رواية ظلمها عشقا الفصل 1-2-3-4-5بقلم ايمى نور (جميع الفصول كامله)
رواية ظلمها عشقا الفصل 1-2-3-4-5بقلم ايمى نور (جميع الفصول كامله)
الفصل_الاول
دخلت الغرفة الخاصة بها وبشقيقتها تهتف بلهفة وعجالة
: بت يا فرح الحقى.. عندى ليكى خبر بمليون جنيه
لم تعيرها شقيقتها اهتماما تظل على وضعها مستلقية فوق الفراش وهى تضع احدى الوسائد فوق راسها لتقترب منها سماح هاتفة بغيظ وهى تدفع بالوسادة بعيدا عن رأسها
:عاملة نفسك نايمة...بقولك قومى يابت...لو سمعتى الخبر هاا....
قاطعتها فرح تتقلب فوق الفراش الى الجانب الاخر تهمهم بصوت يغلبه النعاس
: سبينى وحياتك ياسماح انا مصدقت ماما تنام علشان انام انا كمان شوية
تراجعت سماح بعيدا عنها قائلة ببطء وبكلمات ممطوطة
:طيب.. براحتك.. انا بس حبيت اقولك.. ان صالح ابن الحاج منصور... طلق مراااته
فور ان نطقت بكلماتها الاخيرة حتى هبت فرح جالسة فى الفراش متسعة العين بصدمة تهمس قائلة
: انتى بتقولى ايه؟!
ابتسمت سماح بسماجة تتحرك بأتجاه الباب قائلة
: اللى سمعتيه... نامى بقى... ده لو عرفتى
ثم تحركت تهم بالخروج بعدها من الغرفة لكن فرح اسرعت بالنهوض وهى تتعثر بالاغطية تتجه نحوها بلهفة ممسكة بذراعها ضاغطة فوقه بقوة توقفها وهى تسألها بصوت متحشرج وكلمات متعثرة
:مين قالك ....ط...لقها ...ليه...حص..ل.. ايه
هزت سماح كتفيها دلالة عن عدم معرفتها قائلة
:معرفش بس مرات خالك لسه جايه من هناك وبتقولى طلقها ومن يومين كمان و متعرفش ليه امه مرضيتش تقول
ارتعشت اناملها يخف ضغطها من فوق ذراع سماح تشعر بارتفاع حرارة جسدها فجأة ثم تفر من جسدها دفعة واحدة وهى تتراجع الى الخلف متعثرة بعيون متسعة مصدومة لتهتف بها سماح محذرة حين رأت حالتها تلك
:بقولك ايه مش هنعيده تانى ....طلق مطلقش ميهمناش ....انا قلت اعرفك قبل ما تعرفى من برة ...غير كده تفوقى
لكنها تنهدت تهز رأسها بأستسلام حين وجدتها مازالت على حالها تصم اذانها عن حديثها تقف مكانها كتمثال متجمد لايسمع ولا يرى فتتنهد مستسلمة تلوى شفتيها بتبرم تهمهم بكلمات حانقة وهى تتحرك بأتجاه الباب مغادرة تغلقه خلفها تاركة الاخرى تقف مكانها بقلب يرتجف بين اضلعها ووجه شاحب لاتدرى اتسعد بهذا الخبر ام تخشاه لانه سيعيد من جديد احياء امال استطاعت قتلها يوم ان علمت بخبر زواجه باخرى... حين وقفت بسنوات عمرها وصباها السابعة عشر تشاهد من نافذتها فارس احلامها يزف الى تلك التى تناسبه...تلك الفتاة التى وجد بها ما لن تكون هى يوما عليه واختارها لتكون زوجة له
ليلتها اخذت تقنع قلبها فى محاولة لتهدئة النيران المستعيرة به وتسكين الامه بانه لم يكن سوى حب مراهقة سيزول مع الايام وستنسى ... وستأتى اوقات بعدها وستضحك وتمزح فيها حين يمر بخاطرها...وستنساه وستنسى حبها هذا له
وقفت مكانها تتذكر كل ما اخذت تحدث به نفسها يومها وهى تجلس فى غرفتها بعد ان قضت ليلة زفافه كاملة بقلب نازف وعيون انهكها البكاء....
لكنها لم تكن سوى اوهام اقنعت نفسها بها لأكثر من سنتين محاها فى لحظة خبر طلاقه وانفصاله عن زوجته ...لتجد نفسها فى نهاية الامر ورغماً عنها يتوهج قلبها بالامل ويحيى بداخلها مرة اخرى رغم كل ما قالته
************
بعد انتهاء العزاء وانصراف المعازين تجمع عدد من رجال الحارة المعرفون بعلو بشأنهم وهيبتهم وحكمة قرارتهم داخل صوان العزاء تتركز اعينهم على ذلك الجالس فوق مقعده يحاول رسم الطيبة والمسكنة فوق ملامحه يناقضها طابع ملابسه الغير ملائم لحدث وفاة شقيقته واهتمامه الزائد بمظهره حد المبالغة بقميصه الاحمر زاهى وقد ارتدى معه بنطال ناصع البياض وحول عنقه سلسال من الذهب يكمل بها مع الخاتم الموجود فى بنصره هيئته والتى لاتدل على سنوات عمره والتى تجاوزت الاربعين ببضع سنوات وهو يتحدث بصوت خفيض يتصنع الالم به
:كلام ايه اللى بتقولوه ده يا ناس...دول بناتى قبل ما يكونوا بناتها وانا اللى مربيهم من يوم ما ابوهم مات وجم قعدوا عندى
تبادل الرجال النظرات فيما بينهم ثم استقرت على من يعدونه كبيرهم فى انتظار كلمته ليزفر الحاج منصور الرفاعى بقوة قائلا بصوت جاد وحازم النبرات
:يعنى يا مليجى هتتقى الله فيهم...واللى كان بيحصل ايام المرحومة مش هيحصل تانى؟
رفع مليجى رأسه سريعا يهتف بتأكيد ولهفة
:طبعا يا حاج...دول بنات الغالية وفى عنيا...واى حاجة تحصل منى فى حقهم يبقى حسابى معاك..واللى تقوله ساعتها هيبقى سيف على رقبتى
:لا يا عايق.....من هنا ورايح حسابك هيبقى معايا انا...وياويلك منى لو فكرت تزعل واحدة منهم
ارتعدت فرائص مليجى هو يحاول ابتلاع غصة الخوف فى حلقه والتى كادت ان تهلكه حين تعال هذا الصوت الحاد قوى وواضح النبرات من ذلك الجالس منذ بدء الحديث مراقبا اياه بصمت متحفز وعينيه لا تفارقه كعين صقر يستعد لانقضاض على فريسته دون رحمة يصدح صوته محذرا بتلك الكلمات جاعلا من جميع الحضور يهمهم استحسانا بعدها ليدرك مليجى انه وقع بين ايدى من لا يرحم وهالك لا محالة ان اخلف بوعده هذا
****************
**بعد مرور شهر على تلك الاحداث**
وقفت "سماح" على باب غرفتهم تصرخ فى وجه شقيقتها الصغرى بغيظ
: ما تخلصى يازفته... خلينا نخرج من هنا قبل ما خالك المعدول مايجى وينفض جيوبنا ونقضيها مشى زاى كل يوم
لم تعيرها "فرح" اهتماما وهى تقف بقامتها المتوسطة الطول ترتدى جونلة طويلة فوقها قميص بهت لونه من كثرة مرات غسله تتطلع فى المرآة امامها بعينيها دخانية اللون وهى تعدل من وضع حجابها والتى تخفى خلفه خصلات شعرها بلونها العسلى قائلة ببرود وعدم اكتراث
: خلصت اهو... وبعدين مستعجلة على الغلب اووى ياختى
اقتربت "سماح " منها تمضغ علكتها ببطء قائلة
: لا مش مستعجلة ولا نيلة... بس نار الشغل ولا جنته ياختى عاوزين نخلع قبل ما يجى.... ويلا اخلصى بقى خلينا.....
قطعت حديثها ترهف السمع حين تعالت اصوات رجالية حادة من الخارج لتهتف بحماس وسعادة وهى تسرع ناحية النافذة
: الحقى خناقة فى الحارة... يا ترى مين كده على الصبح
فتحت النافذة تتطلع الى خارجها بفضول سرعان ما تحول الى ذهول وهى تهتف
: الحقى يابت... ده المنيل خالك هو اللى بيتخانق مع المعلم ابراهيم
نفضت فرح رأسها بعدم اكتراث ثم انحنت تبحث عن حذائها اسفل الاريكة فتعال صوت سماح تهتف بفرحة مستمتعة
: يااااختى..... ده صالح كمان دخل فيها... وجايب خالك من قفاه
توقفت فرح عن الحركة متجمدة حين استوعب قلبها قبل عقلها كلمات شقيقتها تتوسع عينيها بلهفة وفرحة وهى ترفع راسها من اسفل الاريكة سريعا وبدون احتراس فتصطدم بحافتها بقوة جعلتها تتأوه متألمة لكنها تجاهلت المها تخرج من اسفلها سريعا ثم تقفز فوق الاريكة تزاحم شقيقتها فى مكانها حتى تلقى بنظرة الى الخارج هى الاخرى بقلب يتراقص شوقا وعيون تهفو للمحة منه لتراه واقفا بجسده الصلب فارع الطول وشعره قاتم السواد وملامحه الخشنة التى تنطق بالرجولة مميزا عن الباقى من رجال الحارة بملابسه والتى رغم بساطتها الا انها تنطق بالاناقة الشديدة
فوقفت تتابع حديثه وحركاته بعيون منبهرة لامعة تنسى العالم وكل ما يحيط بها حتى نكزتها شقيقتها بعنف فى ذراعها تجز فوق اسنانها هامسة من بينهم بحنق محذرة
: اتلمى... الحارة كلها واقفة تحت... حد ياخد باله منك يا حلوة
ارتبكت ضاغطة فوق شفتيها بقوة ملتفتة اليها تهمس بخجل
: وانا عملت ايه دلوقت... مانا واقفة اتفرج زيى زيك اهو
التفت سماح ناحية الخارج مرة اخرى قائلة بحدة
: اتفرجى ياختى.... انا مش عارفة اخرة الفرجة دى ايه... مش كنا خلصنا منه الموضوع ده...ادينا رجعنا للفرجة اللى لا بتودى ولا بتجيب
شحب وجهها من اثر كلمات شقيقتها حين ذكرتها بحقيقة لطلما حاولت الهروب منها فقد صدقت فلم يتغير شيئ سوى عودة هذا الامل الاحمق مرة اخرى ليزدهر به قلبها دون قدرة او حيلة منها برغم جميع محاولاتها لأيقافه ونهر نفسها عليه
عاودت الالتفات مرة اخرى الى المشهد الدائر فى الحارة لكن هذة المرة بعيون شاردة حزينة لاترى شيئ غافلة عما يجرى فيه حين صرخ خالها مليجى بتوتر
: يا صالح باشا... انا قاعد فى حالى... هو اللى مش طايقنى على قهوته
اسرع المعلم ابراهيم موجها حديثه لصالح الواقف لفض الاشتباك بينهم بعد استغاثة المعلم ابراهيم به قائلا استهجان
: يا صالح يابنى... ده قاعد رائم الرايحة والجاية بعنيه اللى يندب فيهم رصاصة دول ولما جيت اكلمه فى حسابه... عمل الشويتين بتوعه زاى كل مرة عليا
ابتعد مليجى من اسفل ذراع صالح الموضوعة فوق كتفه ملتفتا اليه يهتف رافعا كفيه بأستهجان وبطريقة مسرحية
: شوفت يا صالح باشا... عرفت بقى ان الليلة كلها معمولة ليه .. علشان القرشين اللى عليا لقهوته
زفر صالح بنفاذ صبر ملتفتا الى المعلم ابراهيم قائلا بصوته الاجش ذو النبرة المميزة
:خلاص يا معلم ابراهيم.... حساب مليجى عندى المرة دى كمان.... وحقك عليا انا
هز المعلم ابراهيم رأسه قائلا باحترام مربتا فوق كتفه
: ولا حق ولا حاجة يابنى.... وكتر خيرك معلش دوشناك معانا
ابتسم صالح له قائلا بهدوء
: ولا يهمك يامعلم... حصل خير احنا ولاد حتة واحدة
كرر المعلم ابراهيم عبارات شكره وامتنانه قبل ان يغادر الى قهوته بعد ان رمى مليجى بنظرة احتقار ونفور لترتسم فوق شفتى مليجى ابتسامة سمجة هاتفا بتهكم له
: متشكرين اوووى يامعلم ابراهيم... متشكرين اوى ياخويا
لكن سرعان ما اختفت ابتسامته تلك عن وجهه سريعا حين هتف صالح باسمه بلهجة تحمل من الصرامة ما جعل الدماء تجف فى عروقه فيلتفت اليه ببطء وتوجس وقد اقترب منه ينكزه فى صدره باصبعه قائلا ببطء وعينه تنطق بالتحذير قبل شفتيه
: مليجى... شوف من الاخر كده... دى اخر مرة هدخلك فى حاجة... فاحسن ليك تمشى عدل... الا وربى يا مليجى محد هيعدلك غيرى.. وانا نبهتك اهو
هم مليجى ان يجيبه لكن قاطعه صالح بخفوت ضاغط فوق حروف كلماته بحنق
:شوف انا على اخرى منك ..فحاول متجبش اخر صبرى عليك ...علشان صدقنى مش هيعجبك اللى هيحصل
ثم تحرك مغادرا تاركا مليجى يقف فى وسط الحارة ينظر فى اثره للحظات قبل ان يتحدث قائلا بصوت خافت مرتعش
: ماله ده هو حد داس له على طرف...كل ما يشوف خلقتى يقولى امشى عدل.... وهو فى حد ماشى عدل اليومين دول
*********************
سارت مع شقيقتها داخل الحارة فى طريق عودتهم من عملهم فى احدى محلات بيع الملابس تستند عليها تسير بصعوبة وقد تمزق حذائها واصبح لايصلح للسير به قائلة بتبرم وهى تتلفت حولها خجلا
: عجبك كده قلتلك اصلحه قبل ما نروح قلتى
هيتحمل لحد البيت....افرضى بقى حد شافنى بمنظرى ده دلوقت... هيبقى ايه العمل؟!
ابتسمت سماح قائلة بسخرية مرحة
: حد مين اللى شايلة همه .. ما كل الحارة شافتك... ولايمكن تقصدى حد بعينه
ارتبكت تهتف بها بحدة
:تقصدى ايه بكلامك ده بالظبط يا ست سماح
سماح بجدية وهى تربت فوق انامل شقيقتها الممسكة بساعدها ناصحة بهدوء
:مقصدش يا قلب اختك...بس انا بقول يعنى كفيانا تعليق فى حبال دايبة...وحب مراهقة اهبل هتضيعى عمرك علشانه وهو ولا حاسس بيكى
التوت شفتى فرح بمرارة قائلة بهمس مؤنب
:انا فاكرة ان ده برضه نفس كلامك ليا من سنتين واكتر...وهو مطلعش هبل ولا لعب عيال هنساه زاى ما قلتى ياست سماح
التفتت لها سماح هامسة بحنان تحاول ايصال كلامها باقل قدر ممكن من الم لها
:عارفة انك لسه بتحبيه...وعارفة انه مطلعش وهم ولا لعب عيال...بس مش ليكى يا فرح...مش من نصيبك ولا هيكون ياختى...ياريت تفهميها بقى وتعرفى اننا هوا عايش فى الحارة ...لا بنتشاف ولا بنتسمع ولا حتى بتحس بينا
شعرت بحرقة القلب وكسرته تملئها رغم ان حديث شقيقتها ليس بالجديد عليها فطلما سمعته منها طيلة سنتين مروا عليها بألم واوجاع دهر كاملاً الا انه فى كل مرة يحدث بها آلام لا قدرة لها على تحملها كأنها تسمعها أول مرة
تنهدت بألم تنحنى برأسها ارضاً متظاهرة بالاهتمام بحذائها حتى تدارى تلك الدموع والتى ملئت عينيها حتى حجبت عنها الرؤية تماما فلم ترى تلك القطعة الخشبية القديمة ولا ذاك المسمار الصدأ بها لتطئ بخطواتها فوقها فتدوى صرختها المتألمة حين نفذ المسمار من خلال حذائها المهترىٔ الى قدمها كخط من النار اصابها
لتهتف سماح تسألها جزع عما بها فأجبتها بكلمات متقطعة متألمة لتنحى سماح ارضا حتى تطمئن على ساقها بلهفة وقلق فى تلك الاثناء كان قد اقتربت منهم احدى نساء الحارة تتسأل هى الاخرى عما حدث فاستقامت سماح سريعا ثم تقوم بأسنادها موجهة حديثها للمرأة قائلة بهلع
:رجليها دخل فيها مسمار...وحياة عيالك يام رجب تسنديها معايا لحد البيت
لطمت المرأة صدرها مستنكرة تهتف بها
:بيت!..بيت ايه اللى تروحه.. دى لازم الاول نطلع المسمار من رجليها قبل اى حاجة
ثم تكمل وهى تتحرك من جوارهم الى الجانب الاخر من الطريق هاتفة بحزم
: استنى هنا وخليكى مسنداها وانا هروح اجيب كرسى من محل انور ظاظا نقعدها عليه علشان نطلع من رجليها المسمار
وبالفعل كانت قد ذهبت دون ان تمهل لسماح فرصة للرد ولم تغب سوى ثوانى معدودة كانت فى اثناءها تجمع عدد من اهل الحارة حولهم كلا يتساءل عما حدث حتى اتت ام رجب تهرول ومن خلفها انور يرتسم القلق الشديد على وجهه حاملا لاحدى المقاعد بين يديه يضعه ارضا وهو يهتف موجها الحديث الى فرح بصوت قلق ملهوف
:مالك يا ست البنات الف سلامة عليكى ..ايه حصل؟
تجاهلته فرح وهى تتحرك متألمة بمساعدة شقيقتها للجلوس فوق المقعد تتساقط دموعها الماً رغما عنها ليهتف انور بحدة فى الجمع حولهم
:جرى ايه يا خوانا ما كل واحد يروح لحاله....ملهاش لازمة الوقفة دى حوليها
ثم ودون مقدمات انحنى جالسا على عقبيه امام ساقها المصابة يمسكها بين كفيه ويضعها فوق ساقه
لتصرخ به بصوت حاد رغم الضعف به
:انت بتعمل ايه ابعد ايدك عنى..
قاطع انورحديثها قائلا بصوت متحشرج لاهث
:متخفيش ياقمر...دانا بس هخرجلك المسمار ومش هتحسى بحاجة
اخذت تحاول الفكاك من قبضته المحكمة حول ساقها وهى تشعر بانامله تتسلل خفية فوق بشرة ساقها تتلمسها بحركة بطيئة اصابتها بقشعريرة النفور ترفع نظراتها الى شقيقتها مستنجدة بها فأسرعت سماح تحاول طمئنتها ظنا منها ان سبب رعبها ورفضها هذا خوفا ورهبة من الالم المحتمل لسحب المسمار من قدمها
لكنها لم تستسلم بل اخذت تحاول جذب قدمها بعيدا عن يديه ولمساتها المنفرة رغم كل محاولات جميع من حولها اثناءها عن هذا
******************
جلس فوق مكتبه داخل المحل الخاص بتجارتهم (مغلق لبيع الاخشاب) يحاول التطلع فى احدى الملفات امامه لكنه كان من بين حين واخر يتطلع الى ساعته زافر بقلق حتى تخلى اخيرا عن محاولة التركيز تاركا القلم من يده ثم يهم بالنهوض ليتوقف عن الحركة معاودا الجلوس مرة اخرى حين دلف من الباب صديقه المقرب عادل والذى هتف مبتسما بمرح فور رؤيته له
:صالح ابن الحاج منصور...اللى مابقاش بيسأل على حد....فينك ياعم كده مختفى
تراجع صالح فى مقعده يهتف به هو الاخر بمرح
:لاا حوش ياض انت اللى مقطع السؤال عليا اووى
اقترب عادل جالسا فوق احدى المقاعد امامه قائلا بتبرم مصطنع
:هى اختك سيبالى فرصة اسال عن حد...دى مخليانى ماشى الف حوالين نفسى
ابتسم صالح قائلا بسخرية مرحة
:انت لسه شوفت حاجة...دى لسه بتسمى عليك....اتقل التقيل جاى ورا
تنهد عادل بطريقة مسرحية قائلا بحزن مصطنع
:لااا لو من اولها كده يبقى مش لاعب...دول ياعم ليهم دماغ لوحدهم وبيقلبوا فى ثانية ..ومتعرفش ليه وازاى ولا علشان ايه
تبدلت ملامح صالح فورا للوجوم تمحى عن شفتيه ابتسامته المرحة يكفهر وجهه بشدة فلا يخفى عن صديقه تبدل حاله ليصمت فورا يلعن نفسه لعدم المراعاة فى حديثه لكن شعر بوجود ماهو اكثر من هذا فيسأله بعدها بقلق واهتمام
: مالك يا صالح.... حالك مش عجبنى.... هو حصل جديد
تطلع اليه صالح بعيون شاردة غير مقرؤة التعبير ليهمس له عادل بصوت متردد قلق
: لسه برضه اهلك بيكلموك ترجعها؟
اغمض صالح عينيه بارهاق زافرا بحرقة كانه يحاول اخراج نيران صدره معها يهز راسه له بالايجاب ليغمم عادل من بين انفاسه لاعنا بحنق قبل ان يسأله بحرص بعدها وبصوت خرج رغما عنه متعاطف مشفق رغم علمه بكره صديقه لهذا منه
: تحب تحكيلى ونتكلم هنا... ولا تجى نخرج نشم هوا و....
فتح صالح عينيه فجأة يظهر داخلهم القوة والتصميم وقد تبدل حاله فورا قائلا بقسوة وحدة
:لاااهنا...ولا هناك....مفيش حاجة مستاهلة كلام
ثم اعتدل فى جلسته يمسك باحدى الدفاتر امامه يتظاهر بالتطلع به قائلا بخشونة متعمدة
:خلص انت بس وقول كنت جاى ليه...علشان ورايا شغل
تجاهل عادل قسوته وحدته تلك فهو يعلم ان ما يمر به صديقه ويثقل كاهله تحت وطأته ليس بالهين حتى على اعتى الرجال لذا تدارك الامر سريعا هاتفا بمرح ممازحا
:براحة ياعم....مش لما تطلبلى حاجة اشربها الاول... ولا اقولك ابعت هات اكل علشان انا جعاان
رفع صالح رأسه متطلعا اليه ليكمل عادل بحدة مصطنعة ووجهه متجعد يشيح بيده
:اخلص يا جدع يلاا بقولك جعااان
ابتسم صالح هازا راسه بالموافقة تنفرج اسارير وجهه استجابة لمزاح صديقه قبل ان يتعال صوته مناديا لاحد العاملين لديه والذى استغرق بعض الوقت قبل يلبى النداء يأتى مهرولا مجيبا اياه بلهاث ليسأله صالح بحدة
:ايه يا سيد بيه...كنت فين كل ده؟
اجابه سيد العامل سريعا
:كنت على اول الحارة بشوف اللمة اللى هناك دى ليه
صالح ساخرا وهو يتراجع فى جلسته باسترخاء لظهر مقعده
:حلو اوى.... وياترى جنابك عرفت بقى اللمة دى ليه
اقترب سيد يهتف بتأكيد ومعرفة
: اااه... دى البت بنت الست لبيبة الله يرحمها الظاهر دخل فى رجليها حاجة وواقفة تعيط والحارة ملمومة هناك عليها
توترت الاجواء فور نطقه لتلك الكلمات يعتدل صالح فى جلسته بتوتر واضطراب جعل عادل يسرع برميه بنظرة محذرة استجاب لها على مضض وهو يتراجع فى مقعده مرة اخرى لكن هذه المرة بجسد متحفز قلق ليلتفت عادل الى العامل يسأله بصوت اظهره عادى النبرات غير مهتم
:بت مين فيهم يا سيد اللى اتعورت..الكبيرة ولا الصغيرة
اسرع سيد يجيبه بحزم سعيدا باهتمامهم بمعرفة الاخبار منه
:البت الصغيرة...الظاهر جزمتها اتقطعت ودخل فى رجليها مسمار وواقفة هى و .....
قطع حديثه بغتة يتطلع نحو صالح بدهشة واستغراب حين وجده ينهض فورا من مكانه يتجه الى الخارج مغادرا بخطوات سريعة متلهفة يعقبه عادل والذى اخده يناديه محاولا ايقافه او اللحاق به ليهمس سيد بحيرة فور غيابهم
:غريبة دى هو ماله كده اتخض عليها زاى ما تكون من باقية اهله ولا تهمه فى حاجة...
ليكمل بعدها هازا راسه بتاكيد وحزم
: لاا بس هو كده طول عمره.... جدع وبيخاف على غلابة الحارة... ربنا يديله على اد نيته وطيبته
*********
كان قد وصل الى مكان تجمهر الاهالى فى اقل من دقيقتين ليتسمر مكانه حين رأها تجلس فوق احدى المقاعد وهى تبكى متألمة تجاورها شقيقتها الباكية هى الاخرى لكن ما جعل الدماء تتأجج بثورة فى شراينه وتثور معاها ثأئرته هو رؤيته لذلك الاحمق الجالس اسفل قدميها ممسك بها بين يديه انامله تتلمسها بتلك الطريقة فلم يدرى بنفسه سوى هو يتحرك ويقوم بدفعه بقسوة بعيدا عنها ليسقط انور بعدها جالسا ارضا بعنف يرفع وجهه بخشية ورعب نحوه حين هدر صوته به بغضب اعمى
:انت بتهبب ايه ياجدع انت...ابعد ايدك عنها
توتر انور يتطلع اليه قائلا بتلعثم واضطراب
:ابدا ياصالح باشا دانا...دانا كنت بطلع لها المسما...
انحنى عليه يهتف به بأستنكار غاضب وهو يكاد يفتك به لولا ذراع عادل والذى اسرع بالوقوف حائل بينهم يدفعه بعيد عنه بصعوبة
: بتعمل ايه؟!.... سمعنى كده تانى حلاوة صوتك...مسمار ايه اللى بطلعه فى وسط الشارع ده
اخذ عادل يدفعه الى الخلف بعيدا عن انور الساقط ارضا والمرتعب من رؤية صالح بكل هذا الغضب امامه تتعال همهمات المتابعين للموقف من حولهم بفضول حتى نجح اخيرا عادل اخيرا فى ابعاده بعد ان همس بعدة كلمات مهدئة له لكنه التفت بعدها بوجهه الحانق وعينه التى تطلق الشرر ناحية تلك الجالسة تتابع ما يحدث بعيون متسعة بذهول لايخلو من الانبهار وقد توقفت دموعها تماماً كانها لم تكن يسألها بحدة وخشونة
: وانتى كمان ازاى تسبيه....
صمت عن اكمال كلمات كادت ان تفلت منه رغما عنه يضغط فوق اسنانه بحنق وقد وعى للتجمهر من حولهم يكمل بدلا عنها كلمات لم تكن اقل حدة او غضبا ينفث بها عن عما يعتمل بداخله
: مش تاخدى بالك انت كمان... ازاى المسمار ده دخل رجلك
تبدل حالها فورا نطقه كلماته بنبرة الاتهام تلك تمحو فورا عنها حالة الانبهار وفرحتها برؤيتها له محتلا مكانها غضبها الشديد كأن احدهم قد عبث بأزرار تحكمها تهتف به هى الاخرى بصوت حانق متشدد غير عابئة بمن حولهم
: انت بتزعقلى ليه؟! هو انا كنت قاصدة يعنى ولا كنت قاصدة ادخله فى رجلى علشان تزعقلى كده!
التفتت سماح شقيقتها حولهم تتطلع الى الجمع بتوتر قبل ان تنحنى عليها تنكزها خفية هامسة لها بحرج
: اتلمى يخربيتك... انتى هتزعقيله وسط الحارة
لم تعيرها فرح اهتماما تنظر اليه بتحدى وقد التمعت عينيها بشدة تتطاير شرارت غضبها كالبرق فى سماء عاصفة نحوه وقد وقف مكانه يتطلع اليها كالمصعوق حتى تعال صوت سماح تهتف بنبرة معتذرة حرجة فى محاولة لتدارك الموقف
: معلش ياسى صالح... حقك عليا يا خويا.... هى بس بتهبل من الوجع اللى فيها...
التفت ببطء اليها بعيون شاردة مذهولة وهو يطبق على شفتيه حتى اصبحا كخط رفيع دليل على محاولته التحكم فى ذاته لكن حين اتت على ذكر المها نفض عنه حالة الذهول تلك موجها الحديث الى عادل وهو يشير ناحية المقعد قائلا بحزم
: شيل الكرسى قصادى من الناحية التانية... خلينا نوديها الصيدلية
اسرع عادل لتنفيذ ما قاله بينما هو يقترب منها من الناحية الاخرى لتتملل فى جلستها باضطراب حين شعرت به قريباً منها وقد تسللت اليها رائحة عطره لتخطف نبضة من قلبها وتتسابق انفاسها ولكن لم يكن هذا بشيئ مقارنة بما اصابها حين تقابلت نظراتهم وهو ينحنى نحوها يهمس لها بصوت خفيض للغاية فى اذنيها وصل اليها كرفرفة الفراشة فى رقته
: والله وكبرتى يا فرح...كبرتى وبقيتى تعرفى تردى و تاخدى حقك...
التفتت نحوه وعينيها متسعة ذهولا مما سمعته لكن فوجئت به تراه وقد عادت صفحة وجهه بيضاء خالية من التعبير كأنه لم يهمس لها بشيئ حتى ظنت انها تخيلت كلماته تلك لها وقد انحنى حاملا لمقعدها من ناحيته بوجهه متجمد بعد ان هتف بصوت امر بالجمع الملتف حولهم بأن يذهب كلا الى طريقه ليسرعوا فى التلبية الا شخص واحد وقف ببطء ينفض عن ملابسه الغبار العالق بها وعينيه تتابع ذهابهم وهى تطلق سهام غيرته نحوهم
************
: يخرب بيتك ويخرب بيت جنانك يافرح يابنت امى وابويا...
نطقت سماح بكلماتها الحانقة تلك موجهة اياها الى شقيقتها الجالسة فوق اريكة داخل شقتهم متواضعة الاثاث تمدد قدميها المصابة امامها وهى تزم شفتيها بحزن وندم لتكمل سماح غير عابئة بحالتها تلك
: انتى اكيد عقلك ساح... ولا ضرب منك... بقى مش كفاية اللى عملتيه فيه ادام الحارة.... لاااا رايحة تكملى عليه وعلينا فى الصيدلية كمان
صرخت فرح بطفولية بها
: مانتى عارفة انا بخاف من الحقن اد ايه... وهو مصمم يخلينى اخد الحقنة
سماح بصراخ هى الاخرى مستنكرة
: هو يا حبة عينى لصمم ولا ليه ذنب... دى الدكتورة اللى قالت كده... وهو خاف عليكى وخلاها تدهالك بعد ما فضحتينا صويت زاى العيال الصغيرة وهو بيخرج من رجلك المسمار
ضمت فرح شفتيها معا بحزن هامسة
: زمانه بيقول عليا ايه دلوقت....وانا اللى كنت بتمنى اليوم اللى هيكلمنى فيه بعد ما كبرت كده وبقيت البت العاقلة
قاطعتها سماح تلوى شفتيها يمينا وشمالا قائلة
:بلا نيلة عليكى ياست العاقلة.. قولى ياختى زمانه مابيقولش عليكى ايه....قال وبتحبيه قال
زمت اكثر شفتيها حزناً وقد ارتفعت غصة البكاء تخنقها من اثر حديث شقيقتها لكنها تجاهلتها تهمس متألمة بصوت مختنق حزين
:متفرقش كتير بقى.... هو كده ولا كده عمره ما هيشوف غير فرح العيلة الهبلة اللى كانت بتيجى مع امها علشان تخدم..يبقى ليه الزعل بقى
**********
تقدم بخطوات سريعة غاضبة الى داخل محل عمله ووجهه شديد الاحتقان يلاحقه عادل محاولا تهدئته قائلا بمهادنة
:براحة ياصالح محصلش حاجة لكل ده
التفت اليه سريعا قبل ان يتوجه الى مقعده يصرخ بغضب لم يعد يستطع احكام السيطرة عليه بعد الان
:محصلش حاجة؟ انت مش شوفت ابن ال****كان قاعد وماسك رجليها ازى و ....
لكن قاطعه عادل سريعا عن اكمال حديثه وهو يهتف مناديا لسيد العامل الواقف يتابع ما يحدث بفضول واهتمام شديد
:سيد ...روح هات القهوة بتاعتى انا وصالح من عند المعلم ابراهيم وتعال
تغضن وجه سيد امتعاضا لطلبه وعدم قدرته على معرفة الباقى من حديثهم قائلا برجاء
:طيب ما اعملها ليكم هنا يا استاذ عادل وبلاها مرواح للقهوة
تجمد وجه صالح يلتفت اليه ببطء قائلا بهدوء ماقبل العاصفة
:والله عال انت كمان هتشربنى على مزاجك ولا ايه ياسيد بيه
اخذ سيد بهز رأسه نافياً بخوف يتلعثم بكلمات غير مفهومة قبل ان يسرع بالمغادرة بتلهف وخطوات سريعة حتى خرج تمام ليلتفت عادل ثانياً الى صالح هاتفا به باستنكار
:فى ايه ياجدع انت ماتهدى كده ..هتفرج علينا الخلق
جز صالح فوق اسنانه حنقا وعينيه تضيق بنظراتها يفح من بين انفاسه غضباً
:هو انا كده مش هادى ...دانا المفروض كنت جبته من قفاه وعرفته شغله ادام الحارة كلها ابن ال***ده
بقى الكلب قاعد تحت رجليها وبيلمسها ويقولى بطلع المسمار
خبط فوق المكتب الخشبى بكفيه بقوة شديدة احدثت شرخ فى لوحه الزجاجى لكنه لم يعيره اهتماما يكمل بقسوة
: المسمار ده بقى انا اللى هحطه فى فى عينه ابن ال*** بعد ما اكون كسرت له ايده اللى اتجرأ ومدها عليها
صمت ينهج بعنف وصدره يرتفع وينخفض بسرعة عينيه تلتمع بشراسة ليسرع عادل فى محاولة تهدئته قائلا بهدوء ورفق
:خلااص طلعت اللى جواك ...حلو اووى اهدى بقى وبلاش فضايح ...صوتك هيلم الناس علينا
زفر صالح بقوة يغمض عينيه للحظات قبل ان يلقى بجسده فوق المقعد قائلا بخفوت وقد عاوده بعضاً من تعقله
:غصب عنى يا عادل ...اول مرة احس بكده ...كأن ستارة حمرا ادام عنيا من ساعة ما شوفت المنظر ...سبحان من صبرنى انى امسك نفسى لحد ما اطمن عليها
ابتسم عادل يجلس هو الاخر قائلا بسخرية مرحة
:لاا كنت ماسك نفسك اووى ياض ...ده انت كنت هتخنق البت كذا مرة فى الصيدلية ...ده غير جنان اللى جابوك وانت عاوز تطلع على محل انور تدغدغه
هتف صالح بعتاب حانق
:يعنى هو انت سبتنى ...دانت لزقت فيا ولا اللزقة بغرا لحد ما جبتنى هنا ...عيل غتت صحيح
تهتف عادل مستنكراً
:متشكر يا رجولة ...لا كنت اسيبك تعمل اللى فى دماغك ...علشان الحارة كلها تسأل ليه وعلشان ايه وتبقى لبانة وحدوتة
تغيرت ملامح عادل للجدية وهو يكمل قائلا بهدوء
:بجد يا صالح ...لازم تهدى شوية ...ومتنساش اننا فى حارة كلامها كتير ....وانت لسه مطلق من مفيش...ولا نسيت كلامنا قبل كده
سكنت ملامح صالح يرتفع الحزن داخل عينيه يزيح الغضب من طريقه وهو يهمس بصوت مرتعش اجش
:لاا متخفش مش ناسى ..يمكن بس النهاردة لما ردت عليا مشفتش فيها فرح العيلة بنت سبعتاشر اللى انا .....
اغمض عينيه يستنشق الهواء بقوة الى داخل صدره هو يتراجع الى ظهره مقعده صامتا لعدة لحظات احترمها عادل دون مقاطعة منه قبل ان يقول يكمل بألم وصوت جريح
:بس متخفش ياصاحبى ...وان كان زمان صعب .. فدلوقت بقى من المستحيل
**********
ظلمها_عشقاً
الفصل_الثانى
وقفت الحاجة انصاف فى وسط مطبخها تتابع الاعداد لوليمة الغذاء المقامة استعدادا لحضور اهل خطيب وحيدتها ياسمين تلقى بعدة تعليمات للفتاة العاملة لديها بشأن الطعام ثم تحركت ناحية الطاولة فى جانب المطبخ والتى جلست خلفها كريمة زوجة مليجى العايق وقد انهمكت فى اعداد الخضروات المتراصة امامها لتجلس بجوارها وتقوم بالمساعدة قائلة بأرهاق
:شكلى هندم انى مسمعتش كلام البت ياسمين وجبت طباخ بدل البهدلة دى
رفعت كريمة وجهها تبتسم بشاشة قائلة
:ولا هتندمى ولا حاجة ...هو فى احلى من عمايل ايدك ونفسك فى الاكل برضه
تنهدت انصاف بحزن قائلة
:والله يا كريمة ماكان وقته ولا ليها لازمة بس هعمل ايه فى بنتى ودلعها
:ومالها بنتك بقى ياست ماما؟!
قالتها شابة فى اوائل العشرينات متوسطة الجمال بتدلل وقد وقفت امامهم تضع قناعا للوجه اخضر اللون وترتدى احدى القمصان البيتية زاهية اللون لتجيبها والدتها قائلة بحنق
:مدلعة ياعين امك ..ودماغك رايقة ..ومش على بالك حد غير نفسك
نظرت ياسمين باضطراب ناحية كريمة والتى تصنعت الانشعال بما فى يدها من اعمال قبل ان تتحدث قائلة بحرج وابتسامة مصطنعة
:ماما ياحبيبتى ..اظن اننا خلصنا كلام فى الموضوع ده من يومين ..فملهاش لازمة نفتحه تانى
انصاف بأستهجان وصوت حزين
:موضوع ايه اللى اتقفل؟!..بقى مين عاقل ياناس يقول اعمل عزومة وهيصة وانا ابنى لسه مطلق من شهر وقلبه لسه مكسور
ضربت ياسمين الارض بقدميها حنقاً تهتف وقد تناست وجود كريمة
:ومين قال برضه انى كمان مفرحش..المفروض ان خطوبتى كانت من شهر وحكمتوا عليا بعد اللى حصل ان البس الشبكة على الساكت..كمان مش عوزانى اعزم اهل خطيبى
لم تعير انصاف لغضبها ادنى اهتمام قائلة بعبوس واستهحان
: ماهو ده اللى كان ناقص..نعمل خطوبة كمان
صرخت ياسمين بغضب
:وانا مالى بكل ده ..ولا هو طلاقه ده هيجى على دماغى..بعدين هو موافق وقالى اعملى اللى انتى عوزاه
تنهدت انصاف بحزن تهمس
:هو طول عمره كده ياقلب امه ...حزنه وفرحه جواه محدس بيحس بيه
ثم التفتت الى ياسمين قائلة بعتب
:يبقى احنا نحس على دمنا ونراعى ده ..مش نعيط وندبدب فى الارض علشان يتعمل لينا اللى عوزينه ..ده خطيبك كان عنده دم عنك ومكنش موافق يجى لا هو ولا اهله
لوحت ياسمين بيدها بلامبالاة تبتسم بسماجة
:وهو وافق فى الاخر وجاى ..واللى عوزاه حصل ممكن بقى نقفل على الموضوع ده ..وتقولولى هتعملوا ليهم غدا ايه
هنا اسرعت كريمة تجيبها بأبتسامة بشوش تعدد لها اصناف الاطعمة المعدة لتصرخ ياسمين بعدها بأستهجان ورفض
:بس كده.. ايه ده..وده بقى اللى بتعملوه من الصبح
صرخت بها انصاف هى الاخرى تلقى بالسكين من يدها قائلة بحنق
:اه يا شملولة هو ده اللى بنعمله من الصبح مش عجبك شمرى ايدك واعملى معانا بدل مانتى واقفة تتأمرى علينا ..واندهى مرات اخوكى هى كمان تساعد معانا
ضغطت ياسمين فوق شفتيها قائلة بحرج مصطنع
:لا مش هينفع انا اصلى هاخد سمر ونروح نجيب كام حاجة من بره ...
صمتت قليلا مفكرة قبل ان تهتف بانتصار بعدها
:بس انا عرفت اجيبلكم مين يساعدكم ..ثوانى وراجعة
ثم خرجت سريعا من المطبخ لتزفر انصاف بقلة حيلة تدمدم من بين شفتيها بحنق جعل كريمة تبتسم لها قائلة بتسامح
:معلش يا ست انصاف.. صغيرة برضه ونفسها تفرح زى البنات
هزت انصاف رأسها بالموافقة ولكن كانت عينيها تنطق بالحزن والاسف على ما اصبحت عليه صغيرتها من انانية وحب الذات وقد ساعدت هى ووالدها فى هذا عندما افراطهم فى تدليلها حتى صارت لا تبالى بأحد سوى نفسها فقط
************
:مالك يابت قاعدة كده ليه وضاربة بوزك شبرين؟!
تسألت سماح وهى تتثائب خارجة من غرفتها حين وجدت فرح جالسة فوق الاريكة بالية الفرش بوجه مكفهر غاضب ينذر بهبوب عاصفة لتجيبها قائلة بحدة
:البيه خالك كلمنى من شوية وعوزنى اروح بيت الحاج منصور
قطعت سماح تثائبها الثانى تهتف بحدةوقد اتسعت عينيها ذهولاً
:نعم ..تروحى فين..وليه
صرخت فرح بغيظ وعينيها تشتعل غضباً
:هيكون ليه يا فالحة يعنى..
ضاقت عينى سماح تضغط فوق اسنانها حنقاً
:هو هيشتغلنا تانى ولا ايه..مش كنا خلصنا منه موضوع الخدمة فى بيوت الحارة ده
تنهدت فرح بحزن قائلة
:خلصنا ايه ..واللى بتعمله مرات خالك من يوم موت امك ده يبقى اسمه ايه يافالحة
زفرت سماح لا تجد ما تجيبها به تسألها بتوتر
:طب وانتى رديتى عليه بأيه؟
اسرعت فرح تجيبها بحنق وحدة
:قلت لا طبعا...وزعقت معاه كمان فى التليفون
سماح بأضطراب وقلق
:ليه يافرح ...كنتى روحتى وخلاص ..اهو دلوقت هيجى يطلع عنينا
صرخت فرح مستنكرة
:بتقولى ايه انتى كمان ...اروح فين ...ها اروح فين ياسماح
اقتربت سماح منها تجلس بجوارها قائلة بأسف وحزن
:عارفة ياقلب اختك ...بس هنعمل ايه ده حكم القوى علينا ..اهو دلوقت يجى يفتح صوته ويلم الشارع علينا ويفضحنا
فرح وهى تلقى بهاتفها من يدها بجوارها قائلة بحدة
:يعمل اللى يعمله ..انا مش رايحة فى حتة..طب زمان كنت بعمل كده وبروح مع امك بس كنت عيلة وبفرح لما بروح هناك ..انما دلوقت كبرت ومبقاش ينفع.. ومن يوم اللى حصل رجلى مخطتش هناك حتى لو مع امك يبقى اروح تا ...
قطعت حديثها بغتة حين تعالت طرقات عنيفة فوق الباب الخارجى يعقبها صوت رجولى اجش يهتف بغضب
:افتحى الباب يابت منك ليها ..افتحوا لكسره على دماغكم يا ولاد ال****
لطمت سماح وجنتيها تهمس برعب وهلع
:مش قلتلك..اهو جه وجايب فضايحه معاه
لم تعير فرح صرخاته اهتماماً تجلس مكانها هادئة بينما اسرعت سماح ناحية الباب تفتحه سريعاً ليدلف مليجى بجسده الضخم وملابسه ذات الالوان الصارخة مكفهر الوجه غضباً وهو يوجه الحديث لفرح قائلا بخشونة
:مابتفتحيش الباب ليه يابت انتى...انا مش واقف بخبط من بدرى
اجابته فرح ببرود قائلة
:وافتح ليه؟ما انت معاك مفتاح ..ولا مكسل تطلعه وتفتح زى ما انت مكسل تعمل حاجات تانية كتير فى دنيتك
احتقن وجهه بشدة وهو يندفع نحوها صارخاً بشراسة
:تقصدى ايه يابنت ال *** انتى
اسرعت سماح بأمساكه من ذراعه توقفه بصعوبة قائلة بهلع تحاول تهدئته
:متقصدش ياخالى ..والله ماتقصد حاجة
سأل مليجى فرح بحدة وغضب متجاهلا محاولات سماح ايقافه
:وايه حكاية مش رايحة دى ياعين امك... انت تقومى تلبسى حالا وعلى بيت الحاج منصور..ومشفوش وشك تانى الا مع مرات خالك فاهمة ولا لا ..قومى فزى يلا
وقفت فرح على قدميها قائلة بتحدى
:مش رايحة فى حتة..واظن ده اللى قلتهولك فى التليفون
هم مليجى بالانقضاض عليها مرة اخرى لتسرع سماح قائلة بتوتر ورجاء
:معلش ياخالى ..اصل رجليها دخل فيها مسمار ومش هتعرف تمشى عليها... انا بقول يعنى لو اروح انا مكانها
التف اليها مليجى يهتف بعند واصرار
:لا ياحيلة امك..انا قلت هى يبقى هى وكلامى هو اللى هيمشى
صرخت فرح بحرقة رافضة
: وانا قلت مش رايحة يعنى مش رايحة ...ايه انت ما بتفهمش
انقلب حال مليجى فورا يحتقن وجهه غضباً وقد انتفخت عضلات صدره كأنه يستعد لمعركة حامية يدفع سماح للخلف بعنف لتسقط ارضاً صارخة بألم وبينما يتجه هو فوراً ناحية فرح يجذبها من خصلات شعرها بقوة حتى كاد ان يقتلعها بين اصابعه ثم يهوى فوق وجنتها بلطمة عنيفة جعلتها ترى ضوء ساطعاً اغشاها للحظة تصرخ متألمة وهو يقوم بهز رأسها بعنف قائلا بشراسة وقسوة
:لسانك بقى طويل يابنت ال*** وبقيت عنيكى قوية عليا...وحشتك علق زمان ولا ايه؟
رماها ارضا بقسوة صارخاً
:ورحمة امك يافرح ..ان كلامى ماتسمع لكون عامل الليلة عليكى وعلى المحروسة اختك حفلة ضرب للصبح..ومفيش مانع لما مرات خالك وعيالها ينوبهم من الحب جانب هما كمان
التمعت عينيه وهو يبتسم بشراسة ثم يضع حذائه فوق قدمها المصابة يدعسها بعنف يكمل دون شفقة بدموعها وصرخاتها المتألمة
:شكلى بقالى كتير ماروقتش عليكم ونسيتوا مين هو مليجى العايق ياغجر
اندفعت سماح نحوه تدفعه بعيدا عنها وهى تصرخ برعب وتذلل
:خلاص هتروح ...ابعد بقى عنها ..ابعد يا مفترى
ثم جلست جوارها تحتضنها بين ذراعيها بحماية ليبتعد عنهما باصقاً عليهم بأشمئزاز قبل ان يغادر يغلق خلفه الباب بعنف ارتجت له جدران المنزل فتصرخ فرح بعد خروجه باكية بحرقة
:روح ربنا ياخدك يا بعيد ونرتاح منك
اخذت سماح تهمس لها بحنان كلمات مواسية بينما انهارت هى باكية بدموع القهر تهمهم بكسرة
:امتى بقى نرتاح منه ...هو احنا عملنا ايه علشان ربنا يعقبنا كده ياسماح؟
اخذت تكرر كلماتها تلك تنهار باكية تشاركها سماح هى الاخرى البكاء حزناً على مصيرهم الاسود وما يعانوه بسبب ذلك الوحش وافعاله السوداء
*************
كان يجلس امام محله الخاص بيع قطع غيار السيارات مراقباً حركة نساء الحارة المارة لا يترك امرأة تمر من امامه دون ان تلتهمها عينيه بشهوة وفجور حتى لمح مليجى يسير مسرعاً وهو يدمدم لنفسه بعضب ليناديه عالياً فينتبه مليجى اليه تتبدل ملامحه فوراً للفرحة وهو يسرع فى اتجاهه بتلهف حتى وقف امامه يلقى بتحية خانعة قائلا
:مرحب يابرنس الحارة ...امرنى اى خدمة
ابتسم انور غروراً وزهواً من كلماته قائلا
:عوزك تبقى تعدى عليا بعد المغرب كده ..فى مصلحة وعوزك فيها
تهلل وجه مليجى بفرحة يفرك كفيه معا قائلا
:تحت امرك يا برنس ..بس ايه مفيش تحية حلوة منك كده زاى بتاعت امبارح
هز انور رأسه بالايجاب غامزاً بعينه بخبث وهو يمد يده داخل جيبه يخرج منه لفافة صغيرة مغلفة يمدها نحوه قائلا
:فيه يا مليجى ..واحلى من بتاعت امبارح كمان
خطفها مليجى من يده بتلهف وهو يقبل كفه قائلا بتذلل
:تسلملى يابرنس الحارة كلها ...والله مانا عارف اقولك ايه على كرمك ده كله معايا
ابتسم انور وهو يتراجع فى مقعده قائلا ببطء وصوت مغرى يعد بالكثير
:ولسه يا عايق ..دانا هغرقك وهيبقى كل يوم من ده ..بس توافقنى على اللى عوزه منك
اسرع مليجى يجيبه بتأكيد وحزم
:موافق على كل اللى تأمر بيه دانا خدامك يا برنس
انتفخ انور زهواً زفراً ببطء وراحة وعينه يلتمع بداخلها بريق النصر وفقد اصبح قاب قوسين من هاجس اصبح يسرق منه النوم فى لياليه وجعله يتلظى بنيران شوقه ولهفته بسببه
************
تسمرت قدميه عند مدخل منزلهم لحظة رؤيته لها يراها تصعد درجات الدرج ببطء يصله تمتمتها الخافتة بكلمات سريعة لكنه علم منها بمدى غضبها وحنقها مما جعله يبتسم وهو يتقدم نحوها بخطوات هادئة حتى اصبح يجاورها تماما يسألها بصوت متهكم ساخر
:يااساتر كله ده...مكنتش اعرف ان زيارتك لينا مضيقاكى اوى كده
شهقت متفاجئة حين وصلها صوته تتراجع الى الخلف دون حذر حتى كادت ان تسقط من فوق تلك الدرجتين لولا ان اسرع نحوها يقوم بالامساك بها سريعا يجذبها اليه بتلهف يقربها منه بحماية لتتسلل اليها رائحة عطره الرجولى فتغمض عينيها مستمتعة وهى تتشربها داخل صدرها لتنسيها العالم وأين ومن هى حتى.. تقف مرتجفة بين ذراعيه فى عالمها الحالم به وبقربه حتى أتاها صوته القلق يناديها ليسحبها الى واقعها مرة اخرى تشعر به كدلو ماء يلقى فوقها ينبها الى حالها فتسرع بالابتعاد تجذب نفسها بعنف بعيد عنه بحركة عنيفة كانت لعينيه كأتهام منها له باستغلال الوضع لبيتعد عنها هو الاخر قائلا بحدة وخشونة يكمل حديثه السابق كما لو كان لا شيئ قد حدث:
:ومدام مضايقة كده ...تعبتى نفسك وجاية ليه من الاساس
شعرت بحرارة الحرج تكتنفها من طريقته الحادة معها لتسرع قائلة هى الاخرى بحدة ودون تفكير
:مكنتش جاية على فكرة ..بس امك هى اللى بعتت مع خالى علشان.....
تراجع صالح يستند الى الحائط خلفه مبتسما ببطء وعينيه ترمقها بنظرة ساخرة قائلا
:امك ! هى بقى اسمها امك؟! مش المفروض كبرتى وبقيتى تعرفى تتكلمى ازى
ازداد توترها وحرجها تدرك بأنها تستحق منه سخريته هذه ردا على سخافة ردها عليه لذا فضلت الصمت والصعود هرباً منه ومن هذا الحديث الحرج معه فتسرع بصعود الدرج بأضطراب وتعجل غافلة عن اصابة قدميها لكن ما ان وطأت قدمها فوق الدرج حتى شهقت بقوة وهى تنحنى عليها تمسك بها تعض فوق شفتيها بألم تلعن خالها داخل عقلها وما تسبب به من زيادة الالام لقدمها لكنها اسرعت باظهار التماسك والثبات على ملامحها حين سألها صالح بقلق ولهفة وهو ينحنى نحو قدمها هو الاخر
:هى لسه رجلك وجعاكى .... هو العلاج معملش نتيجه ولاايه؟!
ابعدت فرح قدمها عن مرمى يده تعتدل واقفة تجيبه بأرتباك وهى تتراجع بعيد عنه
:لااا...هى بقت كويسة خلاص ممكن بقى لو سمحت تتفضل تطلع انت انا مش عاوزة اعطلك
اعتدل صالح ببطء بوجه هادئ غير مقروء التعبير لكن نظرات عينه كانت بعيدة عن الهدوء اميال جعلتها تزدرء لعابها متوترة تشعر كأنها تحت المجهر وهو يتحدث بهدوء متهكم
: ما انا كنت طالع بس قلت اخلينى وراكى اسندك احسن ما تندلقى من على السلم زى زمان ..
هنا وشعرت بأن قدرتها على تحمل تهكمه الدائم عليها تكاد ان تنهار وقد ارتفعت غصة البكاء تكاد تخنقها ودموعها تنتظر منها السماح حتى تنفجر من عينيها وهى تدرك مقصده وحين اراد تذكيرها بمرات سقوطها المتعددة حين كانت تلهو فوق درابزين الدرج هنا مع شقيقته فى صغرها وهرولته نحوها مهدئا لها بكلمات حنون رقيقة تنسيها الالم وهو يداوى جروحها فى كل مرة لكن الان وبعد ان انتهت هذه الايام اسرعت تجيبه بغضب اصبح سلاحها المعتاد امام هجومه الدائم عليها فى كل مرة يراها فيها قائلة
:لااا شكرا ..مش محتاجة حد يسندنى ..انا مبقتش صغيرة علشان اقع من على السلم تانى
تراجع صالح متفحصا لها بدقة تعالت معها دقات قلبها كقرع الطبول تقف مكانها ثابتة وهو يرمقها بنظراته تلك ثم فجأة تعلو عينيه نظرة ساخرة قائلا لها ببطء وتهكم
:لااا ماهو واضح ياست فرح ....ياكبيرة
قالها ثم استدار فورا يصعد الدرج سريعا تاركاً اياها خلفه تلعن نفسها الف مرة على غباء قلبها الاحمق وحضورها الى هنا مرة اخرى حتى ولو كانت تحت ضغط من خالها تهمس لنفسها ضاغطة فوق شفتيها بحنق
:عجبك كده ياختى...اهو رجعنا تانى لقديمه علشان يتريق عليكى بلسانه اللى عاوز...
قطعت كلمتها زافرة بقوة تمنع نفسها عن اتمام جملتها ثم تكمل بعدها بندم
:لا بلاش ميهنش عليا برضه ده مهما كان صالح ... قال وانا اللى بقول لنفسى كبرتى يابت يافرح وبقى ليكى هيبة ادامه ..بلا نيلة عليكى على رأئى اختك سماح
اخذت تدمدم لنفسها بكلمات غير مترابطة حانقة وهى تصعد الردج ببطء حتى وصلت اخيرا الى الباب الخاص بشقة والديه تصمت فجأة شاهقة بصدمة حين وجدته يقف امام الباب مستندا فوق الحائط المجاور له عاقدا ذراعيه فوق صدره وهو يرمقها بنظرة كسولة تعدل فورا بقامتها ترسم فوق ملامحها الجدية قائلة وهى تشير ناحية جرس الباب المجاور لرأسه
:ممكن لو سمحت ترن جرس الباب
هز كتفه بلا مبالاة يشير برأسه ناحية الجرس العالى نسبياً عليها يحدثها بنبرة صوته العميقة الاجشة وقد تسللت داخلها تذيبها وتذيب قلبها عشقاً رغم التهكم بها وهو يهز كتفه بلا مبالاة قائلا
:رنيه انتى ..اظن انك كبرتى وتعرفى ترنيه لوحدك ولا ايه؟
اتبع حديثه بالتحرك للجانب لكنه لم يغير من وضعية وقوفه فتقدمت بخطوات مرتعشة تصعد الدرجات المتبقية تقف امامه وعينيها تدور بينه وبين الجرس القريب منه بتوجس وخشية ثم تنفس بعمق وهى تتقدم من مكان وقوفه ببطء تتطلع فى عيونه برهبة قابلها هو بأبتسامة ساخرة اصبحت ضحكة عالية صاخبة تردد صداها فى المكان حين انتفضت تلتف حول نفسها تهرول هاربة وهى تهتف بتلعثم و أضطراب
:مش عاوزة ..انا هروح بيتنا .. ابقى ..قول لامك ..انى ...
لم تكمل حديثها بل اسرعت تهبط درجات السلم تتعثر فى خطواتها يطاردها صوت ضحكته وقد تردد صداها ليس فى المكان فقط بل داخل قلبها ايضا فتتسارع ضرباته كأنها على وشك الاصابة بنوبة قلبية ولكن هذه المرة ليس من تأثير جاذبيتها عليها بل حرجاً واستحياء من حمقها ولكن ماذا هى بفاعلة فليس بيدها حيلة فامامه دائما تصبح طفلة حمقاء متسرعة تسبقها افعالها قبل تفكيرها
ظلمها_عشقاً
الفصل_الثالث
انا اسفة جدا يا بنات والله النت فاصل عندى من امبارح واضطرت اخرج بره البيت علشان اعرف انزله اسفة جدا ليكم اسيبكم مع الفصل ويارب يعجبكم وهستنى رايكم فيه
مواعيد التنزيل اثنين وخميس ان شاء الله
**********
:عارفة لو مش هتبطلى ضحك هقوم اجيبك من شعرك ..انا بقولك اهو
صرخت بها فرح بغيظ وصوتها مختنق بالبكاء تحاول ايقاف شقيقتها عن الضحك لكن سماح لم تستجيب لها بل زادت نوبة الضحك التى اصابتها حتى اصبحت تستلقى فوق ظهرها وهى تمسك بمعدتها لتنهض فرح من جوارها تهتف بها باكية
:انا غلطانة انى حكيت ليكى حاجة اصلا ..متبقيش تسألينى عن حاجة تانى علشان مش هرد عليكى
اندفعت الى غرفتها بخطوات سريعة غاضبة تدخلها متجه الى فراشها تلقى بجسدها فوقه شاهقة بالبكاء لتتبعها سماح مقتربة منها وهى تزيح دموع الضحك عن عينيها قائلة بصوت مازال اثر ضحكاتها به
:طب قومى متزعليش خلاص مش هضحك تانى
لم تتحرك فرح من مكانها تستمر فى بكائها فتهتف بها سماح مدافعة عن نفسها
:ماهو انتى يا فرح برضه عليكى عمايل ولا شغل العيال والفروض يعنى انك كبرتى عليها
اعتدلت فرح جالسة وهى تصرخ بغضب وطفولية
:هو ايه حكاية كبرتى النهاردة معاكم ..هو يقولى كبرتى وانتى تقوليلى كبرتى ..وكله شغال ضحك عليا
جلست سماح جوارها تربت فوق كفها برفق قائلة بحنان
:طب خلاص بقى متزعليش ...انا بس مستغربة اللى حكاتيه ...مش ده خالص صالح اللى كل الحارة تعرفه وعارفة هيبته وشدته
تنهدت فرح تضم شفتيها فى محاولة لتوقف عن البكاء قائلة
:وانا كمان بقيت مستغربة .. من وقت ماخلصت مدرسة وهو قلب معايا ...وبعد ماكان بيكلمنى ويضحك فى وشى ويهزر بقى كل ما يشوف خلقتى ليزعقلى ليتريق عليا... لحد ما اتجوز وبقيت انا اللى بهرب حتى ان اشوفه ولو صدفة
هزت سماح رأسها بحيرة قائلة
:والله انا بدأت اشك انه .....
صمتت عن اكمل حديثها تعقد حاجبيها بتفكير شاردة للحظات لتوقفت فرح عن البكاء خلالها تهزها من كتفها بعدما طال صمتها تسألها بلهفة
:انه ايه انطقى؟لو فهمتى حاجة فهمينى
نفضت سماح عنها حالة الشرود ناهضة عن الفراش قائلة بحزم
:مفيش حاجة ولا بتاع ..احنا هنعملها فيلم ..قومى يلا فزى من مكانك اغسلى وشك..وشوفى هنقول ايه لخالك لما يجى يا فالحة
ارتمت فرح بجسدها فوق الفراش تعاود الاستلقاء مرة اخرى وهى تدفن رأسها اسفل الوسادة قائلة
:يعمل اللى يعمله ..والله مانا راجعة هناك تانى ولو قتلنى حتى
نهضت سماح من جوارها تعقد حاجبيها بشدة هامسة بقلق وتوتر وقد ايقنت ان هذا اليوم لن يمر عليهم بخير وسلام ابدا
:ماهو ياريت على اد قتلك انتى بس .. دى هتبقى حفلة قتل جماعى لينا كلنا النهاردة
**************
دخل الى الشقة الخاص بوالديه ومازالت بقايا ضحكته مرتسمة فوق شفتيه يتلاعب بالمفاتيح الخاصة به بين اصابعه وهو يدنن لحناً سعيداً من بين شفتيه متجها ناحية والده الجالس فوق اريكة يتابع التلفاز بأهتمام وتركيز ولكن توقف ملتفا اليه بدهشة قائلا بتعجب سعيد
:خير يا صالح ..بقالى كتير مشفتكش فرحان كده ...لاا وبتغنى كمان؟!
جلس صالح بجواره يمازحه بمرح
: لدرجة دى يعنى كنت قالبها غم علشان تستغرب لما اضحك ياحاج!
هز والده كتفه قائلا بسعادة
:اكدب عليك واقولك لاا ...بس مش مهم المهم ان الضحكة رجعت تنور وشك تانى
هتف بعدها يكمل وعينه تلتمع بأمل ورجاء
:قولى ان سبب ضحكتك وفرحتك دى ..انك خلاص وافقت ترجع مراتك وهتفرح قلبى وقلب امك
تبدل حاله تماما فور ان نطق والده كلماته تلك يكفهر وجهه بشده وعينيه تتقاذف بداخلها الشرارات كالبرق يتخشب جسده بشدة وهو يفح من بين انفاسه قائلا بصوت غاضب
:لاا..وياريت يا حاج نقفل على السيرة دى... ومتفتحاش معايا تانى
توتر الحاج منصور فى جلسته وهو يرى تغير حال ولده للنقيض بتلك السرعة يهمس بقلق مبررا
:متزعلش منى يابنى .. انا بس عاوز اطمن عليك واشوفك متهنى ومراتك كمان بنت ناس و....
التوت شفتى صالح بمرارة شارداً عن الباقى من حديث والده تتدافع داخل عقله مشاهد شهوره الاخيرة مع ما يسميها والده بأبنة حلال حتى توقفت عند مشهده الاخير معها قبل طلاقهم مباشرا عندما وقف مكانه يتطلع اليها وهو يراها تتحدث فى هاتفها بسخرية دون ان تشعر حتى بوجوده وكلماتها كانت كالحمم تنهمر فوق رأسه وسمعه دون رحمة حين استمع الى صوت ضحكتها المنتصرة السعيدة قبل ان تكمل حديثها بخبث وتعالى اصابه بالنفور منها والغثيان فتقدم خطواته ببطء وهدوء رغم ما يمر به من مشاعر غاضبة تجعله يرد تحطيم ارجاء المكان فوق رأسها ملتفاً حول مقعدها حتى اصبح امامها مباشرا لتشهق هالعة تلقى بهاتفها ارضا صارخة باسمه وقد كسى وجهها الشحوب من حضوره المفاجئ تفرك كفيها معا بتوتر وقلق ثم حاولت التقدم منه تهم بالحديث لكنها توقفت مكانها مرة اخرى حين رأت عينيه تنهيها عن هذا فقد كانت نظراته لها شديدة القسوة والبرود فأخذت تحاول مرة اخرى التحدث بصوت حاولت اظهاره طبيعيا لكن خرج رغما عنها مرتجفا متلعثما قائلة
:دى..دى اميمة اختى ..كنت بكلمها عن ..عن
صمتت بأضطراب تحاول البحث وايجاد كلمات تسعفها فى انقاذ ما يمكن انقاذه لكن توقف عقلها عن العمل حين وجدته يتحرك من مكانه متقدماً منها ببطء تنكمش فوق نفسها رعباً ظناً بأنه سيقوم بضربها كما تستحق لكنها صدمت حين وجدته يجلس فوق المقعد بكل هدوء قائلا بصوت رغم هدوئه الا ان به شيئ مظلما غاضب
:لا مش محتاج تقوليلى كنت بتقولها ايه..انا سمعت كل حاجة ومفيش لزوم اسمعه تانى
ازاد توتر جسدها وهى تفرك كفيها معا مرة اخرى بأضطراب وقلق سرعان ما تحول الى صدمة وذهولا تنهار قدميها اسفلها لتسقط ارضاً بقوة تحرق الدموع عينيها حين قال بصوته البارد الجاف رغم الوحشية فى عينيه وشراسة ملامحه
:انتى طالق يا امانى ...طالق
كلمات قالها وليس بنادم عليها ابدا انهى بها اشهر من العذاب لن يعيدها مهما حدث فيكفيه شعوره الان بالارتياح والسكينة منذ ان قالها لها بعد ظلام وعذاب كادوا ان يقضوا عليه بلا رحمة
افاق من تلك الدوامة التى ابتلعته بداخلها مثل كل مرة يقومون فيها بذكرها امامه تنتبه حواسه على صوت شقيقته المتذمر وهى تقاطع حديث والده معه الشارد هو عنه قائلة
:بابا انت لسه متصلتش بمليجى علشان يبعت البت فرح؟!
التف اليها الحاج منصور قائلا بتأكيد
:لاا اتصلت بيه .وقالى هيبعتها حالا
زفرت ياسمين هاتفة بحنق
:طب ليه الهبابة دى مجتش لحد دلوقت
هدر صالح ناهراً اياها بحدة وغضب
:ياسمين...لمى لسانك واتكلمى عدل
توترت ياسمين قائلة بأرتباك
:انا اسفة ياصالح ...انا مقصدش و...
لكنه قاطعها بخشونة يسألها
: بعتى لفرح ليه.. عوزها فى ايه ؟
هزت ياسمين كتفيها قائلة بعدم اهتمام
:هعوزها فى ايه يعنى ...كانت هتيجى تساعد معاهم فى المطبخ .. العادى بتاعها يعنى
نهض صالح عن مقعده بعنف وهو يهتف بها محذرا بحدة
:انا مش قلتلك اتكلمى عدل
ضربت ياسمين الارض بقوة قائلة بعبوس
:فى ايه يا صالح هو انا قلت ايه غلط دلوقت ..مش دى شغلتهم
اتى تعنيفها هذه المرة من الحاج منصور وقد هتف بها غاضبا وبصوت حاد
:بنت يا ياسمين احترمى نفسك واتكلمى عدل .. دول جيرانك يعنى زى اهلك ومش معنى انهم بيجوا يساعدوا امك فى حاجة يبقى تتكلمى عنهم كده ..فاهمة ولا لا
زفرت ياسمين حنقا وهى تضرب الارض بقدمها مرة اخرى اعتراضا منها على حدتهم معها ثم اندفعت مغادرة المكان سريعا وهى تدمدم بكلمات حانقة ليلتفت الحاج منصور بعدها الى صالح زافر بنفاذ صبر قائلا
:البت دى خلاص دلعنا فيها....
صمت عن حديثه هازا راسه زافراً بقلة حيلة ليحدثه صالح بهدوء قائلا
:فرح جت بس رجعت تانى روحت ...انا قابلتها وانا طالع
هتف الحاج منصور قلقا
: خير روحت تانى ليه؟
اجابه صالح وهو ينحنى يستعيد مفاتيحه والتى القى بها فوق المنضدة عند دخوله قائلا بصوت عادى النبرات
:ابدا .. رجليها كانت دخل فيها مسمار و بتوجعها فروحت علشان مقدرتش تكمل عليها
هز الحاج صالح رأسه استحسانا قائلا
:كده احسن برضه ...والله البنت دى ان كان هى ولا اختها بنات جدعة ومحترمة وانا بعتبرهم زى ياسمين اختك بالظبط
هز صالح رأسه ببطء موافقا له وجهه صفحة بيضاء لا تظهر عليه تأثره بذكر اسمها امامه ولا ضربات قلبه الخافقة بجنون وهو يتذكرها بين ذراعيه منذ قليل يتحدث قائلا بهدوء وثبات شديد
:انا طالع شقتى لحد ما الضيوف تيجى ..تأمرنى بحاجة يا حاج
اتسعت عينى الحاج منصور قائلا
:هتطلع دلوقت؟!مش هتستنى نكمل كلامنا
اغمض صالح عينيه زافرا محاولا الهدوء وقد عاوده شعوره بالاختناق والغضب مرة اخرى قبل ان يتحدث قائلا برجاء وصوت اوضح انه اصبح على الحافة
:ياحاج ابوس ايدك ...قفل عليه الموضوع ده ..وان كان على ضحكتى اوعدك مش هتشوفها على وشى تانى بس بلاش سيرتها ادامى مرة تانية
انهى حديثه ثم استدار مغادرا دون ان يمهل والده الفرصة لحديث اخر عن هذا الموضوع والذى اصبح يفر هاربا منه ككابوس مميت خانق لانفاسه
****************
تبختر مليجى فى خطواته يلقى بالسلام هنا وهناك وهو فى اتجاه محل انور ظاظا حسب الموعد المحدد بينهم يدلف الى داخل المحل هاتفا بتذلف لانور الجالس فوق مقعده يمرر انفاس ارجيلته عبر صدره مستنشقاً اياها بأستمتاع ولا مبالاة
:انا جيت اهو يابرنس ...تأمرنى.. كنت عوزنى فى ايه؟
اشار اليه انور بيده ناحية الكرسى الاخر ليسرع مليجى بالجلوس فوقه وهو يتطلع اليه بفضول وترقب منتظرا لعدة لحظات استغرقها انور فى انهاء ارجيلته قبل ان يتركها من يده قائلا
:شوف يا مليجى من غير كلام كتير ..انا عاوز انسبك
تهلل وجه مليجى بالفرحة تشع عينيه وهو يهتف بلهفة
:ده يوم المنى ياسى انور..احنا نطول..بس مين فيهم سماح ولا..
قاطعه انور سريعا قائلا بلهاث وعينيه تنطق بالشوق
:الصغيرة ..يا مليجى..انا عاوز الصغيرة
لوى مليجى شفتيه بأبتسامة خبيثة مدركة قائلا ببطء
:قلتلى ..بقى عينك من البت فرح
ثم اقترب منه يكمل بصوت يتراقص جشعاً
:بس ياترى بقى هتقدر على مهرها يابرنس
اجابه انور سريعاً وبصوت ملهوف
:اللى تطلبه يا مليجى من جنيه لميت الف بس فرح تبقى ليا وبتاعتى النهاردة قبل بكرة
تراجع مليجى للوراء يرسم على ملامحه التردد والحيرة قائلا
:بس اااا ..طيب وحريمك الاتنين هيوافقوا على الجوازة دى
عقد انور حاحبيه بشدة قائلا ببطء محذرا
:وهما هيعرفوا منين يا مليجى...بقولك ايه صحصح معايا كده
اتسعت عينى مليجى بأدراك قائلا
:تقصد انك عاوز البت فى جوازة عرف...
قاطعه انور سريعا قائلا بتأكيد
:ايووه ..زى ما فهمت كده بالظبط ..وانا شارى ومستعد لكل طلبتها
عقد مليجى حاجبيه قائلا بصوت قلق متحير وقد اختلف الامر تماما فى حساباته
:بس كده الوضع اختلف ..والبت ممكن تعصلج ومترضاش ساعتها
هب انور من مقعده واقفاً بعنف اسقط ارجيلته ارضا بدوى عالى صارخاً فيه بشراسة كأنه لم يحتمل مجرد تصور ان يتم رفضه من قبلها
:بت مين يا عايق اللى تقول لا وترفضنى ..اصحى وفوق شوف انت بتتكلم مع مين ..دانتم شاحتين الحارة ياعايق ولا نسيت
التوت شفتيه نفورا يكمل بأستعلاء وصوت محتقر وهو يرى تململ مليجى فى معقده متوترا
:مفكر مين يرضى يناسبك ولا يحط ايده فى ايدك ويتجوز بنات اختك دول ..فوق انت وبنت اختك ياعايق وبلاش اللون ده عليا من اولها كده
اسرع مليجى يحاول تهدئته ترتجف فرائصه امام غضب وعنف انور المشتعل امامه قائلا بأرتباك وخنوع
:براحة بس يا برنس...الكلام اخد وعطى ..انا بقول يمكن ..يمكن مش اكتر
جلس انور فوق مقعده مرة اخرى يضع ساقا فوق اخرى هاتفاً بتعالى وحدة
:مفيش يمكن ولا بتاع.. البت ليا وبتاعتى وكله بتمنه ولا ايه؟!
هز له مليجى له رأسه بالموافقة تظهر اسنانه الصفراء فى ابتسامة جشعة خبيثة حين اتى على ذكر الثمن قائلا بتأكيد وحزم
:خلاص وماله يابرنس اللى تأمر بيه وطالما كله بحسابه يبقى البت متغلاش عليك ..وهو كله جواز وشرع ربنا
شعر انور بعد حديثه هذا بأطمئنان نفسه و خفقات قلبه تتراقص فرحا وسعادة فاخيرا ستصبح له...من ملكته واطارت النوم من عينيه وفعلت به مالم تفعله انثى من قبلها فبرغم تعدد زيجاته وعلاقاته المتعددة لم تستطع انثى خطفه وخطف قلبه كما فعلت هى كلما رأها تغدو امامه يمنى نفسه بالصبر حتى تطالها يده لكن لم يعد للصبر مجال بعد الان قد حدث ماحدث ورأى فى عيون غيره شيئا مماثلا لما فى قلبه نحوها وان لم يكن اكثر
***************
ظلت كما هى على حالها منذ ان تركتها سماح لا يتحرك لها ساكنا تدس رأسها اسفل الوسادة يظن من يراها ان داخل سبات عميق لكنها كانت بعيدة كل البعد عن النوم وراحته وقد اخذت تقيم لنفسها محاكمة قاسية داخل عقلها كانت فيها القاضى والجلاد تلعن وتسب غبائها كلما تذكرت كل ماحدث بينهم فهى فى يوم واحد فقط اظهرت نفسها امامه كحمقاء متسرعة لا تناسب افعالها سنوات عمرها التاسعة عشر ابدا وليس مرة واحدة لااا بل مرتين كأنها تأكد عليه فكرته عنها لذا ظلت تبكى بحرقة وبشهقات مكتومة تتذكر ماحدث مرارا وتكرارا دون كلل منها حتى تعالى صوت رنين هاتفها الملقى بجوارها فنهضت بهمود هامسة بصوت متحشرج من اثر بكائها وهى تمسك بالهاتف ظنا منها انه خالها
:تلاقيه بيتصل علشان يعرف انا لسه ماوصلتش هناك ليه ..بس والله مانا رايحة ويحصل اللى يحصل
ضغطت زر الاجابة تضع الهاتف فوق اذنها هاتفة بحدة وصوت يغلب عليه البكاء
:شوف بقولك تانى اهو مرواح هناك مش رايحة ...وعاوز تيجى تموتنى تعال والله يبقى ارتحت وريحتنى من العيشة السودا دى
عقدت حاجبيها بحيرة حين قابلها الصمت من الطرف الاخر للحظات قبل ان تتسع عينيها ذهولا وصدمة مع فاها والذى فغرته على اتساعه حين وصل لها صوت رجولى تحفظه عن ظهر قلب يعيث الفساد داخل صدرها ترتعش كالمحمومة وهو يحدثها قائلا بصوت الهادىء الاجش المميز
:واضح ان زيارتنا تقيلة اوى على قلبك بس مش لدرجة الموت يعنى
ازدردت لعابها تهمس بصعوبة وبأنفاس متلاحقة تحاول التاكيد من هوية المتصل رغم تيقنها منها بقلبها قبل عقلها لتأتى اجابته فتمحو اى شك لديها حين اجابها بخفوت جعل من صوته اكثر جاذبية
: انا صالح يافرح ...كنت عاوز ...عاوز اقولك متزعليش منى لو كنت ضايقتك النهاردة ..
اسرعت بهز رأسها تنفى حديثه هذا كما لو كان يراها لا تستطيع شفتيها ان تنبث بحرف خارجها وكما لو عقد لسانها تسمعه وهو يكمل بتأكيد وحزم لها
:ولو خالك بيجبرك انك تيجى بيتنا غصب عنك ..فانا هتكلم معاه النهاردة وصدقينى مش هتحصل تانى ..بس المهم انك متزعليش
همت بالحديث بعد حلت العقدة عن لسانها لكنه لم يمهلها الفرصة يغلق الهاتف بعد ان القى عليها بسلام سريع ليسقط الهاتف من بين اصابعها هامسة بذهول وعدم تصديق
:صالح مين؟!صالح بتاعنا..بتصل بيا انا ...يقولى متزعليش
صرخت بسعادة وهى تنهض من الفراش تجرى الى باب غرفتها تخرج منه صارخة تنادى سماح
:بت يا سماح مش هتصدقى اللى حصل دلوقت حالا ومين اللى ....
صمتت عن اكمال حديثها فور ان رأت خالها يدلف من الباب الخارجى يتخشب جسدها من الخوف والذعر وهى تراه يتجه نحوها ولكنه صدمها حين قام يجذبها الى صدره يحتضنها بقوة تحت انظار سماح وطفليه المصدومة هاتفاً بفرحة وسعادة طاغية
:اهلا بحبيبة خالها ووش السعد والهنا علينا كلنا
اتسعت حدقتيها تتبادل مع شقيقتها النظرات المصدومة تسألها من خلالهم عما يحدث لتهز سماح كتفها بحيرة تجيبها لتتراجع الى الوراء تخلص نفسها من بين ذراعيه تسأله بحيرة مرتابة
:وده اللى هو ازى يعنى ...ومن امتى الكلام ده؟!
اقترب منها مليجى يفح من بين انفاسه بتمهل وصوته يحمل خبث العالم كله
: من هنا ورايح ياقلب خالك.. ده انتى واختك عندى بالدنيا و....
لم تستطع فرح تمالك نفسها وقد ادركت ان وراء حديثه هذا امرا لن يعجبها لذا هتفت به بتوتر
:بقولك ايه ياخالى ...هات من الاخر كده ..وقول وراك ايه بصراحة ومن غير لف ولا دوران
:عريس يابت اختى...جايلك عريس هيعيشك ويعيشنا فى عز وهنا
قالها مليجى وعينيه يزداد لمعانها الجشع ووجهه ينطق بالسعادة كمن ملك كنوز الارض ليسود بعدها صمت حاد يشع الجو من حولهم بالتوتر والاضطراب وقد حدق به الجميع بصدمة لكن مليجى تجاهل صدمة وجوههم وهو يكمل قائلا لفرح بلهاث طمع
:عريس يابت يافرح انما ايه عمر اللى خلفوكى ما يحلموا بيه ..الظاهر امك دعيالك قبل ما تموت يابت
انهى حديثه ثم اسرع بجذبها له مرة اخرى يحتضنها غير مدرك لجسدها المتصلب ولاملامح وجهها النافرة بالكره له اما عينيها فقد اظلمت بشدة كعاصفة هوجاءتستعد لايطاحة به فورا ودون تردد
*******************
ظلمها_عشقاً
الفصل_الرابع
داخل شقة حسن الرفاعى الشقيق الاكبر لصالح جلست زوجته سمر تتحدث فى هاتفها وعلى وجهها يرتسم الملل وعدم الاهتمام وهى تستمع الى محدثها من الطرف الاخر لعدة لحظات قبل ان تنهى المكالمة زافرة بعدها بضيق وتأفف قائلة
:ياساتر دانتى عليكى رغى ..لا وكمان عبيطة فكرانى هعملك حاجة ..هو انا هبلة دانا ما صدقت خلصت منك
نهضت واقفة تتحرك من مكانها فى اتجاه غرفة النوم تفتح بابها وهى تهتف بحدة فى زوجها المستلقى فوق الفراش نائما
:شوفت ياحسن الهانم عاوزة منى ايه؟
فز حسن فزعا من الفراش يهتف بتبرم وضيق
:فى ايه ياسمر فى حد يصحى حد كده ..وهانم مين اللى بتصحينى كده علشانها
تقدمت منه جالسة بجواره وهى تلوى شفتيها بسخرية هاتفة
:الهانم مرات اخوك ..اقصد طليقته بتكلمنى عوزانى اساعدها واخليك تكلم صالح علشان يرجعها تانى
استلقى حسن مرة اخرى فوق الفراش مضجعا على جانبه قائلا بصوت يغلبه النعاس
:طب ودى فيها ايه. .انا فعلا كلمت ابويا علشان يكلمه يرجعها
هبت سمر وافقة وعيونها جاحظة بذهول صارخة
:قلت له ايه؟! انت عاوز تشلنى يا حسن ولا عاوز تموتنى بدرى ولا ايه حكايتك بالظبط
انحنت فوقه تنكزه بعنف حين وجدته يغمض عينيه متجاهلا لها تكمل غاضبة
:انت هتنام قوم هنا كلمنى ..الا والله اخليها ليله سودا عليك
نهض فورا جالسا فى الفراش بوجه شاحب وهو يتحدث بلتعثم واضطراب
:ليه بس كل ده ياسمر ..ايه اللى حصل لكل ده
انفجرت فيه صارخة وهى تقترب بجسدها منه
:بتسألنى ايه اللى حصل لكل ده .. دانا هتشل منك ومن برودك
جلست بجواره تنكزه قائلة بغيظ
:انا يا راجل انت مش مفهماك وقايلة ليك اياك تكلم صالح ولا ابوك بخصوص الموضوع ده
هز حسن رأسه بالايجاب قائلا بخفوت
:حصل ..بس انا صالح صعبان عليا يعيش كده وحدانى ..ده اخويا برضه ياسمر
زفرت سمر ببطء تحاول تهدئة انفعالاتها قبل ان تحدثه وكأنها تحدث طفلا تحاول اقناعه بعمل ما
:طبعا ياحبيبى اخوك وحبيبك كمان..بس انت كمان متنساش برضه عيالنا ومستقبلهم..وبعدين هو احنا كان لينا يد فى اللى حصل ولا كان لينا دخل فيه ..ده كله قدر ونصيب ومش عيب اننا نستغله لمصلحتنا ولا ايه ياحبيبى
شعرت برفضه لكلماتها وهى تراه يعقد حاحبيه معا يهمهم بأعتراض
:بس يا سمر انا مش عاوز ...
اسرعت فورا تغير من سياستها معه تتبع فورا اخرى لم تخيب امالها ابدا فى اخضاعه لرغبتها وهى تهمس له بنعومة
:مش عاوز ايه ياحبيبى! ...هو انا عمرى قلتلك حاجة مش فى مصلحتك ..ولا فى حد بيخاف عليك ادى
قالتها وهى تقترب منه ممررة اطراف اصابعها على صدره ببطء واغراء تنظر اليه تغويه بنظرات عينيها وبالفعل تتسارع انفاسه تزداد خشونة استجابة لها وهو يقترب منها هو الاخر يهز رأسه لها بالنفى كالمغيب قبل ان يجذبها بين احضانه بلهفة يستلقى بها فوق الفراش لتنطلق منها ضحكة انثى سعيدة منتصرة باحكامها السيطرة على زوجها كما تبغى وتريد
*****************
دفعته بعيدا عنها بعنف ثم وقفت مكانها تتطلع اليه بذهول ممزوج بالغضب والشراسة لكنه لم يبالى لها بل وقف بثبات امامها تتسع ابتسامته الخبيثة اكثر مع ازدياد بريق الجشع فى عينيه فى انتظار ردها لتثيرها حالة الثقة هذه به فتنفض عنها ذهولها وهى ترفع حاجبها بتعجب تهتف به بحدة ساخرة
:عريس!عريس ايه يا عايق..هى من امتى الحدادية بتحدف كتاكيت ..وبعدين مدام من طرفك يبقى يغور
تحفز جسد مليجى فى وقفته وقد احتقن وجهه بشدة من ردها اللاذع عليه حتى صار شديد الاحمرار يهم بالانقضاض عليها لكنه اسرع بتمالك نفسه سريعا يدرك ان غضبه لن يكون له تأثيرا هذه المرة ويجب استخدام اللين والتروى ان اراد النجاح فيما يريد لذا اسرع يمحو عن وجهه امارات الغضب يتنفس بعمق عدة مرات قبل ان يلتفت الى سماح الواقفة بقربهم تتابع ما يحدث ذاهلة فى محاولة لاقناعها وكسبها الى طرفه
:طب اسمعينى انت يابت ياسماح مدام بنت ال*** مش راضية تفهم ولا تسمعنى واسألينى مين العريس
سماح وهى تربت فوق كتفه وبصوت مستعطف
:حاضر يا خالى...حاضر ..مين هو العريس؟
:ظاظا ..انور ظاظا ..صاحب محل ال....
قالها مليجى بتلهف وفخر كما لو كان يعلن عن اسم احد الملوك لكن جاءت صرخة فرح وسماح المستنكرة لتقاطعه عن اكمال حديثه هاتفتين معا فى وقت واحد
:بتقول مين؟!....انور ظاظا مين؟
ابتسم مليجى لهما ابتسامة سمجة ثقيلة قائلا
:انور ظاظا ياعين امك منك ليها ..ايه هو فى حد يتوه عنه
ازدردت سماح لعابها بصعوبة ثم حدثته بصوت خافت متردد
:بس ده ...متجوز اتنين يا خالى ...ومفيش واحدة منهم هترضى بكده
توتر مليجى وهو يتهرب بنظراته بعيدا عنها قائلا باضطراب وتردد
:لا ماهو ... يعنى ..مفيش واحدة منهم هتعرف بالجوازة من الاساس
عقدت فرح حاجبيها بحيرة تسأله متوجسة
:وده اللى هو ازى بقى ؟
ابتعد مليجى عنهما معطيا ظهره لهما وهو يلوح بيده قائلا سريعا ودون اكتراث
: من الاخر كده الجوازة هتبقى عرفى .. والراجل مستعد يتقلها بالدهب وهيدفع فى الجوازة من جنيه ل....
جحظت عينى سماح وفرح ذهولا وصدمة فلم تتصور احداهما يوما ان يكون بكل هذه الدنائة برغم كل عيوبه والتى لا تخفى احد
لذا هنا ولم تستطع فر ح الصمت تشتعل عينيها بالشراسة تسرع ناحيته صارخة بغضب اعمى
:ده على جثتى لو حصل..فاهم ..مش كفاية معيشنا فى هم ولاهف شقانا ..كمان عاوز تجوزنا غصب وتقبض تمنا
التفت لها مليجى يندفع هو الاخر ناحيتها صارخا
:يعنى ايه كلامك ده يابنت ال*** انتى
وقفت امامه تتطلع اليه وعينيها وملامحها تنطق بالتحدى والاصرار
:اللى سمعته ..وده اخر كلام عندى
هدأت ثورة غضبه بداخله حين رأى هذا المزيج من التحدى والاصرار له منها يعلم بانه سوف يخسر امامها المعركة ان ظلا كلا منهما على تحديه لاخر لذا اسرع ينتهج طريقة اخرى دعى بداخله ان تفلح معها يضع فوق وجهه قناع من الهدوء والمصابرة واخذ يحاول اقناعها باللين وبصوت متوسل
:يابت اعقلى ومضيعيش الفرصة دى من ادينا ...خلينا بقى نقب على وش الدنيا ونعيش..ولا عجبك نفضل طول عمرنا يتقال علينا شحاتين الحارة
لم يجد منها استجابة وقد صمت اذنيها عن حديثه تقف كما هى امامه بعزمها واصرارها لا يهتز لها جفن ليحبط بداخله فلا يجد امامه سوى ان يلتف الى سماح مرة اخرى يحدثها هى لعلها تصغى اليه وتحاول اقناعها معه
:كلمى اختك ياسماح وعقليها ..مش يمكن انت كمان المعلم انور يشوفلك جوازة حلوة مريحة زى دى وتشوفى حالك انتى كمان
همت سماح بالرد عليه لكنه اسرع قاطعها قائلا بتلهف
:شوفوا انا هسيبكم تاخدوا وتدوا كده مع بعض..وهروح انا عند انور اكلمه واشرط عليه يكتبلها كمان شقة ملك ..اه اومال ايه هو فى زى فرح ولا حلاوة فرح فى الحارة كلها
وبالفعل اعقب حديثه بالتوجه ناحية الباب مغادرا على الفور دون ان يمهلم فرصة للرد لتقف فرح بعد خروجه تتطلع الى الفراغ بشرود وتفكير اخرجها منه صوت سماح القلق وهى تسألها
:هتعملى ايه فى المصيبة دى..خالك عامل زى اللى لقى عضمة واستحالة يسيبها من ايده
لم تجيبها فرح بل تحركت سريعا باتجاه الاريكة تختطف من فوقها عبائتها السوداء والطرحة الخاصة بها ثم تسرع فى اتجاه الباب هى الاخرى لتهتف بها سماح باضطراب
:رايحة فين يابت كلمينى ..
التفتت اليها فرح قائلة بحدة
:رايحة افرج الحارة على خالك والعضمة بتاعته ومبقاش فرح اما خليت اللى ما يشترى يتفرج عليهم
ثم خرجت تغلق الباب خلفها بقوة تاركة سماح تلطم وجنتيها بكفيها هامسة رعب
:نهار اسود عليكى يافرح ..هتودينا كلنا فى داهية بجنانك ..ده قليل اما خالك عجنك ادام الحارة كلها
.
وقفت مكانها تنظر حولها بتيه وقلة حيلة حتى اتسعت عينيها فجأة بأدراك فتسرع هى الاخرى تخطتف عبائتها من داخل الغرفة ثم تسرع فى اتجاه الباب وهى تهتف بحزم
:هو مفيش غيره اللى يقدر يلم الليلة دى كلها ..انا هروح له ويحصل اللى يحصل بعدها
****************
كان الحاج منصور يجلس مكانه منذ ان تركه ولده ناظرا امامه شاردا فى افكاره حتى انتبه على صوت زوجته الحنون وهى تجلس جواره تسأله بقلق
:مالك يا حاج خير ..قاعد مسهم كده ليه يا خويا
زفر ببطء قائلا بصوت مثقل بالهموم
:صالح يا حاجة مش عجبنى حاله ..خايف يمر العمر بيه وحدانى لا انيس ولا جليس معاه
زفرت انصاف هى الاخرى وقد علت فوق ملامحها الهموم هامسة بحزن
:طول عمره ياقلب امه حظه قليل ..حتى لما ربنا رزقه ببنت الحلال وقلت خلاص ربنا هيهدى سره واشوفه متهنى حصل اللى حصل وملحقش يتهنى يا حبة عينى
التفت اليها الحاج منصور سائلا اياها بصوت قلق قائلا
:طب والحل يا حاجة هنقعد كده ساكتين واحنا بنشوفه كده؟
هزت انصاف راسها هامسة بقلة حيلة
:واحنا فى ادينا ايه نعمله ..ده حتى موضوع مراته مش مستحمل حد فينا يفتح معاه كلام فيه
صمت منصور يهز رأسه موافقا على حديثها صامتا للحظات قبل ان يهتف وقد شع وجهه بالامل
:يبقى مفيش ادمنا غير عادل ..هو الوحيد اللى بيسمع له واللى هيقدر يقنعه يرجعها
تهلل وجه انصاف بالفرح تهم بالرد عليه لكن اتى صوت صالح الجاف مقاطعا لها قائلا
:ريحوا نفسكم منى ..لا عادل ولا غيره هيقدروا يقنعنى بحاجة انا مش عاوزها
هبت انصاف تهتف به بلوم وهى تلتفت اليه بفزع
:كده يا صالح تخضنى كده..
تقدم للجلوس بجوارها مقبلا جبهتها بحنان قائلا برقة
:حقك عليا ياحاجة ..بس ياريت بلاش كلام فى موضوع ميت ..لو بتحبونى فعلا وعاوزين مصلحتى بلاش منه الكلام فيه
همت انصاف تجيبه برجاء لكن قاطعها منصور يهز رأسه بأستسلام قائلا بحزن وهو ينظر الى زوجته يرى بداخل عينيها حزن مماثلا
:خلاص يا حاجة ..هو ادرى وعارف ايه اللى يريحه ..احنا كل اللى يهمنا راحته
ابتسمت انصاف بضعف مستسلمة تقبل وجنته صالح بحنان تتبعها بدعاء من القلب ابتسم هو بفرحة له يسود الصمت بعدها للحظة قبل ان ينهض صالح قائلا
:هنزل انا اشوف الشغل ماشى ازى ..لحد ما حسن يصحى والضيوف يوصلوا
القى عليهم السلام مغادرا تتبعه نظراتهم الحنون ودعواتهم له ولكن ما ان قام بفتح الباب حتى طالعه وجه سماح الجزع تهتف به برجاء وتوسل
:الحقنى يا سى صالح ..ابوس ايدك تعال معايا نلحق البت فرح
توترت كل خلجة من خلجات جسده فورا ان سمع اسمها يسأل سماح بجزع وخوف يشق صدره
:مالها فرح يا سماح ..انطقى
صرخ بكلمته الاخير حين وجد التردد يسيطر عليها لتهب سماح هاتفة فورا تقص عليه ماحدث بكلمات سريعة
:خالى عاوز يجوزها لانور ظاظا عرفى ..وهى راحت ليهم المحل مصممة لتفرج عليهم الحارة هو وخالى ..
لم يستمع للباقى من حديثها فقد توقفت تماما جميع حواسه تفور بداخله براكين بحممها تغذيها و تشعلها سماعه لكلمة زواجها بأخر وان هناك غيره ارادها له فتعمى غيرته عينيه بعصبة سوداء من العنف والغضب وهو يزيح سماح من طريقه يهرول فوق الدرج مختفيا عن انظارها فى لمح البصر
***************
:البت مش موافقة وبهدلت الدنيا يابرنس لما عرفت انها جوازة عرفى
قالها مليجى لانور وهو يتظاهر بالاسف واقفا فى انتظار عاصفة انور الغاضبة مستعداً لها بكلمات اعدها طويلا للفوز باكبر قدر ممكن من المكاسب من تلك الزيجة ..لكن ولصدمته وجده ينهض على قدميه بكل هدوء متقدماً منه وهو يبتسم بثقة وعينه تلتمع بالاعجاب قائلا بصوت متحشرج
:كنت عارف انها مش هتوافق ..اللى زى فرح استحالة ترضى بجوازة فى السر ولو من مين..دى بت حرة ودمها حامى ..قطة حلوة وبتخربش
فغر مليجى فاه بذهول وانور يكمل بلهفة وأبتسامة سعيدة فرحة
:انا عاوزك تطمنها وتقولها انى هتجوزها واعمل لها اكبر فرح اتعمل فيكى ياحارة ...وشقة تمليك بأسمها ..والمؤخر اللى تقول عليه والشبكة اللى تشاور عليها تيجى فى الحال ..
:وايه كمان يا ظاظا ...
تقدمت فرح الى الداخل ببطء وعينيها تطلق سهام التحدى نحوه لتتراقص نبضات قلبه بسعادة ونشوة فور ان رأها تقف امامها يمرر نظراته الشرهة عليها ببطء جعلها تشعر بقشعريرة النفور والتقزز تمر من خلالها لكنها وقفت بثبات امام نظراته تلك تتظاهر بالبرود قبل ان يسرع هو قائلا بتلهف لاهث بعد عودة عينيه الى وجهها
:واللى تأمرى بيه يا ست البنات ..مالى كله تحت اشارة منك ..بس انتى تقولى ااه
تقدمت منه بهدوء وابتسامة صغيرة ملتوية فوق شفتيها جعلته هو الاخر يبتسم بثقة وقد ظن بأنه قد ملكها حتى اصبحت فى مواجهته لتختفى عنه تلك الابتسامة يحل مكانها غضب عاصف شرس حين قالت له بتأكيد وببطء شديد كما لو كانت تحدث شخص اخرق بطيئ الفهم
:برضه مش موافقة يا ظاظا ..ولو جبت ليا مال قارون كله ورميته تحت رجلى برضه مش موافقة
تقدم مليجى منها صارخا بحنق وهو يجذبها من ذراعها بعنف وقسوة
:ليييه يا بنت ال*** ما الراجل هيكتب عليكى رسمى يبقى ليه بقى العند يا بنت ال****
تركهم انور غافلا عنهم شاخصا بعينيه للخارج نحو ذاك الاتى من بعيد مسرعا بوجه الغاضب وجسده المتحفز يقف يتابع تقدمه باهتمام عالما الى اين وجهته تحديداً وبدون شك لذا ضغط فوق شفتيه يفح من بينهم قائلا لميلجى
:انا بقى عارف ليه يا مليجى ..بنت اختك بترسم على تقيل اووى
التفت اليه مليجى وفرح ينظران اليه بعد فهم وهما يشاهدنه يخرج من محله بعدها هاتفا بسخرية وتحدى
:اهلا بصالح باشا ..هى الاخبار لحقت توصلك وجاى تنقذ السنيورة منى ولا ايه ؟!
تجاهل صالح سؤاله الساخر يسأله هو بهدوء متحفز وغضب مكبوت
:فرح فين يا انور؟
اشار انور بأبتسامه ساخرة ناحية باب محله وقد خرجت فرح منه ببطء يرتسم الخوف فوق ملامحها قائلا بتهكم
: موجودة يا كبير وسليمة كمان
اشار صالح برأسه بحزم لفرح الواقفة تتطلع نحوه بذهول لتأتى اليه مسرعة ودون لحظة تردد واحدة تختفى خلف ظهره بحماية ليكمل انور تحركه غيرته حين رأى ماحدث بصوت متهكم مغلول
:متقلقش عليها اووى كده ..هو احنا نقدر نمس حاجة بتاعتك وتخصك
كان فى تلك الاثناء قد تجمهر عدد كبير من اهالى الحارة لمتابعة ما يحدث بفضول ومعهم سماح والحاج منصور والذى هدر بغضب وحدة به
:انور..اتكلم عدل ..وبلاش كلامك الملاوع ده
فتح انور يده بطريقة مسرحية يصرخ هو الاخر بحدة
:انا اللى ملاوع ياحاج ..ولا ابنك اللى مستغفلنا كلنا وداير يلف ويدور على البت الغلبانة دى ويضحك على عقلها بكلمتين وياعالم حصل ايه تانى
ما ان انهى حديثه حتى هجم عليه صالح مزمجرا يكلل له الشتائم والضربات القاسية حتى ارتطمت قبضته بوجهه سمع معها صوت تحطم انفه ليسقط ارضا ووجهه قد اختفت ملامحه من شدة دمائه النازفة يلحقه مليجى راكعا بجواره حتى يساعده على النهوض وهو يهمس بحيرة وفزع له مستغلا تجمهور الاهالى حول صالح فى محاولة لابعاده بصعوبة عن انور حتى لا يفتك به
:ايه اللى بتقوله ده يا برنس ..انت ناوى تفضح البت فى الحارة ولا ايه
انور هامسا له هو الاخر
:ملكش دعوة انت ..امشى معايا على الخط بس
لينهض بعدها بصعوبةو ببطء وهو يشير ناحية فرح الواقفة بعيون مرتعبة ووجهه شاحب يحاكى وجوه الموتى تتابع ما يحدث وسماح بجوارها تحتضنها بحماية بين ذراعيها قائلا بصوت جهورى غاضب تعمد ان يصل الى جميع الحضور
:الحلوة بطلبها للجواز على سنة الله ورسوله ترد تقولى ده بعيد عن شنبك ..ده صالح لو عرف هيعلقك على باب الحارة ..ادام خالها وبعين بجحة اد كده ..حصل كلامى ده يا مليجى ولا لا
ارتعش مليجى بتوتر وجهه يتفصد عرقا بغزارة و عينيه تتلاقى بعينى صالح المشتعلة بالغضب وهو يعافر لتحرر من الايدى الممسكة به مجيبا بخفوت وتلعثم
:هاا ..اه حصل يا برنس حصل
صرخت فرح تنفى حديثهم الكاذب تسرع فى اتجاه صالح وقد تجمد مكانه بعد كلمات مليجى المؤكدة تهتف به بتضرع وحرقة
:والله ما حصل يا صالح ..دول كدابين ..صدقنى والله ما حصل
اقترب انور من صالح بخطوات واثقة يطمئنه الجمع المتجمهر حولهم وعلى اهبة الاستعداد للوقوف كحاجز امان له من غضب وثورة صالح قائلا بتلذذ وسخرية
:قولى بقى ..لما عيلة تقول الكلام ده يا صالح باشا يبقى اكيد فى حد مالى دماغها بكلام فارغ وشاغل البت بيه
احتقن وجه صالح تنفر عروقه المحتقنة بالدماء يهم بالهجوم عليه مرة اخرى وقد تعال صوته بالشتائم وهو يحاول التحرر حتى يستطيع الفتك به ليتراجع انور الى الخلف بجزع حتى كاد ان يسقط ارضا بظهره خوفا وارتعابا منه لكن اتى صوت
الحاج منصور الرفاعى ليعلو فوق جميع الاصوات يجمده مكانه وقد ساد الصمت ارجاء المكان وهو يقول بقوة ونبرات حازمة
:ومين قالك انه كلام فارغ ولا ضحك على العقول يا انور...
وقف بكل هيبته ووقاره يكمل وهو يتطلع بثبات وقوة فى كل العيون الفضولية المحدقة به حتى توقفت عند ولده بجسده المتجمد ونظراته المتسألة يطالبه بعيون مترجية ان يوافقه على ماهو ات قائلا بعدها بكل هدوء وجد
:صالح طلب منى اطلب له ايد فرح من كام يوم ..وانا كنت هكلم مليجى النهاردة بعد ما اهل خطيب ياسمين يمشوا ..بس مدام الحارة كلها واقفة وسامعة
التفت الى مليجى الواقف مصدوم متسع العينين قائلا بصوت قوى جهورى قصد به ان يسمع كل الحضور بطلبه
:يا مليجى..انا يشرفنى اطلب ايد فرح بنت اختك لابنى صالح على سنة الله ورسوله ..قلت ايه؟
حانت من مليجى التفاتة متوجسة ناحية انور الشاحب بشدة قبل ان يزدرد لعابه بصعوبة وبصوت خرج منه خافت متلعثم اجاب
:ده..يوم ..المنى ..ياحاج ..هو احنا نطول
علت التهانى من رجال الحارة ومعها ارتفعت زعروطة فرحة سعيدة من سماح وهى تحتضن فرح المنهارة باكية تبارك لها بكلمات تتراقص فرحا لكنها كانت كالاصم عنها وعينيها معلقة فوق صالح الواقف بجمود ووجهه كتمثال من حجر بلا مشاعر وهو يتلقى التهانى ممن حوله قبل ان تحن منه التفاتة نحوها تلتقى عينيه بعينها لترتعش رعباً حين رأت بهم عنف وشراسة اسد مأسور داخل محبسه شعرت بهذا كله موجها اليها ....فقط هى دون غيرها
*************
:صالح فين يا حاجة
سأل الحاج منصور زوجته بلهفة فور ان دلف الى داخل شقتهم لتجيبه بقلق وتوتر
:طلع شقته اول ما وصل ...هو ايه اللى حصل يا حاج مع ظاظا و صالح ماله حاله مقلوب ومتغير ليه؟
تنهد منصور بحرقة وهو يتجه ناحية الباب قائلا
:لما انزل ابقى احكيلك اللى حصل ..بس انا هطلع له دلوقت اتكلم معاه كلمتين
هزت رأسها بالموافقة وهى تتوجس خشية ان يكون قد اصاب ولدها شيئ يتأكلها القلق عليه وهى تتجه الى مطبخها بخطوات بطيئة هامدة لتقابلها كريمة تسألها بقلق
:طمنينى يا حاجة حصل ايه .. طمنينى على البنات ينوبك ثواب فيا.. حكم انا خايفة انزل او اروح المنيل يزعقلى ولا يضربنى
ربتت انصاف فوق كتفها بحنان قائلة
:متخفيش ..محصلش حاجة ..الموضوع شكله اتلم والحاج لما ينزل هيطمننا
تنهدت كريمة براحة لم تستطيع انصاف مشاركتها اياها ففى داخلها وبقلبها كأم تدرك بحدوث خطب ما لولدها قلب من حاله وموازينه لتهتف فى داخلها مستعطفة وهى تناجى الله
:الطف بيه يارب ..كفاية اللى هو فيه.. هومش ناقص ولا حمل وجع تانى
وقد صدق حدثها فقد كان يدور داخل شقته كأسد جريح تحطم يده كل ما تطاله بعنف وغضب اعمى تتصاعد وتيرة انفاسه بعنف ينهج بعنف وحدة يشعر بحرارة جسده كما لو كان داخل الجحيم لا يستطيع تصديق ماحدث حتى الان وهو يقف مغلول الايدى يرى نفسه ينقاد الى ما حاول طويلا الهرب منه ..كيف حدث ماحدث...وكيف وقف هو صامتا موافقا عليه ..كيف ستكون كيفية التصرف فيما هو ات ..كيف.. وكيف ..وكيف
اسئلة اخذت تنهش عقله بلا رحمة ولا هوادة لا يجد منها فرارا يدور فى ارجاء المكان يجذب خصلات شعره بعنف لعله يهدء تلك النيران المشتعلة برأسه حتى تعال صوت جرس الباب ليسرع بفتحه يعلم جيدا هوية الطارق يفتحه بعنف وهو يهتف بحرقة والم بوالده الواقف امامه واحساسه بالذنب يقتله
: ليه يابا كده ...ليه ؟!
لم ينتظر اجابة من والده لسؤاله بل اندفع الى الداخل بخطوات متعثرة ثقيلة كما لو كان فى حالة سكر يتبعه منصور بعد اغلق الباب خلفه بهدوء مقتربا منه ببطء يربت فوق كتفه بحنان قائلا بندم واسف
:كنت عاوزنى اعمل ايه يابنى وسمعة البت الغلبانة دى هتبقى غنوة وحدوتة على لسان الحارة كلها بعد ما خالها أمن على كلام الكلب ده ادامهم كلهم ..مقلتش ادامى غير الحل ده اعمله
اغمض صالح عينيه زافرا بقوة قائلا بصوت خافت متألم
:طب و انا يابا مفكرتش فيا ...مفكرتش انى هعيد حكايتى مع امانى تانى لو الجوازة دى حصلت...انى هكشف وجعى لاخر واحدة كنت عاوزة تعرف واعرى حرجى لها وانكسر ادمها
اتسعت عينى منصور بأدراك يهتف مذهولا
:صالح وهو انت بتحب فر...
قاطعه صارخا بحرقة يفرغ من داخله كل ما كان كاتما له داخل قلبه حتى انهكه احتفاظه به طوال هذه السنين كلها
:ايوه بحبها ...من وهى بنت سبعتاشر وانا بحبها ...اتجوزت غيرها علشان بحبها ...طلقت واستحالة هرجع مراتى تانى لذمتى علشان لسه بحبها ..بحبها ..بعشقها... قلبى عمره ما دق غير ليها هى ..بس مش هتجوزها وده برضه علشان بحبها ..فاهم يابا ولا لا
منصور بلهفة وعينيه تلتمع بالدموع حسرة على ولده وما يعانيه من كل هذه الالام
:طيب ليه يابنى مدام بتحبها ..مش يمكن دى اللى تصونك وتقدرك وتبقى...
قاطعه صالح وارتعاشة الخوف تطال صوته رغم محاولته الظهور هادىء قوى
:وياترى بقى هنعرفها الحقيقة ولا هنسيبها على عماها
توتر منصور عينيه تتهرب من تحدى نظراته له ليبتسم صالح ابتسامة ساخرة منكسرة قائلا بتهكم
:كنت عارف انه لا ..لا انا ولا انت هنقدر نقول الحقيقة ..علشان كده بقولك لا يا حاج الجوازة دى لا يمكن تحصل ابداً
اغروقت عينيه بالدموع تتساقط رغما عنه لتغرق وجنتيه وهو يهمس بتحشرج وقلب يأن بألم
:استحالة اعرى روحى ليها ...مش ممكن اعرفها انى ... عقيم مش بخلف ..وانى طلقت امانى بسبب كده
********************
ظلمها_عشقاً
الفصل_الخامس
مر يومين عليه وهو يعيش داخل صومعة اختلقها له عقله حتى يعيد عليه فيها كل ما مر به يذكره بأوجاعه كطرف سكين حاد ينغزه بقسوة كلما وجد فى قلبه لين او شوق لتنفيذ رغبة والديه منه بأن يترك لنفسه الفرصة مرة اخرى للسعادة والتجربة لعله خير له هذه المرة لكن يقف عقله له بالمرصاد فى كل لحظة ضعف منه..
مثلما يفعل به الان وهو جالس فوق مقعده فى محل عمله غافلا عن كل المحيط به وبيده سيجارة تنساها بين انامله وهو يعانى مرة اخرى داخل ذكرى من عدة ذكريات لايام قاسية عاناها مع زوجته اخذت تهاجمه الان دون هوادة رغم محاولاته نفضها بعيد لكن اخذت تهاجمه بشراسة حتى استلم لها اخيرا
يتذكر حين نهض من فراشه ثم يسير بأتجاه الباب بخطوات بطيئة متثاقلة يعلم ما بأنتظاره ككل يوم تقريبا وقد صدق حدسه حين وجدها تجلس فى مكانها المعتاد كانها اصبحت تجد متعتها حين يراها بحالتها تلك تستلذ بتعذبيه وجلده بحقيقة اصبح لا يجد مفرا منها والفضل لها فى هذا
ليزفر بقوة يمرر كفه فوق وجهه بقوه قبل ان يقترب منها ببطء يراقب وجهها شديد الاحمرار وعينيها المنتفخة من اثر بكائها يراهن نفسه بأنها لم تتحرك من مكانها تجلس على حالها هذا منذ استيقاظها حتى تضمن رؤيته لها وقت استيقاظه ليقف مكانه زافر انفاسه ولكن هذه المرة ببطء وهدوء هو فى امس الحاجة له قبل ان يتحدث اليها قائلا بهدوء لكن اتى صوته مرتجفاً رغما عنه
:تانى يا امانى....اخرته ايه بس اللى بتعمليه فيا وفيكى ده يا بنت الناس
لم تجيبه بل تعالت شهقات بكائها اكثر كأنها كانت فى انتظار حديثه هذا لها حتى تبدء فى نوبتها المعتادة فاقترب منها جالسا فى المقعد المقابل لها قائلا بصوت حزين متوسلا
:كفاية ابوس ايدك بقى وارحمينى....انتى على الحال ده من يوم ما عرفنا....انتى كده بتموتنى بالبطيئ
رفعت عينيها المتورمة تسمح انفها الاحمر بمنديلها قائلة بحدة وقسوة لا تتناسب مع مظهرها ولا بدموعها المنهمرة تلك
:انا اللى بموتك بالبطيىء.....ليه خير... اومال لو انا اللى فيه عيب ومش انت كنت هتعمل ....
صرخ بها يوقفها عن باقى حديثها المهين له قائلا بغضب وقسوة
:اخرسى خالص متكمليش....ايه فاكرة ايه...هفضل متحمل منك كده لحد امتى
تجعدت ملامح وجهها حزنا وهى تنكمش على نفسها خوفا هامسة بانكسار اجادت صنعه تلعب به على وتر شعوره بالذنب ككل مرة
:بقى كده يا صالح بتزعلقى .. مش متحمل منى كلمتين افضفض بيهم عن نفسى
لكنه هذه المرة قد فاض به الكيل ولم يعد يحتمل المزيد منها يتحشرج صوته وتتوحش نظرات عينيه يضغط فوق اسنانه بغضب هامسا
: علشان كلامك بقى سم وعشتنا مع بعض بقت نار بتحرقنى وبتحرقك ..ومبقاش ليها غير حل واحد بس ..
شحب وجهها تتوسع عينيها خشية وقد علمت بما هو اتى من حديثه لذا اسرعت تحتضنه بقوة صارخة برجاء حتى توقف كلماته تلك
:لاا ..يا صالح علشان خاطرى ..انا اسفة مش هتكلم تانى كده بس بلاش تقولها وحياة اغلى حاجة عندك
زفر بقوة يغمض عينيه محاولا تهدئة غضبه ونفوره منها والذى اصبح يزداد يوما عن يوما بتصرفاتها وكلماتها الجارحة التى كانت تطفىء بها كل يوم شيئ من صبره عليها واحتماله وهى تقتل به احساسه كرجل دون كلل منها او تردد يمنع نفسه عن تلك الخطوة المصيرية معها ظناً منه بأنها ستراعى بعد ذلك فى تعاملها معه لكن هيهات ظنه هذا وهو يراها تعود لممارسة هوايتها المفضلة وخلق جو من الدراما المأسوية بينهم يوما بعد اخر اصابه بالبرود والنفور من التواجد معها فى مكان واحد يغيب فى عمله قدرا الامكان هرباً منها ومن حياتهم معا
حتى سمعها تتحدث الى شقيقتها فى احدى الايام قد فسرت بروده هذا معها على انه استسلام منه لها ثم اخذت تتباهى زهواً فى حديثها بما تفعله معه وكيف انها اصبحت قاب قوسين او ادنى من تملكه وجعله خاتما بأصبعها كما ارادت منذ البداية لينهى فى لحظة كل شيئ بينهم دون تردد ناطقا بتلك الكلمة التى كانت له كالتحرر من جحيم ظل به لاشهر يتحمل فيها افعالها وتقلباتها كلها لاحساسه بالذنب نحوها وانه كان سببا فى حرمانها من نعمة تتمناها كل امرأة
لذا لا يمكن ان يعيد الماضى مرة اخرى... لا يمكنه ان يعانى تلك الاوجاع مرة اخرى... ليس عندما تكون هى المعنية هذه المرة بالامر ...لن يحتمل ان يرى فى عينيها مارأه فى عينى غيرها عندما علمت بالامر...لذا..
نهض بحزم يجمع اشيائه من فوق المكتب سريعا يغادر وعلى وجهه الاصرار والتصميم فقد حسم امره وحان الوقت لانقاذ نفسه من السقوط فى تلك الدوامة وانهاء اوجاعه وانين قلبه والى الابد ولا سبيل لهذا سوى القيام بامر واحد لامفر منه
*****************
جلست حول المائدة تتلاعب بطعامها بشرود ووجه شاحب وعيون مسهدة لتربت زوجة خالها بحنو فوق كفها قائلة
:كلى يا فرح ..وسبيها لله .. كله هيتم بأمره واذنه
صدحت ضحكة غليظة قاسية من مليجى وهو يخرج من غرفته لايرتدى سوى ملابسه الداخلية يهتف بعدها بسخرية وتهكم
:اتعلفى ياختى يمكن تعجبى عريس الغفلة .. اللى ماحد شاف وشه لا هو ولا ابوه من يومها
نهضت فرح وافقة تهتف به بعنف وحدة وهى تتجه ناحية غرفتها
:البركة فيك وفى فضايحك .. وهو فى عاقل يفكر يجى يحط ايده فى ايدك و يناسبك
ثم توجهت الى غرفتها فلا طاقة لها لمجادلة اخرى معه يكفيها ماحدث بينهم من قبل وتلك المشاجرة والتى وانتهت ككل مرة بتطاوله بالضرب عليها لذا تركته واغلقت الباب خلفها بعنف ارتجت له اركان الشقة ليصرخ بها غاضبا
:ارزعى ياختى الباب ..ماهو ده اللى باخده منكم ..جتك القرف انت واختك فى ساعة واحدة
ثم التفت الى زوجته ينهرها بحدة
:جرى ايه ياعين امك..انتوا قاعدين تتسمموا ومش عاملين حسابى ولا ايه ...فين الاكل يا ولية
نهضت كريمة سريعا قائلة بتخبط
:لا يا خويا ازى ..الاكل جاهز ومتحضر ..ثوانى ويكون ادامك
ثم اسرعت ناحية المطبخ تختفى داخله تتعال بعدها صوت طرقات فوق الباب الخارجى ليهتف مليجى فى ولده الصغير بخشونة
:قوم ياض افتح الباب ..تلاقيها المعدولة التانية رجعت
ثم رفع كوب من المياه الى شفتيه يرتشفه لكنه عاود بصقه فورا بقوة حين هتف طفله بلهفة
:ده عم صالح اللى جه يابا
نهض فورا يعدل من وضع ملابسه يسرع فى اتجاه الباب هاتفا بترحاب وتذلف
:اهلا يا صالح باشا ...اهلا بكبرنا وابن كبرنا ..اتفضل
دلف صالح الى الى الداخل يمد يده نحوه ملقيا بالسلام قائلا بعدها بهدوء
:كنت عاوزك يا مليجى فى كلمتين ..بس قبلها لو امكن انى اقعد مع فرح دقيقتين ..يبقى كتر خيرك
فغر مليجى فاه مذهولا فلاول مرة فى حياته يتم احترامه والاستأذان منه فى امر ما لذا اسرع بنفض ذهوله هاتفا بغبطة واعتزاز
:طبعا ..دانت تأمر يا صالح باشا ...البيت بيتك ياحبيبى
ثم صاح مناديا لفرح بغلظة وبصوته الاجش عدة مرات حتى ارتفع صوتها بقوة تصيح من الداخل
: ارحمنى بقى عاوز ايه تانى ...دى كانت ساعة سودا يوم ما طلبونى منك للجواز..
فتحت الباب تظهر من خلاله وهى تكمل بحدة وعنف
: ريح نفسك بقى انا مش عوزاها اصلا الجوااازة دى
مطت حروف اخر كلماتها تتسع عينيها بصدمة حين رأته واقفا امامها بكل هيبته يتطلع اليها وأبتسامة ملتوية صغيرة فوق شفتيه جعلتها تخفض عينيها عنه ارضا بأرتباك وهى تهمم من بين انفاسها حانقة تلعن نفسها وخالها كعهدها فى كل مرة تراه فيها قبل ان يصيح مليجى ملتفت الى صالح قائلا
: شوفت يا صالح باشا اهى على الحال ده من ساعة الحوار اياه ..مش طايقة حد منا يكلمها كلمة ومفيش على بلسانها اللى عاوز قطعه غير الكلمتين دول
ثم اشار ناحية غرفة جانبية قائلا بترحاب
:اتفضل انت يا خويا فى اوضة الجلوس ..نورتنا والله ..البيت نور
دلف صالح الى داخل الغرفة لكن ليس قبل ان يرمقها بنظرة ارتجفت لها اوصالها لاحظها مليجى هو الاخر ليبتسم لها بشماتة مشيرا لها وهو يهمس
:ادخلى يا ختى العريس عاوزك فى كلمتين وابقى ورينى بقى هتقولى له ايه فى اللى سمعه منك ده؟!
شعرت بدموع الخيبة تحرق عينيها ترتفع الغصة بحلقها تكاد تخنقها وهى تتطلع فى عينيه الشامتة تهمس له هى الاخرى بحرقة
: ينتقم منك ربنا ياشيخ ..على كل اللى بتعمله فينا ده ..انت ايه شيطان
ثم دلفت سريعا الى داخل الغرفة دون ان تمهله الفرصة للرد تقف جامدة مكانها حين رأت صالح يقف وقد اعطى ظهره لها ووجهه ناحية النافذة يضع يديه فى جيبى بنطاله للحظات ساد فيها صمت كان قاتلا بالنسبة لها وهى تقف خلفه تفرك كفيها معا باضطراب حتى انتهت قدرتها على التحمل لتهمس تناديه بصوت خرج منها مرتعش فيأتى حديثه دون مقدمات او يلتفت نحوها قائلا بهدوء شديد بعث فى داخلها الاضطراب اكثر
: انا كنت جاى النهاردة علشان عايز اكلم معاكى كلمتين ..
صمت زافرا بقوة وهو يخفض رأسه ينظر ارضاً ترى عضلات ظهره مشدودة بتوتر كأنه يعانى صعوبة فى ايجاد تلك الكلمات حتى يلقيها عليها ..كلمات ادركتها من توتر جسده دون ان ينطق بها ..فليس من السهولة على من هو فى مثل اخلاقه وشهامته ان يقوم بجرح الاخرين او يصيب كرامتهم بمقتل لذا اوجدت له العذر تشعر بالشفقة عليه اكثر من حالها هى وهو يلتفت اليها ببطء يضع انامله بين خصلات شعره قائلا بأضطراب
:شوفى يافرح ..انا لولا الظروف وان ...انا كنت عاوز اقولك يعنى انى ..
التفت مرة اخرى مواليا ظهره لها زافرا مرة اخرى لترتعش شفتيها وهى تضمها بشدة حتى تمنع نفسها من تجهش باكية قلبها يهفو له ويرق لحاله المضطرب لذا قررت ان تريحه من معاناته تلك هامسة بصوت مرتجف متحشرج
: الموضوع مش مستاهل كل ده ..انا خلاص فهمت انت عاوز تقول ايه..
زفر صالح ببطء يلتفت اليها مواجها ترتفع على شفتيه تلك الابتسامة الصغيرة ثانياً ولكن ما جعل قلبها يرتجف بتخبط بين جنباتها هى تلك النظرة بعينيه وقد رأت للحظة الانكسار والالم بهما لكن سرعان مااختفت فوراً قبل حتى ان تتمكن من التحقق مما رأته فقد حل مكانهم سريعا نظرة عنيفة مشتعلة قائلا ببطء
: مافتكرش يا فرح انك فهمتى حاجة ولا هتفهمى انه مش سهل عليا اللى بعمله هنا دلوقت ..انا ...انا
اغمض عينيه زافرا بقوة تخرج الحروف من فمه كانها نار تكويه لا يجدها بالسهولة كما كان يتخيل قبل حضوره اليها لذا فتح عينيه سريعا قائلا بحزم وهو يتحرك من مكانه ينوى المغادرة المكان فورا
:انسى انى جيت هنا من الاساس..انسى اى حاجة اتقالت انا همشى
مر من جوارها سريعاً لكن اوقفه عند الباب متجمداً صوتها حين صرخت به بحرقة غاضبة وقد قررت ان تلقى هى فى وجهه الكلمات بعد ان رفض ان ينطقها كما لو كانت لا تستحق منه تعبه او اهتمامه فى حين كانت هى تقف مكانها بقلبها الاحمق تختلق له الاعذار ترفق بحاله
:طبعا يا صالح باشا هنساها متقلقش..وهو زيها زى الكلمتين اللى اتقالوا من كام يوم..احنا اساسا اعتبرناهم كده من ساعتها .. كلمتين فى الهوا وتقالوا ..
قست نبراتها تكمل قائلة بسخرية وتهكم
:ماهو مش معقولة صالح باشا هيرضى بالبت فرح بنت لبيبة ولا يناسب خالها مليجى العايق ..بس عاوزة اقولك ان رفضته انت فى غيرك شاريه وراضى به كمان
شعرت بحاجتها لكلماتها الاخيرة تلك كرد اعتبار لها ..اردته ان تعلم ويدرك جيدا ان هناك من يريدها وراضيا بها برغم كل ما قالته سابقاً
شهقت بفزع حين عاد الى مكانها فى لمح البصر كأعصار غاضب شرس يمسك بذراعها بعنف بقبضته ضاغطا بشدة فوقها وهو يفح من بين انفاسه بنبرة باردة قاسية
:وده بقى مين يا ست فرح ان شاء الله اللى يبقى شارى ..تقصدى انور ظاظا مش كده .. انطقى
صرخ بها لترتجف وهى تتلعثم بأرتباك تحاول اظهار نفسها ثابتة لا تخاف منه ولا من غضبه المنبعث من عينيه يكاد يحرقها بلهيبه
: اقصد اللى اقصد ..اظن ده ميهمكش ..ولا مش مصدق.. ان ان ممكن حد ...
قطعت حديثها ترتجف خوفاً كأرنب محاصر حين اقترب بوجهه منها على حين غرة منها انفاسه تلف وجهها كالنيران المحرقة يهمس ضاغطا فوق اسنانه بغيظ وهو يقربها منه رغم مقاومتها الواهنة
:بت انتى ..مطلعيش جنانى عليكى ..واتكلمى معايا عدل
هرب اللون من وجهها يتركه شاحبا من الرعب لكنها اجابته بشجاعة زائفة ترفع عينيها فى وجهه قائلة بصوت مرتعش
:انا مش بت .. ولو سمحت سيب ايدى ..ومن هنا ورايح انت اللى تتكلم معايا عدل ...فرح العيلة بتاعت زمان اللى كنت بتخوفها وتتريق عليها كل ما تشوف خلقتها خلاص كبرت وبقيت انسة ..انت بقى مش عاوز تشوف ده انت حر
ترك ذراعها ببطء يتراجع الى الوراء وهو يمرر عينيه فوقها بتمهل جعلها فتشعر بهم كخط من النار يلامس بشرتها ترتسم ابتسامة باردة فوق شفتيه قائلا بسخرية
: كان نفسى اشوف فرح اللى بتتكلمى عنها دى ادامى دلوقت يمكن كانت امور كتير اتغيرت ...اه ممكن تكونى كبرتى من بره زى ما بتقولى
ثم اشار بسبابته ناحية رأسه يكمل ببطء وأسف
: بس هنا اظن لااا ..لسه بدرى اوى علشان ده كمان يكبر ... سلااام يافرح يا كبيرة
انهى حديثه يغادر المكان سريعا بعد القى بتحيته المتهكمة تلك لتقف مكانها بعد ان تركها ترتفع حرارة وجهها حتى اصبح مشتعلا كالجمر من اثر اهانته لها وككل مرة تتواجه فيها معه يملأها شعور بالهزيمة وكسرة القلب كأحساس اصبح ملازم لها منذ ان وقعت كالمغفلة فى عشقه وهواه
***************
:واخرتها ايه معاكى ياسمر هتفضلى قاعدة القاعدة دى كأن مات ليكى ميت
خبطت سمر فوق فخديها بعنف تهتف بحدة وعصبية فى زوجها حسن ليتراجع الى الخلف خوفا منها قائلة
:ابعد عن وشى الساعة دى ياحسن انا فيا اللى مكفينى
اقترب منها ببطء وخشية قائلة
:يا حبيبتى اهدى ..مانا قلتلك استحالة صالح همشى الجوازة دى ..وهو عرف ابويا بده
لم تعيره اهتماما تهمهم بذهول واستنكار
:بقى انا اخلص من الست امانى تطلعلى فرح .هو انا ناقصة يا ربى بلاوى ..دانا مصدقت الجوزازة الاولنية اتفشكلت بعد ما طلعت روحى ..اقوم اخبط فى جوازة تانية
جلس حسن بجوارها فوق الاريكة يسألها بتوتر وخشية من انفجار نوبات عضبها فيه كعادتها
:وانتى السبب فى فشكلة جوازة صالح الاولنية ازى ..مش اللى حصل ده بسبب ان امانى مرضيتش تكمل مع صالح لما عرفت انه مش بيخلف
التفتت اليه سريعا تحدق به كما لو كان مجنون صارخة
: انت عبيط يا حسن ..امانى بتعشق التراب اللى بيمشى عليه صالح..وكانت مستعدة تعيش العمر كله معه ولا تفرق معاها حكاية الخلفة دى خالص
تجعد جبين حسن بعدم بفهم يهمس بارتباك متسائلا
:طيب ليه بقى اطلقت لما هى بتحبه
تراجعت سمر الى الخلف تشير بسبابتها ناحية صدرها قائلة بفخر
:بسببى انا .. ماهو انا مكنش ينفع اعدى الفرصة دى من غير ما استفيد
حسن وبقلق وريبة منها
:عملتى ايه بالظبط ياسمر؟
ابتسمت ابتسامة صفراء تلتفت اليه قائلة ببراءة مصطنعة وقد اختفى غضبها تماما وهى تتلاعب بازرار قميصه قائلة بزهو
:ابدا ..امانى من يوم ما دخلت البيت هنا وهى تموت من الغيرة بسبب حبك ومعاملتك ليا .. انا بقى نصحتها شوية نصايح بعد ما التحاليل ماظهرت وعرفنا ان العيب من اخوك بخصوص موضوع الخلفة
سألها حسن ببطء وفضول
:النصايح دى ايه بقى ..ماهى اكيد مكانتش نصايح لما تبقى نهايتها انهم اطلقوا
اطلقت ضحكة غنج ودلال وهى تقترب من شفتيه تهمس فوقهم
:ابدا يا قلب سمر .. النصايح دى يمكن تنفع مع حد زيك انت ..انما مع واحد زى صالح بتيجى بالعكس زى ماشوفت كده بالظبط
عقد حاجبيه مرة اخرى بعدم فهم يهمس بصعوبة
:مش فاهم برضه ..يعنى انت قلت لها تعمل ايه بالظبط؟
تراجعت عنه بعنف تنظر امامها بشرود وعينيها تلتمع بالغل والحقد قائلة باستمتاع
:تكسره ..تذله ..تحسسه كل يوم بنقصه ..مرة ورا مرة هيبقى زى الخاتم فى صباعها الصغير تبيع وتشترى فيه
نهض حسن واقفا يهتف بغضب وعصبية
:يعنى انتى تقصدى ان ده اللى بتعمليه معايا ياسمر؟!
نفضت عنها شرودها تنهض واقفة هى الاخرى تسرع فى اصلاح خطأها وقد نسيت للحظة الى من كانت تتحدث تسرع بالاقتراب منه تلتصق به وهى تتلمس صدره قائلة برقة ونعومة
:لاا طبعا ياحبيبى ..ده اللى انا فهمته ليها علشان تصدقنى وتعمل اللى اقولها عليه ...دانت روحى وقلبى ياحسن ..وبعدين هو انا يعنى عملت كده علشان مين ..مش علشانك انت ياقلب سمر من جوه
ارتفعت داخل عينيه نظرة عدم تصديق يرتجف صوته يسألها بخوف وعدم ثقة
:بجد يا سمر بتحبينى ؟
احتضنته بقوة تهتف بتأكيد وحزم لكن كانت عينيها باردة برودة الثلج
:طبعا يا قلب وروح سمر .. دانت ابن خالتى وابو عيالى ..وحياتى ودنيتى كمان
استرخى حسن بين ذراعيها متنهداً براحة ترتفع ابتسامة فرحة فوق شفتيه وهو يزيد من احتضانه لها متشبثاً بها كالطفل الصغير لتزيد مع كل ضمة منه لها البرودة بعينيها تكسو وجهها ابتسامة صفراء سعيدة
******************
كانت تسير مع شقيقتها فى طريق عملها صباحا بوجه زاد شحوبه وعيون مرهقة بعد ان قضت طوال ليلة امس فى البكاء المرير تواسيها سماح بكلمات اصبحت على سمعها كأسطوانة تالفة وهى تعيد عليها تكرار أقوالها المعتادة ..بأنه لم يكن من نصيبها ..ان ماحدث كان خطأ منذ البداية ..وما فعله صالح كان لمصلحتهما معا ومع كل كلمة منها يزداد بكائها معها حتى اتى الصباح اخيرا لتنفض معه كل امل لها فى عشق هذا الرجل يكفيها ماحدث لقلبها منه لذا لن تجلس فى انتظار وجع جديد يقضى على ماتبقى منها تنهض تستعد ليوم عمل جديد بعد تغيبها ليومين عنه جلست فيهما بداخل المنزل على امل زيارة منه .. نعم قد حدثت فى النهاية لكن لسبب اخر غير ماتمنته تتحمل بعدها همزات ولمزات خالها الساخرة منها طوال الليل
لذا هاهى تسير هربا الى عملها وملجأها فى الوقت الحاضر شاردة عن ثرثرة شقيقتها حتى انتبهت من شرودها على صوت احدى جارتهم توجه الحديث الى جارة اخرى تهتف بصوت عالى ساخر
:شوفى ياختى البت وقدرتها ماشية ولا على بالها شر .. صحيح عشنا وشوفنا بنات اخر زمن
حينها توقفت شقيقتها تلتفت نحوها هاتفة بحدة وعنف فيها
:تقصدى مين بكلامك ده يام ابراهيم ؟!
لوت ام ابراهيم شفتيها بسخرية هاتفة هى الاخرى
:مقصدش حد ياحبة عينى ..بس لو على راسكم بطحة يبقى مبروك عليكم
تقدمت سماح منها تسألها بخشونة وحدة
:جرى ايه ولية انتى بطحة ايه اللى على دماغنا ..ما تتكلمى عدل على الصبح
جذبتها فرح من ذراعها هاتفة بها بحزم تمسك بذراعها حتى توقفها
:خلاص يا سماح .. انتى هتعملى عقلك بعقلها
تقدمت منهم ام ابراهيم هى الاخرى تصفق بكفيها معا ثم تشيح بهما هاتفة بشراسة
: ومتعملش عقلها بعقلى ليه ياختى ..مش من مقامك ياسنيورة ولا مش من مقامك.. اايه خلااص حطيتهم فى العالى وبقاش فى حد مالى عنيكم يا بنات لبيبة
جذبتها السيدة الاخرى تتراجع بها للخلف وهى تهتف ساخرة بلؤم
:هدى نفسك يام ابراهيم ..دول خلاص ضهرهم بقى محمى ..ماهى بنات قادرة بصحيح وبتعرف تقع واقفة.. عينى على بناتنا وحسرة عليهم عبط وعاملين زى القطط المغمضة
انحنت سماح بغضب تخلع حذائها ثم ترفعه عاليا فى وجوه من تجمهر من الاهالى على اصواتهم رغم محاولات فرح لتهدئتها ومنعها لكنها وقفت وسطهم هاتفة بغلظة وشراسة
:شوفوا يا حارة **** اللى هيجيب سيرتى ولا سيرة اختى على لسان حد ***فيكم ..هو ده بقى ردى عليكم
وهمت بالهجوم عليهم لكن اتى هتاف صالح المنادى لها بحزم ليوقفها مكانها متقدما منهم بهدوء تحت الانظار المتوترة للواقفين جميعا لحظة ظهوره يسأل سماح بصوت هادئ عما حدث لكن عينيه كانت معلقة فوق فرح بأهتمام ولكنها تهربت من نظراته تنظر فى جميع الاتجاهات الا اتجاهه هو وبعد ان قصت عليه سماح ماحدث التفت بحدة وتجهم الى ام ابراهيم المضطربة والتى اسرعت تنكر ما حدث سريعا هاتفة بمسكنة وحزن
:والله ياصالح يابنى ماحصل دول سمعونا بنتكلم على حتة فى المسلسل بتاع بليل واخدوا الكلام على نفسهم ..احنا برضه ولاد حتة واحدة ..ودول زى بناتى مش كده يام خالد ياختى
اسرعت تستنجدة بجارتها الاخرى والتى اسرعت مؤيدة لحديثها بحزم وهى تربت فوق صدرها قائلة
:طبعا اومال ايه دول زى بناتنا وامهم كانت حبيبة ..حقك علينا يا سماح ياحبيبتى لو كنتى خدتى على خاطرك منا
ثم التفت الى صالح تبتسم برجاء وارتباك
:ده شيطان يا سى صالح ودخل بينا وراح لحاله خلاص .. واحنا خلاص هنمشى ياخويا وحقكم علينا مرة تانية
ثم جذبت صديقتها بقوة تهرولان معا هربا من المكان فينفض الجمع فورا هو الاخر بعد ان هتف بهم صالح بحزم ليفرقهم
:يلا يا اخونا كله يروح لحاله ..ملهاش لازمة الوقفة دى
ثم التفت الى فرح وسماح مشيرا لهم بالسير امامه قائلا بهدوء
: يلا تعالوا اوصلكم ..بدل بهدلة المواصلات و..
هتفت فرح تقاطعه بحدة قائلة وعينيها ثابتة فوقه بشجاعة
:لاا شكرا مش عاوزين..وبعدين احنا واخدين على بهدلة المواصلات مش جديدة علينا يعنى ..اتفضل انت روح مشوارك مش عاوزين نعطلك
اقترب صالح منها هاتفا بحدة ونفاذ صبر
:ولو قلت لا مين هيجبرنى ..انتى مثلا
وقفا يتطلعان الى بعضهم بتحدى وشراسة كما لو كان فى وسط الحارة اثنين من المصارعين يتنافسان على الفوز لكنها لم تكن مصارعة جسدية بل كانت صراع بين ارادتين اخذا وقد اخذ كلا منهما يحاول فرض ارادته على الاخر تلقى اعينهم بسهام التحدى كلاً نحو الاخر حتى اتت نحنحة سماح هامسة بعصبية متلعثمة تحاول فض هذا الاشتباك المربك لها
: انا بقول ايه .. يعنى ..انت تروح تشوف مصالحك ياخويا ..وانا اخدها ونطلع على اول الحارة ..ونركب اى حاجة تودينا الشغل ..مش كده يافرح ..اه كده يلا بينا بقى
جذبت شقيقتها بصعوبة من مكانها المتسمرة به كالوتد تسير معها مغادرة فورا بينما وقف هو خلفهم تطلق عينيه نحوها نظرات حادة باردة شعرت بها كسهام تخترق ظهرها من الخلف وهى تسير ببطء بعيدا عنه وقد شعرت بمعدتها تتلوى بعصبية رغبةً فى التقيؤ من شدة توترها بعدها ان غادرتها شجاعتها الزائفة امامه تتركها ضعيفة مرتعشة تسير بخطى متعثرة وقد بدأت ساقيها بالارتجاف فتهمس لشقيقتها بصوت مستعطف ضغيف
:سماح ..انا عاوزة اقعد حاسة انى مش قادرة امشى
شدت سماح على يدها قائلة بصوت خافت مؤكد
:اجمدى بس الخطوتين دول ..نعدى محل ظاظا بعدها هقعدك
هزت لها رأسها موافقة لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن حين خرج انور من محله كما لو كان بانتظارهم مقتربا منهم بسرعة ليوقفهم بوجهه اللزج قائلا
: يا صباح الخير على ست البنات ..انا واقف هنا من الصبح مستنى الجميل يهل عليا
لم تجد فرح القدرة فى نفسها على نهره او ايقافه تترك امره لشقيقتها والتى صاحت به بحدة
:بقولك ايه يا معلم انور احنا متأخرين على الشغل ..فحياة ابوك تسبنا نعدى من غير عطلة
ابتسم انور بخبث وهو يفرك كفيه قائلا
:انا بس قلت ارمى الصباح ..واكرر كلامى من تانى ..
رفعت فرح نظراتها المتسألة له فيكمل بشوق وتلهف عينيه معلقة بعينيها بتية ولوعة
:انا شارى يافرح ..شارى ومش بايع زى غيرى..ومستعد ابيع روحى علشانك ..بس انت قولى اه..
همست من بين انفاسها قائلة بقرف
:هو لحق خالى يبلغك ؟!
انور بأنفاس متهدجة وعينيه تلتمع بشهوة اصابتها بالنفور والتفزز
: خالك بلغنى علشان عارف ان انا الوحيد اللى هعرف اقدرك واقدر جمالك
همت بالرد عليه بحدة لتفرغ كل احباطها وحزنها عليه لكن وجدته يرفع انظاره الى ماخلفها هامسا بتوتر وهو يتحرك متجه الى محله بخطوات متعثرة قائلا بتخبط ونبراته مرتعبة
:نبقى نكمل بعدين ..اصل ورايا حاجة كده هخلصها و..
اختفى داخل محله ومعه الباقى من حديثه لتلتفت الى سماح تسألها بأبتسامة تعجب ساخرة
:ماله ده ..حاله اتقلب كده ليه؟!
اشارت سماح برأسها خلفها وعينيها تتسع رعبا قائلة
:بصى وراكى وانتى هتعرفى ماله ..هو نهار مش فايت انا عارفة
التفتت فرح سريعا لتتسع عينيها هى الاخرى بذهول ممزوج بالخوف وهى تراه يمر من جوارهم وملامحه تنطق بالشر والاجرام متجاهلاً لهم تماماً يدلف الى داخل محل انور يغيب داخله ماهى الا عدة لحظات حتى تعالت اصوات تحطيم وصيحات عالية اعقبها صرخة انور المتألمة بشدة ثم يسود الصمت التام بعدها لتهمس فرح بخوف وقلق سائلة سماح المرتعبة بجوارها
:بت هو قتله ولا ايه ؟!
وقبل ان تجيبها سماح خرج صالح بهدوء من المحل يرجع خصلات شعره الى الوراء ثم يعدل من وضع ملابسه قبل ان يرفع وجه متحتقن بالغضب منقبض الملامح وعيون تطلق الشرر نحوها صارخا بها
: اخفى انجرى على البيت ..وماشوفش وشك الا بليل وانا جاى وجايب الماذون
فغرت فاها بصدمة وعينيها تكاد تخرج من محجريهما ليصرخ بها مرة اخرى بحدة وهو يتقدم منها عدة خطوات مهددة
:هتتحركى ولا اجيلك انا و...
اسرعت سماح تجيبه وهى تجذبها بسرعة قائلة بتلعثم وخوف
:هتتحرك ياخويا هتتحرك ...بس انت وحياة الغالى عندك ماتعصب نفسك
همست سماح لفرح وقد وقفت مكانها ذاهلة قائلة لها بأرتعاب
:اتحركى ياختى ..خلينا نمشى من ادامه ..واوعى تبصى ناحيته..الراجل باينه اتجنن ونفسه يصورله قتيل هنا وبلاش يكون انتى ..
كانت فرح تسير معها كالمغيبة قلبها يتراقص فرحا يتغنى الباقى من جسدها طرباً بكلمات ظنت انها من وحى خيالها لتسأل سماح بهيام وذهول
:بت هو اللى سمعته منه ده حقيقى ولا ده قلبى الاهبل وبيضحك عليا
اخذ قلبها يصرخ لها بالاجابة فرحا سعيدا تتراقص خطواتها على انغام دقاته تلقى بهمسات عقلها الخائفة عرض الحائط وقد اخذ يتوسلها حتى لا تنقاد خلف هذ الاحمق المسمى بقلبها لكنها تجاهلته فيكفيها الان لحظة سعادتها تلك ولتلقى بأى شيئ اخر عرض الحائط
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا