القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية لتطيب نفسي (روحى تعانى الجزء 4) الفصل التاسع والعاشر بقلم إيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)

 

رواية لتطيب نفسي (روحى تعانى الجزء 4) الفصل التاسع والعاشر بقلم إيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)




رواية لتطيب نفسي (روحى تعانى الجزء 4) الفصل التاسع والعاشر بقلم إيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)




(٩)

#روحي_تعاني٤

#لتطيب_نفسي

بقلم آيه شاكر 

مددت يدي لأفتح المرحاض تزامنًا مع فتح أحدهم للباب فأجفلت، وعدت خطوتين للخلف، وما أن ظهرت هوية ذلك الشخص تصنمت مكاني وجحظت عيناي بصدمة...


تلاقت نظراتنا لبرهة، نظراته المشدوهة التي ما أن التقطت ملامحي حتى غض بصره عني، قال وهو ينظر أرضًا:

-إنتِ دخلتِ هنا ازاي يا إيمان؟


قالها حاتم بنبرةٍ مضطربة لكنه لم يكن أشد ارتباك مني، قلت وأنا تحت تأثير الصدمة:

-مكنتش عايزه أنام... زميلتي والله... آآ... أنا مكنتش...

صمتت حين شعرت بتدفق العبرات من عيني فأطبقت يدي على فمي، وطأطأت رأسي...


رمقني حاتم بنظرةٍ أسقطها سريعًا لأنني لم أرتدي نقابي بعدُ، قال بتوتر:

-بتعيطي ليه؟ اهدي و... وأنا خارج خلاص.


هرول يأخذ حقيبته التي لم أرها على الأرض إلا الآن، قلت بحشرجة:

-آآ... آسفه والله...


ودون أن يرفع بصره بي، قال:

-محصلش حاجه وكويس إن أنا اللي هنا... ولما تدخلي أوضه افتحي حمامها وبصي في أركانها كويس قبل ما تقفلي بابها عليكِ.


أومأتُ وقلت بطاعة:

-حاضر...


اتجه صوب الباب، وقال:

-أنا هخرج وإنتِ اقفلي على نفسك وخدي راحتك.


أطعته أيضًا بقولي:

-حاضر.

-وبطلي عياط لو سمحتِ.

-حاضر.

مازالت تحت تأثير المفاجأة فلم أحرك ساكنًا، أمسك هو مقبض الباب وهو يوليني ظهره، وأرسل تنهيدة ثم نطق:

-تعبتيني أوي يا إيمان.


قلت بدموع:

-أنا آسفه والله...

استدار إليّ لكنه لم يرفع بصره، قال:

-بطلي عياط...


وليته ظهري وارتشفت دموعي ثم قلت:

-حاضر.


وبعدما سمعت إغلاق الباب وبوثبةٍ واحدة قفزت لأوصده خلفه، ومن ثم شهقت شقةً باكية دوت بأرجاء الغرفة علها تُهدأ إختلاج قلبي، واضطراب نفسي...


جلست على الفراش أفكر في حوارنا وكيف كنت أطيعه من هول صدمتي، وأخذت أبتسم وأنا أبكي...


ثم تسائلت إلى متى سأظل أجهل مُبتغاي فأنا تائهةٌ، حائرةٌ بين قلب تعلق وحن ورق، وعقلٍ مصارع يأبى الخضوع فآرهقني...


لم أظهر من الغرفة حتى إشراقة الصباح رغم أنني لم أنم...

وفي السابعة صباحًا دخلت للقسم وأعطيت المريضة الدواء ثم وقعت إسمي بدفتر الإنصراف وقبل أن أغادر رمقني غيث بنظرةٍ سريعة ثم قال بنبرة جامدة ومترددة:

-بصي يا مس آ... أنا بعتذر لو غلطت فيكِ امبارح.

-حصل خير.

قلتها باقتضاب، فقال بنبرة تختلف عن الأمس:

-تمام يا آنسه... مش حضرتك أنسه برده؟


أومأت عدة مرات دون كلام، ورمقته فرأيت وميض ابتسامة خافت ارتعش على شفتيه...


 بدلت نظري بين الواقفات، يرهفن السمع ويتابعن كلامنا بابتسامة واسعة، ثم توجهت لغرفة التمريض لأبدل ملابسي وأنا أتسائل ما به؟ بل ما بهن؟ ولمَ خلع هو رداء الغطرسة على حين غرة، وظهر عليه اللطف هل خاف من حاتم؟! بالطبع خاف منه!


سُرعان ما امتلئت الغرفة بزميلاتي، قالت إحداهن بسخرية لطيفة:

-دا تاريخ المستشفى هيسجل إن مستر غيث الصعب بجلالة قدره اعتذر من إيمان.

قلت:

-صعب على نفسه أنا مبخافش من حد... بس ايه اللي حصله يعني عشان يعتذرلي! خاف مني ولا ايه؟!

-هو أصلًا إنسان غريب كل ساعه في حال...

قالتها زميلتي التي دفعتني للغرفة مساء، فهدرت بها:

-اسكتِ إنتِ دا أنا هعرفك عشان دخلتيني أوضة كان فيها دكتور يا أستاذه.


قالت:

-والله ما كنت أعرف... ودي الأوضه اللي كنا نايمين فيها أنا والعيال.

قالتها وهي تشير لباقي زملائي، فقالت أخرى:

-تلاقي الدكتور هو اللي داخل بالغلط لأن الأوضه اللي جنبها للدكاتره، بس دكتور مين اللي كان في الأوضه؟

-متشغليش بالك.

قلتها باقتضاب وارتديت حقيبتي وخرجت من الغرفة تاركة خلفي همهمات وتساؤلات وهالة من الغموض أتعمد أن أُحصن نفسي بها من البشر أجمع.


استغفروا❤️

لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين 

بقلم آيه شاكر 

★★★★


وقفت أمام المصعد، وحين وقف غيث جواري ورغم صمته التام، إلا أنني كدت أتجه للدرج...


رمقني هو وعدل حقيبته وهو يسألني:

-إنتِ إيمان صح؟

-صح.

قلتها باقتضاب، فقال:

-أنا بعتذر منك تاني لأني كنت سخيف أوي امبارح...

-حصل خير.

وحين وقف المصعد كان يعج بالركاب لذا لم أنتظر ونزلت الدرج، وتبعني هو الأخر، فتسارعت دقات قلبي...

كنا نسير بنفس الاتجاه وأسمع صوته يُحي من يقابله من عمال أو أطباء أو زملائه في رتابة وتؤدة...


وما أن خرجت من المستشفى رأيت حاتم أمامي يتحدث مع أحد عبر الهاتف، وتسنيم تقف بالإتجاه الأخر تستعد لتقطع الطريق، وتنظر بساعتها، ونظراتها المضطربة تشي بمدى تأخرها على دوامها...


 وحين رأتني سلطت بصرها عليّ ولوحت لي مبتسمة، فلوحت لها وحيدت ببصري عنها حين قال حاتم الذي وقف أمام سيارة حازم وكانت أسماء تركب بالأمام وتحمل طفلها:


-تعالي يا إيمان مش إنتِ رايحه البلد؟

-آآ... أيوه.

قلتها بتوتر، فقال وهو يفتح باب السيارة:

-طيب تعالي اركبي معانا هنوصلك.


وصاح حازم:

-تعالي يا إيمان نوصلك في طريقنا... انزلي يا أسماء اركبي معاها ورا.


-رجلي وجعاني مش هعرف أنزل.

قالتها أسماء متجهمة، ولأُثير غيظها قررت الموافقة على عرضهما، وقبل أن أركب سمعت دوي أبواق السيارات وصوت احتكاك قوي لمكابح إحداهن، فأجفلت والتفتنا جميعًا لمصدر الصوت...


توقفت حركة السيارات جملة واحدة إلا من سيارة مرت ولم تكترث لما يحدث، حيث وقفت تسنيم مشدوهة ترفع كلتا يديها لأعلى كمـ ـجرم وقع في أسر الشرطة، بينما تناثرت أوراقها من يدها وكيس أخر لطعامها سقط أسفل قدميها...


ركض «غيث» صوبها وأخذ يلملم حويجاتها، وانحنت هي الأخرى تساعده وتشكره بنبرة متلعثمة:

-شكرًا شكرًا جدًا...

-يلا... تعالي في جنب وبعدين اشكريني.


قالها بانفعال وسار جوارها حتى قطعا الطريق، ووقف يسلمها أشيائها وهي تكرر شكرها كثيرًا في اضطراب وهو صامت لا يُعقب، إنسان غريب بمعنى الكلمة وقد عاد لتجهمه ونظراته الحادة مرة أخرى.


اقتربت أنا منها أطمئن عليها فضمتني وقالت:

-الحمد لله اتكتبلي عمر جديد... الحمد لله...


خرجت من أحضاني ونظرت لغيث، قائلة:

-شكرًا بجد...


فقال بملامح مدلهمة وببرود:

-كفايه شكر... أنا معملتش حاجه.


وأشار غيث لسيارة أجرة وغادر دون أن يلتفت أنا وظلت تسنيم محدقة بمكانه الفارغ وهي تبتسم، ولم تنتبه لندائي بها، هززتها بخفة، فقالت بتلعثم وبابتسامة فاترة:

-إنتِ هنا يا ايمان؟ 

-بقالي شويه بقولك أنا ماشيه عشان هركب معاهم...

قلتها وأنا أشير نحو سيارة حازم، فنظرت تسنيم محل اشارتي وقالت:

-طيب ماشي في حفظ الله... أنا كمان متأخره، سلام.


قالت أخر كلمة وهي تدخل المستشفى، فابتسمت، فأنا أحبها كثيرًا بروحها المرحة رُغم أنني لم أرها إلا مراتٍ معدودة، فسبحان من بيده مفاتيح القلوب...


ركبت معهم بالمقعد الخلفي وجواري حاتم الذي التصق بباب السيارة تاركًا بيننا مسافة وفيرة، وساد الصمت لفترة حتى خاطب حاتم أخاه:

-معندكش شغل النهارده ولا ايه يا حازم؟!

-لأ عندي أجازه قولت أجي أجيب العيش وفطار وبالمره أجيبك في طريقي.

-وأنا جيت معاه عشان العسل ده.

قالتها أسماء بابتسامة صفراء وهي تشير لطفلها، وعاد الصمت يطبق علينا حتى سألني حازم:

-معدتيش بتكتبي  روايات ولا إيه يا إيمان؟


قلت:

-لأ اعتزلت لأني معنديش وقت وحسيت إني كمان معنديش الموهبه...


تدخل حاتم: 

-معندكيش ايه؟! لأ إنتِ موهوبه وأنا قلتلك الكلام ده قبل كده...


كان حازم يتابع كلمات أخيه بابتسامة، وأسماء تُصر على أسنانها في غيظ، وغيرت هي دفة الحوار بقولها:

-صحيح يا دكتور حاتم إيه رأيك في العروسه؟

قال حاتم:

-حلوه ربنا يرزقها بابن الحلال ان شاء الله لكن أنا اعذروني مش هنفعها ومش هقابلها وبطلي تزني على ماما.


اعتدلت أسماء بجلستها وقالت:

-قوله حاجه يا حازم عاوزين نفرح بيه.


-قول لمراتك تشيليني من دماغها يا حازم.

قالها حاتم بنزق يحاول اخفاؤه خلف نبرته المرحة، فقال حازم:

-خلاص يا سمسم سيبك منه هو حر...


-بالظبط كده...

قالها حاتم، فعلقت أسماء بخبث:

-مش عارفه ليه الرجاله بيحبوا يجروا ورا الحاجه الصعبه والمستحيله حتى لو مش حلوه.


-عشان لما يوصلوا يحسوا بلذة الوصول...

قالها حاتم، ورمقني بنظرة خاطفة هو مبتسم وكنتُ أتابع كلامهم بترقب شديد وبابتسامة تختفي أسفل نقابي...


خيم علينا الصمت وطالعت الطريق عبر النافذة وأنا أتسائل هل علم حاتم بحقيقة أسماء كما قال لي سابقًا أم أنه كان يُثير مخاوفي لا أكثر...


مر الطريق ولأن المسافة بين بيت جدتي وبيتهم كبيرة نوعًا ما أوصلوني أولًا، وارتجلت من السيارة وشيعتهم بابتسامة ظهرت بعيني، وشعرت بالإنتصار، وأنا أرى الغيظ قابع بين عيني أسماء، لقد تحولت لشريرة أليس كذالك؟


ارتجل «حاتم» من السيارة وطلب من حازم الإنصراف لأنه سيسلم على جدتي ويلحق بهم، فقلت:

-آآ... جدتي زمانها نايمه...


وحين نظرت لأسماء ورأيت أنها فرحت، أردت أن أثير غيظها أكثر، فقلت:

-بس نصحيها عادي اتفضل يا دكتور... حضرتك نورتنا.


تجهمت أسماء فشعرت بالإنتصار مرة أخرى، ودخلت البيت مبتهجة...


استقبلتني جدتي بترحابها اليومي:

-أهلًا بالمؤلفة الكبيرة اللي وحشتني هي وقصصها...

طرقت الباب وأنا أردد:

-معايا ضيف يا تيته... 


ظهر حاتم وألقى السلام، فردت جدتي وقالت:

-أهلًا وسهلًا اتفضل ياحبيبي.


جذبتني جدتي من ذراعي فانحنيت إليها، قالت بهمس:

-دا العريس؟!


همست بأذنها:

-مش وقته يا تيته.


نظرت له جدتي وقالت:

-اهلًا يا حبيبي نورت.


أخذ حاتم يعرفها عن نفسه، فابتسمت جدتي وأشارت لي لأذهب وأُحضر الضيافة، وحين عدتُ، سمعت أخر جملة قالتها جدتي:

-أنا بقا قولت لإيمان إن القصه بتاعتها دي ناقصه... والبطله غلطانه.


ازدردت ريقي وقلت باضطراب وصدمة:

-قصة ايه دي يا تيته؟

-قصة البت اللي رافضه العريس عشان أخته ومرات أخوه...


ارتعشت يدي فوضعت الصنيه قبل أن تسقط مني، بينما نهض حاتم واقفًا، رمقني بنظرة خاطفة ثم استأذن وغادر وملامحه شديدة العبوس...


أغلقت الباب خلفه، وعدت لجدتي قلت:

-إنتِ حكيتيله إيه يا تيته؟!


-هو ماله زعل من القصه ولا إيه؟!


أدركت ما حدث، فقد فطن حاتم كل شيء بالطبع، دبدبت بالأرض وصحتُ:

-يالهووووي...


استغفروا ♥️ 

بقلم آيه شاكر 

                    ★★★★★

وبعد يومين

دخلت المستشفى لدوامي النهاري، فقد مر عليّ اليومان في قلق وأرق، منعت نفسي أن أحمل هاتفي وأتحدث مع حاتم لأوضح له فماذا سأوضح؟ كل شيء واضح...

تمنيت أن أراه اليوم، جلست على المكتب أنتظر باقي زملائي، وأثار انتباهي صوت أحبه، تلك التي تحيط الجميع بمرح وابتسامة، حتى أقبلت إليّ وقالت:

-أخيرًا اتقابلنا في شيفت واحد.


نهضت أضمها وقلت ببهجة:

-تسنيم، يا لسعادتي اليوم.


لكن ما أن رأيت ميسره يظهر، اتسعت حدقتاي وتلاشت بهجتي وأضفت:

-ليه كده بقا؟!


التفتت تسنيم تنظر محل نظري وابتسمت، قبل أن تقول:

-أخويا خطوبته كمان يومين وإنتِ معزومه طبعًا...


ابتسمت وقلت:

-مـ... مبارك... عقبالك يا توتو.


وما أن قلت جملتي تلك نظرت تسنيم نحو ذلك الذي دخل لتوه ونظراتها تشي بما يواريه قلبها.


كان أخر شخص أتمنى رؤيته اليوم «غيث» قلت بحسرة:

-دا إيه الشيفت ده!!!


تنهدت وانشغلت بعملي، ولم يتحدث معي ميسره مطلقًا، كان يؤدي عمله في هدوء، وغيث كذلك ويحدثان بعضهما بين حين وأخر.


مر الوقت بهدوء وابتهجت حين تفقدت الوقت وتبقى فقط ساعتين وإذ بغتة يصدع جهاز أحد الحالات وبعد محاولات عدة لإنعاش قلبها لم تعد.


قال ميسره وهو يطالع الحاله بحسرة:

-أبشر يا تيمور أهل الحالة دي بلطـ ـجية ومش هيسكتوا!


قال غيث:

-واحنا هنعمل ايه! الأعمار بيد الله.


خرج الطبيب يبلغ أهل الحالة بالوفاة، ولم يأتِ مرة أخرى وكنا نسمع أصوات الصراخ والنزاع بالخارج في قلق وخوف، وننظر لبعضنا بارتباك، متذكرين قصص زملائنا حول هجوم البعض عليهم بعد وفاة المرضى...


شرع ميسره وغيث في تجهيز المتوفى بينما نحن باقي الطاقم كنا نتبادل النظرات وكأننا نقرأ ما يجول برؤوس بعضنا من خلالها، قالت تسنيم:

-الدكتور هرب وسابنا.


قالت أخرى بثقة:

-متقلقوش أولًا إحنا بالنهار يعني أمان، ثانيًا الأمن بره ومستحيل يسيبوهم يدخلوا هنا...


قالت ثالثة:

-وثالثًا بقا هقولكم حاجه، لو حد حاول بقرب منكم تقولوا أنا حامل هيبعد علطول...


قلت:

-يا سلام وأنا بقا أقول حامل ازاي وانا مش متجوزه أصلًا.

ردت:

-ياستي هما يعني هيخلوكي تعملي تحليل، أهم حاجه نعيش.


قالت تسنيم بنبرة مرتعشة:

-أنا عمري ما أقول كده طبعًا... وعلى فكره أنا أصلًا مش خايفه. 


وما أن انتهت من جملتها حدث هجوم مفاجئ وامتلأ القسم بأقارب المتوفى لتحطيمه فوق رؤوسنا، فصرخت تسنيم ووثبت في سرعة واختبئت خلفي...

-محدش يقربلي أنا حامل.

قالتها تسنيم بذعر، وهي تمسك ذراعي...


تصنمت مكاني بصدمة وأنا أزدرد ريقي وأشاهد دخولهم المفاجئ بالآلات الحادة، لا أعلم كيف تخطوا الأمن، ووصلوا إلينا، وقف أحدهم أمامي مشهرًا سلا*حه الحاد إليّ، فقلت:

-لو سمحت متقربليش أنا حامل.


متنسوش التفاعل ♥️🌸


#يتبع


#لتطيب_نفسي (#روحي_تعاني٤)

بقلم آيه شاكر 

(١٠)

تصنمت مكاني بصدمة وأنا أزدرد ريقي وأشاهد دخولهم المفاجئ بالآلات الحادة، لا أعلم كيف تخطوا الأمن، ووصلوا إلينا، وقف أحدهم أمامي مشهرًا سلا*حه الحاد إليّ، فقلت:

-لو سمحت متقربليش أنا حامل.


ابتعد الرجل عني، وركض لغرفة المريض وهو يصيح بحرقة:

-قتـ ـلتــــــــــــوه لـــــــيــــــه...


أجفلت من صوته المرتفع، وسرت مع تسنيم نحو الغرفة التي أغلقها غيث عليهم قبل لحظات...


وبنظراتٍ مترقبة تابعنا اقتحـ ـامهم لتلك الغرفة وتفاجئنا...

كان ميسره يضغط على صدر المتوفى لإنعاش قلبه، وغيث يُحضر حقنة من الواضح جليًا أنها لم تكن سوى محلول ملح لا يشفع ولا يُغني!!


توقف ميسره عما يفعله، وقال بثقةٍ زائفة وبرسمية:

-إيه اللي بيحصل ده!! أنا كده مش هعرف أنقذ المريض.


هدر به رجل من الواضح أنه كبيرهم:

-أومال الدكتور بيقول إنه توفى ليه؟


قال غيث بنبرة مرتعشة:

-لأ دي حاله تانيه آآ... إن شاء الله ده هنلحقه وهيعيش بس... اطلعوا بره عشان نشوف شغلنا بعد إذنكم وإلا هيموت فعلًا وهتبقوا انتوا السبب... يــــــــــا أمـــــــــن.

صاح غيث بأخر جمله كأنه يستغيث...


فأشار الرجل للبقية وخرجوا، ثم بدل نظراته بيننا وهز سبابته محذرًا:

-حياته قصاد حياتكم كلكم.


رشق تسنيم بنظرة حادة وهو يكرر نفس الجملة، فقبضت تسنيم على ذراعي وهي تقول:

-آآ... إيه! أنا ماليش دعوه وبعدين أنا حامل.


وحين رأيتهُ ينظر إلي، قلت بتلعثم:

-و... و... وأنا كمان.


رمقنا ميسره بنظرةٍ لن أنساها، ربما صدمة وربما تهكم! وعاد يُكمل عمله الذي نعلم جميعًا أنه بلا فائدة...


وبمجرد خروجهم توقف ميسره وتنهد ببعض الارتياح، توجهت ممرضة نحوهما، وخاطبتهما بانفعال:

-هو إنتوا بتعملوا ايه؟


وضع غيث السرنجة جانبًا وهو يقول:

-بنكسب وقت وإلا كنا هنتفرم كلنا دلوقتي.


وقف ميسره متخصرًا يزم شفتيه بتفكير وقال:

-طيب نطلب الشرطه؟ ولا نكلم الريسه ولا هنعمل ايه!


طالعه غيث لبرهه ثم قال:

-أنا هكلم حد من أمن المستشفى متقلقوش.


قالت ممرضة أخرى «ماهي»:

-متقلقوش أولًا إحنا بالنهار ثانيًا أكيد الأمن هيجي دلوقتي وثالثًا بقا قولوا إنكم حامل زي ما تسنيم وإيمان عملوا بالظبط و...


قاطعها ميسره:

-اسكتي يا مس لو سمحتِ... والله ما بيفرق معاهم الكلام ده... ولو اتحولتوا لمتخلفين عقليًا هتتفرموا برده.


زفر غيث ضاحكًا وهز رأسه باستنكار دون تعقيب وانشغل بهاتفه يطلب النجدة، بينما أشار ميسره لتسنيم لتقترب منه ومال على أذنها، أمسك قفاها وقال:

-حامل!! حامل يا توتو؟

-والله احنا كنا بننقذ نفسنا... 

قالتها تسنيم وهي تشير نحوي، فرمقني ميسرة بنظرة خاطفة وعاد ينظر لأخته، قال ساخرًا:

-بالعقل كده دي ناس مش في وعيها... لو عرفوا إنك حامل هيسيبوكِ مثلًا؟!


اومأت تسنيم ونظرت لماهي وهي تقول:

-أيوه مس ماهي مأكدالي...


اومأت ماهي بابتسامة فخر، فأطرق ميسره وقال:

-يارب الصبر يارب... أخر مره تحضري شيفت معايا يا تسنيم فاهمه؟!


قالت:

-فعلًا لأن إنت شيفتاتك صعبه، فقري من يومك.


حدجها بنظرة حادة فارتدت على عقبها، قالت بتلعثم:

-آسفه... معلش أصل أنا مرتبكه ومتوجسه من اللي حصل وبيحصل وهيحصل.


كنت ألقي بسمعي معهم، أحببت علاقتهما ببعضهما، لكني لم أتدخل بالحوار...


ولم أكن وحدي أرهف السمع، فهناك غيث الذي لاحظت نظرته المطوله لتسنيم وكأنه أدرك وجودها للتو! 


سأل غيث وهو يشير نحوهما:

-هو انتوا أخوات؟


قال ميسره:

-للأسف...


قال غيث بابتسامة خفيفة:

-أول مره أعرف...


وبعد فترة...

جهز غيث وميسره المتوفى، وقال غيث بثقة:

-أنا كلمت أمن المستشفى، وبلغوا أهل الراجل بالوفاة وهيجوا يستلموا الجـ ـثة دلوقتي... في وجود الأمن طبعًا.

-ربنا يستر. 

قالها ميسره بقلق، ووقفت تسنيم جوار أخيها بقلق، فربت على يدها وقال:

-متقلقيش...


قالت تسنيم بارتباك حقيقي:

-أنا خايفه... ما أنا برده لسه في عز شبابي... ولسه هتجوز وهخلف وهعيش حياتي.


رمقهما غيث بابتسامة كبحها ومسح ذقنه وهو يلتفت حوله بقلق من أن يراه أحد...


                    وبعد فترة وجيزة

دخل كبيرهم فقط محاط برجال الأمن...


وقف ميسره على يمين فراش المتوفى أما غيث فكان على اليسار، بينما وقفنا جميعًا نتابع بترقب شديد وفي قلق واضطراب.


كان الرجل هادئ ومنكـ ـسر وصامت على عكس حالته الأولى، وقف قبالة الفراش مثبتًا نظره على فقيده دون أن يحرك ساكنًا، ثم نظر لميسره وقال:

-ليه مأنقذتهوش من الموت؟


أطرق ميسره، وقال:

-إحنا عملنا إللي علينا والله، ربنا يصبركم.


انحنى الرجل قبالة الفراش وانهمرت دموعه، وارتفع صوت نشيجه وهو ينادي أبيه ويناشده ألا يتركه...

وانتهى الأمر بسلام في وجود أفراد الأمن.


وبعد فترة من خروج المتوفى...

جلس الممرضات يضحكن على تسنيم ورد فعلها وأنا في عالم موازي، أقف بمفردي والدموع تنهمر من عيني بلا توقف...


إنه نفس المشهد الذي يتكرر كل فترة مع إختلاف الأشخاص، ونفس اللدغة التي تصيب قلبي عند رؤيته، خاصةً حين أدرك أن ملك الموت كان هنا قبل قليل ليقبض روح انسان...

فاضت عبراتي حزنًا على نهاية حتمية تنتظرنا جميعًا ولا مفر منها، الموت...


أعطيت العلاج للسيدة التي كان تشخيصها كرونا لكنها لم تكن مصابه به كما زعموا، وفي الأساس كانت بالعناية لأنها خرجت من عمـ ـلية قلب مفتوح، وقد تدهورت حالتها فجأة وتوصلت على جهاز التنفس الصناعي، مما زاد من حزني، كنت أرمقها من بعيد قبل أن أغادر، وكأنها أحد أفراد عائلتي وأخشى فقدانه...


انتهى الدوام ولم أخرج من حالتي تلك، ما زال قلبي يبكي رغم توقف عيني...

وصلت بيت جدتي واستقبلتني بترحاب لكنني كنت صامته مهزومة، ألقيت بنفسي بين أحضانها وبكيت بكاء شديد! وأنا أخبرها كم أن ذلك المجال الطبي شاق ومر، وهي تنصحني أن أتصلب وأتجلد فلازلت ببداية طريقي به، ثم قالت:

-روقي بقا عشان تقريلي الروايه الكوميدي، الكاتبه بتنزل الحلقه الساعه ٧، وأنا بقالي ساعه مستنياكي.


ارتشفت دموعي وابتسمت وقلت:

-حاضر هغسل وشي وأجهز الفشار وأجيلك يا قلبي...


بقلم آيه شاكر 

صلوا على خير الأنام ❤️ 

                      ★★★★★★ 

«لمَ تتراكم السلبيات على القلب بعد موقف واحد أحزنه وأبكاه؟ وكأن هذا الموقف نملة أبصرت قطعة سكر فأخذت تنادي البقية!»


مرت عليّ أيام ثقال لمَ أر حاتم أو أسمع عنه، وفي كل ليلة لا أنام قبل أنا أقنع نفسي أن أنساه، لكن هيهات...


حين كنت أذهب لدوامي ألتفت حولي بحثًا عنه، وفي إحدى الليالي قررت أن أتنازل عن كبريائي قليلًا وأتصل به، ولا تسألوني لمَ؟!


في العاشرة مساءًا...


جلست وحدي بعدما نامت جدتي، أحمل الهاتف بيدي وأحدق بشاشته وأنا أطرق قدمي بالأرض في اضطراب، وأنتظر رده عليّ، حتى ظهر على الشاشة أنه أجاب، فوضعت الهاتف على أذني، ليلتقط سمعي صوت رجولي يلقي السلام، فأجبته بتلعثم...


 قال:

-مين حضرتك؟


قلت:

-آآ... أنا... أنا إيمان.

-إيمان!! خير يا إيمان؟ 


لُذتُ بالصمت وأنا أبلل شفتي في ارتباك، فقد بدأ صوته غريبًا، لم يكن حاتم، فظننت أنني أخطأت بالرقم...

سألني:

-عايزه حاتم؟


تأكدت أنه ليس صوت حاتم حين قالها، وصُدمتُ بقوله:

-حاتم سافر والخط بتاعه معايا... أنا حازم...


حاولت كبح جماح نفسي المضطربة وقلت بتلعثم:

-إزيك يا دكتور؟ آآ... أنا كنت هسأله عن حاجه في الشغل... شكرًا لحضرتك.

-دا هو سافر امبارح يا إيمان.

-تمام يجي بالسلامه ان شاء الله... سلام عليكم.


أغلقت معه، ومن اضطرابي لم أسأل عن تفاصيل سفره...


شعرت بغصةٍ تتلوى بداخلي، فأدمعت مقلتاي وأنا أخاطب نفسي؛ سافر! كيف لم يخبرني أنه سيفعل؟ وهل هذه إشارة منه لتخليه عني للأبد!


جففت دموعي، ووقفت أقطع الغرفة جيئة وذهابًا وأنا أُحدث نفسي، ولم أكترث ألم يكن هذا مُرادي؟ لقد ابتعد عن طريقي كما أردت، وانتهى الأمر، صفحة وأغلقت للأبد ولا بد أن أنتهي عن التفكير به من الآن وصاعدًا...


فتحت محادثة «جروب م» الذي تحولت لمحادثة روحانية، نتدارس بها القرآن الكريم والأحاديث النبوية ونادرًا ما نتحدث عن أمورنا الخاصة، فكل واحدة منا انشغلت بحياتها...


أردت التحدث مع إحداهن فكتبت: 

-حد موجود؟!


انتظرت قرابة النصف ساعه ولم أتلقى رد، فبكيت وأطبقت يدي على فمي أكتم نشيجي...


إنني وحيدة جدًا! فأنا الأخت الكبيرة لثلاثة أولاد جميعهم لازالوا أطفال، لا أخت لي، ولا أصدقاء لدي! لا أحد ليسمعني، لا أحد جواري يربت على قلبي، لا أحد لي...


هكذا سيطرت الأفكار السلبية على عقلي دفعةً واحدة، وأمطرت عيناي بوابل من الدموع الساخنة...


«كم أن الإنسان كنود! يُعدد النقم وينسى النعم»


فتحت دفتري الذي غبتُ عنه مدةً طويلة وأخذت أفُرغ مشاعري على ورقه وقطرات دمعي تسقط على الكلمات أحيانًا حتى هدأت شيئًا فشيئًا وتوقفت عبراتي، تنهدت بعمق قبل أن أقلب تلك الصفحة....


وبصفحةٍ جديدة طالعت فراغها هنيهة، قبل أن أكتب عنوان جديد:

«سأكتب إليك حتى أراك، مجهولي...»


ولم أكن أقصد حاتم بل مجهول أخر سأفرغ ما بقلبي له وسأُخمد مشاعري عن كل الرجال لأجله، فحتمًا سيأتي عاجلًا أم آجل، أما حاتم فيتوجب علي نسيانه للأبد، ظانةً بأن طرقنا لن تتقاطع مجددًا...


وقبل أن أشرع بكتابة المزيد دقت الواحدة بعد منتصف الليل...

سمعت صوت إغلاق باب البيت بهدوء، فانتفضت وتسائلت أهذا لص؟!


وثبت وحملت عصا غليظة، وسرت بترقب نحو الباب، ولكن أبصرت حقيبة سفر بيد اللص، لذا تمهلت حتى أرى وجهه وحين استدار وتجلت ملامحه ولم يكن سوى خالي، قلت ببهجة:

-خالو!!


التفت إليّ وفتح ذراعه فارتميت بأحضانه بشوق...

قلت:

-مقولتش إنك راجع ليه خالو؟!


تنهد بحسرة وهوى جالسًا على إحدى المقاعد، ثم قال:

-ماكنتش عامل حسابي لكن الشركه اللي كنت شغال فيها نزلوا كل العماله المصريه... كنت قلت ربنا هيكرمني وألحق أعمل قرشين وأتجوز تاني! يلا الحمد لله...


أطلق أنينًا خافتًا، طالعته بشفقة فهو مُطلق منذ قرابة خمسة أعوام وهو الآن بأواخر الثلاثينات من عمره، ويبحث عن سفر ليجد عيشة كريمة...


زم شفتيه ونكس رأسه بحزن وحسرة، فجلست قبالته ومسكت يده وقلت:

-والله أكيد خير كل حاجه رزق يا خالو وإن شاء الله ربنا يعوضك خليك واثق من كده... متزعلش بقا...

قلتها وأنا ألكزه بابتسامة...


-الحمد لله.

قالها بابتسامة راضية لكنها مغلفة بالهزيمة والإنكسار.


فلكل منا ابتلاءه، وكلٌ له رزقه، تذكرت نعم الله علي أمي وأبي على قيد الحياة وذا رزقي، إخوتي الصغار وابتسامتهم رزقي، وحتى وظيفتي التي أُمقتها نعمة وفضل من الله عليّ، وغيرها من النعم التي لا تعد ولا تحصى.


ربتت على كتف خالي وقلت:

-ما تيجي تصلي معايا ركعتين قيام وتحمد ربنا إنك وصلت بيتك بالسلامة...


اتسعت ابتسامة خالي وقال:

-مع إني مش قادر بس يلا نصلي...


نهض وحاوطني بذراعه فقلت:

-بقولك ايه يا خالو ما تيجي تقص لي ودني ونتجوز وخلاص... أنا أصلًا بحبك.


ضحك بخفوت وقال:

-يا مونه إنت تستاهلي واحد أحسن مني دا أنا عاطل يا بت.

-يا سيدي أنا هصرف عليك قول بس إنت أمين ومتقلقش.


قبلني من رأسي، وقال:

-ربنا يرزقك باللي يسعدك يا حبيبتي...


قلت:

-عشان خاطري روق... متزعلش بقا.


أومأ وهو مبتسم وتركني ودلف للمرحاض ليتوضأ...


وبعد يومين عدتُ لبيتي لكن كنت أتردد على بيت جدتي كثيرًا لأتحدث مع خالي...


بقلم آيه شاكر 

ردد:

«لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين »

                      ★★★★★

مرت الأيام بروتينية مملة لم ندرك قيمتها  إلا حين أُوصدت جميع المنافذ وتغير الروتين كُليًا...


أخذ شيء خفي يسمى فيروس كورونا ينال من البشرية بأكملها دون هوادة، أصبحنا نخشى السلام على بعضنا، ونسير بالطرقات واضعين قناعًا حول أنفنا وفمنا، ونجلس متباعدين عن بعضنا...


ومع مرور الأيام لم يزد الوضع إلا سوءًا والوفيات في ازداد، وتحولت بعض أقسام المستشفيات لعزل للمرضى...


آظلمت السماء؟ أم أنني فقدت بصري، حل عليّ ليل طويل، ووباء قاتم تمنينا انتهاءه لكنه طال، وفُرض علينا حظر تجوال، وقُيدت حركتنا...


نهاني أبي عن حضور تدريبي ومكثت بالبيت أتابع الأخبار ولا أخرج إلا لزيارة خالي وجدتي كل فترة...


وببطئ وثقل مرت أسابيع فأشهر....


كثيرًا ما كنت ألتفت حولي أثناء سيري لعلي أرى حاتم الذي لم يزد بُعده قلبي إلا فراغًا، وحنين وشوق لأيام ركضه خلفي! تسائلت هل سأجد مجددًا من يحبني كحب حاتم لي أم سأُعاقب لتركي له؟

                         ★★★★★

جاء اليوم الذي أُلقيت أنا، في بحر لُجي وأنا لا أُجيد السباحة...


تدهورٌ مفاجئ في حالة خالي بعد إصابته بالكرونا وعُزل بمستشفى، ولأجله ألقيت بنفسي في ذلك البحر، تركت بيتي بعدما استأذنت والدي، وذهبت للعزل الصحي وأنا على يقين أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، وكلي يقين أن ذلك الوباء ما هو إلا وهم وأنه يشبه الإنفلونزا الشائعة وبسبب ذلك الوهم تنخفض المناعة فتتدهور الحاله على حين فجأة!


ارتديت الملابس العازلة كباقي الطاقم الطبي، بعدما أصررت كامل الإصرار أن أعتني بخالي بنفسي...

وها قد عدت إلى المستشفى الذي كنت أتدرب فيه، كنت أشاهد تدهور الحالات، وإرهاق العاملين عليها، ومدى حرصهم على حياة الناس...


حقًا! لا تتحدث عن أثر الكورونا على الناس وأنت لم تدخل مستشفى، لطالما بكيت وحدي ودعوت الله أن يلطف بحالة طفلٍ أو شابٍ أو فتاةٍ لازالت في مقتبل عمرها، وبكينا جميعًا حين توفى طبيب تبعه ممرض ثم ممرضة...


أما عن أصوات الصرخات خارج أسوار المستشفى فحدث ولا حرج...


أدركت أنني بمنتصف البحر الذي دُفعت إليه في منامي لكنني لم أرَ حاتم، لم أسمع صوته لأطمئن، ولا أعلم عنه شيء!


بقلم آيه شاكر 

استغفروا🌸

                    ★★★★★

في مكانٍ أخر...

دخل حازم لشقته، إلى المرحاض مباشرة بعدما أشارت له أسماء ليفعل، حرصّا على نفسها وطفلها...


وطفقت هي تمسح الأرض بعد دعساته وحين انتهت جلست تتابع ابنها الذي يلعب قبالتها...


وبعدما بدل حازم ملابسه جلس قبالة زوجته وهو يطلق تنهيدة طويلة، ثم طالعها لبرهة قبل أن ينطق:

-ماما وشروق طلعوا إيجابي.


اعتدلت في جلستها وقالت:

-يا نهار أبيض!! وإنتِ هتعمل ايه؟ أنا مش هسمحلك تنزلهم...

-مش هنزل بس هنعملهم أكل.


-إعمل إنت أنا مليش دعوه.

قالتها ببرود وهي تأكل حبات الفاكهة، فصمت حازم وهو يُطالعها هنيهة ثم قال:

-أسماء! هو إنتِ إزاي اتغيرتِ كده! ولا أنا اللي مكنتش شايفك من الأول؟ يمكن الفتره اللي قعدنا فيها مع بعض في البيت عرفتني عليكي.


وضعت الفاكهة من يدها وقالت ببعض الانفعال:

-تقصد ايه؟


قال:

-أقصد إنك أنانية وغيوره وقلبك مش نقي زي ما تخيلت.


زمت أسماء شفتيها بنزق ولم تُعقب، فنهض حازم واقفًا وخاطبها:

-اقفي مع نفسك شويه عشان أنا مبقتش مستحمل طريقتك، احنا كل يوم بنبعد عن بعض أكتر مع إننا جنب بعض.


نهضت هي الأخرى وقالت بتهكم:

-طيب طلما زهقان مني أوي كده طلقني وريح نفسك.


-إنتِ مدركه اللي بتقوليه؟! أنا بقولك عدلي من نفسك وإنتِ بتقولي إيـــــه؟!

كانت تضغط على أسنانها بغيظ، صاحت بانفعال شديد:

-أنـــا كــده وهـــفــــضــل كـــده يـــا حـــازم مـــش هتـــغيـــر عـــشــان حــد.


قال بنفس انفعالها:

-متــــعـــــليـــش صــــوتــــك عـــلـــيـــا!


تشنج فمها أثر صوته المرتفع، فعلاقتهما تزعزعت واهتزت وصارا يتشاجران كثيرًا في الفترة الأخيرة، قالت أسماء بدموع:

-يعني دا جزائي... أنا استحملت قرفك ورفضك ليا وكنت بعدي غلطك في اسمي مع إني فاهمه ومدركه.


قال باستنكار:

-امته ده؟ ورفض ايه وقرف ايه، وأنا عمري ما غلطت في اسمك...


قالت بنبرة مرتفعة:

-لأ غـــلــــطـــت فــــي اســـمـــي، بس أنا اللي كنت بتغاضى عن الموضوع...


أضافت بحسرة:

-كام مره قولتلي يا نجمه وأنا بلعت الكلمه وسكتت... لو فاكرني مش عارفه إنك بتحبها ومش عارف تنساها تبقى غلطان يا حازم.


-إنتِ اتجننتِ رسمي.


قالت بنبرة مرتفعة:

-اه اتجننت وإنتِ اللي جننتني يا حازم، من يوم ما عرفتك وأنا اتجننت، مبقتش في عقلي... وياريتك بتحبني زي ما بحبك... إنت عمرك ما حبيتني...


قالتها ببكاء وهرولت لغرفتها تحزم أمتعتها لتغادر، فنظر حازم لأثرها للحظات، ورأى ابنه يركض خلفها فتبعهما، سألها حازم:

-إنتِ بتعملي إيه؟


قالت باقتضاب:

-هروح عند أهلي... أنا مش طيقاك.


تنهد بعمق وقال:

-طولي بالك واهدي يا أسماء...


قالت بدموع:

-سيبني يا حازم سيبني، لو سمحت  أنا محتاجه أريح أعصابي.


صمت هنيهة وهو يطالعها بقلة حيلة، وعندما رآها انتهت، قال:

-طيب هوصلك عشان الولد.

قالها وهو يشير لابنه، وأوصلها بنفسه إلى بيت أهلها ولم يدخل بل عاد لشقته...


جلس يتأمل شقته الهادئة، ويتخيل ضحكات طفله ويبتسم، ثم تخيل زوجته وطريقتها الفظة فتجهم، قُرع جرس الباب فنهض حازم بثقل ليفتحه وكان حاتم يقف أمامه يحمل حقيبة على ظهره، وقد حمد الله في سريرة نفسه أنه من فتح وليس زوجته، قال حازم:

-تعالى يا حاتم، حظك حلو أسماء راحت عند أهلها... عشان تقعد معايا لحد ما ربنا يتم شفاء ماما وشروق على خير.


سأله حاتم:

-متخانق معاها ولا ايه؟

-للأسف... أنا مبقتش طايقها يا حاتم...


أطرق حاتم لبرهة وكأنه يفكر هل يخبره بما يختلج به صدره أم لا، لكنه قال:

-فكر في ابنك يا حازم ذنبه ايه! 


زفر حازم بقوة وقال:

-أنا نفسيتي تعبانه أوي...


ربت حاتم على فخذ أخيه وقال:

-معلش يا حازم... ربنا يعينك... 


خيم عليهما الصمت، حتى سأل حازم:

-المهم طمنني عليك... مقابلتش إيمان؟ 


هز حاتم رأسه نافيًا، فسأله حازم:

-مش هتقولي برده السبب في إنك خلتني أكلمها وأقولها إنك مسافر؟


تنحنح حاتم ونهض واقفًا ثم قال:

-أنا كنت جاي أقولك إني رايح العزل النهارده، مش هوصيك على ماما وشروق، أنا جيبتلهم الأدويه اللي هيحتاجوها، لكن لو فيه أي حاجه كلمني... 


وككل مرة يطرح حازم ذلك السؤال يتهرب منه حاتم بطريقة ما...


استأذن حاتم وغادر ووقف حازم يُطالع أثره ويقول:

-ربنا مايوجعش قلبك يا حاتم زي ما قلبي اتوجع زمان...

استغفروا ♥️

بقلم آيه شاكر 

                  ★★★★★★

                     «إيمان»

وبعد إصرار «تسنيم» دخلتُ غرفة لأرتاح قليلًا فلم أنم جيدًا منذ يومين...


أغلقت جفوني بتعب ولكن لم يتركني عقلي الباطن وشأني! فإذ بأصوات الصرخات تدوي داخل رأسي وتختلط مع أصوات أجهزة العناية بالمصابين، وصوت تأوه خافت لرجل كبير السن، ومظهر لفتاة فارقت الحياة لتوها، ودمعة طفل بسبب ألمه، وصيحات الجيش الأبيض لإنعاش قلب أحدهم...


فانتفضت جالسة ودقات قلبي تتسارع وصدري يعلو ويهبط في سرعة واضطراب، تزامنًا مع فتح أحدهم لباب الغرفة، وكانت تسنيم، قالت:

-إيمان إنتِ صاحيه؟


أومأت لها إيجابًا، فجلست بعيدًا عني، وبعدها استأذنت ممرضه ودخلت ووقفت بعيد أيضًا، أطرقت تسنيم وقالت:

-أنا عايزه أقولك حاجه.


اشتدت دقات قلبي، وسألتهما بتوجس:

-في ايه؟


نظراتهم كانت تشي بشيء لا أريد سماعه، شيء أدركه عقلي! هل فارق خالي الحياة؟ سألتهما مباشرة وأنا على وشك الإنهيار وقد تشنجت ملامحي وبرقتا عيناي بالدموع، فقالت الممرضة دفعة واحدة:

-لأ والله خالك كويس متقلقيش وخلاص هيخرج أصلًا... لكن المشكله إنتِ.

-أنا!!!

قلتها وأنا أشير لنفسي، فقالت تسنيم:

-التحليل بتاعك طلع إيجابي... يعني إنتِ مُصابة بالكرونا ولازم تتعزلي مينفعش تخرجي مع خالك...


ازدردت لُعابي بتوتر وقلت:

-بـ... بس أنا مش حاسه بأي أعراض... 

-لأنه لسه في الأول... لكن متقلقيش ان شاء الله هتبقي كويسه.

ولمَ القلق؟ إن كُتب لي النجاة سأنجو، وإن كتب الله لي نصيب من الحياة سأحيا...


مر علي يومين وبدأت الأعراض في الظهور وتفاقمت مع مرور الوقت خاصة في الليل...

كنت أمكث بغرفة تضم ستة أسرة وكل فراش يفصله عن الأخر ستار ثقيل، كنت متعبة جدًا، أحيانًا أغفو فأهذي باسم أمي، وحين أفتح عيناي أجد أنني وحدي فتدمع عيناي، ومن شدة تعبي أغفو، وحين فتحت عيناي تلك المرة وجدتني أنادي حاتم...


أدمعت عيناي لشدة ألم عظامي...


وقلت بل هذا هو البحر الذي أُلقيت به في منامي وها أنا أنادي حاتم، ألم أنساه؟! وكيف لم أنساه وقد مرت فترة طويلة ولم يظهر! وها أنا أهذي باسمه...


-إيمان!!!

كان صوته، ظننت أنني أهذي مجددًا، ولكن حين رفعت رأسى قليلًا رأيته يمسك بدفتر المرضى، ويُطالعني بقلق وصدمة...


دنا مني أكثر، وسألني بارتباك:

-إنتِ هنا من امته؟ وازاي محدش قالي؟


أردت أن أسأله متى عاد من سفره، لكنني تمهلت فلم أرى وجهه بعد وقد تكون تهيئات ليس إلا! لذا أغلقت عيني....

تكملة الرواية من هنااااااا

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا


تعليقات

التنقل السريع