رواية كاره النساء كامله البارت 6-7-8-9-10بقلم سهير عدلي جميع الفصول كامله
رواية كاره النساء كامله البارت 6-7-8-9-10بقلم سهير عدلي جميع الفصول كامله
الحلقة 6
كاره النساء
الفصل السادس
هل يولد الحب من رحم القسوة؟
هل تزهر الأشواق بين أشواك الكره؟
كيف ترميني بسهم البغض فينزف قلبي حبا
أتعجب كيف لنظراتك البغيضة أن
تحي حب توارى تحت ثرى الغرور
قلب أغلق أبوابه أمام قلوب متيمة
وفتحه على مصراعيه أمام كاره النساء.
ظلت نريمان واقفة خلف باب حجرتها تنتظر سقوط مالك من على السلم، بفضل الكريم الذي سوف يجعله ينزلق من عليه وساعتها تقر عينيها بحبسه لمدة أسابيع في الجبس، ولكنه لم يخرج من حجرته عجبا لماذا تأخر؟؛ فهذا موعد نزوله لتناول الأفطار مع أبيها، ظنت أنه بعد أن فك قيدها ذهب الى حجرته ليستعد للنزول، لم تعلم أنه ترجل مباشرة للطابق الأسفل.. بعد أن فك قيدها وذهب لكي يسترضي أبيها بسبب تصرفه الفظ مع العميلة.. ولما طال انتظارها، خرجت بخطوات حذرة لكي تتفقده..فسمعت صوته يأتي من الطابق الأرضي فقوست فمها بخيبة..وقالت لنفسها:
--يبقى نزل قبل ماحطله الكريم نفد منها ابن المحظوظة ..لكن أنت حتروح فين ياجلف أنت هو أنت حتسلم مني.
وكادت أن تعود لحجرتها ..لولا أن تذكرت أنها يجب عليها أن تنظف السلم من أثر الكريم حتى لا تننزلق أمها أو أبيها أو أي شخص من البيت..وانحنت لكي تزيل الكريم ولكن وفجأة أنزلقت قدمها على الرغم من حرصها..وهنا صرخت صرخة قوية وبدأت تتدحرج من على السلم ، حتى أصبحت متكومة على الأرض قدمها مثنية أسفل منها ويديها خلف ظهرها..فاجتمع أهل البيت على صراخاتها المدوية.. وكان في المقدمة مالك الذي رآها وهي تسقط فاتسعت حدقتيه من مشهد سقوطها وكأنه مشهد سقوط عنيف يمثل في السينما، فصرخ فزعا:
-واه..واه..حااااسبي
في ثواني اجتمع الكل في مكان سقوطها..فنادتها أمها برعب:
-بنتيييي..نريمان أنتي كويسة ياحبيبتي؟
وأبيها الذي تسمر مكانه و لم يستطع النطق من فرط خوفه على وحيدته ..وقد خفق قلبه بجنون قلقا عليها..حتى الخادمتين كانتا تحدقان فيها بقلق وهننا تتمتمان:
-يالهوتي ..ست نريمان استر يارب
ونريمان تصرخ وتتأوه..تشعر بألم يفوق احتمالها في ساقها وذراعها وجميع أنحاء جسدها:
-آاااااااااه ياماما..رجلي ..رجلي مش قادرة ألحقيني..ياماما.
-ياضنايا يابنتي.. أنشالله أنا ولا أنتي.
هتفت بها أمها بكل لهفة الدنيا ..وهي تنحني بالقرب منها تحاول أن تأخذها في حضنها.
ولكن مالك صرخ في زوجة عمه محذرا إياها قائلا:
-أوعاكي يامراة عمي تحركيها من مطرحها..لحسن يكون حوصلها كسر لجدر الله حيبجى خطر عليها.
فتوقفت وداد على الفور خشية على أبنتها..فقال خالد لمالك بصوت يملؤه الأضطراب:
- شيلها يامالك ياولدي طلعها فوج على منضرتها..لحد منتصل على الضاكتور.
-حاضر ياعمي.
قالها مالك ثم هم أن يحملها ولكن نريمان هبت به وصرخت فيه بغيظ .. كأنه هو المتسبب في سقوطها..وقد همست لنفسها:
(الوقعة دي كانت ليك الله يخرب بيتك)
-أوعى كده ..أياك تلمسني ..غور من وشي.
فزفر مالك وهو ينظر للسقف في ملل من تلك العنيدة المتعجرفة.. ولكن خالد صرخ فيها ثم قال لمالك:
-وبعدهالك يابتي مش وجته عندك دييه..شيلها ياولدي يلا وسيبك من دلعها الماسخ.
حملها مالك برفق وخفة حتى لا يعرضها لمضاعفات من خلفهما خالد ووداد.. والخادمتين ..عندما انحنى وقارب وجهه من وجهها..ورفعها كطفلة بين ذراعيه، شعرت ولأول مرة يزورها هذا الشعور..وكأن قلبها أرتفع الى عنان السماء وأصبح يرقص رقصا جنونيا عندما لامس دقات قلبه..تناست الألم على الرغم من شدته واضطربت أنفاسها عندما أستنشقت رغم عنها أنفاسه..أرتفعت خفقات قلبها عندما رأت وجهه عن قرب..وتعمقت في عيناه حتى غرقت في عسلهما.. لحظة تاريخية لم ولن تتكرر ، لحظة قد تكون ثواني معدودة ولكن حدث فيها مالم يحدث لها من قبل ولم تتوقع حدوثه خاصة مع ذلك الجلف.. تلك الثواني التي تحيا فيها بشر وتموت فيها أناس آخرين، لحظة خطفت فيها، لحظة كأنها سرقت وبيعت كجارية في سوق الأعجاب.. أفاقت نريمان عندما كاد أن يسقط مالك وقد مال ظهره للوراء قليلا وهو يحملها فلم يعلم بالطبع بوجود الكريم مازال يلطخ السلم.. باعجوبة ثبت قدميه اللتان كادتا أن تنزلق ثم ألقى بنفسه للأمام فوقعت على ذراعيه وتفادى سقوطها عليهما، وهو فوقها ولولا أنه تحامل على نفسه لسقطا على ظهره وهي فوقه من على السلم.. لقد هتف خالد بزعر وهو يصده بيديه:
-حاسب ياولدي.
أما وداد فقالت وقد انخلع قلبها من مكانه:
- خالي بالك يابني..استر يارب.
وعندما مر الأمر بآمان نظر خالد لوداد في أسف.. وقد تيقن أن نريمان هي من وضعت الكريم على السلم..لكي توقع ابن عمها فأمرت الخادمة بان تنظف السلم وتجففه..أما نريمان فظلت تتأوه بشدة حتى تغلوش على فعلتها:
-آاااه يارجلي ..آاااه كده كنت حتموتني.
-تصدجي بالله أنا غلطان والوجعة دي جليلة عليكي..كسحة تاخدك يابعيدة وتاخد الحريم كلتها.. أنا بردك ال كنت حموتك..معلهش أجول إييه البجاحة ليها ناسها..
قالها مالك بعد أن قام وهو يحملها يسدد لها نظرات الأستياء من جنونها..وقد نفذ صبره..فأدخلها حجرتها ووضعها على فراشها ثم همس في أذنها:
-شوفتي ربك بالمرصاد المجلب ال كنت حاخده شربتيه أنتي، وأديكي ووجعتي على بوزك..من حفر حفرة لأخيه وجع فيها يابت عمي.
احمرا وجهها بفعل كلماته وظلت تزووم بغيظ.. لكنه لم يبالي لغيظها وقال وهو ينصرف:
-أنا حاروح اتصل على الضاكتور ياعمي.
مرت ساعة بعد أن حضر الطبيب وفحصها خرج وفي يده ( روشتة) أعطاها لخالد ذلك الأخير الذي سأله بلهفة:
-كيفها ياضاكتور دلوك.
الطبيب بعملية:
-كسر بسيط في قدمها اليمنى..ورضوض في ذراعها وبعض الكدمات في جسدها أنا جبستلها رجلها لازم يفضل 15 يوم..والجبس ال في ذراعها ده أسبوع أو أقل ممكن تشيله..هي دلوقت نايمة لاني عطيتها مسكن قوي..اهم حاجة الراحة وبلاش تتحرك لمدة أسبوع كامل.. لكن عامة هي حالتها متقلقش.
-الحمد لله .. الحمد لله متشكرين ياضكتور..الف شكر.
هتف بها خالد وهو يصافحه بامتنان ثم قام بتوصيله الى الخارج..
اخذ مالك ( الروشتة) من عمه لكي يشتري الدواء..بعد أن احضره قال له عمه:
-مالك ياولدي أنا حاروح الشغل دلوك..اصلهم رنوا عليا خليك أنت إهنيه ياولدي ..لحسن يعوزوا حاجة معهلش ياولد اخويا حتعبك معايا.
-متجولش إكده ياعمي..أنا زي ولدك بردك.
-تسلم ياولدي.
قالها خالد وهو يربت على كتفه بامتنان..ثم انصرف حيث عمله.
******************************
بعد مرور بضعة ساعات فاقت نريمان من نومها على ألآم رهيبة فصرخت وهي تنادي امها:
-آاااااه...ياماما الحقيني ألم فظيييع في رجلي ودراعي ...وجسمي كله واجعني.
هبت والدتها التي كانت جالسة بجوارها فأردفت بحنان:
-يقطعني ياضنايا الف سلامة عليكي..يمكن المسكن مفعوله راح.. استني انا حديكي المسكن تاني عشان الألم ال أنتي حاسة بيه يخف.
قالت و وجهها محتقن بفعل الألم:
-بسرعة ياماما..بسرعة مش قادرة استحمل.
فأعطتها والدتها المسكن..وظلت تمسح على شعرها في حنان بالغ ولسانها يتمتم بالدعاء لها..هدأ الألم قليلا فهمست نريمان لأمها:
-ماما..عايزة أروح الحمام بسرعة.
داعبت وداد ذقنها في حيرة ..كيف تقدر على حملها وهي في تلك الأربطة؟ تخشى إن رفعتها تسبب لها مضاعفات..صرخت نريمان في أمها قائلة:
-أيه ياماما بتفكري في أيه، بقولك عايزة أروح الحمام بسرعة.
-اييه يابنتي خضتيني..أنا بفكر ازاي أشيلك وانتي متجبسة كده..اخاف ارفعك بحركة غلط اوجعك.
-طب وبعدين أنا مش قادرة خلاص.
-بصي أنا حاروح أنده لابن عمك يشيلك لحد الباب وانا اساعدك جوه في الباقي بقى.
حدقت عينى نريمان في صدمة وصرخت قائلة:
-أيييييه.. مييين..مين ده ال يشيلني ياماما الجلف ده..لا لا استحالة طبعا.
- يابنتي المضطر بقى..حنعمل أيه بجبسك ده محدش ينفع غيره..والا خلاص بقى خليكي كده.
زفرت نريمان استسلاما للأمر ..فابتسمت وداد للرضوخ ابنتها وقامت لكي تستدعي مالك من حجرته..دقائق وأتى مالك فأشاحت بوجهها بعيدا عنه عند رؤيته..ليس لأنها لا تطيق النظر له..ولكن لتخفي تلك النبضات التي علت عندما رأته..ولا تعلم لماذا؟ هل لأن مشهد حمله لها عندما سقطت حضر أمام عينيها بمجرد رؤيته، وأنفاسه التي تقسم أن عبقها مازال منتشرا في خلاياها، ودقات قلبها التي أمتزجت مع دقاته.. ومع ذلك طغت عجرفتها على ذلك الشعور ربما ارادت أن توئده أو أنها تكذبه..فقالت له وهو يهم بحملها:
-بقولك ايه أوعى تشيلني بغشامة انا بقولك اهو.
تراجع مالك عن حملها ونصب قامته وهو يزفر بملل مردفا:
-أنا بجول تشوفيلها حد غيري احسن يامرة عمي اجولك هاتيلها ونش يشيلها أحسن
بغضب أردفت نريمان:
-ونش يشيلك انت.
سددت لها أمها نظرة عتاب ثم التفتت لمالك وقالت له بنبرة معتذرة ويدها تطبطب على كتفه:
-معلش يامالك ياولدي متاخدش عليها.. استحملها عشان خاطر عمك وخاطري.
تنهد مالك بمضض ثم انحني وزحف بيده تحت رقبتها واليد الاخرى أسفل ساقيها..فلفت يدها السليمة حول رقبته..وما إن رفعها حتى استنشقت أنفاسه عنوة..فاخترقت رئتيها بقوة..وحرقتها..أججتها، لسعت قلبها..وارتفعت دقات قلبها، وعلت نبضاته..قلبها الذي أصبح مجردا بدونها كطائرة ورقية تطير في الهواء وطفل يلهو بها كيفما شاء.. لم تستطيع التنفس هل نفذ الهواء.. أكل هذا لأنه حملها، تقاوم بصعوبة تلك القشعرية التي تسللت الى جسدها، وتدعو الله أن يسترها أمام ذلك الجلف فانفاسها العالية المضطربة كادت تفضحها.. اجلسها مالك على مايسمى( بالكومبنيشن) بحذر ثم خرج سريعا بعد أن قال:
-بعد متخلصو يامراة عمي ازعقي عليا عشان ارجعها مطرحها.
-ماشي ياحبيبي.
اغلقت امها الباب وراحت تساعد ابنتها في نزع ملابسها وهي تقول لها بتعنيف:
-حرام عليكي ال بتعمليه في الراجل ده..وهو مستحملك بس عشان خاطر ابوكي يباي عليكي بت متتطقيش.
لم تجاوبها نريمان وانما راحت تزفر كل ما تحمله في قلبها من انفعالات التي نتجت عن حمل ذلك الجلف لها.
********************************
-سلامتك يانانا ألف سلامة عليكي ياحبيبتي
قالت ذلك جومانة صديقة نريمان المقربة وهي تقبلها في خديها..فتاة في عمر نريمان في السادسة عشر من عمرها، خمرية البشرة..عيناها واسعة بها جحوظ طبيعي خفيف، ترتدي عوينات طبية محجبة تحب نريمان وتعتبرها بمثابة الأخت، جلست بجوارها على الفراش وهي تسألها بقلق ويدها تعدل حجابها:
-ايه يبنتي..ايه الحصلك وقعتي ازي الوقعة السودا دي؟.
تنهدت نريمان بضيق ثم أردفت بغيظ:
-وقعت ياستي بسبب الزفت الجلف ده ابن عمي..ثم حكت لها ما حدث.
كتمت جومانة ضحكتها حتى كادت أن تستلقي على ظهرها..ثم أردفت ومازال الضحك يعبأ فمها:
-ياااعيني..من حفر حفرة لأخيه وقع فيها.
-أنتي حتقولي زيه.. آه ياغلسة.
قالت ذلك نريمان بنبرة مغتاظة فضربتها بيدها على ركبتها.
عدلت جومانة من حجابها وبالكاد قتلت ضحكاتها..ثم قالت بنبرة ممزوجة بالجدية:
-يابنتي خفي عالواد شوية..هو عملك إيه بس لده كله..طب احنا ومستحملينك بس عشان بنحبك..إنما هو حيستحمل قلطتك ليه ياختي؟
صرخت فيها نريمان ولم يعجبها مناصفتها له:
-جومانة متلمي نفسك أنتي جاية تتطمني عليا ولا تقطميني.
-لا ..لا ياستي خلاص حتلم اهو
هتفت بها جومانة وهي تضع يدها على فمها على الرغم من فظاظة نريمان..وعجرفتها الا انها تتحملها لانها تحبها..انها رافضة لطريقتها المتعجرفة تلك وكم حاولت كثيرا أن تغير منها ولكنها لم تستطيع..لقد هاتفتها كثيرا وحكت لها عن ابن عمها وسعدت كثيرا برد فعله على تصرفاتها، وشعرت أنه قد يكون أرسله الله لكي يقوم من سلوك صديقتها..هي تعلم أن نريمان بداخلها شخصية طيبة معطاءة ظهر ذلك لها من خلال المواقف التي بينت معدنها وأصالتها فكم من مأزق تعرضت له وقفت بجوارها فيه وكانت خير الصديق وخير المعين..لقد رأت خلف شخصيتها الملطخة بالغرور..تكمن شخصية أخرى رقيقة وحنونة وطيبة..قد لا يعرف ذلك أحد حتى نريمان نفسها لا تعلم بتلك الشخصية المتناقضة المختبئة بداخلها..فجأة احتل الحزن وجهها وكأنه كان مختبئ خلف ضحكاتها لصديقتها..وما أن لاحت له الفرصة حتى هجم على قلبها، وغير وجهها حتى أن نريمان لاحظت ذلك خاصة عندما ظهر ذلك الحزن عندما قالت جومانة بنبرة مفعمة بالمرارة:
-أنا مش عارفة يانانا أنتي ربنا مديكي أهل بيعاملوكي بحرية بتعملي ال أنتي عايزاه، بدل ماتحمدي ربنا..لا بتتمردي ..متبصيلي أنا ال بابا قافل عليا قفلة سودا..لا خروج ولا بص من الشباك ولا باب..وممنوع اتكلم مع أي حد غيرك..حتى الحجاب واللبس فرضهم عليا.
قالت جملتها الاخيرة وهي تشير على حجابها وثيابها المحتشمة بضيق.. ثم اكملت بيأس:
-ومع ذلك متحملة ده كله ولولاكي لكنت انتحرت..لكن أنه يصمم يجوزني زميله ده بقى ال عمري محتمله ابدا..
أجهشت بالبكاء ولم تستطيع أن تكمل حديثها المرير ..اقتربا حاجبي نريمان في ضيق من أجل صديقتها وقوست فمها بأسف فربتت على يدها وهي تقول:
- طب إهدي طيب كده وبطلي عياط.
من وسط دموع القهر راحت تلقي بشكوتها لديها:
-أهدى ازاي بس ..عارفة يعني ايه واحدة عندها ستاشر سنة تتجوز واحد عنده 45 سنة يعني أكبر منها ب 29 سنة..قوليلي طيب أعيش ازاي بعد كده مع واحد قد أبويا.
وانسابت دموعها على وجنتيها انهارا ..فزفرت نريمان باستياء من والد صديقتها المستبد هذا فقالت :
-مش عارفة اقولك ايه بصراحة..أبوكي ده بيعمل كده ليه معاكي ..اكنك مش بنتنه وبيكرهك.
ثم التفتت لها وتابعت:
-طيب ايه رأيك أخلي بابا يكلمه.
-لأ..أوعي يانانا..أنتي عارفة بابا ميحبش حد يدخل في قرارته..وبعدين انتي مش فاكرة لما كنت عايزة اروح الرحلة بتاعة المدرسة السنة الفاتت ومرضيش ولما كلمه بابكي ..ساعتها اخدت علقة مش نساياها لحد دلوقت.
نريمان بقلة حيلة:
-طب وبعدين حتعملي ايه؟؛ طيب اتكلمي انتي تاني معاه.
لوت جانب فمها بيئس وقالت بعجز مفعم بالسخرية:
-مفيش فايدة من الكلام معاه حتى لو اتكلمت..فرحي قبل بداية السنة الجديدة بأسبوع.
-أييييييييه..بتقولي أيه؛ ينهار أسود بالسرعة دي ..يعني ايه شهرين وتتجوزي؟؛
أمنت جومانة على كلامها بايمائة من رأسها اودعت فيها حسرتها.. مسحت دموع الذل ثم نهضت وهي تقول بكلمات تحتضر:
-أنا حقوم بقى لحسن أتاخر وبعدين يبهدلني.
قبلتها جومانة قبلة الانصراف في وجنتيها فهمست لها نريمان:
:طيب ياحبيبتي..أبقى طمنيني عليكي.
وما ان انصرفت جومانة حتى اطلقت نريمان دموع الأسف والحزن على صديقتها.
**********************************
لقد باتت تدمن حمله لها، تدمن أنفاسه التي حلت محل الهواء، تدمن تناغم دقات قلبه مع خفقات قلبها، تدمن حرارة جسده التي تخترق جسدها فتبعث اليه الدفئ كأشعة الشمس في يوم شديد البرودة.
كل يوم من أربع الى خمس مرات يحملها، حتى أنها احيانا تخلق المعازير لحملها حتى تعيش ذلك الجنون الذي يحدث لها ..عندما يرفعها على ذراعيه ويرفع قلبها معها الى عنان السماء..ذلك الأحساس الغريب الذي تتذوقه لأول مرة في حياتها، اهتمامه بها وتحمله لعجرفتها ولسانها السليط يأسرها.
أنها حزينة الآن وفي أشد حالات ضيقها، لأنها سوف تحرم من ذلك الشعور الجميل..هاهم يلتفون حولها سعداء لأن الطبيب ينزع عن قدمها الجبيرة، لكن أين هو؟ لماذا لم يقف معهم حتى يطمئن عليها..يطمئن عليا؟؛ لما؟؛ هل رأى منك شئ حسنا يجعله يسأل عن حالك؟؛ لقد أدى واجبه نحوك و ليس من أجل عيناكي بل من أجل والديكي، فماذا تنتظرين منه بعد ذلك؟
أخرجها من شرودها الحزين صوت الطبيب وهو يقول لها بابتسامة:
-حمدالله على سلامتك ياست البنات..والف مبروك على فك الجبس..دلوقت بقى تقدري تتحركي براحتك.
همست بشرود ونبرة يشوبها الضيق:
- الله يسلمك.
تعجب الطبيب من حزنها البادي في ردها فسألها بمداعبة:
-أيه ياست البنات انتي زعلانة ولا أيه عشان حتفكي الجبس ..ايه نخليه شوية كمان؟؛
ابتسمت نريمان بمجاملة على مداعبته ولم تستطيع النطق..او أنها لا تريد التحدث..حتى انها لم ترد على أحد عندما هنئونها على سلامتها واتمام شفائها..واكتفت بايمائة من رأسها وابتسامة خفيفة، ولما لملم الطبيب اغراضه وانصرف..جلست أمها بجوارها وسألتها بقلق وهي تقربها من حضنها:
-مالك يانانا في ايه؟ شكلك زعلان كده ليه؟أنتي حاسة بوجع تاني في رجلك ولا دراعك.
-لا يا ماما مفيش حاجة بس حاسة بشوية صداع..وعايزة أنام شوية.
قلبها يريد أن يسألها عن مالك.. ولسانها لا يطاوعها.. ابتلعت سؤالها وتوسدت حزنها..فربتت أمها على كتفها وهي تقول لها بحنان بالغ:
-طيب ياقلب أمك أنا حسيبك تنامي يمكن الصداع يخف..وأروح أنا بقى أحضر الغدا عشان ابن عمك مسافر الليلة.
وهنا انتفضت نريمان ورفعت رأسها بحركة سريعة، وهي تسأل بلهفة مطعمة بالخوف لم تستطيع اخفاؤهما:
-أيه؟؛ مسافر؛ مسافر فين؟ وليه؟؛.
الفصل السابع
كاره النساء
وكأن قلبها نزع من نومة لذيذة عندما قالت لها أمها أن مالك سيسافر، لماذا فزعت من أمر سفره؟ هل خشت أن يذهب الى بلده ولا يعود مرة أخرى؟ أليس هذا ما كانت ترغب به؟؛ لماذا هي قلقة الآن؟ حتى أن أمها سألتها وهي تضيق عينيها متعجبة للهفتها تلك:
-أيوة يابنتي مسافر مالك اتخضيتي كده ليه؟؛
تداركت لهفتها على الفور وسرعان ما أبدلتها بنبرة متعجرفة توحي بأنها سعيدة:
-ااا..يعني أنا..أها عايزة أتأكد أنه مسافر على بلده، عشان يريحنا منه.
نظرت لها نظرة صادمة مطعمة بالعتاب، يبدو أن احساس وداد خانها فقد شعرت أن سؤال ابنتها عن سفر ابن عمها فيه لهفة او بداية للاعجاب به فهمست على مضض:
-لأ ياختي مش مروح بلده..ده مسافر يجيب شغل لأبوكي.
قالت ذلك ثم انصرفت..ولو التفتت للخلف ونظرت لأبنتها.. لرأت ابتسامتها التي ارتاحت على شفتيها وهي تنام على كفها وقد أغمضت عيناها في سعادة.
لم تنم تلك الليلة ولم تخرج من حجرتها الا في الساعة التي ظلت تترقبها، وهي ساعة سفره التي علمت بها من الخادمة، وعندما سمعت وقع أقدامه، خرجت من حجرتها كأنها تقابله صدفة فنظرت له من طرف أنفها ثم قالت له وهي تشير على حقيبته:
- ايه ده..اخيرا حتمشي وتريحنا منك..احمدك يارب.
فتأفأف مالك وهو يردف في ملل:
-يافتاح ياعليم..اصتبحنا واصتبح الملك لله..
ثم رفع يده أمام وجهها واكمل:
-مكنا مستريحين منيكي ياشيخة وأنتي راجدة.
قالت نريمان معترضة في تزمر وقد وضعت يديها في خصرها:
-ليه بقى ان شاء الله كنت شايلني على كتافك ولا شايلني على كتافك.
مالك ضاحكا:
-لاه كنت شايلك على ايديا زي العيلة عشان اوديكي الحمام..لحسن تعمليها على الفرشة وتجرفينا بعد إكده.
زامت بغيظ وهي تضربه على كتفه فأردفت:
-أنت قليل أدب على فكرة ومقرف كمان.
رد لها ضربتها بضربة على كتفها بظاهر أصابعه وهو يقول:
-اتحشمي يابت..كسحة تاخدك يابعيدة.
-كسحة تاخدك أنت بقى هه.
قالتها وهي تضربه أيضا على كتفه.. وما كان منه الا أنه ظل يدفع وجهها بكفه الذي احتواه كله.. الى الخلف وهو يقول من بين أسنانه:
-بجولك أيه..أنا مش ناقصك وراي سفر أتجي شري أحسنلك وغوري نامي ايه المصحيكي بكير إكده.
كادت أن تكمل معه شوط الشجار..لولا صوت خالد أبيها الجهوري الذي وضع حد لنازعهما عندما قال:
-خبر ايه منك ليها عالصبح هو ديه وجته..يلا يامالك حتتأخر ياولدي.
مالك وهو يسرع خطاه:
-حاضر جاي آهه.
وعادت نريمان الى حجرتها فأغلقت الباب خلفها واستندت عليه..ابتسامة حب ترقص على شفتيها، تنهيدة حارة خرجت من صدرها تنعي بعده..سعيدة هي بمناكفتها له..لأول مرة تناكفه باسم الحب وليس باسم الغرور والعجرفة..خطواتها نحو فراشها خطوات خفيفة كفراشة تتنقل بين أزهار العشق، القت بنفسها على سريرها وكأنها ترتمي فوق أحضانه..تتقلب عليه في استمتاع وكأنها تتمرمغ على بساط أخضر ..كل كلمة منه أصبحت أغنية عذبة تتطرب لسماعها، حتى جملته الملازمة له( كسحة تاخد الحريم كلتهم) تعيدها على نفسها وهي تبتسم بأعجاب، ترددها فيستطعمها لسانها ويظل يكرر فيها دون كلل، فجأة جلست على الفراش وقد عضت أبهامها في تفكير سائلة نفسها:
-الله..مالك يانانا ايه ال جرالك؟؛ مالك مبسوطة قوي كده ليه؟؛ مش ده ال كنتي مش طيقاه، مالك كده فرحانه بمناكفته وكلامه معاكي..ايه انتي حبتيه ولا ايه؟؛ انتي اتجننتي؟؛ ازاي تحبي الجلف ده..شكلك اتخبلتي يانانا؟؛
ثم يأتي صوت آخر بداخلها وكأنه يتولى الأجابة على تلك الأسئلة نيابة عنها:
- لا ..لا حب ايه؟؛ ده ..ده مجرد هدنة واعجاب بس عشان هو بصراحة تعب معايا بقى يشيلني ويوديني أي مكان..من غير ميمل.
ثم صوت ثالث ينضم للمجادلة..صوت هائما..عاشقا..يثبت بتنهداته انه غارق فيه حد الموت فيقول لها:
-وليه متحبهوش ..هو يعني عيبه ايه..وقلبي ده ال بيدق كل ما يشوفه..ونفسه يتجنن ويروح يبوسه ويحضنه..ودلوقت أهو واحشني وملوش دقايق بعيد عني.
اغمضت عيناها في حيرة..وزفرت بقوة ثم سألت نفسها بصوت عالي نوعا ما:
-آااااه يانانا..هو أنت فعلا حبيته؟؛
*********************************
تتقدم جومانة نحو أبيها بخطوات بطيئة يشوبها الزعر، رجل طويل القامة ذو شارب عريض، عيناه قاسيتان..ملامحه غاضبة دائما كأنه ناقم على الجميع.
قلبها يزداد خفقانا..تبتلع ريقها بصعوبة وهي ترى أبيها واقفا ينظر لها بكل الغضب والانتقام اللذان تجمعا في تلك النظرات، عاقدا ذراعيه خلف ظهره يسألها بنبرة قاسية:
-أتأخرتي ليه لغاية دلوقت يابنت، أنا مش قلتلك ميت مرة متتأخريش وتكوني هنا قبل الميعاد.
اصفر وجهها ونبض قلبها..وارتعش صوتها وهي تحاول أن تدافع عن نفسها بحروف خائفة:
- غصب عني والله يابابا ددد..دول كلهم خمس دقايق يابابا..والله ككنت بجري وأنا جاية.
-أنتي مش بتسمعي الكلام ليه..انتي بنت قليلة الأدب عايزة تمشي على حل شعرك، امال لو كنت سبتلك الحبل على الغارب كنت عملتي فيا ايه كنتي جبتيلي العار يبنت ال(........) وراح يسبها بأفظع اللالفاظ ...وهو يجذبها من حجابها ويضربها بعنف ودون رحمة..صفعات تئن لها الأنسانية تدوي على جبينها، وكل هذا بسبب تأخير خمس دقائق و لم يرق لصراخاتها ولا توسلاتها، ولا قسمها له بأنها بريئة لم تفعل شئ.. ولولا ذلك الذي جذبه من ذراعه حتى يخلص تلك البائسة من بين براثنه.. ل كانت الآن جثة بين يديه استطاع أن يبعده عنها بعد أن همس له بعتاب:
-خلاص بقى ياعبد الحميد البنت حتموت في ايدك سيبها بقى.
بمجرد أن تحررت من بين يديه، رقدت جومانة نحو حجرتها بخطوات مزعورة كأن كلاب مسعورة تلحقها، أما عبد الحميد أبيها كان واقفا يلهث من فرط انفعاله يتنفس بقوة، وهو يهمس:
-بنات عايزة قطم رقبيهم.
قال مروان وهو يسحبه صوب المقعد وقد أجبره على الجلوس عليه:
-يا عم أهدى بس كده ..هي عملت ايه يعني لده كله..كله ده عشان اتأخرت خمس دقايق..تلاقي الشوارع كانت زحمة ولا حاجة..وبعدين بقى من دلوقت ملاكش ضرب عليها..دي حتبقى مراتي خلاص.
قال عبد الحميد وهو يشيح بيده بعد أن هدأت انفعالاته:
-اهي عندك اشبع بيها..ونصيحة مني إن مكنتش تشد عليها مش حتسمع كلامك بعدين..دي بنتي وأنا عارفها..قطيعة تقطع البنات وخلفتهم.
-لا متعونش هم الموضوع ده بقى يخصني.. أنا حعرف أربيها أزاي.
قال ذلك وهو يسافر بتخيلاته الى اليوم الذي يحلم به وقد امتلكها بين يديه..منذ أن رآها لأول مرة منذ عامين تقريبا عندما شارك عبد الحميد في بعض الأعمال وعزمه على العشاء في بيته، ورآها وقتئذن كانت طفلة بريئة منكسرة، ضعيفة، جميلة وهادئه، نوعا من النساء يعشقه وظل يبحث عنه كثيرا، ولم يجده بين كل النساء اللواتي عرفهن، فظل يراقبها طوال هذان العامين، لم تكلمه مرة واحدة، وكأنها لا تراه، كلما اقتربا منها ابتعدت، كلما حاول أن يمسك بها..تفلتت منه كالماء عندما يتسرب من بين أصابعه.. لذلك صمم أن هذا الملاك البريئ لن يمتلكه سواه.. أخرج زفيرا حارا يحمل الشوق لقرب ذلك اليوم.
أما جومانة في حجرتها تبكي قهرا..وغلبا..وانكسارا، تلملم شتات نفسها الضائعة، تحتمي بذراعيها اللذان يلتفان حول كتفيها تحمي بهما نفسها من المجهول، تغمض عينيها بأسف على حالها، تضم نفسها بنفسها تحاول السيطرة على الأرتعاشة التي تزلزل جسدها كله، حتى فتحت عزيزة المربية الباب عليها ..سيدة في الاربعون من عمرها هي التي تولت تربيتها بعد وفاة أمها..راحت تضمها الى صدرها تحاول كبح دموع الشفقة في عينيها، تهمس لها بحنان وهي تقبلها في قمة رأسها:
-معلش ياضنايا..أبوكي خايف عليكي.
-خايف عليا يقوم يضربني بالشكل ده قدام أنكل مروان..وكمان يشتمني بالألفاظ دي كل ده عشان اتاخرت خمس دقايق..مش هو القالي روحي عند الكوافير عشان تقابلي خطيبك. .والله هما ال اخروني يادادة هناك في السنتر كان زحمة قووي..
قالت ذلك وهي تدفن وجهها في صدر عزيزة تبكي بكل القهر والذل اللذان أراق كرامتها أمام صديق والدها.
لم تستطيع عزيزة حبس دموع شفقتها على تلك المسكينة، تعلم أن أبيها يبالغ في قسوته عليها، ولكنها تشعر بالعجز.. لا تستطيع فعل شئ لها سوى أن تخفف عنها ما يفعله ابيها بحنانها الذي تغدقه عليها..كم مرة تمنت أن تترك البيت بسبب فظاظة صاحبه ولكن كلما تذكرت تلك البائسة..تتراجع عن قرارها من أجلها فماذا يفعل بها إن لم تكون بجوارها ..مسحت دموعها..وقال لها باابتسامة تحاول أن تخفف عنها الأمر وتهون عليها قسوة أبيها:
-والله أبوكي بيحبك ياجوجو..هو بس بيشد عليكي..عشان مصلحتك..من وجهة نظره أن البنات مينفعش معاهم غير الشدة.
قالت وهي تشهق والدموع تملأ عيناها:
- لا يادادة..بابا مبيحنيش بابا كأنه مستنيلي على غلطة..بيضربني ويزعقلي ويشتمني بمناسبة ومن غير مناسبة..كل ده ليه عملت أيه؟
ثم ذاد نحيبها وهي ترفع عيناها للسماء كأنها تشكوه:
آااااااا.. ليه يابابا بتعمل فيا كده؟ كل ده عشان أتأخرت خمس دقايق، الضرب والشتيمة الوحشة..كأني ارتكبت جريمة..ليه تهني قدام الغرب..لييه؟؛ لييييييييه؟.. ليه بس كده ياربي..خدني وريحني بقى يارب من العيشة دي..انا تعبت من حياتي كلها.
-خلاص ياضنايا متوجعيش قلبي عليكي أكتر من كده.
قالت ذلك عزيزة وهي تشدد من احتضانها..ومرة واحدة انتفضت جومانة داخل حضنها.. وكأنها أصابها مس من الشيطان عندما سمعت أبيها ينادي عليها وهو يأمرها بصوته الجهوري القاسي:
-أنتي يا بنت يالا انزلي بتعملي ايه كل ده عندك.
-لأ..لأ..لأ يا دادة انا مش عايزة أنزل..أنا بكره ال أسمه مروان ده..مبحبوش..أنا بقرف منه، وبخاف كمان.
هتفت بها جومانة بكل الزعر وكأنهم يطلبون منها أن تدخل الى جحر الثعبان، كانت تتكلم وهي تنتفض كل حرف منها يخرج مزعورا.
عزيزة وهي تربت على ظهرها:
-اهدي ياضنايا..ده خطيبك ولازم تنزليله.
بنفس الزعر الذي مازال يسيطر عليها:
-لا..لا أنا مش عايزة اتجوزه يادادة ..الراجل ده مقرف..كل لما اكون قاعدة معاه يبصلي بنظرات غريبة بيخلي جسمي يقشعر، أنا مش عايزة انزل عشان خاطري يادادة روحي قولي لبابا اني نمت..عشان خاطري.
بنبرة أسف وحركة من شفتيها تنم عن قلة حيلتها قالت عزيزة:
-مقدرش أقوله كده يابنتي..ماانتي عارفة ابوكي..اقولك يلا انزلي..وانا معاكي حفضل ارقابك من بعيد ولو شفت اي حاجة كده ولا كده منه ..حتحجج باي حاجة وانقذك منه..يلا يابنتي..يالا ياحبيبتي قومي وضبي نفسك كده عشان تنزلي..اهو انتي لاخبطتي المكياج بتاعك من كتر العياط.
نهضت جومانة معها مجبرة..كأنها ثمثال لا يملك من أمره شئ.
وحينما هلت عليه، التمعت عينا مروان البنيتان ببريق الأعجاب، وراح بابهامه يمسح عن شفتيه شغفه بها، ويخرج سجارة يشعل فيها صبره الذي نفذ..جلست جومانه في مقعد بعيدا عنه تدعو بداخلها أن يأتي أبيها سريعا حتى يجلس معهما..وعلى الرغم من أنها تطأطأ برأسها تدقق في يديها اللتان تتعاركان مع بعضهما البعض في ارتباك..الا انها شعرت بنظراته الوقحة تخترقها..تكاد تعريها، تكتم أهة بداخلها أودعت فيها كل عذابها، انكمشت تلقائيا عندما سألها:
-ازيك ياجوجو عاملة أيه؟
أجابت بخفوت:
-ك..كويسة.
- طب مالك قاعدة كده ليه بعيد..متيجي تقعدي هنا جمبي.
قالها وهو يسلط بصره عليها في جرأة.
ابتلعت ريقها بخوف ثم أردفت بنفس الخفوت دون أن تنظر له:
-لا..لا..أنا..أنا مرتاحة كده يا أنكل.
(أنكل) على الرغم من التلقائية التي نطقتها بها ..ولكنها كأنها صفعته بها..هل تذكره بفارق السن بينهما، أم أنها تقول له أنظر لذلك الشيب الذي غزا فوديك..أنني مازلت برع م أخضر سينكسر فورا ان دعابته خشونتك..ابتلع ضيقه ثم نهض من مكانه ليجلس بالمقعد المجاور لها مما جعلها تنكمش أكثر وتبتعد برأسها عنه..اقشعر جسدها عندما التقط يدها وسجنها بين يده الكبيرة الخشنة..ثم همس بنبرة ارادها أن تكون رومانسية، ولكنها جعلتها تمتعض:
- حد يقول لخطيبه أنكل بردو..ده احنا كلها كام يوم ونتجوز.
وقفت وهي تحاول أن تجذب يدها الصغيرة من بين يديه..تتوسله بنبرة طفلة خائفة:
-سيبني..سيب ايدي ياأنكل ..سيب ايدي.
تلك الكلمة اللعينة تلهبه جعلته يغزو بأصابعه فواصل أصابعها في احتلال مستبد وهو يقربها اليه ويهمس لها بتحذير:
-بطلي الكلمة دي بقى..أنكل..أنكل..أنكل..أنا خطيبك..و قريب حبقى جوزك..يعني تناديني باسمي ..مروان.. فاهمة.
أومئت برأسها في طاعة ولم تستطيع التفوه بكلمة.. علها تنتهي من ذلك الموقف العصيب.
عندما لامس زعرها حرر يدها وهمس وهو يخفف من حدته:
-أنتي خايفة مني؟ متخفيش مني ياجوجو أنا بحبك أنا......
قطع حديثه طرقت عزيزة على الباب ثم دلوفها دون حتى أن تنتظر الأذن بدخولها..تحمل صينية في يدها عليها كأسان من العصير تتحجج بهما، فاثار ذلك غضب مروان فصرخ بها:
-الله انتي ازاي تدخلي كده من غير استئذان.
فاجابت وعيناها على جومانة المنكمشة في نفسها من الخوف:
-انا خبطت والله يابيه.
بطريقة فجة أمرها أن تخرج..ولكنها قالت له:
- اعذرني يابيه..اصلي الاستاذ عبد الحميد قالي اني أبلغك أنه مستنيك في المكتب.
زفر بغيظ قبل أن يخرج وينصرف وهو ينظر لجومانة نظرات ذات مغزى..كأنه يقول لها: صبرا قريبا سوف تكوني بين يدي ولن يغيثك مني أحد.
بعد خروجه همست عزيزة وهي تشيح بيده من خلف ظهره وتقول في نفسها:
-غور ياشيخ الهي مترجع تاني.
وارتمت جومانة في حضن دادتها تبكي على حالها بحرقة.
***********************************
أسبوع مر على سفر مالك كل يوم فيه وكل ساعة وكل دقيقة وكل ثانية كأنهم دهر تلظت فيهم على نار الشوق، تؤكد لها أنها غرقت في حبه، بل ذابت في عشقه، كانت تفرغ شحنة اشتياقها له في صورة غضب جم تصبه على من في البيت خاصة الخدم..لم تهدأ ثائرتها الا عندما عاد..لقد سألت نفسها بحيرة كيف تستقبله؟ هل تتزين له وترتدي أفضل ما لديها ..كحال كل حبيبة تنتظر حبيبها حتى يراها في صورة حسنة، ولكنها ليست حبيبته هي الآن في نظره ابنة عمه التي تبغضه وتريد تطفيشه من البيت بأي شكل..كيف لها أن تغير وجهة نظره هذه؟ كيف تجعله يشعر بحبها له.. انها الآن في أشد الحاجة لأن تراه.
تسمع صوته يأتي من حجرة أبيها يحدثه ويثني عليه لأنه قام بمهمته على أكمل وجه..بعد دقائق شعرت بخطواته تترك حجرة ابيها متجهة الى حجرته..وما إن سمعت باب حجرته يغلق حتى فتحت باب حجرتها فتحة صغيرة، ودارت باعينها في الطرقة لتتأكد أنها خالية من أي أحد..بعد ذلك ذهبت إليه بخطوات حذرة، تضع يدها على موضع قلبها، حتى يسكن..كالطفل المتلهف للذهاب الى الملاهي..وبعد أن ارتدت قناع عجرفتها دلفت الى حجرته دون استئذان..ولم تبالي وهو يحدق فيها غير مصدق لوقاحتها..قالت له بعنجهية كاذبة:
-انت مش كنت مشيت..ايه ال رجعك تاني بقى.
كان يفرغ محتويات حقيبته عندما فاجأته ودلفت عليه دون استئذان..فحدق فيها بغضب وعندما ألقت جملتها المستفزة ترك ما بيده واطبق جفنيه بقوة وهو يعض على شفتيه في محاولة لكبح ثورته فقال:
-الله يطولك ياروح.. عايزة ايه على المسا يبتتت..عمي.
أزعنت في مضايقته فقد راق لها وجهه المحتقن بفعل الغضب..ولأنها اشتاقت لمناكفته فقالت وهي تقترب من حقيبته وتمسك ملابسه بين أصابعها باشمئزاز:
-يعني حعوز منك ايه.. أنا قلت انك خلاص ريحتنا منك..وايه الهدوم المقرفة دي..ياه رحيتها وحشة قووي ازاي حتخليها في البيت دي ممكن تجبلنا الأمراض يااااي.
وبحركة خاطفة قبض على معصمها بقوة جعلها تتأوه ثم صرخ فيها:
-بجولك ايه انا مش فاضيلك، أنتي شكلك إكده فاضية وعايزة تتسلي..لكن أنا جاي من السفر تعبان وعايز أنعسلي هبابة يالا غوري دلوك من جدامي..كسحة تاخدك وتاخد الحريم كلتها.
ثم أمسكها من شعرها ودفعها خارج حجرته وأغلق الباب بالمفتاح.
تأفف في ملل وهو يمسح على شعره في ضيق..لقد حضرته صورة عمه وهو يقوم بتوصيله والحوار الذي دار بينهما ولم يكن يتوقعه مطلقا فقد قال له:
-مالك ياولدي..أنا عايز اتحدد معاك في موضوع إكده.
التفت مالك له وهو يسأله:
-خير ياعمي..موضوع أيه ديه.
-شوف ياولدي أنا حاسس أن أجلي قرب خلاص..و......
قاطعه مالك وهو يسأله بلهفة:
- بعد الشر عليك ياعمي في ايه مالك..حاسس بحاجة..في حاجة وجعاك.
-لاه ..لا..متخافش ..مفياش حاجة واصل..سيبني بس أكمل حديتي ومتجاطعنيش عاد.
همس مالك وهو يدقق في ملامح عمه جيدا:
-حاضر ياعمي..جول سامعك اهه.
تنفس خالد بعمق ثم قال:
-الموت ياولدي علينا حج محدش عارف حنموت ميتا ولا كيف..أنا مش خايف منيه..أنا خايف على بت عمك ومرات عمك..يتلطموا بعدي..خصوصا ان بت عمك بالذات وانت دلوك عارفها محدش يطيقها بسبب دماغها الناشفة..عشان إكده فكرت مين يشيل عني الحمل ديه..بعد ما أموت..ملقتش غير ود أخوي هو ال يشيل الحمل عن عمه..وهو اكتر واحد حيحافظ على الأمانة..وعلى رأي المثل ياولدي..أخطب لبتك ولا تخطبش لولدك وأنا عايز أجوزك بتي يامالك أنت أكتر واحد حتعرف تمشيها كييف؟.
صمت لحظات وهو يرى الزهول احتل وجه ابن أخيه والمفاجأة جعلت عيناه شاخصتان، بعدها أكمل:
-أنا حسيبك تفكر مدة السبوع المسافره ديه..ومتخافش مش حزعل لو جلت لاه.
لم يتحدث كلمة أخرى..ولم يطلب من ابن اخيه أن يتكلم..مالك ايضا لم يجد ما يقوله..الصمت كان رفيقهما حتى باب الطائرة.
أخرج كل ضيقه في زفير طوييلا حارا وهو يهمس لنفسه:
-الله يسامحك ياعمي بليتني ببلوى ومصيبة كبيرة.
*********************************
في غرفة خالد وزوجته
كادت وداد أن تزغرط بعدما قال لها زوجها أن مالك سيتجزوج نريمان..وأن الأسبوع القادم سوف يكون الزفاف.. لولا أن أسكتها خالد وهو يضع يده على فمها محذرا اياها:
-أكتمي ياولية..أنتي مصدجتي.
وداد بعتاب :
-ايه ياحج أنت مش بتقول أنه عطاك الموافقة وانتو جايين في السكة..وقالك بعضمة لسانه أنا موافق يا عمي..خلاص متسبني أزغرط وأفرح بقى.
-ياولية ..يا ولية اصبري لحد منشوف رأي بتك المعدولة مش يمكن متوافجش.
باابتسامة عريضة همست وداد بثقة:
-لا حتوافق يااخويا ان شاء الله.
قال وهو يشد رحاله للنوم
-عالله..أهو بكرة ابقي خودي رأيها وشوفي حتجولك ايه.
تمتمت مع نفسها:
-حتقول ايه يعني موافقة ان شاء الله ربنا يهديكي يانانا يا بنتي يااارب.
*********************************
الفصل الثامن
كاره النساء
- كييف وافجت يامالك على الجوازة دي؟؛ من واحدة بتكره كل حاجة فيها..غرورها، وطريجة لبسها، وتصرفاتها الغبية وجذلة ذوقها معاك.
آااه لكن كان لازمن أوفج ..كيف موافجش؟ وأرفض طلب عمي..كيف أرده و أصغره؟ واكسفه وهو ال وجف جنبي، ولمني في بيته، ومن غيره كنت ضعت..بس أنا مش حكون الرادل ال تمشيه مرته، وحعرف كيف أمشيها على العجين متلخبطوش..حربيها من أول وجديد، أنا مش حكون نسخة مكررة من أبويا..لاه مش حكون زييه واصل.
كان ذلك الحوار يدور بينه وبين نفسه..يرى صورته المعكوسة في المرآه وقد احتقن وجهه وغارت عيناه، يشعر بأن أنفاسه ثقيلة، حتى انه ورغم عنه صرخ في المصفف الذي يعده ليوم زفاف قائلا بحدة:
-متخلصني بجى ياأخينا أنت ليك ساعتين عمال تنحف في راسي..خلقي داق عاد.
وعلى الرغم من حدة مالك الا ان الرجل رد عليه باابتسامة ودود كأنه قد تعود على ذلك من كثرة ممارسة عمله فاردف بهدوء:
-خلاص يا عريسنا اهو قربنا نخلص..وبعدين أنت عريس يعني الشغل لازم ياخد حقه.
مالك متأففا:
-طب خلصني.
-حاضر يا عريسنا.
قالها المصفف وهو يضع اللمسات الأخيرة له.
********************************
في حجرة نريمان كانت هي الأخرى تتزين ليوم عرسها بمساعدة فريق متخصص في التجميل..هي أيضا كانت شاردة تفكر في هروبه منها على مدار الأسبوع..تسأل لماذا كان يهرب منها؟؛ هل كان يتعمد أن يتغيب طول اليوم ولا يأتي الا بعد أن ينام الجميع؟
هل كان يفعل ذلك حتى لا يحتك بها؟ تنفست وهي تشعر بشعور غريب يسري بداخلها، كأنها مقبلة على مغامرة جميلة.. حبها له الذي شب بداخلها فجأة ولا تعلم كيف؟ يجعلها سعيدة ..بل في غاية السعادة..وكلما تذكرت حديث والدتها مع والدها بالصدفة وقد علمت منه أن ابيها قد طلب من مالك أن يتزوجها ساعتها غارت على أنوثتها، واحتجت كرامتها كيف يفعل أبيها ذلك؟ كيف يهينها ويحد من قدرها ..أنها كأي أنثى تريد أن يتقدم لها عريسها ولا تعرض عليه، زفرت ذلك الشعور بالدنو، نظرت لصورتها المعكوسة في المرآة وعندما رأت كيف صارت؟ بعد أن اكتملت وتجملت وأصبحت عروس في أبهى صورة..بهية في طلعتها..جميلة في طلتها فقالت وهي معجبة بنفسها:
-مش مهم بقى هو ال طلبني أو بابا طلبه ليا..المهم أنه خلاص بعد شوية حيبقى جوزي..حيتقفل علينا باب واحد..ولما يشوف حلاوتي دي..مش حيقاوم..وان مخليته يركع وهو بيقولي بحبك مبقاش أنا..أنا صحيح بحبه لكن عمري ماحصرح بحبي ليه..لازم هو ال يعترف..هو ال يجي ويبوس الأيادي عشان أحبه.. عشان أرضى عنه.
مازال الغرور يسيطر عليها ويقحم نفسه حتى في احساسها به.. أخرجها من شرودها دخول أمها وهي سعيدة للغاية قائلة:
-مبروك يانانا ياقلبي..عريسك جاي دلوقت استعدي بقى عشان الزفة حتبدأ من هنا..وعندما انتبهت لصورتها النهائية عروسة جميلة كأنها ملكة هتفت بفرحة ادمعت عيناها:
-مشاء الله عليكي ايه القمر ده.
ثم اتبعت كلامها بأن اطلقت زغرودة جعلت الكل يشاركونها فرحتها..لا تنكر ناريمان بينها وبين نفسها ان تلك الزغاريد جعلت قلبها يخفق بسعادة.
أعتدلت وهي تنصب قامتها وتفرد أمامها فستانها عندما قالت إحدى صديقاتها بلهفة:
-العريس جاي..العريس جاي.
دلف مالك بعد أن طرق طرقات خفيفة منه حينما أذن له، وبعد أن وقع بصره عليها حدق بها في غضب واستياء، تسمر مكانه للحظات واذ به يخطو نحوها خطوات سريعة ناقمة وجذبها من يدها بعنف متوجها بها نحو حجرته تحت نظرات التعجب والدهشة من كل الموجدين في الحجرة.
-في ايه يا جدع أنت بتجرني كده ليه..لا اسمع لما اقولك.. مفيش دخلة غير لما يتعملي فرح آه.. أنا اول مرة اتجوز.
قالت ذلك ثم صمتت رغم عنها عندما دفعها مالك بعنف وهو يغلق الباب خلفه، ويقول من بين أسنانه:
-اكتمي....ايييه مفيش خشى واصل.
قالت وهي تبتعد للخلف في خطوات مرتعدة:
-في أيه؟
-أيه ال انتي لابساه ديه.
قال ذلك وهو يشير على فستان زفافها الذي كان بدون اكمام.
فنظرت لفستانها وسألت بعدم فهم:
-ماله الفستان..مهو زي أي فستان عروسة نافش وحلو اهو.
بحلق في السقف في ملل ثم نظر لها وهو يقول بعد أن جذبها من شعرها فهدم تصفيفه:
-بجولك أيه أنا مش ناجص وخلجي في مناخيري.. لتلبسي فستان زين..ومحترم إكده لامفيش فرح والا ورب العزة أخليكي تنزلي للناس بجلبية أم احمد ..هاه..فاكراها ولا لاه.
ابتلعت ريقها واتسعت عيناها لمجرد التصور..فقالت على الفور:
-لا..لا..خلاص أنا حعمل ال أنت عايزه.
-كسحة تاخد الحريم كليتها.
قال ذلك وهو ينظر لها باشمئزاز من أعلى الى أسفل..ثم خرج وهمس في أذن مسئولي التجميل بما يريد.. واصطحب زوجة عمه لحجرة ناريمان ليفهمها الأمر
-في ايه يا مالك يابني مالها ناريمان عملت ايه.
-تعالي معايا يا مراة عمي وانا افهمك.
افهمها أنه طلب منها أن ترتدي فستان زفاف لائق.. نظرت له باعجاب تصرفه طمئنها وايقنت ان مالك رجل ذو حمية ويعتمد عليه..خاصة انها كانت قلقة للغاية عندما زوج خالد ابنته من ابن أخيه عرفيا..صحيح انه جعله يمضي على تعهد أنه حينما تتم نريمان السن القانوني للزواج عليه أن يتمم الزواج ويجعله رسميا.
بعد برهة من الوقت خرجت نريمان بنفس الفستان ولكن بعد أن ارتدت أسفله ما يستر ذراعيها، وكانت محجبة..خرجت غاضبة فصورتها لم تعجبها بالطبع..ولكن ليس مهم ..المهم أنه ابتسم لها برضا..حتى أمها همست في أذنها:
-والله شكلك كده احلى.
بكل الغيظ همست لأمها:
-بقولك ايه ياماما سبيني في حالي دلوقت ومتعصبنيش.
************************************
وفي حديقة البيت رصت المناضد التفت المعازيم حولها في انتظار العروس المتعجرفة الصغيرة..( كوشة) للعريس والعروسة صممت تصميم رائع ..حيث الوورود البيضاء والستائر من خلفها فضية لامعة..واريكة للعروسين كأنها عرش لملك وملكة.
تأبطت ذراعه ومشت بجواره بخطوات متأنية واثقة..مختالة. تحت عزف الفرقة التي قامت بزفهما، الموسيقا والزغاريد، والتصفيق والأعجاب الذي طل من عيون المعازيم جعلها تنسى أمر الفستان الذي لم يعجبها وتحكمات مالك فيه..كان قلبها يرقص بداخلها، جلسا على الأريكة وصدحت الأغاني المناسبة للحفل..ثم اقبلن البنات عليها يتبخترنا بفساتين السهرة..ورغبوا في جذبها للرقص معهن..ولكن مالك اعادها لمجلسها بعد اعتذر لهن في لباقة..واضطروا الى أن يرقصن بدونها..فنظرت نريمان لمالك في ضيق وقالت له محتدة:
-الله بتشدني ليه..أنا عايزة أرقص..مش ده يوم فرحي يبقى اعمل ال أنا عايزاه بقى.
نظر لها نظرات رادعة ثم همس بتحذير:
- ترجقصي ايه رجصك وجع بطنك. .متجوز راجقصة أنا ياك، لمي روحك يبت الناس عشان الليلة دي تعدي..لحسن ورب العزة أمسخرك جدام الخلق كلتهم.
ضربت بقبضتها على فخذها بغيظ وظلت تنظر للمعازيم كأنها منبوذة بينهم..يوم زفافها حرم عليها الرقص مثلها مثل أي عروس..حتى أن يأخذها بين يديه ويراقصها.
هو أيضا كانت عيناه تتفحص الفتيات التي ترقص في استياء، حركتهن المخضبة بالميوعة تثير استفزازه تحفزه على أنا يقوم ويصفعهن على وجوههن بلا رحمة حتى يتعلمن الحشمة التي لا يعرفونها، أكتافهن عارية..وسيقانهن ترقص وتحتك بأرجل رجولية متعمدة وغير متعمدة، يتمايلنا ويتبخترنا أمام شباب غريب عنهن، وكأنه في مدينة العري والضلال، حتى بعض المسنات من النساء..متبرجات تبرجا غير لائق لعمرهن..تبرجا مقذذ منفر، تلك المشاهد التي يعج به كل مكان يذهب اليه وكأنه في أجواء خنيقة.
كم بات يحلم بمكان نظيف من نساء عريات كاسيات..انه ليس بقديس..ولكنها فطرته التي فطره الله عليها..يعشق التستر والتحشم..أشاح ببصره في نفور بعيدا عن تلك الصور التي تكتم أنفاسه وتجعل صدره ضيقا حرجا، يحاول أن يتنفس..ولكنه يخشى التنفس فالهواء من حوله مختلطا بعطرهن الذي عندما يستنشقه ويخترق أنفه كأنه يستنشق غاز سام، يكاد يقضي عليه..حتى انه بتلقائية مد يده الى رباط عنقه لكي يحرره.
انتهى الحفل أخير واضطر لمجارتهم في تلك الطقوس العرسية في حمل عروسه تحت هتاف الفتيات والشباب للصعود بها نحو شقتهما التي عدت لهما في الطابق الأعلى مدار هذا الأسبوع..وما إن دلف بها الى حجرتهما حتى ألقى بها على الفراش بطريقة عنيفة جعلها تتأوه وهي تضع يدها أسفل ظهرها:
-الله مش تحاسب.. انت بترمي شوال بطاطس
ولا أيه.
أمسك فكها قائلا بقسوة:
-بجولك أيه حطي لسانك جو خاشمك.. صوتك ديه مسمعوش واصل.. ولحد الصبح مشفش وشك..فاهمة.
ثم خرج وهو يرميها بنظرات مستاءة.
همهمت بغيظ حاولت أن تنهض ولكن فستانها بحجمه أعاقها..ولكنها ظلت تحاول حتى نجحت..وقفت أمام المرآة لتشرع في تغيير ثوبها..وما إن رأت صورتها المعكوسة حتى تمايلت يمينا ويسارا بفستان زفافها معجبة بذاتها تقول محدثة نفسها:
-بقى ياربي الجمال والحلاوة دي محدش يعبرها في ليلة عمرها، تنام زي قرد قطع كده في أوضتها لوحدها، وعريسها واخد جمب لوحده، آه يالوزة حلوة ياصغيرة على النكد.
قالت جملتها الأخيرة وهي تتباكى بتمثيل درامي ساخر، تخلع عنها (طرحتها) مع همهمة يائسة من حالها الذي آلت إليه، تتدقق النظر في سحنتها مرة أخرى ..وجهها المستدير كالقمر، وملامحها الرقيقة..وعيناها السوداء المكحلة بسحر يخطف القلوب..ورموشها المصففة الطويلة وكأنها سهام ترشق في القلوب، وشفتياها الممتلئتان وقد جعلهما الطلاء شهيتان، وما أجمله طابع الحسن المحفور في ذقنها.
تأملت وجهها الذي زادته الزينة حسنا.
في ليلة كهذه تصبح الفتاة من أجمل ما يكون، فتهمس لنفسها بضيق:
-ألم يؤثر فيه هذا الجمال ولو للحظات؟؛
ياله من رجل متحجر المشاعر.
أنها تحبه بل تعشقه، ابن عمها هذا القاسي الذي يعاملها بجفاء دائما، لا تذكر أنه ضحك في وجهها أو ابتسم لها مرة واحدة، كان يتعامل معها كولي أمر فظ يأمر وينهي كما يحلو له.. وويلا لها كل الويل أن عصته، ويسانده في ذلك والدها الذي يحبه حبا جما كأنه أبنه من صلبه، يعتز برأيه جدا، ويعتمد عليه في كل شئ، زفرت بضيق عندما تذكرت أن والدها هو من خطبها له، ودت لو أنه هو من بادر بخطبتها، كأمر طبيعي أن يتقدم العريس لعروسه لطلب يدها..لكنها فرضت عليه، مسح ذلك الحرج حبها الشديد له، ورغبتها في الزواج منه، بل سعادتها عندما أخذ أبيها رأيها وأعلمها بخطبتها له، شعرت بقلبها ينبض بشدة عندما ذكرته، كأن دقاته تزداد أضعافا عندما تأتي سيرته، حتى أنها وضعت يدها على قلبها عله يهدأ، تنفست بقوة، أغمضت عينيها في تمني لأن يرق لها ويأتي الآن ويحتويها بين ذراعيه، فتحت عيونها، عضت شفتها السفلى وقد روادتها فكرة ما، أرادت أن تراه.
-ترى ماذا يفعل الآن في الخارج؟
سألت نفسها هذا السؤال ، ثم اقتربت وهي تخطو على أطراف أصابعها، نحو الباب بخطوات بطيئة حذرة ومن ثقب الباب بحثت عنه بعينيها، رأته على الأريكة يجلس بأريحية، وقدميه على المنضدة واحدة على الأخرى، يبدو على سحنته الشرود.
-ترى بماذا يفكر..لا أظنه يفكر في؟
هكذا سألت ذاتها..رفعت عينيها واستقامت، تتنفس بحب، وتقول لقلبها:
-ليتك ياقلبي تقتبس منه قسوته كنت أرحتني.
ارتمت على فراشها تنام وعقلها يفكر كيف ستتعامل مع هذا القاسي، هل ستستطيع ترويده؟ هل ستستطيع استمالة قلبه لها، وأن تحوله من حجر صلد، الى اللين والحب، أنها ستحاول ولن تيأس. زفرت بتحفز تقسم بداخلها أنه سوف يكون أسير هواها.
خلعت عنها فستانها، ثم رمت بنفسها على فراشها تحتضن وسادتها عيناها تدوران في الحجرة بغير هدى، ترى طيفه قابع في كل ركن فيها.
وها هو ذا الصباح يشرق بأمل وحب، وصوت زقزقة العصافير تتناغم مع دقات قلبها لتعزف سيمفونية عشقها له ، فتحت عيونها باابتسامة سعيدة مشتاقة لهذا القاسي، تفرد ذراعيها في حركة رياضية لتنفض عنها النوم والكسل، تذهب الى المرحاض بعد دقائق تخرج وهي تجفف وجهها، تقف أمام المرآه ترى سحنتها احمرت بفضل الماء ابتسمت برضا عن نفسها، اخذت نفسا عميقا واخرجته مرة واحدة قبل ان تخرج من حجرتها، بحثت عنه فوجدته مازال نائما على الأريكة ابتسمت بحب له، اقتربت ببطء حتى لا يستيقظ، جثت على ركبتيها وظلت تتأمله في حب ونظراتها كلها هيام، تسأل نفسها لماذا تحبه كله هذا الحب؟ وهي تعلم أنه لا يبادلها اياه بل قد يكون يكرها، لماذا تعشقه برغم قسوته ومعاملته الفظة لها، انها لا تعشقه فقط بل تذوب فيه، تحب ذلك الجبين الأسمر العريض باقتطابه الدائم، عيناه العسليتين المعكرتان بالحزن والكآبة ولا تعلم السبب، انفه المستقيم بكبرياء، شفتيه المتمردتين دائما، ثم رفعت عينيها الى شعره لتكمل تفحصها المتيم له، شعره هذا الغزيز الذي تمنت لو تتخلله باصابعها في حركة مداعبة من حبيبة لحبيبها، حتى أنها بالفعل مدت أصابعها نحوه.. ولكنها توقفت بصعوبة خشت أن يستيقظ فيقطع تأملاتها له، ودت لو قبلته في جبينه لكن أكتفت بتقبيل عيونها له، قطع تأملاتها جرس الباب الذي صدح كأنه يقول لها افيقي من غيبوبة الحب هذه.. فانتفضت وهي تنظر للباب واضعة يدها على قلبها حتى يسكن، تزدرد ريقها بتوتر ثم اتجهت ببصرها نحوه مرة أخرى تزفر براحة، وراحت تغمزه في كتفه وتهمس له:
-كبتن..قوم ياكبتن.. ياكبتن أصحى.
ففتح عيونه ينظرلها بقسوة لا تخلو من الدهشة، وتلك التقطيبة التي زدات على سطح جبينه ليغمغم:
-في ايه؟..ومالك جاعدة إكده ليه؟
اخفت كل الحب الذي تكنه له خلف نظرة باردة في عيونها وقالت وهي تعقد ذراعيها:
-الباب بيخبط ياكبتن وميصحش حد يدخل يشوفك نايم هنا على الكنبة.
-ايه كبتن دي؟ نطراني لابس ترنج وقابص كورة في ايدي وبجري في الملعب.
قالها بنبرة قاسية وكأنه على وشك صفعها ثم نهض، تخطاها بقدمه ودفعها بقوة بحركة من راحة يده على كتفها ..حتى انها تأوهت ولوت شفتيها من فعلته هذه التي ليس لها داعي ..وضعت يدها على كتفها تمسده وهي تهمس بغيظ:
-طب متزقش ياكبتن طه
نهضت وتوجهت صوب الباب بعد أن رسمت الأبتسام المصتنع على شفتيها، وكان أبيها يجري بأصابعه على مسبحته يبتسم بفرحة وهو يردف:
- صباحية مباركة يابنيتي.
قبلت ظاهر يده فبادلها بقبلة على جبينها فهمست له:
-الله يبارك فيك يابابا.
من خلف أبيها كانت أمها التي دلفت وهي تزغرد، وقد اشتعلت عيناها بمصابيح الفرحة، تحتضنها بقوة وهي تربت على ظهرها بحنان تهمس لها:
-مبروك ياضنايا الف مبروك.
ثم همست أمها في أذنها بكلمة سرية ، جلعت نريمان تتخضب بحمرة الخجل، وتهمس بصوت خجول وقد أطرقت بعيونها:
-احم..تمام ياماما..تمام.
جملتها هذه جعلت الأم تزيد من ( الزغاريد) بصوت عالي، وتحتضنها بقوة أكثر جعلت ابنتها تهمس لها وقد ازداد تلبكها:
-خلاص بقى ياماما.
***********************************
تراجع عبد الحميد فجأة ولم يوقع فجعل مروان يضيق عينيه ويسأله متعجباً:
-ايه ياعبد الحميد متمضي..مالك اتراجعت ليه، ايه مش واثق فيا ولا أيه..ياراجل داانت ممضيني على وصل أمانة بعشرين مليون جنيه اخده لما اكتب على بنتك رسمي..تكون ساعتها بلغت السن القانوني.
نظر عبد الحميد لمروان بعد أن شرد عقله لحظات بعدها أردف:
-أنا ليا شرط ومش حمضي غير لما تنفذه.
مروان وقد قارب ان ينفذ صبر:
-شرط ايه ياعبد الحميد تاني بعد كل طلباتك ال طلبتها..ده أنت نحلت وبري ياراجل.
دار عبد الحميد حوله واضعا يده على كتفه قائلا:
-متخفش الشرط ده ملوش دعوة بالفلوس..ده شرط يخصني أنا.
زادت حيرة مروان فهمس وقد شعر بقلق خفي:
-شرط أيه ده يا عبد الحميد.
همس عبد الحميد دون أن ينظر له:
_ أنا عايز دخلة بنتي تبقى بلدي.
الفصل التاسع
كاره النساء
تراجع عبد الحميد فجأة ولم يوقع فجعل مروان يضيق عينيه ويسأله متعجبا:
-ايه ياعبد الحميد متمضي..مالك اتراجعت ليه، ايه مش واثق فيا ولا أيه..ياراجل داانت ممضيني على وصل أمانة بعشرين مليون جنيه اخده لما اكتب على بنتك رسمي..تكون ساعتها بلغت السن القانوني.
نظر عبد الحميد لمروان بعد أن شرد عقله لحظات بعدها أردف:
-أنا ليا شرط ومش حمضي غير لما تنفذه.
مروان وقد قارب ان ينفذ صبر:
-شرط ايه ياعبد الحميد تاني بعد كل طلباتك ال طلبتها..ده أنت نحلت وبري ياراجل.
دار عبد الحميد حوله واضعا يده على كتفه قائلا:
-متخفش الشرط ده ملوش دعوة بالفلوس..ده شرط يخصني أنا.
زادت حيرة مروان فهمس وقد شعر بقلق خفي:
-شرط أيه ده يا عبد الحميد:
-أنا عايز دخلة بنتي تبقى بلدي
حدق فيه مروان غير مصدق ما هتف به عبد الحميد فسأله متعجبا:
-أنت بتقول أيه ياعبد الحميد ؟؛
بنظرات جامدة قال عبد الحميد:
-السمعته.
مروان ومازال مصدوما من حديثه:
-أيوة ازاي تقبل كده على بنتك..طب صارحني أنت بتعمل كده ليه؟ مش واثق فيها؟
سدد عبد الحميد لمروان نظرات جامدة، قاسية متوهجة كأنها سوف تحرقه حينما قال له بنبرة تضع حدا لقراره:
-بقولك ايه ده قراري النهائي ومن غير ماتفهم حاجة ،ولو مش موافق خلاص نفضها سيرة بقى.
بعد قوله هذا كاد أن ينصرف لولا أن أوقفه مروان قائلا وقد خشى أن يخسر عروسه:
-لأ خلاص موافق طبعا.
أثناء حديثهم هذا كانت عزيزة على الباب تحمل الصنية عليها القهوة..ورغم عنها سمعت الحديث الذي دار بينهما، فصعقت ولم تستطيع الدخول لتقدمها لهم.. ان ما سمعته كان أقوى من احتمالها فرجعت الى المطبخ والصدمة سببت لها دوار، تهمهم بينها وبين نفسها بهيستريا كأنها تهزي:
-يقطعني يضنايا ايه ال بيعملوه معاكي ده معقول ..معقول كده؛ يارب ..يارب استرها معاها دي عيلة وغلبانة.. أعمل ايه دلوقت ياربي ..أعمل إيه بس دبرني يااارب؟
قررت عزيزة أن تحدث عبد الحميد وتتراجاه ان يتراجع عن ما ينتويه لعله يستجيب لها.. فإن جومانة طفلة ولن تتحمل مثل هذا الأمر..انتظرت حتى انصرف مروان فدخلت عليه تحمل قهوة له كانت مترددة خائفة من ردة فعله..لكن خوفها الشديد على جومانة حفزها أن تكلمه فقالت له بصوت يملؤه الرجاء:
-عبد الحميد بيه..أنا ..أنا بترجى حضرتك ببلاش حكاية الدخلة البلدي دي ..عشااا. ..
قاطعها عبد الحميد بنظرات صارمة ونبرة زاجرة وقد هب فيها صارخا:
-انتي بتتصنتي عليا ياعزيزة.
عزيزة مدافعة عن نفسها:
-لا والله ياسعادة البيه ده انا سمعتكم صدفة والله وانا بجبلكم القهوة..بالله عليك بلاش الحكاية دي..ست جومانة لسة عيلة ..ابوس ايدك ياساعة البيه بلاش.
فصرخ بها وهو يشير لها أن تخرج:
- وانتي مالك بتدخلي ليه في مالكيش فيه يلا اخرجي وسبيني دلوقت ..أنا مش فاضيلك وروحي جهزي البنت عشان بكرة الفرح..يلا اخرجي برره.
خرجت عزيزة ودموع القهر على خدها..والحسرة والأسف على جومانة يمزقان قلبها..تلك المسكينة سوف تذبح على يد زوجها بأمر من أبيها..ماذا عساها أن تفعل لها؟
عند خروجها لم ترى جومانة التي كانت واقفة عند الباب.. كانت على وشك أن تدخل لأبيها لكي ترجوه أن يعدل عن زواجها من مروان، فسمعت ذلك الحوار ولكنها لم تفهم شئ فسألت نفسها؟ ما معنى دخلة بلدي؟؛ ومع ذلك قلبها انقبض..تشعر أن ما سمعته أمر سئ صعدت الى حجرتها وفتحت حاسوبها ، واستعلمت عن هذا الأمر في البحث قرأت مقالات وأبحاث عن الدخلة البلدي وكيف تكون، وياليتها ماعرفت كأن صاعقة من السماء نزلت على رأسها..جعلتها تشعر بالدوار، وقلبها يخفق بجنون كأنها تحتضر..مسحت عرقا نضح من جبينها، وضعت يدها على فمها تكتم آهة استغاثة، تريد أن تصدح في الآفاق تشكو من ظلم أبيها كيف لأب يرضى لأبنته بذلك، كيف لأب يطلب من زوج ابنته أن يفض بكارتها أمام الغرباء لهذا الحد أبيها لا يثق فيها..اغمضت عينيها وهي تتخيل ذلك المشهد ..فاقشعر جسدها وارتجفت أوصالها.. أجهشت بالبكاء فلا تملك غيره..ترتمي على فراشها تتنتحب وتتشنج..وتنادي على أمها الميتة تأتي لكي تأخذها معها في عالم قد يكون أرحم عليها من ذلك العالم البغيض الذي يحيط بها.
***********************************
جلس مالك على الأريكة يشاهد مبارته التي يعشقها..مبارة الأهلي والزمالك، أما نريمان كانت في حجرتها حائرة هل تتزين وتخرج له تجلس بجواره كأي زوجة تجلس بجوار زوجها، ولكنها عدلت عن التزين فتركت أدوات الزينة وهي تقول في كبرياء:
-ﻻااا اتزوق عشان يقول اني بتزوق عشانه.. ويشوف نفسه عليا ده بعده..لازم ميحسش أني مدلوقة عليه.
خرجت إليه بمظهر عادي..جلست بجواره على الأريكة..كانت تنقل بصرها بينه وبين التلفاز تراه مندمج معه..حتى أنه لم يشعر بجلوسها بجواره..فابتسمت بخبث وقررت بينها وبين نفسها أن تعكر صفوه..وبكل برود تناولت( الريموت) وغيرت المحطة التي تعرض المبارة الى قناة تعرض فيلما تحبه.
وبفعلتها هذه أثارت غضبه كأنه الآن فقط انتبه لوجودها، فنظر لها بنظرات نارية متحفزة كأنه أسد شاكسه فأر فصرخ بها قائلا:
- أييه بتجلبي القناة لييه غورتي الماتش عشان تجيبلي فيلم.
لا تنكر أن صوته الغاضب زلزل قلبها ولكنها ابتلعت غضبه وحاولت أن تبدو هادئة فقالت ببرود:
-أنا مبحبش اتفرج على الماتشات ..وعايزة اتفرج على فيلم.
ابتلع تفاهتها ولم يرغب في الرد عليها بل زفر في نفاذ صبر وخطف منها( الريموت) بعنف وهو يقول مهددا:
-بجولك أييه أوعاكي تاني مرة تغيري الماتش حتبجى بموتك ..وهاتي الريموت ديه ويلا فزي جومي اعمليلي شاي.
وكأن مشاكسته تحلو لها، والعند أمامه له مذاق خاص، ومخالفة أوامره تنعش روحها فقالت له وهي تسترد الريموت منه مرة أخرى:
-لا بقى أنا عايزة اتفرج على فيلم وأنت مش حتتحكم في التلفزيون وتاخده لنفسك.
ضم شفتيه بغيظ وهو يغمغم:
-الله مايطولك ياروح.
وهم أن يأخذ منها الريموت.. ولكنها أبعدت يدها عنه بل انها قامت تركض لكي لا يأخذه منها، فصاح بها وهو يزوووم:
-تعالي اهنيه بجولك.
قالت وهي تضحك ضحكات طفولية كأنها تلعب معه:
_ لأ..مش حدهولك.
فركض خلفها.. تجري خلف المقاعد وهو خلفها..هو يزوم بغيظ وهي تضحك باستمتاع..تصعد فوق الأريكة وهو خلفها فيمسك بها وهي مازلت ترفع يدها القابضة عليه وكأنه قطعة ذهب غالية الثمن تخشى فقدها، يتعاركان سويا من أجل الحصول عليه..فجذبها من قدميها فجعلها تنبطح وتنام على الأريكة وهو فوقها ومع ذلك تقاوم في استماتة تحولت ضحكاتها.. الى صرخات تخشى أن ينتصر عليها.. في لحظة تأمل وجهها..تأمل برائتها وعيونها الضاحكة، هي تلعب معه، وهو في قمة غيظه..شئ خفي في رجولته جعله ينهض عنها سريعا يبتلع ريقه بصعوبة وكأنه يهرب منها قائل لها بضيق:
-غوري بيه مش عاوزه سديتي نفسي..
ثم دخل حجرته وأغلق على نفسه الباب..أما هي فقد اعتدلت وقد ذادت ضحكاتها تحرك الريموت في يدها بانتصار وتهز قدميها في استمتاع.
**********************************
منذ أن فهمت جومانة وعلمت ما ينتوي عليه أبيها منذ تلك اللحظة و عقلها يحارب لكي يفهم، لماذا يفعل بها أبيها ذلك؟ أنها تطيع أوامره كالعمياء ..تسمع كلامه..وتتجنب مخالفة أوامره..فما الخطأ الذي فعلته ليقسو عليها هكذا، أنها تخشى حتى التنفس أمامه اتقاء غضبه فإن غضبه أسود وعقابه عسير.
منذ صغرها ومعاملته لها جافة..لم يسبق له أن ضمها الى صدره ولو مرة واحدة..لم يحدث أن قبلها في جبينها قبلة أبوية تحصنها من الضياع، كم من مرات فكرت في الهروب..كم من مرة فكرت في انهاء حياتها ، ولكنها تتراجع كانت تقنع نفسها أن ابيها يفعل ذلك من فرط خشيته عليها أي خوف هذا يجعل الآباء يتعاملون مع أبنائهم معاملة السادة للعبيد..لا يعلمون أن مساحة من الحرية تأمن لهم توازنا نفسيا وخلقيا، فكرت في التخلص من حياتها ولكن عزيزة لم تتركها لحظة واحدة كأنها تشعر بما هي مقدمة عليه، كانت أسوء ليلة قضتها في حياتها..عقلها كاد أن ينفجر من كثرة التفكير ..وقلبها تصدع من فرط الحزن عيناها تورمتا من كثرة البكاء..حتى عزيزة لم تفلح في مواساتها..لا تعلم كيف تزينت ولا كيف ارتدت فستانها وعزيزة بجوارها تتألم من أجلها تربت على يدها وتمسح على ظهرها، ولكنها لا تستطيع أن تنزع عنها حزنها، وأتى أبيها لكي يأخذها ليسلمها لعريسها أو لعشماوي كما شعرت، قلبها خفق بعنف كأنه دقت طبول، وجهها اذداد شحوبا كأنها تحتضر، نظرات مروان لها وهو يتأملها بثوب زفافها كأنها نظرات ذئب يلثم شفتيه استعداد لألتهام فريسته، قبض على يدها ودسها بين ذراعه مما جعلها تنكمش، زفا سويا وكأنهم سيزفونها نحو القبر..وبعد انتهاء الفرح جاءت اللحظة التي جعلت قلبها يسقط في قدميها لحظة صعودها إلى حجرتها تنظر لعزيزة نظرات استغاثة ..وعزيزة تخفض بصرها بعجز..في الحجرة وقفت ترتعش كعصفور بلله المطر كل خلية فيها ترتعش رغم عنها، ساقيها ترتجفان..عيناها تجود بدموع الأستغاثة الغزيرة ولكن قلب أبيها حجر صوان نفذ منه حنان الأبوة..تتشابك يديها مع بعضهما في خوف مستطير..مروان ينظر لها برغبة متوحشة، والمنديل الأبيض يلفه على ابهامه في استعداد لذبحها دون أدنى شفقة ركضت نحو ابيها تصرخ وهي تتوسله وتقبل قدميه..ترجوه وتتوسله باستماتة ودموعها تغرق وجهها:
-لا يابابا..بلاش.. بلاش اقتلني احسن ومتعملش فيا كده..أنا بنتك يابابا ..ازاي اهون عليك ..عشان خاطري يابابا ..عشان خاطر ربنا .. ارحمني يابابا..وخرجني من هنا بالله عليك يابابا ..لو بتحب النبي ارحمنيييي.
ارتعشت عينه اليسرى بحركة لا أرادية.. يضم يده بقوة حتى يستطيع السيطرة على قلبه الذي يتمزق..ولكنه أشاح بوجهه بعيدا عنها وهو يقول لمروان بنبرة جافة مطعمة بالقسوة والبرود:
-خلصني بقى يامروان.
جذبها مروان من ذراعها حتى أجبرها على النهوض..وهي تصرخ وتستغيث..وعزيزة في الخارج تبكي بمرارة وتدق الباب بقوة طالبة من عبد الحميد الرحمة..ولكن عبد الحميد قلبه قد مات.. أتى من خلفها وقيدها من ذراعيها يشير لمروان بعينيه أن ينتهي وكانت نتيجة مقاومتها المستميتة لهما أنها لم تتحمل تلك الجريمة البشعة..فقدت وعيها، تدفقت الدماء من أسفلها غزيرة تشهد على بشاعة ما يفعلانه.. دماء لا تريد أن تنقطع.
حتى انزعج مروان فقال وهو ينظر لابيها بانزعاج:
-عجبك كده البنت بتنزف.. أنا ايه ال خلاني طاوعتك.
تجاهل مروان نظرات عبد الحميد الشاخصة والغير مفهومة، والتي تنظر لأبنته بزهول كأنه على وشك أن يفقد عقله.. اتصل بالأسعاف وعندما فتح الباب دخلت عزيزة ولطمت عندما رأت منظرها البشع..أباها يحتضنها من ظهرها شاخص البصر عيناه تدوران في محجريهما في زهول..رأسها مرتخيا على ذراعه..ثوبها ثائر حولها باهمال ودماء عذريتها فرشت الأرض من تحتها.
صرخت عزيزة:
-بنتييييييي.
*******************************
بعتزر لو كان مشهد ليلة زفاف جومانة وصفته باستفاضة شوية.. بس عشان ابين مدى الجرم ال بيقع على الفتاة بمثل هذه العقليات المتحجرة.
دمتم بخير
الفصل العاشر
كاره النساء
وضع مروان جبينه على باب حجرة العمليات، الندم يمزق أحشائه، هو الذي ظن نفسه ذئب بشري..قد ماتت الرحمة في قلبه، للحظات ظن أنه كفر بكل النساء..وأنهم كلهن في نظره مجرد أداة للتسلية..للمتعة، للقضاء على الوقت، جومانة وحدها احتلت مكانة خاصة في قلبه، استولت عليه واستحوذت على نبضاته..عينيها أداة التحكم التي تتحكم به كل نظرة منها تزلزله..في لحظة غباء مضى على ثق ذبحها، في لحظة خوف من فقدها قبل أن يمزقها أربا بدم بارد.
همس لنفسه وهو يضرب جبينه في الباب عدة مرات والندم يأكل قلبه:
-ما كانش المفروض أوافق، ما كانش المفروض أقبل..أنا غبي حمار..وحش مفترس ..ضيعتها قبل ما تبقى ملكي.
ظل يخبط رأسه في باب الغرفة ندما.. ويجلد نفسه ويلومها أشد اللوم.. يشعر أنه يريد أن يضرب نفسه بالرصاص عقابا لها على ما فعلته.
على بعد متر واحد جلس عبد الحميد أبيها على مقعد الأنتظار، وكل شئ بداخله متوقف نبضه ..قلبه الذي لا يخفق.. عقله المشلول ، ضميره الميت ..هكذا كان يشعر..صمت رهيب بداخله ينذر بشئ خطير..يريد أن يلوم نفسه ولا يستطيع..يريد أن يتكلم يعاتب ضميره يحاسبه..لكنه عاجز ..فقط كان لسانه ينطق بكلمة ينطقها بروح تحتضر..تخرج بحروف ضعيفة ميتة:
-بنتي..بنتي..بنتي..بنتي.
ساعتين بعدها خرج من الحجرة طبيب نسائي عمره ثمانية وعشرون عاما..أشقر..شعره أصفر ذو تعاريج..شفتاه غليظتان مقلوبتين باشمئزاز من فعلته، وجهه غاضب مستاء لم يخفى ذلك على مروان الذى أطرق وجهه خجلا من نظراته المحتقرة له وحينما قال له الطبيب:
-أنت جوزها.
أومئ مروان برأسه ايجابا.
استطرد الطبيب بنفس تعبيرات وجهه المستاءة:
-ايه ال أنت عملته في مراتك ده..ال أنت عملته ده جريمة، جريمة بشعة.. يحاسبك عليها القانون.
نبض قلب مروان بخوف ليس خوفا على نفسه بل خوفا عليها..حتى انه سأله وهو يحدق فيه باضطراب:
-حصلها ايه؟؛ قولي حصلها أيه.
وكأن الطبيب الشاب أراد أن يعذبه فلم يريحه بل قال له وهو ينظر له باحتقار:
-أدعي ربنا أن يلطف بيها.
ثم تركه وانصرف..كل ذلك وأبيها لم يتحرك قيد أنملة ولم ينظر حتى للطبيب وهو يتحدث وحديثه يسلخ قلبه، لم يهم ليسأله عنها.. والصمت بداخله تحول الى براكين من الغضب ونارا تنتشر بداخله حتى كادت أن تحرقه.. لم ينهض الا عندما رأى ابنته تسوقها الممرضة أمامها على السرير المتحرك ..غائبة عن الوعي معلق في ذراعها المحلول.. حينها قام بصعوبة ساقيه مقيدتان كأنه لا يملك ارادة لتحريكهما ينظر لها وقد جادت عيناه أخيرا بدموع غزيرة يهتف بلوعة:
-بنتي ..بنتي..بنتي.
جذبه مروان من ياقته وظل يهزه بعنف قائلا له من بين أسنانه متوعدا:
-دلوقت بنتك..عارف ياعبد الحميد لو بنتك جرتلها حاجة وربنا محخليك دقيقة واحدة على وش الدنيا.
تعجب مروان من ردة فعله أنه لم يقاوم ولم يحاول حتى أن ينزع يديه عنه..أو حتى أن يدافع عن نفسه..بل تركه يفعل به مايشاء..كأنه تمثال من خشب لا يملك لنفسه أي حول، كأنه يستحق لنفسه ذلك.. ظل مروان يتفرس وجهه الذي بدأ يشحب بشدة ..شفتيه أصبحت سوداء..عيناه اغلقت بأعياء شديد ..ثم سقط فاقد للوعي..رغم عنه صرخ مروان باسمه فزعا:
-عبد الحميد.
حمله بين ذراعيه وتوجه به نحو طبيب ليفحصه..والذي شخص حالته أنه تعرض لجلطة قلبية دخل على أثرها العناية المركذة.
************************************
كان مالك عائد من عمله فوجد نريمان جالسة على مائدة الطعام، دافنة وجهها بين ذراعيها تبكي بحرقة فسألها منزعجا:
-ايه عتبكي ليه؟؛ ايه الحوصل؟؛
رفعت رأسها كان وجهها أحمرا بشدة مبتلا بدموعها قالت بكلمات سريعة:
-جومانة صحبتي حتموت يامالك ..حتموت.
-طب اهدي إكده وفاهميني مالها صاحبتك دي حوصلها ايه.
قالت وهي تشهق:
-معرفش أنا كلمت عزيزة بطمن عليها قالتلي انها في المستشفى، وفي العناية بس مقالتش مالها وايه ال حصلها..عشان خاطري يامالك وديني ليها عايزة أشوفها عشان خاطري أنا قلقانة عليها قوووي.
ثم ارتمت في حضنه وقد تفاجأ بذلك فتسمرت ذراعيه.. حائر هل يضمها اليه أم يبتعد كما يأمره عقله، وبالفعل استجاب لعقله فقال لها وهو يبعدها عن صدره برفق:
-طب ماشي روحي غسلي وشك .. عشان نطمن عليها.
ابتسمت له في امتنان وركضت في حماس بعد أن قبلته في خده.
بعد أن اختفت من أمامه وضع يده على أثر القبلة زافرا بضيق رافضا اياها.
*******************************
-خلاص يابنتي من ساعة ما جيتي من المستشفى وانتي حتموتي نفسك من العياط.
قالتها وداد وهي تشدد من ضمها لابنتها ..ولكن نريمان لا تكف عن البكاء والشهلقة تقبض على حضن أمها بقوة تحتمي بها من مصير كهذا قالت وكلماتها ضائعة من كثرة البكاء:
-مش قادرة ياماما مش قادرة من ساعة ماشفت جومانة راقدة ومش حاسة بالدنيا وأنا حموت عليها..الدكتور قال انها بين الحيا والموت لو النزيف موقفش حتموت ياماما حتموت.
ثم واصلت البكاء بهستريا..ووداد تشدد من ضمها وهي تقول:
-بعد الشر عليها ياحبيبتي ربنا يلطف بيها يارب ويشفيها..والله البنت دي صعبانة عليا مش عارفة أب ايه ده..ال يعمل في بنته كده..ربنا يحرقه البعيد.
رفعت نريمان رأسها من على صدر أمها تسألها بانزعاج:
-ماما..فين مالك..سابني وراح فين.
وداد:
-مالك يابنتي بعد موصلك راح الشغل أبوكي عايزه هناك ضروري.
نريمان بتزمر:
-يووووه بقى هو ده وقته ازاي يسيبني في الحالة دي أنا محتجاله قووي.
أشفقت وداد على ابنتها من شدة تعلقها بزوجها فقالت لها وهي تمسح على شعرها:
-حالا يجيلك يابنتي متقلقيش روحي أنتي بس اغسلي وشك ونامي شوية لحد ما مالك يرجع.
انصاعت نريمان لنصيحة أمها وصعدت الى شقتها وهي في أشد الحاجة الى وجوده بجوارها.
*********************************
في حجرة العناية المركزة القابع بها عبد الحميد، راقد على سريره موصول بأنابيب طبية، وأجهزة تشير لنبض ضعيف وحياة على وشك الأنتهاء، رأسه يروح يمينا ويسارا تحت كمامة التنفس كأنه في معركة..نعم هو الآن في معارك وليس معركة واحدة..معارك الماضي الذي حضر وكأنه يحدث للتو شاهدا على فعلته الشنعاء، حضرت أمامه ذكرى ليلة زواجه..تلك الليلة التي كان ينتظرها على أحر من الجمر في هذه الليلة سوف يتحقق أكبر حلم في حياته وهو زواجه من أجمل فتاة في القرية التي عين بها مهندسا زراعيا.. وهي سلمى ابنة عمدة هذه القرية، فتاة كالفرسة العفية..تملك كل مقومات الجمال، حلم كل رجال القرية ومطمعهم في نفس الوقت.. ذلك من أجل أموال أبيها التي سترثها بمفردها..كان عبد الحميد عريس لقطة بالنسبة للعمدة فهو مهندس، وسلمى لا تجيد حتى القراءاة والكتابة،( العمدة سيناسب المهندس يابلد ) هكذا كان يتحدث العمدة بين رجال القرية.
اقيم عرس كبير بالطبل البلدي، عرس يليق بالعمدة ونسيبه الباش مهندس، في مثل هذا الوقت كان من عادات هذه القرية أن يدخل العريس على عروسه ( دخلة بلدي) لكي يخرج أبيها بعد ذلك بعلم الشرف مرفرفا عاليا أبيا بين أهالي البلدة.. ولكن عبد الحميد رفض تلك العادة المتخلفة، فهذه الليلة ملك له لا يجب أن يتعدى عليه أحد، وأصر عبد الحميد على أن تكون ليلة زفافه له وحده بينه وبين عروسه لا شريك بينهما، ولكن العروس ليست بكرا، يالعارك ياعمدة..خرج عبد الحميد في تلك اللحظة هائجا..سائر وعلم الشرف ناصع البياض..منتكسا بين يديه، يضعه أمام وجهه وهو ينظر لعيناه المزلولة قائلا:
-هو ده الشرف ياعمدة..بتغشوني بتضحكو عليا هي دي بنتك البكر المصون.
لم يستطيع العمدة التفوه ببنت شفة.. كان عرقه يسيل على جبينه بغزارة يشعر أن روحه تزهق بالبطيئ قال له بصوت محشرج:
-استر عليا ياعبد الحميد وال عتطلبه انا حدهولك.. أنا حكتبلك ثروتي كلتها.
توراى الشرف خلف سلطان المال..لمعت عيون عبد الحميد طمعا.. أمام الثروة تنازل عن كل شئ حتى الشرف.
وعاشت سلمى معه مكسورة مقهورة، مسجونة بجريمة عارها، كان عبد الحميد يعاملها معاملة العبيد..لم يغفر لها خطيئتها حتى ابنته التي جاءت بعد عام من زواجها لم يتقبلها، شك بها ولولا التحاليل التي أثبتت بنوتها له ، لكان ألقى بها في الشارع، أو في ملجأ، رحم الله سلمى عندما قبض روحها أثناء ولادتها..ولم يرحمها زوجها.. ذنبها الذي ارتكبته جعلها موصومة بالعار حتى مماتها، بل أنه لم يرحم أبنته التي ليس لها ذنب، عاش بوهم هذا العار ويقينه أن ابنته سوف ترث من أمها سلوكها السيئ..وحتما ستجلب له العار كأمها، فضيق عليها الخناق، وأغلق عليها الأبواب، حبسها في سجن الماضي، كان متزمتا معها..يعد عليها أنفاسها، ويحسب لها خطواتها كل ذلك لكي يحميها أو يحمي نفسه من عارا ظن أنه واقع لا محالة..ولكنا دمائها العفيفة الغزيرة التي فرشت الأرض أحييت ابوته بعثت حنانه من جديد..وولدت أيضا ندما شديدا.
ظل يهمس لنفسه بهستريا ودموعه تسقط من جانب عينيه:
-ابنتي أشرف من الشرف..أبنتي ضاعت بسببي..ضايعتها ..خسرتها بقسوتي..ظلمتها..بنتي جومانة ..جومانة..
وعلى صوته المحتضر باسم جومانه حتى أن الأجهزة ارتفعت أزيزها تنذر بتوقف قلب المريض.. ركضت الممرضة في عجلة..لتنادي على الطبيب..بعد أن حضر الطبيب وبذل كل ما يمكن لأنعاش قلبه.. مرة أخرى دون جدوى فالروح لفظت أنفاسها الأخيرة.
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا