القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية لحن الزعفران الجزء الثاني من مذكرات فيروزة البارت الأول بقلم شيماء آل شعراوي

 


رواية لحن الزعفران الجزء الثاني من مذكرات فيروزة البارت الأول بقلم شيماء آل شعراوي 




رواية لحن الزعفران الجزء الثاني من مذكرات فيروزة البارت الأول بقلم شيماء آل شعراوي 


رواية 

#لحن الزعفران. 🦋🤎

الجزء الثاني من مذكرات فيروزة.

  

                            الفصل الأول 


تتربّع الشّمس وسط السّماء وكأنّها سبائك من ذهبٍ قد تجمّعت في شكلِ دائري، ثمّ تناثرت إلى الأرض بدفئها وأشعّتها، وما أن يحين موعد غروبها حتّى تتحوّل إلى شفقٍ أحمر اللون يغيب بين الجبال والبحار والمحيطات، وفى هذا الوقت تعالت أصوات الأطفال وهم يلعبون بفرح وسعادة فى ساحة المنزل الممتلئ بالدفء، بينما على الجانب الآخر كانت "فيروزة" جالسة فى غرفة الجلوس تقرأ إحدى المقالات على تصفح التواصل الاجتماعي، دنت منها طفلتها "ريحانة" التى تبلغ السابعة من عمرها، فقد ورثت من أمها جمالها وحسنها وتلك العينين الكحالتين الفيروزتين، ومازادها جمالاً هؤلاء الغمزتين التى ورثتهما من أبيها، التقتطها "فيروزة" بين ذراعيها مقبلة خديها الأيسر:- روح قلب ماما أنتى ياريري.

نظرت إليها الطفلة وقالت ببراءة:- وأنتى روح قلب ريحانة.

أجلستها بجانبها ثم قالت بلطافة:

-ما بتلاعبيش ليه مع أخواتك وبنات عمتك.

أجابتها "ريحانة" بملل:- تعبت من كتر الجري وبعدين "عمر" كل شوية يضحك عليا ويخليني اخسر ويقولي أنتى أجرى ورانا.

أبتسمت الأخرى من طريقة حديث ابنتها المتذمرة:

-ولا تزعلى نفسك ياروحي لما يجي بابا هخليه يعاقبه أتفقنا.

هتفت "ريحانة" برضى وسعادة:- أتفقنا.

 اجتمعن الأطفال حولهن وجلسن فى حلقة دائرية، بينما "سُفيان" جلس على المقعد الجانبي وبدأ يسترسل كلماته قائلاً:

-ماما ما تحكلنا قصة من اللى بتحكيها لينا كل يوم.

 نظرت إليه "فيروزة" باسمة فهى تعتبره أبنها حقاً ولا تفرق بينه وبين إخوته بل محبتها له أكثر منهما، فقالت بود:

-أمرك ياسي "سفيان" دا أنت تؤمرني وأنا أنفذ، قولي بقا تحب أحكيلك ايه.

نظر الأخر إليها وهو يفكر ولكنه عجز أن يطرح عليها أجابه، ثم قال:- بصراحة مش عارف، هو أنا ممكن أسأل حضرتك سؤال.

-طبعا ياحبيبي اسأل.

هتف "سُفيان" طارحاً لتساؤلاته قائلاً:

- هو ليه احنا اتخلقنا وجينا الدنيا دي يعني مثلا احنا اتولدنا عشان ندرس ونذاكر ونشرب ونأكل وبس هو دا هدفنا من الحياة؟.

طالت نظرتها إليه متعجبه من ذاك السؤال الذى طرحه عليها فكانت لا تتوقع أن يلقي مثل هذة الاسئلة فى هذا الوقت، ولكنها تعلم جيدآ أن أبنها ذات الثالثة عشر عاماً كلما كبر كلما أصبح عقله أنضج، فبدأت ترد عليه بهدوء وبحكمة:

-لا مش دا الهدف من الحياة، الهدف اللى ربنا خلقنا علشانه هو العبادة، ربنا سبحانه وتعالى قال:

{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }  ..

انت اتخلقت للعباده والدنيا دي دار ابتلاء ومحطه قصيره جدا في مشوارك علشان ياتنجح فيها وتوصل للجنه يتفشل وتدخل النار عافانا الله منها، دي اول حاجه لازم تعرفه.

تاني حاجه هيجي في بالك ان هل معنى كده اننا نفضل خايفين ومرعوبين ومنتمتعش بالدنيا يعني؟.

لا طبعا انت ممكن تستمتع بالدنيا وتاخد ثواب في نفس الوقت.

تفوه "سُفيان" متسائلاً:- ازاي بقى؟.

أبتسمت "فيروزة" بخفة ثم قالت:

-هقولك بس أنت أصبر وأسمعني لحد الأخر يابطلي، بص ياسيدي أهم علشان تاخد الثواب وفى نفس الوقت تستمتع بحياتك، أنك تستحضر النية مادام عرفت الهدف من حياتك يبقى كل حاجه هتبقى مختلفه، مثلآ هتيجي تاكل الاكله هتتبسط وتتلذذ عادي بس نيتك تكون علشان تحفظ أمانه الجسد اللي ربنا ادهالك، لما تيجي تنام...تنام بنيه أنك تريح جسمك وتقوم لصلاه الفجر وهكذا في كل حاجه في حياتك اليوميه، طيب على فكره لو فكرت في حياتك كده هتعيش مبسوط وسعيد وبجد، ولو معملتش كده مش هتشوف سعاده حقيقيه في الدنيا  هتقولي ازاي بقى يامامي؟.

هقولك تخيل العكس لو اكلت اكله هتبص لاكله أو نوع أفضل منها علشان تتلذذ اكتر، لأنك فقدت الشعور الحقيقي بقيمه الاكل نفسك مش هتسكت دايما هتطلب الأعلى فالاعلي، واللي كان عجبك خلاص نفسك مبقتش عايزاه وهكذا في كل نعمه هتكون عندك  هتقول لا زهقت منها عايز الأحسن، هتيجي في لحظه تفقد السيطره على نفسك وتطلب الغريب والعجيب وتوديك للمعاصي والشهوات وتعوم في طريق الضلال ونفسك سايقاك وانت ولا حول ولا قوه، لكن لو عارف هدفك من الحياه هتبقى ماسك زمام نفسك وسايقها مش هي اللي سايقاك

لتمر الحياه وتنتفع بها وتاخد اللي احتاجته منها لاخرتك، لتصل الي جنات النعيم والفلاح الحقيقي والسعاده اللي من غير تعب ولا شقاء، هل فهمت حاجة من اللى قولتها ليك ياابني؟.

رد الآخر بابتسامة بشوشة قائلاً:

-ايوة ياماما فهمت وكمان أقتنعت بكلامك.

- أتمنى بجد أني أكون قدرت أوصلك المعلومة.

جاءت "روفيدة" وهى تحمل طفلة نائمة على إحدى كتفيها، فدنت من "فيروزة" ووضعتها فى أحضانها، وقالت متذمرة:

-اتفضلي ياستي بنتك الزنانة المتعفرته الواحد مش عارف يعمل أي حاجة بسببها، دي بهدلتلي الأوضة فوق وكسرتلي صباع الروج اللى بحبه ورمتلي كل اللى على التسريحة فى الأرض.

نظرت "فيروزة" لوجه صغيرتها المصتبغ بالحمرة وبعض الألوان، فصاحت بذهولٍ:

-يالهوي يا"روفيدة" عملتي اي فى بنتي، أنا مسلمهالك وردة بتلمع ترجعيها متبهدلة كدا!.

رمقتها "روفيدة" بملل ثم قالت بضجر:

-والله بنتك اللى عملت كدا فى نفسها وبعدين انا مالي هو انتو تخلفوا وترموا عليا و مش عجبكوا مش كفاية التعب اللى بتعبه مع القرود دول، قالت هذا وهى تشير بأصبعها على الصغار الجالسين أمامها.

نظر إليها "عمر" صاحب الخمس أعوام ثم تحدث بكلمات متكسرة:- احنا مش قرود انتي ياعمتو اللى قردة.

ضحكت "فيروزة" بخفة وهى ترى "روفيدة" توجه بصرها لابن أخيها بدهشة ثم التفتت نحوها قائلة:

-هو الواد دا بيقول أنا مش فاهمة منه حاجة.

أجابتها "فيروزة" باسمة:- بيقول عليكي قردة يافوفة.

أمسكته من طرف قميصه ثم قالت:

-أنا قردة ياشبر ونص يا الدغ والله أمك وأبوك معرفوش يربوك.

ابعدها "عمر" الصغير عنها ليقول بأستفزاز:

-ما أنا عارف أني مش متربي.

زفرت "روفيدة" بضيق:- ربنا رزقني ب اتنين رخمين شبه بعض أنت وخالك "عمر" نسخه من بعض فى كل حاجة حتى الرخامة وارثها منه.

تفوهت "فيروزة" وهى تنظف وجه صغيرتها النائمة من أثر الحمرة: - دلوقتى خاله بقى رخم مش ده اللى كنتى هتموتي وتتجوزيه.

-على أساس انه مكنش هيموت عليا ماهو كمان بيحبني زي ما بحبه.

-هو اللى بيحب حد بيقعد يشتم عليه، والله كويس انه مش قاعد معانا دا كان زمانه نفخك ومفركش الخطوبة من طولة لسانك، أنا لما يجي لقوله على كل حاجة.


-بسمعه اكتر من كدا فى الفون اهمدي بقى ياحريقة.


- كان الله فى عون أخويا.


انضمت إليهما "هدى" وجلست مقابل "فيروزة" وقالت:

-ماتتصلي ياروزا على جوزك شوفيه اتأخر ليه هو والبيه التانى العيال جعانه وأنا مش راضية أحطلهم أكل غير لما نتجمع كلنا.


-ما أنا كلمته من نص ساعة وقالي جاي فى الطريق مع جوزك وبعدين مش حضرتي الأكل كله ولا لسه ناقصلك حاجة.

أجابتها "هدى" قائلة:- الأكل كله جاهز مش ناقص غير غرفه.

ألقت "فيروزة" نظرة على "سُفيان" وقالت بنبرة قلقة:

-معلش يابطلي ممكن تروح تشوف اخوك "يزن" لأحسن أنا سبته نايم فى أوضتك وخايفة ليصحي ويتفزع لما مايلقنيش جمبه.

جاء أن ينهض أوقفته "هدى" قائلة:

-أقعد يابني أخوك مع ماما من شوية سمعته بيعيط فخدته لاوضتها فمتقلقوش عليه.

تفوهت "ريحانة" الناظرة إلى شقيقتها النائمة التى تشبهها وهى تُأرجح قدميها الصغيرة:

- هى "سديم" هتفضل نايمة طول اليوم ومش هتقوم بقى.

مسحت "فيروزة" على شعرها بلين ورفق:

-شوية وهتلاقيها صحيت ياريري وبعدين أنتي خلصتي مذكرتك كلها ولا لأ.

رفعت الصغيرة رأسها قليلاً لأمها وهى تجيبها:

-أنا خلصت كله بس فاضلي حاجة صغيرة خالص مش عارفة أحلها فلما بابا يجي هخليه يحلها معايا.

-طب ياحبيبتي روحي هاتى كتبك وتعالى اشرحلك اللى مش فهماه.

هزت الصغيرة رأسها يميناً ويساراً رافضة:

-لا لما يجي بابا.

تبسمت "فيروزة" برقة ثم قالت:

-بنت أبوكى ياريري.

مرت دقائق معدودةٍ، وجاء "عمران" إلى البيت بصحبة زوج شقيقته، وكانت "ريحانة" أول من استقبلت أباها بضمة تعبر عن حبها لابيها الحنون عليها، حملها بين ذراعيه ثم أتجه نحو زوجته مُلقى عليها السلام، وجلس بجانبها ليستمع لما تقول له:

-اتأخرت علينا النهاردة.

أجابها "عمران" بهدوءٍ: - كان عندنا ضغط شغل علشان كدا اتأخرت.

دققت النظر إليه لترى وجهه شاحب قليلاً فقالت بنبرة قلقة:

-أنت كويس يا "عمران" ؟.

ربت على يدها وهو يقول بنبرة دافئه:

-متقلقيش يا"روزا" أنا بس مرهق شوية من الشغل وتغيرات الجو مش أكتر.

تفوه زوج شقيقته "رامى" وهو يمسح حبات العرق من على جبينه:

-الجو بره حرفياً حر لدرجة أن الواحد خلاص حاسس أنه هينهار وهيغمى عليه، والله يابخت الحريم أن ربنا مكتبش عليهم الخروج والشغل فى الحر ده، أنا فعلاً بحسدكم.

مددت "هدى" يداها إليه بكوب ماء باردٍ وهى تقول:

-أعانكم الله وجعل تعبكم فى الشغل فى ميزان حسناتكم.

-يارب.

تحدثت "روفيدة" موجهة حديثها إلى أخيها متسائلة:

-هو أحنا هننزل نشترى باقى حاجاتي امتى يا أبيه.

التفت إليها "عمران" ليقول:- لما اخلص الشغل اللى ورايا الفترة دي وبعدها يافوفة هاخدك تشترى باقى جهازك.

- بس احنا كدا مش هنلحق ده مفضلش على الفرح غير أسبوعين وأنا ناقصني حاجات كتير لسه مجبتهاش.

تفوه "عمران" باسماً:

-حاضر يا"روفيدة" هحاول على قد ماقدر أنجز اللى ورايا وافضيلك نفسي، وبعدين ياستي لو فى حاجات مش مستهلة أني أكون فيها معاكي خدي الفلوس وروحي هاتيها مع اختك ومراتي وخلى التقيل اروح أجيبهولك.

-خلاص ماشى بس أنا عايزة المبلغ يكون كبير شوية لأن الحاجة بقت غالية عن الأول بكتير.

-من عنيا هزودلك الفلوس وأى حاجة تعجبك هاتيها مهما كان تمنها وأنا هدفعلك.

تبسمت الأخرى بسعادة غامرة ثم قالت مُبتهجة:

- بجد أنا مش عارفة اقولك ايه، أنت فعلاً ونعمة الأخ ياريت كل الرجالة زيك.

بادلها البسمة وهو يقول:- أهم حاجة عندي أني أشوفك مبسوطة فى حياتك مع الشخص اللى قلبك اختاره.

نهضت "هدى" من مقعدها وهى تقول بلهجة امر:

-قومى يا"روفيدة" معايا نحضر الأكل.

-مش قادرة اقوم.

-ماتخلصى يازفته ما أنا مش هجهزه لوحدي.

نظرت إليها "روفيدة" بانزعاج وضيق:- هو مفيش غيري فى أم البيت ده.

تفوهت "فيروزة" قائلة:

-سبيها أنا جاية احضره معاكى بس هطلع "سديم"  الأول اوضتها.

تحدث "عمران" الذى نهض من مكانه وحمل "سديم" عنها قائلاً:

-روحي ياغالية جهزى معاها الأكل وأنا هطلع بنوتي الجميلة وبالمرة اشوف ماما.

-حاضر.

                 **************************

فى قصر الراشدي 

وتحديداً فى غرفة "أنيس" كانت زوجته تحمل طفلتها الرضيعة التى تبكى دون توقف، حاولت اسكاتها ولكنها لازالت على صرخة واحدة، و لا تعرف ما أصابها فبدأت هى الأخرى تدمع عيناه بقلة حيلة، ولج إليها زوجها ودن منها عندما شاهدها تبكى على بكى أبنتها قائلاً:

-مالك بس ياديدي ايه اللى خلاكى تعيطى.

رفعت بصرها نحوه قائلة ببكاء:

-أنت مش شايف بنتك عمالة تصرخ ازاي ومش عارفة مالها، بحاول اسكتها مابتسكتش.

-ممكن طيب تهدي وتبطلى عياط وقومي اغسلى وشك وأنا هسكتها.

حمل الرضيعة إلى احضانه ليغمرها بالدفء والحنان فبدأ يهمس لها ببعض الكلمات الرقيقة، فهدأت الطفلة على أثرها وتوقفت عن البكاء، تعجبت "دارين" التى كادت أن تذهب من أمامه فقالت بدهشةٍ:

-اللى هو ازاى يعني ما أنا من الصبح بحاول اسكتها اشمعنا دلوقتى سكتت لما انت شلتها.

أبتسم "أنيس" الذى كان يقبل يد طفلته:

-الظاهر انها كانت عايزة تنام فى حضن باباها، مش كدا يا"فيروزة". أنهى تلك الجملة وهو ينظر إلى عيناها الصغيرة فرائها تؤكد صدق كلامه بتلك البسمة التى أرتسمت على ثغرها.

تحدثت "دارين" بقلة حيلة:

-الواحدة مننا تحمل وتخلف وترضع وتسهر على العيال وفى الآخر يحبوا أبوهم أكتر من امهم اللى بتتعب عليهم.

لمس "أنيس" وجنتيها وقال بلطافة محببة:

-شكلك غيرانه من بنتك ياديدي.

-طبعاً غيرانه ما أنت مهتم بيها أكتر مني دا أنت من ساعة ما أنا خلفتها على طول شايلها وبتنيمها فى حضنك وأنا مش معبرني وكإن مفيش غيرها فى البيت.


- أبدا ياست البنات هو أنا أقدر  استغنى عنك دا أنتي دنيتي وحبيبتي وبنتي كمان.

تفوهت "دارين" وهى ذاهبه للمرحاض:

-اه كل بعقلي حلاوة ما ده اللى باخده منك.

بينما الأخر همس لابنته الصغيرة:

-ينفع كدا يا"روزا" اهى أمك زعلت مننا قوليلي بقى هنرضيها ازاى.

خرج بها إلى الشرفة ليستنشق بعض الهواء، فجاءت إليه زوجته ووقفت بجواره، فقال متسائلاً:

-اومال "أحمد" فين من وقت ما أنا جيت وهو مش ظاهر ودى مش من عادته.

- راح مع جده "عامر" مشوار عند واحد صحبه مش فاكره اسمه ايه.

التفت برأسه نحوها فقال:

-قصدك انه راح عند عمي "روؤف".

-ايوة.

صمتت لوهلة ثم أضافت مستشيرة:

-"أنيس" ايه رأيك نسيب القصر هنا ونسكن فى بيت لوحدنا.

-لا.

-بس أنا مش حابه اقعد هنا وبعدين أشمعنا أخوك "أدم" اشترى لمراته شقة وقعدوا فيها ليه مانعملش زيهم.

نظر إليها فلم يرقه الأمر فقال رافضاً:

-وأنا مش هسيب أهلى.

صاحت "دارين" بصوت عالٍ نسبياً:

-وأنا مش حابه اقعد  معاهم ومفيش قدامك غير خيارين ياما أهلك ياما أنا.

حدق بها "أنيس" بعدم تصديق لما تقوله فقال غاضباً:

-الظاهر أنك اتجننتي ازاى تخيريني بينك وبين أهلي وبعدين ياهانم ياللى مش عاجبك وجودك معاهم هما اللى شايلين عيالك وقت شغلك وخروجات مع صحابك، ومحدش منهم بيقولك رايحة فين ولا جاية منين ولا حتى بيدخل فى حياتنا وسيبنا براحتنا، وبعدين أنا لما جيت اتجوزك عرفتك أننا هنقعد معاهم وأني مش هسيبهم غير بعد العمر الطويل وأنتى وافقتى اشمعنا دلوقتى غيرتي رأيك ورجعتى فى كلامك ردي عليا.

لم تستطيع الرد عليه فأضاف هو قائلاً:

-أنا بحذرك لأول ولأخر مرة إياكى تجيبى سيرة الموضوع ده تانى وشيلي الفكرة دي من رأسك فاهمة لان أنا مش هسيب أهلى وخصوصاً بعد ما كبروا.

أنهى حديثه وهو يُعطيها ابنتها الصغيرة ثم تركها مغادراً، فخرج من غرفته غاضباً، فالتقى بابن عمه "معاذ" الذى اوقفه قائلاً:

-مالك يابني  فى ايه شكلك مش عاجبني.

زفر "أنيس" أنفاسه بضيقٍ وقال:-مخنوق شوية مش أكتر.

-اتخنقت مع مراتك؟.

-ابداً، المهم كنت عاوزك فى موضوع كدا.

تفوه "معاذ" قائلاً:-خير.

-كل خير إن شاء الله تعالى نخرج نشم شوية هواء وبالمرة أحكيلك.

-ماشى بس استنى أعرف أختك الأول أني خارج معاك علشان متقلقش عليا.

جذبه "أنيس" من طرف قميصه وقال:

-ابقى رن عليها ياحنين فى الطريق وعرفها.


         *** ******************************

انبسطت أساريرُ وجهها حين شاهدته يجلس على مكتبه ممسكاً إحدى الكتب فى يده، وفوق رأسه رفف كثيرة مُكدسة بالكتب العتيقة، فلما وصل رائحة عبيرها لأنفه رفع عيناه عن القراءة فراها شاخصة بانتظاره، فأغلق الكتاب ووضعه على الطاولة الخشبية، وأشار إليها أن تأتى له فاستجابت لندائه على الفور، فكيف لها أن لا تستجيب وهو زوجها وقرة عيناها، وملاذها الأول والأخير فهو الأنيس والأمان والسند، اقتربت منه وجلست أمامه ثم قالت برقة:- هل أزعجتك؟.

ارتسمت علامات الحب والمودة على محياه عندما أطال النظر إليها، ثم قال بنبرة ودودة:

-عمرك ما ازعجتني بالعكس وجودك معايا بيخليني مبسوط يا"روزا"، بل وجودك حواليا بيمدني بالطاقة الإيجابية.

تورد وجهها خجلاً فقال "عمران" مازحاً:

-أنتى مش ملاحظة حاجة ياروزتي.

نظرت إليه بعلامات استفهام فأكمل باسماً:

-إن "ريحانة" مطبتش علينا زى كل مرة بتجيلي فيها المكتب.

تبسمت "فيروزة" بخفة ثم قالت:

-فعلاً أزاى مخدتش بالي أنها مجتش ورايا.

-أنا حاسس أنها. لم يكمل حديثه حين رأى دخول صغيرته حاملة بيدها حقيبتها المدرسية، فضحكت "فيروزة" بخفة وهى تقول:- دا لو كنا بنجيب فى سيرة فلوس مكنتش جت بالسرعة دي.

تبسم "عمران" وهى يجيبها قائلاً:- والله كنت لسه بقول أنا حاسس أن هى هتدخل علينا دلوقتى فعلاً احساسي مابيكدبش.

توجهت "ريحانة" إلى أبيها فوقفت بجانبه وهى توجه كلامها إلى أمها قائلة:

-ازاى تيجي عند بابا من غير ماتقوليلي.

أجابتها الأخرى ضاحكة:-معلش ياست ريري نسيت اقولك وبعدين ده جوزي ومن حقي اقعد معاه شوية لوحدنا.

تفوهت الصغيرة قائلة:- لا دا حقي أنا مش حقك أنتى مش كدا يابابي.

قبلها "عمران" على رأسها وقال بلين ورفق:

- أيوة ياقلب بابي. 

تفوهت "فيروزة" فى تأثر وحزن مصطنع وهى تهم على الخروج:-بقا كدا ياست "ريحانة" على العموم أنا ماشية وسيبهولك اشبعى بيه.

نظر "عمران" إلى طفلته بعد ما خرجت زوجته فقال عابثاً:

-ينفع اللى أنتى عملتيه كدا هضطر أني أقعد أصالحها يوم بحاله.

تفوهت "ريحانة" ببراءة محببة:

-وليه تقعد يوم بحاله هى بكلمة واحدة هتتراضى بسرعة.

-لا والله وأنتى عرفتي منين أنها بكلمة واحدة بتتراضى.

-أصل أنا مجربة دا معاها.

-أمممم شطورة.

-طول عمري شطورة وبعدين يلا بقى اقعد راجع معايا الواجب علشان الحق أروح أنام.

-حاضر يالمضة هانم.


دلفت "فيروزة" إلى غرفة "سُفيان" فرأته يجهز أغراضه وحقيبته المدرسية، دنت منه وقالت بنبرة حنونة:

-أنت لسه مانمتش.

-كنت بجهز حاجاتي قبل ما أنام.

-عندك امتحان بكره مش كدا.

-أه.

-ذاكرت كويس.

-الحمدلله بس خايف وقلقان مش عارف ليه.

ربتت على يده حتى يطمئن ثم قالت مشجعة:

-متخافش مدام أنت مذاكر كويس وعامل اللى عليك، وأنا واثقة فى ابني أنه هيجيب تقدير حلو زي كل سنه وهيطلع من الأوائل كمان.

-تفتكري هطلع الأول على المدرسة.

-اه افتكر وليه لأ أنا واثقة فى قدراتك وشطارتك، وبعدين يلا نام علشان تصحى بكره فايق.

أومأ سُفيان رأسه وهو يقول مبتسماً:

-حاضر ياأمي. ثم قبل يدها واتجه إلى فراشه، فأغلقت الأنوار بالغرفة وذهبت إلى جناحها الخاص، فوجدت زوجها يقف بمنتصف الغرفة يحمل طفلهما الصغير وينتظرها، فخلعت الحجاب ووضعته على الحامل خلف الباب، فأتاها صوت زوجها قائلاً:-كنتي فين أنا دورت عليكي وملقتكيش.

أخذت "يزن" من بين يديه وهى تجيبه:

-كنت بطمن على "سُفيان"، أنت خلصت قعدتك مع "ريحانة" امتى.

-من شوية.

-تمام، أنت بصيت عليها هى و"سديم"؟.

-ايوة واطمنت أن هما ناموا ومتقلقيش غطيتهم كويس علشان مايبردوش من المكيف وقفلت الأنوار فى اوضتهم ماعدا الاباجورة علشان مايخافوش فى حاجة نسيتها أيتها الأميرة.

ضحكت الأخرى بخفة من طريقة حديثه:

-برافو يازوجي العزيز بدأت تطبق اللى علمتهولك.

ظلّ يتابعها بنفسٍ فرحة وهى تبدل ملابس صغيرها، فتلك السعادة التى تحتل كيانه الآن هى السبب فى وجودها، أنها المرأة الوحيدة التى استحوذت على قلبه منذ أن رآها فى أول مرةٍ التقى بها.

تكملة الرواية من هناااااااااااا


اكتب في بحث جوحل( مدونة قصر الروايات) تظهر القصص كامله

تابعونا علي قناة التليجرام من هنااااااااااا

ليصلكم اشعار بالنشر

الرواية كامله من البدايه  هناااااااااااا


الجزء الاول كامله من( مذكرات فيروزة) كامله جميع الفصول 




تعليقات

التنقل السريع