رواية ملكة على عرش الشيطان الفصل الأول والثاني 1-2بقلم اسراء على (جميع الفصول كامله)
رواية ملكة على عرش الشيطان الفصل الأول والثاني 1-2بقلم اسراء على (جميع الفصول كامله)
لم يدعُها إلى الجحيم...
بل هي من ذهبت بـ كامل إرادتها...
زفرت بـ ضيق عدة مرات وهى تترجل من سيارة الأجرة وبقت تُحدق بـ تلك المدينة التي لطالما كرهتهت على الرغم من عدم زيارتها لها مُسبقًا ولكن يكفي ما تداوله الأقاويل عنها "مدينة الموتى" هذا ما وصلها عنها
لأول مرة بـ حياتها تكره اسمها..مجرد حرف صغير أودى بها إلى هُنا..لم يكن عليها أن تكون هُنا بل بجوار والدها القعيد ولكن أخطأ أحدهم ما بين حرفي "اللام والدال" فـ أُستبدلت بـ زميلها
إنتبهت على صوت السائق وهو يقول
-نزلتلك الشُنط يا ست العرايس
-مُتشكرة...
قالتها وهي تمد يدها بـ بضع ورقات نقدية ليأخذهم السائق ثم رحل
بقت هي تلعن سوء حظها فـ هي فتاة لم تتجاوز السادسة والعشرين من عُمرها تعمل كـ جراحة بـ إحدى المشافي الحكومية التابعة لمدينتها ولكن شاء القدر أن يتم نقلها إلى تلك المدينة نظرًا لما تُعانيه من عجز بـ طاقم العمل
وضعت نظارتها الشمسية على عينيها الزرقاوين بـ لون السماء الصافي
تنهدت حاملة لحقائبها ثم توجهت إلى بوابة المدينة..كانت الساعة لا تزال مُبكرة على خلاء الطُرق بـ هذه الطريقة المُثيرة للريية..إبتلعت ريقها بـ توجس ولكنها تشجعت وأكملت طريقها
بـ سيرها بقت تُشاهد معالم المدينة الساكنة..المِحال مُغلقة ولا ترى بشري واحد..داهمتها أحد مشاهد الأفلام الأجنبية التي تُشاهدها..تكون المدينة فارغة ومن ثم يبدأ القاتل بـ مُطاردتها..ضحكت على سذاجتها بل بـ الواقع هذا ما تنتظره..فـ المدينة هي مسقط رأس الخارقين عن القانون بـ كل أنواعهم وأجنساهم فـ لا ريب أن الجميع يهرب من تلك المدينة النائية
وفي ظل السكون والرياح هي المؤنس الوحيد..وجت أحد المِحال مفتوحة..تهللت أساريرها وإتجهت إليه سريعًا..ولكنها توقفت وعينيها تتسع بـ هلع فـ لم يكن هذا المحل سوى لمتاجرة السلاح..إبتعلت ريقها وقررت العودة دون أن ينتبه لها من بـ الداخل
تجمدت هي على صوت ليس بـ الغليظ ولا بـ الرفيع وهو يهدر
-مش حظر التجوال بدأ!!..ماشية ليه يا ست أنتِ!!...
إبتعلت ريقها وقد تجلدت كل عضلات جسدها فـ عجزت عن الحراك وظلت تُتمتم بـ حسرة
-منك لله يا سليم..رقبتي هطير بسببك...
إستدارت بـ إنتفاضة على صوته وهو يزعق..لترفع النظارة فوق خُصلاتها البُنية مُمتزجة بـ الشقار الإصطناعي..عاينها الرجل من رأسها حتى أخمص قدميها ثم نظر إلى حقائبها ليحك ذقنه قائلًا
-شكلك لسه جديدة!..مش كدا يا ست !
-أومأت بـ تردد قائلة بـ خفوت:أيوة..أنا دكتورة..إتنقلت جديد هنا...
لمحت إبتسامة خبيثة ترتسم وهى تراه يُعاين جسدها المُغري بـ وقاحة..لتضرب بـ كعب حذائها الأرض بـ صرامة جعلته يرفع حاجبيه بـ إعجاب قبل أن يردف بـ نبرة لا تقل خُبثًا عن إبتسامته
-نورتي يا ست الدكاترة كلهم...
نظرت إليه بـ إشمئزاز قبل أن تتشدق بـ جمود ونبرة خشنة
-طب أنا عاوزة أروح المستشفى
-ليرد هو بـ عبث:طب مش تروحي تريحي يا ست الدكتورة من تعب السفر!..في مُكنة تروحيها ولا تحبي أوديكِ بـ نفسي
-إتسعت عيناها بـ صدمة ولكنها هدرت:أفندم!!..أنت بتقول إيه يا راجل أنت؟!...
قهقه الرجل بـ قوة حتى إهتز كتفيه وبقت هي تُحدق به بـ غضب..ليقول بعدما فرغ من ضحكاته
-متتزرزريش كدا..القانون هنا بيقول..إعمل كل حاجة إلا إنك تقرب من ست أه..دا سيف على رقبة أي راجل هنا..فـ متخافيش عشان أنا هخاف أكتر منك لو فكرت أأقربلك..دا مبيرحمش...
إنتبهت حواسها لتلك العبارة الأخيرة لتسأله بـ إهتمام
-مين دا!!...
رفع منكبيه وصمت لتزفر بـ ضيق وعادت تسأله
-مين دا اللي مبيرحمش؟
-إلتوى شدقه بـ سخرية وقال:مفيش داعي تسألي..أنتِ هتعرفي لوحدك...
وها هو لُغزً جديد يُلقى بـ طريقها بـ تلك المدينة..ألا يكفي الرُعب الذي إجتاح أوصالها..حظر تجوال ثم مِحل أسلحة غير مُرخص مفتوح بـ ذلك الحظر وأخيرًا من لا يرحم الذي لا تعرفه بعد..ولكن ثمة هاجس بـ عقلها أخبرها أنها لا يجب أن تعرفه..لا يجب..لا يجب أبدًا
إرتفعت أنظارها إليه وهو يقول بـ جدية
-بصي يا ست الدكتورة..شوية قوانين هتعرفيها بس مش دلوقتي..أنا هوصلك لسكن حُنين كدا عليكِ بتاع واحدة أعرفها..ومحدش هيقربلك..زي ما قولتلك مفيش حد يقدر يكسر القانون دا وإلا حياته هتكون هي التمن...
أمن المُفترض ما قاله يُطمأنها؟..بل على العكس أضفى المزيد من الرُعب لرُعبها الحالي..ضمت قبضتيها تُخفي إرتجافتها وهي تستمع إلى صاحب المحل يُخبر من بـ الداخل أنه سيقضي مصلحةً ما ثم يعود..أشار بـ يده وقال
-إتفضلي يا ست الدكتورة..ألا الدكتورة اسمها إيه!
-تحركت بـجواره وهمست:سديم
-حك ذقنه ثم قال بـ إبتسامة واسعة:الله..اسم حلو أوي..لأ ولايق عليكِ...
إمتعضت ملامحها..يُحادثها وكأنه يعرفها مُنذ زمن..وكأنه من الطبيعي أن يُحادثها ..وكأن كل هذا طبيعيًا أن يحدث
ظلت تسير بجواره والرجل يتحدث بلا إنقطاع ولا تنكر أنه يتمتع بـ حس فُكاهي رائع ولكنه لم يتطرق إلى ما يخص تلك المدينة بل حياته الشخصية و زوجاته الأربع الاتي لا يقدر عليهن بل ويُفكر بـ قتلهن والهروب
************************************
توقفا أمام بناية ليست بـ حديثة الطُراز ولكنها تفي بـ الغرض..طلب منها صاحب المحل أن تنتظره بـ الأسفل..أومأت بـ موافقة ليصعد هو
بعد عدة دقائق ظهر هو ومعه فتاة تبدو في الثلاثين من عُمرها تبتسم بـ وجهها المشوه بـ حرق بـ وجنتها اليُسرى ولكنه لم يُخفِ ملامحها الجميلة
إبتسمت تلك الفتاة ثم رفعت عباءتها السوداء لتقول بـ حبور وهي تتقدم من سديم
-هي دي الداكتورة!..يا ألف أهلًا وسهلًا..خطوة عزيزة يا ست الكُل
-ردت سديم بـ إقتضاب:شكرًا
-تولى الرجل الحديث:دي سُمية طليقتي!!...
إرتفع حاجبيها بـ ذهول..أهو مُتزوج لأربعة وأخرى طلقها!..لا تُصدق تلك الحميمية بـ تعاملهما..طليقته ولكنها تتحاور معه الآن وكأنه جارها
-لازم تشليها فـ عينيكِ يا سُمية..دي من طرفي
-أشارت إلى عينها اليُسرى ثم اليُمنى وقالت:أنت تؤمر والقمر تستريح...
إستدارت سُمية إلى سديم الذي عقد الإنشداه لسانها ثم أردفت وهى تُمسك مرفقها بـ حركة عفوية
-أنا عندي ليكِ مُكنة هتعجبك..صحيح مش كبيرة أوي..بس أنتِ ست لوحدك مش هتحتاجي أكتر من كدا...
ثم عادت تلتفت إلى صاحب المِحل وقالت بـ نبرتها العالية ضاربة على صدرها عدة مرات
-دي بقت فـ حمايتي يا حج..مش هخليها تحتاج أيتوها حاجة
-أصلية يا بت..إبقي تعالي...
أردف عبارته بـ مكر وهو يضربها بـ مرفقه بـ خاصتها..لتضحك سُمية بـ غنج وهي تومئ بـ تأكيد..كانت سديم تُتابعا ما يحدث بـ أعين جاحظة لا تُصدق..بيئتها الطاهرة التي نشأت بها تلوثت بـ شخصين أغرب من الكائنات الفضائية
إنتبهت على صوت سُمية وهى تقول بـ صوتها الرنان
-معلش يا ست الداكتورة مفيش هنا أسانسير فـ هتطلعي على رجلك...
ثم صمتت دون أن تُكمل لتقول بـ عفوية وإنبهار
-بسم الله الله أكبر..عينكِ لونهم حلو و واسعين...
ثم ضحكت لتقول وهي تصعد
-أنا مبحسدش..بس عينيكِ لونهم حلو ومبنشفهوش كتير
-أومأت سديم قائلة بـ إبتسامة تظهر لأول مرة:شكرًا..أنتِ كمان جميلة أوي
-ضحكت سُمية مرةً أخرى ثم أردفت:تسلمي يا غالية...
وصلتا إلى الطابق الخامس لتقول سديم بـ إنهاك
-السلم مُتعب أوي
-معلش يا ست الداكتورة..البيت قديم شوية..بس مرة فـ مرة هتتعودي...
كانت بـ مُقابل شقتها أُخرى ألقت عليها نظرة خاطفة ولكنها لم تُعيرها أدنى إهتمام..فتحت سُمية الباب ودلفت وسديم خلفها
الشقة مساحتها متوسطة..صالة وساحة إستقبال صغيرة..تحتوي الأولى على أريكتين عصريتين مُتقابلتين وتلفاز موضوع بـ مسافة ليست ببعيدة عن الاريكيتين..والثانية بها صالون عتيق ولكنه أنيق..وشُرفة طولها لا يتعدى الخمس أمتار ولكن عرضها واسع..بها طاولة مُستديرة وحولها مقعدين خشبيين من اللون الأبيض
وغُرفتين إحداهما واسعة وأُخرى ضيقة..المطبخ معزول قليلًا ومساحتة ليست بـ الهينة وكذلك المرحاض
أُعجبت سديم بـ الشقة ولكنها قالت بـ مرح
-كل دي وصغيرة!..أومال لو كبيرة كانت هتبقى أد إيه؟!
-ضحكت سُمية وقالت:أومال لو شوفتي الشقة اللي قصادك!..دي كلها متجيش حمام جنبها..والله يا ست سديم لولا إنها متسكنة مكنتش تتعز عليكِ
-نفت سديم قائلة:لالا..دي حلوة أوي
-معلش بقى هي مش نضيفة..هبعتلك كام بت كدة يقوموا بـ الواجب
-عادت تنفي:لا ملوش لزوم..أنا هقوم بـ الواجب..قوليلي بقى الإيجار كام!
-تحولت معالم سُمية بـ ضيق وقالت:عيب كدا أنتِ بتشتميني يا عروسة ولا إيه!..أنتِ جاية من طرف المعلم وميصحش اللي بتقوليه
-أصرت سديم قائلة:وبرضو ميصحش أقعد من غير فلوس
-ربتت سُمية على ذراعها وقالت:مش هنختلف..بس نتفق بعدين..السفر أكيد تعبك..يلا فُتك بـ عافية...
عدلت من وضع وشاح رأسها الذي يظهر منه مقدمة خُصلاتها الشقراء ثم رحلت
أمسكت سديم بـ حقائها وجرتها إلى الغُرفة لتنتقي بعض الثياب المُلائمة لعملية التنظيف ولكن بعد تناول وجبة خفيفة كانت قد إبتاعتها أثناء السفر
*************************************
خرج من المرحاض بعدما أخذ حمامًا هادئ..دلك مُؤخرة عنقه لإزالة تلك التشنجات..إلتقط الفُرشاة وبدأ بـ تمشيط خُصلاته السوداء ثم وضعها وإتجه إلى المطبخ لإعداد كوبًا من الشاي الأسود
وضع الماء الساخن بـ الكوب..إسترعى إنتباهه تلك الإضاءة الآتية من المطبخ المُقابل لخاصته..أمسك الكوب وإتجه إلى النافذة ليجد بعض الحركة التي تدب هُناك..يبدو أنه سيُصبح جارًا لآخر ولا يستبعد أن يكون أربعيني لزج
لوى شدقه بـ عدم إكتراث ثم إتجه إلى الصالة..إلتقط هاتفه عندما صدح بـ نغمته ليضعه على أُذنه و يقول بـ صوتٍ عميق
-خير!!
-أتاه صوتًا من الجانب الآخر:إيه يا بني أنت فين!
-أجاب دون إكتراث وهو يتجه إلى الشُرفة:كنت باخد دُش..لسه راجع من القسم دلوقتي
-طيب عمتن هتعمل إيه؟!
-جلس على المقعد الأسود وقال:فـ إيه!!
-زفر الآخر وقال:يا بني ركز..في دكتورة جاية عندك ولازم تخلي بالك منها هي منقولة غلط أصلًا
-ضرب على سطح الطاولة وهدر بـ غضب:قولت ستات لأ..مفيش ست تدخل المكان دا ولا هو عِند وخلاص
-عِند إيه بس!..قولتلك جت غلط أصلًا..المفروض واحد اسمه سليم يجي بدالها بس حصل لَبس فـ الموضوع فـ لبست هي...
حك جبهته بـ عُنف وقال من بين أسنانه
-والمفروض بكل اللي بيحصل هنا..أبقى مسئول عن واحدة ست كمان صح!
-أتاه صوت الآخر يقول بـ تهدئة:معلش يا قُصي..تعالَ على نفسك كام شهر لحد أما المستشفى هنا تتصرف
-زفر بـ حنق قائلًا:أوووف..طيب..يلا أقفل...
أغلق الهاتف ثم ألقاه بـ غضب فوق الطاولة ليحك خُصلاته السوداء التي تصل إلى عنقه ليُتمتم بـ حنق
-ناقص أنا ستات وقرف...
إرتشف من كوبه الساخن ليستمتع بـ نسمات الهواء الهادئة عند الغروب قبل أن يتجه إلى نومه حتى يتجه إلى عمله صباحًا
وعلى الجانب الآخر كانت سديم قد إتجهت إلى الشُرفة لتفتحها ثم وقفت بها تتطلع بها..إبتسمت بـ إعجاب فـ هي تُشبه شرفة منزلهم بـ مدينتها..مدينة الإسماعيلية
إلتفتت حولها تُشاهد الطريق الساكن وقد حلّ المساء..دون قصد إلتفتت إلى الشُرفة الخاصة بـ الشقة المُقابلها لخاصتها ولكنها شهقت بـ صوتٍ مكتوم وهي ترى جارها الوقح..يجلس مُعطيًا إياها ظهره العاري لا يرتدي سوى منشفة تُحيط خصره وساقيه حتى رُكبته
تضرجت وجنتيها بـ خجل لترتبك وتعود أدراجها ولكن بعد أنا أثارت الفوضى وشق السكون صوت تخبطها بـ أثاث الشُرفة
إلتفت قُصي على صوت الذي أقتحم خلوته بـ غضب ولكنه لم يجد سوى أثاث مُبعثر وصوت باب الشُرفة يُغلق..ليُتمتم بـ غضب وفد تقلصت عضلات وجهه بـ إمتعاض
-كمان مبيحترمش الجيرة والهدوء...
***********************************
وقفت تلك الخادمة أمام الغُرفة المُحرمة..مُترددة بـ الطرق..لا أحد يقترب..لا أحد يجوز له بـ الإقتراب..لا أحد ينجو من بطشه
لا تعلم ماذا عليها أن تفعل ولكن الأمر هام..و زوجته المريضة تطلبه وتتألم..إبتلعت ريقها بـ تردد وهى تقول بـ داخلها
-أهي موتة والسلام...
طرقت بـ خفة ولسان حالها يُردد الشهادتين..دقائق وسمعت صوت خطواته تقترب..إستشعرت غضبه وإستشعرت نهايتها تلوح لها من بعيد
فُتح الباب على مصرعيه لترتد عدة خطوات والرُعب يجتاح جسدها فـ إرتعشت..عيناه السوداء تُرسل نظرات تُخبرها "ألم أُحذر بـ الإقتراب!"
إبتلعت ريقها الجاف وأردفت بـ تلعثم وكل عضلة بـ جسدها ترتعد
-آآ..آسفة..بس..بس...
توقف لسانها عن التحرك وتقطعت أحبالها الصوتية وهي ترى عيناه تشتد قسوة ولكنها أردفت سريعًا عندما شعرت بـ قدرتها على تحريك لسانها
-الست هانم تعبانة وطلبت تشوف حضرتك...
ما أردفت به..شفع لها..فـ قد تركها وتحرك سريعًا إلى غُرفة زوجته دون أن ينظر إلى الخادمة التي وضعت يدها على صدرها تتنفس بـ إرتياح فـ قد ظنت أن رئتيها إنكمشتا وفقدت القدرة على إدخال الأكسجين وإخراج ثاني أكسيد الكربون..لتركض بعدها إلى الأسفل فـ قد كُتب لها الحياة
************************************
إرتدى بنطاله الأسود وعليه كنزته البيضاء وإضجع فوق الفراش..حاول النوم عبثًا وتلك الأصوات الصادرة عن الشقة المقابلة له تُقلق راحته
زفر بـ ضيق ليستدير على جانبه الأيسر ليضع الوسادة فوق رأسه ولكن صوت تحريك الأثاث يُصدر إحتكاك قوي يخترق أُذنيه
إنتفض جالسًا على الفراش يسب ويلعن ذلك الجار المُزعج..هز ساقه بـ عصبية و هو يتكئ بـ مرفقه على رُكبتيه..يتسول النوم بعد يومًا طويل من العمل الشاق والمُرهق وذلك الأربعيني اللزج يسرق راحته
إنتظر طويلًا حتى هدأت الأصوات ليتأفف بـ ضيق هامسًا من بين أسنانه
-حسبي الله ونعم الوكيل..الله يسامحك يا سُمية على مجايبك اللي تكفر...
عاد يضجع فوق الفراش..يضع يده فوق عينيه وأغلق الإضاءة
دقائق..فقط دقائق قبل أن يعود وتصدح الأصوات بـ شكل أعنف..فـ نافذة غُرفته تطل على الغُرفة المقابلة للشقة الأُخرى..وصوت الإحتكاك يصله بـ وضوح بل يكاد يشعر أنه يحدث بـ غُرفته
إنتفض بـ عُنف هادرًا
-لأ بقى دي قلة ذوق...
إرتدى خُفه المنزلي وفتح باب غُرفته..خطواته تكاد تلتهم الأرض..وصل إلى باب شقته ليفتحه بـ قوة تاركًا إياه مفتوح على مصرعيه
إتجه إلى الباب المقابل له وبدأ الطرق بـ عُنف..يد تطرق الباب وأُخرى تدق الجرس..والعُنف يجتاح أوصاله
وبـ الداخل إنتفضت سديم لتسقط من يدها القنينة مُلوثة الأرضية بـ سائل التنظيف..زفرت بـ غضب وألقت القطعة القُماشية البالية بـ عُنف أكبر وهى تُتمتم بـ غيظ
-مين عديم الذوق اللي بره دا!...
فتحت هي الأُخرى بابها بـ عُنف ليهدر الأثنان بـ غضب بـ الوقت ذاته
-إيه قلة الذوق دي!
-خلي عندك شوية دم الناس مش عارفة تنام!!...
والدهشة تعتلي الإثنين..فـ الجار لم يكن سوى فتاة جميلة ترتدي ثياب بالية ولكنها لم تُخفي جسدها المغوي..و وشاح رأس بسيط على هيئة مُثلث تعقد به خُصلاتها حتى تستطيع العمل..وعينين زرقاوين صافيتين تُطالعه بـ غضب شديد فـ جعلت عينيها تلمع كـ قطة شرسة..وهذا بعيد كل البُعد عن جار أربعيني لزج
وهو لم يكن سوى جارها الوقح صاحب المنشفة القصيرة..تعالت أنفاسها وهى ترى ملامحه الرجولية الغاضبة..عينين سوداوتين عميقتين كـ عُمق المُحيط..و لحية تُحيط فكه القوي ، المُتشنج
أشاحت بـ نظرها عن تُفاحة آدم الظاهرة بـ وضوح لتعقد ذراعيها أمام صدرها مُغمغمة بـ حدة
-أفندم!!...
إستفاق قُصي من تحديقه المذهول بها ليُحمحم بـ ضيق ثم أردف
-مش عارف أنام
-إرتفع حاجبها الأيسر بـ ذهول مُتشدقة:أفندم!
-زفر بـ غيظ وزعق:صوت تحريك العفش مش مخليني عارف أنام..إحترمي جيرانك شوية
-أردفت بـ برود:طب وأنا أعمل إيه!..أنا زي زيك عاوزة أنام ومقدرش أنام والشقة مليانة تراب
-قابلها بـ برود ثلجي رهيب:ودي برضو مش مُشكلتي..الصبح بعد أما أمشي تقدري تعملي اللي أنتِ عاوزاه...
حلت ذراعيها عن صدرها و أنزلتها على جانبيها لتقف بـ وضع تحفز ثم هدرت بـ غضب وقد فقدت أخر ذرة من تحضرها
-إيه قلة الذوق والبجاحة دي!..مين أنت عشان أستنى حضرتك تصحى عشان أوضب شقتي
-أشار بـ تحذير هامس:وطي صوتك يا أنسة..وأنا مين دا شئ ميخصكيش..واللي أقوله يمشي..أنتِ لسه جديدة هنا فـ بلاش أتصرف معاكِ تصرف ميعجبكيش..بعد إذنك...
الذهول الذي إعتراها جعلها غيرُ قادرة على الرد عليه..بل صمتت وهى تراه يتجه إلى شقته وقبل أن يُغلقه أردف بـ نبرةٍ آمرة
-بلاش دوشة وبطلي اللي بتعمليه عشان كدا مش حلو ليكِ وأنتِ شكلك بنت قاعدة لوحدك
-أشارت إلى صدرها وهمهمت بـ صدمة:أنت بتهددني!
-أجابها بـ فتور:أنا بهددش أنا بحذرك بس يا قطة..تصبحي على خير ولا متصبحيش يكون أحسن...
أغلق الباب بـ وجهها بـ عُنف جعلها تنتفض..وظلت هي تُحدق بـ بابه المُغلق بـ صدمة جعلتها غيرُ قادرة على الحركة..هي سديم سيدة مصر الأولى بـ لسانها السليط يُخرسها جار نرجسي يظن أن الجميع يخضع له بل والغرور يتمكن منه لجعله إياه صامتة بل وتشعر بـ الغضب يفور بـ أوردتها
ضمت قبضتيها بـ قوة لتُغلق بابها وبـ تحدي بدأت بـ تحريك الأثاث بـ صورة أعنف و بـ داخلها يُردد "ما هذه المدينة الغريبة وجارها المعتوه بل كل من قابلته كان معتوهًا!"
وعلى الجهه الأُخرى كان يعلم بـ قرارة نفسه أنها لن ترضخ..عيناها التي لمعت بـ غضب أنبأته أنها تعشق التحدي..ليست من ترضخ وتسكن. لسانها سليط ونغمة صوتها الرقيقة ولكنها قوية..كل ذلك جعل من قراءته لها أسهل من مادة الفيزياء التي كان يكرهها
جلس فوق الفراش وهو يبتسم ولكن بـ غضب وداخله توعد لن يجعلها تهنأ بـ شقتها الصغيرة
الفصل_الثاني
ملكة_على_عرش_الشيطان
لقاءنا لم يكن صُدفة...
بل ترتيب القدر...
إستيقظت على طرقٍ هادئ عكس إعصار أمس..لتنهض جالسة ثم فركت عيناها ونهضت بعدها تتجه إلى الخارج
فتحت باب الشقة لتجد سُمية تحمل صينيةً ما وتبتسم بـ إتساع رادفة
-صباح النور يا دكتورة سديم
-إبتسمت سديم نصف إبتسامة ثم قالت بـ نبرةٍ ناعسة:الصباح النور يا سُمية تعالي خشي...
دلفت سُمية لتنظر سديم إلى الباب المُقابل لها بـ نظرات شرسة لتصفع الباب بـ قوة قاصدة أن يصل الصوت إليه
إلتفتت إلى سُمية التي هتفت بـ حيرة
-تحبي أحط الفطار فين!
-عبست سديم قائلة:تعبتي نفسك ليه بس!..أنا كنت هقوم أجيب فطار
-يوووه إخص عليكِ يا دكتورة..قولتلك أنتِ جاية من طرف الحاج يبقى لازم أقوم بالواجب
-إتجهت إلى سُمية وقالت:أولًا بلاش دكتورة دي قوليلي يا سديم عادي زي ما بقولك..ثانيًا بقى أنا مش عاوزة أتعبك
-ردت عليها سُمية بـ حميمية:يا ختي لا تعب ولا حاجة..أنا عملت لُقمة وبدل أما أفطر لوحدي قولت أجي أفطر معاكِ وأهو نسلي بعض...
إبتسمت سديم ثم قالت وهي تتجه إلى الشُرفة لتفتحها
-طيب حُطي الفطار فـ البلكونة وأنا هعمل الشاي وأجيلك
-طيب...
لتدلف سُمية الشرفة وتتجه سديم إلى المطبخ لإعداد كوبين من الشاي
وبعد أن إنتهت..إتجهت إلى الشُرفة وقبل أن تجلس..أردفت سُمية بـ حرج
-معلش يا ست سديم..الفول محطش عليه ملح فـ آآ
-أكملت سديم بـ إبتسامة:خلاص هروح أجيب الملح...
************************************
نزع عنه كنزته ثم إرتدى قميصه الأسود تاركًا أخر زر مفتوح..ثم إرتدى بنطاله الأسود القُماشي و وضع مسدسه خلف جزعه بـ مكانه المُخصص..نثر عطره بـ غزارة وخرج من الغُرفة
إتجه إلى المطبخ ليعدْ كوب الشاي الصباحي معه شطيرة خفيفة من الجُبن والخضراوات..إبتسم وهو يستمع إلى صفعة الباب لجارته الغريبة..هز رأسه بـ يأس ولكنه تجاهل تصرفاتها الطفولية ليتجه بعدها إلى الشُرفة
وجد سُمية تُرتب أصناف من الطعام على طاولة جارته ليُحمحم قُصي فـ إلتفتت إليه الأولى وعلى ثغرها إبتسامة واسعة ثم أردفت
-يا صباح البنور على الباشا
-إبتسم قُصي هو الآخر وقال:صباح النور يا سُمية..بتعملي إيه عندك!
-أشارت إلى أصناف الطعام وأجابت:جايبة فطار لست سديم...
شبه إبتسامة إرتسمت على شفتيه اسمها غريب وشخصيتها أغرب كـ عينيها الصافيتين..حك مُؤخرة عنقه وتمتم
-إتحدفت عليا من أي داهية دي!
-عقدت سُمية حاجبيها وتساءلت:بتقول حاجة يا سي قُصي؟...
إرتشف من كوبه ثم قرب الشطيرة من فمه يلتهم جزءًا منها ليردف بعدها بـ إمتعاض
-والنبي لما تيجي تسكني حد إبقي إستنضفي...
وعلى الناحية الأُخرى أرهفت أُذنيها السمع إلى عبارته التي جعلتها تستشيط غضبًا ألا يكفي تطاوله عليها أمس وهي وقفت عاجزة عن الرد!!..إنتفخت أوداجها غيظًا ثم إندفعت قائلة بـ غلظة
-تصدق أنك واحد مُهزء!
-إرتفع حاجبيه بـ صدمة ليردف بعدها بـ حدة:أنا مُهزء!..أومال أنتِ إيه!..واحدة معندهاش زوق
-صرخت بـ غيظ:أنت اللي عندك مُشكلة...
كانت سُمية تقف بينهم فاغرة الفاه..معركة الألفاظ لا تنتهي ولا يبدو أنها ستنتهي قريبًا لتتدخل قائلة بـ لُطف
-صلوا ع النبي يا جماعة
-أردف الأثنان بـ نفس الوقت:عليه الصلاة والسلام...
جذبت سديم من يدها تُجلسها لتقول
-تعالي يا ست سديم إقعدي وإغزي الشيطان..سي قُصي أكيد ميقصدش
-هدرت بـ حدة:ولا يقصد..دا مش وش أصطبح بيه...
كاد أن يرد ولكن سُمية نظرت إليه بـ رجاء تضرب صدرها بـ يدها بـ خفة و تُتمتم دون صوت
-حقك عليا...
زفر قُصي بـ غضب ولكنه أومأ على مضض ولكن بـ داخله لا يستطيع السيطرة على البراكين التي تشتعل منها..لسانها يُجبره على تقمص شخصية هو لا يُفضلها
رفع الكوب ليحتسي الشاي ولكنه بصقه فـ قد برد..وضع الكوب بـ عُنف وتمتم بـ غيظ
-هو يوم باين من أوله
-في حاجة يا سي قُصي!
-زفر بـ نفاذ صبر وقال:لا أبدًا يا سُمية الشاي برد وأنتِ عارفة مبحبوش بارد
-إبتسمت بـ ود وقالت:ولا يهمك يا باشا..إتفضل...
أمسكت بـ أول كوب قابلها لتصرخ سديم
-دي كوبايتي...
أخذها عِندًا بها وهي تعلم..ظلت تنظر إليه بـ غضب ولكن عينيه بقت مُركزة على شفتيه التي جذبته بـ حركتها الهامسة والتي لم تكن سوى وصلة سباب توجهه إليه
رفع حاجبه بـ تحدي ثم قرب الكوب من فمه وإرتشف..لا يُنكر أن مذاقه والنكهه أعجباه..ولكن لا بأس بـ إغضابها ليقول بـ تهكم
-حتى الشاي ملوش طعم زي اللي عمله
-وكان ردها أسرع من المتوقع:متطفحهوش...
عضت سُمية على شِفاها السُفلى حرجًا منه..ولكن على عكس طبيعته..تجاهل الأمر ولم يرد ليردف وهو يعود أدراجه إلى الداخل
-شكرًا يا سُمية على كوباية الشاي اللي ملهاش طعم دي..بس كفاية إنها جات من إيدك
-بـ ألف هنا يا سي قُصي...
ألقى نظرة مُحتقرة على سديم تجاهلتها هى الأُخرى ثم إختفى..لتضرب ذراع المقعد هاتفة بـ تبرم
-جلنف
-جلست سُمية ثم قالت بـ عتاب:إخص عليكِ يا ست سديم..دا قُصي باشا يتحط ع الجرح
-وقبل أن تُكمل كانت سديم هي من أكملت:يورم
-ضحكت سُمية وقالت:والله دا زي العسل..بس هو إيه اللي حصل بينكم...
قصت عليها سديم ما حدث أمس وعجرفته عليها ثم أكملت بـ حنق
-عارفة لو طلب مني بالزوق والله كنت هبطل..بس هو لسانه متبري منه
-ضحكت سُمية ثم أردفت وهي تضربها على فخذها:والله أبدًا..هو بس مبيحبش الدوشة وبيروح شغله بدري زي ما شوفتي فـ بيرجع تعبان متأخر وبيحب يريح عشان كدا مبيبقاش طايق حد
-على نفسه يا حبيبتي..إنما الأسلوب دا ميمشيش معايا...
أخرجت سُمية تنهيدة حارة ثم أردفت وهى تربت على ساق سديم
-حقك عليا أنا..المهم إفطري يلا أكيد جعانة
-أه والله وكويس إنك جيتي عشان المستشفى
-هبقى أبعت الصبي بتاع المحل يوصلك...
أومأت سديم وشرعت بـ تناول الإفطار مُفضلة الصمت فـ يكفي صاحب المنشفة القصيرة وما أفسده من بداية يومها
************************************
كانت قد وصلت إلى المشفى..شكرت الصبي وأعطته بضع ورقات نقدية ثم دلفت
كانت هادئة العاملين يتحركون بـ آلية وهدوء..ذهبت إلى موظفة الإستقبال وهتفت بـ جدية
-أنا الدكتورة سديم المصري..إتنقلت لقسم الجراحة
-ردت موظفة الإستقبال بـ هدوء:أيوة يا دكتورة..أقدر أساعدك بـ حاجة
-ياريت مُمرضة توصلني قسم الجراحة وتعرفني الأمور ماشية إزاي...
أومأت الموظفة ونظرت خلف سديم لتُنادي على أحدهم
-لُبنى..يا لُبنى تعالي...
أتت المدعوة لُبنى..كانت متوسطة الطول والجمال أيضًا ولكن ملامحها بشوشة ومرحة..لتردف موظفة الإستقبال
-معلش هتعبك..دي الدكتورة اللي إتنقلت جديد..فرجيها على المكان وعرفيها الأمور ماشية إزاي
-تنهدت لُبنى وقالت:مع إني مش فاضية بس مفيش مشكلة...
نظرت إلى سديم تتفحصها بـ حاجب مرفوع بـ دهشة ثم قالت
-إتفضلي معايا يا دكتورة...
أومأت سديم بـ تحفظ وسارت خلف المُمرضة..أخذتها بـ جولة بـ المشفى تُخبرها عن الأقسام وساعات العمل حتى وصلتا إلى قسم الجراحة أمام مكتبها مُباشرةً لتقول لُبنى بـ جدية وهي تُشير إلى الباب
-دا أكتر قسم شغال عندنا..طوارئ أربعة وعشرين ساعة عشان الظروف
-عقدت سديم حاجبيها وتساءلت بـ جهل:ظروف إيه!
-إرتفع حاجبي لُبنى وقالت بـ دهشة:أنتِ متعرفيش؟...
حركت سديم رأسها نافية لتفتح المُمرضة باب مكتبها وهي تقول
-لااا دي عاوزلها قاعدة كبيرة...
تفاجأت سديم من تلك الفتاة التي تجذبها خلف لتجلس فوق مقعدها الوثير والمُمرضة أمامها التي أردفت بـ خفوت
-الناس هنا مبتقدرش تتكلم كتير
-حركت سديم رأسها بـ حيرة قائلة:أنا مش فاهمة حاجة
-أشارت لُبنى بـ يدها وقالت:أنا هفهمك..بُصي يا دكتورة..القسم دا الوحيد اللي الحالات بتكون فيه كتير..يعني إشي ضرب نار وإتنين بيتخانقوا بـ سيوف يعني أفلام هندي كتير
-طب ما دا عادي
-حركت لُبنى رأسها نافية تُكمل:لأ مش عادي..هنا مفيش قانون يا دكتورة..كله بيعمل اللي عاوزه بس بـ قانونه هو مش قانون الحكومة...
حكت سديم رأسها بـ تعب..تعلم أن تلك المدينة تعج بـ الخارقين عن القانون وكأنها ملجأهم ولكن "قانونه هو" من يتحكم بـ تلك المدينة..تنهدت بـ يأس قائلة
-مين دا اللي من ساعة أما جيت وكلكوا بتتكلموا عنه!
-أكملت المُمرضة حديثها:هو دا محدش بيقدر يتكلم عنه..صحيح مش ماسك البلد هنا بس ليه كلمته حتى على الحكومة اللي ملهاش سُلطة..كله بقى دراع..شيطان ودخل البلد..ومن ساعتها والكل ماشي بـ أمره...
الحيرة تتمكن منها والخوف يتآكلها أيضًا..مُجرد الحديث عنه يُسبب القُشعريرة لها..وضعت يدها على وجنتيها ولُبنى تُكمل
-هنا البلد عادي..يعني ناس عايشة ومدارس وحياة..لكن قبل المغرب والحياة بتتقطع من الشوارع للأمن زي ما بيقول..هنا تلاقي كل جريمة قتل ونهب وسرقة بتحصل على عينك يا تاجر ولا حد بيدخل..بس لما بيظهر..النفس متقدرش تخرجه
-أنا عاوزة أعرف هو مين
-ردت لُبنى بـ تحذير:أحسنلك متعرفيش...
زفرت سديم بـ ضيق..ألغاز كل ما يُقابلها هنا ألغاز لا تنتهي..وجميع الألغاز تدور حول شخصٍ واحد
وضعت يدها على عينيها ثم أردفت
-بـ إختصار مفيش رابط للجرايم اللي بتحصل!
-ولا هيكون..يمكن إحنا الستات نقدر نمشي لحد الفجر براحتنا لأنه ممنوع حد يقرب لواحدة...
مالت لُبنى ثم أردفت بـ خُبث
-يعني لو صاحبك خانك..تروحي تقوليله الواد دا إتعرضلي وهو بيقتله قدام الناس فـ الساحة وبيخليه عبرة لأي حد يفكر يقرب من واحدة
-إلتوى شدقها بـ تهكم قائلة:لأ شهم..وجاي على نفسه ليه!
-رفعت لُبنى منكبيها وقالت:هو دا العُرف بتاعه..الستات خط أحمر...
نهضت المُمرضة ثم قالت وهي تضع يديها بـ جيب حلتها الزرقاء
-يلا أسيبك يا دكتورة تشوفي شُغلك..وإبقي مُري على العيانين وشوفيهم...
خرجت المُمرضة تاركة سديم تُفكر فيما سمعت..لا تزال الحقيقة ناقصة هُناك قطع مفقودة ولن تكتمل إلا بُرؤيتها لذلك الشخص "الشيطان" كما يزعم البعض..ولكن المنطق يأمر "إهربِ وتحاشي..إبتعدي وإحتمي" حتى تعودي إلى منزلك آمنة
************************************
وصل قُصي إلى المشفى لينزع نظارته الشمسية ثم صعد الدرجات القليلة ليصل إلى المبنى
توجه إلى موظفة الإستقبال وإتكأ بـ مرفقه على المكتب وتساءل بـ فتور
-مكتب الدكتورة الجديدة فين!
-تنحنت العاملة وقالت بـ رقة:فـ قسم الجراحة الدور التاني أول مكتب على إيدك الشمال
-شكرًا...
نقر على المكتب نقرتين ورحل..أما العاملة بقت تُحدق بـ رحيله وعيناها تلتهم جميع تفاصليه..عضت شِفاها السُفلى ثم قالت بـ حرارة
-يخربيتك مُز...
تنهدت بـ حرارة واضعة يدها أسفل وجنتها تتحسر على خطيبها الذي يعمل معه مُجرد "أمين شُرطة" ويتباهى ويقص عليها ما يكون من "الباشا قُصي"
وصل قُصي إلى الغُرفة المنشودة..طرق الباب بـ خفة وإنتظر..ولكنه لم يسمع صوتًا بـ الداخل..عاد يطرق ثم إنتظر دقيقة ودلف
جال بـ بصره الغُرفة ولكنه لم يجد أحدًا..زفر بـ ضيق ليهتف وهو يضع يده بـ خصره
-وبعدين فـ شغل الستات دا بقى..مفيش ست بتفضل فـ مكانها أبدًا...
مسح على وجهه ثم جلس فوق الأريكة التي أمام المكتب مُقررًا إنتظارها
بعد أن إنتهت جولتها من المرور بـ مرضاها لتدلف إلى الغُرفة وخلفها لُبنى فـ أردفت بـ جدية وهي تنظر إلى بعض الأوراق بـ يدها
-النوع دا ****** ناقص ومهم جدًا لازم نبعت يوصلنا ضروري
-تمام يا دكتورة...
كان قُصي واضعًا يده على عينيه ولكنه أبعدها بسرعة وهو يتهكن هوية ذلك الصوت الرقيق ، الجدي..ولم تكن سوى جارته اللزجة
إلتفتت لُبنى لتشهق قائلة بـ هيام وهي تُحدق بـ عينيه السوداوين
-الظابط الحليوة!!!...
إلتفتت سديم على صوت المُمرضة لتجدها تنظر إلى أحدهم والجالس يُحدق بها بـ دوره..إتسعت عيناها وقالت بـ إمتعاض
-أنت!!...
نهض قُصي وتقدم منها مُتجاهلًا تلك التي تنظر إليه بـ هيام ثم أردف وهو يُشير إليها بـ سبابته
-أنتِ بتعملي إيه هنا!
-ردت بـ تهكم وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها:ببيع كبدة...
ضيق عيناه بـ حدة لتُكمل بـ نفس النبرة التهكمية
-هكون بعمل إيه!..لابسة بالطو أبيض وفـ المستشفى يعني هكون إيه!
-ظهر عليه الإحباط وقال:أنتِ الدكتورة الجديدة!..والمفروض أخد بالي منك!...
أشار إليها بـ يده من رأسها حتى قدميها ثم قال
-محتجاني فـ إيه بقى!..دا أنتِ ما شاء الله تكفري البني آدم...
إشتعلت عيني سديم بـ غيظ لتنظر إلى لَبنى التي لا تزال تُحدق بـ قُصي بـ هيام لتلكزها بـ حدة قائلة
-روحي أنتِ وأعملي اللي قولتلك عليه
-ردت عليها وهي لا تزال تنظر إلى قُصي:تأمريني بـ حاجة تانية يا قمر أنتِ!
-إرتفع حاجبي سديم وقالت:بتقولي إيه!
-بقولك مش عاوزة حاجة؟!
-إنتفخت أوداجها غضبًا هادرة:عوزاكِ تطلعي بره...
ولم تنتظر سديم أكثر لتدفعها إلى الخارج..أغلقت الباب ثم عادت إليه وهدرت بـ غضب
-إحترم نفسك وإتكلم حلو قدام الموظفين
-وضع يده بـ جيب بنطاله وأردف بـ فتور:والله أنتِ اللي بتجبريني أعمل كدا
-نفخت بـ غيظ وقالت:أنا عملت إيه دلوقتي!..أنت اللي إتطاولت عليا...
نفخ قُصي بـ تعب ثم أردف
-هو إحنا هنفضل تتخانق كدا على طول!..مينفعش نتكلم زي أي إتنين ناضجين؟
-رفعت حاجبها بـ غروى هاتفة:قول لنفسك...
كور قبضته يكبح غضبه ليبتسم بـ إصفرار قائلًا
-طيب ممكن نتكلم بـ هدوء...
نظرت إليه بـ إشمئزاز ثم قالت بـ حدة
-إترزع
-هدر بـ حدة:وبعدين بقى!
-تأففت قائلة:إتفضل..كدا حلو!...
أغمض عيناه ثم جلس لتجلس خلف مكتبها وأدرفت بـ ملل
-سر الزيارة!
-تجاهل سؤالها وتشدق:أنا قُصي العمري..ظابط هنا..عرفت إن فيه دكتور هيتنقل هنا بس فجأة قالوا إنها دكتورة وحصلت لغبطة فـ الأسماء وأنتِ إتنقلتي بدل زميلك..فـ عشان أنتِ لسه جديدة فـ البلد هنا ممكن حد يفكرك شخصية مش كويسة
-ودا ليه يعني!..ولو كان زميلي إتنقل هنا مش هيفكروه شخص مش كويس!
-رفع منكبيه وقال:سيان الأمر..بس الموضوع ومافيه إن فيه شوية أمور متلغبطة هي اللي ممكن تعملك مشاكل
-تساءلت بـ إهتمام:اللي هي؟
-أجابها بـ إستفزاز:مش شُغلك..المهم مفيش تحرك الكام يوم دول غير معايا..أنا خلصت سلام...
نهض ليرحل لتنتفض هى الأُخرى هاتفة بـ غضب وتمرد
-ودا إيه إن شاء الله!..هو أنت الـ babysitter بتاعي ولا إيه!
-أشار بـ تحذير:هعتبر إني مسمعتش حاجة..دا شغلي وهقوم بيه غصب عن عين أي حد..مش خوف عليكِ بس مش حابب أشيل ذنب حد وخصوصًا أنتِ...
وضع نظارته ثم رحل دون أن يسمح لها بـ الحديث..أما هي صرخت بـ صوتٍ مكتوم ضاربة الأرض بـ حذائها غاضبة عليه وعليها..لا تستطيع الرد عليه كما ينبغي..وهولا يسمح لها حديثه يعقد لسانها فلا تستطيع الحديث
************************************
أمسك الطبيب من تلابيبه يضرب ظهره بـ الحائط ومن ثم هدر وعيناه كـ الجحيم بـ غضبها
-ولما أنت مش عارف تعمل حاجة جايبينك ليه!..إتصرف...
إبتلع الطبيب ريقه بـ خوف وعظامه ترتعد من غضب ذلك الذي أمامه..ماذا يُخبره أن زوجته ستموت لا محالة!..هو بـ الفعل أخبره ولكن الآخر يأبى التصديق بل ويضربه الآن لأنه أخبره الحقيقة
يُريد أن ينجو بـ بدنه فما كان منه إلا أن تشدق بـ سرعة و تلعثم
-فـ..في دكتورة إنتقلت جديد..بيـ..بيقولوا إنها آآ..شاطرة..هتقدر تساعد المدام...
ظل قابض على عُنقه دون أن يتركه همس بـ فحيح أفعى
-أحسنلك متكونش بتتكدب
-حرك رأسه نافيًا بـ هستيرية:لالالا..صـ صدقني
-إبتسم حتى برزت أنيابه:مصدقك...
تركه ثم ربت على كتفه وزعق ليأتي حارسين ليأمرهم بـ صوته القوي
-روحوا هاتوا الدكتورة...
نظر إليه وتساءل
-اسمها!!
-حرك رأسه بـ جهل وقال:مـ..مـ..معرفش
-وماله...
نبرته القاسية جعلت ساقي الطبيب هُلاميتين..حديثه القادم لن يعجبه بتاتًا وقد كان عندما أردف
-هتفضل مشرفنا هنا لحد أما تيجي الدكتورة ويا تطلع هي يا متطلعش...
أومأ الطبيب بـ قلة حيلة..ليُشير إلى الحارسين بـ الرحيل
ربت على كتف الطبيب وتشدق بـ مكر
-متخافش..إحنا هندردش عما بسلامتها توصل...
كانت قد إنتهت من عملها لتنزع مئزرها وهي تهبط الدرجات القليلة ثم تحركت حتى خرجت من مُحيط المشفى
إعترض طريقها شخصين..لترتد إلى الخلف عدة خطوات وهى تنظر إلى بنيتهما الضخمة..كادت أن تصرخ ولكن أحدهم كمم فاها وأردف بـ غلظة
-أنتِ الدكتورة الجديدة!!...
الهلع كبح صوتها عن الخروج..فـ نظرت بـ أعين مُتسعة غيرُ قادرة على غلقهما ليعود ويسألها الحارس بـ نبرةٍ أكثر غلظة
-أنتِ الدكتورة الجديدة!!...
حاولت التملص من بين يديه القويتين اللتين تحكما الطوق حولها ولكن دون جدوى فـ الفرق واضح..كانت تنظر حولها حتى تستنجد بـ أحدهم ولكن الكل ينظر ويتجنب إما أن يهرب..وحينها علمت أنها وقعت بـ قبضته..وقعت بـ قبضة من خشت مُقابلته
ولم يحتج الحارس أن يتأكد فـ صوت إحدى المُمرضات التي تصرخ بـ أن الطبيبة الجديدة يتم خطفها..ليرفع سديم من خصرها ويتجه بها إلى السيارة
كانت تُحرك ساقيها بـ عشوائية علها تستطيع الفكاك من براثن ذلك الوحش ولكن لا مفر فـ قد أدخلها السيارة وإنطلقت بـ لمح البصر
-كفاية حركة..أحسنلك خليكِ هادية عشان توصلي سليمة...
هدرت سديم بـ غضب رغم الخوف الذي يجتاح أوصالها
-اللي بيحصل دا مش هسكت عليه..و هوديكوا فـ ستين داهية...
إلتوى شدق الحارس بـ تهكم ولم يرد عليها..لتضرب سديم الأريكة الخلفية الجالسة عليها ثم أعادت خُصلاتها إلى الخلف
بعد مُدة ليست بـ طويلة وصلت السيارة إلى منزل صغير
فُتحت البوابة الخارجية لتعبرها السيارة مارة بـ حديقة صغيرة ثم توقفت أمام البوابة الداخلية..هبط الحارس ثم جذبها لتهبط بـ ترنح إثر قبضته القوية التي جذبتها
كان المنزل مكون من طابقين..لم يكن يظهر عليه الترف أو الثراء..طرق الحارس الباب لتفتح خادمة ليدلف وهو يجرها خلفه
ما أن دلفت وعبرت أول خطوة إلى الداخل..شعرت بـ إنقباضة داخل صدرها..حُبس الهواء عن رئتيها..وعقلها يصرخ أن تقاوم وتهرب..هُنا لن يكون سوى جحيمها الأبدي
شعرت بـ الدماء تنسحب من جسدها و وجها يشحب..برودة تُغلف أطرافها المُرتعشة من ذلك الصوت الذي صدح من شخص يقف بـ مُنتصف الرُدهة يوليها ظهره..فـ نبرته كانت وكأنها نواقيس الموت من شدتها و قوتها
-أنتِ بقى الدكتورة الجديدة!!!...
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا