رواية لتطيب نفسي (روحى تعانى الجزء 4) الفصل الاول والثاني بقلم إيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية لتطيب نفسي (روحى تعانى الجزء 4) الفصل الاول والثاني بقلم إيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
(١)
-سيبي بقا الموبايل اللي في إيدك ده! مش كفايه رافضه دكتور أد الدنيا أي واحده تتمناه...
-يعني ايه دكتور يعني! أنا أصلًا مش بحب الدكاتره أنا عايزه أتجوز مكانيكي أو نجار أو سباك أو حداد...
نهضتُ واقفة وأضفتُ بحـ ـماس:
-راجل يكون عنده عضلات كده عشان يـ...
-عشان يصبحك بعلقه ويمسيكِ بعلقه.
قالتها أمي بسخرية وتبدلت نظراتها للحدة وهي تكرر كلمة حداد بصوتٍ خافت، فخشيت أن تزوجني لإبن عمي، قلت بتلعثم:
-بصي أنا مش عايزه أتجوز خالص يا ماما!
قلبتُ نظراتي بغرفتي الواسعه التي تضم شرفة ينبعث منها هواء عليل يداعب أنفاسي ويلامس إحساسي وقلت:
-حد يسيب الأوضه الفخمه دي عشان يتجوز حتة دكتور!
وقفت والدتي ورشقتني بنظرةٍ ثاقبة اخترقتني وقالت:
-هتقعدي مع العريس يا ايمان رغم أنفك...
قالتها وهي تمسك بأنفي، فتحسسته فور تركته...
لا أعلم لمَ يُضايقها أنفي! دائمًا تُذكرني به، رغم أنني أحاول تناسيه، قد يكون عريض قليلًا لكنه ليس طويل، أضافت أمي:
-أنا معرفش العريس ده معجب بيكِ ازاي بالمناخير دي!
قلت بسخرية:
-ما هي دي غلطتك لو كنتِ نقيتِ مناخير جوزك اللي هو بابا مكنتش أنا هعاني دلوقتي...
تنهدت بعمق وأردفت بحسرة:
-كم أن روحي تُعاني!
لكزتني أمي بذراعي ورمقتني شزرًا ثم خرجت من الغرفة وهي تسخر مني ومن أنفي، نظرت بالمرآة وأنا أتحسس أنفي وقلت:
-ما به أنفي؟ والله إنه لجميل!
فتحت هاتفي لأكتب خاطرة غزل بهذا الأنف الأنيق، لكني أجفلت وهربت الكلمات من رأسي فور دخول أمي المباغت وسحبها للهاتف من يدي، وقولها:
-الموبايل دا لحس دماغك... مش هتاخديه إلا لما توافقي على حاتم... الدكتور حاتم...
قالت أخر جملة وهي تضغط على أحرفها، فقلت بتحدي، وبنبرة مرتفعة:
-مش هيحصل.
جلست مكاني أحملق بالفراغ شاردة، فقد ساقت أمي تراب الأرض ليقنعني بهذا الحاتم! خالتي وعمتي وجدتي، وجيراني، وصديقتي، ووالدي وصديقه حتى
أصبحت أسير في شارعنا فيوقفني صاحب البقالة بقوله:
-إيه يا إيمان لسه محيره أمك ومش موافقه على العريس! يا بنتي دا دكتور...
جذبني من أفكاري دلوف أخي صاحب الإحدى عشر عام ويصغرني بتسعة أعوام، سحب المقعد وجلس قبالتي، نظرت ليده اليمني التي امتدت وربتت على كتفي، وسمعت صوت تنهيدته العالية ثم قوله بنبرة رجولية:
-إيه يا قلب أخوكي! مش موافقه على الدكتور ليه! فضفضي... قوليلي مين الشاب اللي ضاحك عليكِ وأنا أروح أتكلم معاه... هااا... مين النجار السباك الحداد اللي بتحبيه؟!
خلعت حذائي فقفز واقفًا، وقال بنبرة مرتفعة:
-يا ماما! أكيد حد ضاحك على بنتك... تلاقيها بتحب حداد ولا نجار.
-اخــــــــــــــــرس.
قلتها بنبرة مرتفعة فأجفل وركض لخارج الغرفة، وسمعت صوت قهقهته، فصفعت الباب خلفه، وجلست أمسك بقلمي رفيقي وصديقي، لأكتب ما يعتل به صدري:
«مش مرتاحه! هو ده مش سبب مقنع عشان أرفض أي عريس؟!»
طُرق باب غرفتي فتجاهلته ثم اضطررت أن أفتح مع استمرار الطرق والإصرار، لأجد أخي يقف خلفه مبتسمًا ورافعًا يده بهاتفي، قال باستفزاز:
-اتفضلي خالتك على التلفون يا أمو مناخير...
أخدت الهاتف من يده ولم أُبالي بما وصفني لتوه، فقد إعتدت أن أسمع لقب «أم مناخير» منهم فتأقلمت عليه حتى تناسيت إسمي!
صفعت الباب في وجهه، فضحك.
أجبت خالتي، قلت بدون سلام:
-لو هتتكلمي على العريس فانسي.
قالت:
-جرى ايه يا أمو مناخير مش عايزه تقعدي مع العريس ليه! إنت متخيله إن هيجيلك فرصه زي دي تاني!!
-أنا ليه محدش فاهمني... قولتلكم مش مرتاحاله.
-طيب خلاص بلاش العريس، أنا مكلماكِ عشان موضوع تاني، تعالي نقعد إسبوع في شقه بتطل على البحر نصيف ونقضي يومين تريحي أعصابك وأعضائك ونرجع ان شاء الله... إيه رأيك؟!
-موافقه طبعًا اعتبري الشنطه جاهزه.
تحمست كثيرًا ولم أكن أعلم ما ينتظرني؟ ليتني لم أذهب معهم إلي تلك الغردقه وهل قصرت معي غرفتي بشيء!! كلا والله.
******
في اليوم الأول بالغردقة
رأيتُ حلم جميل أنني أغوص في البحر بين الشعب المرجانية، وفجأة رأيت صنبور مياه فتحته لتندفع مياهه بوجهي، ففتحت جفوني فإذا بمياه تلامس بشرة وجههي بالفعل، إنه ابن خالتي صاحب الثلاث أعوام الذي لا ينفك يروي الأرض وما فوقها من ماء نهره الجاري الذي لا ينقطع.
كان واقفًا فوقي بينما يلامي وجهي ماء بوله، فصرخت وقبل أن أنهال عليه بالضـ ـرب ركض لأمه وهو يبكي ويصرخ، لماذا يبكي هذا؟! هل لأنني قطعت لحظاته السعيدة أثناء تبوله على وجهي؟
قفزت من سريري ووقفت أصرخ، فلم أستطع اللحاق به لأن زوج خالتي بالخارج...
نظرت لنفسي بالمرآة فشعري مشعث أثر النوم كما أنني لن أخرج دون نقابي، أضناني الندم وأخذت
أمسح وجههي وأنا أصرخ من التقزز، تزامنًا مع دخول خالتي للغرفة، قالت:
-مزعله بودي ليه يا إيمان؟!
صِحت في وجهها:
-أنا اللي مزعلاه!! الواد عمل بيبي على وشي يا خالتو...
ضحكت خالتي وقالت مازحه:
-متعوده منه على كده... متقلقيش دي مايته طاهره ومفيده للبشره كمان.
مسحت وجههي وأنا أقول بضجر:
-طاهره ازاي يا خالتو!! دي حاجه تقرف والله... شوفيلي الحمام يا خالتو خليني أستحمى.
-طيب يلا عشان نلحق نروح البحر.
قالتها وخرجت هي تضحك، بينما كنتُ أدبدب في الأرض بتقزز من ملابسي المبلله...
استمتعت باقي اليوم على الشاطئ وشكرت الله أنني جئت معهم، حقًا! لحظات السعادة تمحو الحزن من القلب.
******
وفي المساء خرجنا للتمشية ودخلنا مدينة الملاهي وبينما انشغلت خالتي بأولادها شردت قليلًا وأنا أتأمل الأطفال وأتخيل حالي طفلة، فأنا لم أستمتع بطفولتي؛ كم أغبطهم!
وإذ بغتةً، وجدت نفسي بمفردي التفتت يمنة ويسرة في ذعر، فجميع أشيائي من هاتف وأموال مع خالتي...
بدأت جولة بالبحث في وجوه الناس علني أجدهم لكنني لم أجدهم، وكدت أبكي ونظراتي تتجول في ملامح المارة من حولي حتى أنهم كانوا يلتفتون إليّ حين يلاحظون حيرتي.
وقفت مكاني قليلًا، لا أعلم للعودة إلى البيت طريقًا، عندها أدركت أن حسنًا أنا تائهة...
كان الناس يرمقونني بتسائل، فقلت بنبرة متحشرجة:
-أنا ممكن أبان كبيره لكني والله تايهه من عائلتي... إنتِ فين يا خالتو... يارتني ما جيت الرحله دي.
كاد الدمع يهمي من عيني لولا صوته:
-إيمان!!
التفتت، وحين أبصرته اتسعت حدقتاي دهشةً، لكني اطمئننت، وقلت:
-دكتور حاتم!! بتعمل إيه هنا؟!
-جاي مع عيلتي فسحه... وإنت؟
-كنت جايه مع عيلتي بس...
شعرت بمؤامرة ما، فقلت بفراسة:
-إنتَ عرفتني ازاي بالنقاب؟! ولا متفق بقا مع خالتي؟! هي تتوهني وإنت تلاقيني وتقعد بقا تتكلم معايا وتقنعني أتجوزك لا انسى... فوق...
ضحك وقال:
-هو إنتِ تايهه؟!
أردف حاتم بجدية:
-على العموم أنا أعرفك من وسط ألف منتقبه، عندي الحاسه السادسه بيكِ.
لم أقتنع، ولم أهتز ولن أوافق عليه مهما حدث، فهو أخ للحربائة «شروق» وأخوه متزوج من الحربائة الأخرى «أسماء» لعنهم الله.
أخرج هاتفه وكلم خالتي وأوصلني إليها كطفلة صغيرة تائهة، عانقت خالتي التي أعطتني هاتفي وقالت:
-عشان لو توهتِ تاني.
رمقته بطرف عيني، وهو يقف جوارنا، وعند انشغال خالتي بالحديث مع زوجها داهمني بسؤال مباغت:
-مين اللي فبرك صور نجمه يا إيمان؟ لو عايزاني أبعد عن طريقك جاوبي على السؤال ده.
أطلقت ضحكة كالزفرة أسخر من نفسي، فهو يريد معرفة الحقيقة، يريدني أبوح بسرٍ احتفظت به لعامين وأقسمت ألا ينطقه لساني، لن أقول له بأن «أسماء» هي من فعلت! وهي السبب بكل ما عانته «نجمه» من مآسي، تنفست بعمق وقلت:
-قول بقا إنك مش عايز تتجوزني ولا حاجه وإن مطاردتك ليا طول الوقت ده عشان تعرف مين اللي نشر الصور!
-لأ أبدًا... أنا فعلًا معجب بيكِ وعايز أتجوزك، لكن لو إنتِ رافضه هتجوزك بالعافيه يعني؟!
-تصدق بالله... هتصدق إن شاء الله، إنت وأختك عينه واحده فوله وانقسمت نصين، وأنا مش هريحك يا دكتور حاتم روح اسأل نجمه إنما أنا مش هقول حاجه.
-وأنا مش هسأل حد، وهتجوزك يا إيمان، وإنتِ اللي هتقوليلي وده وعد مني.
قالها وانصرف، فوجدت نفسي أزمجر بغضب:
-دا في خيالك.
التفت أثر صوتي ورشقني بنظرة تحدي مغلفة بالثقة وابتسم قبل أن يغادر، ويترك دقات قلبي تشتد في قلق وحيرة.
خاطبت نفسي، يتزوجني؟! حسنًا وأنا قبلت التحدي أيها الدكتور حاتم لنرى من الرابح.
يتبع
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
محبتش أكتب السرد عاميه، كنت فاكراه بيريحني طلع بيتعبني عشان كده هيكون السرد فصحى والحوار عامية، وبعنوان جديد:
#لتطِيب_نفسي
إيه رأيكم في البداية؟🌸
(٢)
#لتطيب_نفسي
-والله عريس لُقطه أنا مستخسراه... لعلمك لو موافقتيش عليه، هجيبله عروسه بنفسي... يا بنتي دا دكتور!!
-يادي دكتور!
قلتها لخالتي بنفاذ صبر، فقد بتُ أنزعج من تكرار تلك الكلمة، تنهدتُ بعمق وسلطت بصري على خالتي التي لازالت تُطالع أثر حاتم والإعجاب يُطل من نظراتها، ثم حدجتني بنظراتٍ ساخطة، فأردتُ أن أقلبُ دفة الحوار لصالحي، قلت:
-إنتِ متفقه معاه صح؟!
-آآ... أكيد لأ! هو أنا هتفق معاه على ايه! وليه!
قالتها خالتي بنبرة مرتعشة فضـ ـحت سريرتها، ابتسمت وقلت ساخرة:
-واضح! ما هي مش معقوله تكون صدفه برده! وبعدين هو جاي الملاهي ليه ومش معاه أي أطفال؟ جاي يركب المرجيحه مثلًا! واضح جدًا إنها مؤامرة عليا!
ازدردت خالتي لعابها، وتذبذبت نظراتها وارتعشت نبرتها وهي تقول:
-آآ... أنا رايحه لعمك أشرف عشان العيال...
قالتها خالتي وهي تشير نحو زوجها الذي يلعب مع أبناءه الثلاث، فقبضت على ذراعها برفق، وقلت بعدما أطلقت ضحكة ساخرة:
-أحب أبشرك... باءت خطتكم بفشلٍ ذريع.
-ذريع!!
قالتها خالتي ورشقتتي بنظرة إحباط ثم هزت رأسها باستهانة وزمت شفتيها وهي ترنو نحو أسرتها وتغمغم، بالطبع تمدحني فأنا خفيفة الظل طيبة القلب ولدي أنف أنيق!
وقفتُ أُطالع مكان حاتم الفارغ وأتذكر كلامه ونظراته، وتصميمه العجيب! تنهدت بعمق ثم زحفت بنظراتي نحو خالتي كي لا تتوه منى مجددًا، عفوًا كي لا أتوه أنا!
ارتبكت عندما لم أجدهم بمكانهم، التفتت يمنة ويسرة في اضطراب حتى وجدتهم خلفي يلتفون حول إحدى الطاولات، فتنهدت بارتياح، وأقبلت نحوهم وأنا أُحذر نفسي ألا أغفل أو أشرد مرة أخرى فهل سينتبهون لصغارهم أم لي!
جلستُ معهم، كان زوج خالتي يرمقني بنظرة لم أفهم كُنهها إلا حين قال:
-حتى يرفض دكتور زي القمر كده!
أشرتُ إلى نفسي وقلت:
-أنا، أنا برفض عادي، يا عمو أشرف أنا فارس أحلامي لازم يكون...
-حداد أو نجار أو سباك.
قالتها خالتي بتهكم وهي تشيح بصرها عني، فحركت عنقي بالنفي وقلت بجدية:
-لأ، فارس أحلامي لازم يكون حافظ القرآن... هل دكتور حاتم حافظ القرآن؟
علقت خالتي بانفعال:
-وهو يعني إنتِ اللي حافظه! دا إنتِ فاشلة.
أطرق عمي أشرف للحظات وهو يبتسم ويفكر، ثم قال:
-نسأله يمكن يطلع حافظ! ولو مش حافظ نحفظه.
ران علينا الصمت لبرهة وقطعته أنا بقولي:
-طيب يرضيك يا عمو أشرف خالتو تتفق معاه و...
قاطعني بضحك:
-لا أنا متأكد إن خالتك متفقتش معاه.
-وليه بقا متأكد؟
قال بابتسامة وزهو:
-عشان أنا اللي اتفقت معاه، أصله صعب عليا... فقلت أوفق راسين في الحلال.
تلجم لساني، وأنا أردد في نفسي، حتى أنت أيها العم أشرف، بينما كانت خالتي تتابع حوارنا وتضحك، وأنا أقول في سريرة نفسي ما هذه العائلة!
خاطبتني خالتي بغلظة:
-حاتم اتقدملك أكتر من خمس مرات لحد دلوقتي ولسه مستني...
-ما هو العيب مش على حاتم العيب على ماما وبابا هما اللي فاتحينله الباب.
قلتها ببعض الإنفعال، فعلق زوج خالتي وهو يرتشف من عصيره:
-المثل بيقول البنت تاخد اللي يحبها مش اللي تحبه صدقيني بكره تندمي يا ايمان...
-مش هندم.
قلتها بثقة، فمالت خالتي نحو أذني كي لا يسمع زوجها وهمست:
-إنتِ متخيله إن هيجيلك حد أحسن من حاتم بمناخيرك اللي مخبياها تحت النقاب دي! دي أمك بتشتكي من نقص الأكسجين في البيت بسببك.
قالت جملتها الأخيرة ساخرة، فأطرقت وصمتت، أنا لستُ ذميمة بل إن ملامحي حَسنه لم يتنمرون عليّ دائمًا، ورغم أنني اعتدت مثل تلك الكلمات من خالتي وأمي لكنني تجهمت ولأول مرة أشعر أن تلك الكلمات أثرت في نفسي.
مر يوم والأخر
وفي خلالهما كان حاتم يتردد على أماكن تواجدنا يقف مع زوج خالتي، يُحيه، ويتحدث معه قليلًا، ثم يرمقني بنظرة خاطفة ويمضي تاركًا سهم نظرته في قلبي، فقد بات وجوده يُربكني.
وفي عصر اليوم الثالث
قابلنا حاتم وعائلته على شاطئ البحر، صدفة! حقًا!!! كل يوم نقابل هذا الحاتم صدفة!
كنتُ بثوبي الواسع الفضفاض الخاص بالسباحة وأنا على أتم استعداد أن أنزل البحر لأول مرة بحياتي، وقفتُ أمام البحر بتردد أُطالع مياهه بتوجس بينما تشير لي خالتي لأنزل، لكني كنت أتذكر تلك الجملة التي رمتها خالتي بوجهي قبل أن تنزل للبحر، حين قالت:
-اخلعي يابنتي النقاب ده... عيشي حياتك وسنك مش عارفه مكتفه نفسك ليه!!
التفتت لأرى الفتيات من حولي وملابسهن، لم أرَ فتاة واحدة ترتدي نقاب غيري.
تراجعت عن فكرة نزول البحر وأخذت أتمشى بمفردي وأبلل قدمي على الشاطئ، وأنا أسمع صوت الأمواج المتلاطمة وأتأمل الناس من حولي، خاصةً الحربائتان «أسماء وشروق» اللتان تجلسان جوار بعضهما وتبتسمان.
تخيلت نفسي أخبر حاتم عن زوجة أخيه أسماء! وعما فعلته لكني تراجعت فقد وعدت نجمه ألا أبوح أبدًا.
حدجتني شروق بنظرة متهكمة وأشاحت وجهها، فلم تُحدثني لأكثر من عامين!
وحين التقط حاتم نظراتي وليته ظهري بعد أن رمقته بحدة، وكدت أفر من أمامه، لولا صوت أسماء التي هرعت نحوي تناديني:
-إيمان... استني هتمشى معاكِ.
سارت جواري وران علينا صمتٌ ثقيل، حتى قالت:
-أنا عايزه أتكلم معاكِ.
-كلامنا خلص من زمان يا أسماء.
قلتها باقتضاب، فالتفتت أسماء خلفها لتتأكد من انشغال الجميع عنا، ورشقتني بنظرة حادة قبل أن تنطق:
-إياكِ تقربي من حاتم ولا تقربي من عيلتي أصلًا!
ابتسمتُ ساخرة وقلت:
-يابنتي إنتِ المفروض كل ما تشوفيني تبوسي إيدي عشان متستره عليكِ.
-لا والله! ما إنتِ روحتِ حكيتِ لنجمه كل حاجه... أنا عمري ما هسامحك يا إيمان.
ضحكت وأنا أتذكر ما فعلته أسماء بـ نجمه، وكيف كنت شاهدة على اعترافها لأخيها أكرم.
فقد كانت تنشر صور _صنعتها لنجمه_ على الإنترنت وكان عذرها الغير مقنع أنها غارت على زوجها «حازم» حين شعرت بمشاعره لنجمه، فهل هذا مبرر لتشويه سمعة فتاة كنجمه، قلت ساخرة:
-عارفه يوم ما جيتيلي البيت واتحايلتِ عليا أسكت... وإنك اتغيرتي وندمتي وتوبتي إلى الله، سبحان الله أنا مدخلش عليا حركاتك وكنت مقتنعه جدًا إني أفضحك، لكن نجمه بقا وقلبها الطيب رحمتك مني.
-فات كتير أوي على الموضوع وأظن صاحبة الشأن سامحت فملكيش دعوه... وهقولهالك تاني يا إيمان... متقريش من عيلتي وابعدي عن حاتم.
لم أعقب بل تركتها وسرت وحدي وأنا أقول في نفسي لن تتغير أسماء، أشعر أنني على وشك الإنفـ ـجار، ليتني أخبرت حازم بكل شيء بدلًا عن نجمه.
وقفت أشكو للبحر ما يجول بخاطري، حتى سمعت صوت حاتم:
-مش هتقوليلي برده مين اللي فبرك صور نجمه يا إيمان؟
نفخت بضيق والتفت إليه بكامل جسدي كنت في قمة انفعال من أسماء فأفرغت شحنة إنفعالي به بقولي بنبرة حادة:
-هو إنت مبتزهقش! قولتلك روح اسأل نجمه! وسيبني في حالي بقا.
-حاولت أسيبك معرفتش، مقدرتش، أنا مش هسيبك يا ايمان.
استفزتني كلماته فقلت بحزم:
-وأنا مستحيل أوافق عليك.
-أحيانًا المستحيل بيتحقق مع الإصرار والصبر... أنا عايز سبب مقنع عشان ترفضيني؟
-مش غير أسباب إنت مش عاجبني.
-مش عاجبك!
احتدم الحوار بيننا، فصمتتُ وفكرت لبرهة، لا أدري لمَ أبغض حاتم لتلك الدرجة! لأ أستطيع أن أعطيه ولو فرصة واحدة! حتى أنني أُمقت اسمه.
شعرت بتأنيب ضمير فقلت بتلعثم:
-إنت شخص كويس لكن مش هينفع، وأنا مش هوافق عليك.
قلتها، تزامنًا مع إشارة خالتي اليّ لنعود للبيت، كنت أستشيط غضبًا وبداخلي يدوي صوت لن أتزوجه ولن أدخل بقدمي وبكامل إرادتي عائلة الحرابي تلك.
وما أن وليته ظهري وقبل أن أخطو خطوة واحدة سمعت صوته وهو يقول بثقة:
-هينفع وهتوافقي.
لم ألتفت وأكملت طريقي وحوارنا يدور برأسي.
عدنا للبيت ولم أخرج من غرفتي باقي اليوم كي لا أُصادفه مرة أخرى.
وفي المساء في وقت النوم
ركبا أولاد خالتي سريرهما ليناما إلا الصغير «بودي»؛ الذي وقف قبالة فراشي، واضعًا كلتا يديه خلف ظهره، وهو يهتز يمنة ويسرة بوجه طفولي بريء مبتسم، وحين سألته عما يريد أجاب:
-أنام معاكِ.
كانت جملة خبرية، لكني قلت معترضة:
-روح نام جنب أمك يا بودي.
-ماما نامت وبابا... أنا نام معاكِ.
قالها ببكاء مصطنع، فأشرت لفراشي وقلت بقلة حيلة:
-اتفضل.
ابتهج وابتسم، وصعد جواري وأخذ يُقبلني فقلت بابتسامة:
-خلاص بقا... بس روح هات بامبرز الأول.
صاح معترضًا:
-لأ مش ألبس... مفيش... بح.
-مينفعش لازم تلبس.
-لأ... بح، خلص... أنا نام كده.
رفع أخوه الأكبر رأسه وقال:
-مبقاش يلبسه بينام كده.
قالها ثم أغلق عينيه، ونظرت لبودي الذي تظاهر بالنوم، مسحت وجهي بغيظ وربتت عليه لينام، وسُرعان ما جذبه النوم.
نهضت عن الفراش بقلة حيلة واستلقيت على الأرض، خشية أن يتبول عليّ.
رأيت في منامي ظلامٌ دامس وفجأة سطع ضوء النهار، كنتُ تائهة بصحراء جرداء، عطشى وجوعى، فربطت حجرًا على بطني من شدة الجوع، وفجأة ظهر ابن أختي الصغير بابتسامته البريئة ووجهه البشوش وبيده كوب ماء، ازدردت لعابي وبسطت يدي لالتقط الكوب، لكن سكبه «بودي» على ملابسي وفر راكضًا حتى اختفى عن مد بصري وانطفئ الضوء فجأة وبقيت وحدي في الصحراء.
استيقظت ولازلت أشعر بثقل الصخرة على بطني، وهناك ماء دافئ أيضًا أحُس به.
وحين رأيت الصغير ينام عليّ وأنا مستلقية على ظهري على الأرض، أدركت أنها كانت رؤية وقد تحققت الآن بالفعل.
-لا! كده كتير بجد! حرام عليك يا بودي... إنت نزلت من على السرير تنام على بطني وكمان عملت حمام عليا!!
قلتها بصوت خافت يميل للبكاء، وأزحت الصغير عني برفق، وأنا أكظم غيظي وغضبي، ففتح جفونه وارتفع نشيجه، ربتتُ عليه وأنا أهمس:
-خلاص يا بودي متزعلش محصلش حاجه... عادي مش زعلانه.
هدر بي بصوته الطفولي:
-إنت عملتِ بيبي على نفسك وعليا.
-أنا اللي عملت؟!
قلتها وأنا أشير لنفسي بصدمة، فباغتني بصفعة على وجهي، وفر راكضًا للخارج وهو يردد ببكاء:
-عملت بيبي عليا!
قلت وأنا أتحسس مكان الصفعة:
-صحيح اللي يخرج من داره يتقل مقداره.
كنا في وقت السحر فقمتُ لأنظف ثيابي وأصلي ركعتين قيام ليل، وأدعو الله أن يصرف حاتم عني.
وبعدما انتهيت حملت هاتفي وتذكرت أصدقائي «جروب م» نجمه ونسمه وهمسه وسمر وأنا إيمان، اشتقت لهن فقد غفلت عنهن لعدة أيام، والآن! لا انترنت بهذا المكان! كما أن شحن بطاقتي نفذ فقررت الخلود للنوم ولكن داهمتني الأفكار والتساؤلات.
وانتشلني من أفكاري صوت استلام هاتفي لرسالة ففتحت عيني وحملته، اعتقدت أنها ربما من شركة الاتصالات وقد يمنحوني بعض الميجابيت المجانية فأتصفح الفيسبوك، فتحتها مسرعة لأتفاجئ برسالة من رقم مجهول محتواها:
-نسيت أقولك إن أنا حافظ نص القرآن وبكمل.
نفختُ الهواء من فمي بضجر، بالطبع هو حاتم! وجحظت عيناي حين وصلتني رسالة أخرى:
-أنا عرفت مين اللي فبرك صور نجمه وكريم ولا الحوجه ليكِ.
#يتبع
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
1-رواية روحى تعاني الجزء الاول1 كامله هناااااا
2-رواية روحى تعاني الجزء الثانى 2كامله هناااااا
3-رواية روحى تعاني الجزء الثالث3 كامله هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا