القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية في قبضة الأقدار الفصل السادس عشر والسابع عشر بقلم نورهان العشري حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات

 

رواية في قبضة الأقدار الفصل السادس عشر والسابع عشر بقلم نورهان العشري حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات









رواية في قبضة الأقدار الفصل السادس عشر والسابع عشر بقلم نورهان العشري حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات



القبضة السادسة عشر ✊❤️‍🔥 


كُل الأسود حِداد إلا الأسود في عيناكِ. فهو فِتنةً من نوعٍ خاص. لم يستطِع قلبي الباسل مُقاومتها و أنا الذي ظننتهُ مُحصن ضد هجمات الهوي. فلم تُصيبني رياحه يومًا و لم أكترِث ل وداده أبدًا. إلي أن أخترقت عيناكِ قلاعي و لامس نسيم وجدِك قلبي. فأصبحت في العشق غريق لا يبغي النجاة أبدًا. فالنجاة منكِ تعني الهلاك لقلب لا يرغب سواكِ


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


تسمرت «جنة» في مكانها للحظة و من ثم خرجت شهقة قوية من جوفها حين شاهدت «أمينة» التي كانت مُلقاة علي الأرض تختنق و كأن روحها على وشك الصعود إلى بارٓئها فاندفعت «جنة» تجاهها و هي تقول بذُعر 

" حاجه أمينة . مالك في إيه ؟"


لم تستطِع «أمينة» الحديث و لكن بصعوبة استطاعت أن تُشير بيدها على شئ ما أسفل الأريكة في آخر الغُرفة و الذي لم يكن سوي بخاخ لعلاج حالات الإختناق المُشابِهة لذلك فهبت «جنة» من مكانها و قامت بجلب تلك البخاخه و تقريبها من وجهها و قامت بالضغط عليها عِدة مرات لتستشعر «أمينة» عودة الحياة إلى صدرها مرة أُخرى فقد كانت على شفير الهلاك فقد انقطع عنها الهواء و لم تعُد تستطِع حتى إخراج صوتها و إزدادت ضربات صدرها بشكل كبير إلى أن أرسل الله لها الغوث في تلك الفتاة و التي كانت آخر شخص تتوقع أن يُساعدها لتتخلص تدريجيًا من آثار أزمتها على أقوي منها عِندما شعرت بيد «جنة» الحانية و التي أخذت تُمسِد بها صدرها بحركات دائرية هادئة و بيدها الأُخرى كانت تُطوق كتفيها و قد آلمها أو لنقل أخجلها هذا الموقف كثيرًا خاصةً حين سمعت صوتها المِتلهِف تقول 


" طمنيني بقيتي أحسن دلوقتي ؟"


هدأت أنفاسها تدريجيًا و لكن كان صوتها بعيد و لم تكن قادرة على استدعائه فهزت رأسها بضعف لتقول «جنة» بلُطف 

" طب قومي معايا افردي جسمك و ارتاحي علي السرير "


و كأن حنانها و لطفها كانوا كالسوط الذي أخذ يجلد قلبها دون رحمة .فبهذا المكان تحديدًا أذاقتها كل أنواع الاتهامات واشنعها والآن تقوم بأنقاذ حياتها و مُعاملتها بكل ذلك اللُطف و الحنان ! 


أي جُرم ارتكبته في حق تلك الفتاة التي لا تستطيع نسيان نظراتها المُلتاعة ولا التوسل الذي كانت تُخفيه خلف قوتها بألا تواصل جلدها و إحراق روحها بكلماتها المُهينة ولكنها دهست علي كل ذلك بأقدام الظُلم و أجهزت على كبريائها دون أن يرف لها جفن من الرحمة و الآن ألقي بها القدر بين يديها و التي لم تتردد لحظة في إنقاذ حياتها بنفس المكان الذي قتلتها به ! 


انتهت «جنة» من وضع «أمينة» في فراشها و دثرتها بالغطاء جيدًا و أخذت تُناظِرها باهتمام تجلي في نبرتها حين قالت 

" حضرتك عامله إيه دلوقتى ؟"


لم تُجبها «أمينة» فلم تُطاوِعها شفتاها بالحديث إنما هزت رأسها و عيناها مازالت تعِج بفوضى الشعور بداخلها و الذي قاطعه دلوف عاصف للجميع إلى داخل غُرفتها و كان أول المهرولين هي «حلا» التي إندفعت إلى فراش والدتها و هي تقول بنبرة مُلتاعة 

" ماما حبيبتي مالك في إيه ؟"


" حاجة أمينة . انتي كويسة ؟"

كان هذا صوت «نعمة» الخادمة الخاصة بها و جاء صوت «مروان» الذي كان يُمسِك بيد «ريتال» التي ما أن رأت «أمينة» مُلقاة أرضًا حتى هرولت إلى الأسفل لتُخبِر الجميع و قد كان آخر من دخل إلى الغرفة «سما» التي جاهدت قلقها علي «أمينة» و رسمت قناع البرود علي محياها و لم تتفوه بحرف و قد جذب انتباهها «جنة» التي انزوت بعيدًا عنهم بآخر الغرفة خوفًا من بطشهم 

" أنا كويسة الحمد لله . اطمنوا"

«حلا» بخوف 

" كويسة ازاي يا ماما وشك مخطوف و مش قادرة تاخدي نفسك "


أومأت «أمينة» برأسها بتعب تجلي في نبرتها حين قالت

" متقلقيش يا حلا قُلت كويسة "


إلتقمت عيناها تلك التي كانت تقف بأحد الأركان و يبدو عليها الخوف فاندفعت تجاهها و أمسكت برسغها تهزها بعنف مصحوب بكلمات قاسية 

" أنتي إيه اللي جابك هنا ؟ أكيد انتي ضايقتيها بكلامك و خلتيها تعبت كدا "


خرج صوت «أمينة» ضعيف حين قالت 

" سبيها يا حلا "

ارتعشت «جنة» تحت يدها و هزت رأسها بنفي ليُقاطعهم صوت قوي قادم من خلفهم 

" في إيه بيحصل هنا ؟"


للقلب دائمًا سُلطان علي العقل يسلك كل الطُرق المشروعة و الغير مشروعة حتي يُنفِذ إرادتة و هذا ما حدث معه فبالرغم من أنه قد عزم علي محاربتها و كل شعور يخصها داخله إلا أن هِناك شئ قوي اجبره قسرًا علي الذهاب خلفها مُختلِقًا حجج وهمية تُرضي كبرياءه و لكن حين سمع صوت بُكاءها شعر و أن عبراتها جمرات نار مُشتعٓلة تحرق احشاؤه من الداخل حتى كاد أن يذهب خلفها لا يعلم ماذا سيفعل و كيف سيُصحح أخطاءه التي دائمًا ما يرتكبها بحقها و لكنه توقف حين رأي «ريتال» تلهو بالحديقة فاقترب منها قائلًا بلطف و حرج 

" ريتا . بتعملي إيه هنا ؟"

" كنت زهقانه شويه و قولت أخرج اشم شويه هوا "

" و مروان سابك تخرجي لوحدك كدا ؟"

" لا مانا هربت منه . و حضرتك أكيد مش هتقوله ؟"

فكر قليلًا قبل أن يقول

" لا مش هقوله بس عايز منك خدمة "

" اتفضل يا عمو "

جذبها من مرفقها و وقف بعيدًا خلف تلك التي كان بُكائها يُقطِع نياط قلبه و قال بألم 

" ينفع تروحي تخليها تبطل عياط ؟"


الطفله ببراءة 

" طب و أنا هعمل كده إزاي يا عمو ؟"

أجابها بما يعتمل داخله ويُريده بشدة 

" احضنيها . احضنيها أوي ."


اطاعته الطفلة مع وعد بأن يبقى ذلك سرًا بينهُما و توجهت إلى «جنة» و لم يستطِع منع نفسه من سماع حديثهما الذي كان كالوقود على نيران ذنبه و غضبه الذي كان يحرقه منها و عليها فظل يُتابع ما يحدُث حتى شاهدها تذهب معها للداخل و هنا اندلع شعور أهوج بغيرة حمقاء حين تذكر «مروان» الذي كان يجلس يُتابِع إحدى البرامج على شاشة التلفاز و قد تملكه شعور حارق و هو يتخيلها تجلس معه. ليتوجه علي الفور إلي الداخل و لكن أوقفه رنين هاتفه و قد أخذت مكالمته عدة دقائق و سُرعان ما أنهاها حين سمع الهِتاف بالداخل فهرول إلى الأعلى ليتفاجأ من «حلا» تهزها بعُنف وكأنها إرتكبت جريمة كبيرة .


إلتفتت «حلا» إلى «سليم» قائله بغضب و مازالت يدها تُمسِك برسغ «جنة» التي زاد ذُعرها حين رأته 

" اتفضل شوف عمايل الست هانم. كانت هتموت ماما زي ما موتت حازم "


تفشي الخوف ب أوردتها حتى صارت ترتجف و عبراتها تنهمر بغزارة علي وجنتيها ولم تستطيع سوى أن تهز برأسها بنفي أمام عيناه التي كانت تخشاها كثيرًا و لو تعلم كم آلمه هذا الشعور و الذي كان كسكين باتر ينحر قلبه ببطئ شديد فأغمض عيناه بقوة تجلت في نبرته حين توجه بأنظاره إلى «حلا» قائلًا 

" سبيها يا حلا !"


شحذت «أمينة» بعضًا من طاقتها المفقودة و قالت  بكل ما تملك من قوة 

" اسمعي كلام اخوكي و سبيها. هي معملتش حاجه "


تمسك بجملة والدته الأخيرة كسلاح قوي أمام شقيقته العنيدة و التي قالت بعنف

" دا شئ لا يُحتمل إحنا مش مجبورين نتحمل كل عمايلها عشان حتة العيل إلى هتجيبهولنا "


قالت جملتها و قامت بدفع «جنة» التي تلقفتها يد «سليم» بلهفة و قلب انتفض ذُعرًا عليها و لكن ما أن لامست يداه جسدها المذعور و الذي تضِج أوردته بنبضات هادرة و قطراتها المُتساقِطه بعُنف حتى اشتعل رأسه بغضب جحيمي جعله يندفع تجاه «حلا» و يُمسِكها بقوة من رِسغها الذي كاد أن يتحطم و ألتفت ناظرًا إلى والدته وهو يُزمجِر بعُنف

" ماما. جنة هي إلى ضايقتك و خلتك تتعبي زي ما هي بتقول ؟"


«أمينة» بصوت واهن

" أبدًا يا سليم أنا جالي ضيق تنفس فجأة و البخاخة وقعت من أيدي و هي دخلت لقتني تعبانه و جريت عليا جابتهالي بعد ما كنت خلاص هموت ."


سقط الحديث علي مسامع الجميع كصاعقة و ما جاء بعده كان أقوي حين إلتفت إليها «سليم» يُناظٓرها بإحتقار و يداه مازالت تعتصِر رٓسغها بعُنف تجلي في نبرته حين قال 

" سمعتي ! إلي أنتي واقفه تهينيها دي هي إلي أنقذت حياة أمك . "


جف حلقها من حديث والدتها و شعرت بمدي حماقتها و لكن نظرات شقيقها المُحتقرة أحرقت كيانها و خاصةً نبرته التي كانت تسمعها منه لأول مرة فحاولت الحديث قائله بتلعثُم

" أنا . أنا اتلخبطت لما . شفت . ما . ماما .."

قاطعها نبرته الصارمة حين قال 

" مش عايز مُبررات . "

إمتدت يده تُمسِك برسغ «جنة » التي مازالت ترتجف جراء ما يحدث و قام بإيقافها أمام «حلا » و كان هو بالمنتصف و مازالت نظراته موجهه ل«حلا» حين قال بقسوة 

" اعتذري !"


صاعقة ضربت رأسها حين سمعت حديث أخاها و رُغمًا عنها هزت رأسها بالنفي و كأنها لا تستطيع أستيعاب كلِماته فخرج صوته هادرًا 

" قلت اعتذري "


لأول مرة بحياتها تشعُر بالقهر و قد كان ذلك بيد داعمها الأول و مصدر قوتها فقد كان الأمر موجع للغاية و لكنها ابتلعت مرارته و قالت بعنفوان و هي تُناظٓر «جنة» بغضب 

" تمام . أنا اسفة . بس خلي بالك أنا مبعتذرش عشان فعلًا أسفة بعتذر عشان مُجبرة "


إلتفت «سليم» إلى «مروان» و قال بصرامة 

" مروان. خدهم و انزلوا كلكوا على تحت "


هز «مروان» رأسه و قال ناظرًا إلى «أمينة» 

" ألف سلامه يا مرات عمي "

هزت «أمينة» رأسها و لكن عيناها كانت مُتعلِقة ب «هِمت» التي كانت تنظُر إلى الأرض و لم تستطيع رفع وجهها بل إلتفتت مُغادرة دون التفوه بحرف و كذلك «سما» التي رمقت «أمينة» بنظرات باردة مصحوبة بكلمات خاوية لم تنتظر حتي ردًا عليها 

" حمد لله علي سلامتك "


لم تعنيها كلمات «حلا» بل كانت تود الفرار من ذلك المكان الخانق باقصى سرعة لذا ما أن سمعت كلماته حتي أرادت الهرب و لكن يده كانت تُحكِم الإمساك بها و قد ألتفت إليها حين شعر بمقاومتها ولكن تلك المرة كانت نظرته مُختلِفة عن سابقتها على عكس نبرته التي لازالت غاضبة حين قال 

" استنيني بره متمشيش "


هزت رأسها دون حديث فجل ما تُريده الهرب من بين براثنه و ما أن أفلتها حتى هرولت للخارج و تبعتها «ريتال» و كان آخر من غادر هي «نعمة» التي ما أن أغلقت الباب حتى هوت صفعة قوية على خد «حلا» أدارتها للجهة الأخرى و دوي رنينها في أرجاء الغرفة حتي أن «أمينة» هبت بذُعر من مجلٓسها قائلة بلوعة

" سليم !"


و لكنه لم يلتفت لوالدته بل ظلت نظراته الغاضبة مُسلطة علي وجه «حلا» الشاحب و المصدوم 

" القلم دا عشان يرجع عقلك لراسك . و عشان تفكري ألف مرة قبل ما تهيني حد خصوصًا لو ضيف عندك. و عندي إستعداد اديكي بداله ألف لو كررتي إلى عملتيه النهاردة "


خرج صوتها مجروحًا كحال قلبها حين قالت 

" أنت . بتضربني . عشانها.  يا أبية "

«سليم» بصرامة 

" بضربك عشان قليتي أدبك و محترمتيش حد . معقول دا آخرة دلعنا فيكي! بقيتي تتجبري علي الناس و تهنيهم من غير ما يكون معاكي أي دليل؟ "

«حلا» بإنهيار 

" أنا دخلت لقيت ماما تعبانه و هي إلى موجوده معاها مفروض أفهم إيه ؟"

" مفروض تسمعي عشان تفهمي . "


هكذا قال بصرامة بينما نفضتها يداه تجاه والدته التي كانت تُتابِع ما يحدُث بصمت و داخلها يحترق ألمًا علي صغيرتها و ندمًا على تلك الفتاة التي أذاقوها الويلات دون أن يكون لها ذنب و جاء صوته الغاضب ليُزيد من حزنها و هو يقوم بدفع شقيقته تجاه مخدعها 

" فهميها و علميها إزاي تتعامل مع الناس بعد كدا . و لو لزم الأمر ربيها من أول و جديد . عشان مش هسمح بأي غلط زي إلى حصل دا يحصل تاني. و كلام سالم هيتنفذ بالحرف الواحد " 


ألقي بكلماته و توجه إلي باب الغُرفة قبل أن يلتفت ناظرًا إلى شقيقته بحنق تجلي في نبرته وهو يقول 

" فكري بقي يا أم لسانين هتقوليله إيه لما ييجي . لأن إلى حصل دا كله هيوصله "


**************


خرج من الغرفة غاضب للحد الذي جعله يأكُل خطاياه و هو يبحث عنها فقد كان في تلك اللحظة على وشك الإعتذار منها . فقد صب جام غضبه علي شقيقته و أفرغ بها شحنات ندمه و يأسه و قد كانت كلماته لها تخترق قلبه و تُعنٓف عقله الذي جعله يُهينها و يؤذيها هو الآخر و هي ماذا فعلت بالمقابل أنقذت حياة والدته بعد دقائق من إهانته لها ! أي وغد هو ؟ كيف إستطاع إلحاق الأذى بها بذلك الشكل ؟ لم يكن ظالمًا لأي شخص بحياته و الآن أصبح جلادها الذي لا يعرف الرحمة وكأنه يُعاقِبها علي إختراقها لدوافعه و حصونه التي لا يعلم كيف انهارت أمامها ؟ 


كان يُقاومها بشدة بينما هي تتسرب إلى داخله دون أن يدري حتى باتت تحتل جُزء كبير داخل قلبه العاصى الذي إنحاز لها بكل قوة حتى عدوه هو وليس هي ! 


هكذا وصلت به أفكاره و هو يقف في أسفل الدرج بينما عيناه تمشط المكان بحثًا عنها و قد توقف أمام حقيقة واحدة و هي أن لا ذنب لها بغباء قلبه و وقوعه لها و أن عليه أن يُحارِب نفسه و يُعنِفها لا أن يُحاربها و هو يعلم بأن قوتها لا تقارن بقوته و قد كان هذا هو الظلم بعينه فإن كنت ستُحارب فلتختر من يستطيع أن يكُن ندًا لك و ما غير ذلك فهو تجبر و قسوة لا تليق بشهامة رجل مثله .


طافت عيناه المكان و لم تجدها ولكن أرهفت أُذناه السمع لتلتقط صوت «ريتال» التي كانت تقول ببراءة

"ممكن تاخدي مني شيكولاته هتعجبك اوي . "


توقف أمام باب المطبخ فوجد «ريتال» تتحدث و تمد يدها بالشيكولاه أمام ثغر «جنة» الذي كان لازال يرتجِف حين قالت بصوت مبحوح

"  مش قادرة يا ريتا "


كان يُناظر ضعفها و ألمها بندم و حزن كبيران و لكنهما تبدلا فورًا بنيران عظيمة حين شاهد «مروان» يضع كوب من العصير أمام «جنة» و هو يقول بمُزاح

" يا بنتي دا عرض ميتفوتش . دا البت ريتال دي جلدة مبتديش شيكولاته لحد أبدًا . دي بتطلع عيني عشان لحسه "


ناظرته «ريتال» ببراءة و قالت بصدق 

" لا والله يا عمو مش بُخل بس جدو دايمًا يقول الشيكولاتة دي حلوة ميكلهاش غير الحلوين و أنت مش حلو فمينفعش تاكل منها '


برقت عيناه للحظه قبل أن يقول بصدمة 

" دانتي يومك مش فايت النهاردة هو مين دا يا بت إلى مش حلو . "


رُغمًا عنها أفلتت منها ضحكه قصيرة علي مظهر «مروان» و حديث «ريتال» التي قالت براءة

" إيه دا يا عمو هو أنت ازاي متعرفش حاجه زي دي مع إنك كل يوم بتقف قدام المرايا بالساعات "


إزدادت ضحكاتها مما جعل «مروان» يقول بمزاح

" شوف البت بتقول إيه.  دانتي خاربة بيت أبويا و جايه دلوقتي تقوليلي كدا ماشي يا ريتال الكلب أما وريتك . أبقي شوفي مين هيجبلك شيكولاتة تاني . "


خرجت كلماتها لطيفه كمظهرها حين قالت بلطف 

" لا يا عمو دي ريتال متقصدش دي بتحبك جدًا  مش كدا يا ريتا ؟"

«ريتال» ببراءة 

" أيوا فعلا أنا بحبه . بس ريتا مبتكذبش هو فعلا مش حلو . يعني معندوش شعر جميل زيك و لا عنيه حلوة زيك و لا عنده خدود بتحمر لما بيعيط زيك يبقي أكيد مش حلو. اديله شيكولاته ليه ؟" 


التفت «مروان» ناظرًا الي «جنة » التي لم يفشل الحزن في إخفاء فتنتها و قال بغزل 

" تصدقي يا بت يا ريتال اقنعتيني . بس لا نسيتي تقولي أن ضحكتها كمان جميلة "


ابتسمت «جنة» بخجل و قد غزي الإحمرار وجنتيها و لكن سرعان ما دب الذعر في أوصالها حين سمعت صوته القاسي الآتي من خلفها 

" مروان !" 


لم تستطِع الإلتفات إليه بل تعلقت نظراتها المُرتعِبه بلا شئ أمامها بينما ألتفت «مروان» قائلًا بمُزاح

" إيه يا عم صرعتنا هو إحنا في ثاني بلد ما إحنا جنبك اهوة "


تجاهل مِزاحه و كانت نظراته تحرِق ظهرها قبل أن يُعيدها إلي مروان مرة آخري و هو يقول بفظاظة

" مش شايف أن الوقت أتأخر لصوتكوا العالي دا و كمان مينفعش طفلة زي ريتال تسهر لدلوقتي !"


شعرت و كأن توبيخه موجهًا إليها و لكنها استمرت فى تجاهله و لم تجروء علي رفع عيناها حتي عندما شعرت به يقف بجانب مقعدها مما جعلها تحبِس أنفاسها حتي لا يشعُر بمقدار هلعها منه 

"  ريتال في إجازة يعني عادي تسهر لبعد دلوقتي كمان و بعدين معتقدش أن صوتنا كان عالي أوي لدرجة أنه يزعجك يا سليم !"


«سليم» بفظاظة و تحدي مبطن

" لا ازعجني يا مروان . " 


شعر بوجود شئ خاطئ في عيناه و نبرته و تصرفه لذا أختار الإنسحاب حتي لا يتفاقم الأمر أكثر فتراجع خطوة للخلف بطريقه مسرحية بينما قال بتهكِم

" لا و علي إيه حقك علينا . يالا يا ريتال نكمل سهرتنا فوق مش عايزين نزعج الناس أكتر من كدا  "


شعر بالتهكُم في نبرته و لكنه تجاهل ذلك و لم يُعلِق بل أخذ يُشاهده و هو يُمسِك بيد الصغيرة و يُغادٓر المطبخ لتشعُر بتجمد الدماء بأوردتها فها هي قد أصبحت بمفردها معه . مع أكثر شخص تهابه بحياتها شخص قادر علي إنقاذها من الجحيم و رميها بجمراته التي تستقر بمنتصف روحها فتُهلِكها و لا تستطيع الوقوف أمامه لذا كان الهرب خُطتها الوحيدة فتركت الكوب من يدها وهبت من مقعدها تنوي المُغادرة فاوقفتها كلماته حين قال بصرامة

" استني عندك "


تجمدت بأرضها و قد شعرت للحظة برغبتها في التلاشي فلم تعد تستطيع تحمل كلمة أُخري يكفيها ما عانته طوال هذا اليوم المُريع لا تحتمِل روحها أي إهانة آخري و لا مزيد من الجروح التي لا تعلم كيف ستُداويها .


كانت تُعطيه ظهرها مما جعله يتقدم ليقف خلفها حتي استشعرت دفئًا غريبًا لا يليق بجموده و جبروته و لكنها تجاهلته حين سمعت صوته الساخر حين قال 

"هتفضلي مدياني ضهرك كتير . و لا عشان أنا مبعرفش اضحك واهزر!"


برقت عيناها من حديثه مما جعلها تلتفت تُناظره بصدمة تجلت في نبرتها حين قالت 

" نعم !"


صدمه حديثه بقدر ما صدمها فظل للحظه ساكنًا يِناظٓرها يُحاوِل إستعادة رباطة جأشة بينما عيناه تطوف علي تقاسيمها فالحزن مازال يُخيم علي ملامحها و مازالت عبراتها تُلطِخ خداها المتوردان بشكل شهي للغاية بينما عيناها يشتعِل بهم شئ خاص مزيج من البراءه المُفعمة بالشغف الذي لم يفلح الحزن في إخماده . يعلم بأن ما يشعر به خاطئ و ما يفعله خاطئ و وجوده معها في هذا المكان يُناظِرها بتلك الطريقة هو خطأ كبير و لكنه عاجز عن إصلاحه . هذا ما يحدث دائمًا معها يُعاقِبها علي أخطاءه هو التي ليس لها بها أي ذنب و ينسي توبيخ نفسه و قلبه العاق الذي لا يعلم كيف يستعيده من بين براثن عيناها تِلك. 


" سالم كلمني و قالي علي معادك مع الدكتور بكرة . اعملي حسابك عشان هوديكي . "


هكذا خرجت الكلمات فظة من بين شفتيه الغليظة بينما تجاوزها بصعوبة و كأن الخطوات البسيطة التي ستنتزعه من أمام عيناها ملغومة بنيران لا يعرف كيف يُخمدها! 


لم تكن تساعده إطلاقًا فما أن تجاوزها و أوشك علي إستعادة أنفاسه أوقفته كلماتها الباردة

" بس أنا مش عايزاك توديني في أي مكان . شكرًا !"


بدا و كأن قلبه يضخ نيران إلى أوردته و ليس دِماء حين تابعت قائله 

" أنا هستني لما فرح تيجي و أروح معاها. كفاية تعبك معايا لحد كدا "


ابتلع جمرات أن أطلقها ستُحرِقها و فضل أن يحترق هو تلك المرة لذا قال بإختصار 

" أنا مخدتش رأيك. و دا مش عشانك دا عشان إبن اخويا . و اعملي حسابك الساعه اتنين بالدقيقه تكوني جاهزة عشان نتحرك "


ألقي كلماته دون أن ينظر إليها و تابع طريقه يريد الفرار من ذلك الهواء الذي يحمل رائحتها و يمتلئ بحضورها الطاغي يريد جمع أوراقه و إعاده ترتيبها للوصول إلي حل لمُعضلته .


***************


ذلك الصباح لم يكن كأي صباح مر عليه . بل كان الأكثر صفاءً برغم تلبُد أجواءه أمس و حيرته و ضجيح أفكاره التي لم تهدأ حتي خيوط الفجر الأولي و لكنه يشعر الأن بأنه يقف علي أرض صلبه أمام نفسه فقد اختار أن يُعطيها و يُعطي نفسه فرصة و لم تأتي هذا الفرصة جُزافًا أو نتيجة شهامته في إنقاذها كما أدعى و لكنها كانت نابعة من اقتناع قوي بأن تلك المرأة لا يِمكِن أن تُعوض أبدًا.

فحين انتزعت نفسها من بين براثنه كنمرة غاضبة عزم علي معرفة كُل شئ حدث بالماضي ليُرضي ذلك الشعور المقيت بالغيرة الذي تولد حين رآها تقف مع ذلك الرجل و ما أن خرج للحديقة يريد أستنشاق هواء نظيف عله يُهدئ من نيرانه قليلًا حتي تجمد حين سمع حديثها مع ذلك البغيض و الذي أطاح بكُل توقعاته عن ضعفها أمام عشقه مرة أِخري ! 


أحرقته تلك المرأة بكبرياءها و عنفوانها و شموخها . تولد بداخله شعور عميق بإنتمائها له . أيقن في تلك اللحظة بأنها لا تليق إلا به لم تُخلق الا له فهي كالجواهر النفيسه التي يُكافئ بها القادة العِظام و هو سيدهم! و أكثر من يُحب إقتناء الأشياء الثمينة و خاصة إن كان لبريقها وقع خاص علي قلبه الذي يرفض مواجهته حتي يتأكد من أن ما يشعر به تجاهها له صداه بقلبها أيضًا.

فكبرياؤه يأبي إعلان هزيمته العذبة أمام عيناها إن لم تعلنها هي أولًا . و سيتأكد من حدوث ذلك في القريب العاجل . فهو لن يضمن أن تطول مقاومته أمامها كثيرًا لهذا قرر إستخدام كل أسلحته و سيُهاجِم حصونها بكِل ضراوة دون أن يُعطي لها الفُرصة للفرار أو حتي المُقاومة ..


كانت عيناه تطوف أرجاء المطعم بعد أن أخبره عامل الإستقبال بأنها تحتسي قهوتها هُناك فتوجه بخطي تحمل اللهفه و الأشتياق معًا و قد تجلي ذلك في نظراته حين تسلطت عليها و قد راق له مظهرها فقد كانت تجمع شعرها للخلف كزيل حصان و لا ترتدي تلك النظارات البشعة التي تحجب جمالًا يروق لقلبه قبل عيناه و ترتدي !!

برقت عيناه حين شاهد ذلك القميص الزيتوني الذي يُناقِض بياض كتفيها العاريتين فقد كان بلا أكمام و قد أغضبه هذا كثيرًا فتحولت نظراته من عاشقه إلى غاضبة و تجلي ذلك في خُطواته التي كانت تأكُل الأرض و هو يتوجه إليها خاصةً أن الأمر لم يكِن يقتصر علي قميص لعين بلا أكمام فقد كانت هناك تنورة تصل إلي رُكبتيها كاشفه عن سيقان بيضاء طويلة لابد و أنها كانت مُتعة للناظرين و هي في طريقها إلي هُنا تعلو حذاء ذو كعبين لابد و أنهما عزفا سيمفونيه عظيمة مع كل خطوة تخطوها و الله وحده يعلم كم عدد رؤوس الرجال التي أدارتها بملابسها تِلك !


أخيرًا توقف أمامها يُناظِرها بحنق فاعطته إبتسامة فريدة لم يرها مُسبقًا و لكن كان هُناك شئ في عيناها يِناقِض إبتسامتها و لكنه تجاهل ذلك و قال بفظاظة

" مستنتنيش ليه ننزل سوي ؟"


«فرح» بهدوء و هي تضع قدح القهوة علي الطاولة أمامها 

" أنا متعودة إني بصحي لوحدي أشرب قهوتي في هدوء عشان أعرف ابدأ يومي صح "


و كأنها اختارت بعنايه كلِماتها لتُزيد من إشتعال غضبه فقام بجر المقعد أمامها بعُنف و ألقي بجسده عليه بينما عيناه لم تحيد عنها فقد كان يعلم المغزي من حديثها و لكن لم يكُن في مِزاج لمُشاكستها الآن فغيرته أظلمت كل شئ أمامه لذا قال بفظاظة 

" بس أنا شايفك بدأتي تغيري حاجات كتير كُنتي متعودة عليها اشمعنا دي ؟"


رفعت إحدي حاجبيها الجميلين و قالت مُدعية عدم الفهم 

" تقصد إيه ؟" 


كانت تلعب علي أوتار جموده و بروده اللا مُتناهي و لكنها لم تتوقع غضبة و لا قسوته حين قال بلهجه فجة 

" لبسك إلى مبين أكتر من الى مداريه. تقريبًا مش من عادتك و لا إيه ؟ "


تصاعدت أدخنة الغضب إلى رأسها فخرج صوتها عال نسبيًا حين قالت 

" أنت إزاي تتجرأ .."

بتر جُملتها حديثه الصارم و تهديده الواضح حين قال بخشونة 

" أنا اجروء أعمل كل إلى تتخيليه و إلى مش تتخيلي! و ممكن كمان أكسر دماغك لو فكرتي تعملي حركة زي دي تاني "


وقاحته في تهديدها جعلتها تعجز عن الحديث لذا آثرت الإنسحاب و هي تقول بغضب كاد أن يُبكيها 

" الحق مش عليك الحق علي إلى سمحتلك تتمادى معاها بالشكل دا!" 


كادت أن تهُب من مكانها و لكن إمتدت قبضته الفولاذية تُمسِك بمِعصمها لتجعل من انسحابها أمرًا مُستحيل .

كانت تجاهد علي منع دموع الغضب من الفِرار حتي لا تجعله يشعر بالإنتصار عليها فأدارت رأسها للجهة الأُخري و هي تقول من بين أنفاسها 

" سيب أيدي !"

" بصيلي "

" قولتلك سيب أيدي عايزة أمشي "

" و أنا قولتلك بصيلي "


قال جملته بلهجه رقيقه و لكن آمرة وعندما لم تمتثل لأوامره إمتدت يده الأُخري تقوم بفتح كفها المُعتقل بين يديه و أخذ يُمرِر إصبعه فوق عروق يدها بلُطف و بُطئ و هو يقول قاصدًا إستفزازها 

" علي العموم أنا مرتاح كدا . براحتك خليكي باصة الناحيه التانيه "


ما أن تفوه بجُملته حتي إلتفتت تُناظره بغضب كبير بينما زوبعة من المشاعر اجتاحتها جراء لمساته لكفها و ما أن شاهدها تلتفت إليه حتي ترك يدها و قال بتسلية 

" حلو . بقيتي تسمعي الكلام أهو"


كانت عيناه تحوي نظرات أربكتها نظرات خالية من التسلية و قد أتاها هاجس استنكرته بشدة و لكنه كان فُرصتها الوحيدة للنيل منه فقالت بهدوء يُناقِض غضبها المُشتعِل بمُقلتيها مما أثار إندهاشه 


" إيه إلي مضايقك أوي كدا في لبسي ؟ "

تصنع الجمود و هو يقول بإختصار


" مش مُناسِب "

" لمين ؟"

"ليكي !"

" أنا أدري بالي يناسبني !"

توقفت عن الحديث مُتعمدة و إرتسمت علامات الدهشه و غلف المكر عيناها و هي تقول بإستنكار 


" متقوليش إنك بتغير عليا !"


لامس استفهامها حواف قلبه و اضطربت دقاته بشكل لم يعهده فلأول مرة يكن شفافًا أمامها بتلك الطريقه و لكنه حاول إستدراك الموقف و إبراز الحقيقة منقوصه فتمتم بالمبالاة

" و ليه لا ؟"

" و ليه آه"


اسند ظهره للخلف و هو يبتسم قائلًا بتهكم

" رجعنا نلعب تاني "

" مش لعب بس فاجئتني. بتغير عليا. مش قادرة ابلعها بصراحه"

استمرت سيمفونية بروده المُعتاد حين قال بخشونة

" علي حسب دوافع الغيرة دي من وجهة نظرك!" 


«فرح» بتخابُث

"الغيرة ملهاش غير دافع واحد و أنا متأكدة انة مش موجود"

" إلي هو ؟"

أجابها بإختصار لتقول بتمهُل و كأنها ترسم الكلمه علي شفتيها 

" الحُب ! "

كانت للكلِمة وقع خاص علي قلبه مما جعل نبضاته تتعثر بداخله و لمع وميض خاطف بعيناه سُرعان ما محاه ليحِل محلُه التهكُم بينما تابع بفظاظة


" غلطانه ! أي راجل بيغير علي البت إلى مفروض هتبقي مراته حتي لو مش بيحبها"


خرجت الكلمات غاضبة من بين شفتيها  

" و لما هو مابيحبهاش هيتجوزها ليه ؟"


"في مليون سبب يخلوا الواحد يتجوز غير الحُب "


" بس المليون سبب دول ملهمش لازمة مدام الحُب مش موجود"

قالتها بخيبة بدت جلية في عيناها و لكنه غير قابل للإنحناء أبدًا لذا قال بفظاظة

"دا كلام مِراهقين ميقولوش حد ناضج زيك "


تابعت بسُخرية مريرة 

"عندك حق . الحُب كلام مراهقين فعلا !"

«سالم» بتقريع خفي 

" و إلى أنتي بتعمليه دا بردو حركات عيال صُغيرة "

«فرح» بإنفعال

" إيه إلي أنت بتقوله دا ؟"


«سالم» بصرامة

" أنا خدت قراري و هنفذه!  كل الحركات الهبلة دي مش هتخليني أغير رأيي بس هتزعلنا من بعض . "


تحدثت مُعانِده

"تمام أبقي نفذ قراراتك لوحدك "

حدجها بنظرة مُحذرة قبل أن يقول 

" بطلي جنان عشان مش هتقدري تتحملي توابعه !"


«فرح» بإندهاش

" كمان بتهددني ؟"

«سالم» بإختصار

" بحذرك و دي تفرق "


"تفرق بالنسبالك . بالنسبالي النتيجة واحدة "


"إلي هي ؟"

لم تقدر علي الصمت أكثر فبصقت الكلمات من فمها بكُل ما تحمل من غضب مُستعِر جراء وقاحته 

"أنك إنسان مُتكبٓر و مغرور و مُتسلِط و مبتشوفش غير نفسك و بس. عايز كل الناس تسمع كلامك و بس. تنفذ أوامرك و بس. من غير أي إعتبار لمشاعرهم و لا رغباتهم ؟ أقولك أنت فعلًا ديكتاتور زي ما جنة مسمياك"


كانت يداه تعبث بالملعقه التي أصابها الدوار جراء تقليبه المُستمٓر بقدح الشاي الخاص به مما أثار حنقها كونه بدا غير مُباليًا بحديثها الوقح الذي لا تعلم كيف خرج من بين شفتيها و للحظه نهرت نفسها علي حماقة ما تفوهت بها ليصدمها حديثه حين قال بلامبالاة

" بغض النظر عن وقاحة أسلوبك بس أنتي عندك حق. و جنة كمان عندها حق"


تجمدت نظراتها بصدمة سرعان ما تبخرت ليحل محلها غضب عارم حين اقترب يستند بمرفقيه علي الطاولة أمامها و عيناه تحدجها بنظرات قوية مُحذِرة ثم قال بعنجهية اغضبتها 


" أنا فعلاً ديكتاتور. و مبنفذش غير إلى أنا عايزه . و دا يعرفك أن كل الهبل إلى بتعمليه دا مش هيغير قراري. يبقي بلاش توجعي دماغك و دماغي "


لم يُمهِلها وقت للرد فقد إلتقمت عيناه تلك السُترة التي وجدها علي المقعد بجانبها فارتاح قليلًا كونها لن تخرُج بهذا الشكل الذي يُثير جنونه لذا قال بفظاظة

" البسي عشان هننزل نشتري شويه حاجات !"


" نعم "

" مِضطرين لدا . أنتي علي الاقل . في فرح الليله حد من معارفي و بما إني هنا فلازم أحضر و أنتي هتكوني معايا ."


انهي جِملته ثم حدجها بنظرة مُتسلِطه و هو يقول 

" علي إنك خطيبتي طبعًا "


هُنا لمع المكر بعيناها و قررت أن تُنحي الحديث جانبًا و لتهزِمه بأفعال ستري إن كان سيتحملها أم لا  لذا قالت بهدوء أثار الريبة بداخله 

" تمام يالا بينا "


*********************


كانت حلا تجلس في تلك الحديقة بمزاج سودوي فقد كانت الليلة الفائته من أصعب الليالي التي مرت عليها بحياتها فصفعة شقيقها انطبعت بقلبها و ليس خدها و مازال ألمها عالق للآن بمخيلتها و قد تجلي ذلك بمظهرها المشعث و عيناها التي تظللها هالات سوداء تماما كالتي تحيط بقلب تلك التي تجلس أمامها قائله بتأثر زائف 

" صعبان عليا شكلك أوي يا حلا ! القلم لسه معلم علي خدك "


رفعت حلا رأسها تطالعها بغضب اخفته خلف نبره مستفهمه و هي تقول 

" قلم ايه الي لسه معلم علي خدي انتي بتخرفي و لا ايه ؟"


سما بتخابث

" القلم الي سليم اداهولك امبارح يا حلا . كلنا سمعنا صوته . و بعدين انتي مشوفتيش وشك في المراية قبل ما تخرجي و لا إيه ؟"


حلا بحزن انهمر من عيناها علي هيئة قطرات أغرقت وجنتيها فتابعت سما الضرب علي اوتار كبرياءها المهزوم 

" بصراحة متوقعتش كل دا يحصل . يعني مش كفايه طنط أمينة الي دافعت عنها قدامنا كلنا كمان سليم يضربك عشانها و قبل كدا أبية سالم بردو زعقلك قدامنها بسببها . فاضل مين تاني مبهدلكيش بسببها "


ازداد الغضب بداخلها حتي تشكلت غصة مريرة في حلقها جعلتها عاجزة عن التنفس فهبت من مكانها و انتزعت حقيبتها و هي تقول بعجالة 

" ورايا مشوار في الجامعه هخلصه و هاجي علي طول . سلام "


هرولت حلا الي سيارتها دون أن تستدعي السائق و قادتها منطلقه الي الخارج فشعرت سما بالغضب مما فعلته و خفق قلبها ذعرا علي حلا التي لا تعرف عن القيادة الكثير و لم تعد تدري ماذا تفعل لتتفاجئ بصوت محتقر آت من خلفها 


" مرتاحة دلوقتي ؟"


انتفضت بذعر لتتفاجئ بمروان الذي خرج من العدم و قد ارتسم الإحتقار في عيناه و هو يطالعها الي أن وصل إلي مكانها و قال بأزدراء 

" قوليلي يا سما. انتي كدا مرتاحه ؟"

حاولت رسم القوة علي ملامحها قبل أن تقول 

" و انت مالك و مالي مرتاحة و لا لا ؟'


مروان بغضب دفين 

" بصراحة عندي فضول اعرف احساس الإنسان الي بيأذي غيره و بيعمل فتن بين الناس و بعضها . ياتري بيبقي مبسوط و لا بيبقي حاسس بأيه ؟"


سما بأندفاع 

" أنا مقولتش غير الي حصل . و علي فكرة بقي أنا سمعته و هو بيزعقلك في المطبخ عشان قاعد تتكلم مع الست هانم "


مروان بتهكم قاصدا إذلالها

" برافو يا سما .كمان بتقيتي تعرفي تتصنتِ عالناس حلو ؟"

اغتاظت من حديثه و إهانته المتعمدة لها و قالت بغضب 

" هو دا الي انت شاطر فيه . تقعد تتريق عالناس و بس "


مروان بسخرية 

" يعني تتريق عالناس احسن ما أوقع بينهم و أأذي اقرب ناس ليا  . مش دي حلا صاحبتك الي بتعادي مرات اخوها عشان خاطرك . إلي مش طايقه جنة في البيت عشان خاطرك. مفكرتيش احساسها ايه دلوقتي ؟ موجوعة قد ايه بدل ما تهوني عليها يا صاحبتها !"


رمقها بنظرات إحتقار حين طال صمتها و إلتف ينوي المغادرة فخرجت الكلمات كالشوك من بين لفائف احبالها الصوتيه لتعبر عن مدى ألمها و هي تقول 

" و أنا محدش هون عليا وجعي ليه ؟ محدش حس بألمي وعذابي ليه ؟ كل الناس بتحس و أنا لا . كل الناس بتتعذب و أنا لا ؟ كل الناس عندها الي يقف جنبها و انا لا !"


لم يتخيل أن يؤلمه ضعفها و عذابها بهذا الشكل فتوقف بمكانه يشعر بأن جمراتها تسقط فوق قلبه و خاصة حين تابعت بعتاب من بين قطراتها

" حتي أنت ! مفكرتش مرة واحده تكلمني من يوم موت حازم . بالرغم من اني كنت محتجالك أكتر واحد تهون عليا . أنت كنت اقرب واحد ليه . الحاجه الوحيدة الي بقيالي من ريحته و ملامحه !"


لم تستطع أن تكمل حديثها الذي لا تعلم أنه اشعل بجوفه عاصفة غضب هوجاء أوشكت أن تقضي عليها حين اقترب منها بعينان إرتسم بهما الجنون و انفاس لاهبه جعلتها تتراجع بذعر من مظهره و لكنه كان اسرع حين اقترب منها و قام بإمساك رسغها و دفعها بعنف لتسقط علي الأريكة خلفها بينما يداه لم تفلتها و لكنه اقترب منها قائلا بغضب جحيمي 

" أنا مش من ريحة حد . و أياكِ تنطقي الكلام الي قولتيه دا تاني. فاهمه و لا لا ؟"


لم تستطع الحديث فقط هزة جنونيه منها لم تفلح في إخماد غضبه لتتفاجئ به يمسك بفكها و يديره للخلف و هو يقول بقسوة افزعتها 

" بصي وراكي كدا شايفه مين هناك ؟ دي مرات حازم . الوحيدة الي يحقلها تحزن عليه الوحيدة الي حبها و اختارها و اتجوزها و معبركيش . بطلي بقي ترخصي نفسك كدا . بطلي توحشي في نفسك اكتر من كدا. ارحميها و ارحميني .."

تركها بغتة بشكل عنيف تماما كهجومه الضاري الذي لم تكن تتوقعه فظلت ترتجف في إثره لا تعلم هل ما حدث للتو حقيقة أم كابوس ! 


*********"**********


كانت فرح تجلس بجانبه في السيارة بصمت فقد اكتفت من حديثها معه منذ دقائق و لا رغبة لها في المتابعه أكثر فقد كانت تريد بعض الهدوء حتي تستطيع إعادة تنظيم أوراقها و معرفة ماذا عليها أن تفعل حتي تتخلص من وضع اقحمت ظاهريا به بينما هناك شعور خائن بداخلها كان يروق له ما يحدث !


" علي فكرة الفرح دا هتلاقي في ناس كتير تعرفيهم ."

نجح في جذب انتباهها و إخراجها من قوقعتها التي فرضتها عليه و لم تروق له فقد إشتاق لنزال آخر معها 

" ليه هو فرح مين  ؟"


" بلال الطحان "


برقت عيناها و قالت بزهول

" بلال الطحان صاحب شركات تصنيع السيارات ؟" 

" هو !"


" دي تقريبا رابع جوازة له !"

أومأ برأسه دون حديث لتقول بإستنكار


" و له عين يعمل فرح ؟"

سالم بتسلية

" مالوش عين ليه ؟ هو مبيعملش حاجه عيب و لا حرام"


فرح بتهكم 


" اه طبعا لا عيب و لا حرام ! معلش نسيت أن الراجل مبيفتكرش من الشرع حاجه غير مثني و ثلاث و رباع "


أبتسم داخليا علي حديثها و حنقها و لكنه تابع بتعقل 

"  مش فكرة كدا بس في ستات بتبقي كئيبة و نكدية و بتخلي الراجل يكره نفسه و يضطر يتجوز عليها "


ازداد حنقها و لكنها أجابت ساخرة

" اه طبعًا معاك في دي ! الستات بتتولد نكدية مش مثلًا هو قارفها في عيشتها و رامي عليها المسئوليه كلها من بيت لأطفال لتعليم لجري في الشوارع . "


أردف قاصدًا إستفزازها

" جري في الشوارع ! لا هو عنده شركات تصنيع سيارات فالأكيد أنه مخصصلها عربية تجري بيها !"


شيعته بنظرات الخسة الممزوجة بالغضب قبل أن تتمتم بتهكم 

" اتريق براحتك .مانتا راجل زيه و لازم هتدافع عنه !"


أبتسم علي حديثها و لم يستطِع أن يُفوت تٓلك الفُرصة في مُشاكستها فقال بنبرة جادة

" لا اكيد مش هدافع عنه لمجرد أني راجل زيه. و مش محتاج اعمل كدا."

" اه طبعًا طبعًا "


تجاهل سخريتها و تابع 

" دا واحد بينفذ شرع ربنا و بصراحه التعدد دا المُتنفس الوحيد للراجل . يعني عشان ميعملش حاجه حرام "


كانت تقطم شفتها السفلية بحنق من حديثه الذي يظهر لها بواطن تفكيره ونظرته للأمور لتتفاجئ حين تابع بتهكم


" عارف إن كلامي هيضايقك . فكرة التعدد دي مرفوضة عند أي ست. ألا طبعًا الست العاقلة ."


رمقها بنظرة جانبية حين انهى جُملته فباغتته حين رسمت قناع الجدية على ملامحها قائلة بنبرة ثابته توحي بمدي صٓدقها

" مين قالك كدا ؟ فكرة التعدد مش مرفوضة بالنسبة لاي ست و لا حاجه . يعني أنا مثلا لو كنت راجل كنت أتجوزت أربعة !"  


لم تفشل تلك المرأة أبدا في إدهاشه و لكن هذه المرة تخطت كل التوقعات حتي أنه لم يستطع قمع ضحكته التي ملأ صداها أرجاء السيارة و بالرغم من غضبها منه ألا أنها وقعت للحظه أسيرة لضحكته التي جعلت دقات قلبها تتخبط بعنف داخل صدرها فظلت عيناها معلقه عليه و لم تلحظ توقف السيارة إلي أن سمعت صوته العميق و هو يقول 

" وصلنا "


تحمحمت قبل أن تتمتم بخفوت 

" طبعا أنا لو رفضت هتعمل نفسك و لا كإنك سامع اصلا "

أجابها بإختصار 

" بالظبط "

إجابته بحنق 

" خليك فاكر إنك علي طول بتدبسني "


" اشمعنا كمان ادبست !"

باغتها رده و تلكا لتنهيدة القوية التي خرجت من جوفها فإلتفتت تقول بترقب بينما هناك ضجيج قوي بداخل صدرها 

" أنت قولت ايه ؟"

" قولت يالا عشان نختار سوي هتلبسي ايه ؟"


لم تتيح لها الفرصة للحديث إذ تفاجئت بصوت أنثوي خلفه يقول بصدمة 

" سالم .."


***********************


كانت تقود سيارتها باقصي سرعة و لم تكن تبالي بصراخ الناس من حولها و لا تلك الأصوات الصاخبة لأبواق السيارات حولها فقد تكالب عليها كل شئ ألمها و غضبها و كبرياءها المدهوس فأخذت تبكي كل شئ يؤلمها تبكي كما لو لو تفعل من قبل حتي أن صوت بكاءها تحول الي صراخ وصل إلي مسامع ذلك الذي كان يلاحقها بكل ما أوتي من قوة و بداخله يرتعب من أن يحدث لها أي شئ و لكن فجأة أظلم كل شئ من حوله حين شاهد سيارتها التي انقلبت في الهواء و هبطت بقوة علي الطريق أمامه فأوقف سيارته و هرول مسرعا الي تلك السيارة التي تحطمت و انقلبت علي رأسها و ما أن رأي تلك المكومه بداخلها حتي خرج صوت من أعماق قلبه الذي صرخ قائلا برعب 


" حلااااااا"


يتبع….

القبضة السابعة عشر ✊❤️‍🔥 


أخبريني كيف يُمكِنني الإفصاح عن ذلك العِشق الذي تغلغل إلى داخلي و احتل كُل ذرة من كِياني دون أن أمس كرامتي أو اخدش كبريائي؟! كيف اُخبِرُك بأنى أشتاق لعالم لم يُخلق به سواكِ . أنتِ و عينيكِ و ابتسامتكِ التي أضاءت ظلام قلبي . فتمهلي و أرأفي بقلبً لم يُبصِر النور إلا على يداكِ. و إن كان المِنْطِيق يأبى الإفصَاح عن الهوى. فالقلب بات عاشقًا حتى الثرى..


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


لا تُجَابَه القوَّة إلاّ بالقُوَّة و لا تُقهر المرأة إلا بالمرأة . قد تكون تلك المقولة قاسية قليلًا و لكن ليست أقسي من أن يقف كبرياء المرأة بينها و بين العشق خاصة إن كان عشق رجل مثله. لا يقبل بالهزيمة و لا يعرف أنصاف الحلول. أكثر ما يثير جنونه العصيان خاصة حين يكون أول من إستسلم فحينها يمتزج عشقه بكبرياء عاصف لا يقبل المقاومة فإما الاستكانة بين أحضانه أو الذوبان في بحور هواه وإن اختارت التمرد فليكن بين جنبات صدره و هذا أقصي ما هو مسموح به ..


برقت عيناها حين سمعت ذلك الصوت الأنثوي يناديه برقه تليق كثيرًا بصاحبة العينان الزرقاء الصاخبة كجمالها الذي جعل دقاتها تتقاذف غضبًا ذو نكهة مؤلمه حين وجدته يلتفت إلى تلك المرأة و من ثم قال بنبرة مشتاقه قبل أن يغادر السيارة للترحيب بها 

" مروة ! "

ما أن خطت أقدامه خارج السيارة حتي اندفعت المرأة تعانقه بشوق كبير قابله تحفظ من جهته ولكن لشدة حنقها لم تلحظه فقد أعماها غضب مقيت جعلها تترجل من السيارة دون وعي و عيناها معلقه بذلك الثنائي الذي بدا و كأنهما يعرفان بعضهما تمام المعرفة 

مروة بشوق 

" سالم. ايه الصدفة الجميلة دي ؟ "

سالم بحبور 

" هي صدفة جميلة فعلًا . عامله ايه ؟"

مروة بجرءة

" قبل ما أشوفك و لا بعد ما شوفتك ؟"


ارتسمت ضحكه عريضة علي محياه حين سمع بابا السيارة يفتح من جهتها فأراد اللعب قليلا إذ قال يشاكسها


" هو في الحالتين انتي زي القمر . "


صدحت ضحكه عاليه من ثغرها الجميل قبل أن تقول بدلال 

" سالم الوزان بيعاكسني انا كده هتغر! "

سالم بمزاح

" لا اتغري براحتك !"


لم تتحمل الوقوف دقيقة واحده و رؤيته مُستمتِع بالحديث مع تلك المرأة التي لا تعرف من تكون و لا تُريد معرفتها جل ما تُريده هو إنتزاع عيناها الفاتنة تلك من محجريهُما حتى تُبعِد سهامها اللعينة عن مرماه. انكوت بنيران لم تعهدها سابقا. شعور مقيت يجعل دقاتها تتقاذف بين ضلوعها في حرب طاحنة تُهلِك أنفاسها التي تخرج من أنفها على هيئة نيران مُلتهِبة تحرِق رئتيها دون رحمة و أسنانها التي كانت تصرُخ ألمًا من فِرط ضغطهم بهذا الشكل في محاولة لابتلاع غضبها خوفًا من أن تلتفت متوجهه الى تلك الأفعى شقراء الشعر زرقاء العينين و تقوم بنزع رأسها من فوق جسدها حتى تشعر بالراحة. 


سحبت نفسًا طويلا ل تثبط نوبة البكاء التي كانت على وشك الإنفجار في أي لحظة و ظلت على حالها لدقائق كانت كساعات و هي تتظاهر بالنظر ل واجهات المحلات الزجاجية ولكنها في الحقيقة كانت مُغمضة عيناها وجهها يعكس مدى عذابها الذي تشعر به و الذي جعلها في واد آخر حتى أنها لم تلحظ توقفه بجانبها لثوان و تلك البسمة الصافية المُرتسِمه على ثغره و التي كانت أشد اتساعًا بقلبه الذي كان يُشفِق عليها من ألم الغيرة الذي لا يرحم و لكن لا بأس ف لتشعر بشئ بسيط مما يعتمل بصدره حين رآها بتلك الملابس .

قرر إنتزاعها من بين براثن العذاب و قال بصوت مميز يشوبه بعض المكر 


" الفستان عاجبك اوى كدا ؟"


اللعنة علي صوته الذي يُرسِل ذبذبات حسية تسري في سائر جسدها الذي ينتفض بقوة الآن و لكنها كانت بارعة في إخفاء تأثيره عليها لذا فتحت عيناها الصافيه رغم كل شئ و التفتت تُناظره بهدوء يتنافى مع ضجيج قلبها و رسمت ملامح الشجن فوق قسماتها الجميلة و قالت بصوت مِتأثِر 

" مش أوي . بس فكرني بذكريات مكنتش حابة افتكرها ."


بلمح البرق إنقلب عالمه رأسًا علي عقِب فقد كان يظُن بأنها تتلظى بنيران الغيرة و ها هي تصدمه بأنها غارقة في ذكريات يعلم أنها كانت مع غيره. خفقة وجلة ضربت بعُنف فؤاده فأصبحت حتى دقاته تؤلمه و لأول مرة بحياته يرغب في صفع إمرأة ف أظلمت عيناه و ارتسم بها نظرة جوفاء قاسية اخافتها للحظة فأرادت الهرب من نيران كانت هي من أشعلتها لذا توجهت الى باب المحل و هي تقول 

" في كام حاجه عجبتني هدخل أشوفها."


لم يُجيبها إنما اكفهرت تعابيره بشكل مُريب و قد أيقن في تلك اللحظة بأن طريقهما لازال طويل و قد كان هذا درس قاس جعله يعلم بأن كل النساء لا يجب اللهو معهن..


سمعت صوت الباب يُفتح و علمت بوجوده خلفها فقد كان حضوره آسر و هيبته طاغية و رائحته التي أصبحت تروق لأنفها كثيرًا و ينتشي بها سائر جسدها الذي تخشب حين سمع صاحبة المحل و هي تتوجه إليه بترحاب كبير 

" أهلًا . أهلًا سالم بيه '


لم يُجيبها إنما هز رأسه و هو يضع يديه بجيوب بنطاله خشية أن يقوم بكسر عنقها فقد استنفذ كل ذرة مقاومة لديه حتى لا يقوم بهزها و إخراج تلك الذكريات اللعينة من رأسها و لكن لا بأس سيعرف كيف يُمحيها و لكن بطريقته. 

كانت عيناه تطوف كل شئ حوله دون أن يظهر علي ملامحه أي شئ و لكن ذلك لم يُعيق تلك المرأة التي كانت تتعمد الدلال و هي تقول 

" أنا حقيقي مش مصدقة نفسي اني واقفه قدام حضرتك. المحل حقيقي نور بوجودك "


امرأتان في نفس الساعة تحومان حوله كان هذا أكثر من قدرتها علي التحمل لذا التفتت بعُنف غير مقصود و عينان تشتعلان غضبًا لتتفاجأ به يُعطيها ابتسامة ساحرة و هو يقول بتحفظ 

" شكرا لذوقك. "


اقتربت فرح منهما و هي تقول بنبرة بها بعض الترفع 

" في كام حاجه عجبتني عايزة اجربها"

" اه . طب ثواني هشوف حد من البنات يقف معاكي !"


هكذا حدثتها المرأة بلامبالاه بينما صبت كل إهتمامها عليه و التفتت إليه تقول بلطف زائد 

" حضرتك تؤمرني بأيه يا فندم ؟"


انتفخت أوردتها غضبًا من تلك الحثالة التي عملتها 

ب لامبالاة بينما تُناظره وكأنها سوف تلتهمه و ذلك الوغد الذي يرسم اجمل ابتساماته أمامها وكأنه يُريد اغاظتها! ستريه ذلك المعتوه الأبله المغرور الوسيم الذي يستهلك جميع أحاسيسها في آن واحد لدرجة تجعلها تشعر بالتعب دون أن تقوم بفعل اي شئ فقط يكفيها مشاهدته هو و معجباته الغبيات. أخرجها من شرودها حين سمعته يقول بطلف

" ياريت تشوفي الهانم عايزة إيه"


" ايه دا هي الهانم مع حضرتك ؟"

هز رأسه فتقدمت فرح تقف بجانبه و هي تقول بتهكم

" تخيلي !" 


" انا والله معرفش . طب اقدر اساعد حضرتك بأيه . شاوريلي علي الي عاجبك و أنا هجبهولك بنفسي "


شعر بها تقف بجانبه و قد كان وجهها مُحمرًا بشده و يبدو بأنها غاضبة بشكل كبير و لهذا واصل العزف علي أوتار حنقها إذ قال موجها نظراته لها

" تمام يا أنسه فرح اختاري الي تحبيه . المدام بنفسها هتبقي معاكي !"


آنسة فرح!! الآن يناديها بهذا اللقب و كأنها لا تعنيه! ارتسم تعبير مُندهِش ممزوج بغضب واستنكار جعلها ترفع إحدي حاجبيها و هي تناظره بينما هو رسم الإستمتاع علي ملامحه و عيناه الماكرة التي كانت تُرسِل تحدي مُبطن لها و لكنها سُرعان ما أدركت لعبته و قررت مجاراته لذا التفتت إلي السيدة التي كانت مُندهشة من نظراتهم التي توحي بالكثير و التي قطعها فرح حين أشارت إلي أحد الأركان و هي تقول بترفع 

" في هنا كام حاجه عجبتني عايزة اشوفهم "


السيدة باحترام

" عيوني . يا فندم اتفضلي ."

رسمت فرح إبتسامه سمجه علي ملامحها و أوشكت علي السير خلفها فوجدت قبضته التي امتدت تمسك برسغها و صوته الآمر حين قال

" مش محتاج أقولك أنه لو معجبتنيش مش هتلبسيه "


بكل ما تملك من لطف التفتت تناظره وهي تقول بسخرية

" مش محتاجه أقولك أني مش هاخد رأيك اصلا !" 


من المفترض منه أن يغضب ولكن على العكس كان يبتسم علي ملامحها و حديثها فكل شئ تفعله يروق له وهو الذي لم يكن أحد يجرؤ علي مُعارضته خوفًا من بطشه لتأتي هي تفرض سيطرتها علي قلبه الذي يشتهي تحديها و عنادها و حتى غضبها و هنا صدحت حقيقة قويه أمام عيناه و هو أنه واقع لتلك المرأة و بشدة . استطاع الآن التخلص من كل القيود و الإعتراف بأنه يحبها. بل يعشقها . يشتهي كل شئ بها و كأنه جائع منذ زمن وهي ألذ ما رأي بحياته. 


***************


كانت تقود سيارتها باقصي سرعة و لم تكن تبالي بصراخ الناس من حولها و لا تلك الأصوات الصاخبة لأبواق السيارات حولها فقد تكالب عليها كل شئ ألمها و غضبها و كبرياءها المدهوس فأخذت تبكي كل شئ يؤلمها تبكي كما لو لو تفعل من قبل حتي أن صوت بكاءها تحول الي صراخ وصل إلي مسامع ذلك الذي كان يلاحقها بكل ما أوتي من قوة و بداخله يرتعب من أن يحدث لها أي شئ و لكن فجأة أظلم كل شئ من حوله حين شاهد سيارتها التي انقلبت في الهواء و هبطت بقوة علي الطريق أمامه فأوقف سيارته و هرول مسرعا الي تلك السيارة التي تحطمت و انقلبت علي رأسها و ما أن رأي تلك المكومه بداخلها حتي خرج صوت من أعماق قلبه الذي صرخ قائلا برعب 


" حلااااااا"


قبل ساعة من الآن 


ترجلت حلا من سيارتها و توقفت أمام باب الجامعة و هي تنظر إليها لا تعلم هل تدخل أم لا ؟ لا تعرف شئ في هذه البلاد سوى تلك الجامعة التي لا تملك بها أي أصدقاء لا تعرف أين تذهب و لا مع من تتحدث؟ ف كبريائها مجروح بشدة و لأول مرة يُغضِبها الحديث مع سما صديقتها الوحيدة حتى أنها أرادت الهرب منها و من كل شئ و ها هي تقف الآن وحيدة منبوذة لا تملك إنسان واحد في تلك الحياة تُخبِرُه عن وجعها الذي تقطر من عيناها علي هيئه فيضانات حفرت وديان الألم فوق خديها .


للمرة الثانية يتكرر مشهدها المهزوم أمامه فهاهي تقف تنظر إلى الفراغ بعينان تقطران ألما و ملامح يكسوها الحزن الذي تغلغل إلى داخله بشكل كبير. لا يُنكِر إعجابه بها منذ المرة الأولي التي رآها و لكنه الآن يشعر بالألم الكبير لحزنها هذا. و لذلك قرر الحديث معها وعدم تركها فريسة للألم هكذا.

ما أن خطى خطوتين تجاهها حتى تفاجئ بها ترتد إلى الخلف و تعاود الصعود الي سيارتها و قد بدا أنها على شفير الإنهيار و الذي تجلي في قيادتها المجنونه فدب الذعر بقلبه و أطلق الريح ل قدماه حتى يلحق بها فصعد الي سيارته و بلمح البرق كان خلفها يحاول بشتي الطرق الإقتراب منها و هو يصرخ عل صوته المُرتعِب يصل إليها و لكن دون جدوى وفجأة أظلم كل شئ أمامه و هو يرى سيارتها تنقلب أمامه بهذه الشكل المروع .


بعد عدة ساعات كان يقف أمام غرفة العمليات المحتجزة بها تلك التي حملها من داخل السيارة المحطمة و دمائها تسيل علي يديه و داخله يشعر بالألم يعتصر صدره بشدة و كأنها شخص يعرفه منذ سنين. 

لا يعلم الكثير عنها و لكنه كان يشعر ب أنها بطريقة أو بآخري قريبة منه للحد الذي يجعله يتضرع إلى الله بأن تخرج سالمة من هذا الحادث المروع . خرج الطبيب من الغرفة فهرع إليه يسأل بلهفة 

" طمني يا دكتور هي عامله ايه ؟"

الطبيب 

" الحمد لله شوية كسور و جروح و كنا خايفين يكون في نزيف داخلي بس اطمنا أن الوضع تحت السيطرة . "

زفر بإرتياح من حديث الطبيب الذي قال مستفهما 

" حضرتك تقربلها ايه ؟"


احتار بما يجيب و لكنه في النهاية قرر قول الحقيقة 

" أنا دكتور و هي طالبه عندي و الحادثة حصلت قريب من الجامعة وأنا الي جبتها علي هنا "

اومأ الطبيب قبل أن يقول بعمليه

" خير ما عملت . الحمد لله ملحقتش تنزف كتير و دا طبعًا في صالحها ."

تحدث قائًلا بإرتياح 

" الحمد لله انها بخير . اقدر اشوفها واطمن عليها "

" المفروض أن إدارة المستشفى تكون كلمت أهلها و هما اللي يقرروا . يعني حضرتك مش قريبها و اكيد انت فاهم الحرج. "


ياسين بتفهم 

" فاهم يا دكتور . شكرا لذوقك .'

" العفو . عموما هي نص ساعة و هتتنقل اوضة عادية. عن إذنك "


لم يكد يتنفس بارتياح إطمئنانا عليها حتى أتاه إتصال كان يتمناه بشده فأجاب بلهفة 

" ايوا يا سعد طمني ؟"

المتصل على الطرف الآخر 

" عايز الحلاوة يا ياسين . جبتلك عنوان بنات عمك ."


****************


كانت تدور حول نفسها بغضب كان أساسه الخوف! خوف من أن تكون معه بمفردها و خوف من كلماته السامه التي تنحر قلبها بكل مرة و خوف علي صغيرها من عدم تحملها لكل ما يحدث معها فيكون هو الضحية و خوف من مشاعر غريبة تجتاحها تجاهه . كانت تمقته فما الذي حدث حتى صارت تمقت الظروف التي وضعتها في تلك المواقف أمامه . تكره كونها مذنبه في عيناه و كان هذا الشعور لا يروقها أبدا. و للمرة التي لا تعرف عددها تتمنى لو أن تلك الأشهر الماضية لم تمر عليها تتمنى لو أن شاحنة دهستها قبل أن تذهب إلى الجامعة في ذلك اليوم. و لكنها تعود نادمة حين تنظر إلي بطنها المسطح و الذي يحوي روحًا بريئه تأمل بأن تكون هي المُرمِمة ل جراحها الغائرة . 

لا تعلم ماذا عليها أن تفعل. هل تهرب ام تواجه ؟ هل تبتعد أم تقترب ؟ لا تعلم ماذا تخبئ لها الأيام و لكنها خائفه كثيرًا من الغد و من المستقبل فبعد ما حدث لها لم تعد تثق حتى بنفسها التي باتت عبئًا حتى عليها كما قال . فبالرغم من قساوة كلماته و لكنها كانت صحيحة . و بالرغم من أنه وقف إلى جانبها البارحة و أخذ لها حقها من شقيقته البغيضة تلك إلا أنها مازالت خائفه منه و بشدة . 

ارتجف قلبها ذعرًا حين سمعت ذلك الطرق علي باب حُجرتها و تسارعت أنفاسها و هي تتقدم بخطً سُلحفيه لتقول بصوت مُرتعِش

" مين ؟"


اطمأنت قليلًا حين سمعت صوت أمينه التي قالت 

" أنا الحاجة أمينة يا جنة . ممكن ادخل "


تنفست الصعداء و فتحت الباب و هي تنظر إلي أمينة باستفهام فهي آخر شخص توقعت رؤيته خاصة في الصباح ولكنها شعرت بالراحة حين رأت تلك البسمة البشوشة علي ملامحها فأجبرت شفتاها عن الإفصاح عن آخري هادئه حين قالت 

" أهلًا يا حاجه . اتفضلي ."


بالفعل دلفت أمينة للداخل و توجهت الي الأريكة الموضوعة في منتصف الغرفة بينما اضطرت جنة إلى إغلاق الباب و التوجه بتؤدة إلى حيث تجلس فامتدت يد أمينة تُشير إليها بأن تجلس بجانبها و هي تقول بلطف 

" تعالي يا جنة اقعدي جمبي "


اطاعتها جنة بصمت بينما بداخلها تشعر بالرهبة و قد لاحظت أمينة ذلك لذا قالت بمزاح 

" ماتخافيش احنا ما بناكلش بني آدمين "

ابتسمت جنة رغما عنها و جلست بجانبها دون التفوه بحرف ل تُفاجٓئها أمينة التي تحولت نظراتها للحيرة حين قالت 

" ليه يا جنة ؟"

اندهشت من سؤالها و تجلى ذلك في استفهامها 

" هو ايه اللي ليه ؟"

" ليه أنقذتِ حياتي ؟"

تفاجئت من حديثها وقالت بزهول 

" هو أنا كان ممكن اعمل حاجه غير كدا ؟"

أمينة بهدوء

" آه . كان ممكن تقفلي الباب و تمشي و لا كأنك شوفتيني . يعني بعد الي الكلام اللى قولتهولك والأذى الى سببتهولك..."


قاطعتها جنة باندفاع يحوي غضبا كبيرا 

" دا عند ربنا. الأذى الى سببتهولي دا عند ربنا. لكن انا مقدرش اشوف إنسان بيموت و مساعدهوش. "


آلمتها كلماتها بشدة فقد اشعرتها بمدى حقارتها سابقًا معها و قد تجلي ألمها في كلماتها حين قالت 

" مفكرتيش لحظة."

قاطعتها للمرة الثانية 

" أبدًا و لو رجع بيا الزمن هعمل كدا تاني حتي لو كنتي عاملة فيا ايه! انا مش ملاك و لا حاجه و هبقي صريحة معاكي انا معملتش كده عشانك انا عملت اللي اتربيت عليه . "

" تقصدي تقوليلي حتي لو انتي وحشة أنا مش زيك !"

جنة بلهفه 

" انا مقصدش كده والله ."

تلك المرة قاطعتها يد أمينة التي ارتفعت توقفها عن الحديث و قالت بإبتسامه هادئه

" عارفه انك متقصدِش . "

سحبت نفسًا عميقًا قبل أن تتابع 

" انا شايفه أن أنا و أنتي محتاجين ناخد فرصة نعرف فيها بعض أكتر . هكون ممتنة ليكي لو تقدري تتجاوزي سوء الفهم اللي حصل بينا و نبتدي من أول و جديد "


تفاجئت جنة من حديث أمينة و للحظة لم تعرف ماذا تجيب و لكن ذلك الرجاء في عين تلك العجوز جعل قلبها يلين فابتسمت بهدوء قبل أن تقول برقه 

" فرح دايما تقولي مترديش إيد اتمدتلك بالسلام . " 


ابتسمت أمينة براحة من جملتها البسيطة و قالت بمزاح 

" فكريني أشكر فرح على الحكمة الجميلة دي ."

ابتسمت جنة علي جملتها فتحدثت أمينة قائله بترقب 

" أنا سمعت انك رايحه النهاردة للدكتور تطمني على وضع الجنين ."

جنة بحماس 

" أه فعلا . النهاردة مفروض يقولي علي نوع البيبي و هيغيرلي الفيتامينات كمان ."


ارتسم على ملامح أمينة رجاء صامت و لكنها لاحظته بالرغم من لهجتها المحرجة حين قالت 

" متنسيش أول ما تيجي تطمنيني . ربنا يطمنك عليه ويجيبه بالسلامه . ابن الغالي ."


عند ذكر الغالي الراحل سقطت دمعة من طرف عيناها تحكي مقدار الوجع المدفون بصدرها فشعرت جنة بالشفقه عليها و فجأة طرأ على بالها فكرة لتدخل السرور علي قلب تلك العجوز و أيضاً لترد الصاع صاعين لذلك الهتلر اللعين الذي يهدد أمنها و سلامتها لذا قالت بإندفاع 

" لو تحبي تيجي معايا انا معنديش مانع "


فورًا تبدلت معالم أمينة من الحزن و الألم الي الفرح و السرور الذي تجلي في لهجتها حين قالت بلهفه 

" بجد يا جنة . انا ممكن اجي معاكي ؟" 

جنة بابتسامة جميلة 

" طبعًا ممكن تيجي .يعني لو مكنش المشوار هيتعبك "

أمينة بلهفه 

" لا يتعبني ايه . دا هو دا الي هيريحني . قوليلي انتي ميعادك امتى هناك ؟"

نظرت جنة إلى ساعتها التي تشير الى الواحدة و قالت 

" تقريبا بعد ساعه من دلوقتي "

أمينة بلهفه و هي تنهض من جلستها 

" طب حلو هروح اخلي مروان يستنانا كان عايز يروح يفسح ريتال نروح احنا كمان معاه يالا هقوله علي بال ما تجهزي " 

" لا أنا جاهزة من بدري "

أمينة بحبور 

" طب يلا بينا ننزل سوا "

و بالفعل خرجت مع أمينة الي الخارج و هي تستند على ذراعها حتى وصلا إلى الدرج و لكن خفقة قويه ضربت يسار صدرها حين لمحته يصعد الدرج و لأول مرة تنظر إلي ملامحه التي تفاجأت بمدى وسامتها و تناسقها مع بشرته الخمرية و لحيته الكثيفة التي كانت تزين وجهه بشكل كبير و لكن تبقى عيناه المخيفة التي دائما ما يكون لونها بلون الجحيم الذي يرهبها بشكل كبير فشتتت نظراتها لكل شئ حولها حتى أنها لم تستطيع النظر إليه حين تحدث مع والدته 

" عامله ايه دلوقتي ؟"

أمينة بحنان 

" الحمد لله يا حبيبي. احسن كتير ."

حانت منه إلتفاتة بسيطة لصاحبة الشعر الحالك السواد كظلام الليل يضاهيه بحر عيناها الأسود اللامع و الذي يناقضه بشرة حليبيه يزينها خدان شهيان كالتفاح الناضج و ثغر! لم يسمح لعقله بالتمادي أكثر فيكفيه ضجيج قلبه الذي كان يقرع كالطبول فصب إهتمامه بأكمله على والدته و قال بحنان يتنافى مع طبيعته الدائمة معها

" الحمد لله يا حبيبتي . انتي راحه علي فين كدا "

أمينة بحبور 

" رايحه انا و جنة للدكتور معاد متابعتها النهاردة "

تجمدت الدماء في أوردتها و برقت عيناها التي كانت تنظر أمامها مباشرة حين سمعت حديث أمينة تكمل

" مشوفتش الواد مروان اصله كان خارج يفسح ريتال هنخليه يوصلنا في طريقه و بعدين يبقى يعدي ياخدنا "


اندفعت الدماء إلي أوردته و سرت كالنيران الذي شعر بها تحرق احشاؤه و تلونت حدقتاه باللون الأحمر القاني و هو ينظر إليها فوجدها تنظر أمامها بصدمة غير قادرة على النظر إليه وما أن أوشك على الرفض القاطع أتاه صوت مروان خلفه و الذي قال بمزاح 

" أنا اهوه يا مرات عمي . حسيت انك محتجاني فجيت جري "

أمينة بلهفه 

" ابن حلال والله . عايزاك تاخدنا معاك البلد عشان معاد الدكتور بتاع جنة كمان ساعه"


كان مروان يشعر بشئ منذ البارحة في نظرات سليم لجنة و قد تأكد حين إلتفت رآه يناظرها بتلك النظرات الجحيميه فأراد أن يلعب على أوتار غيرته حتى يلقنه درسا قاسيا فقال بمزاح 

" بس كدا . دانتي تأمري . دانتي لو طلبتي كبدتي تشوحيها عالغدا مأخرهاش عنك يا مرات عمي . دا تحت امر الست جنة هانم . يا سلام . عنيا. اوديكم و اجبكوا و افسحكوا كمان لو عايزين "


كانت في تلك اللحظة تتمني أو أنها قذيفة من السماء تسقط على رأس ذلك الثرثار فيصمت للأبد فكلما كان يتحدث كانت نظرات ذلك المجنون تزداد احمرارا و تتقد غضبا و ملامحه تتوحش أكثر حتى ظنت بأنه سوف يبتلعها الآن و لكن أمينه التي شددت علي يدها و هي تتابع النزول قائله بمزاح 

" لا يا شيخ ايه الجدعنة والشهامة دي كلها. طب ورينا بقى هتفسحنا فين "


كانت اللحظات الأشد غضبا في حياته . لأول مرة يشعر بأنه يريد تحطيم كل شئ حوله حتى تخور قواه . ما هذا الغضب الهائل الذي اجتاحه كطوفان يود إغراقها به حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة. نعم يفضل أن يقتلها في تلك اللحظة حتي تشفي نيران غضبه المتقدة داخل صدره . لأول مرة بحياته يصمته الغضب لم يستطيع فعل شئ سوي العودة بخطوات ملتهبه الى مكتبه و قام بإغلاق الباب خلفه بقوة لا يعرف من أين واتته أخذ ينظر داخل أرجاء الغرفه بجنون يشعر بأن هناك شئ سيخترق رأسه من الأعلى. ستنفجر عيناه من فرط الضغط الماثل فوقهما . هناك لحظة فارقه بينه و بين أن يخر صريعًا جراء غيرة هوجاء قد ينفجر رأسه بسبب عدم احتمالها. و بلمح البرق وجد نفسه يفرغ كل تلك الشحنات المريعة في ذلك المقعد الذي قام بحمله و إلقاءه في آخر الغرفة ليصطدم برف كبير يحمل عدد لا بأس به من الكتب و المجلدات و التي سقطت مرتطمه بالأرض جراء هذا الهجوم الكاسح ليصدر ذلك الارتطام صوت قوي جعل من في الخارج يتنبهون منا جعل أمينة تقول بلهفة 

" ايه يا ولاد الصوت دا ؟"


علم مروان ما حدث و قد صدقت تكهناته لذا اقترب من أمينة و أخذ يدها من بين كفوف جنة و قال بمزاح 

" متاخديش في بالك دا طور هايج فى عنبر ستة . أنا عايزك تركزِ معايا يا أمونة عشان هعملك حتة بروجرام انما ايه عنب هيفكرك بأيام الشقاوة "


لكزته أمينة بكتفه و هي تقول بتوبيخ 

" بس ياد يا أبو لسانين أنت. أنت إيه لسانك دا متبري منك . و بعدين ايه أمونة دي . إسمي الحاجة أمينه لو كان عمك عايش و سمعك بتدلعني كدة . كان شال رقبتك من مكانها ."


مروان بتهكم 

" الصلاة عالنبي . انا كدا عرفت الطور طالع لمين ."

اوصلها مروان إلي باب السيارة الخلفي و فتح لها الباب و ساعدها بالصعود بجانب ريتال التي كانت في انتظارهم و ألتفت يوجه أنظاره إلي جنة التي كانت تسير خلفهم فقام بفتح الباب الأمامي لها و هو يقول ساخرًا 

" اتفضلي حضرتك شرفي عربيتي المتواضعة ."

اطاعته جنة التي كانت تُعاني من نوبة هلع داخليه حين سمعت صوت التحطيم القادم من غرفته و لم تلحظ تلك النظرات النارية التي تراقبهم من النافذة و التي لو كانت طلقات لأردتها صريعة في الحال .بينما إلتقمها مروان الذي قال بتحسر 

" دانا بايني هشوف في البيت دا أيام سودة . يا خسارة شبابك الي هيضيع يا مروان "


****************


خيم الظلام و كانت تجلس بغرفتها تحتضن وسادتها التي كانت رفيقة لياليها الحزينة المُكلله بدموع لا تنضب أبدا . كم شعرت بأنها وحيدة منبوذة محرومه من كل ملذات الحياة التي تحيط بها من كل جانب . شعرت بأن ما مضى من حياتها كان هراء. كانت تظن بأنها تمتلك كل شئ المال و الجمال و الصداقة و الحب! و لكن بلمح البصر انقلب كل شئ فمن ظنته حبيبا هو من أذاقها مرارة الغدر والهجر والاصعب انه تركها لأجل آخرى وهذا جل ما تحتمله انثى بحياتها فالطعنة لم تطال القلب فقط بل اخترقت كبرياءها فأدمته . فبعد ما خسرت لأجله كل شئ تركها لأجل تلك الفتاة الفقيرة التي عاش لها ومات معها والآن هي تحمل طفله و اسمه بينما هي تتجرع مرارة الغدر و الألم معًا. و الأدهي من كل ذلك أنها خسرت صديقها الذي لطالما كان ملجأها الآمن و الذي كانت تتجرد أمامه من كل أقنعتها و تشكوه هجر والديها العزيزين و الذان من أكبر و أهم الأطباء بمصر. يهتمان بمرضاهم أكثر منها . يهتمان بمستقبلهم المهني أكثر منها يتركوها تتجرع ألم الحرمان بينما ينشغلان بمداواة آلام الآخرين .

لازالت تتذكر حديثها البارحة مع والدتها حين كادت أن تتوسل أليها بألا تسافر لذلك المؤتمر اللعين و تبقى معها 


" ماما أنا محتجالك اوي . بليز خليكِ معايا. متسافرِش " 

اقتربت منها منال تربت على خديها بلطف و هي تقول 

" بطلي دلع يا ساندي انتي مبقتيش صغيرة . و كمان انتي عارفه ان دا مستقبلي. يرضيكِ ابوكي يسبقني . "

ساندي بإرهاق

" يا ماما انا تعبت من المنافسه الي بينكوا طول الوقت دي . هيجرا ايه لو هو راح المؤتمر و انتي لا ."

منال بحدة 

" هيجري كتير يا ساندي . أنا كنت بحفر في الصخر عشان اوصل للمكانة اللي وصلتلها دي . كنت حامل فيكي و بحضر للدكتوراه و كان ربنا يعلم بيا و بتعبي. و هو مكنش بيسأل علي حاجه و لا علي حد و مع ذلك مقدرش يتغلب عليا و دلوقتي بعد ما وصلت لكل دا اسيبه بقي يسبقني و يتفوق عليا. "

أنهت جملتها و توجهت الي حقيقتها تتابع تحضيرها فتوجهت إليها ساندي تقول بألم و حقد 

" طب و أنا. أنا فين من كل دا ؟ مبتفكريش فيا خالص. "

منال بغضب

" انتي عندك كل حاجه تتمناها اي بنت في سنك و مش محرومة من حاجة . و بعدين دا بدل ما تشجعيني انتي الي جايه تقفي في وشي .مش بعيد يكون هو اللي باعتك عشان تعملي الشويتين دول مانا عرفاه وعارفه حركاته ."


استقرت كلمات والدتها القاسية في منتصف قلبها فمزقته إلي أشلاء. ألم تلحظ كل ذلك الألم في مقلتيها و الذي يلون ملامحها. ألم تلحظ رجفة الخوف في نبرتها . هي حتى لم تلتفت إلي تلك الظلال السوداء التي تحيط بعينيها ولا شحوب لونها الذي أصبح يحاكي الموتى .نحول جسدها الذي كان يضج بالأنوثة سابقا. كل هذه الأشياء الكارثية لم تلحظها لا بقلب الأم و لا بعين الطبيبة الهذه الدرجة هي لا تراها؟! 

عند هذه النقطة قررت أن تمحوها من حياتها تماما هي و والدها الذي لا تتذكر متى جمع بينهم آخر عناق. و الآن قررت أن تلجأ لأكثر شخص كان يهون عليها كل هذا العذاب كان نورها في أحلك الأوقات ظلمه و مخدرها في أكثر اللحظات ألمًا.

رفعت هاتفها و بأنامل مرتعشه قامت بالإتصال به و ازدادت ضربات قلبها و تسارعت أنفاسها فمع كل جرس كان يخترق مسامعها كانت عبراتها تزداد هطولا حتى كاد بكائها يتحول لصراخ لم يكن يسمعه و لكن كان يشعر به و ككل مرة يهزم أمام قلبه أمسك الهاتف ليضغط ذر الإجابة فيصل إليه بكائها الحاد فخرجت الكلمات مرتعشة من بين شفتيه 

" مالك .في ايه ؟"

ساندي ببكاء مرير 

" عُدي !"

كان في نطقها لاسمه إستغاثة استشعرها قلبه الذي صرخ مرتعبا 

" فيكي ايه ؟"

لم تكد تجيبه حتى انفتح الباب و دخل منه شخص كان ينتظره و حين سمعت صوته مرحبا به شعرت بإعصار خوف هائل اجتاح سائر جسدها 

" ألف سلامه يا عدي ؟" 

هكذا تحدث سليم ما أن دخل إلى الغرفة فتسارعت أنفاسه بشدة حين رآه و لكنه تحكم في نبرته إذ قال 

" الله يسلمك يا سليم باشا ."

علي الطرف الآخر خرج صوتها مرتعبا و هي تقول 

" دا سليم الوزان يا عدي صح ؟"

أجابها بكلمة واحدة قاطعة كنصل سكين حاد نحر قلبها 

" صح "


هنا صرخت بقوة وبكل ما تمتلك من طاقة 

" أبوس إيدك لا يا عدي لاااااااااااا" 


يتبع....

تكملة الرواية من هنااااااا


لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله1 اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع