رواية كاره النساء كامله البارت 21-22-23-24-25-26-27الاخير بقلم سهير عدلي جميع الفصول كامله
رواية كاره النساء كامله البارت 21-22-23-24-25-26-27الاخير بقلم سهير عدلي جميع الفصول كامله
الفصل الواحد والعشرون
كاره النساء
قضيتا جمانة ونريمان يوم رائع وممتع..عندما عادتا الى البيت ظنت انها سوف تجد مالك قد وصل للبيت وفي انتظارها ،ولكن رأت آخر شخص توقعته.. شخص لأول مرة تراه في حياتها أو هكذا ظنت، توقفت فجأة وهي تتبادل مع جومانة نظرات الاستغراب عندما أبصرتا شابا لا هو بالقصير ولا الطويل طليق اللحية والشارب بشكل منمق، رافعا شعره كعرف الديك، وجهه بيضاوي بيضاء البشرة عيناه بداخلها فيروزيتان تبتسم بثقة تكاد تصل لحد الغرور، كان جالسا بأريحية وضعا ساق على ساق كأنه في بيته.
عندما أقبلتا عليه نهض وتقدما نحوهما يحدق فيهنا بتمحص كأنه يحاول أن يكتشف من منهنا أبنة عمه، وبالفعل توقف بجوار نريمان كاد يلتصق بها مما جعلها تبتعد بتلقائية متعجبة من فعله الجريئ هذا، قائلا بصوت خافت استفزها:
-انتي نريمان أنتي أحلى من الصور بكتييير.. ياااه والله زمان.
ثم نظر لجومانة وسأل:
-والأمورة بقى تبقى مين؟
طريقته في الحديث..واقترابه منهما بشكل غير لائق أثارت غضبهنا وجعل وجهه نريمان يحتقن فسألته بعصبية:
-وأنت مين بقى ان شاء الله وتعرفني منين؟؛
طلت ابتسامة قميئة من جانب فمه وضيقت عيناه وهي تكاد تضحك بغرور.. وكأنها لأول مرة في حياتها ترى عينان تضحك بكبر، اقترب منها وقرب رأسه من وجهها للغاية جعلها تنظر له بتحذير مطعم بغضب قائلا دون أن يهتم بغضبها هذا أو تحذيرها له باقتربه:
-معقول مش فاكراني يانار تؤتؤ أنا زعلان منك.
جمانة تلوي شفتيها بامتعاض من اسلوب هذا الرجل المستفز..ولكن فضولها يقتلها وسؤال يتردد بداخلها بقوة..من هذا السمج..من يكون؟.
ما إن تفوه بنار حتى تراجعت للخلف بضع خطوات ..وتراجع عقلها أيضا سنوات وكأن شريط حياتها أمام عينيها يمر بسرعة يعرض عليها ذكريات طفولتها، وتوقف عند لحظات معينة كان عمره في تلك اللحظات ثلاث سنوات تلعب في الشارع بعروستها..ثم يأتي طفل يكبرها بخمسة أعوام طويل جدا هكذا كانت تراه وهي طفلة، يأخذ منها لعبتها عنوة وهي تجذبها منه وتبكي وتنادي على أبيها ليغيثها منه..كان صوته غليظ تنفر منه دائما وهو يقول لها:
-نار هاتي العروسة دي العب بيها.
فترد عليه ووجهها عابس فمها مضموم باعتراض وبغض.. واعتراضها هذا على منادته لها بنار فهذا ليس اسمها:
- مس تأول نار دي.. ومش حتاخد لحبتي..انت وحش وخلس( مش تقول نار دي ومش حتاخد لعبتي أنت وحش وغلس).
كيف ينعتها بنار وهي جنة والديها.. ولكن ذلك الغليظ يأخذها منها عنوة ويشد لها شعرها حتى يؤلمها.. ثم يأتي أبيها و يخلصها منه يضربه على يده ويأخذ منه العروسة ويعطيها لابنته، يراضيها بقبلة وحضن مفعمان بالحنان.
تهدجت أنفاسها بقوة وهي تعود للواقع وتهمس بغير تصديق:
-أنت أاا......؛
ضحكت فيروزيتاه ضحكة الغرور وهو يقترب منها حد الالتصاق هامسا بصوت صادح من مذياع الشغف :
- نااااااائل..ابن عمك نائل افتكرتيني يانار اهو.
-نعممم ..أفندم..ايه الجابك بعد السنين دي كلها؟؛
صرخت بها وهي تدوس على كل حرف بأسنان البغض، والكره، والأشمئزاز قالتها وهي تبتعد وتنظر له باستياء.. وجمانة تردد باندهاش وعدم فهم ، ابن عمها؟؛
-ايه يابنت عمي الأستقبال البارد ده ..بعد السنين دي كلها ال مشفتنيش فيها تكون مقابلتك ليا كده...تؤتؤتؤ.. مكنتش منتظر منك كده بصراحة.
صرخت نريمان وقد بلغ الغيظ منه مبلغه:
-نعم امال كنت منتظر اقبلك ازاي ..اخدك بالحضن مثلا.
-ده أقل واجب.
قالها بنبرة تؤكد انه يعنيها. . جعل عيناها تتسع غير متوقعة رده.. أودعت صوتها الصبر وضغطت على أعصابها لكي تتحمل هذا الرجل وقالت من بين اسنانها:
-لو حضرتك جاي تعزي..شكرا ليك وسعيكم مشكور.
-هو عزا بس يا بنت عمي انتي ناسية إن في ورث كمان.
تبدلت ملامحها من الغضب والضيق الى الخيبة لقد نست أمر هذا الورث ..فلم لم تستطيع النطق وابتسم هز بانتصار
-قوليلي بقى اوضتي فين عشان استريح شوية من السفر.
-ايه أنت حتقعد هنا؟؛
-امال يعني حبات في اوتيل وانا عندي ملك..
فزفرت بقلة حيلة وقالت وهي تتجه نحو غرفتها بخطوات سريعة:
-يلا ياجمانة نطلع نستريح شوية لحسن انا جبت أخري خلاص.
في حجرة نريمان
ظلت نريمان تقطع حجرتها أيابا وذهابا في جنون هاتفها على اذنيها وعن أخير ألقت به على الفراش بعنف وقالت بضيق:
-بردو تليفونه مقفول مش عارفة في ايه..مالك مش بيرد ليه مش عارفة.. وكنت ناقصة ابن عمي ده كمان.
-ابن عمك ده ايه امال مالك يبقى مين انا مش فاهمة حاجة فهميني يانانا؟؛
تنهدت بقوة ثم استطردت:
-مش عارفة اقولك ايه الموضوع طويل قوي . أنا ححكيلك ياستي ال حصل شوفي.........
**********************************
-بتقول ايه أتخطف مين دول ال خطفوه؟؛
تفوه بها مروان عندما سمع تلك المعلومة من أحد رجاله حينما بلغه بها.
-مش عارف يابيه انا راقبته من بعيد لبعيد زي ما قلتلي..بعدين لقيت واحد راكب عربية نزل منها ومعاه جركن شاورله ولما وقف له مالك ويظهر كان حيديله بنزين ولا حاجة، بعد ما اداله ظهره جه الراجل من وراه طلع منديل حطه على بقه وفي ثواني خدره وشاله وحطه جوه عربيته وطلع بيه..وطبعا ساعتك انا طلعت وراهم لحد مالقيته نزله وراح بيه العنوان ده ساعتك.
قال منعم احد رجال مروان ذلك كله ومده له يده بورقة بها العنوان.
-اخذ مروان الورقة وفتحها ثم بعد أن قرأ العنوان قال متحيرا :
-عنوان مين ياترى ؟؛
طوى الورقة وخبأها في جيبه بعدها استطرد:
-تعالى معايا واجمعلي الرجالة كلها..وبعدين نشوف حكاية العنوان دي ايه.
منعم بحماس وطاعة:
-أوامرك يا باشا.
*******************************
-ايه الحكاية الغريبة دي .
تفوهت بها جمانة بعد أن قصت عليها نريمان كل ما حدث لها وحكايتها مع مالك.. تنهدت نريمان بقلق ثم غمغمت:
-أهو ده الحصل ياجوجو ..أنا قلقانة قوي على مالك ..قلبي مخطوف كده ومش عارفة ايه ال حصل.
-متقلقيش ..خير ان شاء الله..يمكن تليفونه فصل شحن ولا حاجة..بس ابن عمك ده غلس قووي ورخم كده..وباين عليه بجح وجرئ ..ايه ده انسان مستفز قوي.
-أيوة أنا قلبي اتقبض من ساعة ما شفته ومستريحتلوش خالص. تنفست بعمق ثم زفرته على مهل وتابعت:
-مضطرة استحمله لحد ما مالك يجي يتصرف معاه ويغور من هنا.
فجأة وبدون أنذار سمعتا طلقات نار فصرختا وهنا يضعنا ايديهما على أذنيهما قائلة جمانة مستفسرة:
-فيه ايه..ايه ضرب النار ده؟.
نريمان باضطراب:
-مش عارفة يمكن مالك رجع وبيتخانق مع نائل ده.
-طب تعالي نشوف ايه البيحصل.
هرولتا الى الطابق الأسفل ليتفقدا ما حصل، وجدتا مروان ورجاله يشهرون أسلحتهم في وجوه الحراس الذين عينهم مالك لحراستهم ومنهم من كانت رقابهم تحت قبضتة تلك الرجال، وقف مروان في المنتصف يقول لهم بنبرة تهديد وعيناه تتسع بشر ووعيد:
-بقولكم أيه انا مش عايز اتهور عليكم واقتلكم كلكم ادوني مراتي بالذوق عشان امشي ويادار ما دخلك شر.
كانت ناريمان وجمانة خلف مروان.. فتواريتا خلف ستار المطبخ المجاور للسلم الذي يؤدي للطابق العلوي.
وضعت جمانة يدها على فمها عندما رأته يهدد وينذر بالشر.. ونريمان اتسعت عيناها بخوف وقد همست بصوت خافت:
-الله يخرب بيتك هو انت.
همست جمانة لها وهي تبكي:
-أنا لازم اروح معاه لحسن يأذي حد فيكم بسببي.
صرخت نريمان بصوت خفيض باعتراض:
-لأ مش حتروحي معاه استني يمكن نائل يمشيه.
كان نائل قد استيقظ على أثر الصوت فقال بنبرة تجمع بين الدهشة والتساؤل:
-فيه ايه ..انت مين وعايز ايه؟؛
وبادله ايضا مروان الدهشة فرد عليه سؤاله بسؤال:
-وأنت مين بقى؟
نائل: أنا البسألك.
مرون وهو ينظر له من اسفل وأعلى ولا يعنيه من هو المهم أن يستعيد زوجته ويعود به الى بيته:
-أنا عايز مراتي ومنعا للمشاكل خليها تروح معايا بهدوء.
اقتربا حاجبا مروان في عدم فهم فسأله:
-مراتك مين؟؛
-جمانة
صرخ بها مناديا وظل ينادي وهو يبحث بيعينيه في كل اتجاه :
-جمانة جمانة..تعالي معايا.
لقد خمن نائل ان جمانة هي صديقة ابنة عمه فقال بهدوء:
-وطي صوتك لو سمحت ومراتك حنجبهالك.
زاد بكاء جمانة ونحيبها وهمست لنريمان بقلة حيلة:
-انا حخرج يانانا مفيش فايدة محدش حيقدر يقف قصاده المرة دي.
-لأ ياجوجو بلاش لحسن يعمل فيكي حاجة أنا حخلي نائل يطرده.
وعندما اقترب نائل من أمام المطبخ وكان متجها الى اعلى لينادي جمانة سحبته نريمان وقد تفاجأ هو بمن يجذبه وقالت له:
-من فضلك ساعدنا..اطرد الراجل ده من هنا جمانة مش عايزة تروح معاه.
بكل هدوء وبرود قال نائل:
-أنا مالي أتدخل بين راجل ومراته ده شئ ميخصناش..ثم التفت لجمانة وتابع، من فضلك روحي مع جوزك احنا مش عايزين مشاكل .. مشاكلكم دي تحلوها في بيتكم من غير متزعجوا معاكم الناس.
اتسعت عيون البنتين في صدمة..ينظرون له بأسف ولم يستطيعا التفوه بكلمة..وبهدوء انسحبت جمانة وخرجت لمروان وقالت له بصوت يائس كالمقبل على الأنتحار:
-أنا اهو ..جيت عشان اروح معاك.
ابتسم مروان، والتمعت عيناه بانتصار التقط يدها في استحوز وخرجا أمرا رجاله أن يتبعوه.
*******************************
ركضت نريمان تبكي قلقا على صديقتها، قلبها يحمل بغضا اكثر لذلك الذي تخلى عنهما وابدى كل استندال حيالهما، لو كان مالك ما كان سلمها له..وكان حافظ عليها..اين أنت يامالكي؟ اين أنت حبيبي؟ اين أنت زوجي وحمايا؟ اين انت ياسندي؟ ظلت تبكي لساعات وتسأل نفسها ألف سؤال عن مالك اين ذهب ولماذا تأخر..قطع دموعها طرقات على باب حجرتها..ودخول ذلك النائل..تعجبت لدخوله هكذا دون حتى ان تأذن له بالدخول اعتدلت عند رؤيته، مسحت دموعها وابتلعت ريقها وسألته:
-في ايه؟؛ وأزاي تدخل اوضتي من غير أستئذان؟؛.
اقترب من فراشها في تؤدة..وفيروزتيه تبتسمان بشئ لم تفهمه قائلا بعد ان وقف أمامها:
-أنا خبطت ودخلت ..وبعدين أنا مش غريب أنا ابن عمك..ولقيت نفسي زهقان قلت نسهر مع بعض.
اتسعت عيناها بعدم تصديق ..جاهلة مقصده قائلة بصوت متلجلج:
- م م من فضلك أخرج أنا تعبانة وعايزة أنام
جلس بجوارها على الفراش مما جعلها تتراجع للخلف هامسا بكل صفاقة:
-أنتي خايفة مني؟ أنا حاسس انك دلوقت عايزاني ومحتجاني ابقى جمبك بعد الاحداث المشحونة ال حصلت دي انهاردة ..ولا ايه؟
ثم مدا كفه نحو وجنتيها ليداعبها.
ولكنها صدت يده بغضب صارخة فيه وقد اسودت عيناها احتقارا له:
-أنت اتجننت ..عايزاك ده ايه ومحتجاك ده ايه..أنا متجوزة وجوزي ممكن يجي في أي وقت.
وهمت أن تنهض لتترك الفراش ولكنه ثبتها بيده هامسا بجرأة:
-استني بس رايحة فين ..يابنت عمي وفيها أيه لما نقضي ساعة حلوة مع بعض أنا محتاج لست وأنتي محتاجة للراجل جسد محتاج لجسد..ليه ميلبوش احتياجتهم، ده شئ عادي حرية سيبك من التخلف ال لسة عايشة فيه ده.
حدقت فيه بصدمة وشل لسانها فماذا تقول لهذا الحيوان، الحفاظ على الشرف تخلف..الأخلاق رجعية..وتلك القذارة التي يريدها هي الحرية تبا لك بل أنت المتخلف عقليا تهدجت أنفاسها داخل صدرها ولا تنكر أن الخوف تسلل اليها واحتل كل ذرة فيه، ابتلعت ريقها بصعوبة ثم قالت بصوت حاولت أن يكون متماسكا:
-من فضلك اطلع بره وسبني لوحدي.
-يعني مفيش فايدة مش مقتنعة بكلامي.
قالها وهو يقرب رأسه من وجهها حتى كاد أن يلامسه فاشاحت به بعيدا عنه وصرخت غاضبة:
-قلتلك اخرج ..اخرج بره.
-ماشي حخرج دلوقت أنا بردو متحضر ومحبش أعمل حاجة غصب عنك بس مش حيأس..تصبحي على خير.
وبعد أن خرج وضعت يدها على قلبها عله يهدأ، من مما أصابها من توتر بسبب ذلك الحيوان الغبي..شعرت بارتجافة تصيب جسدها كأن رياح ثلجية عصفت بها ضمت نفسها بنفسها وجذبت الغضاء عليها تحتمي من رعشة الخوف التي ألمت بها وعن اخير أفرغت كل ذلك في بكاء ونحيب تنادي مالك عله يغيثها من ما فيه.
*********************************
بعد أن وصل مروان البيت ساق جمانة الى حجرتهما ودفعها داخلها بغضب قائلا بتهديد:
-بقولك ايه أنا دلعتك كتير..وصبرت عليكي أكتر ..قلت يمكن تيجي باللين لكن مفيش فايدة فيكي..أنا تعبت بقى وصبري نفذ..من هنا ورايح حتقبلي بالأمر الواقع فاهمة..وحتكوني مراتي بالذوق بالعافية حنكمل حياتنا وحتعيشي معايا زي ماانا عايز وياويلك لو عملتي اي حاجة من غير ماعرف من انهاردة خروج مفيش مرواح عند صديقتك تاني مفيش.. حتتحبسي هنا زي الكلبة ليه حق ابوكي لما كان بيعاملك بشدة.
راح يلهث من فرط الأنفعال احتقن وجهه..وتسارعت أنفاسه صمت ثواني ليستعيد هدوءه يمسح شعره ويزفر كل غضبه..أما هي فشعرت بالنهاية..نهاية كل شئ ، كأن الدنيا في لحظتها هذه ستنتهي، روحها ستزهق وتنتهي ايضا، نهاية أحلامها وأمالها، نهاية سعادتها وفرحتها نهاية كل شئ..في ثواني زبلت عيناها..وشحب وجهها ، وتساقططت عبراتها تغرق وجنتيها..وهجم الخوف عليها وارتعش جسدها خاصة عندما رأته يشمر أكمامه ويفتح أزرار قميصه ويقترب بخطوات متأنية ونظراته توحي بالأفتراس، ظلت تتراجع للخلف، وفي لحظات حضرت ذكرى مشهد ليلة زفافها وما ان جذبها الى حضنها عنوة وراح يغزو وجنتيها بقبلات غاشمة، ظلت تصدها بكل قوتها، أرادت أن تصرخ لكي يتركها لكن صوتها احتبس ولا تعلم لماذا، استطاعت أن تفلت منه، ولكن هيهات لم يتركها جذبها من شعرها، ليتم غزوه، لمحت سكينا لتقطيع الفاكهة بالقرب منها مدت يدها بصعوبة حتى التقطته ولم تشعر الا وهي تغرز السكين في جمبه ترنح وهو يحدق فيها بزهول يتحسس جرحه بيده وما ان رأى يده ملطخة بالدماء حتى شعر بدوار عنيف في رأسه ثم لم يلبث الا أن سقط على الأرض.
***************************
الفصل الثاني و العشرون
كاره النساء
عندما احتل الصمت المكان ..صمتاً رهيبا ينطق بفعلها التي فعلتها، ظلت جمانة تنظر بعيون ذائغة لمروان ذلك المسجي على الأرض غارقا في دمائه، وضعت يدها على فمها تمنع صرخة كادت تخرج منها همست بداخلها غير مصدقة ما فعلته، هل قتلت حقا؟ هل أصبحت قاتلة في دقائق معدودة؟ ثم فردت يديها تنظر لهما وإذ ببعض الدماء تناثرت عليهما ..فضمتهما سريعاً نحو صدرها تخبئهما ، ابتلعت ريقها بصعوبة، تجاهد أن تخطو نحو الباب لتفر من ذلك المشهد العصيب، تقاوم بصعوبة بالغة ذلك الأرتعاش الذي هجم عليها واحتل ركبتيها بالخصوص، وما إن وصلت للباب وفتحته ركضت ولا تعلم كيف وجسدها كلها ينتفض لا إراديا، توجهت نحو المطبخ وإذ بمربيتها تتلقفها بوجه مندهشا لهيئاتها المزرية وسحنتها الشاحبة وبنبرة قلقة سألتها؟
_مالك ياست جمانة شكلك مخضوض وبترتعشي كده ليه ..في إيه ؟
فنطقت جمانة بحروف ملجلجة بفعل الرعب الذي انتابها:
-أ ا أنا ق قت قتلت مروان يا دادة ..خد خديني من هنا بسر بسرعة.
_يامصيبتي .. بتقولي إيه؟!
نطقت بها مربيتها وقد جحظت عينيها تكذب ما سمعتها لكن هيئة جمانة ووجها الأصفر الذي يبدو عليه علامات الرعب أكد لها فعل ما قالته.. فكرت لثواني ماذا ستفعل؟ فألهما عقلها بأن تأخذها معها إلى بيتها حتى تهدأ تلك المسكينة ثم تفكر كيف ستتصرف بعدها؟.
جذبتها داخل المطبخ وهمست لها:
- تعالي حلبسك هدوم من بتاعتي عشان نعرف نطلع من هنا والحراس مايخدوش بالهم وبعدها يحلها ربنا .
وبالفعل استطاعت أن تخرج بها وتصطحبها إلى بيتها..حاولت مربيتها أن تعرف منها ما حدث ،ولكن جمانة كانت ترتعش بشدة من هول الموقف ..وتتمتم بكلمات غير مفهومة كأنها تهزي والعرق ينضح من جبينها..جعلت مربيتها تتمتم ببالغ القلق:
_ياضنايا يا بنتي لا حول ولا قوة إلا بالله استرها يارب.
قامت لكي تصنع لها شراب الليمون علها تهدأ ساعدتها بأن تفرد جسدها على الفراش ودثرتها حتى تأتي لها بالعصير.
***********************************
شعر مالك أن رأسه ثقيلة، أراد أن يتحرك ولكن حركته مشلولة، هناك شئ يقيد حركته قيود في يديه وقدميه، حرك رأسه يمينا ويسارا ببطء حاول أن يفتح عيناه ولكنه يشعر بثقل جفنيه كأن أحد ضاغط عليهما، أستطاع بصعوبة أن يفتحهما، وجد نفسه في مكان يشبه جراج سيارات مكان متسع لا يوجد به شئ سواه.. تأمل نفسه فاذ به جالس على مقعد خشبي قدميه مفرودتان امامه موثوقتان بشدة.. يديه أيضا مقيدتان خلفه مرتبطتان بالمقعد، بحركة عفوية أراد أن يتخلص من قيوده حرك يديه وقدميه وهو يكذ على أسنانه في عزم.. ولكن قيوده محكمة..زفر في عجز ثم أراح رأسه على قمة المقعد يسأل نفسه في حيرة؟
_ أنا وين؟! وإيه الجابني إهنيه؟! يااااابوي .
بعد دقائق قليلة وجد الباب يفتح، ودخل منه رجال ضخام الجثة يتقدمهم رجل مرتديا جلبابا صعيديا، ذو شارب كبير..أسمر اللون سحنته جعلته يتوقع عمره فقد خمن مالك أن عمر الرجل يتراوح ما بين الخمسون والخمس وخمسين عاما، كان الرجل يبتسم له ابتسامة بلا معنى ثم قال وهو ينظر له من أسفل إلى أعلى:
_كيفك يا مالك؟
زاد عجب مالك عندما تبين أن الرجل لهجته صعيدية، فسأله على الفور:
_ أنت مين ورايد إيه مني ؟
تحركت ابتسامة الرجل حتى أصبحت بجانب فمه، فهتف ببرود:
_ اصبر ..دلوك تعرف كل حاجة.
من خلف الرجال صدح صوت انثوي ما إن سمعه مالك حتى اتسعت عيناه بعدم تصديق أخر ماتوقعه أن تكون هي وراء خطفه:
_ كيفك يا مالك توحشتك والله؟
ما إن اخترقت الرجال وأصبحت أمامه حتى تبدلت ملامح مالك من الدهشة إلى الحقد والكره الذي يكنه لسنوات لتلك المرأة ولقد هتف غير مستوعبا لما يحدث معه:
_ أنتي....؟!
قالت بنبرة حنين مزيفة وهي تقترب منه أكثر وأكثر :
_ايوة أنا أمك يا ولدي
_انتي مش أمي وأنا منيش ولدك..أمي ماتت..ماتت.
صرخ بها مالك صرخة جعلت جسده كله يهتز حتى أن المقعد قد تحرك به قليلا إلى الأمام.
_بس أنا ال ربيتك وضيعت شبابي عليك.
هتف ومازال ينظر لها باحتقار وحقد:
_ تربية ايه ال بتتحددي عليها دي..دانتي زجتيني المر من كعاني.
_أنا خالتك وفي مجام أمك وغصب عنيك تسمع حديتي.
بسخرية وابتسامة من جانب فمه هتف مالك:
_خالتي ال هربت مع عشيجها وجابت نقطة لأبوي..خالتي ال ربتني بالضرب والجسوة..خالتي ال خدت أرضي ومالي واجب عليا اسمع حديتها..صح ال اختشوا ماتوا.
لكذ الرجل خالة مالك وهو يهمس لها وقد نفذ صبره:
_ خلصينا عاد مش وجته عتاب وجوليله طلباتنا عشان نخلصوا..ونفض أم الليلة دي.
نظرت له وهتفت بعد أن زفرت بلا جدوى:
_صوح معاك حج ممنوش لازمة العتاب دلوك.. شوف يامالك انت دلوكيت ادوزت بت الرادل الكنت عتشتغل معاه ..وزي ماانا عارفة أن الردل ديه معاه فلوس ياما عشان اكده لازمن تدفع الفلوس ال عليك.
ضيق مالك عينيه بعدم فهم قائلا:
_فلوس إيه ال عليا دي ..أنتي لكي عندي فلوس؟
هتفت بغل:
_ أيوة ليا عندك حج شبابي ال ضاع عليك انت وابوك..حج السنين ال فضلت اخدمكم فيها.
ظل يحدق بها غير مصدق ما يسمعه ومع ذلك رد عليها:
_وفلوسي ال خدتيها وارضي كل ديه مكفكيش.
بنبرة خرجت محشرجة بفعل الغل:
_لاه ..مكفتنيش..فلوس الدنيا كلتها متعوضنيش عن ساعة واحدة عشتها مع ابوك المجرف ديه.
لم يجد ما يرد عليه بها سوى نظراته المليئة بالحقد والبغض لها.. ولو أنه متحررا لقام وابرحها ضربا ولكنه بثق عليها فاغرق وجهها مما جعلها تغمض عينيها بتلقائية.. وبعد أن مسحت وجهها صفعته صفعة قوية ردا عليه ثم هتفت بغل:
_اكده..ماشي.
أمرت الرجال الواقفوان يشاهدون ما يحدث كأنهم يتفرجون على مشهد سينمائي:
_ربوه ياردالة.
فاجتمعوا عليه كلكلاب يلكمونه بأيديهم وأرجلهم وهي تنظر له بشماتة وتشفي. وما إن ارتوت بتألمه وآهاته التي سمعتها كأغنية ممتعة..حتى امرتهم أن يتوقفوا.. جذبوا المقعد الذي سقط بمالك من كثرة الضرب ..عقدت ساعديها امام صدرها منشرحة بوجهه الملطخ بالدماء المترنح بفعل الضرب والكمات قائلة بتحذير:
_ بجوالك إيه دي عينة ضرب لو منفذتش ال بجولك عليه حععمل فيك ال مايخطرش على بالك واصل.. أنا عايزة خمسة مليون اجنيه تجيبهم كيف مخبراش.. المهم يجوني
ودلوك حخلي الردالة توصلك مطرح ما انت عايز جدامك يومين اتنين لو محضرتش الفلوس جول على نفسك وعلى مرتك يارحمن يارحيم.
ثم أمرت الرجال أن يلقو به بالقرب من منزله..انصاعت الرجال لاوامرها وحملته وانطلقوا به صوب منزله والقو به بالقرب منه.
******************************
كانت ناريمان واقفة في الشرفة تدعو الله أن يعيد لها مالك، فقد بلغ القلق عليه مبلغه في قلبها، انها في حيرة لا تعلم اين ذهب ؟ هل تركها بلا رجعة؟ وإن كان قد قرر أن يتركها فهل سيتخلى عنها هكذا بسهولة، ألا يعلم أنها تحتاجه,اه لو يعلم كم هي في أشد الحاجة إليه، منذ أن رحل وهي تشعر أنها عارية، شريدة بلا مأوى، عاجزة عن فعل أي شئ، هي التي كانت تفعل كل شئ وأي شئ دون الرجوع إلى أحد، ماذا حدث لها؟ كيف تبدلت هكذا منذ أن دخل حياتها، نظرت للسماء وظلت تدعو الله والكلمات تخرج من قلبها:
_ يااارب طمني عليه و رجعهولي بالسلامة..أنا من غيره حاسة أني ضايعة،ياترى هو فين دلوقت، وبيعمل ايه، يارب احميني من ال اسمه نائل ده قلبي بيتخطف كل لما اشوف وشه أنهت دعائها وتبتلها إلى الله بدموع الرجاء، وليأكد الله إنه سميع مجيب صدح آذان الفجر مؤكدا أن الله أكبر من كل هم ..وأكبر من كل شئ مسحت دموعها واستبشرت خيراً راحت تتوضأ وتصلي وتدعو الله أن يعيد لها زوجها ويطمئنها عليه.
بعد أن فرغت من صلاتها تسللت إليها بعض الطمأنينة، سمعت طرقات على حجرتها قامت لتفتح ولم يخطر ببالها أن نائل هو الطارق عندما رأته هتفت مندهشا:
_نائل! فيه حاجة؟!
_في أني خلاص مبقتش قادر اتحمل دلالك ده.. ايه متبطلي تنشيف دماغك دي.
قال ذلك وهو يفتح الباب عنوة ويدخل منه ثم يغلقه خلفه وقد دفعها داخل الحجرة.
صرخت بعصبية:
_أنت اتجننت عشان تيجي في الوقت ده وتدخل اوضتي بالعافية.
أمسك فكها بقسوة قائلا من بين أسنانه:
_كفاية بقى تعيدي وتزيدي في الأسطوانة المشروخة بتاعتك دي الشرف ويصح ومايصحش..دي حاجات قدمت قوووي, خفف نبرته وجعلها هامسة تخرج بصدى الرغبة:
_ تعالى بقى نعيش أنا وأنتي اللحظة ونقضي ليلة مش أوعدك حتنسيها طول عمرك.
كانت تلهث رعبا بين يديه، خاصة عندما بدأ بيده الأخرى يتحسس رقبتها ، ماذا تفعل مع ذلك الحيوان؟ لو قاومته قطعا هي الخاسرة فكيف تقاوم وحش كهذا.. لذا فكرت أن تعامله بالحيلة لعلها تنجح في الفككاك من بين براثنه، أومئت بالموافقة على ما يطلبه فابتسم بظفر فهتف وهو يبتسم:
_اهو كده.
_ممكن بس تسبني شوية لحد أهدى .
همس وهو يقترب منها كاد أن يقبلها:
_أنا أهديكي.
صرخت وهي تبتعد عنه بحركة حادة عنيفة:
_من فضلك أرجوك..أديني فرصة اتلم على أعصابي..وبعدين حلقة تحت أمرك.
خشى إن ضغط عليها أكثر تغير رأيها.. وهو ما صدق أن ترضى فتهف بعد أن أبتعد عنها:
_ خلاص..خلاص أنا آسف خليكي على راحتك .
كانت حقا تشعر أنها مبعثرة، مشتتة لأول مرة في حياتها تشعر بالعجز، هاهي على وشك الضياع أن تنتهي ولكن هل سيضيعني الله..تمتمت في سرها: يااااارب.
حاولت أن تتماسك حتى لا يشك في أمرها، فاغتصبت إبتسامة وزينت بها شفتيها ثم قالت له بصوت جاهدت أن تكسوه الدلال:
_أنت عندك حق الإنسان لازم يعيش حياته، بس ممكن تسبني شوية اظبط نفسي البس ..احط ميكب كده يعني.
داعب ذقنه وهو يحدق فيها بشك جعل قلبها يسقط في قدميها..حاولت أن تحتفظ بابتسامتها حتى تقضي على أي شك.
وكأنه قال لنفسه يعني حتروح مني فين أخيراً قال على مضض:
_حاضر حسيبك سوية..بس مش كتير.
ظلت تحتفظ بابتسامتها وما إن خرج واغلق الباب خلفه، حتى سقطت تلك الابتسامة القميئة وزفرت براحة، أحكمت غلق الباب بترابيسه، وفتحت الخزانة والتقطت سروالا وقميصا ارتدتهم على عجل، ثم توجهت نحو شرفتها ..فتعلقت بفرع الشجرة التي تظلل بعض من شرفتها تلك الشرفة التي كانت تستخدمها كسلم كلما أرادت أن تهرب من غرفتها وتخرج من وراء ابيها..سمعته يقول من خلف الباب:
_ايه يانار متخلصي انتي عجباني كده انا عايزك زي ما انت.
ضربت بكلامه عرض الحائط، واستمرت في تسلق الشجرة حتى أصبحت على الأرض من حسن حظها أن شرفتها قريبة جداً من الطابق الأول.
ما إن لامست قدميها الأرض حتى أطلقت العنان لساقيها وظلت ترقد وترقد وكانت بين الحين والحين تلتفت خلفها لتراه هل يلاحقها أما لا.. وأثناء التفاتها إذ بها تصتطدم بشخص ما ..وما إن رأته حتى صرخت بفزع.
******************************
الفصل الثالث والعشرين
كاره النساء
شارع طويل ويصل إلى بيته، ولكن تلك الآلام التي يئن منها جسده بفضل الضرب الذي تلاقاه على أيدي وحوش بشرية، وكأن عبيدا غلاظ القلوب مازالوا يجلدونه بلا رحمة، شعر أن هذا الشارع كأنه بلد سوف يسيرها على قدميه، تحامل على نفسه وتحمل تلك الأوجاع التي تنهش في عظامه، وواصل خطواته الواهنة، وإذ به قد لمح فتاة تركض وهي تنظر خلفها كأن أحد يلاحقها، توقف ولم يتوقف لاهاثه، وإذ بالفتاة تصتطدم به ثم صرخت فزعا، لم يتوقع أن تلك الفتاة هي ناريمان ، هي أيضا نظرت له في رعب ظنته في بادئ الأمر نائل قد لحق بها، وما إن تحققت من وجهه ووجدته مالك حتى تبدلت ملامح الخوف والفزع إلى ابتسامة سعادة مفعمة بالأمان بعودته وما إن سألها مالك بقلق مطعم بالدهشة:
_نريمان! مالك عتركضي إكده ليه؟!
نظرت في عيناه لحظات تستمد منه الأمان وماكان منها إلا أنها ارتمت في حضنه تبكي وتشهق ومشاعر شتى تفجرت بداخلها من خوف،و اشتياق،واحتياجها للأمان وأشياء أخرى لم تستطيع تفسيرها. جعلت مالك يزداد حيرة وقلقا أيضا فرفع رأسها بيديه يسألها:
_ في إيه جلجتيني جوي وأنا مش ناجص؟!
قالت وهي تشهق :
_أصل..أصل.....
_أصل ايه متتحددي؟
ولكنها لم تستطيع التحدث فظلت تبكي وجسدها يرتعش
ولم لم تتكلم زفر في حيرة واستطرد:
_ طيب تعالي نعاود على البيت يمكن لما تهدي تتحددي.
فوجئ بصراخها ونظرات الرعب التي احتلت عيناها من جديد ووجها وهي تهتف :
_ لأ..لأ بلاش نروح البيت عشان خاطري وديني أي حتى تانية.
هذه المرة صرخ و هو يهزها من ذراعيها:
_ أنتي حتجنيني في إيه جوليلي منروحش ليه البيت، في إيه هناك مخوفك جوي إكده.
_عشان خاطري يامالك وديني أي حتى تانية وأنا ححكيلك كل حاجة..بس بلاش نروح البيت دلوقت عشان خاطر ربنا.
توسلها ورجائها وخوفها الشديد البادي على وجهها وفوق كل ذلك آلامه التي يشعر بها جعلته يزفر باستسلام فالتقط يدها وقال لها وهو ينظر للطريق:
_ طب تعالي نركب عربية ونروح نبيت في لوكاندا وبعدين يحلها ربنا.
توقف قليلا عند ركوبه السيارة وقد وضع يده على جميع فقد شعر بألم وهو يستقلها، مما جعلها تنتبه وكأنه خوفها اعماها عن تلك الكدمات التي في وجهه، ووجهه الشاحب البادي عليه التعب والأرهاق فسألته بانزعاج:
_ايه ال في وشك ده.. انت اتخانقت مع حد ولا ايه؟؛
زفر بتعب ثم همس كأن الحروف تأبى أن تخرج:
_مش وجته.
**********************************
في بيت المربية....
صرخت جمانة وهي تنهض بحركة منزعجة تلقي عنها الغطاء وهي تتأمل المكان حولها، كأنها لم تعي ما حدث لها ولا منها، حتى تذكرت أمر قتلها لمروان ولجؤها إلى مربيتها التي أخذتها على الفور إلى بيتها، صرخت مرة أخرى وهي تخفي وجهها بين يديها تبكي غير مستوعبه ما حدث، لقد جاءت مربيتها تركض عندما سمعت صراخها، رأتها تسكب دموعها بين كفيها وقد أخفت وجهها فسألتها بانزعاج وقلق وهي تضمها لصدرها:
_مالك ياست جمانة انتي شفتي كابوس ولا ايه.. إسم الله عليكي ياضنايا..انا رحت اجبلك العصير لقيتك غفيتي مرتضتش اصحيكي، هو ايه ال حصل؟!
رفعت جمانة رأسها من على صدر مربيتها وتحدثت بصوت متقطع مرتبك يحشوه التوتر والقلق:
_أنا..انا قتلت مروان يا دادة..انا مش مصدقة نفسي ازاي عملت كده، بس انا مكنتش اقصد والله، انا..انا كنت عايز أبعده عني وخلاص لما هجم عليا والله يادادة مكنت اقصد والله مكنت اقصد، أنا حروح السجن يادادة؟ ..ح حيعدمووني؟
وعادت إلى صدرها تبكي وتنتحب وتشهق كأنها ستموت.. ومربيتها تشدد على حضنها وحال الفتاة مزق قلبها اربا فهمست علها تواسيها:
_ لا يابنتي بعد الشر عليكي إعدام ايه إن شاء الله خير..ربنا يجيب العواقب سليمة.
قالت ذلك لتهدئها..بينما القلق ينهش صدرها، فقالت جمانة وهي تترك حضنها وتنظر في عيناها كأنها تتأكد من صدق حديثها:
_ امال حيعملوا معايا ايه قوليلي عشان خاطري حيحملوا ايه؟ أنا خايفة قوي.
_ اقولك أنا حاروح الفيلا وأطقس اشوف الاخبار إيه.
_لأ..لأ يادادة متسبنيش لوحدي أنا خايفة ومرعوبة.
صرخت بها جمانة كالطفلة التي تخشى أن تتركها والدتها.
بعجز وحيرة اردفت مربيتها:
_ ماانا لازم اروح عشان كمان محدش يحس بيغابي..نعرف ايه الحصل هناك، وبعدين انتي مش لوحدك عيالي معاكي..متخفيش أنا حروح ساعة زمن اطقس اشوف الدنيا هناك عاملة ازاي واجاي عالطول اطمنك..ها ماشي؟؛
اومئت جمانة على مضض ثم همست بترجي:
_ طب متتأخريش عليا.
_ من عيني حاضر حاجي عالطول.
بعد انصراف المربية ضمت جمانة ركبتيها إلى صدرها وراحت تحتضنهما تسكب دموع الخوف بينهما.
*********************************
ذهبت المربية إلى الفيلا وقلبها يدق خوفاً،ما إن وصلت حتى ظلت تنظر حولها في تفقد ترى أي صوت يدل على شئ حدث، ولكنها لم تجد إلا الصمت، فزاد القلق بداخلها، وسألت ماسر هذا الصمت، أتراه الهدوء الذي يسبق العاصفة، ذهبت إلى المطبخ لم يكن هناك أحد، فزادت حيرتها، ماذا تفعل الآن؟ ساعة منذ أن تركت البيت هي وجمانة، ترى ماذا حدث في تلك الساعة، بعد لحظات وجدت احد الحراس يأتيها في المطبخ ويقول لها:
_بقولك ايه بسرعة اعملي للبيه فرخة وخضار مسلوق.
_ح حاضر
حاولت أن تخفي ارتباكها أرادت أن تسأله عن حال مروان ولكنها صمتت
وجدته ينصرف على عجل.. تنفست الصعداء ثم حدثت نفسها قائلة:
_ طالما سيدها طلب طعاما إذا فهو بخير.
اخرجت نفسها من شرودها وراحت تعد له ما طلبه، وقد تبدو هذه فرصة عندما تذهب له بالطعام تعرف ماحدث له.
******************************
نعود بالأحداث حيث ركضت جمانة تاركة مروان مخضب في دمائه، كان متكوما على الأرض يتلوى من الألم واضعا يده على أثر الطعنة التي طعنتها له جمانة، ظل يزحف حتى وصل إلى هاتفه الذي كان على الطاولة، تناوله بعد مجهود مضني، اتصل بأحد حراسه وبصوت واهن ضعيف خرج منه بصعوبة:
_تعالى في اوضتي بسرعة..بسرعة أنا بموت.
وفي التو واللحظة نحى الحارس دهشته وتساؤلاته جانبا وركض حيث حجرة سيده، وما إن وصل وجد الباب مفتوح ومروان متكوما على الأرض يتأوه فصرخ بانزعاج وهو ينحني عليه حاملا إياه:
_ مروان بيه مالك من عمل فيك كده.
_ بسرعة هاتلي دكتور.
قال ذلك بصوت ضعيف..فأجابه حارس:
_ حاضر يا مروان بيه.
وبعد أن حمله ووضعه على الفراش اتصل بطبيبه الخاص الذي أتى له بعد ثلث ساعة عمل له الاسعافات اللازمة وطمئنه أن إصابته ليست خطيرة وعليه أن يستريح في فراشه أسبوعا كاملا، وقد حاول الطبيب أن يعرف من الذي شرع في قتله حتى يبلغ الشرطة ولكن مروان لم يفصح عن شئ..ولأنه طبيبه الخاص احترم رغبته وصمت ، وطلب من حارسه تكتم الأمر وأن لن يبيح به لأي مخلوق.
أعدت المربية الطعام ورصته على صنية وصعدت به وهي متلهفة أن تراه، طرقت الباب بيد وبعد أن أذن لها دلفت وهي تتفحصه، كان راقدا على فراشه ووجهه أصفر شاحب، يبدو عليه الإجهاد والتعب، واقف بجواره حارسه فسألته بعد أن وضعت الصينية بجواره على (الكومود)
كان الحارس يساعده في الجلوس الصحيح حتى يستطيع تناول طعامه، لقد لمحت المربية الشاش المربوط به جمبه، فسألته كأمر طبيعي :
_مالك يابيه سلامتك الف سلامة؟
_اجابها بصوت ضعيف :
_ مفيش حاجة روحي انتي شوفي شغلك.
_ حاضر يابيه.
قالتها وانصرفت سريعا وبعد أغلقت الباب وضعت يدها على صدرها تتنفس الصعداء لقد فطنت أن اصابته خفيفة، فحمدت الله أن جمانة لن ينالها مكروه.
*******************************
في الاوتيل
جلس مالك على الفراش كوعيه مستقرين على ركبتيه، يستمع لنريمان التي كانت تحكي له كل ما حدث من نائل منذ أتى وحتى تصرفه الحقير معها فجعلها تهرب وتفر منه، كان يستمع لها وكلماتها أشد إيلاما من وجع ضرباته التي تلاقها، بعد أن انتهت من سردها ظلا صامتا ينظر موضع قدميه، صمته هذا أقلقها ركعت بين يديه وهمست له:
_ مالك اديله الهو عايزه خليه يمشي ونستريح منه..أنا مش عايزاك تحتك بيه أنا خايفة عليك.
رفع رأسه وتعمق في عيناها البريئة للحظات شعرت وهي تبادله تلك النظرات أنه احتواها وضمها تحت جناحه، وجدته يحيط وجهها بكفيه جعلها تلقائيا تغمض عيناها فقد خفق قلبها للمسته، وعندما همس بصوته الرخيم:
_ متخافيش، حيغور بعيد عنينا، حخليها يعاود على البلد ال جه منها وهو بيجول أنا مرة، بس افوجله وأنا حوريه مجامه واكل ناسه ديه.
_ايوة بس أنا خايفة عليك منه.. ده انسان وقح ومعندوش ضمير.
قال وهو يشدد قبضته على وجهها:
_ جولتلك متخافيش.
كلماته بعثت الطمأنينة داخلها وعاد الأمان يسكن قلبها فهمست له بنظرات مشبعة بالحب والاشتياق والأمان:
_ربنا يخليك ليا .. ياااااه أنا كنت مفتقداك قوووي يامالك لما رجعتلي حسيت أن روحي رجعتلي ربنا مايحرمنيش منك ياحبيبي.
كل هذا الحب والأشتياق الباديين في صوتها وكلماتها جعلت قلبه ينبض رغم عنه ، ولكنه تحمحم وترك وجهه، ثم نهض ذاهبا إلى المرحاض وهو يهمس :
_ أنا حجوم أغسل وشي عشان أنعس لحسن بجالي ليلتين منعستش.. ثم اسرع خطاه نحو المرحاض.
فزفرت بضيق وهي تهمس لنفسها:
_ لحد أمتى حتفضل تهرب مني.
الفصل الرابع والعشرون
كاره النساء
كل هذا الحب والأشتياق الباديين في صوتها وكلماتها التي جعلت قلبه ينبض رغم عنه ، مع ذلك تحمحم وترك وجهها، ثم نهض ذاهبا إلى المرحاض هامسا :
_ أنا حجوم أغسل وشي عشان أنعس لحسن بجالي ليلتين منعستش.. ثم اسرع خطاه نحو المرحاض.
فزفرت بضيق وهي تهمس لنفسها:
_ لحد أمتى حتفضل تهرب مني.
بعد برهة من الوقت وجدته قد خرج من المرحاض كانت هي جالسة على الفراش يدها أسفل وجنتها، ما إن نظر لها حتى رفعت رأسها وظلت تحدق به بنظرات نارية تملؤها العتاب، كأنها تسأله ألف سؤال، ألست بزوجتك؟ لماذا تبتعد عني؟ لماذا ينفر قلبك مني أذا؟ ألم يحمل قلبك لي ولو ذرة من الحب؟ الن يرق لي؟ ترى ما مصير قلبي معك يا كاره النساء؟
ابتلع نظراتها وكأنه لم يلاحظ شئ، ثم توجه صوب السرير الآخر رفع الغطاء واندس تحته وهو يقول بصوت يشوبه الإرهاق:
_ تصبحي على خير .
اتسعت عيناها دهشة لبروده، وما إن نام وغطى رأسه حتى ضغطت على أسنانها بقوة ضاربة فراشها بغيظ وقد هتفت في نفسها:
_اه يبااارد..وكمان حتنام ولا كأنك لاحظت اني حولع من الغيظ ..ماشي يامالك والله محهنيك على نومة وحقرفك الليلة دي اصبر عليا.
ثم أنهت حديثها الصامت وهي تداعب ذقنها بحركة توعد.
زفرت استعدادا له نهضت من على فراشها وتوجهت صوبه ثم جلست بجواره وظلت تلكزه في جمبه وهي تهتف بطفولية:
_مالك لا متنمش وتسبني اقعد لوحدي أنا خايفة.
لمساتها تذيبه زفر تحت الغطاء يريدها أن تنهض من جانبه قال بنبرة خشنة:
_ وأنا حعملك ايه عاد.
_قوم اقعد معايا لحد ماانام .
_جلتلك أنا عايز أنعس وتعبان همليني دلوك.
صوته المتزمر جعلها سعيدة إنها استطاعت استفزازه فلن تترك هذه الفرصة فتابعت إصرارها والحاحها وظلت تلكذه وهي تهتف بسرعة:
_لأ مش حتنام قوم بقى..قوم يامالك ..مالك ..يامالك يامالك قووم.
_مالك..مالك..مابس بجى.
صرخ بها مالك وهو يصفعها صفعة قوية جعلها تحدق به بصدمة فلم تكن متوقعة أن يكون رد فعله عنيفا هكذا، ظلت تنظر له بأسف مطعم بالدهشة ثم قامت من جانبه بحركة غاضبة، ارتمت على فراشها تبكي.
قوس مالك فمه ندما على ما فعله، ولكن ماذا كان يفعل غير ذلك وهي تضغط على آثار الضرب الذي تلقاه بكل جهل، فلم يشعر بنفسه إلا وهو يصفعها، زفر ثم مسح على شعره، وقام ثم جلس بجوارها هامسا بأسف:
_حجك عليا!.. انتي اصلك مفهماش حاجة.
لم تجبه وذادت من نحيبها، فاجبرها هو على أن ترفع راسها بأن أمسك كتفيها وجعلها تقوم وتنظر له هامسا بحنان:
_ جلتلك حجك عليا عاد، وبلاش تبكي الله يرضى عليكي، أنا عملت إكده غصب عني صدجيني.
_يسلام تضربني بالقلم عشان بقولك قوم اقعد معايا.
قالتها بعتاب رقيق لامس شغاف قلبه.
_معلهش وأدي راسك اها.
نطق بها وهو يقبل رأسها.
قبلته أسرت قشعريرة في جسدها كله جاهدت أن تخفيها، نظر لها لكي يعرف هل سامحته أما لا، وجدها تتعمق في عينيه بابتسامة سماح، وجد نفسه هو الآخر يتعمق في عينيها، بل سافر فيهما وأبحر في نظرات الهيام التي ترسلها له، وذلك الحديث الشيق الذي ينبعث منهما، لقد ترجم ذلك الحديث، حديث طويل يملأ كتبا، حديث رومانسي مزخرف بالتوسل واستجداءه بأن يرق، ليته يستطيع أن يستجيب لذلك التوسل والأستجداء، إن عيناها تتآمر مع قلبه الذي ينبض بقوة كاد أن ينفجر، يحرضانه على الخضوع لتلك اللؤلؤتين، ويستجيب لسحرهما، ويبدو أن سحر عيناها بدأ عمله فقد ظل يجذبه لها ببطء يقرب رأسه وعيناه قد اتجهت دفتها صوب شفتيها، بالتأكيد الأبحار فيهما له مذاق آخر، يقترب، ويقترب، وهي تغمض عينيها في انتظاره، ولكنه استفاق في اللحظة الأخيرة أغمض عيناه وفر من سحر عينيها وهرب كأنه مقدم على عمل مشين.. ثم نهض بجوارها سريعا كأن شئ لسعه مردفا بصوت شبه مبحوح:
_ بجول إيه أنا حطلب عشا تلاجيكي جعانة.
قوله هذا جعلها تفتح عين وتنظر له بعين أخرى ولما وجدته قد أبتعد، فتحت العين الأخرى، شعرت في تلك اللحظة بحاجتها للبكاء، ماذا تفعل مع هذا البارد القاسي؟
ثم قالت وهي تجذب الغطاء عليها ونبرتها متزمرة:
_ لأ مش عايزة أكل..انا حنام أحسن، لحسن أطق.
**************************★*****
_بجد يادادة مروان عايش..طب احلفي طيب.. ولا أنتي عايزة تطمنيني وخلاص.
تفوهت بها جمانة بلهفة وكل حرف غير مصدق لما حكته لها مربيتهتا والتي أشفقت من تلك الدمعات التي تلمع في عينيها لتؤكد لها قائلة:
_والله يابنتي بخير زي محاكيت لك كده بالظبط على كل ال حصل.
أشارت جمانة بيدها على ذاتها وصوتها مبحوح من الفرحة:
_ يعني انا مش حروح السجن ويعدموني، انا كده بريئة.
بشفقة اردفت مربيتها وقد جذبتها إلى حضنها:
_ بعد الشر عليكي ياحبيبتي، ربنا يحفظك ياضنايا.
وراحت جمانة تفرغ شحنة فرحتها وخوفها في حضن مربيتها على هيئةدموع غزيرة كأنها لم تبكي من قبل.
_حتعملي إيه دلوقت حترجعيله؟
وكأن تلك الجملة التي تفوهت بها صعقتها وجعلتها تفيق لتدرك أنها قد تكون نجت من حكم بالأعدام ولكنها لم تنجو من سجنها الأبدي بعد .
فصرخت خوفاً:
_ لأااااا..لا لا مش عايزة ارجعله الله يخليكي خليني معاكي هنا، عشان خاطر ربنا اوعي تقوليله اني هنا.
ثم ارتمت في حضنها تسكب دموع الخوف وقلة الحيلة ومربيتها تتنهد بعجز ولا تعلم ماذا تفعل؟
*****************************
بعد مرور يومان على مكوثهما في الفندق أخذا مالك ناريمان، وعاد بها إلى البيت كانت ناريمان خائفة من مواجهة مالك لذلك النائل، وكانت بين الحين والحين تمسك في ذراعه، فيربت على يدها بمعنى لا تخافي، وصل إلى البيت كان نائل جالسا في الصالة يشاهد التلفاز، ما إن رأى ناريمان حتى نهض متلهفا قائلا لها:
_ ناريمان كنتي فين بقالي يومين بدور عليكي.
تصدر له مالك فاردا صدره وقد دسا يديه في جيوب سرواله، وناريمان تختبئ خلف ظهره لتحتمي به، وكأن نائل للتو لاحظ وجود مالك فنظر له لناريمان ليسألها:
_ مين ده ياناريمان؟
ليجيب مالك وهو يضربه بخفة بظهر أصابعه بالقرب من كتفه:
_ حددتني أني ولا انت مابتحددتش غير الحريم.
نظر نائل لمالك نظرات نارية قبل أن يردف:
_ أنت مالك اكلم مين دي بنت عمي، وبعدين انت مين اصلا.
_أنا أبجى جوزها وصاحب البيت ديه كله.
حدق فيه نائل بصدمة ثم صرخ فيه قائلا:
_ جوزها ده إيه انت لازم ضحكت عليها عشان تاخد فلوسها آه ياحرامي يا..........
قطع مالك كلامه بأن أمسكه من تلابيبه قاىلا من بين أسنانه:
_ بجولك ايه اجفل خاشمك احسنلك ومن قصيرها إكده تاخد بعضك وتروح لحالك.
حاول نائل أن ينزع نفسه من بين قبضتي مالك، ولكنه أخفق فقبضته حديدية، فصرخ فيه:
_امش ده إيه وحقي انا ليا حق في ورث عمي ولازم اخده.
_ عمك الله يرحمه جبل مايموت كتبلي كل حاجة بيع وشراء..يعني انت ملكش أي حاجة، يعني من الاخر إكده ترجع بلدك ال انت جيت منيها بكرامتك احسنلك احسن مترجعلها مهزج.
_اه ينصاب يا حرامي ضحكت على عمي وبنته وخدت فلوسهم ..أنا مش حسكت أنا حوديك في داهية..أنا........
وظل يتوعد ويسب ويثور فما كان من نائل إلا أن امسكه من ياقته وظل يدفعه امامه كلص ثم ألقى بها خارج المنزل وهو يقول له:
' يلا اطلع بره ومش عايز أشوف سحنتك دي تاني فاهم.
ثم نفض يديه كأنه تخلص من كيس قمامة، فتنفست ناريمان الصعداء وهتفت وهي تبتسم براحة:
_ ياااااااه كابوس وانزاح..يخرب بيته ده فظييع.
ثم اقتربت من مالك تحدق فيه بامتنان واعجاب هامسة:
_ ربنا ما يحرمني منك يامالك..بس تفتكر هو حيسكت انا خايفة يرجع تاني.
_متخافيش ويبجى يفكر بس يهوب من إهنيه يبجى حفر جبره بايده.
ظلت تنظر له بابتسامة امتنان وحب هذا الحب الذي يرفضه بكل إصرار، قطعت تلك النظرات عندما هتفت باسمه قائلة:
_ مالك
_ايه
_أنا قلقانة على جمانة قوي نفسي اطمن عليها مش عارفة جت على بالي فجأة.
_حاضر حطمنك عليها.
_أنا مش عارفة اقولك ايه بجد مفيش كلام يوصف ال انا حاسة بيه.
_متجوليش حاجة، دي مهمتي وأنا أديتها .. فاضل الجزء الأخير.
ثم تركها وصعد على غرفته..وهي تردد مندهشا:
_مهمة؟! وجزء أخير يقصد إيه بكلامه ده.
الفصل الخامس والعشرون
كاره النساء
ظلت تفكر كثيرا والحيرة تضرب عقلها وتتساءل.. ترى ما تلك المهمة التي يتحدث عنها؟ ماذا كان يقصد ب جملته الأخيرة( فاضل الجزء الأخير) وخزات تعج بالخوف نغزت قلبها جعلتها تضع يدها على قلبها هامسة بقلق:
_أنا مش مطمنة..ياترى ناوي على ايه يامالك؟!
صعدت خلفه والإصرار يقودها..لتسأله ماذا يكمن خلف كلامه، وقبل أن تطرق باب حجرته سمعته يتحدث في هاتفه ويقول:
_لاه منسيتش وحعملك ال انتي عايزاه.
صمت للحظة فهمت أنه يستمع لطرف الآخر ثم تابع:
_ ماشي في نفس المكان مسافة الطريج وجاي.
شعرت ناريمان بريبة من محادثته تلك.. تذكرت اثناء تواجدهما في الفندق أتى له إتصال تحدث فيه بهمس كأنه خائف أن يسمعه أحد، وبعد أن أنهى اتصاله مباشرة ارتدى ثيابه وخرج ولما سألته:
_ مالك انت رايح فين كده؟!
أجابها ساعتها باقتضاب:
_ مشوار إكده وراجع.
ثم خرج سريعا ولم يعطها فرصة لكي تسأله العديد من الأسئلة.
هزت رأسها لتخرج نفسها من الشرود، دلفت عليه هاتفة:
_ مالك انت كنت بتكلم مين في التليفون، ومشوار ايه ده ال رايحه؟
تفاجأ بها وتزمر من عادتها السيئة صارخا بلوم:
_مش حتبطلي عادتك دي بجى تدخلي إكده زي البجرة من غير استئذان.
_بقولك ايه متخدنيش في سكة تانية كنت بتكلم مين في التليفون؟
فر بعينيه منها ثم قال وهو يتناول مفاتيحه :
_ده زبون رايدني في شغل.
وبعد أن خطى عدة خطوات استوقفته وهي تجذبه من ذراعه صارخة فيه بعدم تصديق:
_نعم ..زبون ايه بقى إن شاء الله..قولي مين دي ال رايح تقابلها .
حدق فيها وقد خشى أن تكون قد فطنت إلى شئ ولكنه فر من نظراتها المليئة بالشك قائلاً وهو يحاول أن يخرج:
_ ملكيش دعوة بالشغل وشيلي يدك عايز الحج مشواري.
وقفت أمامه وهي تصرخ فيه واضعة يديها في خصرها:
_ أيوة طبعا مستعجل قوي على مقابلة الموزة بتاعتك، مانا مش عجباك خلاص.
اتسعت عيناه في صدمة حقيقة لم يتوقع ظنها هذا، لم يجد ما يقوله لها، فوجد نفسه رغما عنه يضحك على تفكيرها الصبياني، فأزاحها عن طريقه بذراعه قائلا ومازال الضحك يعبئ فمه:
_ أوعى طيب من جدامي إكده عشان أنا مش فاضيلك دلوك.
ثم تركها ولما يبالي بمنادتها له بعصبية:
_ماااالك ..استنى متهربش وجاوبني..ياااااااامالك..ياااااامالك
****************************★**
رآها تبتسم وعيناها على الحقيبة التي في يده، تنظر لعشيقها بسعادة.
ما إن اقترب مالك ووقف أمامهما لا يفصلهما إلا بضع خطوات حتى قالت خالته:
_زين طلعت كد كلمتك ياولدي.
_متجوليش ولدك.
هتف بها بكل الحقد والكره الذي يكنه لها.
قالت له بعد أن ابتسمت غير مبالية لكلماته ولا نظراته البغيضة:
_ ما علينا.. جبت الفلوس كلتها؟
بنظرات مشبعة بالاحتقار همس مالك:
_ لاه مجدرتش اجمع غير نصه بس.
تمتم عشيقها وهو يشيح وجهه إلى الجهة الأخرى غير راضي :
_مش حنخلصوا عاد.
بينما هي سألته غاضبة:
_ ليه عاد..احنا مش اتفجنا انك تجيب الفلوس كلتها على بعض عشان نفضوها سيرة..وبعدين إحنا مسافرين ومعندناش وجت واصل.
ببرود همس مالك:
_مجدرتش اجمع غير دول..وبعدين انا بجول كفاية عليكم إكده دي فلوس ناس مش فلوسي.
صرخت وهي ترفع سبابتها محذرة:
_بجولك ايه فلوسك مش فلوسك مليش صالح..انا عايزة المبلغ ال اتفجنا عليه كله. فاهم ولا لاه والا حتاخد علقة زينة زي ال خدتها جبل سابق وتلاجيها لسة معلمة في جتتك لغاية دلوك..بس المرة دي حتكون علجة موت ياولد أختي.
تعجبت عندما وجدته يبتسم بسخرية ولم يبدو عليه أي رد فعل لتهديداتها..فسألت وهي مرتابة:
_ معناتها ايه ضحكتك دي.
_معناها انك وقعتي يامدام واعترافك بخطفك وتعذيبك له وابتزازك اتسجلوا.
صدح بها رجل الشرطة وهويشهر سلاحه أمامها هي وعشيقها وقد التفت حولهما بعض العساكر يصوبون نحوهما بنادقهم، اتسعت عيونهم عند رؤية رجال الشرطة وقد حاوطتهم شاهرين الأسلحة أمام وجوهم مندهشين كيف في لحظة انشقت الأرض واصبحوا فوق رؤوسهم..رفعا أيديهما مستسلمين والصدمة قد اخرستهم ، كانت خالته تنظر له بحقد حتى أنها بثقت عليه وهي مسافة نحو مصيرها الأسود..في لحظة هدم أحلامها، واطماعها في أن تحيى مع عشيقها بأموال غيره عيشة هنية..ولكن هيهات لقد نسف أحلامها نسفا.
شكرا الضابط مالك قائلا له وهو يصافحه:
_ شكرا يااستاذ مالك على تعاونك معانا.
همس مالك وهو ممتنا له:
_انا ال بشكرك يا افندم عشان ساعدتني.
_لا شكرا على واجب ..ده واجبي وكويس انك جيت وبلغتني والحمد لله انك قدرت تخليها تعترف والاعتراف اتسجل وحتاخد جزاءها هي وشريكها..وبالنسبة للموضوع التاني متخفش أنا بعمل تحرياتي كويس وإن شاء الله نلاقي دليل إدانة ضد مروان قبل مانقبض عليه.
_الف شكر ليك مرة تانية.
_بكرة الصبح حستناك نكمل الاجراءت ونقفل المحضر.
_ إن شاء الله.
_السلام عليكم
_ وعليكم السلام ورحمه الله.
وما إن اختفى الضابط حتى تنفس مالك وهو يغمض عيناه بعمق كأنه يسدل الستار على مرحلة طفولته البائسة مرحلة من أصعب مراحل حياته زفر ذلك الماضي البئيس.. حامد الله إنه تخلص من ذلك الكابوس للأبد.
********************************
_مالك أنت كنت فين كله ده ؟
نطقت بها ناريمان عندما رأته هلا عليها.
_ كنت في مشوار إكده.
_مشوار ايه ده إن شاء الله.
قالتها وهي تضع يديها في خصرها واستطردت وجسدها كله يهتز :
_ اسمها ايه بقى السنيورة ال كنت عندها.
على الرغم من الإرهاق النفسي والجسدي اللذان يعاني منهما نتيجة ما حدث.. إلا أنه ضحك من ظنها الطفولي..ضحكاته استفزتها أكثر مما جعلها تصرخ فيه وقد اختفت وجهها:
_انت بتضحك.
قال وهو يتجه لاقرب مقعد ويرتمي عليه:
_امال عايزاني اسوي كيف.
ضحكته كانت البلسم الذي شفى قلبها وجعله يهدأ، ومحى الشك الذي كان يؤرقه منذ قليل، اقتربت منه وجثت على ركبتيها أمامه وضعت يديها على ركبتيه وهمست وهي تتعشق في عينيه:
_ امال كنت فين؟
ما إن وضعت يديها على ركبتيه حتى شعر بصاعقة سرت في جسده بأكمله كادت أن تطيح به، فالتقط كفيها و أجبرها على النهوض فهمس وهو ينهض معها يبلع ذلك الارتباك الذي تسببت فيه لمساتها:
_ أنا حجولك كل حاجة.
دار بجسده فأعطاها ظهره ليتنفس بعمق ويتخلص من ذلك الشعور الذي تملكه، كان في حاجة ماسة لأن يضمها إليه ..بصعوبة تملك نفسه نوعا ما..وراح يحكي لها كل الأحداث التي تعرض لها بفضل خالته أو ماظن يوما انها أمه.
كانت تستمع له غير مصدقة لما يقوله وكأنها تستمع لحلقة بوليسية اتسعت عينيها دهشة واضعة يدها على فمها بعدها أردفت:
_معقول كل ده حصل..عشان كده سبتني واحنا في الفندق عشان تبلغ البوليس.
فاومأ برأسه مصدقا على كلامها..فاردفت بنبرة متزمرة تحمل بين طياتها العتاب:
_طب ليه مقلتليش.
_محبيتش تنشغلي.
دارات حتى أصبحت أمامه فلفت ذراعيها حول رقبته وهي تهمس بكل حب:
_متشغلنيش ليه؟ مش أنا مراتك وحقي انك تشاركني في كل حاجة.
نزع يديها من حول رقبته ثم قال:
_أنتي مش مرتي .
اقتراب حاجبيها وهي تهتف بصدمة:
_ ممش مراتك ازاي والفرح ال تعمل ده كان ايه؟!
يلهوي مش مراته؟
إلى اللقاء في الفصل القادم
اما نشوف حكايتك ايه يامالك
الفصل السادس و العشرون- قبل الاخيرة
.
.
.
كاره النساء
اقتراب حاجبيها وهي تهتف بصدمة:
_ ممش مراتك ازاي والفرح ال تعمل ده كان ايه؟!
أمسك كتفيها وأجلسها على المقعد ثم جلس على المقعد المجاور لها مردفا:
_أسمعيني زين وحاولي تفهميني، جوازنا كان عرفي وأنا مبعترفش بالجواز ديه، أنا لما اتجوز يبجى زواج رسمي ومرتي تكون بالغة السن الجانوني تبجى عاجلة وجرارها من نفسها، وأنتي لساتك صغيرة، يمكن لما تكبري شوية قلبك يتغير معاكي, وتكتشفي إن حبك ليا مجرد وهم و أنه حاجة تانية غير الحب ال انتي حاساه دلوك..دي حاجة_ الحاجة التانية ويمكن لما تعرفيها تضايجك حبتين، بس لازمن تعرفيها، أبوكي الله يرحمه طلبني ليكي وأنا رادل( راجل) صعيدي مجبلش إكده، أنا رايد ال اتجوزها احط عيني عليها، تدخل عجلي وجلبي، وأنا ال اطلب يدها، واك......
قاطعته وكانت دموعها تنساب بصمت على وجنتيها قائلة:
_خلاص متكملش أنا فهمت أنت محبتنيش عشان كده عايز تنهي جوازناوو....
قاطعها هو الآخر قائلا:
_ أنا مكملتش حديتي.. جولتلك اسمعيني للأخر.
بحروف تقطر حسرة وأسف على قلبها الذي ثقل همست:
_حتقول ايه تاني بعد ال قلته.
_حجول كل حاجة لازمن تعرفيها عشان ضميري يبجى مستريح.
ابتلعت صدمتها وانكسار ها هامسة:
_اتفضل كمل.
زفر بأسف شاعرا بتمزقها, دموعها التي تنحدر على وجنتيها بغزارة تلهب قلبه.. أبعد عيناه عن النظر لوجهها حتى يستطيع أن يكمل حديثه ثم تابع:
_ أنا مكنتش أجدر أجول لاه لأبوكي عشان وجف جمبي، وكان ليا أكتر من أب، عشان إكده، جبلت المهمة الواعرة دي، كان مطلوب مني إني .. إني أحط حد لدلعك ديه حدود ، أبوكي دلعك جوي وسابلك الحبل على الغارب، وانتي سوجتي فيها ومابجيش حد عارف يتحدد معاكي ..كان عايز كمان تكبري وتشيلي المسئولية، تعرفي كيف تواجهي الحياة بكل مافيها، كيف تاخدي حجك من بج السبع، وديه ال جدرت اعمله.. إكده انا مهمتي انتهت انتي دلوك فهمتي الحياة زين وتجدري تواجهيها لحالك.
عاد ينظر لها ومازال شلال الدموع يتدفق بغزارة على وجنتيها ، تابع بصعوبة وقد تمنى أن يفر من أمامها سريعا .. مد لها يده بملف به بعض الأوراق:
_ الملف ديه في كل حاجة تملكيها أبوكي كان عاملي توكيل رسمي وباع ليكي كل حاجة عشان يحميكي من أي حد عايز يبتزك، كمان فيه عقد الجواز العرفي تجدري تجطعيه، انتي دلوك حرة ..ثم صمت لحظة كأنها ضهر ثم قال وكأن الكلمات تخرج مع روحه:
( أنتي.. طااالج)
_لااااااا..متقلهاش.
صرخت بها ناريمان وهي تضع يدها على فمه والدموع أصبحت انهار على وجنتيها دموع التوسل بأن لا يتركها.. قربت وجهه بيديها واجبرته على النظر لعينيها..عينيها التي تصرخ بحبه هامسة برجاء:
_لا متقولهاش..متقولهاش يامالك عشان خاطري..أنا محتاجلك جنبي..مين قالك اني اقدر أواجه الدنيا دي لوحدي.. مين قالك كده، أنا مقدرش اتنفس من غيرك اصلا.. أنا عارفة إن بابا هو ال أرغمك على جوازك مني، ومع ذلك قبلت عارف ليه عشان كنت بحبك
_ايه كنتي عارفة؟!
نطقها مالك وقد تفاجأ بقولها.
_ايوة كنت عارفة..ومزعلتش إن بابا فرضني عليك..بالعكس فرحت لأني حتجوز الإنسان البحبه، ولو على الجواز العرفي نخليه رسمي..صدقني يامالك أنا من غيرك لحقدر أروح ولا أجي..أنت لو سبتني حضيع.
_أنتي مش فاهمة حاجة.
صرخ بها وهو يتمزق كأن حروفه مذبوحة.
_طب فاهمني في إيه تاني ليه عايز تسبني وانا مليش حد في الدنيا لوقت غيرك بعد ما بابا وماما ماتوا.
شعر باختناق هجم عليه مسح رقبته، أنفاسه تخرج بصعوبة، لاحظت هي معاناته وضعت يدها على كتفه مردفا:
_انت بتعذب نفسك وبتعذبني معاك ليه..ليه؟
رمقها بغضب وصرخ فيها بقسوة قائلا:
_ كفياكي عاد همليني لحالي ..وشوفي مصلحتك بجى بعيد عني.
ثم تركها وخطى خطوات عصبية سريعة.
صرخت هي الأخرى وقالت قبل أن يختفي:
_وانا خلاص مش عايزاك..مش حفضل اتحايل عليك..انا كرهتك كرهتك.. أمشي وسبني ..مس عايزاااك ..مش عايزاااك
ثم انهارت على مقعدها تبكي .
بعد أن أفرغت كل انفعالاتها في دموعها رفعت رأسها ومسحت دموعها ثم هتفت بعزم وإصرار:
_ انا مش حفضل اشحت حبك، ومن هنا ورايح حعرف انساك واشيلك من قلبي، واعيش حياتي من غيرك ، وال خلاني اعيش واتحمل بعد ما بابا وماما ما ماتوا..حيخليني اعيش بعدك.. انت مش حتكون اعز منهم.
واصلت بكاؤها وهي تعلم أن ما قالته ما هو إلا كلام أجوف خرج فقط لكي يمنحها بعض من القوة ..ولكنها على يقين إنها قوة مزيفة.
*****************************
كان مروان منهمكا في مكتبه في فحص بعض ملفاته الخاصة بعمله، وإذ به يفاجأ رجال الشرطة يقتحمون عليه مكتبه يتقدمهم رئيسهم قائلاً بصوت حازم:
_أنت مقبوض عليك يا أستاذ مروان.
نهض مروان وهو يحدق فيهم قائلاً :
_ أنت ازي تدخل عليا كده.. وايه تهمتي بقى إن شاءالله؟
_حضرتك مقبوض عليك بتهمة قتل الدكتور أكرم.
زاغت عيناه في صدمة ظن أن سر جريمته قد دفن في قاع البحار ولن يستدل عليه أحد، في قسم الشرطة رأى أحد رجاله الذي كلفه بقتل أكرم، واقفا مقيد اليدين عندما رأى مروان نكس رأسه خجلاً جلس الضابط خلف مقعده وعيناه مستمتعان بالتنقل بين مروان الذي ينظر بحقد ووعيد لرجله والآخر الذي أدلى بكل شئ.. واعترف أنه هو من حرضه بقتل الدكتور أكرم، قطع الضابط نظرات مروان الناقمة المفترسة لرجله عندما قال له:
_ ياسيد مروان الراجل بتاعك اعترف انك حرضته على قتل الدكتور أكرم ايه ردك على أقواله واتهامه لك؟
صرخ مروان نافيا هذا الإتهام:
_ كداااب محصلش.
فقال الرجل مدافعا عن نفسه:
_انت ال حرضتني يامروان بيه..انا إيه مصلحتي في قتل الدكتور يعني.
ثم قدم الرجل تسجيلا بمحادثات بينه وبين مروان يطلب منه تعقب أكرم وقتله..كان قد سجله له دون معرفته حماية لنفسه..وهنا ظل مروان يصرخ وينفي برغم سماعه لصوته مؤكد على تحريضه:
- ده كدب ..كدب ..أنا مقتلتش حد مقتلتش حد..والتسجيل ده مفبرك.
هتف الظابط بهجوم:
_ أحنا معانا أدلة تانية يا أستاذ مروان ونصيحة مني اعترف احسنلك..انت موقفك ضعيف.
صرخ مروان وقد وضع يده على موضع جرحه الذي مازال لم يشفى بعد:
_كله كدب..كدب وأنا مش ححتعرف بحاجة أنا عايز المحامي بتاعي.
ويبدو أن جرحه تأثر بصريخه وانفعاله ..لقد نزف وعلى أثر نزيفه سقط مغشيا عليه.
***************"***************
_ست جمانة ..ست جمانة
هتفت بها عزيزة مربيتها في لهفة وقد كانت جمانة جالسة حزينة في حجرتها، وما إن رأته عزيزة تهرول إليها وتفتح حجرتها بطريقة مندفعة حتى نفضت عن نفسها ذلك الحزن وقالت وهي تحدق فيها بفضول:
_في ايه يادادة مالك بتنهجي كده ليه ؟
ابتلعت عزيزة ريقها بصعوبة وصدرها يعلو ويهبط كأنها كانت ترقد قائلة في حماس:
_ مروان بيه اتقبض عليه.
_اييييييه؟!
نطقت بها جمانة بصدمة ثم سألتها :
_ليه عمل ايه؟
_ اتريه هو ال قتل الدكتور أكرم.
_ أكرم هو ال قتل اكرم..أنا كان قلبي حاسس ..حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا مروان حرمتني من الإنسان الوحيد ال عطف عليا وحبيته .
بعد أن نطقت بها جمانة ظلت تبكي ومازالت غير مصدقة لفعلة مروان الشنيعة ..وعزيزة تربت على ظهرها ..أخذتها إلى حضنها وهمست لها في شفقة:
_سيبك من ال راح يابنتي وفكري حتعملي ايه في الجاي..المهم نسيت اقولك إن الاستاذ مالك جاني في الفيلا بعد ما قبضوا على سي مروان وكان بيسأل عليكي ولما قلتله انك عندي قالي أبلغك إن ست ناريمان رجعت البيت عشان تروحي لها..رفعت رأسها وهمست بسعادة:
_بجد مالك رجع يبقى أكيد طرد ابن عمها الرزل ده..تعالى يادادة نروحلها انا محتاجة لها قوي.
_تعالي يابنتي نروحلها.
ذهبت لها جمانة وجدتها تبكي وسط فوضى قد سببتها غضبها فهتفت باسمها في انزعاج:
_نانا في ايه؟!
وما إن رأتها ناريمان حتى ركضت إليها تلوذ بحضنها وتكمل سيمفونية البكاء على كتفها، جمانة هي الأخرى لاذت بها وظلت تبكي على ما مضى .
الفصل السابع والعشرون- 27 .. الاخيرة
.
.
رواية / كاره النساء
بقلم / سهير عدلي
انتظروا الخاتمة
💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜
.
.
.
بعد مرور ثلاث سنوات على الأحداث:
دلفت جمانة على ناريمان وهي تحمل صنية مليئة بالطعام، كانت الأخيرة شاردة والحزن سار جزء من ملامحها هتفت جمانة وهي تعاني من حملها:
_ خدي مني الصينية ياست السرحانة أنتي.
تنبهت لها ناريمان وتناولت منها الصينية وساعدتها على وضعها على الفراش وقد قالت لها:
_ انتي جاية تاكلي هنا واتبوظي لينا الدنيا.
هتفت جمانة:
_ بقولك ايه نبقى نروق بعدين ..المهم انك تأكلي معايا انا مش قادرة اكل لوحدي.
هتفت ناريمان بتزمر:
_ ياستي انا مليش نفس ومش عايزة أكل..هو الاكل فيه غصب كمان.
بصوت يملؤه الحنان والترجي همست جمانة:
_ لا ياستي مفهوش غصب بس فيه جبر خاطر ..اجبري خاطري بقى وكلي معايا وغلاوتي عندك.
نظرت ناريمان لها نظرة جانبية تعني أنها عجزت على كسر خاطرها ..فابتسمت لها جمانة بامتنان وقبلتها في جبينها وهي تقول لها:
_حبيبتي يانانا كنت عارفة اني مش حهون عليكي.
قربت منها الصينية واستطردت:
_ يلا بقى لحسن أنا جوعت قوي.
كانت ناريمان تأكل جبر خاطر لصديقتها التي بقت لها ومعها بعد الأحداث التي حدثت، تفكر في كل ماجرى.. ترك مالك لها..وشعور الوحدة الذي لازمها منذ أن فارقها.. وكسرة قلبها..ظنت أن مع مرور الوقت سوف تتجاوز محنتها تلك وتنساه ولكن كل يوم يمضي وهو يستحوذ على تفكيرها اكثر.. كل يوم يمضي وهي تشتاقه، تحبه أكثر من زي قبل، تحن إليه، تحلم به وتناديه في أحلامها، كل يوم تسأل نفسها آلاف الأسئلة أسئلة تمزقها لماذا أبتعد عنها؟ لماذا تركها وكسر قلبها، بعد مرور سنة ألم يحن لها ويشتاقها مثلما تشتاق له؟ بعد مرور سنة ألم يراوده ولو مرة أن يسأل عليها ويأتي لرؤيتها؟ الهذا الحد هو قاسي القلب؟ هل لفظها من حياته إلى الابد؟......
_ايه يابنتي حتفضلي سرحانة كده كتير؟
هذا السؤال الذي نطقت بها جمانة جعل ناريمان تخرج من شرودها الحزين وتهمس:
_ هه
_هه ايه ياماما.
تنهدت جمانة بأسف من أجلها ثم استطردت:
_ وبعدين معاكي يانانا من ساعة ال حصل وانتي مش نانا ال أنا أعرفها..فين نانا ال بتهزر..وتضحك وتشتم وتعمل مقالب فيا وتناكفني.
_ماتت خلاص
قالتها ناريمان بقنوط وحزن.
_لا يانانا بعد الشر عليكي، متقوليش كده..معقول انتي نانا القوية الكانت بتمشي كلمتها على أي حد، نانا ال كنت بحسدها على جرأتها وأنها مفيش حد يقدر يأثر عليها مهما كان، لازم تعرفي أن كل الحصل ده خير ، مهو أنا قدامك قدرت أتجاوز محنتي وابتديت اعيش حياتي من جديد و.........
قاطعتها ناريمان وهي تهتف بوجع وصوتها مكسو بالعصبية:
_ انتي قدرتي تبدأي من جديد لانك اتخلصتي من كل معاناتك، اتخلصتي من مروان لما اتقبض عليه واتعدم وورثتيه..لقيتي حريتك ال خدها منك أبوكي..دلوقت انتي بقيتي حرة نفسك ومحدش بيتحكم فيكي..يعني كل ال كان مضايقك خلاص انتهى مبقاش موجود..لكن أنا........
_انتي ايه كملي..انتي شفتي وعانيتي زي العانيته.. أبوكي حبسك زيي وبقى يتحكم حتى في النفس ال بتتنفسيه، قسى عليكي من غير لازمة..فرض عليكي واحد في سنه وجوزهولك غصب عنك.. اندبحتي زي في ليلة عمرك ..حبيتي واحد واتحرمتي منه بسرعة.....
لم تستطيع أن تكمل حديثها فقد غلبها الحزن وظلت تبكي بشدة.. مما جعل ناريمان تشعر بالندم على أنها كانت السبب في تقليب المواجع عليها فجذبتها إلى حضنها وهي تقول لها:
_ متزعليش ياجوجو مكنش قصدي والله..خلاص بقى بطلي عياط حقك عليا.
خرجت جمانة من حضنها وهي تكمل ومازالت الدموع ترقص في عينيها:
_لا ياحبيبتي انا مش بعيط عشان انتي السبب أنا بعيط لأن الدموع بتغسل قلبي من كل ال حصلي..عارفة لو انتي عيطتي حترتاحي..لكن مشكلتك إن بالرغم من كل ال حصلك مخزناه ومعبياه جواكي لحد متعبتي.
مسحت دموعها في طرفي اكمامها ثم تابعت بأمل:
_ انا حاسة إن مالك حيرجعلك والله
صرخت ناريمان حتى جعلت جمانة تتراجع للخلف وقد ربشت بعينيها:
_ متجبيش سيرة الزفت ده قدامي، سيرته بتعصبني.. أنا مش عايزاه يرجعلي أنا بكرهه واو رجع حتطرده.
همست جمانة بتحدي قاصدة أن تجعلها تعترف انها مازالت تحبه وان كل ما تفعله هذا ماهو سوى بركين من الغضب منه على مافعله بها غير إلا:
_ والله طب عيني في عينك كده وهو ال بيكره حد يموت نفسه عشانه كده.
_يوووووووه شكلك مش حتعدي ليلتك دي على خير.
صرخت بها وقد احتقن وجهها وأخذت الوسادة وظلت تضربها بها وجمانة تصدها بيديها وهي تهتف وتبتسم في نفس الوقت:
_ خلاص ..خلاص..انتي حطلعي خلقك عليا ولا إيه؟ اسمعيني بس.
بحلقت ناريمان في السقف وهي تزفر في عدم القدرة لسماعها ومع ذلك تابعت جمانة:
_ يانانا مالك آه هو بعيد بس معانا في كل لحظة مسابناش، كل مشكلة تحصل في الشغل نلاقيها انحلت وهو السبب في حلها من بعيد، هو ال اسس لنا الشركة باسمي واسمك وعين لينا أوصياء شرفاء ياخدوا بالهم من فلوسنا ويديروا معانا الشركة دي، وعلمونا كتيير قوي، هو ال قدم للكلية اعتذار عن السنة الأولى لينا نظرا للظروف ال حصلت لنا هو ساعدني وكان السبب في أنه يخلصني من مروان وساعدني في أنه يخلص لي الورث بتاعي من قاريبه، عملنا حاجات كتير وبيساعدنا كتير لغاية دلوقت، صدقيني انا حاسة أنه حيرجع بس مستني الوقت المناسب، بس انتي اصبري.
_ خلاص ..قولتي ال عندك ..ممكن بقى تنامي عشان ورانا شغل.
زفرت جمانة بيأس من اقناعها، فأردفت:
_حاضر حنام.
_شيلي الصينية دي الاول ونفضي السرير.
_ حاضر.
هتفت بها كالمغلوب على أمره..رفعت الصينية ونادت على مربيتها تأخذها ..ساوت الفراش ونفضته بيديها واستلقت بجوارها وهي تحتضنها من الخلف..فازاحت ناريمان يدها عنها وهي تقول متزمرة:
_ابعدي بقى مش ناقصة خنقة.
قالت جمانة بطفولية:
_لا انا بخاف بقى ولازم الزق فيكي لحسن الحرامي يجي بالليل يخطفني.
رفعت جمانة رأسها لكي ترى وقع كلامها على صديقتها فوجدتها تبتسم فضحكت وهي
تضمها أكثر وتهزها هامسة:
_حبيبتي يانانا ربنا يخليكي ليا يارب ياأحلى أخت في الدنيا.
_طب نامي ياختي ورانا شغل الصبح بدري
_ حاضر ياابلة.
********************************
شركة( N&g) تلك الشركة التي جمعتهما سويا وكانت فكرة جمانة أن تئسسا شركة تجمع بينهما إلى الأبد..وكما جمعهما الحزن تعاهدتا على أن تكونان يدا واحدة إلى آخر العمر، حتى أن جمانة لم تستطيع العيش بمفردها في منزلها فلملمت أغراضها وذهبت إلى ناريمان لتقيم معها، هذه الأخيرة التي كانت في حاجتها أيضاً, كانت جمانة تحمل في يدها بعض الملفات وهي تدلف على ناريمان، فاتسعت عيناها ضجرا فقالت وهي تتقدم إليها:
_الله انتي ماشية يانانا؟
قالت ناريمان وهي تلملم بعض الأغراض من على مكتبها وتضعها في حقيبتها ويبدو عليها العجلة:
_ أيوة طبعاً ورايا مصالح في المحافظة لازم اقضيها.
_افندم امال الدكتور الجاي ده ومعاه دراسة الجدوى للمشروع ال حيشاركنا بيه مين حيقابله إن شاء الله.
ببساطة قالت ناريمان:
_انتي.
صرخت جمانة غاضبة:
_نعم ياختي.. ومن أمتى بقى بتصدريني لحاجات زي دي، لا بقى ده من اختصاصك انتي.
_ياجوجو اكبري بقى هو كل حاجة عليا أنا، لازم تتعودي على المقابلات دي وتفاوضي وتملي شروطك كمان..سكرتير المحافظ اتصل بيا وحددلي معاد مع المحافظ عشان اعرض عليه مشروعنا ،ماينفعش اقوله مش فاضية..وبعدين الدكتور ده حيقدملك عرضه بمشروعه واكيد حناخد وقت عشان ندرسه وحنديله وقت عشان نرد عليه يعني مقابلة تاني واكيد حكون معاكي فيها..فمتعقديش الدنيا بقى.
همست وهي تمط شفتيها بقلة حيلة قائلة:
_ يعني اعمل ايه أنا معاه دلوقت؟
_ كل ال حتعمليه أنك تسمعيه وبس وتقولي له أننا حنفكر وحنبقى نرد عليك..صعبة دي.
_بسس ....
_بس ايه تاني.
قالتها ناريمان وهي على عجلة من أمرها.
بنبرة مهزوزة أردفت جمانة:
_ايوة بس أنا بصراحة خايفة دي اول مرة اتعامل فيها وجها لوجه مع عملا.
_لازم تتعودي.. اتجرأي بقى..ويلا بقى عشان امشي ومتأخرش..سلام.
زفرت جمانة باستسلام مغمغمة:
_سلام..استرها يارب معايا وسدد خطايا.
جلست خلف مكتب ناريمان. في انتظار العميل..تتنفس كل الهواء الذي تستطيع أن تتنفسه وكأنها سوف تصعد للرحلة فضائية وتخشى أن ينفذ الأكسجين، طلبت من السكرتيرة ان تدخله بعد عشر دقائق.. عدلت من نفسها وتنفست بعمق، ثم ارتدت قناع الجدية والتماسك وعندما سمعت طرقات الباب تصنعت الانشغال في بعض الملفات لكي تحد من توترها بعدها قالت:
_ ادخل.
كانت السكرتيرة تنبأ عن وصول الضيف خرجت وأغلقت الباب دخل الزائر ملقيا التحية:
_السلام عليكم
رفعت عيناها من فوق ملفاتها وهي ترد بابتسامة دبلوماسية:
_وعليكم السلام ورحمة.....
بترت عبارتها عندما رأته وإذا بها تهتف بلهفة دون وعي
_أكرم!
_افندم!
نطقها الضيف وقد ضيق عينيه متعجبا لتفحصها له، ومع ذلك مد يده لها مصافحا وقد أردف:
_ د..يامن صفي الدين دكتوراه في الاقتصاد يا افندم .
حاولت أن تنفض عن نفسها تلك البعثرة التي حدثت لمشاعرها عند أول طلة له، ذلك الشتات الذي اجتاحها وجعلها غير مصدقة لهذا التشابه الذي جمع بين هذا الضيف وبين أكرم غير أن أكرم بشرته أفتح منه قليلا ولولا ذلك لأيقنت أنه أكرم بالفعل..ابتلعت ريقها بصعوبة بعدها أردفت:
_ أهلا وسهلا بحضرتك أنا جمانة اتفضل.
جلس يامن وأخرج من حقيبته المستقرة على فخذيه، ملف كبيراً وناوله لها وظل يشرح مشروعه، بينما هي تتصفح ملامحه، تهمس لنفسها:
_ هو ..هو أكرم ملامحه طريقة كلامه معقول الشبه الكبير ده.
لقد لاحظ يامن مدى تدقيقها في وجهه فقطع حديثه قائلاً:
_هو حضرتك بتشبهي عليا ولا حاجة؟
سؤاله أحرجها فاطرقت رأسها خجلا وهمست:
_ فعلا حضرتك تشبه لحد كنت اعرفه تشبه لحد كبيير أنا اسفة.
_لا ويهمك ياافندم
رفعت رأسها وجدته يحدق بها كأنه يتساءل من هذا الذي أشبهه؟ من هذا الذي شتت مشاعرك وقلبها وجعل عليها أسفلها؟
تحمحمت وحتى تقتل هذا الحرج قالت:
_ تمام حضرتك أنا فهمت مشروعك كويس وشركتنا اكيد حتدرسه وبعدين نرد على حضرتك.
_تمام وأنا مستني الرد واتمنى يكون في تعامل بينا.
_ان شاء الله.
اغلق حقيبته ومد يده ليصافحها قائلا وهو يتعمق في عينيها:
_انا سعيد جدا بمعرفتك.
اختلج صدرها ولا تعلم لماذا قالت وعلى وجهها ابتسامة مجاملة:
_أنا أسعد.
انصرف وكأن يدها مازالت محتفظة بيده، تضم يدها بقوة وتتنفس بعمق، وتقربها نحو صدرها عله يهدأ.
***********************************
_هيييه.
نطقتها ناريمان وهي تشيح بيدها أمام وجه جمانة تلك الشاردة فالتفتت لها جمانة وقد انتبهت قائلة:
_ايوة كنتي بتقولي إيه؟!
_نعم ياختي بقالي ربع ساعة برغي وانتي وفي الآخر تسأليني كنت بقول إيه.
_خلاص بقى يانانا قولي تاني اهو منتبهه اهو.
_كنت بقولك متيجي ناخد يومين إجازة ونسافر أي حتة أنا حاسة اني مخنوقة وعايزة اغير جو.
_ياريت بس بشرط نرجع قبل يوم التلات.
بنظرة ريبة من ناريمان التي همست تحدق فيها بشك:
_اشمعنا بقى يوم التلات.
بصوت مرتبكة حاولت أن تبرر:
_عشان العميل ال حيشاركنا انتي ناسية أنه معاده يوم التلات.
بنفس نظرات الشك همست:
لا مش ناسية وبعدين مالك كده فجأة مهتمة بالعميل ده مش كنتي بتصرخي فيا عشان أقابله أنا.
_مهو انا لقيت انك معاكي حق المفروض اكبر بقى واقابل عملا وكده عشان اتعود يعني.
_يسلام ..بت انتي حتقولي في إيه..ولا اخلي السكرتارية يتصلوا بيه ويبلغوه أن مشروعه اترفض.
_لااااا.اوعي تعملي كده.
صرخت بها بنبرة خائفة سريعة كالتي تخشى على فقدان شئ غالي.
فحدقت فيها ناريمان باتهام فقالت وهي تقبض على قميصها :
_لاااا..انتي شكلك حكايتك حكاية حتقولي ولا...
_خلاص حقول بس اوعي ايدك سيبي البچامة.
_سبت أيدي اهو انطقي.
قالت وهي تاخذ نفسا عميقا وكان صوتها حالما كأنها تسبح في دنيا الأحلام:
_أول ماشفته يانانا كأن أكرم قدامي لقيتني اتلخبطت وبقيت ابحلق فيه ونسيت خالص أنه عميل المفروض ابقى متزنة قدامه، حسيت مشاعري جوايا كلها مهزوزة ، قلبي بيدق جااامد..وكأني مش عارفة أتنفس، ومن غير ما احس قلت أكرم..رد عليا وقالي أفندم..فوقت نفسي بالعافية واعتذرت له، فضل يتكلم عن مشروعه ومش قادرة احس غير أن ال قدامي ده هو أكرم ولولا ما شفت صورة بطاقته ال في ملفه كنت قلت إنه هو..هو كمان لاحظ اني بشبه عليه وفضل يبصلي بس مش عارفة نظراته دي معناها ايه؟.
_شكله قال في سره ده مجنونة ولا ايه.
قالت ناريمان ذلك ثم ظلت تضحك..وازدادت ضحكاتها عندما ضربتها جمانة بالوسادة وهي تقول لها:
_تصدقي انا مجنونة فعلا اني حكتلك.
_خلاص ياست العاقلين.. اقدر اقولك السنارة غمزت..وشكلك كده حتبتدي قصة حب جديدة.
همست بها وهي تغمز بإحدى عينيها.
_حب ايه ياختي..هو انا بعد ال شفته ده كله ححب تاني ..ولا عايزة احب اصلا، انا بس اتلخبطت لما شفته.
قالتها بشجن وابحار نحو الماضي الأليم.
فاتكأت ناريمان بيديها على كتفيها واراحت ذقنها عليهما قائلة:
_ والله حيحصل وبكرة افكرك.
رفعت يديها عنها وهي تقول :
_بقولك ايه يلا نام احسن عشان نصحى بكرة بدري نحضر الشنط.
********************************
تململت جمانة على فراشها تمط جسدها بكسل ..فتحت عينيها وتحسست موضع ناريمان فلم تجدها بجوارها على الفراش فهبت من نومها تبحث عنها بقلق وهي تهمس لنفسها:
_هي راحت فين دي عالصبح كده.
وإذ بها تلمح ورقة مكتوب عليها
( أنا عالبحر ابقي حصليني)
_ يامجنونة حد يروح بدري كده.
غمغمت بها وهي تتجه صوب المرحاض لكي تغتسل وتغير ملابسها حتى تلحق بها.
سارت ناريمان على البحر شاردة نسيم البحر يداعب وجهها ليته يخترق قلبها الحزين، قلبه الذي يئن من وجع حفره مالك بقسوته، وحدة ثقيلة خلفها هجره لها، كل هذه السنينو الشهور والايام لم تمحو حبه في قلبها، فكم حاولت أن تجعل العمل وسيلة لمحو هذا الحب، ولكنه وسيلة فاشلة فحبه منقوش كالوشم لا شئ يزيله نظرت للبحر وعيناها تريد أن تصل لاخره ولكنها لم تستطيع، أن الوجع الذي يحمله قلبها مثل ذلك البحر ليس له آخر لا تستطيع بنظرك أن تصل لمنتهاه، همست لنفسها :
ماذا عساي أن أفعل؟ الا يوجد جراح يبتر ذلك الحب من قلبي، حتى لو بتر قلبي معه وعشت بدون قلب، أرحم بكثير من هذا الوجع الذي لا يحتمله قلبي.
أغمضت عينيها تعتصرهما، لتخرج عصارة أنينها، فتحت عيونها عندما اصطدمت بشخص ما، فهمست معتذرة:
_ أنا أسف.......
بترت اعتذارها وقد حدقت بعدم تصديق وهي تراه أمامها يبتسم بحنين قائلا:
_ مش تفتحي وانتي ماشية..في حد يمشي إكده وهو مغمض عينيه.
الخاتمة
.
💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜
.
.
.
أغمضت عينيها تعتصرهما، لتخرج عصارة أنينها، فتحت عيونها عندما اصطدمت بشخص ما، فهمست معتذرة:
_ أنا أسف.......
بترت اعتذارها وهي تحدق بعدم تصديق وهي تراه أمامها يبتسم بحنين قائلا:
_ مش تفتحي وانتي ماشية..في حد يمشي إكده وهو مغمض عينيه.
لو أن هناك جهاز يقيس هزات القلوب مثل جهاز ريختر الذي يقيس الزلازل، لوجدوا أن قلبها يهتز بأقصى معدلاته .
أنه هو حبيبها واقفا أمامها، لا.. بل معذبها الذي
كسر قلبها وأذاقه الويلات، اسودا وجهها وقالت وهي تضغط على حروفها وكل حرف غاضب عليه:
_ وأنت مالك، امشي مغمضة..امشي مفتحة أمشي زي ما انا عايزة شأنك ايه انت.
ثم تجاوزته لتكمل طريقها بعيدا عنه ولكنه أوقفها من ذراعها وجعلها تتراجع للخلف بضع خطوات هامسا بحنين واشتياق:
_مالي كيف عاد، مرتي ورايد اردها ، حبيبتي ورايد اصالحها.
تحدث نفسها..
هل يتحدث عن الصلح ذلك القاسي؟
ويكذب ويقول أني حبيبته؟ منذ متى وأنا حبيبته وأنا لم أرى في عيونه إلا القسوة والجحود.
حدقت فيه رافضة لكلامه وكأن قلبها يتلقاه، ثم يرمي به عرض الحائط، صرخت به وقد احتقن وجهها:
_ مراتك مين دي ال انت عايز ترجعها، وانت عمرك ما حسستها إنها مراتك اصلا، و حبيبتك بإمارة ايه؟؛ بإمارة انك عمرك ماقلت لها كلمة حلوة تحسسها فيها انك بتحبها فعلا، دانت سبتها ٣سنين تتعذب وتتقهر لوحدها ومفكرتش مرة وحدة تسأل عليها، مراتك مش موجودة يااستاذ دور عليها في حتة تانية.
أنهت كلامها وهي تخلص ذراعها منه بحركة ساخطة، ثم ركضت بعيد عنه، تمسح دموعها التي سالت على وجنتيها رغما عنها وقد حاولت كبتها ففشلت، أوقفها مرة أخرى وقد أمسك يديها بقوة خشية أن تضيع منه ويخسرها للأبد، قائلا بإصرار يلاحق عيونها التي تفر منه ولا تريد الصفح:
_ غصب عني يا ناريمان، لو تسمعيني هتعرفي أنه كان غصب عني، انا عارف اني عذبتك جوي معايا، حججك عليا ياحبيبتي.
_ متقولش حبيبتى دى ، ومش عايزة اسمعك ومش عايزة أشوفك اصلا، انا بكرهك ..بكرهك غور بقى.
صرخت بها ويديها تبعده عنها، وكل ذرة فيها تصرخ وتعاني مما فعله بها. تفلتت منه وظلت تركض ودموع العذاب الذي عانته طوال السنوات العجاف اللاتي عاشتهم بعيدا عنه سالت على وجنتيها دفعة واحدة.
ركض خلفها واستوقفها مجدداً قبض على كتفيها صارخاً فيها وهو يهزها :
_حتسمعيني، برضاكي ..غصب عنيكي حتسمعيني، فاهمة ولا لاه.
_ قلتلك بكرهك.. بكرهك ومش عايزة اسمع منك حاجة انت ايه مابتفهمش حل عني بقى.
قبض يده بقوة يمنعها من صفعها، أغمض عينيه وضم شفتيه ليحد من غضبه، فحملها بحركة خاطفة لم تتوقعها ورماها على كتفه وسار بها قائلا:
_ شكلك إكده لساتك عايزة تتربي من أول وجديد.
صرخت هي وتضربه بيديها على ظهره :
_انت بتعمل ايه وحتوديني فين..نزلني يا جلف انت..نزلني ي
لم يبالي لصراخها ولا ضرباتها وركلات قدميها، واستمر في طريقه صوب حجرتها.
من بعيد شاهدت جمانة ذلك الشد والجذب بينهما، ولما حملها وسار بها، وضعت يدها على فمها تضحك بخجل، سعيدة من أجل صديقتها داعية وهي ترفع عيونها إلى السماء:
ربنا يهديكي يا نانا يارب ويسعدك ياحبيبتي.. آه لو عرفت إن أنا ال قلت لمالك على مكانها وكنت ببلغه اخبارها حتنفخني..يلا كله في سبيل الصداقة و الحب.
تنهدت وهي تشبك أصابعها وتمدهم إلى الأمام، ثم تدور بخفة ووجهها مشرق بالفرحة، وإذ بها تصتدم به فتهتف وهي تحدق فيه:
_أكرم!!
_ياستي يامن والله اسمي يامن تحبي تشوفي البطاقة.
فأطرقت خجلاً وهمست:
_أنا أسفة .
حدق في عينيها التي ترتد في حياء، وفي شفتيها التي تغني انشودة الاشتهاء، في وجنتيها التي أوشكت أن تطرح تفاحا، قائلا:
_ اسفة على إيه؟!
تحديقه بها اربكها، وحتى تتخلص من ذلك الارتباك قالت لتصرف عيناه عنها:
_ هو انت ايه ال جابك هنا؟!
بهجوم ساحق من عينيه لعينيها همس:
_جيت عشانك.
بنظرة مستفهمة من عينيها وهي تشير على ذاتها سألته:
_ عشاني أنا؟! خير .
ببساطة وتلقائية هتف:
_تتجوزيني؟
لا تعلم لماذا خفق قلبها بسرعة، وكيف توقف ريقها في حلقها وكأنها فقدت القدرة على بلعه، أمن المفاجأة أم من نظرات عيناه الوالهة، ولكن سرعان ما استفاقت لنفسها، الزواج كلمة حزفتها من قاموسها فتهفت بحزم:
_لأ
_لأ ليه؟! عشان مش قادرة تنسي أكرم، ولا عشان ال حصلك من مروان؟!
اتسعت عيناها غير متوقعة ما قاله إذا هو بحث وعرف عنها كل شئ ..انزوى ما بين حاجبيها فتهتفت بضيق:
_أنت عرفت عني كل حاجة بقى، وازاي تسمح لنفسك تدور وتعرف حاجات متخصكش.
_ أنا آسف بجد ..بس ال خلاني دورت هو اهتمامي بيكي، ومن حقي اني اعرف كل حاجة عن الأنسانة ال عايز ارتبط بيها.
قالت وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها :
_ وحضرتك عايز تتجوزني عشان صعبت عليك مش كده شفقة يعني.. أسفة أنا مش بفكر في الجواز اصلا بعد اذنك.
وهمت أن تنصرف لولا أنه استوقفها بأنه وقف أمامها قائلا بنبرة صادقة:
_جمانة استني واسمعيني من فضلك، الجواز مفهوش شفقة ولا صعبتي عليا، ده ارتباط حيبقى العمر كله، لو انتي صعبتي عليا اقدر اواسيكي بكلمتين. لكن اني اربط اسمي باسمك للأبد وابني حياة معاكي على الشفقة، مينفعش، جمانة صدقيني، أنا من أول ما شفتك حسيت بحاجة شدتني ليكي، حاجة كده خلتني عايز اعرف كل حاجة عنك، حاجة مخلتنيش سكت غير لما عرفت كل حاجة وقررت اني اتقدملك، حاجة خلتني اجاي وراكي من بلد لبلد واسيب شغلي ومصالحي.
صمت قليلا عندما وجدها تزفر وتشيح بوجهها بعيدا عيناها حائرة، تصدقه ولكن تكابر، تهرب منه ، لكنه لن يدعها سوف يطرق الحديد وهو ساخن ويهجم على قلبها عله يلين فتابع بحماس:
_جمانة لازم تدي نفسك فرصة تانية، مهما حصلك لازم تنسي وتعيشي حياتك. اديني فرصة اثبتلك أن لسة في أمل، في حب، في خير، في أيام حلوة جاية زي أيام صعبة عدت.
حديثه لامس شغاف قلبها فرغما عنها بكت فمسحت دموعها وهمست وهي تهم للانصراف:
_ من فضلك سبني دلوقت أنا عايزة أمشي.
قبل أن تخطو خطوة واحدة قال لها:
_فكري ياجمانة، أنا مش حيأس، حستنى ردك .
انصرفت دون أن تجيب خطواتها سريعا كأنها تلحق بنفسها قبل أن تسقط في شراكه.
*******************************************
دخل بها حجرتها وانزلها ولكنها ظلت حبيسة بين ذراعيه، لفت يديها خلف ظهرها لتحرر يديه المتشابكتان وهي تغمغم غاضبة:
_سبني بقى حوش ايديك الله.
_ جولتلك لاه، لازم تسمعيني الاول
قالها وهوويضربها بصدره. . تنهد بحب تنهيدة حملت كل تعبه وخوفه أيضا من أن يفقدها، يتأملها يحاول أن يبحث عن كلمات يسترضيها بها، وهي تهرب بوجهها وعينيها عن سهام تأملاته اخيرا همس وهمسه محملاً بالعشق والأشتياق:
_اتوحشتك جوي
ابتسمت من جانب فمها بسخرية في عدم تصديق وأشاحت بوجهها بعيداً عنها.
تابع همسه الشغوف:
_عارف انك ممصدجاش، بس والله توحشتك جوي.
تنفس بعمق ونظر للسقف ثم استطرد
_ أوعاكي تفكري إن ال ٣ سنين ال سبتك فيهم كنت مرتاح ، لا والله، أنا كل دجيجة فيهم عدت عليا كأنها سنين، كنت تعبان من بعدي عنك، تعبان من جلجي عليكي، تعبان من نفسي ال الشايلة فوج طاجتها، تعبان من ال حوصل ليا وال شفته من خالتي ومن الإنسانة ال كنت فاكر أنها حتعوضني وحتكون بالصورة ال نفسي فيها، لكن صدمتني، بعديها كنت حالف إني متدوز واصل، لجيت نفسي كرهت كل الستات، كرهت انضرهم، كرهت حتى أفكر فيهم، كنت فاكر إن جلبي ديه اتجفل بالضبة والمفتاح وإن مفيش وحدة تجدر تفتحه تاني.
همس وكسى صوته كل حب وصدق وداعب وجننتيها بظهر أصابعه ثم تابع:
_ أنتي جدرتي تفتحيه تاني جدرتي تخليني أحبك من دون النسوان كلتها خلتيني أحبك.
زفر كأنه يخرج عبء جاثم على صدره، التقط يدها وجذبها نحو أريكة وجلسا عليها وظل محتفظا بيدها بين يدها واستطرد:
_ أنا مجدرتش أعيش الحب ديه، مجدرتش احس بيه، مجدرتش اديكي حجك واخد حقي منه، فاكرة اليوم ال جيت فيه وكنتي لابسة جميص نوم مخابرش حوصلي ايه لما شفتك وجتها، حسيت اني شفت واحدة مايصة من بنات الليل، لجيت نفسي بضربك من غير ما أوعى، بس بعديها وبعد ماسبتك لمت حالي وبكيت عليكي، وندمت على قسوتي معاكي، أنا يا ناريمان بكره العري ، كرهته من كتر ما بشوفه جدامي، في النت عري، في الشارع عري، في السوق عري، حتى لو غمضت عيني الاقي عري، وداني تسمع عري الصوت والمياصة، كل ما اشوف وحدة كاشفة جسمها وصوتها، بفتكر طوالي خالتي، واحس أن كل الستات إكده تشبهلها، كلهم زيها، حتى انتي كان لبسك كله مكشوف كنت بقسى عليكي عشان أجولك لاه انتي غيرهم كلتهم، انا جلبي مفتوحلك، مينفعش تعملي زييهم، كنت بتعذب بتألم، مكنتس جادر حتى احكيلك، ولا أنا نفسي عارف فيا ايه، وأيه ال بيحوصلي ، وليه مش جادر اجرب منيكي، ولا أجولك اني حبيتك، عشان إكده كان لازم أبعد عنيكي، وسيبتك غصب عني، رحت للضاكتور عشان اعرف أنا مالي، وايه بيا كنت حاسس أني عيان، بعيا مش حخف منيه، عيا مستعصي، فطلجتك، زمبك ايه انتي تضيعي حياتك مع واحد معجد زيي، وكمانيتي انتي لساتك صغيرة، يمكن حبك ليا كان حب مراهجين، لما تكبري تحسي انك ضيعتي حياتك مع حب وهمي، ومع انسان معجد، بس أنا دلوك خفيت، رحت للضاكتور واتعالجت، دلوك مستعد اكمل حياتي معاكي، أنا مجدرش أستغنى عنيكي، ٣سنين عشتهم من غيرك كنت حاسس أني ضايع، واني مجطوع من سدرة.
التقط يدها الأخرى وجعلا الاثنين على صدره ثم همس :
_انسي ال حوصل وتعالي نبدأو من جديد.
ماذا ستفعل ياقلبي؟
هل ستسامحه بعد كل الذي عانيته منه؟
هل ستقاوم ذلك التوسل الذي يطل من عينيه يريد أن يقبل يدك لتصفح عنه؟
هل ستقاوم تلك الدقات التي تصرخ تحت يدك ترجوك أن تسامحه؟
لا تنكر انك تحبه وتعشقه حد الموت، ولكن وجعك منه أكبر من الصفح، وحديثه لم يمحو وجعك، انك حائر تقاتل وتتعارك مع عقلك، انت تريده وعقلك يرفضه، وأنا بينكما أتمزق، عاجزة لا أعلم ماذا أفعل؟
كل تلك التساؤلات التي دارت في عقلها وهي تتأمل نظراته التي تنتظر حكما بالبراءة وتخشى الأعدام، وهي حائرة .
ويبدو أنه لم يطيق صمتها القاتل فسألها:
_ساكتة ليه؟! اتحددتي جولي أي حاجة، متسكتيش إكده.
همست والدموع خرجت من مقلتيها:
_ عايزني اقول إيه، كلامك وجعني أكتر ما أنا موجوعة، تعبني وزود غضبي منك، ليه مقلتليش كل ده، ليه مشاركتنيش وجعك، كنا نتحمله مع بعض، وايه كل شوية صغيرة ..صغيرة وان حبي ليك حب وهمي، وحب مراهقين.. ولو انا صغيرة ومش فاهمة ايه هو الحب؟ أنت ياكبير يافاهم، مقدرتش تفهم أنا ليه اتحملت منك كل قسوتك دي ؟ وليه بعد ٣ سنين مقدرتش أنساك، لأني……
لم تستطيع أن تنطقها، گانه لا يستحقها بل اطرقت رأسها تخفي دموع الحب والأشتياق.
فرفع رأسها ليجد وجهها أغرقته الدموع، فخفق قلبه لبكاءها فهمس :
_ كملي..جوليها عشان خاطري، متكتمهاش جوات جلبك، انطقي بجى.
_لأ. .أنت متستحقهاش .
_لاه عتجوليها من ورى جلبك.. أنتي بتموتي فيا.
وقفت وقالت بدلال غاضب:
_كان زمان.
وقف بدوره وحدق في عينيها هامسا:
_طب عيني في عينك إكده.
مازالت تماطل ولا تريد أن ينول الصلح بسهولة فصرخت وهي تهم أن تنصرف :
_قلتلك مبحبكش ..مبحبكش افهم بقى.
أوقفها وكاد أن ييأس فقال :
_خلاص عاد يانانا ميبجاش جلبك اسود.
تلفظه بنانا ولهجته الصعيدية جعلتها تضحك، فقد خرجت منه مضحكة، خاصة أنها لم تتعود منه على التفوه بها.
فسألها متعجبا:
_عتضحكي ليه؟!
_اصلك أول مرة تدلعني بالطريقة دي.
_لو أعرف أن دلعي حيخليني اشوف ضحكتك الحلوة دي..كنت دلعتك من الاول ووفرت على نفسي العذاب ال شفته ديه.
ثم ظل يحدق فيها بظمئ، عيناه ترتشف قسمات وجهها التي اشتاق لها، هي الأخرى تنهل من نبع رؤيته، كانا قلبيهما يعزفان لحن الاشتياق ، لم يقوى على التحمل فخطفها إلى حضنه يضمها بقسوة ويديه التي تبعثر شعرها وظهرها..هي تركته يفعل بها ما يشاء، تغمض عينيها لتستقبل روحها التي فارقتها وها هي تعود لها بعد سنوات من القحل، كان يعزز ضمه لها بهمسه المشتاق:
_ وحشتيني جوي، وحشتيني جوي يبت.
أخرجها من حضنه، وكان لا يريد ذلك، فقال وانفاسه متلاحقة:
_ انا مجدرش اصبر أكتر من إكده حاروح أجيب المأذون .
طأطأت رأسها بحياء وقد تخضب وجهها فابتسم لتلك الموافقة الملونة بلون الخجل فقبل جبهتها وهما أن ينصرف ولكنه خبط على جانب جبهته كأنه تذكر شئ فقال:
_ فرحتي بيكي نستني، بجولك ايه، يامن طلب يد جمانة مني ، كلميها وحاولي تجنعيها الرادل زين جوي، ومعجب بيها.
_بجد يامالك..يااريت خلاص سيبها عليا.
همست بها بسعادة وقد تمنت أن تكون هذه فرصة لها تتذوق السعادة بعد المرار الذي مازال عالق في فمها.
_خلاص أنا حاروح اظبط الدنيا وانتي بجي عليكي الموضوع ديه..سلام ياحبيبتي.
_مع السلامة.
وبعد أن اختفى أغمضت عينيها بسعادة تضم نفسها بحب. ثم تذكرت جمانة فركضت نحو حجرتها وهي مصرة أن تقنعها على الارتباط بيامن.
**********************************************
_مين يامن ده انطقي.
قالتها وهي تدفع الباب كالشرطة فجعلت جمانة تقفز فزعا وتصرخ وهي تعنفها:
_يخرب بيتك خضيتني ايه دخلتك دي.
قالت وهي تجلس على الفراش متربعه :
_حرام عليكي حتخربي بيتي قبل ما انيه انا مصدقت أنو حيبقالي بيت.
جلست جمانة في مقابلتها وقد أشرق وجهها فقالت بفضول:
_ الله بقى..لا أسمع الحكاية من الأول.
_لا مش حتعرفي حاجة غير لما اعرف حكاية يامن دي، يابتاعة يامن .
_يوو بقى ابو راخمتك..قولي بقى.
قالتها جمانة وهي تقوس فمها بضيق وكان الفضول يقتلها.
_انطقي انتي الأول ايه حكايته..الواد باينله وقع فيكي من أول نظرة ومقدرش يقاوم وجه وراكي لحد هنا وطلب ايدك من يامن.
ضيقت جمانة عينيها وقد تفاجأت فسألت مندهشا:
_ايه يامن طلب أيدي من مالك امتى ده.
_ مش عارفة .
_اصله طلبني للجواز وأنا رفضت.
_ايييه ..امتى ده ..لا احكيلي بالتفاصيل .
وبالفعل قصت عليها كل ما قاله لها وماوحدث بينهما، وأنتظاره ردها على طلبه.
_طب وافقي بقى ياجوجو بقى كفاياكي حزن ووجع عيشي حياتك.
هتفت بها ناريمان بعد أن سمعت منها كل ما حدث.. ثم تابعت بلهفة:
_هاه حتوافقي؟
زفرت جمانة بحيرة ثم غمغمت:
_مش عارفة.
بنبرة كادت تقتلها صرخت ناريمان وهي تكذ على أسنانها:
_ليييه يابنتي ليه.. ده مالك بيقول أنه كويس قوي.
_أنا خايفة يانانا.
_انتي خايفة من يامن ولا من الجواز نفسه؟
نظرت لها جمانة دون أن تجيب.. فقالت ناريمان:
_صوابعك مش زي بعضها ياجوجو اديله وادي نفسك فرصة.
تنهدت بخوف ثم همست:
_أنا خايفة بجد مش حستحمل صدمة تانية.
_يا بنتي وليه تفترضي الوحش مش يمكن سعادتك معاه.
صمتت جمانة حائرة فقالت ناريمان:
_طب حسألك سؤال.. أنتي مرتاحة له، ولا مفيش قبول خالص من ناحيته؟
_هو بصراحة جذاب يعني.
نطقتها بحروف متقطعة فيها حياء.
قالت ناريمان مهللة:
_ياسيدي بقى طب يا ختي طالما الواد جذاب متوافقي بقى.
_يووه بقى ياستي انا مش عايزة اتجوز المهم سيبك مني واحكيلي عملتي ايه مع مالك.
تنهدت ناريمان بحب ورومانسية وراحت تحكي لها ما حدث.
***********************************************
مفاجآت توالت للبنتين أولهما متخصصين في التجميل طرقا حجرتهما ومعهما فستانين على احدث موضة، في المساء كانت المفاجأة الثانية حفلة زفاف في القرية السياحية ، والمفاجأة الثالثة كانت من نصيب جمانة عندما تقدم يامن من جمانة وهو يحمل باقة ورد يقدمها لها وهو يقول:
_ أنا لبست بدلة وجهزت نفسي وعملت حسابي أني أكون عريس زي مالك ..حتكسفيني؟
كل شئ فيها تشتت، وقلبها هرب منها لا تعلم ماذا تفعل؟ ولكن مع تصفيق الجميع حولها شعرت بنشوة غريبة تسري في أوصالها فوجدت نفسها تلتقط منه الورود وهي تهمس بخجل:
_موافقة.
صفق الجميع بحماس من حولهم مرة أخرى ..وصدحت الموسيقا التي جعلت العرسان يرقصون والسعادة تلفهم.
انتهت الحفلة وكل عريس اصطحب عروسه إلى جناحه.
في جناح يامن وجمانة.
رغم عنها هجم عليها خوفا شديدا، رغم عنها شعرت أن هذا الذي أمامها هو مروان وليس يامن، وإن هذه اللحظة لحظة ذبحها وليس دخلتها، شحب وجهها وجف ريقها، واختنقت وارادت أن تبكي ولكن الدموع هربت منها، شعر بها يامن، واحس بتوترها، وتفهم وضعها، شغل موسيقى هادئة علها تساعدها على الاسترخاء، واقترب منها التقط يدها في يده، ويده الأخرى خلف ظهرها وظل يرقص بها وهو يهمس :
_ بحبك..بحبك.. بحبك..بحبك..بحبك..بحبك بحبك بحبك.
ظل يرددها كأنه يمحو بها خوفها، يزيل بها توترها، يسمعها إياها علها تشفيها، وتعالجها وتفك عقدتها، يضمها إليه بهدوء وما إن استقرت في حضنه، كأن سحر الكلمة سيطر عليها ثم وشوشها بجوار أذنها:
_متخافيس مني، أنا يامن مش مروان، أنتي من يوم ما اتولدتي مكتوبالي أنا، حياتك الجاية، حتكمليها معايا، أولادك حيكونو مني، أنا أمانك وسندك، وحبيبك، أنا كل أهلك.
بعد كلماته هذه وجدت نفسها تدفن وجهها في صدره تبكي، بكاء صحياً، وكأنه الخوف، والتوتر، والأرتباك، ترجمته إلى دموع، صبتهم كلهم في صدره، فشدد من ضمها حتى يشعرها بحنانه أكثر..رفع رأسها ونظر في وجهها وهمس:
_جوجو.
ابتلعت دموعها وههتفت:
_نعم.
_حنبتديها دموع كده.
_أنا أسفة.
_على ايه؟
مسح دموعها بأبهاميه ثم استطرد:
_ حاسة بايه دلوقت.
أخذت نفساا عميقا ثم أخرجته دفعة واحدة فقالت:
_حاسة أني بتولد من جديد..والطفل لما بيتولد بينزل يعيط.. عشان كده عيطت.
_بعد كده مش حيكون في دموع تاني، من اللحظة دي حيبقى في ضحك وسعادة..يلا بقى وريني ضحكتك الحلوة.
ابتسمت له..ولكنه قال وهو يقرص وجنتيها بخفة:
_بقول ضحكة مش ابتسامة.
فضحكت من قلبها، وظلت تتأمله بامتنان، وكأنها تراه بنظرة أخرى قالت:
_أنا ربنا بيحبني عشان عوضني بيك.
_وأنا ربنا بيحبني عشان خلاني الاقيكي.
همس بها ثم التقط شفتيها في قبلة قضى بها على باقي خوفها.
***********************************************
في جناح مالك وناريمان.
وبمجرد دخولهما وجدت ناريمان نفسها ترتفع عن الأرض لأن مالك لف ذراعيه حول خصرها وظل يدور بها..ويدور ..ويدور..وهي تصرخ :
_مالك..بتعمل ايه..مالك كفاية بقى دوخت.
وأنزلها ولكن مازالت بين يديه، يتأملها بحب واشتياق مغمغما بعد أن أراح جبهته على جبهتها:
_سلامتك من الدوخة ياروح جلبي، كانت تلهث ليس من دورانه بها، بل من وفرة مشاعره التي تشعر بها، هو أيضا يلهث وانفاسه تعلوا وتهبط من فرط اشتياقها لها، وقد عبر عن اشتياقه هذا عندما همس:
_أتوحشتك جووووي، جوي ..آه لو تعرفي وانتي بين ايديا حاسس بايه دلوك, كأني كنت تايه ولجيت نفسي، كأني كنت متكسر ميت حتة، وقربك لملمني تاني، ربنا يخليكي ليا ياحبيبتي.
تلقت كلماته باابتسامة حب ولكنها لم تقل شئ فرفع رأسه عن جبهتها ونظر في عينيها وسألها:
_سامحتيني يابت ولا لاه..أنطقي.
همست:
_ايوة سامحتك.
_عتحبيني يابت؟.
أومئت برأسها وقد تخضب وجهها خجلا ولكنه همس:
_لاه متهزيش راسك عايز أسمعها جوليها.
أطرقت برأسها ولم تسطيع أن تتفوه بكلمة فلاحقها بإصرار:
_جولي يبت، بصيلي إكده وسمعهاني.
فهمست بصوت خافت حتى أنه أعطاها أذنه:
_بحبك.
_فأغمض عيناه وغمغم:
_يا ابوووي. أنا كنت حمار عشان حرمت نفسي من السعادة دي.
_أنت لسة حتعرف.
فحدق فيها بغضب وقال :
_ايه يبت أنتي نسيتي نفسك ولا إيه ولا عشان جولتلك كلمتين حلوين حتسوقي فيها لاه لمي روحك واحترمي حالك، أنا راجلك يبه ولازمن تحترميني. كسحة تاخدك وتاخد الحريم كلتها.
وبهذه الجملة التي اشتاقت لسامعها ولم تتوقع سماعها في تلك هذه اللحظات ظلت تضحك بعمق، حتى أنها لم تستطيع الكف عن الضحك وقالت وهي تلف ذراعيها حول رقبته:
_أنا مالي مش انت ال قلت على نفسك الأول .. وبعدين اه انت حمار عشان محستش بيا وعذبتني معاك.
غمغمت لنفسه وهو يقوس فمه غضبا:
_شوفي البت حتعيدها تاني وجعتك سودا معايا.
قال ذلك وهو يخلع عنه حزام سرواله، وما إن رأته ركضت بعيدا عنه وظل يركض خلفها وهي تضحك كأنها تضحك ضحك السنين.
.
.
.
تمت
.
.
.
.
❤❤❤❤💜 النهاية 💜❤❤❤❤
.
.
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا