رواية بكِ أحيـا (آخر طوق للنجاة) الفصل التاسع عشر والعشرين بقلم ناهد خالد (حصرية وجديدة في مدونة قصر ا
رواية بكِ أحيـا (آخر طوق للنجاة) الفصل التاسع عشر والعشرين بقلم ناهد خالد (حصرية وجديدة في مدونة قصر ا
رواية بكِ أحيـا (آخر طوق للنجاة) الفصل السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر بقلم ناهد خالد (حصرية وجديدة في مدونة قصر الروايات
بسم الله نبدأ البارت..
الفصل التاسع عشر "مُنقذ"... رواية #بكِ_أحيا
"دروس الماضي لا تُهمل، فقط تبقى هناك في أحد خانات الذكريات، وتظهر في الوقت المناسب، تحديدًا في الموقف المناسب تمامًا! "
انتبهت لجملة" رنا" وهي تقول بود:
_ مش كده وبس، ده احنا كمان بقينا صحاب، مش كده يا ديجا؟
" ديجا" لم يكن عليكِ قولها يا رنا.. أبدًا!
تغيرت ملامحها مائة وثمانون درجة، وجمت بشدة وهي تستمع لِمَ اطلقته" رنا" بكل عفوية للتو، ضغطت على أسنانها بقوة تحاول كبح جماح ذكرياتها كي لا تنفجر الآن في عقلها ونتيجتها لن تُحمد عقباها، لكنها فشلت وهي تستمع لصوته المميز يخرج من بين ذكرياتها وهو يردد نفس الاسم منذُ سنوات عِدة بكنيتها المفضلة له..
"ديجا".. "ديجا"... "ديجا"..
رفعت رأسها بغتة بعدما كانت تنكسها وللحظة استسلمت لذكرياتها، ولكن لم تترك لذاتها العنان اكثر كي لا تسوء حالتها، وحين رفعت عيناها رأى ما خشاه، رأى غضب مهول سكن نظراتها، وتمرد سافر وهي تقول بابتسامة أدرك حقيقتها الزائفة:
_ متقوليش الاسم ده تاني يا رنا لو سمحتِ.
تفاجئت "رنا" من طلبها، لتسألها مستغربة:
_ ليه؟ ده الدلع الدارج لأسم خديجة.
ضغطت على ذاتها بشدة وهي تخبرها بهدوء يكبح خلفه الكثير:
_ معلش مبحبوش بيضا' يقني.
اقتنعت "رنا" بحديثها، بل وأيدتها وهي تقول:
_ معاكي حق، انا كمان مبحبش دلع رنوش.. بحسه تقيل على قلبي، بحب رانو اكتر.
ابتسامة لم تصل لعينيها زينت ثغرها وهي تردد:
_ ماشي يا رانو.
ولكنه لم يقبل بنصف اجابة رغم علمه بتكملتها، لكنه أصر أن يسمعها منها، لا يعلم لِمَ! ربما تمنى قلبه الأحمق أن تخالف توقعه وتكمل اجابتها بشيء آخر غير الذي وصل له، وألمه كثيرًا، لذا سألها بمرح زائف:
_ بس اكيد في سر ورا عدم حبك للدلع ده، وعندي فضول اعرف بصراحة.
نظرت له فوقعت عيناها في داخل عيناه تمامًا، وفي تلك اللحظة صور لها عقلها أنها تحدثه هو بذاته "مراد"، ربما لأن عيناه تذكرها بهِ بشكل ما، فوجدت الغضب يشتعل داخلها من جديد وهي تنظر لعيناه مباشرةً هذه المرة وكأنها انفصلت عن واقعها، وهتفت من بين أسنانها بعداء:
_ لأني بكره الي سماني بيه، عشان مش طايقة افتكر اي حاجة عنك حتى لو كان اسمي، لو كنت اقدر اغيره كنت غيرته.. لو كنت اقدر الغي من عقلي كل ذكرياتي معاك كنت عملتها.
كل كلمة منها كانت بمثابة طعنة سُددت لصدره، ملامحه كانت جامدة ولم يظهر بها شيء، ولكن بداخله بركان ثائر من القهر والحزن فقط.. ليس غضبًا عليها ولا منها، الأمر يتعدى هذا بكثير، انتبهت لذاتها على هز "رنا" لذراعها وهي تهتف بتعجب:
_ خديجة مالك؟ أنتِ بتكلمي زين كده ليه؟
انتبهت لأين هي وماذا تقول، لتخفض نظرها لأسفل مستغفره ربها، وقد حدث ما خشته وانفلتت زمام السيطرة على ذاتها من بين يديها، أخذت نفسًا عميقًا ناهره ذاتها بغضب قبل أن ترفع رأسها وهي تتحاشى النظر له مرددة بهمس:
_ أسفة يا جماعة، بس فكرتوني بحاجات مبحبش افتكرها..
رفعت نظرها له بخجل حقيقي وهي تكمل باعتذار:
_ أنا اسفة يا استاذ زين مقصدتش الي قولته.
بالكاد رسمَ بسمة بسيطة على ثغره وهو يردد بوجه واجم:
_ ما قولنا بلاش استاذ.
رفرفت بأهدابها خجلاً وهي تغمغم محاولة تخطي الموقف:
_ أسفة يا زين.
اومئ برأسه وقبضتيهِ ابيضتا من شدة الضغط عليهما، يكبح حزنه وسخطه على ما آلت إليه الأمور، لا يلومها، لكن لا يعرف مَن يلوم؟ كل ما في الأمر انه حزين لحد لا يمكن وصفه، وللأسف في مثل تلك الحالة دومًا ما يلجئ لِمَ ينسيهِ حزنه وقهره، ألا وهو "الخمر" أو ما يسميهِ باللغة الأجنبية العصرية " فودكا".. والآن هو في أشد الحاجة إليها، لكن للأسف بقى على انصرافه ساعتان كاملتان.
"ابشع انواع الألم هي ما لا يمكنك التعبير عنها، او يرغمك الموقف على كبت كل ألآمك، البركان حين يثور ولا يجد له مخرجًا يأكل نفسه بنفسه، وهذا ما يحدث معه الآن.
تسلل إلي مسامعهم اصوات متداخله تأتي من الخارج، ورويدًا تميز صوت امرأة تصرخ وصوت هادر لرجل، وكالعادة قادهم فضولهم للتحرك للخرج لعلم ماذا يحدث، والمقصود بهم" مراد و رنا" أما" خديجة" فكانت على عِلم مُسبق بما يحدث خارجًا، فهذا ليس بأمر جديد عليها، او على المنطقة حتى، التي وقف كل من بها ينظر للمشهد بصمت، وبعضهم أخذ يتهامس بعدم رضا ولكن لا يمكنه التدخل.
وكان المشهد كالآتي :
رجل ينهال ضربا على امرأة بكل قوته في منتصف الشارع حتى أنه جردها من حجابها، من فرط ما جذبها من شعرها ليكيل لها اللكما' ت والضر' بات كما يقول الكتاب، وقفا "مراد ورنا" بدهشة مما يحدث، والأمر كان مختلف لدى كلاً منهما، فهو مندهش أكثر من سلبية الناس الذين وقفوا يشاهدون دون تدخل، والادهى أن المرأة تترجاهم لينقذوها من بين يدي ذلك الوحش المفتر' س، و"رنا" كانت مندهشة من قسوة ذلك الرجل في ضر' به فقد بدى كأنه يلاكم رجل مثله! حتى أنه أدمى وجهها من كثرة عنفه!
_ الحقوني يا ناس، الحقوني يا خلق الراجل هيموتني.
صرخت بها تلك المرأة المكلومة، ليزيد ذلك الحقير من ضرباته وهو يسبها بألعن الألفاظ:
_ بس يا بنت ال*****، ولا دكر يقدر ينجدك من ايدي يا بنت ال**** يا ****.
اشتعلت مراجل الغ' ضب بداخله وهو يناظر ما يحدث ببركان إن انفجر سيهلك كل من حوله، وهذا المشهد أمامه أعاد له ذكريات لا يريد تذكرها، أعاد له مشاهد كثيرة مشابهة لهذا.. وأحدهم..
كان عام ٢٠٠٥...
كان مازال طفلاً في عامه العاشر، طفل يرتجف بخوف بالغ حين رأى وحشًا يشبه أبيهِ يغلق باب الغرفة عليهما من الداخل، ويلتف له بملامح غاضبة، مش' تعلة، وبيده يقبع ما يثير ذعره حقًا، ذلك السوط الذي يستخدمه "محمود" في ترويض الأحصنة التي تقبع في اسطبل منفصل مجاور للفيلا، استعاره والده لعقابه!
اقترب بخطوات دبت الفزع في قلب الصغير، كل خطوة منهُ كانت تسقط على قلبه وليست على الأرضية، ويردد من بين أسنانه المطبقة:
_ بقى أنتَ تجيب في الامتحان ٨ من ٢٠! ابن حسن وهدان يبقى اخيب واحد في الفصل!؟ بقى أنا حتة مدرس ابن**** يكلمني ويقولي شِد على ابنك شوية في المذاكرة عشان درجاته وحشة!
وبارتعاش انتاب كل ذرة بهِ كان يجيبه بدموعه الغزيرة:
_ بابا، انا... انا والله مش بفهم من المدرس ده، انا بجيب كويس في كل المواد والله بس.. بس هو... انا مش بفهم منه.
ابتسامة غامضة زينت ثغر الواقف أمامه قبل أن يردد بغموض:
_ لا مانا هعلمك ازاي تفهم، وهعرفك مكانتك ايه والمفروض تبقى ايه.. مش ابني أنا الي يبقى فاشل.
كانت آخر جملة نطق بها قبل أن يلاقي الصغير ما لم يتحمله جسده، وفي غيبات عقله كان يستمع لصراخ والدته من الخارج وضربا' ت قوية فوق الباب حتى كاد ينخلع.. وبنهاية الأمر كان يسقط أرضًا غير قادرًا على رفع يده حتى او فتح عيناه، لم يتقبل ما فعله والده، حتى وإن كان من باب انه يريده أفضل! أو هكذا كان يظن قبل أن يستمع لجملة والده التي قالها حين فتح الباب وأصبح مواجهًا لليلى..
"عشان تفكري ألف مرة قبل ما تقرري من دماغك وتروحي تشتري بيت من ورايا، كنتِ بتفكري في ايه ها؟ إنك هتقدري تاخديه وتهربي؟ إذا كنت عرفت برغبتك في شرى البيت من أول ما كلمتي الراجل عشان تسأليه عن السعر! لا وبتختاريه في اسوان.. قال كده مش هعرف اجيبك؟ غبية يا ليلى، غبية وابنك هيتحمل نتيجة غبائك"
صرخة قهر خرجت منها متبعة بجملتها" ربنا ينتقم منك يا حسن، ربنا ينتقم منك بحق الي بتعمله في طفل ملوش ذنب".. وكانت الجملة الأخيرة التي سمعها قبل سقوطه فاقدًا للوعي..
الآن.....
عاد من ذكرياته على صرا' خ المرأة بصوت اعلى، نظر ل" خديجة" ليراها تبكي بصمت دون رد فعل، اقترب منها وهو يسألها بغضب ظهر في نبرته:
_ هم واقفين يتفرجوا عليها؟
نظرت له من بين دموعها وهي تجيبه بقلة حيلة:
_ الراجل ده شراني محدش بيقدر عليه، بلطجي وشايف نفسه، وهي مراته، لما حد بيتدخل بينهم مبيسلمش من أذيته.
جحظت عيناه بقسوة وهو يسألها:
_ هي مش أول مرة؟
نفت برأسها بحزن شديد وهي تجيبه:
_ أول مرة! ده كل يومين كده، واهلها غلابة ميقدروش يدخلوا، يوم ما اخوها اتدخل المفتر' ي ده ضربه لحد ما عمله ارتجاج في المخ، وكانوا هيخسروه.
لا يستطيع الوقوف مكتفي الأيدي، يعلم جيدًا أن الشخص في مثل هذا الوضع يتمنى لو ينقذه أي شخص، واستنجادها ليس مجرد استنجاد عادي، بل يحمل رجاء وتمني أن ينقذها أحد بالفعل، وهو خير من يفهم مثل هذه المشاعر، فكم تمنى في كل مرة يقع فيها تحت يد والده أن تستطيع والدته انقاذه، او يأتي ملاك من حيث لا يدري وينقذه، لذا لن يتوانى عن المساعدة..
ولكن ماذا عنها تلك التي تقبع جواره؟ أراد الظهور أمامها كشخص طبيعي، مسالم، وما سيقبل على فعله لا يمت للمسالمة بصِلة، ولا يريدها أن تخشاه أو يثير ذعرها وشكها تجاه، لذا سيسلك دربًا آخر... ولأول مرة "مراد وهدان" سيحل المشكله بالتفاهم والحكمة قبل أن يستخدم يده او سلاحه!
أخذ خطواته تجاه حتى أصبح قريبًا منهُ، فهتف بصوتٍ مرتفعٍ قليلاً تحت نظرات "خديجة" المندهشة والخائفة من القادم وقد رددت هامسة "يخربيتك هتودي نفسك في داهية"..
_ يابرنس ميصحش كدة، هتموت في ايدك، بعدين مش دي مراتك؟ ازاي تقلعها طرحتها وتهينها كده قدام الناس؟ المفروض كرامتها من كرامتك!
توقف ذلك الجثة الضخمة وقد تركها من يده لتركض سريعًا لوالدتها التي كانت تقف على بُعد، فالتقطتها في أحضانها وارتفع بكاء كلاً منهما بق' هر، رفع حاجبه الأيسر النصف مقطوع وهو يقول بغلظة:
_ وأنتَ مالك يا ننوس عين أمك، انجر ياض اقف بعيد بدل ما امسح بكرامة اهلك الأرض.
حسنًا... يبدو أن الحِكمة لن تُجدي نفعًا!
_______________
ترجلت من السيارة أمام ذلك الصرح الكبير، والذي يعد قصرًا فخمًا يبين ترف حياة ساكنيه، صعدت الدرجات القليلة حتى وصلت للباب ودقته ففتحت الخادمة على الفور سامحة لها بالدلوف، خطت بكعب حذائها فوق الأرضية المصقولة حتى توقفت حين أبصرته أمامها يجلس باسترخاء وهو يردد ما إن أبصرها:
- Well done baby.
"أحسنتِ حبيبتي"
ابتسامة واثقة زينت ثغرها قبل أن تجيبه وهي تجلس فوق الكرسي المقابل له:
_ تلميذتك يا دياب باشا.
مدَ يده لتعطيه ما حرزته، افتر ثغره عن ابتسامة قبل أن يمد أصابعه في جيب سترته ويخرج ورقة صغيرة مدها لها وهو يقول :
_ اتفضلي، حقك وعليهم ٥٠٠ الف زيادة لسرعة تنفيذ المهمة.
نظرت للورقة التي بيدها بابتسامة وهي ترى رقم ثلاثة وزُين بستة أصفار تجاوره، ثم نظرت له وهي تغمز بمكر:
_ جوجو دايمًا في الخدمة.
ضحك مقهقهًا وهو يهز رأسه متفهمًا وقال:
_ اممم، مادام فيها ملايين هتكوني في الخدمة طبعًا يا بيبي.
نهضت بعنجهية وهي تعقب:
_ دياب باشا كلنا بنسعى لمصلحتنا، مش في حب الوطن!
ضحك "دياب" على جملتها واومئ برأسه مأكدًا صِدق حديثها، فأكملت بجدية:
_ ميعادنا النهاردة هو هو ولا اتغير؟
وبنفس الجدية أجابها:
_ لا هو هو، حضري نفسك كويس.
التوى فمها ساخرًا وهي تخبره:
_ مش مهم انا يا باشا، المهم حضرتك تحضر نفسك لضبط الأعصاب، حضرتك عارف لو أعصابك فلتت لما تشوف ابن وهدان هتحصل كا'رثة والعملية مش حِمل غلطات.
اشت' علت عيناه على ذِكر غريمه، لكنه ردد بهدوء خارجي:
_ متقلقيش، ولا هيهزني.
رفعت حاجبيها بعدم اقتناع:
_ اتمنى.
قالتها وانطلقت بعدها للخارج، تاركة إياه سابحًا في ذكرياته مع غر' يمه، عداء بدأ منذُ سنوات وامتدَ للأن، يعترف أن نقطة البدء كانت من عنده، ولكنه لم يتحمل أن يأتي شاب اصغر سنًا وأقل خِبرة وتُسلط الاضواء عليهِ في المنظمة، حتى بعد أن كان نجمها الساطع أصبح مجرد كومبارس!
نهض بطوله الفارع، ممرًا أصابعه في خصلاته السوداء القاحلة، وعيناه ذات اللون الرمادي الداكن تلونت بنظرات حاقدة، يتمنى لو يصبح ابن وهدان ذات يوم بين قبضته.
______________
ضغط على شفته السفلى بأسنانه يكبح غض' به، لكن لم يستطع بعد جملة الآخر المستفزة لرجولته، لمح بطرف عينيهِ تقدم "مينا" ورجل آخر من رجاله، ليشير له بعينيهِ ألا يتدخل، فتوقف الآخر محله مرغمًا، اقترب رافعًا أكمام قميصه الخاص بالمطعم بحركات رتيبة، حتى جعله عند كوعيهِ...
اقتربت "رنا" من "خديجة" القلِقة مما سيحدث، لتهمس لها بحماس:
_ تفتكري هيضربه؟
رمقتها "خديجة" بجانب عينيها بضيق وهي تجيبها ساخرة:
_ لا، بيشمر عشان يغسله المواعين.. نقطينا بسكاتك.
ذمت "رنا" شفتيها بضجر وهي تلتزم الصمت وتتابع ما يحدث.
اصبح أمامه تمامًا، ورغم أن الآخر يفوق" مراد" طولاً بخمس سنتيمترات تقريبًا، ألا أن "مراد" بدى مناطحًا له، نظر في عيناه بقوة، عيناه التي أصابت قلب الأخيرة برجفة لم يعلم مصدرها، لكن يعترف أن عين هذا الرجل الواقف أمامه مخيفة، بظلمتها التي زينتها الآن، وهسيسه الشابة بالفحيح الذي تسلل لمسامعه وهو يقول:
- واضح إنك واد ابن**** و*** مينفعش معاك الذوق، مين الي ننوس عين امه يابن ال*** يا***.
ورغم قل' ق الواقف أمامه منهُ إلا أنه استشاط غضبا من كم الإهانة التي تعرض لها من ذلك الغريب، فرفع قبضته وبكل غِل كان يطيح بوجه "مراد" للجهة الأخرى..
_ هو بيقوله ايه؟
تسائلت بها "رنا" بفضول حين رأت وقوف مراد أمام ذلك الضخم ويهمس بكلمات غير مسموعة، لتجيبها "خديجة" بتوقع:
_ شكله بيحاول يتفاهم معاه.
وحين أنهت جملتها حتى شهقت الفتاتان بقوة بعدما لكم ذلك الرجل "مراد" وجهر بصوته وهو يقول:
_ مش مجدي الوحش الي يقف قدامه عيل زيك ياروح امك.
اعاد "مراد" وجهه له وقال بهمس ونظرات الم' كر لمعت في عينيهِ:
_ غلِط.. وكنت مستنيك تغلط.
وبدأت الحرب بلكمة قوية سددها مراد للوحش في وجهه أسفرت عن خروج دما' ء من فمه، وبعدها لم يعرف الوحش من أين أتت اللكمات والركلات حتى بات يشعر كأن من يضر' به أكثر من شخص، لأنه لا يعلم أكثر المهارات التي تميز "مراد" ألا وهي السرعة.. سريع كالبرق.. وقوي كالرعد، وبعد دقيقتان كان "الوحش" ملقى فوق الأرض بأنفاس لاهثة، عدلَ "مراد" من ثيابه ومالَ عليهِ هامسًا:
- عرفت مين ننوس عين أمة يا حليتها!
واستقام بعدها ناويًا التراجع لكنه توقف على صوت المرأة حين ركضت ناحيته تترجاه:
_ ابوس ايدك خليه يطلقني، ابوس ايدك انجدني منه، بقالي سنة بطلب الطلاق ومش عاوز وبيهددني لو رفعت عليه قضية هيقتلني.
عاد الغضب يشتعل بعينيهِ فأشار لها بالتراجع:
_ ارجعي ورا..
وبالفعل تقهقرت للخلف، حتى بات هو والوحش في نطاق ضيق منفردين، انحنى عليهِ مرة أخرى وفي الخفاء وبمهارة أخرج ذلك السلاح ذو النصل الحاد "مطواة" من جوار قدمه وغرزه بجانب الآخر المقابل له وهو يهدده:
- ها الطلاق ولا غزة تشيلك الطحال! او يمكن تيجي في مكان حيوي وتموت.
تردد في رد فعله، أراد الغد' ر بهِ، فعاد "مراد" يهدده بعدما قرأ عيناه:
- صدقني مش هتلحق ترفعك دراعك حتى ومطوتي هتسبقك، ومحدش من الي حولينا هيشهد معاك لو فضلت عايش، اصلهم بيحبوك اوي.
وبالفعل بعد ثواني حين شعر بسِن النصل يصل لجلده كان يهتف بصوتٍ عالٍ وُصم بالق' هر والذل لرجل لطالما كان عزيزًا بين ناسه، ولم يستطع أحد منهم رفع عينه فيهِ، حتى أتى هذا الغريب:
_ أنتِ طالق...
_ بالتلاتة يا برنس.
رددها "مراد" بأمر، ليرغم الوحش على قولها:
_ طالق.... طالق بالتلاتة.
_ اسمك ايه بقى!؟
نظر له "مجدي" بتوعد قرأه "مراد" بوضوح فابتسم ساخرًا:
_ مجدي... مجدي الوحش.
رفع حاجبه مستنكرًا:
_ وحش!! ماشي يا دودو..
ونهض بعدما اخفى سلاحه بمهارة، ووقف عائدًا للمطعم وهو يستمع لرنين صوت زغردة المرأة، وكأنها حُررت من محبسها، وقف أمامها تمامًا، مبتلعًا ريقه بوجل من رد فعلها، لطالما اخبرته أنها لا تفضل العنف مهما كان السبب، خشى أن تكون قد أخذت منهُ موقفًا بسبب ما فعله، فبدى كطفل صغير يبرر لوالدته كي لا تغضب وهو يحاول التبرير لها:
- مكنتش هضربه، هو الي ضر' بني الأول و...
قاطعته وهي.....
......... انتهى الفصل......
خطوة إيجابية...
الفصل العشرون..
ونهض بعدما اخفى سلاحه بمهارة، ووقف عائدًا للمطعم وهو يستمع لرنين صوت زغردة المرأة، وكأنها حُررت من محبسها، وقف أمامها تمامًا، مبتلعًا ريقه بوجل من رد فعلها، لطالما اخبرته أنها لا تفضل العنف مهما كان السبب، خشى أن تكون قد أخذت منهُ موقفًا بسبب ما فعله، فبدى كطفل صغير يبرر لوالدته كي لا تغضب وهو يحاول التبرير لها:
-مكنتش هضربه، هو الي ضر' بني الأول و...
قاطعته وهي تبتسم في وجهه مرددة بسعادة:
_ لو كنت اعرف إنك هتقدر تضربه مكنتش منعتك من الأول، بس خوفت ليعملك عاهة، لكن برافو عليك.
_ عاهة!
رددها غير مصدقًا لردة فعلها وهو يضحك باندهاش، لم يتوقع أبدًا ما قالته، توقع أن تثور إن لم يعجبها الأمر، أو تصمت إن لاقَ لها، ولكن أن تُثني عليه! عجبًا!
اومأت برأسها وهي تردد بتأكيد:
- اه عاهة، يعني يكسرلك ايد يخبطك بمطوة في وشك كده يعني.
ضحك بشدة فبدى وسيمًا بحق.. وهذا ما خطر بعقلها أول ما رأت ضحكته التي زينت وجنتيهِ، فطالعته بنظرة بلهاء قبل أن يفصلها حديثه بعدما تحكم في ضحكته التي خرجت من قلبه:
_ أنتِ شرحتيني وأنا واقف! بعدين معقول فاقده الأمل فيا للدرجادي!؟
ابتسمت له بلطف وهي تعقب:
_ لأ، بس عارفه الوحش كويس، انسان متوحش صدق من سماه الوحش بصحيح، محدش بيدخل معاه في خناقة غير لما يطلع خسران، خسران ايد، خسران عين كده يعني.
ذم شفتيهِ بلامبالاة واستخفاف مرددًا:
_على فكرة هو مش بالخطورة دي، بس اكيد الي كانوا بيقفوا قصاده هفق اوي.
رفعت منكبيها وهي تجيبه بعدم اهتمام:
_ يمكن، يلا بقى نشوف شغلنا.
أشار لها بيده في لباقة لتتقدمه، فابتسمت له بلطف وهي تتجه لداخل المطعم بعدما تفرق الجمع المتجمع يشاهدون تلك المشاجرة التي علىَ صوتها حتى سمعَ أركان الحي.
_______________
الثانية صباحًا...
تحركت السيارات الخاصة ب"مراد" ورجاله، والتي بلغت ثلاث سيارات، في كل منهم ثلاث رجال، وأحدهم كان يقبع فيها "مراد" في المقعد الخلفي، متناولاً بين إصبعيهِ لفافة من التبغ الفاخر، ينفس دخانها بتروي وشرود، وعيناه تتابع خارج النافذة، اليوم ولأول مرة يكن يوم جيد ويمر بسلام على هذا النحو، أول مرة مع انتهاء يومه يتمنى لو يعيده من جديد، وبالطبع أقصد لأول مرة منذُ عشرة أعوام، لأول مرة يشعر بالسلام الداخلي وإن لم يكن بدرجة كبيرة، ولكنه قد زاره على الأقل! يحاول جاهدًا أن يتجنب تذكر حديثها عنهُ وملامحها التي قست وتغيرت حين ذُكر كنيتها المحببة له، سيتجنب كل هذا ليكن اليوم هو يوم سعده! اليوم الذي قابلها فيهِ بعد كل ذلك الغياب، اليوم الذي غرد صوتها في حياته مرة أخرى، وشعر بأنفاسها قريبة منهُ، ورأى ابتسامتها، واجتمعت عيناها بعينيهِ، فقط سيتذكر كل هذا..
تناول كوب "الخمر" الموضوع في المكان المخصص له في السيارة أمام مقعدة وتناوله ببطئ متلذذًا بهِ، وما إن خطر بعقله حديثها معه حين انتهى من الشجار مع ذلك الوحش كما يقولون، وردة فعلها الغير متوقعة حينها ولكنها كانت طريفة بالنسبة له، انزل الكوب من على فاهه وقد ابتسم ثغره بتلقائية.
ضيق "طارق" حاجبيهِ مستغربًا حين رأى ابتسامته البسيطة في مرآة السيارة، ولم يستطع كبح فضوله وهو يعلق:
_ خير ياباشا؟ أنتَ كويس؟
انتبه له "مراد" فنظر له بجبين مقطب باستغراب، وكأنه يسأله عن مقصده دون حديث، وقد فهمه الآخر على الفور فوضح قائلاً:
_ اصل لقيت حضرتك مبتسم!
كان يتحدث وكأنه قد رأى أعجوبة من عجائب الدنيا! او وكأن الابتسامة توشي بمرض ما!
اختفت ابتسامته وهو يطالعه بجانب عيناه بحدة ولسانة يتولى الرد:
_ خليك في حالك.
امتعضت ملامحه وهو يعاود النظر للأمام هامسًا لذاته بنزق:
_ كل مرة فضولك يجبلك التهزيق وبرضو مفيش فايدة فيك.
_ بتقول حاجة؟
رددها "مراد" متسائلاً بتهديد مبطن، التقطه "طارق" بوضوح فقال سريعًا رغم امتعاضه:
_ لا ياباشا تسلم.
رفع الكوب لفمه مرة أخرى مرتشفًا بهدوء بعدما ظهرت السخرية على وجهه لرد فعل الأول، عاود النظر من النافذة حتى يصلوا لوجهتهم.
بعد عدة دقائق كانوا يصلون لمحل التسليم، ترجل "طارق" فاتحًا الباب لرب عمله، فترجل الآخر بعنجهيته المعروفة، كانت ملامحه جامدة حتى وقع بصره على "دياب" ورجاله الواقفين في انتظار وصول جميع الأطراف، ازاداد جمود ملامحة وباتت عيناه داكنة مُنذرة بما يعتمر دواخله من غضب وتحفز، القى بلفافة التبغ فوق الأرضية والتي تُعد العاشرة تقريبًا خلال الطريق فقط، ودهسها بحذائه، قبل أن يتجه وخلفه رجاله ناحية "دياب".
والآخر لم يكن أقل منه غضبًا أو تحفزًا، بل وقف بجسد متشدد ينتظر إقبال عدوه اللدود، عدة خطوات فصلت بينهما حتى أصبح "مراد" قريبًا منه، وما جمده محله هو وقوف الآخر محله دون أن يعطيه أي اهتمام، وقف فقط ينتظر قدوم الطرف الآخر، وهذا ما جعله لا يستطع الوقوف صامتًا، فانطلق الحديث من فاهه وهو يقول بصوتٍ عالٍ:
_ جرا ايه يابن وهدان مش مالي عينك الي واقفين!؟
كل ما نُتج من رد فعل من "مراد" هو رفعة حاجبه الأيسر ساخرًا ولم يعلق، بينما ألقى "طارق" نظرة عليهم بجانب عيناه لتصطدم عينيهِ بعيني "هاجر" صدفة، فرمق كلاً منهما الآخر بنظرة نارية قبل أن يشيحا بأنظارهما بعيدًا.
طحن أسنانه بغيظ من تجاهل الأول له، وكاد يتحرك قابضًا على سلاحه ناويًا الفتك برأس ذلك المغرور، ولكن قبضة "هاجر" على ذراعه هي ما اوقفته، ورفعت ذاتها لمستوى أذنه هامسة له:
_ اهدى يا باشا عشان اي مشكلة هتحصل من ناحيتك البوص مش هيعديها، وخصوصًا ان محذرك كذا مرة من أي مشكلة تحصل بينكوا.
أدخل سلاحه في حامله مرة أخرى وبداخله يشتعل غيظًا ولكن ماباليد حيلة، لا يستطيع الدخول في مشاكل الآن خصوصًا وذلك الماكر يعرف جيدًا كيف يُخرج ذاته منها، ويُلقي بكل الذنب على عاتقه هو.
وصلَ الطرف الآخر بعدما أرست السفينة في مرساها على الميناء، وبمساعدة بعض الفاسدين كان وصولهم لهذه النقطة أمرًا يسيرًا، بدأت الرجال في إنزال البضاعة من السفينة وبالطبع قد حصلوا على إذن الجمارك للمرور! ودون فحص كانت تُنقل البضاعة من السفينة للسيارات الضخمة التي أتت بصحبة "دياب" لتحمل البضائع..
اقترب ذلك الرجل الذي تعدى الخمسون من عمره، مرتديًا قُبعة كلاسيكية قليلاً، وبذلته وحذاءه أوحوا بمدى ثراءه، وقف يمرر عيناه الزرقاء عليهم جميعًا حتى استقرت على "دياب" الذي يعرفه فقال بلكنته الاسبانية:
_ مرحبًا سنيور دياب.
اقترب "دياب" مصافحًا اياه بود وقال:
_ مرحبًا سنيور باولو.
اخذهما الحديث لدقيقتان ربما، قبل أن تقطع عيني "باولو" على "مراد" الواقف على بُعد يتابع نقل البضائع ويتحدث مع رجل يقف جواره، أشار عليهِ بعيناه وهو يسأل:
_ ما أمر ذلك الرجل؟ لثالث مرة أراه يأتي معك لإتمام المهمة، ما وظيفته؟
تأفأف "دياب" من ذِكر سيرته لكنه وضح بضيق:
_ مساعد لي، ينتهي عملي هنا، اما هو فيصل البضاعة للمخازن.
اومئ برأسه يغمغم:
_ تقصد إجراءات الدخول للميناء وايصال المال لي هذا تخصصك، وهو فقط ينقل البضاعة.
اومئ برأسه مؤكدًا، ليكمل باستغراب:
_ ولِمَ لا يتعلم إتمام المهمة بأكملها، بدلاً من إنشغالكما كليكما؟ أم أنه غير جدير بالثقة؟
نفى برأسه معقبًا:
_ ليس الأمر هكذا، فقط في العمليات الضخمة كهذه، لا يقبل الرئيس بأي أخطاء محتملة الحدوث، لذا فارسالي يطمئنه أكثر بأن كل شيء سيسير على ما يرام، لكنه يقوم ببعض العمليات البسيطة بمفرده.
هز "باولو" رأسه بعدم اقتناع وهو يقول:
_ربما لكن أظن أنه قادر على القيام بأي عملية مهما بلغت ضخامتها، يبدو أن شخص مُحنك.
_ربما.
رددها "دياب" بعدم رضا عن الحديث بأكمله، وغضب من ذِكر ذلك الأحمق في كل شيء يخصه، لا يعلم لِمَ عليهِ دومًا لفت الأنظار!
اخرج حقائب المال وسلمها ل"باولو" الذي أشار ل "مراد" بالوداع قبل أن يذهب، فأكتفى الأخيرة برفع يده مودعًا دون اهتمام، تحت نظرات "دياب" الحارقة، وما إن تم نقل البضائع للسيارات، حتى اتجه "مراد" لسيارته متجنبًا الحديث مع ذلك الأبله حتى لا يحدث ما لا يُحمد عقباه.
_____________
اليوم التالي عصرًا..
انهت جميع الكشوفات ودلفت لغرفة الطبيب لتخبره:
_ الكشوفات خلصت يا دكتور.
اومئ برأسه وهو يستعد للملمة أشيائه بينما يقول لها:
- تمام، لمي حاجتك عشان تقفلي.
لم تتحرك بل بدأت في فرك كفيها بتوتر، مما جعله يرفع رأسه مستغربًا وقوفها والحيرة التي بدت
على ملامحها، فسألها:
_ في حاجة يا خديجة؟
اومأت برأسها، وأخذت نفسًا عميقًا تزفره على مِهل وهي تقول:
_ بصراحه يعني.. كنت بستأذن لو ينفع أخد جلسة دلوقتي؟
لم يبدي لهفته الداخلية بل بدى ثابتًا تمامًا وهو يشير لها لتجلس على الكرسي المقابل:
_ اتفضلي.
جلست أمامه والتوتر يحيطها، لا تعلم إن كانت هذه الخطوة في صالحها أم لا، وكأن الطبيب "كمال" شعر بما يجوب بداخلها، ولم يريد أن يترك له الفرصة للتراجع، لذا قطع تفكيرها وهو يحثها على الحديث:
_ ها يا خديجة تحبي نبدأ منين؟
أخذت نفسًا عميقًا وهي تقرر الحديث وليحدث ما يحدث، فلن يكن الأمر أسوء مما هي بهِ، لا يراهقها رؤية "سارة" قدر ما يرهقها الكوابيس التي تراودها كل يوم في منامها، وحقًا تريد التخلص منها:
_ أنا مش عارفة ابدأ بأيه؟
_ لسه بتشوفي سارة؟
ساعدها هو في البدأ وقد القى بسؤاله، لتومئ برأسها وهي تبتلع ريقها وبدأت تقول:
_ ايوه، لسه بشوفها، وبحلم بيها في كوابيسي، وده تاعبني اوي، حاولت اتعود على وجودها، بس في الكوابيس لا، مش قادرة، بقيت بكره النوم عشان بس ماشوفهاش.
_ ليه قررتي تكدبي عليَّ وتقولي إنك بطلتِ تشوفيها.
احنت رأسها وهي تقول بخجل:
_ بصراحة أنا كنت زهقت، كنت بقالي سنة بتعالج عند حضرتك ومفيش نتيجة، حسيت ان الموضوع مش جايب همه، كل الي بعمله إني بعري نفسي قدام حد تاني..
قطب حاجبيهِ بدهشة لمنطقها وقال:
_ تعري نفسك! انا دكتور ودي شغلتي إن اعرف كل الي بيحصل معاكِ عشان اقدر افهم حالتك ومشاكلك فاقدر اعالجك، وبعدين كنتِ عاوزه تتعالجي ازاي بسرعة وأنتِ كنتِ مصممة تخبي وتكدبي؟ من أول مرة جيتِ فيها هنا وانتِ مبتقوليش كل حاجة.
احتل الحزن ملامحها وهي تقول:
_بالنسبة ليا، فأه تعتبر تعرية، حكايتي مش زي اي حد، ولا حكاية عادية مجرد كلاكيع نفسية وتعدي، الموضوع اكبر واعمق من كده.
عقب بدون اقتناع:
_ حتى لو، انا دكتور نفسي يعني مهما كانت مشاكلك مينفعش تخبيها عليَّ، مش هتكوني اكتر من واحده جت تعترفلي بخيانتها لجوزها مع صاحبه! صح ولا ايه؟
ارتفع حاجبيها ذهولاً وهي تسأله بعدم تصديق:
_ ده بجد؟ وجت حكتلك؟
اومئ بتأكيد:
_ كانت ذكية وفهمت إن مفيش داعي تخبي عليَّ، وانا المفروض اساعدها.
تسائلت بفضول:
_ وعملت ايه معاها؟
اكتفى برد مختصر وهو يخبرها:
_ ساعدتها.
علمت من اجابته أنه لا يريد البوح بما هو أكثر، فالتزمت الصمت حيال هذا الموضوع، وسألته بحيرة:
- عاوزني ابدأ بأية؟
_ اللي يريحك، بس لو بتسأليني عن فضولي كشخص بيسمعك، ففضولي متجه أكتر انه يعرف مين مراد وبيمثلك ايه بالضبط!؟
هزت رأسها بسخرية واضحة وهي تجيبه:
_ كنت عارفة انك حابب تعرف ده اكتر من اي حاجة.
_ يمكن عشان حكايته غامضه بالنسبالي، وكل الفترة الي فاتت بسأل نفسي اي ممكن يخلي طفلة تكره طفل بالشكل ده؟
بداخلها صوت يصرخ بها ألا تبوح بسرها الخطير، وآخر يخبرها أن الأمر لن يصبح أسوء مما هو الآن، تريد التخلص من كل شيء يرهقها، تريد القاء ذلك الثقل الذي يثقل كهليها بعيدًا بأي ثمن حتى وإن كان سينتهي بسجنها..!
_ مراد هو صديق طفولتي زي ما حكتيلك، وكل حاجه قولتهالك عنه حصلت فعلاً، من وقت ما وعيت على الدنيا واعرف أميز الأشخاص، ومراد كان أقرب حد ليَّ أو بمعنى أدق كان كل حاجة ليَّ، لحد مابقى عندي ٨ سنين..
ابتلعت ريقها بوجل وهي مقبلة على الحديث عن أكثر جزء شائك في الحكاية، تغيرت ملامحها واحتلها التوتر مع سحابة حزينة عبرت بعينيها مع ذكرى ذلك اليوم المشؤوم، أغمضت عيناها لبضع ثواني كي تستعد للسرد، حتى نطق لسانها أخيرًا وهي تقول بصوتٍ متحشرجٍا أثر اختناقها بالذكريات:
_ كنت بلعب ما أختي سارة واتخانقنا فزقتني ووقعتني على الأرض واتعورت، وقتها هو جه وشافني وأنا قولتله انها وقعتني واتعورت بسببها، حاولت تنكر وتقوله انها مكنش قصدها توقعني بس انا كدبتها وقولتله انها كانت قاصدة، وقتها خدني يطهرلي الجرح وفضل يقولي كلام غريب زي اني مينفعش افضل اسيب حقي، وكان باين انه متضايق من الي حصل، وبعدها....
صمتت تتذكر تلك الذكريات المؤلمة والتي لم تنساها منذ يومها...
في عام ٢٠٠٨......
قرر عقاب "سارة" عما فعلته ولكي يعطيها درسًا يردعها عن أذية "خديجة" مرة أخرى، لذا وضع خطة مُحكمة لتنفيذ العقاب الذي خطر بعقله....
أخبرها أنه سيبقيها لدقائق فقط في الخزانة التي تقبع في المخزن والتي هجرت منذً زمن، فقط لتشعر بالخوف وتبكي وهكذا تكون قد استردت حقها... بسهولة كانا يستدرجناها للمخزن، وبسهولة أكثر كانت تدلف معه لتلك الغرفة القديمة، لم ترى نظرة عيناه الغريبة، ولا تمريره للسانه بدائرية داخل فمه، ولا إمالته لرأسه لليمين قليلاً.. وفجأة وجدت ذاتها تُدفع عنوة للخزانة ويغلق عليها الباب من الخارج بالمفتاح دون اهتمام لصراخها المرتعد.
_ حصل ايه؟
تسائلت بها بقلق بالغ حين خرج لها، ابتسم ورد بهدوء:
_ كله تمام... خمس دقايق وهنخرجها.
توترت نظراتها أكثر وهي تسأله بخوف:
_ مش كتير؟
ذم شفتيهِ بلامبالاة:
- لا، بيقولوا الانسان يقدر يعيش من غير تنفس ل ١٠ دقايق.
واكتفى بهذه المعلومة دون إكمالها قاصدًا.. فلم يخبرها مثلاً أن علميًا بعد ثلاث دقائق من عدم التنفس قد تبدأ بعض أنسجة المخ في التلف، وأن الإنسان أقصى مدة قد يتحملها دون تنفس لا تصل للعشر دقائق بل هي لا تتعدى الخمس سوى بدقيقتان او ثلاثة.. وإن وصلت للعشر سيكون ميتًا حتمًا.
وبالداخل أخذت تضرب بقبضتيها على الخزانة برعب وهي تصرخ:
_ افتح الباب، حرام عليك هموت.. حد يلحقني انا بتخنق والله.. مرااد!!!
وبالفعل كانت تشعر بأنفاسها تثقل، وضيقها ورعبها من المكان أزادوا شعورها..
لتصرخ ثانيًة:
_ أنا أسفة، والله ماهضايقها تاني.. افتحوا الباب بقى.. خديجة.. خديجة افتحيلي بالله عليكِ، عشان خاطري..أنا أسفه.. افتحوا بقى..
ولكن لم تسمع ردًا، أو صوتًا يدل على اكتراث أحدهم.
بالخارج استمعت لحديث شقيقتها، لتدمع عيناها وهي تنوي الدلوف لها:
_ لا كفاية كده.. دي خايفة اوي.
امسك ذراعها يوقفها لتنظر له، فنظر لعيناها مباشرةً وهو يقول:
_ لما تنوي تاخدي حقك متجيش في نص الطريق وتترددي.. ومتسمحيش لقلبك ومشاعرك يتحكموا فيكِ.
ردت بتبرير وعيناها تنظر للداخل:
_ بس دي خايفة اوي حرام كده.. كمان خايفة يحصل لها حاجة.
احتدت نظرته وهو يسألها كأنه لم يسمعها:
_ سمعتِ قولت ايه؟
وبقلة حيلة كالعادة تستمع لحديثه وكأنه شيطانًا ما يوسوس لها وهي تقتنع فورًا! فأومأت برأسها وهي تقف بجواره صامتة..
عادت من ذكرياتها بأنفاس متسارعة ودموع سقطت كالأمطار، وأصبحت تتحدث بسرعة وانهيار وهي تكمل سردها:
_ مكنتش اعرف انها هتموت.. سكت ومقدرتش اخالفه وادخل انقذها، بس لو كنت اعرف انها هتموت كنت دخلت وانقذتها والله ومكنش همني هو، بس انا.. انا فكرت اننا بنعاقبها بس، والله ماكنت اعرف انها هتموت...
رددتها بانهيار وجسدها بدأ بالاهتزاز بشكل مقلق، فنهض "كمال" ليجلس قبالها ومد يده لها بكوب ماء، فأخذته ترتشف منه بسرعة وهي تسمعه يقول:
_ اهدي، كل الي بتحكيه ده خِلص وانتهى، مفيش داعي للتوتر والانهيار ده.
نفت برأسها بعدما أنزلت الكوب من على فمها وقالت:
_ لا، منتهاش، عمره ما كان ماضي بالنسبالي، ومش عارفة الوم مين، الومني عشان سكت وشاركته في جريمته ولا ألومه لأنه السبب وهو الي عمل كل ده، هو السبب في كل العذاب الي أنا فيه.
لم يهتم لحديثها الآن، وسألها عن شيء آخر حين قال:
_ قوليلي، حصل ايه بعدها، اتعامل معاكي ازاي؟ وبعدتِ امتى وازاي؟
اكملت السرد حتى آخر ليلة جمعت بينهما، هوت دموعها وهي تقول بقلة حيلة:
_ كان صعب عليَّ البُعد، بس مكانش قدامي حل تاني، خوفت.. خوفت على نفسي ومبقاش مصدر آمان ليَّ..
قاطعها وهو يعقب ذاهلاً:
_ خوفتِ! ده قتلها عشانك؟ خوفتِ ليه؟ أصلاً خوفتِ ازاي!! ده كل الي عمله كان عشانك، تفتكري بعد كل ده كان هيأذيكِ!؟
نظرت له حائرة، ورفعت منكبيها بتشتت وهي تجيبه:
_ مش عارفة، بس الي يقتل مرة يقتل ألف.
هز رأسه نافيًا:
_ يمكن، بس ميقتلش الي قتل عشانه، عمرك شوفتي قطة بتدافع عن ولادها وتخربش شخص حاول يأذيهم وبعدها هي تأذيهم! اكيد لأ، بس هتأذي اي شخص يحاول يقربلهم.
وكأنها حصلت على مفتاح حيرتها، لتقول سريعًا:
_ يمكن فعلاً خوفت يكرر ده حتى لو مش معايا، لمجرد انه يقتل حد فكر يأذيني يبقى أنا كده هعيش مع قاتل ومجرم! هخاف اتعامل مع البشر بسببه.
أشار لها بسبابته وهو يقول:
_ ده تفكير خديجة الانسة الي قاعدة قدامي، لكن تفكير خديجة الطفلة الي هربت مكانش أي حاجة من الي بتقوليه ده.. هي فعلاً وقتها خافت على نفسها منه، حتى لو مش منطقي، فهي مجرد طفلة مش هتعرف تحلل الأمور بشكل سليم، فالسؤال المهم هنا.. ندمانة إنك هربتي؟ أو لو رجع بيكِ الوقت لورا هتهربي برضو؟ ولا هتفضلي معاه وتحاولي تغيريه؟
نفت برأسها بقوة وبثبات على موقفها اخبرته:
_ههرب، ببساطة لأني وقتها كنت طفلة متفهمش في كل ده، ولو هرجع لورا ب تفكيري دلوقتي، فأنا واثقة انه بقى شخص غير سوي، معرفش وصل لفين، بس الي متأكده منه انه عمل جرايم تانية.
سألها "كمال" مضيقًا ما بين حاجبيهِ:
- ازاي؟ إذا كان السبب الأساسي لجريمته الي هو أنتِ مبقاش موجود.. عنده حد تاني يعمل ده عشانه؟
أوضحت وهي تنفي برأسها:
_ مقصدش بالجرايم القتل تحديدًا، أنا أقصد إنه أكيد أذى ناس تانية، مراد من صغره اتربى على العنف، وكلامه الي كان دايمًا يقولهولي عن أخد الحق ده خير دليل.. أكيد أذى كل شخص جه على حقه في يوم.
باغتها بسؤال جعل تنفسها يقف لثانية قبل أن تعاود التنفس من جديد ولكن هذه المرة باضطراب شديد، وبهتت ملامحها حين قال:
_من جواكي نفسك تشوفية؟ او على الاقل بتتمنى لو القدر يجمعكوا تاني؟ او بلاش كل ده، وقوليلي هتعملي ايه لو مراد لاقاكي بالصدفة؟ او تتوقعي هو هيعمل ايه؟
تضاربت الأفكار في رأسها، وبدأ عقلها يصور لشكل اللقاء بينهما، وللأسف ولا صورة خرجت جيدة، فواحدة تخيلت أنه يصرخ بها لغدرها قديمًا وينتهي الأمر بصفعة مدوية، وأخرى كان اللقاء بين شد وجذب منهما، هو يريدها أن تذهب معه، لهناك حيث تلك الفيلا التي شهدت مقتل شقيقتها وصمتها عن حقها، وهي ترفض وتتعنت لينتهي الحال بأخذها عنوة، وأخرى.. وأخرى.
_ روحتي فين!؟
رددها "كمال" بتنبيه، لتفيق من شرودها ورددت فورًا:
_ مش عارفة.. بس أنا عيشت عمري بتمنى مشفوش تاني، عشت عمري جوايا احساس بالهرب من كل مكان بروحه خوف انه يكون عرف طريقي.. يمكن مراد كان هاجس ليَّ، هاجس ملازمني دايمًا بأنه هيوصلي.... لو لاقاني!
رددتها بتية واضح، وشردت لثانية واحدة كأنها ترى الحدث أمامها، وقالت:
_ اكيد هيأذيني، مراد مبيسبش حقه، وانا عارفة إني أذيته، عارفة إني غدرت بيه، أو على الأقل ده من وجهة نظره.
_ ووجهة نظرك أنتِ!؟ مش شايفة إنك أذتيه؟ أذيتي انسان حبك وكنتِ كل حياته؟ كنتِ قاعدة بترتبي معاه خروجه حلوه لتاني يوم وأنتِ عارفة أنه مش هيحصل وأنك هتهربي قبلها! مش حاسة إن أيًا كانت مبراراتك فأنتِ كسرتي قلبه!؟
قال "كمال" حديثه سريعًا كأنه لا يعطيها الفرصة للمقاطعة، وانتظر ردها الذي طال قليلاً قبل أن تقول بتذبذب واضح:
_ يمكن كل ده صح، بس الحكاية سلاح ذو حدين، كل ناحية منه مؤذية، ناحية مؤذية له فعلاً، والطرف التاني مؤذي ليَّ.. عارف الوضع بينا عامل زي إيه، زي انسان مطعون بالسيف، ومن حبه في شخص تاني قام وحضنه، فبقى السيف فيهم هم الاتنين، بيأذيهم هم الاتنين، وبيوجعهم سوا، ده الوضع بيني وبينه.
حسنًا.. وقد أجادت الوصف والتعبير عن حقيقة الأمر بينهما، واكملت بتفهم:
_ عنده حق لو لاقاني في يوم يعمل الي هو عاوزه، وانا كمان كان عندي حق أهرب ومش ندمانة.. احنا الاتنين محتاجين طرف تالت يقنعنا بالعكس.. يقنعه إني كنت صح وقتها ويخليه يعذرني، ويقنعني انه كان بيدافع عني بعقلية طفل مقصدش يقتل اختي، ويخليني اعذره.
باغتها بسؤال اخر أصعب، أعمق، وهو يسألها بحذر:
_ لسه بتحبيه يا خديجة؟
طال صمتها أكثر هذه المرة، وشردت.. وشردت، لمعت عيناها بنظرات منكسرة، وحزينة، ومشتتة، فمشتاقة!.. لكنها بالاخير أردفت:
_ مش عوزاه يمر في حياتي ولو صدفة.
تهربت من الإجابة، وعبرت عن رغبتها.. فهذا يعني إنها وإن مازالت تحبه لا تريد رؤيته مرة أخرى، وهنا الأمر.. معقد!!
اكتفى بالحديث عن "مراد" لهنا، واتجه بسؤاله لمنحنى آخر، فسألها:
_ قوليلي ايه اللي حصل في بلدك؟ ليه سبتوها وجيتوا هنا؟ ايه المشكلة الي فرقت عيلتك بالشكل ده؟
وبجمود وسرعة في الرد كانت تجيبه بعينين ثابتتين:
_ اتهموني في شرفي.
اتسعت عيناه قليلاً لِمَ قالته ربما لأنه لم يتوقع سرعة الرد، وسألها بتريث:
_ اتهموكي! هم مين؟ واتهموكي مع مين؟
التواء طفيف ساخر في جانب فمها هو كل ما صدرَ عنها وهي تقول بعينين متألمتين:
_ عمتي.. تخيل! أما مع مين، فمع باهر ابن عمي..!!
..............انتهى الفصل...........
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا