القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية لتطيب نفسي (روحى تعانى الجزء 4) الفصل الثالث والرابع بقلم إيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)

 رواية لتطيب نفسي (روحى تعانى الجزء 4) الفصل الثالث والرابع بقلم إيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)



رواية لتطيب نفسي (روحى تعانى الجزء 4) الفصل الثالث والرابع بقلم إيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)


(٣)

#لتطيب_نفسي

-أنا عرفت مين اللي فبرك صور نجمه وكريم ولا الحوجه ليكِ.


قرأتُ رسالته مرةً بعد أخرى وأنا أُحملق بشاشة هاتفي، وانتظرتُ رسالةً أخرى توضح وتفسر مقصده، أخذت أسأل الهاتف وكأنه سيرسل صوتي لحاتم:

-عرفت إزاي؟ ابعت بقا تفاصيل... يلا مستنياك... ابعت بقا. 


وانتظرت، دقيقةٌ مرت تبعتها أخرى فأخرى حتى مرت ساعةٌ كاملة ولم يُراسلني بأي كلمة أخرى، وشريحة هاتفي بلا رصيد، لذا ألقت هاتفي جانبًا وأنا أتأفف متضجرة، وأغلقت عيني وأنا أُقلب رسالته تلك في رأسي.


وحين طرق النُعاس بابي، فتحت جفناي على وسعهما وأنا أحذر نفسي ألا أنام قبل أن أُصلي الفجر فقد اقترب موعوده...


لا أعلم متى دخلتُ لعالم النوم، واستيقظت على جلجلة ضحكات الأطفال حولي، مع قول أكبرهم بنبرة ساخرة:

-الأميرة النائمة استيقظت.


وقول الثاني من خلف ضحكاته:

-الأميره كانت عامله بيبي على نفسها بالليل.


وقال الثالث «بودي» ببراءة ونبرة طفولية:

-دي غرقتني... عـ... عملت بيبي عليا.


قلت:

-أنا اللي غرفتك ولا إنت اللي غرقتني؟! صحيح ضـ ـربني وبكى وسبقني واشتكى.


نفخت بضيق ونهضت بينما كانوا ينظرون نحوي ويتحاورون ويسخرون، لكني لم أكترث، فهم مجرد أطفال!


تفقدتُ الوقت فإذا بها التاسعة صباحًا! ولم أصلى الفجر؟ بل لم أسمعه! 


أخذت أُردد بصوت مسموع حديث رسول الله ﷺ: «رُفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ» 


قلت أخر كلمة وأنا أطالع هؤلاء الأطفال وكلماتهم الساخرة تخترق أذني، ثم رددت:

-أنا إيه اللي جابني معاكم!


نظر لي الثلاث أطفال وأنا أُكلم نفسي وقال أكبرهم:

-إنتِ كويسه يا إيمان؟!


تذكرت رسالة حاتم بالأمس وقلت:

-لا أعتقد، فروحي مُنهكة والأفكار أطاحت بها.

-ودي حاجه حلوه ولا وحشه؟

قالها مستغربًا، فقلت:

-مش مهم... إذا كان الكُبار مش فاهمني إنت يا صغير هتفهمني؟!

-أنا مش صغير أنا عندي ١٢ سنه.


فخالتي تأخرت في الإنجاب فرغم أنها متزوجة منذ أكثر من عشرين عام لكن أكبر أبنائها في الثاني عشر.


-وأنا عندي سبعه سنين يعني كبير برده.

قالها الطفل الثاني، فلوحت بقبضة يدي وقلت:

-بقولكم ايه أنا عايزه أفطر.


كم تمنيت لو يكون اليوم أفضل من سابقيه، تناولنا الإفطار أمام حمام السباحة ووقفت أُراقب ابن خالتي الأكبر والإبتسامة تظهر بعيني، كان يسبح بخفة ومرونة، تمنيت أن أفعل مثله ولكن الناس من حولي وحيائي يمنعني.


وددتُ أن أتكلم مع حاتم، أين هو؟ لمَ لم يطاردني اليوم؟ أخذت جوله بنظراتي في المكان بحثًا عنه وأنا أرجو ظهوره.


وحين وقعت عيني على ابن خالتي أشار لي بأن أنزل للمياه فهززت رأسي نافية لكنني كنتُ سعيدة وأنا أراقبه وأراقب اللأطفال من حولي، ووقتها حمدت الله أنني جئت معهم! 


وباقي اليوم قضينا قسطًا منه على شاطئ البحر وقسطًا في النوم، وبالليل دخلنا للملاهي، كنتُ أتلفت حولي وأنتظر ظهور حاتم بلهفة لكني لم أره بأي مكان.


-متدوريش عليه، حاتم مشي مع أهله من العصر.

قالها العم أشرف الذي يجلس قبالتي على الطاولة، ويراقب نظراتي، أطل من عيني لهفة وأكدها لساني حين قلت باندفاع:

-مشي راح فين؟


-سابلك الغردقه كلها ورجع بلده.

أطرقتُ بحزن، ليس على رحيله بل لأني لن أعثر على إجابة للأسئلة التي تمور برأسي، وظلت نفسي تراودني هل أهاتفه أم أرسل له رساله؟ وهناك حل أخر أن أتجاهل الأمر.


خرجت من شرودي حين ضحك العم أشرف وأضاف ساخرًا:

-أصل الإنسان ده ربنا كرمه بالعقل لكنه مش بيستخدم ١٪ منه، طول ما الحاجه بتجري وراه بيجري قدامها عشان يهرب منها ولما تجري بعيد عنه بيجري هو وراها!  


فهمتُ ما يرمي إليه لكنه أخطأ الفهم، أنا لم ولن أركض خلف هذا الحاتم لكني أود معرفة السر وراء رسالة البارحة، فالأفكار تعصر رأسي عصرًا حتى أصابتني بالصداع.


ران علينا صمت طفيف حتى قال العم أشرف بحمـ ـاس:

-بس لو رجعتِ في كلامك أنا ممكن أكلمه ولما نرجع من الغردقه أجيبه وأجيلكم.


استندتُ بظهري للخلف وقلت بحسم:

-لأ طبعًا كلامي مش هرجع فيه، هو أنا ناقصه! ما إنتوا لو عارفين اللي أنا عارفاه كنتوا هترفضوا حاتم ده.


نظرتُ للسماء واستكملت برتمٍ سريع ونبرةٍ حزينة:

-لو تعلمون كم حاولتُ أن أحكي لكم عما يجول بخاطري لكن في اللحظة الأخيرة أعود أدراجي وابتلع كلماتي فتتردد في حلقي وأتألم... فهناك وعد ما قطعته لنجمه.


رمقني العم أشرف ثم نظر محل تحديقي بالسماء، يُطالع النجمة التي أنظر إليها، وقال معاتبًا: 

-إنتِ بتسمعي كرتون كتير يا إيمان ودا مش كويس لصحتك العقلية والنفسية... وضحي كلامك بقا عشان أنا ثقافتي لغة مصرية.


-لغه مصريه!! طيب الحمد لله إن حضرتك مفهمتش.

قلت جملتي تزامنًا مع جلوس خالتي جوارنا ومعها بودي الذي انتهى من لعبته للتو...


رمقتني خالتي ثم نظرت بعيني زوجها وتحدثت نظراتهما وكأن بينهما لغة صامتة لم أفهمها، فأشحتُ وجهي للإتجاه الأخر، انتبهت على قول خالتي بنفاذ صبر:

-بت يا ايمان! لازم توافقي على حاتم أنا وعدت أمك إنك هتقعدي معاه بعد ما ترجعي من السفر.

-دا في المشمش.


«وفي المشمش» أعزائي هي جملة نستخدمها _نحن المصرين _ تعبيرًا عن المستحيل، غمغمت خالتي بكلمات لم أفهم كُنهها، بينما قال بودي:

-ماما أنا عايز مشمش.

-مشمش ايه يا بودي دا مش موسمه...

-مليش دعوه... عايز مشمش.

-أحيبلك مشمش منين؟!

-عايز مشمش.


احتدم الحوار وبكى الصغير بكاءًا شديدًا، وأخذ يدبدب بقدميه في الأرض ويصرخ مُصرًا على تناول المشمش بينما رشقتني خالتي بنظرة حادة فأطرقتُ...

وانتهى بنا المطاف وزوج خالتي يحمل «بودي» على كتفه والصغير يبكي ويتلوى كمن لُدغ لتوه، صارخًا وصائحًا:

-عايز مشمش.


تبعتهم في صمت، وأنا أرى كل مجموعة نمر عليهم يحملقون بنا لفترة، فيقول طفلهم:

-ماما عايز مشمش.


وخرجنا من الحديقة وأصوات الأطفال تتداخل:

-عايز مشمش.

فضحكت بقـ ـوة، ليتني قلت مستحيل وانتهى الأمر!


عُدنا للبيت وظل الطفل يصرخ، فخرج العم أشرف يبحث عن المشمش بالغردقة.


عاد يحمل كيسًا بيده وغسلت خالتي ثمار المشمش وناولتني واحدة وهي تقول:

-أعتقد كدا ملكيش عذر أدي المشمش!


حين تذكرنا الموقف بأكمله، ضحكنا وقال العم أشرف:

-فاكهة المشمش الليلة عليها اقبال رهيب، وأنا في السوبر ماركت لقيت ٣ عائلات بيشتروا لعيالهم مشمش...


قالها وضحك فضحكنا جميعًا...


مر يومان دون وجود حاتم شعرتُ أنني افتقده، لا أدري لمَ أظلمت الغردقة على حين غرة فور رحيله.


وأخيرًا انتهت رحلة الغردقة وعدت بيتي وغرفتيي وشرفتي والهواء النقي المنبعث منها.


أخذت أحكي لأمي تفاصيل رحلتي، فقالت:

-طيب ريحي قلبي يابنتي واقعدي مع حاتم... اتكلمي معاه مش يمكن ترتاحي!


لم أُعلق، فأضافت:

-طيب صلي استخاره مره كمان عشان خاطري.

-عارفه أنا صليت كم مره؟ ٧٩ مره يا ماما!

-كمليهم ٨٠ عشان خاطري واقعدي معاه! يا حبيبتي أنا عايزه مصلحتك.


حاوطتُ رأسي بكلتا يداي وقلت:

-طيب سيبيني أنام وبكره ان شاء الله هصلي الاستخاره ٨٠.


توالي مرور الأيام بلا جديد ووالدتي تحاول إقناعي بحاتم وأنا أطلب وقت لأفكر، ومازالت أسئلتي معلقة بالهواء حول رسالة حاتم بل لم أقابله مرة أخرى بعدها.

استغفروا❤️

بقلم آيه شاكر


*******

ذات يوم 

دخلت لدرس القرآن بدار التحفيظ ببلدتي، وكانت المعلمة ترمقني بابتسامة واسعة وتتأملني، وتراقب كل أفعالي! لم أفهم معنى نظراتها إلا حين أخذتني جانباً وقالت:

-هو إنتِ عايزه تتجوزي أخ ولا شخص عادي؟

-مش فاهمه يعني إيه أخ؟

-يعني شخص شيخ وملتحي وحافظ القرآن وكده.

-لأ أنا مش عايزاه أتجوز واحد تبع جماعات والكلام دا.

-لأ متقلقيش هو مش تبع أي حاجه هو مدرس ومحترم وإبن ناس وإنتِ جيتِ في وقتك لأنه بيدور على عروسه تكون بنت حلال ومنتقبه.

-بس أنا مش ناويه اتجوز دلوقتي.

-طيب بس اقعدي معاه وبعدين قرري.


لم تعطني مجال لأعترض أو لأوافق وعرضت الأمر على والدتي، وبدأنا جولة جديده مع عريس أخر! بل بمقارنة بين اثنين، حاتم والشيخ المُدرس، قالت والدتي:

-قرري بقا يا حاتم يا الشيخ اللي متقدملك.


وبعد يومين صليتُ استخارة وقررت  أخيرًا أن أقابل حاتم، فلا يغرنكم نقابي لأنني أمقتُ المشايخ والمدرسين والمهندسين كما أمُقت الأطباء تمامًا، لذا غزمت أن أتحدث مع حاتم وأصرفه بطريقتي الخاصة...


جلست قبالة أمي التي تشاهد التلفاز، أبلل شفتاي تارة وأقرض أظافري تارة أخرى  في اضطراب، في حين لاحظت أن أمي ترشقني بنظراتٍ حادة...

-مبروك ياختي موضوع حاتم اتقفل للأبد أتمنى ترتاحي.


قالتها دون مقدمات وبنبرة منفعلة، وعينيها مسلطة على التلفاز، فشعرتُ وكأن هناك سكين كان بقلبي وانتُزع منه على حين غفلة فآلمني!


سألتها بتلعثم:

-واتقفل ازاي بقا؟!

-باباكي قابل حاتم النهارده صدفه مع واحد صاحبه وعرف إنه خد منه ميعاد عشان هيقابل بنت صاحب باباكي ودكتوره زيه مش زيك فاشله وبمناخير! دا ربنا بيحبه ورحمه منك.


تجهمت، وأضافت والدتي بصرامة:

-مبقاش قدامك إلا الشيخ اللي متقدملك وهتقابليه لما يحدد هو... يا أم مناخير.

قالتها أمي متهكمة، فنهضت ودخلت غرفتي وبعدما أوصدتُ بابها انفجـ ـرت بالبكاء، كنتُ أُقنع حالي أنني أبكي حزنًا على كلمتي والدتي «فاشلة وبمناخير» لكني كنتُ حزينه لأن أمر حاتم انتهى بغتة! فمازالتُ أُفكر، ربما كنتُ سأوافق! 


وبعد أيامٍ قليلة بدأتُ سنتي التدريبية بمستشفى حكومي «سنة الإمتياز» لأتخرج من الكلية وأكون أخصائية تمريض...


كنت أقابل شروق صدفة بالمستشفى فتُدير جهها لإتجاه أخر وأفعل مثلها ولم نتحدث مطلقًا، فأقتنع أنني فعلت الصواب حين ابتعدت عن حاتم.


تذكرت بداية مشاكلي مع شروق حين ظنت أنني على علاقة بحبيبها «أكرم» شقيق أسماء، ولكن لم يكن هناك أي علاقة تربطنا سوى أنه وأسماء ابنيّ خالة أمي ولا شيء أخر.


وتطايرت الأيام حتى نسيت أمر العريس لكن ذات يوم ظهر مجددًا أخذ ميعاد للرؤية الشرعية، ولم أستطع الإعتراض فخضعت للأمر.

صلوا على خير الأنام ❤️ 

بقلم آيه شاكر 


*********

في صباح يوم الرؤية الشرعية


دخلت المستشفى أمشي بخطواتٍ أقرب للركض لألحق بميعاد البصمة، فعّلتُ بصمتي وتنهدت بارتياح، تزامنًا مع وقوف شاب جواري يُفعل بصمته على الجهاز الأخر، وحين التقط بصري ملامحه جحظت عيناي فلم يكن سوى حاتم! الدكتور حاتم!


أدركتُ من نظرته التي طالت لثانية كاملة أنه عرفني، تذكرت جملته:

«أنا أعرفك من بين ألف منتقبه، عندي الحاسه السادسه بيكِ.»


لا أعلم لمَ تحرك شيء في داخلي، آلآن؟!

لم ينبس حاتم ببنت شفه وانصرف، فتجهمت واتجهت لأستلم تدريبي وأنا اختلج.


ومما زاد الأمر سوء أنه كان يعمل بنفس القسم الذي أتدرب فيه، لكنه تجاهل وجودي تمامًا رغم أنني على يقينٍ تام أنه عرفني من الوهلة الأولى لكنه كان يتعامل مع من حولي برتابةٍ وجمود لم أعهده.


رن هاتفي برقم والدتي فانزويت في ركن بعيد وأجبت، قالت والدتي بحنق:

-عرفتي أخر الأخبار؟ حاتم هيخطب بنت صاحب باباكي.


جاهدت ألا أُظهر صدمتي، قلت:

-طيب كويس...

-منك لله ضيعتِ من ايدك عريس لُقطه بغباءك...

وأضافت والدتي بحزم:

-النهارده هتوافقي على العريس اللي هتقابليه غـ ـصب عنك، على الله هو اللي يرضى بمناخيرك دي!


أغلقت أمي الخط دون انتظار سماع ردي، فدخلت للمرحاض وبكيت وأنا أخاطب نفسي أنه لا بأس سأُقابل العريس اليوم وسأوافق عليه، عله هو يرضى بأنفي، كما تقول والدتي.


حل المساء وغادرت المستشفى وأنا منطفأة، بل وقلبي مُحاط بهالة ضخمة من المشاعر السلبية، ومما ضغط زر دموعي رؤيتي لحاتم يستقل سيارة أخيه حازم، وجواره بالمقعد الخلفي شروق وأسماء جوار زوجها بالأمام، وتلك الحربائة تعمدت رفع صوتها لأسمعها وهي تخاطب حاتم:

-أهلًا بالعريس.


سرتُ وحدي ودموعي تفر من عيني رغم أنني حاولت كبحها...


لا أدري كم ابتعدت عن المستشفى وأنا على تلك الحالة، بل لا أعلم لبكائي سببًا محددًا.


وبداخلي ألف سؤال وعتاب، أُلقي اللوم على نجمه، أين أنتِ يا «نجمه» لتشاهدي وتسمعي صوت أسماء السعيد، فقد تزوجت الحرباء ممن أرادت رغم أذيتها لمن حولها، أنا على يقين أنها لم تتب ولم ترجع، فقد ران على قلبها ما فعلت.


راودني سؤال أخر، كيف يتركها الله تسعد ألم تظلم نفسًا أُخرى؟ ألم تتسبب في مـ ـوت والد زوجها جراء ما فعلت! 

كم اشتقتُ لنجمه وكلماتها، فقد سافرت مع زوجها وأجلت سنة الإمتياز، وحتى حديثها معي عبر الإنترنت صار قليل جدًا ومختصر.


جذبني من بؤرة أفكاري صوت مذياع يخرج من إحدى المحلات، بقول الله تعالى:

{ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} 


فشعرت أن تلك الآية تخاطبني، وعاد الدمع يهطل من عيني وانا أومئ رأسي، ولم انتبه عند اصطدامي بفتاة، بادرت هي بالإعتذار:

-آسفه والله... 


أسقطتُ بصري ومسحت عيني، كي لا ترى دموعي لكنها رأتها وسألتني:

-إنتِ كويسه؟!


وقبل أن أتفوه بكلمة سمعت صوت شاب ينادي الفتاة:

-تسنيم...


رفعت بصري وما أن رأيتُ الشاب، عدتُ أدقق النظر بملامح الفتاة، فلم يكن الشاب سوى «ميسرة» الذي شاع عنه بالجامعة أنه على علاقة بصديقتي نجمه! وتلك هي «تسنيم» أخته التي حكت لي نجمه عنها والتي تقدم «أكرم» شقيق أسماء لخطبتها فرفضت قطعيًا.


انتبهت من تحديقي بالفتاة، أثر صوت ميسرة الذي قال بذهول:

-إيمان!!!



(٤)

#لتطيب_نفسي

بقلم آيه شاكر 

تلجم لساني، وابتلعت ريقي في اضطراب وأنا أتسائل، كيف عرفني بنقابي! أم أني أسير واسمي مكتوبٌ فوق رأسي ولم ألحظ! 

لم أفكر كثيرًا وسألته:

-حضرتك عرفتني ازاي؟

-من الشنطه.

قالها وهو يشير نحو حقيبة يدي الفريدة من نوعها، والتي أُفضل ارتدائها دومًا لأنني أتفائل بها فلم أُغيرها منذ أكثر من عام، رغم أنني أمتلك الكثير غيرها...

لكنني على وشك التطير منها وسأغيرها بعد يومي هذا!


-إنتِ كويسة؟

قالتها تسنيم فرفعت بصري عن حقيبتي ونظرت إليها، قلت:

-الحمد لله.


قالت:

-الحمد لله دايمًا... بس إنتِ شكلك معيطه!!


وسأل ميسره:

-في حاجه ولا ايه يا ايمان؟


رمقته ثم أطرقت وتذكرت بداية معرفته بي، حين كنت أتدرب بإحدى المستشفيات الخاصة قبل عام وحينها سألني عن حقيبتي ومن أين اشتريتها ليشتري لأخته مثلها، ولم نتحدث غير تلك المرة، إلا حين يقابلني صدفة فنتبادل التحية، كما أني تعلمت الكثير بفضله، فكان يشرح لي كل عملٍ يقوم به.


وحين طال صمتي، غيّر السؤال:

-مبقتيش تيجي الشغل فجأه يعني؟

-أيوه مكنش عندي وقت و... وأنا دلوقتي في الإمتياز.


كان أثر الدموع واضحًا علي، وحتى صوتي كان مختنقًا ولم أستطع أن أخرجه طبيعيًا، فسألني مرة أخرى:

-إنتِ كويسه يا إيمان؟!


أومأت ونظرت لتسنيم التي كانت تبدل نظرها بيننا، وقلت:

-فرصه سعيده.

-أنا أسعد.

قالتها تسنيم بابتسامة ثم نظرت لأخيها، فرمقتهما بطرف عيني كانا يشبها بعضهما إلى درجة كبيرة، ثم استأذنتهما ومضيت في طريقي، فسمعت تسنيم تقول:

-دي معيطه؟


رد ميسره:

-يلا بينا.


لا أعلم ما الذي دار بينهما بعدها، ولم ألتفت خلفي، كنتُ داخل بؤرة من المشاعر السلبية، تذكرتُ حاتم، ونظراته المدلهمة، وتجاهله لي، وأمي وقولها:

-مبروك ياختي موضوع حاتم اتقفل للأبد أتمنى ترتاحي.


ثم نظرات أسماء نحوي وجملتها:

-أهلًا بالعريس.

ثم أمي وقولها:

-حاتم هيخطب...

وصوت أمي الساخر:

-على الله هو اللي يرضى بمناخيرك دي!


همى الدمع من عيني، لم أعهد نفسي أبكي بنشيج مرتفع، لكن اليوم خرجت مني شهقة باكية وأنا بمنتصف الطريق، وخشيت أن يسمعني أحد فدخلت شارع جانبي لأكمل بكاء بعيدًا عن المارة.

-إيمان؟


التفتت وأنا في حالتي تلك فوجدتها تسنيم، ضمتني دون أن تنبس بكلمة وربتت على ظهري، بينما كان ميسره يقف على بُعد أمتار، قالت:

-إنتِ مش كويسه أنا متأكدة... ابكي يا ايمان أنا معاكي.


وكأنها ضغطت زر أدمعي وأعطتني الإذن فلم أعد أكبح جماح نفسي وأطلقت العنان لشهقاتي وعبراتي علني أخفف من وطأة تلك السحابة السوداء التي غلفت قلبي.


انتهيت، خرجت من أحضانها وتنفست بعمق وقلت لها:

-شكرًا.


فقالت بابتسامة:

-العفو... تسمحيلي أتدخل في شأنك وأسألك مالك؟!


-الدنيا تعباني زي ما تاعبه كل الناس...

قالتها بنبرة مرمقة، فربتت تسنيم على كتفي بشفقة، قلت بضحكة مغلفة بالحزن:

-متقدملي عريس...


قالت:

-لو دا اللي مزعلك طفشيه... أنا ممكن أقولك على خطه.


هززت رأسي نافية وقلت بيأس:

-لأ... لو طلع كويس هوافق.


تبادلنا أرقام الهواتف، وعادت لأخيها الذي لوح لي من بعيد وذهب كل منا بإتجاهه.

استغفروا♥️

بقلم آيه شاكر 

                    

                   ★★★★★★

دخلت البيت وكان وجه أمي متجهم وكلامها معي مقتضب، ولم يكن أبي أقل حالًا منها...


دلفت لغرفتي وبكيت حتى أتاني أخي بخبر وصول العريس المنتظر فكففت أدمعي، وأخذت أجهز نفسي لذلك اللقاء الثقيل على قلبي ثُقل الصخر.


دخلت ولم أنظر نحوه إلا بعدما تركونا بمفردنا، وحين حمحم رفعت رأسي أنظر إليه، كانت نظرة واحدة لم تستغرق الثانيتين ولكن صُدمت...


كان رجل ضعف وزني تقريبًا يرتدي نظارة عريضة، ويضع ساق فوق الأخرى وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة أماطت اللثام عن أسنانه الشاحبه فضلًا عن بطنه الممتد للأمام، قال بغرور:

-طبعًا إنتِ عارفه إني مدرس وعندي سنتر دروس كبير...والحقيقه أنا اتفاجئت إنك ممرضة فصعب شويه أوافق عليكِ لكن خلينا نتكلم يمكن أرتاحلك.


رفعت رأسى ونظرت إليه وأنا أقول ببعض الحدة: 

-يعني ايه ممرضه! حضرتك هتتجوزني ولا هتتجوز وظيفتي؟


اعتدل في جلسته وقال باضطراب:

-مش قصدي أضايقك لكن...


قاطعته باقتضاب:

-وأنا متضايقتش.

-طيب ارفعي نقابك عشان أشوف شكلك يمكن تعجبيني.


لم أُبدي أي رد فعل، شعرت أنني مجرد بضاعة وجاء ليراها، خشيت أن يرى أنفي فيسخر مني لذا لم أرفع نقابي، فأنا لم أتقبله ليس لمظهره لكن لغلظة كلامه وكذلك غروره...


ران علينا صمتٌ ثقيل كثقل وزن هذا الضيف الغير مرغوب، قطع الصمت بقوله:

-واضح من لغة جسدك إنك مش واثقه في نفسك.


لم أُعقب، لكن اعتدلت في جلستي بعد أن كنت عاقدة ذراعي أمام صدري، وألف قدم على الأخرى، فقال بأمر ونبرة تجلى بها الإنفعال:

-ارفعي نقابك.


لم أفعل وازدردت ريقي باضطراب، وأنا أعدل من ثوبي الطويل ليغطي قدمي، فقال:

-يعني مش هتكشفي عن وشك؟!


صمتت وقال:

-إنتِ مبترديش عليا ليه دي قلة ذوق منك.


صمتت، فنهض واقفًا وهدر بي:

-حتة ممرضه! ومعندكيش ثقه بنفسك و... ومعندكيش ذوق.

قالها وهو يطالعني شزرًا، ونادى والدي ليغادر، ورغم أنه أثار غضبي وغيظي إلا أنني لم أفعل أي شيء وظللت رابضةً بمكاني، فما كان ينقصني إلا هذا البغيض ليُنهي يوميّ القاسي! 


خرج يغمغم بكلام لم أكترث لسماعه، وبمجرد رحيله دخلت أمي وقالت:

-إنتِ عملتِ ايه؟!

-معملتش حاجه... هو اللي شتمني، قالي حتة ممرضه ومعنديش ذوق.

-والله تستاهلي... أهو مشي هو كمان بلا رجعه، خليكِ بقا قاعده جنبنا! منك لله يا ايمان عشان تضيعي من ايدك فرصتين زي دول.


دخل والدي للغرفة متجهم الوجه، رشقني بنظرة حادة ثم قال بتهكم:

-طبعًا إنتِ اللي طفشتيه؟ هتفضلي طول عمرك غـ ـبية ومبتفهميش! أنا بعترف... أنا معرفتش أربيكِ.


قال جملته الأخيرة وهو يوقع كلماتها، فشعرت أن كل كلمة تخترق قلبي فتؤلمني، خاطبت نفسي لمَ كل هذا الغضب أنا لم أفعل شيئًا، ظل أبي وأمي يعاتباني وكنت ألوذ بصمتي بينما أتأمل قسمات وجههما وكلماتهما المنفعلة، حتى انصرفا من أمامي، فقال أخي الأصغر:

-عجيب! لسانك أطول منك وساكته يعني!


تجاهلته ونهضت ببطئ فالحزن يُثقل قلبي وجسدي، واتجهت لغرفتي بخطى ثقيلة وقلب مهزوم وأنا أواسي نفسي، أن حسنًا قد مر الأمر، بل أن هناك ما يستحق الاحتفال لقد ذهب العريس البغيض بلا عودة ودون عناء.

صلوا على خير الأنام ❤️ 

بقلم آيه شاكر 

                    ★★★★★★★

«لا يدوم الحزن، ولن تستمر السعادة، فكما يتقلب العام الواحد بين فصولٍ أربع، يتقلب القلب بين مشاعر أربع؛ حزن، وسعادة، ويسر، وعسر، فدوام الحال من المحال.»

                  ــــــــــــــــــ

ضمدت جرح قلبي بكثرة الاستغفار وقراءة سورة البقرة يوميًا، فلعلها عين أصابتني أو ذنب اقترفته وغفلت عن التوبة وفي كلتا الحالتين لا ملجأ لي إلا الله.


مرت الأيام وتناسيت ما حدث إلى حدٍ ما وعاد إليّ مرحي، وأُطلق قيد لساني بعد أن تبدلت معاملة والداي فجأة للأفضل.


فقد أكرمني الله بوالدين حنونين، مهما فعلت من مصائب لا تتبدل معاملتهما معي لأكثر من ثلاثة أيام، رغم أنهما يخطآن في حقي ببعض النقاط إلا أنني أسامحهما فهما أغلى ما أملك.


وفي مساء اليوم ارتديت ملابسي لأخرج للتدريب، فهناك يوم من الأسبوع أقضي الليل بطوله في المستشفى.


وقبل أن أخرج سمعت أمي تشكو لخالتي من النمل الذي يملأ بيتنا، فقررت بين نفسي أن أشتري دواء فعال عند قدومي في الصباح، ثم استأذنتها وخرجت...


وبمجرد دخولي للقسم رأيت حاتم بعد فترة من غيابه عن بصري وليس عن عقلي...


كان يمسك دفتر الحضور والإنصراف ”الروستر” الخاص بنا_شعبة الإمتياز_ رمقته بنظرة خاطفة وتظاهرت أني لم أره، لكنه لاحظني فترك الدفتر وخرج من القسم...


مازال يتجاهلني مما أثار غيظي، كنتُ دومًا أتسائل هل عقد خطبته أم لأ؟ ولم أتجرأ لأسأل أمي، لذا عزمت أن أنظر في يده حين أراه المرة المقبلة...


وبعد فترة دخل حاتم للقسم مرة أخرى ليمر على الحالات، وكنت أركز بصري على يديه وهو يمسك دفتر أحد المرضى...


لا يرتدي بيده اليمنى سوى ساعة فضية، أما اليسرى ففارغة، مما شق الطريق لبسمة ارتسمت على شفتاي لكنها تلاشت حين تخيلت أنه قد يكون نزع خاتمه لأي سبب، نفخت بضيق ونظرت أمامي في حزن.


وباغتني صوته:

-إيمان... لو سمحتِ لحظه من فضلك.


نظرت حولي ثم أشرت لنفسي وسألته:

-آآ... أنا؟!

-أيوه.

قالها وهو يومئ رأسه برسمية، وخرج فتبعته في سرعه وسط نظرات من حولي وهمهماتهم...


كان يقف في نهاية الطرقة قبالة النافذة، ابتسمت واتجهت صوبه، وحين وقفت جواره، ودون أن ينظر نحوي، قال:

-هو إنتِ وأسماء مرات أخويا علاقتكوا ببعض إيه؟!


ابتلعت ريقي وقلت:

-هي بنت خالة أمي.

-اه ما أنا عارف ومش قصدي تقربلك ايه... قصدي بينكوا وبين بعض ايه؟

-مش فاهمه!

قلتها بنبرة مهزوزة، فسألني:

-مين اللي فبرك صور نجمه يا إيمان؟

-مش إنت عرفت؟!

-فعلًا أنا عرفت بس عايز أسمع منك.

-قولتلك مش هينفع أقول وروح اسأل نجمه.

-وأنا قولتلك مش هسأل حد وإنتِ اللي هتيجي تقوليلي بعد ما أتجوزك ان شاء الله.


قلت بسخرية:

-مش إنت عارف مين اللي عمل كده! وبعدين إنت روحت اتقدمت لعروسه تانيه! هي رفضتك ولا ايه؟


-فعلًا قعدت مع عروسه، أسماء رشحتهالي وكانت مُصره إنها أفضل منك لكني مشوفتش كده! أنا اللي رفضتها.


قالها بمكر وصمتنا، استندتُ على النافذة وداعب الهواء نقابي، وبعد صمت خفيف قال بمكر:

-شروق أختي شيفاكي مناسبه ليا، لكن أسماء مش شايفه كده خالص! عشان كده بسألك بينك وبين أسماء إيه!


وكأنه يثير حنقي من أسماء لأخبره عنها، وبالفعل اندفعت وقلت بانفعال:

-أصلًا أسماء دي هي...


وقبل أن أكمل، أنقذني إشارة إحدى زميلاتي وهي تقول:

-تعالي يا ايمان فيه مرور.


فهرولت نحوها دون أن أستأذنه، وحين نظرت نحوه من بعيد وجدته عاقدًا ذراعيه وينظر نحوي مضيقًا جفونه، ف تلك اللحظة خشيت على نفسي وقلبي منه!


لم نتحدث مرة أخرى تلك الليله ولكن ظل حواره بتردد في رأسي حتى الصباح، وكلما تذكرت أسماء قلت:

-حسبي الله ونعم الوكيل...

صلوا على الأنام❤️

بقلم آيه شاكر 

                    ★★★★★

وفي الصباح عدتُ لبيتي ونمت مباشرة...


وفي الظهيرة خرجت من غرفتي فوجدت أمي تقف أمام الحوض وتتحدث مع شيء برجاءٍ خالصٍ، اقتربت وأنا أسير على أطراف أصابعي لأسمعها تقول:

-بالله عليكِ خدي عشيرتك وامشي أيتها النملة الجميله مفيش مكان ليكِ هنا... يعني يرضيك اللي حصل ده، دا حتى الملح  مسيبتهوش في حاله... الرحمه الرحمه أيتها النملة.


كانت أمي تتحدث مع نمله! قلت:

-بتعملي ايه؟


أجفلت والدتي وانتفضت، وأخذت تردد اسم الله كثيرًا، ثم قالت:

-خضتيني افتكرت النمله ردت عليا!


ضحكت وقلت:

-هو النمل فعلًا بيتكلم، لكن مسمعتش عن حد سمع صوته إلا سيدنا سليمان... هو إنتِ بتعملي إيه يا ماما؟!

-النمل مالي الشقه ولما قولت لخالتك قالتلي إنه حسد أو سحر وإنها كان عندها كده وحفظتني كلمتين أقولهم لأي نمله معديه وهيمشي.


انفـ ـجرتُ ضاحكة وأنا أردد ساخرة:

-بالله عليكِ خدي عشيرتك وامشي أيتها النمله... الرحمه الرحمه أيتها النمله.


وخرجت من المطبخ وضحكاتي ترج البيت بينما والدتي تغمغم ساخرة مني ولم يلتقط سمعي سوى كلمتي:

-جاهله ومبتفهميش.


كنت قد اشتريت دواء فعال للنمل، وأخذت أضعه كما أوصاني العطار، لكني قررت ألا أخبر أمي حتى ينقطع النمل.


وبعد يومين رأيت أمي تقف مع جارتنا تشرح لها كيفية التخلص من النمل عن طريق الحديث مع أحدهم، فهي تعتقد أن حديثها مع النمله هو من أوقف عشيرتها عن التجول ببيتنا، فتركتها تظن كما تظن...


وفي إحدى الليالي قُرع جرس الباب ودخلت السيدة التي نصحتها أمي بالحديث مع النمله وقالت:

-ما تيجي ياختي تتكلمي إنت معاها أصل أنا كلمتها مره واتنين ومفيش نتيجه.


ارتدت أمي حجابها في سرعة وقبل أن تغادر قلت:

-إنتِ رايحه فين يا ماما؟

-اسكتِ يا به وابقي حطي العشا على ما أجي.

-استني بس هفهمك حاجه!


كنت سأخبرها أن النمل انقطع بسبب دواء أحضرته، لكنها لم تكترث لندائي وغادرت فقلت بندم:

-ياريتني قولتلها... أهي رايحه تتكلم مع النمله تاني...


ضحكت وأنا أردد:

-الرحمه الرحمه أيتها النمله.


وبعد عدة أيام

في خلالهم كنت أرى حاتم في مواعيد تدريبي، لم يعد يتجاهلني وكلما رآني ألقى عليّ السلام بابتسامة ووداعة، وآه من تأثير صوته الحنون على قلبي...


وبعد ليلة قضيتها في تدريبي مستيقظة كل الليل، خرجت وأنا أجاهد كي لا أترنح وأنا أسير، كنت أجر قدماي جرًا وافتح عيني بصعوبةٍ بالغةٍ...


وقفت أنتظر تاكسي، فرآني ميسره وتسنيم، وأقبلا نحوي تزامنًا مع وقوف حاتم جواري، فقد كان يتبعني ولم ألاحظ، سألني:

-إنتِ كويسه يا إيمان؟!


اومأت رأسي إيجابًا، وسلمت على تسنيم بينما صافح حاتم ميسره ووقفا يتحدثان، حينها استأذنت تسنيم وأشرت لسيارة أجره وفي نفس الوقت صدع هاتفي بالرنين برقم أبي...


وقف التاكسي قبالتي ينظر إليّ لأخبره بوجهتي، فنطقت بدون تركيز:

-شارع ١٤ يا بابا.

-اتفضلي.

قالها بابتسامة، ولم أُدرك ما قلته إلا حين تناهى لسمعي صوت تسنيم وهي تسأل ميسره:

-هو دا أبو ايمان؟

-لأ!

-أومال بتقوله يا بابا ليه؟!


ركب حاتم في الأمام وانطلقنا وأنا أُحاول كظم ضحكاتي على ما قلته بعدم وعي. 


أوصلني السائق لشارعي أولًا ورفض حاتم أن أدفع الأجرة، فلم أعترض، كنت ناعسة للغاية...


وحين وصلت شارعي كانت أمي تقف في شرفتي، وجارتي بالأسفل، تُحدثها  بصدر منشرح:

-النمل اختفى من الشقه يا ست يا مبروكه.


نظرت نحو حاتم الذي لوح لوالدتي يُحيها فقالت أمي:

-أهلًا يابني لازم تنزل يا دكتور والله ما ينفع... والله أزعل لازم تفطر معانا.

-معلش وقت تاني يا طنط ان شاء الله.

-والله ما يحصل أبدًا اقفي قدام التاكسي يا ست بدريه متخلهوش يتحرك أنا نازله.

قالتها أمي لجارتنا واختفت من الشرفة، ونفذت جارتنا الكلام ووقفت أمام التاكسي، بينما ارتجل حاتم منه وهو يقول:

-مفيش داعي يا ست بدريه أنا نزلت خلاص.

ودفع حساب التاكسي ليغادر، خاطبني حاتم بابتسامة ماكرة:

-مقدرش أزعل والدتك.


فكرت للحظة هل هذه خطة جديده؟ شتت انتباهي رنين هاتفي، فلم أعقب على كلامه، قال حاتم لجارتي:

-الشارع بتاعكم هادي وحلو اللهم بارك.


قالت الست بدرية:

-طيب يلا تعالى وأنا أشوفلك شقه هنا.

-والله بفكر يا ست بدريه أخد شقه هنا، حتى تبقى قريبه من شغلي.


نظر حاتم إليّ، وسألني:

-إيه رأيك في الكلام ده يا ايمان؟

-ألووو.

قلتها وأنا أنظر إليه، بعدما أغلقت هاتفي ووضعته في حقيبتي، كنت أقصد «حلو» ولكن عقلي نائم وتائه،  رغم أن عيناي مفتوحتان...


لم يفهم حاتم فسألني:

-إيه!


قلت بشدوه:

-هه... إيه!

تكملة الرواية من هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع