك صدقني قالت جملتها الأخيرة واقتربت منه للغاية تلتقط ذقنه بيدها تنظر في عيناه بتعمق كأنها تنقب في عمقهما عن ذرة حب لها..ولكنها لم تجد غير البرود الذي أتقنه..أغمضت عيناها في خزي وانكسار ثم ارتمت على المقعد و اجهشت في البكاء.
كلماتها الصادقة البريئة مزقته، فتت قلبه..انها ومن غير قصد لعبت على نقطة ضعفه وهي دموعها الذي لم يحتملها، ولن يتحمل رؤيتها تلمع على وجنتيها، ظل ينظر لها وهو عاجز حائر..قلبه يأمره أن يضمها الى صدره ويمسح دمعاتها..هو يعلم مدى تعبها انها صغيرة وضعيفة على تحمل تلك المسئولية الجسيمة التي يئن لها أشد الرجال..ولكن عقله ويمينه الذي بينه وبين ابيها يردعه حتى لا يحنث..
عزم أن يعترف لها كما نصحه الطبيب
انحنى والتقط مرفقيها فجعلها تنهض هامسا باسمها ..فنظرت له من بين دموعها تتنتظر ماذا وراء همسه؟ هل سيضمها لصدره ويعترف لها بحبه؟ هل سيكفكف دموعها ، هل سيطلب منها السماح على جفاءه لها وبروده، ابتلع مالك ريقه قبل ان يقول:
-أسمعيني يانريمان زين......
-نريمان؛ قاطعته وهي تردد اسمها في تعجب لتستطرد وهي تبتسم بحب:
-أول مرة من ساعة معرفتك اسمعك تنطق اسمي..يااااه اسمي من بين شفايفك حلو قوووي..أنا حبيت اسمي اكتر لما نطقته.
لم يعد يحتمل هجوم عشقها ..ولا بثها بحبها له اكثر من ذلك حبها الجارف له يزلزله يقضي على بقايا تمسكه..ولكنه صرخ وهو يهزها:
-أكتمي واسمعيني عاد.. أني..أني مش ود عمك.
اتسعت عيناها في صدمة فتمتمت:
-اييه مش ابن عمي؟؛ أمال انت تبقى ايه؟؛
-أنا......
قطع أعترافه رنين هاتفه أجاب الأتصال وما إن تحدث الطرف الثاني حتى اتسعت عيناه بصدمة فصرخ غير مصدقا:
-اييه ..ميين..عمييي؛؛
ملامحه المصدومة جعلت قلبها ينبض بخوف فسألته:
-ماله بابا يامالك.
-لازمن نروح السفارة طواالي.
-لييه؟؛
-مخبرش حنفهم إهناك.
عندما وصلا الى السفارة، كانت الصدمة الكبرى لهما لقد ماتا ابيها وأمها على اثر حادثا تعرضا له، وما إن تلقت الصدمة حتى صرخت فاغشي عليها.
كان مالك في موقف لا يحسد عليه حائر ما بين زوجته التي لم تتحمل الصدمة..وموت والديها ..نقلها الى المستشفى فورا .
شعر أن الامور تعقدت للغاية ماذا سيفعل؟ كل شئ دبر له هدم مرة واحدة..صحيح أنت تريد وأنا اريد والله يفعل ما يريد، ابيها نفسه لم يعمل حسابا للموت..ماذا سيفعل الآن؟ هل ينفذ ما عزم عليه..يطلقها كما اتفق مع ابيها..ام يستمر في اخفاء الأمر عليها..ويستمر في زواجها، فكيف يترك فتاة صغيرة في هذه الدنيا تواجهها بمفردها، ستكون مطمع بثروتها للجميع..زفر بحيرة عاجز عن اتخاذ القرار.
₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩
يومان مرا منذ أن قرأت خبر حادث موت أكرم وجومانة خارج الدنيا، لا تتكلم ولا تستجيب لأحد..كل شئ بها صامت صمت الموتى..عيناها فقدت بريقهما..كأنها لا تريد الحياة، كم حاول مروان بكل الطرق أن يعيدها للحياة دون فائدة، مربيتها تبكي عليها في صمت ..وردة زبلت وأوشكت على السقوط، دلف مروان مساءا عليها يتفقدها كعادته..وجدها جالسة، شاردة، لا تحرك ساكنا، أشار للمربية بالخروج ..جلس بجوارها يتأملها بنظرات تقطر ندما، لقد قتل اكرم من أجلها من أجل أن يحتفظ بها..من أجل أن تكون له وحده..ابتلع غصته وحاول أن يبدو طبيعيا همس لها:
- وحشتيني قووي ياجوجو..ايه رايك نخرج انهاردة نتعشى مع بعض واخدك افسحك..تعرفي بفكر نروح الملاهي..ايه رأيك؟ لم تستجيب له، كانت كالصنم ليس به روح ولا حياة، شئ حثه على الأقتراب منها بل تقبيلها لعلها تبتعد عنه أو تلومه أو تبدي أي رد فعل، المهم أن يخرجها بأي ثمن من تصنمها هذا..وبالفعل قبلها في جانب فمها قبلة رقيقة، ود لو يلتهم شفتيها التهاما، ولكنه اكتفى بقبلة رقيقة، ولكنها ايضا تبدي أي رد فعل..أو تخجل أو حتى تبعده عنها، تأسف لذلك أكثر ..هتف بنفاذ صبر
-فوقي بقى خلاص المات مات..لازم تعيشي حياتك..انسي وتعالي نبدأ من جديد.
همست بصوت ضعيف واهن:
-ع عايزة ماما.
-بتقولي ايه؟؛ بتقولي ايه ياجومانة انتي اتكلمتي ولا انا متهيألي..قولتي ايه؟؛
-عايزة ماما.
-عايزة ماما..رددها في تعجب ماذا تعني..هل تريد ان تموت وتذهب لأمها ام ماذا تعني..
مسح على شعرها وهويهمس بحنان:
-جوجو حبيبتي متخافيش أنا جمبك.
تحول همسها الى صرخة :
-عايزة اروح عند ماما..عايزة ازور ماما.
-حاضر..حاضر حوديكي تزوري قبرها بس اهدي حبيبتي.. بكرة باذن الله نروح نزور قبرها.
*********************************
شوفتو مالك مطلعش ابن عمها امال يبقى مين؟؛
حنعرف باذن الله الفصل الجاي.
بحبكوووو قوي
الفصل التاسع عشر
كاره النساء
صرخة مدوية أطلقتها نريمان داخل حجرتها بالمستشفى..صرخة لوعة تنادي بها على الذين غادرا الحياة ولن يعودا مرة أخرى:
-باااااابا....ماااااما..مجوش ليه، هما فين؟ مجوش ليه لحد دلوقت، عايزة بابا..عايزة ماما..عايزة أروحلهم.
انتبه مالك الذي كان غافيا على المقعد امامها وقفز من عليه ليهتف في انزاعاج:
-ايه ..حوصل ايه؟؛
بعقل رافض أن يصدق موتهما راحت تهذي وتنزع عنها الأنابيب الطبية الموصلة في يدها بعصبية، تحاول النهوض لكي تذهب لهما.
يعيدها الى فراشها ويثبتها في سريرها برفق قائلا بشفقة:
-هدي يانريمان ..هدي ..حاضر حنروحلهم طوالي.
-أكيد الخبر غلط يامالك مش كده؛ هما..هما حالا يوصلوا اكيد حيتصلوا بينا..يلا نرحلهم يلا نروحلهم احنا.
اكيد هما عايزين يشفوني انا وحشتهم انا عارفة انا وحشتهم قوي زي ماهما وحشوووني قوووي..لازم نسافر بسرعة.
-جولتلك حنروحلهم بس هدي طيب.. متعمليش في روحك إكده.
احتقن وجهها على أثر الأنفعال وتمرد صوتها صارخا، تدفع مالك بكل قوتها الذي أمسك يديها حتى يمنعها من ترك سريرها، ثم صرخت:
-مش عايزة اهدى..مش عايزة اهدى انا عايزة بابا وماما عايزاهم..عايزة ارحلهم.
-طيب ..طيب جومي غيري خلجاتك.. وياجي الضاكتور يشيلك المحلول ديه ..وحنفذلك ال انتي ريداه.. حنروحلهم طوالي سوا بس هدي عشان خاطري.
ثم جذبها الى حضنه يربت على ظهرها بحنان..زافرا بأسف..شهقاتها تمزق صدره..نحيبها يوجعه..تعافر لكي تتخلص منه وهي تردد سبني.. سبني اروحلهم سبني أمشي
ولكنه تشبث بها متحملا ضرباتها على صدره يهمس بجوار اذنيها:
-لاه مش حسيبك ياحبيبتي هدي أنا جمبك أهه روقي ياجلبي عشان خاطري، ابوكي وامك في مكان احسن من اهنيه..هما حاسين بيكي دلوك، شايفينك وسامعينك، متخلهمش يشفوكي إكده منهارة..عشان ميزعلوش منيكي.
ثم ضمها اليه بقوة كأنها طفلة في حضن أبيها، ظلت في حضنه حتى أعياها البكاء، ومن فرط المجهود الذي بذلته من صراخ ووعويل نامت على صدره.
بعد يومان خرجت نريمان من المستشفى هزيلة ضعيفة..قد نقص وزنها..وجهها شاحب، انطفأ لمعان عينيها، وزبلت شفتيها، ما إن خطت داخل البيت حتى جادت عيناها بدموع الذكرى فقد أخذت تتجول بعينيها في كل مكان تتلمس فيه أثر أبيها وأمها، حديثهما لها وصوتهما يترددا في أذنيها بصدى الحنين..صوت امها عندما توقظها وترفع عنها الغطاء:
(قومي يانانا بقى بطلي كسل..لحد امتى حتفضلي نايمة)
تقريعها لها عندما ارتدت ملابس غير لائقة في عزاء عمها:
( يابنتي ده لبس تلبيسه في عزا ..جيبة قصيرة، وبلوزة من غير أكمام..أنتي اتجننتي، احنا رايحين بلد أرياف أمتى تعقلي بقى؟)
تعتصر عينيها حسرة على خسارة لن تعوضها
صوت ابيها وهو يدللها وهي صغيرة..مكافأته لها بسيارة حديثة عندما نجحت..لم يثور عليها يوما..ولم يغضب عليها لحظة..دفئ حضنه لها مازال يسري في عروقها تتلمسه بيديها حول ذراعيها..كأنها أصبحت عارية من بعده.
ومالك يراقبها بأسف وحرص.. يعلم أنها الآن تطوف في محراب الذكريات، قال لها محاولا أن ينتشلها من ذكرياتها حتى لا تنهار:
-تعالي يانريمان نطلعوا فوج عشان تستريحي هبابة.
قالت بصوت يملؤه الحسرة وكأنها لم تسمعه:
-خلاص راحوا مش حشفهم تاني ..سابوني يامالك خلاص حتى مش حقدر اودعهم..ولا احضر دفنتهم، طب لييه لييه..طب كان حتى فضل حد منهم معايا، الاتنين يسيبوني كده لوحدي
مش حدلع على بابا تاني ولا اقوله هات وهات وأنا بستغل حبه ليا وضعفه قدامي..مش حياخدني تاني في حضنه ولا اشم ريحته، ولا حشوف الخضة في عنيه لما اعيى.. ماما ال دايما كنت بغيظها مش عارفة ليه؟؛ يمكن عشان كانت بتضايق من بابا وتدليله ليا..كانت دايما بتزعقلي على غلطي..بس أنا كان ولا يهمني، عشان كنت بستقوى بيه، كنت بفرح قوي لما انتصر عليها ورأي انا ال يمشي عشان بابا كان واقف معايا وينفذلي طلباتي.. عمري مقلتلها كلمة حلوة ولا ابتسمت في وشها، كنت دايما حادة معاها..بس والله انا بحبها ..والله بحبها كانت طيب تستنى شوية لما اعتذرلها وتشوفني بعد ما غيرتني يامالك..وبابا كمان كان نفسي يشوفني وأنا بتحمل المسئولية وبطلت الدلع والسلبية.. ليه يموتو بسرعة كده ليييييه..لييه يامالك لييه.
اعقبت حديثها بدموع غزيرة اختلطت بشهقاتها ونحيبها وهي تئن وتنادي بحسرة:
-ليه يابابا..ليا يا ماما ليه سبتوني ليه؟
مسح مالك رأسه بأسف..وزفر بشفقة اقترب منها محاوط كتفها بيده وأمسك يدها بيده الأخرى يسوقها الى أعلى نحو حجرتها قائلا لها بخفوت:
- وبعدين معاكي ملوش عازة الحديت ديه تعالي معايا يانريمان ، دلوجت لازمن تنامي وتستريحي .
تحررت منه وهي تدقق في عيناه بقسوة كأنها ناقمة عليه قائلة بسخرية مطعمة بعتاب:
-عايزني انام عشان اصحى والقيك أنت كمان سبتني؟؛ مستني ايه؟ متسبني من دلوقت اتفضل يلا ومتخافش عليا اكيد حتعود على الوحدة.
لا ينكر أنه تفاجأ بحديثها هذا ظن أن موت أبيها وأمها سوف يجعلها تطويه لحين أن تفيق من صدمتها، ولكن أن تذكره برغبته وعهده الذي لا تعرفه وطلاقه لها فهذا مالم يتوقعه، أطرق برأسه وقد عجز عن الرد..فماذا يقول لها؟ خاصة وهي في تلك الظروف وكأنها أدركت عجزه وحيرته فقالت وقد عزمت على معرفة كل شئ:
-اتفضل امشي مستني ايه؟
ابتلع ريقه ثم حدق بها وهو يتناول وجهها بين يديه، هامسا بصدق:
- لو الواحد يجدر يفارق روحه كنت فارجتك من زمان..لكن صدجيني غصب عني .
غاصت في سواد عيناه الحائر وكأنها تنظر لليل ليس له أول ولا آخر فهمست وقد ضيقت عيناها باستفهام:
-يعني ايه مش فاهمة؟؛
-تعالي معاي وأنا حجولك كل حاجة.
قال ذلك وهو يسحبها خلفه من يدها صوب حجرته، وبعد دخوله وهي معه أغلق الباب جلس خلف مكتبه وأشار لها أن تجلس في المقعد الذي أمامه، ثم شرع يحكي لها ولم يبالي بنظرات التعجب الذي رمته به:
- اسمعيني يا نريمان زين وبعدين اتحدتي كيف ما أنتي رايدة، أنا زي أي عيل في الدنيا اتمنيت أم ترعاني وتحبني..وتخاف عليا أم أتشرف بيها جدام الناس، لكن أمي أنا أو ال افتكرتها أمي كانت ست بطالة عايشة لحالها وبس، كل همها تسعد روحها، أما أنا فمش في حسابتها واصل، كانت مهملة فيا، طوالي بتضربني، لو عملتلي أكل تعمله بعد طلوع الروح وتوكلهولي بالضرب والشتيمة، عاملتني أزفت معاملة، لما كنت أشوف أم صاحبي..وأخلاجها الزينة، ومعاملتها ليه كنت بتحسر على حالي، خلتني كرهتها..وال كرهني فيها أكتر لما عرفت انها مش أمي طلعت خالتي، أجبرها جدي تددوز أبويا عشان ترعاني بعد ما أمي ماتت وهي بتولدني، لكن خالتي حست إن ابوها ظلمها أجبرها على عيشة هي مش رايداها، وحرمها كمان من الرادل ال بتحبه عشان إكده عاملتني وعاملت أبويا معاملة عفشة.. وأنا ال أتظلمت منيها أكتر.
لما بجى عمري 14 سنة خالتي طلبت من أبوي يشغلني عشان تخلص مني.. كنت من غير جصد اطللها بجرف وحجد وألومها على عاميلها واهب فيها من غير مخاف منيها:
-ليه بتعملي إكده ليه متبجيش مرة زينة زي أم صاحبي
ولم تسمع إكده تجوم تضربني على خدي وجسمي وتجولي سد خاشمك لجطع رقبتك..وبعدين تحبسني في اوضتي باليومين.
زفر بأسى ثم استطرد بعد أن ابتلع ريقه:
- المهم لم ابويا وافج يشغلني ويبعدني عنيها كان هم ابويا بردك يبعدني عنها عشان أذكر كويس وأفلح في مدرستي..و على كد ما كنت مضايج عشان عايزة تبعدني عن البيت وأبويا وصاحبي كمان، لكن كنت فرحان عشان حسيبها وأغور من وشها ..أبويا لجالي شغل في بلد جريبة من بلدنا عند واحد طيب..تعرفي يانريمان مين الواحد ديه؟
-نطقها وهو يدقق في ملامحها حتى تنتبه له أكثر..أما نريمان فكانت تسمعه وكأنها تسمع حدوته لطفل يتيم وتعرف معاناته مع زوجة أبيه لقد قرأ مالك في عيونها الشفقة والأسف له فهمست والفضول سيطر عليها:
-ميين؟؛
-أبوكي.
-أيه...بابا؛
نطقتها بدهشة ثم تابعت بأنفاس غير مستوعبة لهذه المفاجأة:
-ازاي انا رحت المحل كتير وعمري ماشفتك هناك.
عشان عمري مارحت محلاته ال في الجاهرة، أبوكي لما بدأ شغله اشترى محل في قرية جمب بلدنا..وكان يعرف أبوي وشغلني عنديه..مسكتله الدكان ديه. أروح المدرسة وأرجع أجف في الدكان..لما شغل أبوكي كبر فتح دكان تاني في مصر، وعرض عليا أروح وياه لكن أنا مرضيتش.
سألته متعجبة:
-ليه مرتضتش تروح.
-خفت.
-خفت.... من أيه.
رددت كلمته في عدم فهم..فقال :
-عشان مرة رحت معاه مصر نشتري أنا وهو بضاعة للمحل..في اليوم ديه شفت الزحمة وأغلب النسوان وخلجاتهم العريانة والضيجة، ضحكهم العالي..مرجعتهم ومياعتهم مشيهم العوج.. جرفت منيهم ومن الستات كلتها حسيت حالي بكرهم كلتهم مبجاش في خشى ولا حيى..عشان إكده حلفت مشتغلش ابدا في مصر لو حتى جطعوا رجبتي، وكتييير جوي عم خالد اتحايل عليا عشان اروح معاه..مجدرش يجنعني، كنت سعيد في المحل الصغير، واوضتي الجواه كنت بنام وأصحى وأذاكر فيه..وال ريحني أكتر إني كنت بتعامل مع ما يخص الشباب بس..أي ملابس حريمي مليش فيه.
أنا وأبوكي بجينا صحاب حبيبته جوي وهو كمان حبني..وبالرغم فرج السنن البناتنا لكن انا وهو كنا متفاهمين..كان دايما يحكيلي عنك وعن عندك ودماغك الناشفة.
ابتسمت أبتسامة خفيفة وهي تخفض رأسها خجلا..رفعت رأسها مرة اخرى عندما تابع وقال:
-أنا كمان كنت بفضفض إمعاه عرف عني كل حاجة، وعرف أن بجى عندي عقدة من النسوان كلتها..لدرجة أني كرهتهم، لحد ما فيوم فوجئت بخالتي مضت أبوي على الأرض ال حلتنا والبيت وطفشت مع حبيبها ال هو عمي أصلا..أبوي مستحملش خيانتها مع أخوه طب ساكت، مات، كنت بسأل نفسي ليه ابوي متحملها ومتحمل جرفها ..ولما سألته عرفت أنه بيحبها جوي.
اتصلت بعمي خالد عشان يحضر الدفنة..جالي في الصوان أنه مفهمك أن ابوي عمك وأنا ابن عمك..ولما جلتله عملت ليه إكده جالي حفهمك كل حاجة بعدين وبع.....
قاطعته وهي تسأله:
-طب ولما أنت مش أبن عمي..أنت بقى مين؟؛
-لو صبر الجاتل على المجتول.
زفرت على مضض وهي تهمس:
-طب قول.
استطرد وهو يهز رأسه يمينا ويسارا منزعجا من عدم صبرها:
-حجولك أنا مين..أنا ياستي وعم خالد بلديات يعني من بلد وحدة..ابن عمك مهاجر من زمان في استراليا، عمك بجى كان عايش في البلد بس كان مجاطع أبوكي عشان أدوز مصرواية..عمك من سنتين ولده بعتله وراح وياه وسافرله بعد مامرات عمك ماتت وبنات عمك ادوزو وبجى لحاله، لما مات أبوي اصر عم خالد أن ياخدني معاه لمصر عشان أعيش معاه..اضطريت أوافج لأن مكنش جدامي حل غير إكده، وعشت معاكم وأنتي فاكرة أني ابن عمك..لحد ماعرفت من عم خالد أنه عمل إكده عشان مترفضيش أنتي أني أعيش معاكم طوالي، أمك كمان كانت عارفة ومتفجة وياه، لحد مطلب مني أني أدوزك لمدة معينة إكده وبعدين أطلجج.
-ليه؟؛؛
خرجت من فمها بحقد وضيق.
تجاهل نظرات الغيظ والضيق الباديين في عيونها ثم تابع:
-ابوكي لما كبر حس إن من كتر حبه ليكي دلعك زيادة عن اللزوم ..ومبجيش عارف يسيطر عليكي بعد إكده..ولما لاجاني وجفت في وشك من أول يوم..عرف ان محدش حيشكمك غيري ففكر يدوزني ليكي عشان أربيكي من جديد وو.......
-نعممممم ليه بقى إن شاء الله أنا مش متربية ولا ايه دا انا متربية احسن منك مليون مرة دا أنا....
نهضت بحركة حادة وهي تصرخ في وجهه وقد اقتربا حاجباها غضبا من جملته التي استفزتها تشيح بيديها نافية تلك الجملة الكريهة ...ولكنه قاطعها ايضا بان أمسك معصمها وأجبرها على الجلوس قائلا:
-ايه أنتي مصدجتي بلاعة طفحت في وشي..معلهش ياستي حجك عليا..اجولهالك بطريجة أحلى من إكده باللغة الفصحة عشان تكون أشيك..أدوزتك عشان أروضك..زين إكده؟
عقدت ذراعيها أمام صدرها مشيحة بوجهها بعيد عن مقوسة فمها في ضيق.
تجاهل ضيقها وتابع:
-طبعا مجدرتش ارفضله طلب..لان أبوكي فضله بعد ربنا كبيير جوي عليه..من صغري وجف معاي..وكان بيعاملني صح كيف ولد أخوه..كان جايلي انه نفسه يروح يحج ولما طلب مني ادوزك اتفقنا اني اعاهده بعد ما يجاي من السفر أطلجج..لانه بردك مكنش عايز يظلمك ويدوزك لحد أنتي مش ريداه لأنه كان بيحبك جوي، وأنا وافجت طبعا ال معملناش حسابه حتى أبوكي نفسه موته وال معملتش حسابه أنا كمان أ أ أني فعلا ح..حبيتك.
حدقت به وعيناها مغرورقة بالدموع..حنينا لابيها الذي مات..وتوقفت عند آخر كلمة قالها:
"حبيتك"
تلك الكلمة التي خرجت بصوت هامس عاشق حائر، نعم حائر ولا تعلم سر حيرته.. ظلا يحدقان في بعضهما لبعض كأن على رؤوسهما الطير وكأن الكلمة التي تفوها بها..صلاة يجب الخشوع لها.. دقات قلبيهما أجراس تدعو لتقيم تلك الصلاة...قطع صمتهما صوت صديقتها جومانة..يسأل عنها في جزع:
-فين نريمان يا ام محمد انديها بسرعة من فضلك.
-حاضر يابنتي ثواني اقولها انك هنا.
وطبعا لأن نريمان تفاجأت بحضور جومانة الى بيتها بعد فترة طويلة لم تراها فيه فهرولت اليها فورا وهي تصرخ بسعادة:
-جوجو حبيبتي ..انا مش مصدقة عنية أخيرا شفتك.
-نانا.
قالتها وهي ترتمي في حضنها ثم أطلقت لدموعها العنان. في البداية ظنت نريمان أن جومانة تبكي على موت ولديها ولكن شعرت أن الدموع لها أسباب أخرى عندما همست جومانة وهي على صدرها:
-أنا تعبانة قوي يانانا..مبقيتش قادرة استحمل الحيوان ال اسمه مروان ده..عايزة اخلص منه بقى.
أخرجتها نريمان من حضنها وسألتها وهي تدقق في عينيها بقلق:
-في ايه ياجوجو مالك ياحبيبتي؟
قبل ساعة من هذا الموقف،،،،
كان مروان قد يئس من أن يخرج جومانة من حالة الصمت والزهول اللذان سيطرا عليها، منذ ان قرأت خبر موت أكرم، كان قلقا عليها للغاية، لا ملاطفته لها وكلامه المغمس بالحب والحنان شفعا له عندها..ولكنها فجأة في خضم صمتها هذا طلبت منه :
-أنا عايزة أروح لنريمان صاحبتي.
تعجب لطلبها..ولا ينكر أنه سعد لأنها خرجت من صمتها واحتار أيضا هل يقبل أم يرفض..ولكن حسم الأمر نبرتها المتوسلة له:
-من فضلك سبني أروحلها.
الطريقة التي نطقتها بها توحي أنها كانت عى حافة الانهيار ولو أنه رفض سوف تكون العواقب وخيمة.. فهمس على مضض ؛
-طيب حخليكي تروحيلها.. حخلي السواق يوصلك هي ساعة زمن وابعته يجيبك ماشي؟
أومئت بالموافقة.
-اتكلمي ياجوجو مالك ايه ال حصل.
هتفت بها نريمان وهي تشجعها على الحديث.. كان مالك على وشك الانصراف حتى يتركهما على راحتهما ولكن جومانة استوقفته قائلة:
-لأ متمشيش لو سمحت أنا عايزة أحكيلكم ال حصلي عشان تساعدوني..أنا مليش حد دلوقت غيركم ..بعد ما بابا مات.
-ايه باباكي مات امتى وليه مقلتليش.
صرخت بها نريمان بنبرة منزعجة..وهي تضرب على صدرها بخفة من وقع صدمتها بالخبر..نظرت لها جمانة قائلة:
-حتعرفي كل حاجة لما احكيلك..
ثم حكت لهم كل شئ حدث لها منذ يوم زفافها الدامي حتى لحظة جلوسها معهم وقد انهت حديثها بانها قالت:
-أنا مش عايزة أعيش معاه تاني..أنا بكرهه بخاف منه..كل ما يقرب من جسمي بيقشعر..انقذوني منه عشان خاطري.. أنا عايزاه يطلقني.
سارت حمية مالك خاصة أنه صعيدي فقد استاء مما سمع..أما نريمان فأخذتها في حضنها علها تلملم شتاتها..تمسح دموع القهر عنها..هبا مالك قائلا بشهامة وصوته يحمل كل معاني العزم والأصرار على حماية تلك الصبية المقهورة:
-متخافيش انت من إهنيه في حمايتي..وان شاء الله حخلصك من الردل الواطي ديه وحطلجج منه ويبجى يفكر بس يمس شعرة منك.
خديها يانريمان واطلعوا فوج .
نريمان: حاضر.
₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩₩
ياترى مالك حيعمل ايه عشان يخلص جومانة ومرون حيسكتله؟
طبعا أنا بشكركم عشان نبهتوني للخطأ ال أنا سهى عليه فيه..وجل من لا يسهو..في مشهد موت والد نريمان وامها واني موتهم بكرونا لاني أنا كنت عايزاهم يعملوا عمرة ويموتوا بكروان مثلهم مثل التصابوا وماتوا في هذا التوقيت..بس الاحداث خلتني غيرت العمرة بحجة ونسيت ان في الوقت ده الحجة اتمنع..المهم انا طبعا حعدل المشهد وحخلي سبب الموت أي حادث .دمتم بخير وانتظروني في الفصل القادم.
في ناس علقت على اللهجة وقالت انها غريبة أو مفيش حد بيتكلم زيها..حوضح النقطة دي باذن الله في الفصل الجاي.
الفصل العشرون
كاره النساء
-يعني إيه مرضيتش ترجع معاك.
صرخ بها مروان عندما أخبره سائقه أن مدام جومانة أبت الرجوع معه، صريخه جعل الرجل يتراجع للوراء وابتلع ريقه خوفا من غضبه ، فقال بلهجة حاول أن يؤكد فيها قلة حيلته أمام رفض زوجته العودة معه:
-والله يا يبيه أنا مليش ذنب أنا رحتلها وطلبت منها تروح معايا لكن هي مرضيتش تيجي معايا..قالتلي مش راجعة معاك.
سرحا مروان مضيقا عينيه في ضيق بالغ، مداعبا ذقنه يحاول تفسير رفضها للرجوع الى البيت، ثم ضرب مكتبه بقبضته قائلا بوعيد :
-ماشي ياجومانة أنا حعرف أرجعك البيت تاني إزاي..أنا الحق عليا من الأول الخليتك تزوري صاحبتك..ماشي بتتحمي فيهم..طيب استني عليا.
ثم نظر للسائق بعينان نارية قائلة بخشونة، تعالي ورايا على العربية.
انصاع السائق لأمره وتوجه به صوب بيت نريمان كما أمره سيده.
**************************
جلستا نريمان وجومانة في حجرة الأولى تستعيدان ذكريات ما حدث لهما قبل أن يتقابلا، أحداث صعبة مريرة مرت لكل منهما..حتى زفرت نريمان وقالت وكأنها تتعجب من أمر الدنيا:
-معقول كل ده يحصلنا فكام شهر..
من كان شهر كانت احلامنا مختلفة أنا عن نفسي كنت بفكر في حاجات كتيير كان نفسي اعملها.. كنت بفكر في الجامعة ال حدخلها ازاي ابقى فيها الكل في الكل ،وابقى مسيطرة على كل الطلبة كمان..كنت بفكر في النشاطات ال حشترك فيها..في اللبس ال حشتريه عشان ابقى اشيك وحدة في الكلية..حاجات كتير اتغيرت فيا مكنتش عاملالها حساب.
تنهدت ثم استطردت..بس عارفة على قد الأحداث الحصلت وال كانت في ساعتها بالنسبالي صعبة وكرهتها..على قد ما أنا سعيدة أني عرفت مالك وحبيته وسعيدة اني اتغيرت كمان..ثم نظرت لجومانة وجدتها شاردة فسألتها:
-أنتي معايا؟؛
نظرت لها جومانة بعينان منطفئتان، وقالت بنبرة تملؤها الحسرة:
'أنا" أنا حاسة أني عمري ما عشت حياتي ولا حلمت اصلا ..ولا كان مسموحلي احلم بأي شئ، اتجوزت غصب عني، حتى الأنسان الوحيد الحسيت معاه بحنية وحبني وحاول يساعدني مات، كأني اتخلقت بس عشان اتعذب، عشان اتقهر، حاسة أني عايزة أموووت مبقتش رغبة الحياة، نفسي أصحى يوم ملاقيش نفسي.. أو الاقيني فقدت الذاكرة.
كانت كلماتها تخرج مع شهقاتها مختلطة بدموع الغزيرة التي أغرق وجنتيها.. طبطبت نريمان على كتفيها وتنهدت في أسف ثم همست وهي تضمها من خلفها:
-لأ ياجوجو متقوليش كده بعد الشر عليكي ياحبييتي..والله أنا حاسة أن ربنا حيكرمك بانسان يعوضك عن كل ال شفتيه.
ضحكت جومانة بسخرية ضحكة مفعمة باليأس قائلة:
- انسان يعوضني ..مش لما أخلص من مروان الأول.
صمتت جومانة برهة ثم قالت وهي تكاد تبكي:
-أنا خايفة من مروان يانانا، خايفة قوووي.. أنتي متعرفيش البني أدم ده عامل ازاي، انسان معندوش قلب معندوش رحمة.. ممكن يعمل أي حاجة وميخليش حد ينتصر عليه.
هتفت نريمان وهي تجلس أمامها بثقة:
-متخافيش ميقدرش يعملك حاجة ولا يقرب هنا.
في نفس تلك اللحظة كان مروان قد وصل من خلفه حراسه وسائقه يختبى بين جثثهم الضخمة، ثم جهر بصوت عالي:
-جومانة...ياجومانة تعالي هنا.
ما إن وصل صوته الى مسامعها حتى انتفضت واتسعت عيناها زعرا، تتشبث بيدا نريمان وتهمس برعب:
-مروان...شفتي يانانا لسة بقولك اني خايفة..قلبي حاسس أنه مش حيعديها على خير.
-اهدي ياجوجو متخافيش مالك دلوقت يخليه يلزوم حدوده.
خرج مالك على أثر صوته قائلا:
-أيه ياجدع أنت حد يزعج إكده في بيوت الناس.
نظر مروان لمالك نظرة نارية مليئة بالحقد قبل أن يقول:
-أنت مين.
أقترب مالك منه وقف أمامه بثبات وثقة قائلا:
-أنا صاحب البيت ال أنت جاي تتهجم عليه أنت بجى مين؟
-بقولك إيه أنا عايز مراتي بالذوق لحسن مش حيحصلك كويس.
قال ذلك مروان وهو يشهر سبابته أمام وجهه مهددا وعيونه تنذر بشر مبين، لم يهتم مروان بتهديده هذا ولم يهتز قيد أنملة، بلا ابتسم بسخرية وتقدم منه أكثر وقد همس أمام وجهه بكل برود:
-ليه يا أخينا مرتك تايهة منيك ولا إييه؟
ضغط مروان على أسنانه في غيظ احمرت عيناه و أذنيه من فرط الغضب .. أمسك بتلابيب مالك ثم صرخ فيه بعصبية:
-أنت دمك خفيف قوي ياروح أمك بس أنا مضحكتش.. وحخليك تبكي زي النسوان دلوقت.
ثم أخرج مسدسه وصوبه نحو رأسه رجاله أيضا اشهروا أسلحتهم أمامه ..ولكن مالك بخفة خطف المسدس منه وحاوط رقبته بذراعه..وبيده الأخرى صوب مسدسه نحو رأسه..آمرآ رجاله :
-سيبوا السلاح من ايديكم لحسن افرتكلكم راس سيدكم دلوك.
كل ذلك حدث في دقائق معدودة جعل نريمان وجومانة تصرخان فزعا ويهرولا نحوهما فقد فزعت نريمان ورددت أسمه بهلع عندما صوب مروان في بادي الأمر مسدسه نحوه:
- مااااااالك؛
وشعرت جومانة بالاضطراب، والقلق لأنها ستكون السبب لو حدث أي مكروه لمالك بسببها.
نظرا مالك لهما وصرخا فيهما:
-أطلعوا فوج دلوك يلا منيك ليها.
صوته أرعبهما جعلهما يصعدا الى أعلى وبقى قلبيهما معلقا به ماذا سيحدث بعد ذلك؟
اعتصر مالك رقبة مروان بذراعه وهو يقول له:
-جولهم يرموا سلحهم في الأرض..أنطج.
وبصوت محشرج من فرط الألم قال مروان:
-نزلوا سلاحكم..نزلوه.
انصاعوا لأمره وطرحوا سلاحهم أرضا.
قال لهم مالك:
-ارفعوا ايديكم وارجعوا ورا.
نفذوا ما قال..اقترب مالك وهو يسوق مروان تحت تهديد المسدس حتى وصل الى جهازا ضغط على ذره بعد دقائق معدوظة ظهر رجال تخص مالك قد استدعاهم تحسبا لموقف مثل هذا الذي حدث، قبضوا على رجال مروان ..وساق رئيسهم ممروان نفسه الى الخارج ومالك يبتسم ويقول له:
- مع السلامة وإياك تفكر تعاود إهنيه تاني يامروان باشا.
ومروان ينظر له بغل ويقول له بتوعد:
-ماشي ..بس متفتكرش أني حعديهالك..وديني لدفعك تمن ال عملته ده غالي قووووي.
بعد انصراف مروان هرولتا نريمان وجومانة نحو مالك فارحيتين مطمئنتين، ارتمت نريمان في حضنه وهي تغمغم باكية:
-مالك ..مالك انا كنت خايفة عليك قوووي
-متخافيش أنا زين جوي.
وجومانة تقف على استحياء ومع ذلك همست:
-أنا متشكرة قوي.
نظر لها قائلا:
-قلتلك متعونيش هم أنتي في حماية ربنا وحمايتي.
-يلا يانريمان خدي صاحبتك واطلعوا واسترحيوا هبابة .
-حاضر.
قالتها مفعمة بحب .ثم جذبت يد جومانة وصعدتا مبتسمتين .
************************************
استيقظ مالك في الصباح ولم يشأ أن يوقظ نريمان وصديقتها فضل أن يتركهما على راحتهما، تناول إفطاره وذهب الى عمله.. على الطريق وجد رجل معه زجاجة فارغة يشير له بيديه، توقف مالك بالفعل له ظنا منه أنه يريد مساعدة نظر له قائلا:
-يلزم خدمة ياسطا.
قال الرجل وقد انحنى قليلا:
-ايوة الله يكرمك شوية بنزين يقوموا العربية لأقرب بنزينه عشان أمون وأكمل طريقي.
مالك وهو يفتح باب السيارة ويترجل منها:
-بس إكده حاضر.
-الله يكرمك.
اخذ مالك منه الزجاجة وراح يملئها له والرجل يد عو له بالخير..وما أن انهمك مالك واعطاه ظهره حتى اخرج ذلك الرجل منديلا مبللا بالمخدر وكممه به قاومه قليلا ،ولكن سرعان ما خارت تلك المقاومة بعد أن غاب عن الوعي حمله ووضعه في سيارته وانطلق به حيث أمر.
*********************************
تململت جومانة حتى استيقظت..تمد يديها الى الأمام في حركة رياضية لتجلب لنفسها النشاط، تبتسم بسعادة لأول مرة في حياتها تشعر أنها مسرورة..وانها في أمان ليس عليها أي ضغوط من أي نوع، عادت مشاعرها بكر كذي من قبل، تأملت تلك التي تغط في نوم عميق بجوارها فاتسعت ابتسامتها أكثر بجوارها أختا لها تحتويها ..قبلتها في خدها قبلة أمتنان، فهشتها نريمان بيدها وملامحها تعبر عن الضيق فقد شعرت أن حشرة تعاكسها وهي نائمة، فضحكت جومانة فشرعت في معاكستها أكثر وأكثر..امسكت خصله من شعرها وظلت تهش بها على أنفها ونريمان تبعدها وملامج وجهها تنم عن الغضب، وراحت تزغدها بخفة في ذراعها وتقرصها في خديها وذقنها..حتى استيقظت نريمان بحركة عصبية وكادت ان تسب وتعلعن لولا أن رأت جومانة تضحكة بعذوبة فقالت وقد تنفست براحة:
-هو أنت ياشيخة..انا قلت ايه الحشرات الغلسة دي ال ملت بيتنا.
قالت جومانة وهي تغمز باحدى عينيها ونبرة خبيثة:
-حشرات بردو ولا افتكرتي ملوكك هو ال بيعاكسك.
ضيقت نريمان عينيها تحدق فيها بتعجب تهرش في رأسها غير مصدقة ما تراه:
-غريبة انتي صاحية فايقة بقى وبتستخفي
كمان .
ازدادت ضحكات جومانة فتخلت عن فراشها وراحت تدور في الحجرة كالفراشة هاتفة بسعادة:
-فرحانة قوووي يانانا لأول مرة أحس أني حرة ..حرة محدش له سلطة عليا ولا بيتحكم فيا ..ياااااه أحساس جميل قوووي.
-طب يااختي ربنا يسعدك كمان وكمان تصبحي على خير.
قالت ذلك وهي تتثائب ثم تنام وتلتقط وسادة تخبئ بها وجهها.
نزعتها منها جمانة وهي تقول بتزمر:
-أنت حتنامي تاني قومي بقى وبطلي كسل.
جلست نريمان متربعة على سريرها قائلة والنوم يداعب وجهها وصوتها يرجوه أن يدعها لحالها:
-انا حصحى اعمل ايه دلوقت؟؛ سبيني اكمل نومي بالله عليكي انا مبصحاش دلوقت ثم اخذت الوسادة مرة أخرى ووضعتها فوق راسها ونامت وهي تشخر بصوت عالي حتى تثبت لها انها نامت بالفعل.
ولكن جمانة نزعتها ورمتها بعيدا وقالت في اصرار:
-لأ بقى مفيش نوم تاني قومي بقى وبطلي رخامة عايزين نفطر ونخرج ونشتري ونتفسح ونعمل كووول ال ال احنا عايزينو يلااااااا قومي يارخمة.
-ياااااربي انا عايزة أنام.
جذبتها جمانة من يدها تسحبها نحو المرحاض بالقوة قائلة:
-يخرب بيت كسلك ياشيخة..مفيش نوم تاني خلاص ..وقت النوم خلص..يلااااااا قدامي.
زامت نريمان في وجههها قائلة على مضض:
-امممممم...طيب ..طيب قومت اهو..هوووف منك.
ضحكت جمانة ثم راحت تدندن في حبور.. تشعر بشئ غريب يتسلل داخل روحها كانها تحررت من قيود كانت تكبلها.
تنولتا الاثنتين الافطار ..وخرجتا لكي يتسوقنا كانت نريمان تتصل بمالك بين الحين والحين حتى تستأذنه لكي يخرجا، ولكن هاتفه مغلق وذلك الحارس لا يفارهما ابدا كما أمره مالك يوم ان حضر مروان وتشاجر معه، قال له حينها أن لا يفارق السيدتين ابدا وأن يصطحبهما كظلهما أينما ذهب.
قضيتا جمانة ونريمان يوم رائع وممتع..عندما عادتا الى البيت ظنت انها سوف تجد مالك قد وصل للبيت ولكن رأت آخر شخص توقعته في حياتها.
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا