رواية لتطيب نفسي (روحى تعانى الجزء 4) الفصل الخامس والسادس بقلم إيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية لتطيب نفسي (روحى تعانى الجزء 4) الفصل الخامس والسادس بقلم إيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
(٥)
#لتطيب_نفسي
بقلم آيه شاكر
انتبهت لما تفوهتُ به لتوي، وقررتُ التزام الصمت وساعدني عليه ظهور والدتي، وترحيبها بحاتم بحبور، قالت أمي:
-نورت الشارع يا دكتور.
-الله يكرمك يارب.
قالها حاتم بابتسامة، فسألته السيدة بدرية:
-قولت إيه يا دكتور أشوفلك الشقه؟
تنحنح حاتم ورماني بنظرةٍ سريعة قبل أن ينطق:
-توكلي على الله يا ست بدريه.
-شقة ايه؟
سألت والدتي، فقال حاتم:
-كنت بقول آجر شقه هنا في الشارع حتى تكون قريبه من شغلي.
تهللت أسارير والدتي، وقالت:
-والله إنت ابن حلال الشقه اللي تحتنا خالية أنا هكلملك صاحبها وهوصيه يريحك في السعر.
قال حاتم ببهجة:
-خلاص اتفقنا.
كنت أُتابع حوارهم، ودون إستئذان دخلتُ للبيت وأنا أغمغم نازقة، بينما ظلت والدتي والسيدة بدرية يتحدثان معه.
سيسكن هنا! ألا يكفيني رؤيته في العمل! ماذا سيفعل قلبي المسكين الآن! وهل هذه خطة ثالثة لجذبي للمصيدة، تبًا!
استغفروا ♥️
بقلم آيه شاكر
★★★★★★
توالى مرور الأيام وها أنا ذا أقف بشرفتي والإبتسامة تزين وجهي، أختلس النظر إليه وهو يجلس بشرفته اسفل شرفتي، وككل يوم بعد صلاة الفجر جلس يرتل القرآن بخشوع، فدق قلبي بل رق قلبي.
أصبحت أراه كثيرًا، تارة في تدريبي وتارة في سكني، غالبًا قف مع والدتي ويتحدث معها ويمازحها، أو يلعب مع أخي ويداعبه، فأتسائل ما العمل الآن؟! لقد ابتعد عن الحربائين شروق وأسماء! فهل سأقبل به زوجًا؟!
وذات يوم بعدما تنفس الصبح، وتنفستُ أنا أيضًا لأتأكد أنني مازلت على قيد الحياة، وقد مُنحت يوم جديد لأذكر الله وأعبده...
مع شقشقة العصافير فتحت جفوني أثر صوته يتحدث مع والدتي يشكو النمل الذي يتجول بكل ركن في شقته، سمعته حين قال:
-الست بدريه بتقول إن الحل عندك... إيه بقا الحل يا ست الكل؟
قالت أمي:
-لأ أنا هاجي بنفسي أتفاهم معاهم... إنت مش هتعرف.
-هتتفاهمي مع مين؟!
-مع النمل... اصبر دقيقه وجيالك يا دكتره.
قلَّبتُ مُقلتاي اللتان اتسعتا على أخرهما بصدمة، وقلت:
-يا نهار أزرق! هتروح تقول الرحمه الرحمه أيتها النمله دا مش بعيد يفتكرها عبيـ ـطه.
وثبت من فراشي وأنا أصيح:
-مـــــامــــا! الرحمه الرحمه أيتها الأم.
كانت عند باب الشقه فجذبتها من ذراعها، وأثر النوم لازال عالقًا بملامحي، كنت أتوسلها بنظراتي ألا تذهب، بينما أقول:
-لازم أفهمك حاجه مهمه جدًا جدًا.
-طيب ماشي لما آجي على ما تغسلي وشك والعُماص اللي في عينك ده.
هززت عنقي نافية، وقلت بلهفة:
-لأ مينفعش، لازم دلوقتي... لازم تعرفي إن النمل اللي كان في الشقه عندنا، مامشيش عشان كلمتيه! دا مشي عشان أنا جبتله دوا.
-لأ مشي عشان أنا كلمته، والدليل إن كل الجيران اللي كلمت النمل عندهم مشي.
قالتها وهي تضغط على كل كلمة بإصرار، ثم نظرتْ ليداي اللتان أقبض بهما على ذراعها وأضافت:
-إوعي بقا سيبي ايدي عشان عندي مشوار.
تركتُ ذراعها بقلة حيلة فخرجت تهرول لأسفل، وحين تخيلت هيئتها وهي تُحدث النمل قلت:
-يادي الفضائح على الصبح!
صلوا على خير الأنام ❤️
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين
★★★★★
«أسماء»
وفي مكانٍ أخر
جلست «أسماء» قبالة زوجها تُطالعه بشرود، وهو يتناول الإفطار، وحين لاحظ، قال بابتسامة:
-بتبصيلي كدا ليه يا قمر؟
قالت بمكر:
-بفكر، هو إنت إزاي سايب أخوك يروح يعيش لوحده!
-وهو حاتم صغير؟ ما يعمل اللي هو عايزه!
قالها ووضع لقمة بفمه وأخذ يمضغها في سرعة، لكنه أَبِطئ مضغها حين قالت:
-ماشي بس إنت مش مُلزم تدفعله نص إيجار الشقه.
ابتلع ما بفمه ثم تنفس بعمق، وقال في هدوء وتؤدة:
-بصي يا سمسمه بابا الله يرحمه ساعدني أعمل شقتي ووصاني أساعد أخويا في بناية شقته و...
قاطعته وهي تقول بملامح متجهمة:
-هو إنت كمان ناوي تساعده في بناية الشقة! دا بدل ما تفكر في مستقبل ابننا! فوق يا حازم مفيش أخ بينفع أخوه! وأخوك موظف، أما إنت على باب الله زي ما بيقولوا!
ترك حازم الخبز من يده وقال بانفعال:
-بقولك ايه متتدخليش في الموضوع ده يا أسماء!
قالت بتبرم:
-كده يا حازم!!
قال بنفاذ صبر:
-ما أنا بحاول أفهمك مبتفهميش!
-مبفهمش! طيب الله يسامحك يا حازم.
قالتها بنزق ونهضت ثم هملجت في خطاها حتى دخلت غرفتها، فنفخ حازم بضجر وهو يقول:
-يووووه... بدأنا من أول اليوم.
فقد باتت تؤرقه وتريده لنفسها ولإبنهما فقط، لا تريده أن يُنفق عُملةً واحدة على أهله، وقد سأم حازم من معاملتها تلك، وكذلك غيرتها عليه من كل أنثى تتنفس حوله! لم يتمنى قط زوجةً كهذه! تسائل تُرى كيف تُعامل نجمه زوجها!
هز رأسه بعنـ ـف لينفض التساؤلات من رأسه، لمَ يفكر بنجمه دائمًا ألم ينهى نفسه عن ذلك، نهض واقفًا وعزم أن يخرج من ماله صدقة اليوم تهذيبًا وتأديبًا وتطهيرًا لنفسه لأنه عاد يفكر بنجمه مجددًا، وقد يكون تفكيره ذلك هو سبب بؤسه وتعبه وتغيّر زوجته.
على نحوٍ أخر
جلست أسماء على فراشها مضيقةً جفنيها وتفكر حتى تناهى لسمعها صوت إغلاق حازم باب الشقة بعد خروجه، فارتدت ملابسها وحملت طفلها وذهبت لأخته «شروق» ووالدته...
-إيه يا أسماء مالك متغيره ليه؟!
سألتها والدة حازم، فقالت أسماء بملامح مدلهمة:
-مفيش يا ماما أنا بس متضايقه شويه.
سألتها شروق:
-ليه؟ متخانقه مع حازم ولا ايه؟
أطلقت أسماء تنهيدة عميقة وقالت:
-حاجه زي كده.
نهضت شروق لتأخذ الطفل من يدها، قبلته بإحدى وجنتيه وقبلها هو أيضًا، فابتهجت وحين نظرت لوجه أسماء تبدلت بهجتها للفضول وقالت:
-ماتحكي يا بنتي مالك؟!
نهضت أسماء وقالت:
-مفيش يا شروق، أنا عايزه أروح لماما شويه.
-ماشي روحي بس سيبيلي القشطه ده ألعب معاه لو ينفع؟
قالت أسماء بجمود:
-ماشي خليه معاكِ.
وبمجرد خروجها نظرت «والدة حازم» لشروق وقالت:
-مبقتش أرتاح لمرات أخوكي دي! حساها كده سهونه.
جلست شروق على الأرض ثم وضعت الطفل قبالتها وأعطته لعبة وهي تقول:
-أنا محستش بكده إلا لما اتكلمت عن إيمان وحش حسيتها غيرانه منها، لأني متأكدة إن إيمان بنت محترمه جدًا رغم إني برده مش بحبها.
ضحكت الأم وقالت بسخرية:
-إنتِ مبتحبيش حد أصلًا! كويس إنك بتحبي نفسك!
طبعت شروق قُبلة رقيقة على إحدى وجنتي ابن حازم، وقالت بحب:
-وبحب القشطه الصغنن ده، بعشقه.
تأملت شروق الصغير والإبتسامة مرسومة على وجهها، فهو يُذكرها بـ«أكرم»؛ الذي لم تحب غيره، فهو يشبه ابن أخيها إلى حد كبير، ولم لأ وأكرم خاله! وكما يُقال الخال والد!
★★★★★★
طرقت أسماء باب شقة والدتها، ففتح أكرم والذي كان أثر النوم واضحًا على ملامحه، دخلت للبيت وهي تقول:
-إنت لسه نايم؟!
قال باقتضاب:
-أهلًا يا ست أسماء.
قالت ساخرة:
-إيه المعامله الناشفه دي على الصبح! ما تقول صباح الخير الأول.
-عايزاني أعاملك إزاي يا برنسيسه؟
-يا سيدي أنا متقبله منك أي معامله، المهم ترد عليا في العرض اللي عرضته عليك.
صمت هنيهة وهو يطالعها مقطبًا جبينه، ثم قال وهو يضغط على أحرف كل كلمة:
-لأ... مش هتجوز شروق يا أسماء.
تركها ونهض ثم دخل المرحاض وصفع الباب بوجهها، فغمغمت بكلمات نازقة، ثم نهضت ووقفت أمام باب المرحاض، قالت:
-يابني آدم افهم البنت اتغيرت والله.
تجاهلها أكرم وألقى الصمت عباءته على المكان لفترة وجيزة، حتى ظهر صوت إندفاع الماء من الصنبور بالمرحاض، فأخذت أسماء تتجول بالبيت بحثًا عن والدتها وتناديها، لكنها لم تجدها فراحت تنادي أكرم وتسأله عنها، وحين خرج من المرحاض، قال وهو يجفف وجهه:
-ماما في السوق وزمانها جايه.
دخل لغرفته، فتبعته وقالت:
-بقولك والله شروق اتغيرت.
أطلق ضحكة كالزفرة وقال ساخرًا:
-اه زي ما إنتِ اتغيرتِ كده!!
صمتت هنيهة وجلست على المقعد تتابعه بنظراتها، وأخذ هو يرتدي ثيابه، فتنفست بعمق وسألته:
-إنت هتسافر تاني امته؟!
-كمان شهر.
قالها باقتضاب، فنهضت ووقفت قبالته ثم خاطبته برجاء وهي تسلط نظراتها بعينه:
-طيب اسمع كلامي واقعد مع شروق، عشان خاطري يا أكرم... أقعد معاها بس، طيب والله البنت زي القمر وبقت محترمه مش بتكلم أي ولاد أنا متأكده و... وبتحبك.
ضحك، فاستغربت أسماء رد فعله بينما استدار أكرم يأخذ ساعته ويرتديها حول معصمه، ثم نظر لها وقال:
-أسماء! إنتِ هتستفيدي إيه من الحوار ده!
-عايزه أفرح بيك يابني.
قالتها بنبرة مرتعشة، فقال أكرم:
-لأ الكلام ده تضحكي بيه على ماما وبابا إنما أنا واثق إنك هتستفيدي لأنك مبتعمليش حاجه لله.
طالعت أسماء نقطة وهمية بالفراغ وصمتت لبرهة، فابتسم أكرم وهو يهز رأسه باستنكار ثم خرج من الغرفة، وقبل أن يخرج من البيت بأكمله، قال:
-البيت بيتك يا ملكه.
نفخت أسماء بغيظ وقالت:
-ماشي يا أكرم.
بقلم آيه شاكر
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ♥️
★★★★★
«إيمان»
تأخرت أمي لثلاث دقائق فوقفتُ في شرفتي أُسترق السمع لعلي ألتقط ما تقوله أمي لنمل حاتم، فجذب انتباهي والدي الذي فتح باب سيارته وركبها.
كانت سيارة _سوزوكي آلتو_ قديمة جدًا، لونها بلون حبات الرمان، تلك السيارة لها معنا الكثير من الذكريات ودومًا نغني لها:
«سيارتنا الأمورة لأحلى عيلة... مع إنها صغيورة بس أصيلة.»
فتلك السيارة قد بلغت من العمر عتيًا وهرمت بطاريتها، وأثق تمام الثقة أنها ستُباع قريبًا كقطعٍ للغيار، وغالبًا تكون في الورشة للتصليح والصيانه، كما أن والدي معظم الأحيان يجمع الناس من الشارع لدفعها لتسير، حتى أصبحت عادة شبه يومية!
حاول أبي تشغيلها ولم يفلح فارتجل منها ووقف متخصرًا ومتجهمًا، يلتفت يمنةً ويسرةً ثم نظر لأعلى، أشار لي وقال:
-هاتي أمك وأخوكي وتعالو زوقيني.
-حاضر.
قلتها ودخلت من الشرفة أنادي أخي وأنا أغمغم:
-يادي الفضايح على الصبح... يادي الفضايح.
نزلنا مسرعين، بدون والدتي التي كانت عند حاتم، وعندما رآنا أبي قال بضجر:
-أمك فين؟!
-مـ... مش عارفه!
ركب سيارته وقال:
-طيب يلا زقوا العربية.
نظرت أنا وأخي لبعضنا لبرهة، وكأننا نتسائل كيف سنفعل بمفردنا؟! وما به أبى ألا يرى حجم أجسادنا الضئيل!
-يلا...
قالها أبي هادرًا بإنفعال، فطفقنا ندفع السيارة بكل قوتنا لكنها لم تتحرك قيد أُنمله، وأبي لازال يصيح بنا أن نفعل، فصاح أخي:
-والله يا بابا إحنا عملنا إللي علينا والباقي على ربنا.
ارتجل أبي من السيارة وهو يُخبرنا أننا عديمي الفائدة، وأخذ يمسح وجهه بيده ليكظم غيظه...
فرأى أخي صديقًا له حجم جسده لا يزيد عن أخي بل يقل، فأشار إليه ليساعدنا، وهذا الطفل نادى بصوت مرتفع على أخرين حتى تجمع خمسة صبية، كدت أن أساعدهم في دفع السياره لكن قال أحدهم:
-وإيش دخل الحريم في شغل الرجاله... اركني إنت في جنب يا أستاذه.
أُعجبت به، فكم يُقدر هذا الصبي قيمة المرأة...
رجت أصوات الأطفال وهو يدفعون السيارة الشارع، كانوا ينطقون في آن واحد:
-صاعقه... صعقه... يلا يلا زوق سوسو.
كرروها عدة مرات، فضحكت، هدر بي والدي:
-إنتِ بتتفرجي! إيدك مع العيال أنا اتأخرت على الشغل.
ركضت أساعدهم في دفع سيارتنا «سوسو»، فخرج حاتم لشرفته، تزامنًا مع انطلاق السيارة بغتة ووقوعي على وجهي..
فضحك الأطفال، وقال من ظننته يُقدر المرأة:
-أنا طول عمري مابحبش شغل الحريم، لأنهم بيفرهدوا بسرعه.
نهضت وأنا أردد بسخرية:
-إيه حريم دي!! اتأدب يابني!
-أنا مؤدب والشارع كله يشهد.
قالها وركض الأطفال كلٌ في جهة وهم يضحكون، بينما تتداخل أصواتهم:
-يلا يلا زوق سوسو.
ووقف أخي جواري يضحك عليّ، فأشرت له أن صه...
وقبل أن أدخل البيت رفعت رأسي قليلًا فأبصرت حاتم يقف بشرفته، أطرقت، وعدلتُ من ثيابي باضطراب وأنا أردد بخفوت وفي حسرة:
-يادي الفضايح على الصبح... منك لله يا سوسو.
دخلت شقتنا وأنا أغمغم بنزق، ومما زاد حنقي، إقبال والدتي تحمل صنية عليها أصناف من الطعام، ثم خاطبتني بابتسامة:
-خدي يابنتي ربنا يهديكِ، خدي أخوكي ونزلي الفطار ده للدكتور حاتم وافطروا معاه.
-نـــعـــم!
لو وصلتوا هنا متنسوش التفاعل❤️
#يتبع
#روحي_تعاني٤
«لن يرى بشر إرهاق روحك المنهكة، ولن يسمع أحد أنين قلبك، لكن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ففر من الناس إلى الله.»
بقلم آيه شاكر
🌸🌸🌸🌸🌸🌸
(٦)
#لتطيب_نفسي
-إنتِ هتقفي كده كتير يا بنتي خدي الصنيه من إيدي!
-أنا مش هنزل يا ماما! واللي بتفكري فيه ده مش هيحصل انسي... مش هتجوزه.
-خدي الصنيه من إيدي يا إيمان ونزليها للراجل.
-مش هنزل يا ماما.
قلتها بعناد شديد، ونبرة أمي ونظراتها تتأرجع بين حدة وتراخي، حتى وضعت أمي صنية الطعام أعلى الطاولة بحنق، وجذبتني من ملابسي بغتة، فأجفلت، هدرت بي:
-ارحميني، أنا نفسي أعرف إنتِ عايزه إيه؟
-مش عايزه حاجه والله.
قلتها بخوف، فتركتني أمي بغتة كما جذبتني، ورفعت سبابتها بوجهي وهي تنطق محذرة:
-والله وبالله يا إيمان لو ما سمعتِ الكلام ونزلتِ الأكل ده لحاتم لهخلي أبوكي يجوزك ابن عمك ونخلص منك.
أعلم أن أبي لا يرفض لأمي طلب، كما أن ابن عمي يروق له كثيرًا وأنا ولا أتحمله ولا أحب أن أتنفس من الهواء الذي يتنفس هو منه! لذا حملت الصينية وقلت بقلة حيلة:
-ولا تزعلي يا ماما هنزل أفطر وأتغدى معاه لو ده يرضيكِ.
ابتسمت أمي، فرمقتها بريب، وأشرتُ لأخي الذي كان يسمع حوارنا بابتسامة مستفزة، ونزلنا لحاتم وأنا أنفخ بضجر وأتمتم بامتعاض شديد، بينما كانت أمي تلهج بالدعاء:
-ربنا يهديكِ يا بنتي ويجعله من حظك ونصيبك.
وأخي يردد ببهجة:
-آمين... آمين.
طرق أخي بابه بحمـ ـاس، وما أن أبصرنا حاتم ابتسم وصافح أخي، بينما كنت أقف بصمت ونظراتي الراكدة تشي بمدى رضائي عن مجيئ بالطعام، تنحنح حاتم وأخذ الصينيه من بين يدي وهو يقول:
-تاعبه نفسك ليه يا إيمان؟ أنا قولت لطنط إني مش هفطر دلوقتي.
صمتت، وحمدت الله أن النقاب يخفي تعبيرات وجهي النازقة، لكنه لم يخفي نظراتي الساخطة، والتي لاحظها، قال:
-كان نفسي أقولك اتفضلي لكن معلش بقا هـ...
وقبل أن يُكمل تبريره، قاطعته:
-إنت إنسان متربي عشر مرات... روح ربنا يباركلك.
قلتها وقطعت الدرج لأعلى بخطواتٍ واسعة وتركته يقف جوار أخي ينظران لبعضهما بدهشة، فرفع أخي كتفيه لأعلى وقال بابتسامة:
-أنا هفطر معاك.
دخلت للشقة ألهث، وصفعت الباب خلفي وبمجرد أن رأتني أمي قالت:
-يابت مفطرتيش معاه ليه؟
نزعت النقاب، وقلت بابتسامة ونبرة مبتهجة:
-موافقش يدخلني يا ماما.
-ومالك مبسوطه كدا ليه؟
-مش مبسوطه بس مش عارفه بوقي مبتسم ليه! بحاول أبين أد إيه أنا زعلانه ومتأثره لكن بوقي مش مديني فرصه.
قلتها بابتسامة عريضة وأنا أشير على فمي، ولم تتلاشى ابتسامتي إلا بعدما قذفتني أمي بالوسادة فالتصقت بوجهي...
زمجرت أمي غاضبةً يائسة، ثم قالت بحنقٍ شديد:
-والله لأقول لخالتك تيجي تتصرف معاكي أنا تعبت... والله تعبت.
حملت هاتفها وهي تشتعل غيظًا من الاشيء! ماذا فعلت أنا لكل هذا الإنفعال؟!
وأخذت تتكلم مع خالتي تشكوني لها، وأنا لم أفعل شيء، فسمعت أخر جملة قالتها أمي:
-ماشي هاتي بودي وتعالي اقعدي معانا يومين! هستناكي.
هببت واقفة وأنا أقول بصدمة وحسرة:
-بودي جاي!!
نظرت صوب شرفة غرفتي والوعاء الصغير الذي يحوي زرع النعناع، خشية أن يرويه من ماءه الجاري كما فعل مسبقًا، هرولت أرفعه على سور الشرفة، وقلت:
-ربنا يعديها على خير.
تناهى لسمعي صوت أخي يناديني من شرفة حاتم، فأجبته، قال:
-نزلي السبت بعودين نعناع عشان نشرب شاي بالنعناع.
نفذت ما قال تزامنًا مع خروج حاتم ليأخذ النعناع، قال بابتسامة:
-شكرًا.
-عفوًا.
قلتها باقتضاب ودلفت لغرفتي....
وبعد فترة عاد أخي للبيت، رأيته يقف خلف الباب شارد يحك رأسه، وهو يقول:
-شكلي كده عكيت الدنيا! الشاي ده كان فيه حاجه أكيد!
اقتربتُ منه وسألته:
-إيه اللي حصل؟!
انتفض، وجحظت عيناه وهو يطالعني وتلعثم قائلًا:
-لـ... لا... مفيش يا... مفيش حاجه أبدًا.
قالها وفتح باب الشقة وركض مجددًا للأسفل فقلبت فمي بذهول، وأنا أردد بقلق:
-استر يارب.
صلوا على خير الأنام ❤️
لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين
★★★★★
«لو أذنبت كل ثانية وفي أخر يومك عدت واستغفرت الله، لغفر لك ولا يبالي، وإن علم الناس بذنب واحد اقترفته على حين غفله لن يغفروه ولن يغفلوا عنه...»
وقف «أكرم» أمام بيت ميسره يناديه، فنهضت تسنيم من مكانها أثر صوته لتوقظ أخيها، هزته برفق وقالت ساخره:
-قوم صاحبك المحروس بينادي عليك.
قال بنعاس:
-قوليله كان عنده شيفت وسهران طول الليل ونايم.
-أنا مش هطلع قوم قوله بنفسك.
-خلي ماما تقوله يا توتو... سيبيني أنام.
-ماما نزلت السوق... قوم قوله وابقى نام.
-مش قائم سيبيه ينادي.
قالها بنفاذ صبر، ووضع الوسادة على رأسه، فنهضت تسنيم وخرجت من الغرفة وهي تغمغم:
-خليه بقا ينادي.
جلست على الأريكة، وهي تسمع صوت أكرم، وتحاول تجاهله، لكنها نهضت في النهاية وهي تنفخ بضجر، ارتدت حجابها وهي تقول لنفسها:
-عادي يعني هطلع أقوله ميسره نايم... ميسره نايم.
كررت أخر جمله وهي تدنو من الشرفة لتخرج إليه، ازدردت ريقها باضطراب وهي تمسك باب الشرفة...
فلم ترى أكرم منذ عامين بعدما تقدم لخطبتها ورفضته، لأنها سمعت حديثه مع أخيها وما فعل من خطأ بحق نجمه وشروق هو وأخيها! فقد اتفقا معًا وعقدوا رهان للإيقاع بهاتين الفتاتين.
رفضته «تسنيم» فسافر للعمل خارج مصر ولم يطلبها مرة ثانية بل لم يعترض طريقها أو يظهر لها ولو صدفة على تطبيقات التواصل الاجتماعي...
أخذت نفسًا عميقًا وفتحت باب الشرفة وخرجت إليه بعدما أكدت على نفسها أنها ستخبره أن ميسره نائم وتدخل مباشرة...
وحين نظر إليها «أكرم» مترقبًا كلماتها تلاشت الأحرف من رأسها، وتصنمت مكانها لبرهة، لا تعرف ما الذي يتوجب عليها فعله! أنقذها قوله:
-إزيك يا تسنيم؟ آآ... أومال فين ميسره؟
-آآ... نام، نايم، كان عنده شيفت بالليل ونام...
-طيب ماشي لما يصحى قوليله إني عديت عليه.
قالها وابتسم وهو يرميها بنظرة عتاب خفية، وغادر...
وقفت تسنيم مكانها صامتة وشاردة تُطالع مكانه الفارغ، فقد تغير مظهره، أصبح أنحف من السابق! حتى ملامحه تغيرت وازدادت هيبته! لكن لازال قلبها يرفضه بتاتًا.
بدلت نظرها تُطالعه وهو يسير بخطى واسعة في تؤدة، تنم على مدى أثر الأيام في شخصيته قبل مشيته وملامحه!
وبعد رحيله ظهرت والدتها تحمل أكياس من الخضروات والفواكه فهرولت تحمل عنها وتساعدها.
وبعدما ارتاحت والدتها من أثر الدرج وخلعت حجابها قالت:
-أم أكرم قابلتتي في السوق النهارده... بتقول إنه رجع من السفر.
هزت تسنيم رأسها وقالت:
-أمممممم... عرفت كان جاي عايز ميسره...
-بيقولك ربنا فتح عليه أوي وبنى بيت كامل لنفسه...
مصمصت والدتها شفتيها بحسرة، وأضافت:
-يا خساره! مش لو كنتِ وافقتِ عليه كان زمان عندك بيت لوحدك.
قالت تسنيم بنزق:
-إيه يا ماما! خلاص الموضوع انتهى من زمان.
قالتها تسنيم وهرولت تختفي داخل المطبخ، كي لا ترى نظرات اللوم والعتاب المتكرر، بينما رددت والدتها ساخرة:
-دا أنا بختي مايل في عيالي... ظبطي الشقة وجهزي نفسك يابت لما نشوف هتطفشي العريس بتاع النهارده ازاي.
غمغمت تسنيم لنفسها:
-كل شويه عريس!! دي الحياة بقت صعبه يارتني ما كبرت!
استغفروا❤️
بقلم آيه شاكر
★★★★★★★
«يكفي أن يُكرر المخادع في نفسه كذبةّ، ليقتنع بهراءٍ وافتراءٍ سولته له نفسه، ولم يكن.»
همت «أسماء» أن تخرج من بيت والديها وقبل أن تفتح باب الشقة، سبقتها والدتها ودخلت، فسلمت أسماء عليها بحبور وساعدتها في وضع حاجياتها، قالت والدتها:
-عارفه قابلت مين في السوق يا سمسم؟
-مين؟
-أم تسنيم اللي أخوكي كان عاوز يتجوزها.
-تسنيم!! قولتلكم قبل كده تسنيم دي متكبره ومغروره... أما شروق أجمل منها بكتير ومتواضعه... والله الواد أكرم دا مابيفهم!
-القلب وما يريد بقا يابنتي... بس خلاص أمها بتقول متقدملها عريس النهارده وهتقابله.
قالتها والدتها، فقالت أسماء ببهجة:
-أحسن، صدقيني تسنيم دي بنت مش كويسه وبعدين رفضت أكرم يبقى خلاص انتهى يشوف غيرها... خليه يتقدم لشروق والله بنت قمر... نفسي أفرح بيه وبيها، اقنعيه يا ماما عشان خاطري خليه يخطبها قبل ما يسافر.
قالتها أسماء برجاء، ففكرت والدتها لبرهة ثم قالت بحمـ ـاس:
-والله شروق بنت حلوه وأنا أتمناها ليه، طيب سيبيني أزن عليه وربنا يقدم الخير.
ابتهجت أسماء، ونهضت تُقبل رأس والدتها بسعادة وقالت:
-والله إنتِ أحسن أم في الدنيا.
ابتسمت والدتها وقالت:
-إنتِ اللي أحسن بنت في الدنيا وأطيب قلب.
عادت أسماء تجلس مكانها، والإبتسامة على وجهها، وتحملق بالفراغ بشرود، فهي على يقين أن والدتها ستقنع أكرم، وشروق قد أقتنعت سلفًا بأكرم، فأسماء لم تدع فرصة في العامين الماضيين إلا وتحدثت عنه بالخير وكيف أنه تغير وأصبح رجلًا نافعًا يافعًا حتى لاحظت الهُيام على وجه شروق وأدركت إقتناعها به حين سألتها شروق عنه قبل أيام...
جذبها من أفكارها دخول أكرم للبيت، متهلل الوجه لأنه رأى تسنيم وتحدث معها ولو بالقليل بعد فترة طويلة، وحين رأته أسماء قالت بخبث:
-تعالى أسمع أخر الأخبار... بيقولك تسنيم متقدملها عريس النهارده وهتقابله ومقتنعين بيه.
تجهم وجهه، ووقف مكانه للحظة ليستوعب ما نطقت به أسماء، ثم سأل:
-مين قالك؟!
-أمها كانت معايا في السوق وقالت لي...
قالتها والدته، فنهضت أسماء وربتت على كتف أكرم وقالت:
-صدقني تسنيم مش لايقه عليك، وشروق بتحبك يا أكرم.
تجاهل أكرم ما قالته وجلس جوار والدته، ثم قال:
-هنفطر ولا إيه يا ماما؟!
فنظرت له أسماء، وقد شعرت أنها ستنجح تلك المرة، وسيتزوج أكرم بشروق قريبًا جدًا.
★★★★★★★
«إيمان»
وفي المساء
كنتُ أجلس بغرفتي أتواصل مع رفيقاتي عبر تطبيق للتواصل الإجتماعي «سمر ونجمه وهمسه ونسمه»، نشجع وندعم بعضنا البعض بأمور الدين قبل الدنيا، نحث بعضنا على قراءة الأذكار ونتحدث عن الله وأسماءه وأنبياءه.
فالإنسان بحاجة دائمة لمن يُذكِره أن الدنيا ما هي إلا رحلة، طريق سفرٍ شاق ليجمع متاعه الذي سيبقى معه في دار القرار، ولا ريب أن خير متاع الدنيا هو القرآن.
فُتح باب غرفتي بغتة، ووقفت والدتي جوار خالتي ينظران إليّ بحاحب مرفوع، فأستأذنت أصدقائي وأغلقت الهاتف قبل أن أقول:
-خير إن شاء الله؟
-خير! هو إنتِ وش خير! دا إنتِ وش فقر ياأم مناخير.
قالتها خالتي وهي تجذب أنفي للأمام، فقلت:
-براحه يا خالتو! وبعدين هو إنتِ يعني معندكيش مناخير؟
-عندي بس مسمسمه مش زيك!
قالتها خالتي وضحكت مستهزءة هي ووالدتي، فنظرت لإنعكاسي بالمرآة، والله إن ملامحي لجميلة! حتى أنفي الذي يسخرون منه دائمًا لم يكن سيئًا كما يبالغون، تنهدت بعمق وقلت برضا:
-الناس من آدم، وآدم من تراب، مش فارقه كلنا مصيرنا واحد، الطويل والقصير التخين والرفيع، الأبيض والأسود... ولا فضل لأعجمي على عربي إلا بالتقوى.
نظرتا لبعضهما، تزامنًا مع دخول أخي مع بودي للغرفة مبتسم، فنهضت وقبلته، بينما كانت خالتي تهمس لأمي بشيء، وأنا اتابعهما بطرف خفي، حتى نطقت خالتي بنبرة هادئةٍ ونظرة حانيةٍ تتودد بها إليّ:
-إيمان يا حبيبتي.
نظرت لها بترقب فوضعت علبة هدايا قبالتي وأضافت:
-حاتم... قصدي الدكتور حاتم يوم ميلاده النهارده و...
أدركت ما تريد، فقاطعتها:
-عايزاني أروح أقوله كل سنه وإنت طيب وأديله الهديه طبعًا؟
أومأت أمي وتبعتها خالتي بابتسامة، فقلت ساخرة:
-أيوه ومالو ما هي بقت بطاطا خالص...
فقال بودي:
-أنا عايز بطاطا...
-بكره يا بودي هجيبلك.
قالتها خالتي، واقتنع الطفل وانشغل باللعب مع أخي، بينما حاولت خالتي إقناعي بشتى الطرق، وبعد فترة من الجدال القوي، قالت:
-ما إنتِ مش هيجيلك فرصه تانيه زي دي بمناخيرك دي!
قالتها وهي تشير إليّ ساخرة، فضحكت وقلت وأنا أضغط على أحرفي بسخرية:
-عسل يا خالتو إنتِ عسل.
صاح بودي:
-أنا عايز عسل.
-بكره يا بودي هجيبلك...
قالتها خالتي بضيق، فدبدب الطفل بالأرض، وصاح:
-لا دلوقتي.
قالها بعناد، فأحضرت له والدتي العسل، بينما ظلت خالتي تحاول إقناعي طول الليل ولكن ضاعت كل محاولاتها هباء...
قلقت في نومي قبل الفجر فتناهي لسمعي هذيانها:
-الهديه يا إيمان... عشان يتقدملك تاني يا به.
فضحكت، ودعوت لها بالهداية....
قمت أصلي ركعتين استخارة ورجوت الله أن يعطيني إشارة...
لم أنم بعدها وانتظرت صلاة الفجر وأنا أستنشق عبير نفحات الفجر الخاصة وعبقها المميز.
وبعد صلاة الفجر...
وقفت في شرفتي لأجده عاكفًا على مصحفه يحفظ الآيات بتركيز وخشوع، ثم دخل غرفته، فمسكت الهدية أقلبها بين يدي وأُطالعها، وأنا أستند على سور شرفتي، وحين عاد للشرفة، وقف لبرهة ثم نظر لأعلى فرآني، ابتسم فارتبكت واختلج قلبي وارتعشت يداي فسقطت الهدية...
أطبقت يدي على فمي أكتم شهقتي، وجحظت عيناي حين انتبه حاتم والتقطها...
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
1-رواية روحى تعاني الجزء الاول1 كامله هناااااا
2-رواية روحى تعاني الجزء الثانى 2كامله هناااااا
3-رواية روحى تعاني الجزء الثالث3 كامله هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا