رواية بين دروب قسوته الفصل الواحد وعشرين والثاني وعشرون والثالث وعشرون والرابع وعشرون والخامس وعشرون الأخير بقلم ندا حسن (جميع الفصول كامله )
رواية بين دروب قسوته الفصل الواحد وعشرين والثاني وعشرون والثالث وعشرون والرابع وعشرون والخامس وعشرون الأخير بقلم ندا حسن (جميع الفصول كامله )
#الفصل_الواحد_والعشرون
#ندا_حسن
"نظرات تقتل بينهم، ونظرات تبعث المـ ـوت"
دق باب الغرفة من الخارج مرة واحدة ووقف في الردهة منتظرًا أن تفتح له الباب، داخله يدعوه للعودة مرة أخرى إلى المكان الذي أتى منه، ولكن شيطانه يُصر عليه أن يكمل ما بدأ..
لحظة وفُتح الباب، طلت من خلفه "إيناس" بهيئة لأول مرة يراها بها، ترتدي قميص طويل يصل إلى كاحليها، لونه أسود يعكس بياض بشرتها، ملتصق عليها مفتوح من المنتصف إلى آخر فخذيها..
نظر إليها من الأسفل إلى الأعلى، ثم دفعها ودلف إلى الداخل دون حديث، أغلقت الباب هي واستدارت تنظر إليه، رأت وجهه المُتعرق بشدة، عينيه تذوغ منه في كل مكان ويبدو عليه التوتر..
أقتربت منه بهدوء ووقفت خلفه مباشرة تضع يدها الاثنين عليه تحركهما لتصل بهم إلى الأمام وقالت بصوت ناعم جذاب:
-كل ده تأخير.. مستنياك من بدري
ابتلع ما وقف بجوفه بتوتر وتردد والعرق أصبح أكثر من السابق بكثير، لأول مرة يفكر بفعل شيء كهذا، شيء بشع ولكن مثير وشهواته تدعوه له منذ زمن وهو يرفض ويرفض لأجل أن يقترب من حبيبته في صفاء، ولكن ظهور هذه الفتاة واقترابها منه دون أي مقدمات، حتى إلقاء نفسها تحت أقدامه جعله يفكر في الأمر أكثر من المرات السابقة.. شيء لا مثيل له خصوصًا أن كنت لن تفقد شيء، وفي أثناء تفكيره بذلك نسيٰ عصيانه لربه وعقابه عنده..
تقدم للأمام خطوة نازعًا نفسه منها وعقله مازال مشوش لا يستطيع التفكير بشكل سليم ولا يدري ما الذي يريد فعله..
تقدمت هي الأخرى خلفه مرة أخرى ومالت برأسها عليه من الخلف تستند على ظهره:
-وحشتني.. أنا موحشتكش؟
لم يُجيب عليها وحاول أخذ أنفاسه بشكل سليم، فهي تتحدث وعقله مازال يحاول التفكير بجدية وهدوء في ذات الوقت كي يفعل الصواب.. ولكنه وجد نفسه يستدير ينظر إليها من الأعلى إلى أسفل قدميها..
مظهرها يجذبه إليها، ليس حب، ليس إعجاب، ليس انجذاب طبيعي بل لكونها متجهزة لأجله وتنتظره بهذه الطريقة التي تظهر رجولته ومدى هيمنته..
أقترب مرة وأخرى خطوات خلف بعضها ووقف أمامها مباشرةً لا يفصل بينهما شيء، رفع يده إلى وجنتها يتحسسها بكف يده وينظر إليها بتمعن وعمق وفي لحظة خاطفة وهو ينظر إليها رأى وجه حبيبته..
أغمض عينيه بسرعة وابتعد عنها للخلف مرة ثانيةً، فاقتربت هي وصاحت قائلة باستفهام:
-مالك؟ شكلك مش مظبوط
أجابها بصوتٍ خافت مخفي داخله وهو يفكر بالأخرى:
-ماليش.. أنا كويس
كرمشت ما بين حاجبيها وتابعته بنظرات عينيها وهو يتحرك بالغرفة بحركات غير منتظمة:
-مش باين!
وقف ناظرًا إليها بجدية وعينين حادة يتحدث نافيًا حديثها مُعترضًا عليه:
-ليه مش باين منا قدامك أهو كويس
تغاضت عن ذلك وتابعته مُتسائلة بوقاحة وعدم خجل:
-طب ايه هتفضل كده؟
حرم رأسه وهو يسألها بغباء ولم يأتي على عقله مقصدها بسبب تفكيره الغبي في ابنة عمه:
-كده إزاي يعني؟
تحركت بجسدها للأمام وأردفت مندهشة منه تفكر فيما أصابه فور رؤيتها:
-كده.. واقف متخشب ومتوتر
أردف مُجيبًا إياها بجدية وصوت رجولي أجش واضح حاول السيطرة عليه فقد فهم نظرات عينيها إلى ماذا توحي:
-أنا تمام
استمعت إليه وابتعدت للخلف، انحنت بجذعها العلوي للأمام وأخذت من على الطاولة ورقتين وقلم، ثم استدارت واقفة بجسدها الممشوق تتبادل معه النظرات وهتفت:
-طب يلا
تسأل بعينيه قبل شفتيه وهو ينظر إلى الورق بيدها:
-ايه ده؟
ابتسمت وهي تقدم الورق إليه مُعتقدة أنه سيوافق على طلبها الأحمق:
-نكتب ورقتين عرفي
استنكر كلماتها السهلة التي خرجت من بين شفتيها ببساطة وهدوء:
-عرفي!..
أجابته واتسعت ابتسامتها أكثر تفكر في الوصول إليه بأي طريقة كي تكون معه متى ما أرادت ومتى ما أراد ولم تكن تعلم ما الذي سيفعله "عامر":
-آه، علشان لما تحتاجني تلاقيني
استهزأ بها وضحك بسخرية ووقف مًعتدلًا أمامها يتابعها بتمعن:
-مين قالك إني هحتاجك؟!..
حركت كتفيها وقالت بهدوء وجدية تنظر إليه تتابع سخريته الغريبة عليها فهو هنا بسبب ما أراده وأرادته معه ليس شيء غريب تطلبه منه:
-زي دلوقتي كده
ابتسم بتهكم يحرك رأسه يمينًا ويسارًا بسخرية شديدة ثم رفع نظرة إلى عينيها قائلًا بتبجح ولا مبالاة:
-حتى دلوقتي مش محتاجك.. أنا هنا علشانك، علشان أنتي سهلة
تمسكت بالورق بيدها الاثنين بقوة وضغطت عليه بغل وهي تستمع إليه يقوم بالاستهزاء بها والتقليل منها، أردفت بجدية منزعجة بشدة:
-أنت واخد بالك بتقولي ايه!
أومأ إليها بعدم اهتمام وأكد أنه يعلم ما الذي يتفوه به:
-آه واخد بالي كويس
حاولت هي الحديث والتبرير له موضحة ما الذي تفعله على عكس ما فهمه هو:
-أنا مش مدلوقه عليك علشان تقول كده.. القصة كلها إني مبحبش اللف والدوران زيك يعني باجي على طول
تقدم خطوة منها وقال بجدية وقسوة:
-يبقى متقوليش نكتب، طالما بتيجي على طول
اعترضت على حديثه معتقدة أن هكذا سيفعل ما تريد هي لينالها وتكون إليه، لم تكن تعلم أنه من الأساس يقدم قدم ويؤخر الأخرى متردد بقوة:
-بس أنا مش هعمل كده من غير ما نكتب
تسأل بسخرية شديدة:
-وهو فيه فرق؟
أومأت إليه بجدية وتأكيد واثقة من حديثهها قائلة بهدوء:
-آه طبعًا هنبقى متجوزين
تهكم عليها بقوة وابتسم باتساع لأجل تحليلها للأمور فقط لأنها ليست فتاة صغيرة حتى لا تعلم أن هذا غير محلل:
-هو أنتي متعرفيش إن أساس الجواز إشهار، يعني حتى لو كتبنا يبقى جواز باطل
بررت له مرة أخرى حتى يوافق، وعللت بحديث آخر جعلت نفسها حمقاء كثيرًا بعد قوله:
-بس معروف الجواز العرفي وإحنا بعدين ممكن نشهر
استغرب "عامر" بشدة وابتسامته مازالت على شفتيه الرفيعة مُرتسمة، قال لها بتساؤل:
-نشهر مين؟ هو حد قالك إني ناوي اتجوزك؟
أومأت برأسها تلوي شفتيها ببساطة قائلة:
-وليه لأ!؟
ضحك بصخب وصاح بصوتًا ضاحكًا مُرتفعًا ينظر إليها باستغراب شديد لتلك الثقة التي تتحدث بها:
-دا أنتي اتهبلتي في مخك بقى! أنا اتجوزك أنتي
وقفت للحظات في صمت تام تنظر إليه هي الأخرى باستغراب لا تفهم لما يفعل ذلك؟:
-وأنا مالي؟ مش عجباك
تبجح بغرور وأكمل كما هو دائمًا يقول الحقيقة ولو كانت مُرة أمر من العلقم:
-مش ذوقي، ومش أنتي اللي اتجوزها، هو علشان كلمتين ونظرتين يبقى اتجوزك؟
صمت لوهلة وأكمل مستهزء بسخرية وبرود:
-ده أنا على كدة هتجوز البنات كلها
نظرت إليه بعمق وتمعن وصاحت قائلة تحاول أن تجعله يفهم ما الذي يتفوه به:
-أنت بتخبط في الكلام
عدل حديثها يعقب عليه بوضوح أكثر:
-أنا بفوقك.. شايف سقف طموحك عالي أوي
تسائلت وهي تضع يدها الاثنين بجانبها والأوراق بيدها اليمنى:
-يعني أنت عايز ايه دلوقتي
نظر إليه بوضوح وجدية ولم يجد شيء يفعله غير أنه تحرك ناحية الباب يقول:
-سلام
استدارت معه تنظر إلى ظهره وهو يذهب فصاحت باستغراب ودهشة غير مصدقة من الذي فعله:
-أنت هتمشي؟
استدار ناظرًا إليها من الأعلى إلى الأسفل ثم خرجت الكلمات من بين شفتيه بإهانة واضحة لها:
-منا قولتلك.. مش ذوقي
مرة أخرى استدار وذهب تاركًا إياها خارجًا من الغرفة، شكرها داخله على ذلك الأمر الذي فعلته وجعلته به يستفيق لنفسه ويعرف ما الذي كان مقدم على فعله..
كان يخون ابنة عمه وعمه، الذي أخذ دور والده وقدم إليه ابنته حتى بعد رفض والده هو..
هل هذا سيكون المقابل لهم؟ أنه حقير للغاية وهو مُعترف بذلك ولكن تلك الفتاة الغبية تلقي نفسها أسفل أقدامه وهو شاب غير متزوج العمر يمضي به كيف له أن يرفض!؟
الأمر صعب للغاية عليه ولكنه سيحاول التغلب ولن يخونها، فهي حبيبته وملكه الوحيد الذي انتشله من تلك العائلة، لم يخرج بأي شيء منهم سواها.. ولن يتركها بتلك السهولة..
لن يجعلها تبتعد عنه.. لن يفعل خطأ كهذا يجعلها تسلب منه بسببه.. سينتظرها هي! سينتظرها
بينما وقفت الأخرى والغضب يعمي عيناها، كيف له أن يفعل ذلك الأمر بها، كيف يتركها هكذا ويرحل، كيف يقوم برفضها ذلك الأحمق.. لقد تسرعت كثيرًا، هي المخطئة ولكنه مغرور وقح لا يقدر من يقف أمامه.. لا يقدر أنها تقف تطالب بالقرب منه..
قبضت على الورق بيدها بقوة كبيرة وغضب جلي بسبب فعلته الدنيئة ورفضه المُميت لها، ولكنها ليست ضعيفة لتسلم بتلك السهولة هو وافق من البداية ولم يعترض، هي هنا لأجله ولأجل أن تبدأ القصة بينهما، ولن تتركه إلا أن تبدأها وتنهيها وستكون جميع الخيوط بيدها.. سيعود، مرة أخرى سيعود..
❈-❈-❈
بعد أن تم إلقاء القبض على "هشام الصاوي" بتهمة الإتجار في الممنوعات حاول والده إخراجه بكافة الطرق، ولكنه لم يستطع، حاول تفريغ كاميرات الشركة بعد التحدث مع ابنه والتأكد من أن هذه الأشياء ليست له، ولكن من فعلها كان أذكى منهم وقام بتعطيل الكاميرات كي لا تعمل أثناء وضع هذه الأشياء له..
لم يكن أحد سواه من فعلها، دائمًا كان يقول صبرًا صبرًا ها هو الصبر حل عليه بفوائد ونفع لا نهائي ولو خرج منها لن ينسى ذلك القلم الذي صفعه له بتلك القوة الضارية..
سيجعله يتذكره دائمًا ويفكر في الشيء قبل فعله خمسة عشر مرة متتاليين كي لا يقع في نفس الخطأ مرة أخرى..
هكذا أخذ انتقامه منه، بطريقة قانونية فهو لا يحب التهور بتلك الطريقة الغبية التي يتصرف بها الآخر..
ولو خرج منها سينتظره أن يقوم بفعل الخطأ عينه مرة أخرى كي يرد عليه الرد الأكبر.. هو وابنة عمه التي ينتظرها رد لا مثيل له..
كان "هشام" على علم بأن من فعل ذلك هو "عامر"، تفهم الأمر جيدًا واكتشف الآن فقط أنه ليس سهلًا كما بدا عليه، ولكن هو الآخر ليس سهل ولن يبقى هنا إلى نهاية حياته بل سيخرج مهما كلفه الأمر وسيرد له الصاع صاعين... في زوجته..
آخر ما فكر به سيفعله ولو كان آخر يوم بعمره، سيرد عليه وعليها ويجعل كل منهما يرى من هو "هشام الصاوي"، سيأخذ حق والده وحقه منهم، لن يتركهم ينعمون بالسعادة هكذا بتلك السهولة.. سيكون قاسي للغاية هذه المرة.. ستكون هذه المرة الأعنف على الإطلاق..
والده لن يبقى صامتًا، هو يحاول إخراجه ولو لم يستطع فهو الآخر عنده الخطه التي تخرجه من هنا دون أي اتهام، يخرج إلى النور ويرى ما الذي سيقوم بفعله عندما ينفذ ما برأسه تجاههم، يرى "عامر" وهو منحني أمامه يطالب بالرحمة والمغفرة كي يتركها هو وزوجته المصون.. لأجل تلك اللحظة سيفعل أي شيء كي يصل إليها..
وهي ستأتي مهما كلفه الأمر ولن تكون بعيدة.. بل أقتربت للغاية..
❈-❈-❈
انتهى عقد قرآن "هدى" و "تامر" وأصبحت الآن زوجته وحلال له، الجميع وقع على رؤوسهم أمطار كثيرة من السعادة بألوان وأشكال مختلفة، أخيرًا دق الفرح باب هذه الفيلا مرة أخرى وفرحت العائلة من جديد بعد عامين من الحزن والأسى على فقدان كل حبيب وعزيز على قلوبهم..
تابعت "سلمى" "هدى" من بعيد وهي تجلس جوار زوجها تتحدث معه بهدوء وابتسامه والسعادة على وجهها تتحدث..
تذكرت شقيقها الراحل وكم كانت تحبه، كم كان يناسبها ويظهر بصورة الرجل الرائع معها..
الآن هناك من أخذ محله حتى في منزله، لا تلوم عليها لأنها تزوجت ولكن فقدانهم صعب للغاية، لم يمر يوم واحد ولم تتذكره، شقيقها وحبيبها، رحل إلى عالم آخر وترك كل شيء خلفه والآن زوجته وحبيبته تتزوج من غيره..
حتى ما فعله دون علم أحد لن تلومه عليه فهو لم يقوم بفعل شيء مشين إلى هذه الدرجة بل هو دافع عن فتاة كانت ستُقتل دون حق، سيضيع عمرها وتغتال روحها لأجل أنها أحبت شخص كان حقير لم تستطع التعرف عليه جيدًا..
ولأجل أن شقيقها رجل يعرف معنى الرجولة وصفاتها لم يستطع التخلي عنها بهذه السهولة وتركها لمصير قاتل.. معها كامل الحق "هدى" في أن تنزعج وتلقي بكل ما كان بينهم خلف ظهرها وتنظر إلى حياتها القادمة.. فالجميع فعل ذلك حتى هي مرة أخرى عادت إلى عامر وتناست المعاناة التي مرت بها محاولة تغير حياتها للأفضل والشعور بالفرح والسعادة..
ولكن حقًا الآن تفتقد عائلتها، تفتقد والدها وحبيبها الذي كان يستمع إليها في كل شيء، تركض إليه وتقوم بالحديث دون كلل أو ملل وهو يستمع إليها بحب ورحابة صدر، ينصحها ويقوم بالإشارة إليها بأصبعة على الطريق الصحيح الذي يجب عليها السير فيه..
شقيقها الرائع الرجل الذي لا يوجد مثله، أفتقدته كثيرًا، من علمها الحب والاحترام وقابلها بالحنان وكان لها العون والسند ورأت به الراجل العاشق ولكن لم يكن له نصيب في التكملة..
ووالدتها الطيبة صاحبة القلب الرقيق الحنون، من كانت تهون على والدها كل ما كان يحدث ولسانها يلقي ما كان يشفي الجميع..
حركت وجهها على جميع الانحاء حولها، يا الله لقد بقيٰ المنزل فارغًا عليهم، وهنا من أتى ليأخذ مكان شقيقها، لقد تركوا كل شيء ورحلوا حتى أنهم تركوها هي نفسها..
انهمرت الدموع من عينيها الزيتونية الجميلة، وذهبت إلى الخارج في الخفاء دون أن يراها أحد سواه!.. ذهبت لتستنشق هواء نظيف نقي من الخارج يعبر إلى روحها المسلوبة منها أثناء تذكر عائلتها الراحلة..
تلوم نفسها مرة والأخرى لا، لو لم تصر على الذهاب والاستماع إلى حديث "عامر" لم يكن هذا حدث وفقدت ثلاثة من أفراد عائلتها يحملون المكانة الأهم والأكبر بقلبها.. لو لم تكون تسير مغمضة العينين خلف تلك الحقـ ـيرة من كانت صديقتها لكانت الآن متزوجة من "عامر" منذ عامين وأكثر وبجوارها عائلتها بالكامل وهناك زيادة بهم من الأبناء لها ولشقيقها..
ولكن هذا القدر، وهذا ما كُتب لهم ولها وفي النهاية لن تستطيع أن تغيره أو تقوم بتبديل شيء به، كان مقدر لهم الموت بهذه الطريقة لتظل طوال حياتها نادمة على ما فعلت، نادمة على كل لحظة أضاعتها من عمرها في هذا الهراء..
لقد مر العمر وهي الآن فقط اكتشفت أنها كانت حمقاء، بعد أن خسرت كل شيء ولم يبقى سوى هو الوحيد من بينهم، تخاف خسارته وبشدة.. فلو حدث ذلك لن تبقى هي الأخرى ولو لحظة واحدة.. لن تبقى!..
احتضنها من الخلف واضعًا يده الاثنين حول خصرها وقربها منه بقوة وأسند ذقنه على أحد كتفيها مُقتربًا منها للغاية وهتف بحنان:
-البطل واقف لواحده ليه؟ وكمان مضايق
ابتسمت بهدوء عندما شعرت بوجوده وتركت كل ما كانت تفكر به، وابتعدت عن تذكرها للفقدان وآلامها وأجابته قائلة بهدوء:
-خرجت اشم هوا بس
اعتدل واقفًا وعاد للخلف وجذبها معه لتلتفت إليه تنظر داخل عينيه كما يفعل، أردف بجدية يتعمق بعينيها:
-كنتي بتعيطي؟ مالك في ايه يا سلمى؟
أخفضت وجهها بالأرض وأجابته شاعرة بالاختناق:
-مافيش حاجه.. افتكرت أهلي بس.
وضع يده الاثنين على وجنتيها يحركهما بخفة وحنان لا نهائي يبعثه إليها من خلال لمسات يده:
-هما في مكان أحسن من هنا مليون مرة أنتي عارفه ده.. الدنيا هنا وحشه أوي، عارف أنها صعبة من غيرهم بس هما في مكان أحسن وإحنا مسيرنا نروح ليهم وحياتك
فرت دمعة هاربة منها ونظرت إليه داخل عينيه تهتف بما يعبث داخلها ويحركها يمينًا ويسارًا كالدمية:
-أنا طول الوقت بأنب نفسي، لو مكنتش اصريت أمشي مكنش حصل كده.. بس برجع وأقول ده قدر
حرك إبهامه على وجنتها ومحى به تلك الدمعة الهاربة وأكد حديثها الأخير في محاولة منه أن يجعلها تتفهم أن ذلك قدر ونصيب:
-أيوه يا سلمى، مكتوب.. ده نصيبهم
النيران تحترق داخل قلبها، عذابها كبير ولا أحد يشعر بها، شقيقها أتى آخر وأخذ مكانه وتربع على قلوب الجميع، تعلم أن ذلك هو الذي حدث ويحدث وسيحدث ولكن الأمر صعب عليها تقبله:
-هدى اتجوزت.. أنا نصحتها تتجوز وتنسى حياتها مع ياسين، بس لما عملت كده بجد زعلت أوي وافتكرت ياسين وحاسه إن.. إن ده صعب أوي
رآها تزعج نفسها بقوة، تفكر بهم بشكل أصبح مزعج لأنه يضغط عليها بكثير ويجعلها تفكر أنها المُتسبب الوحيد في ذلك، حرك عينيه على خاصتها وسألها مُغيرّا الحديث:
-سلمى.. لو أنا مكان ياسين، كنتي هتتجوزي
هتفت ببغض وانزعاج شديد وهي ترفع يدها على خاصته فوق وجنتيها:
-حرام عليك ليه بتقول كدة؟
كرر حديثه بشكل هادئ:
-بسألك
أجابته بجدية وانزعاج ظهر بوضوح على ملامحها وتوصل إليه من خلال نبرتها التي تخرج بضيق:
-سؤال وحش أوي يا عامر، أنا ماليش غيرك.. ماليش غيرك يا عامر مش بعد كل ده أخسرك تاني مستحيل
مرة أخرى أصر أن يأخذ منها الإجابة:
-لو حصل!
تفاعلت بعينيها معه، لمعت بغرابة وتمسكت بيده بقوة وأجابته بقلب يشتعل بالحب المحروم منه لأعوام:
-مستحيل عيني تشوف راجل بعدك، مستحيل، أصلًا دلوقتي مش بشوف رجالة غيرك
ارتسمت ابتسامه هادئة على شفتيه وأجابها هو الآخر بنظرات عاشقة يتبادلها معها:
-أنا بحبك أوي يا سلمى
أقترب منها وأبعدت يدها واضعًا إياها حول خصرها بعد أن وضعت رأسها على صدره تحتضنه لتأخذ منه الشعور بالحب والأمان:
-وأنا بحبك يا عامر.. وفرحانه بوجودي معاك وفي حضنك ونفسي أفضل كده على طول
تفوه بخبث ومكر وهو يهبط بيده إلى خصرها بطريقة تجعلها تفهم ما الذي يريد الوصول إليه قبل الحديث:
-طب ما تيجي؟
عادت للخلف والفكرة المجنونة هذه عبثت بها فقالت بجدية متسائلة:
-والحفلة دي؟
قال بلا مبالاة وعدم اهتمام ولكن حديثه به بعض المنطق:
-هدى وتامر اللي الحفلة بتاعتهم أصلًا دلوقتي هيقوموا احنا بقى مش هنقوم؟
وجدها تنظر إليه بجدية وكأنها تفكر بحديثه، فأمسك بيدها مخللًا أصابعه بين أصابعها وتحرك إلى الداخل جاذبًا إياها خلفه يهتف ببساطة:
-تعالي تعالي
صاحت تتسائل وهي تحاول أن تتوقف ولكن من الداخل تريد ذلك:
-طب وعمي ومرات عمي استنى بس
استدار برأسه وهو يتحرك وهي خلفه، ألقى حديثها خلف رأسه وقال ناظرًا إليها من الأسفل إلى الأعلى بخبث:
-جامد عليكي الفستان ده.. مش عايز أشوفه تاني بقى
كانت ترتدي فستان ذهبي اللون يلمع من من بدايته إلى نهايته بأكتاف عريضه وذراعيها البيضاء تظهر بسخاء، يهبط إلى أسفل قدميها ملتصق عليها بشدة يوضح معالم جسدها:
-ايه الجنان ده منين جامد ومنين مش عايز تشوفه
وصل إلى الداخل وصعد على درج الفيلا وهناك من ينظر عليهم واستمعت إليه وهو يهتف بكلمات سريعة كي ينهي الأمر ويتوقف عن الحديث:
-أنا مجنون ياستي تعالي بس
تعثرت على الدرج فرفعت الفستان باليد الأخرى وذهبت خلفه سريعًا محاولة أن تجاريه في سيره:
-أنا جايه أهو أنت بالراحة الله
حاول هو الوصول إلى الغرفة بأقصى سرعة لا يطيق الإنتظار وكأنها أول مرة، ولكن الحقيقة أن معها كل مرة كأنها أول مرة، نفس ذلك الحب والعشق المتوارى خلف القرب المحبب لهم، نفس اللعبة والمسارات المشتعلة بينهم، نفس ذلك الماس الكهربائي الذي يمر بجسد كل منهما مع كل لمسة حب تمر بهم..
❈-❈-❈
"بعد مرور أسبوع"
كل شيء بينهم على ما يرام، "سلمى" منذ بداية النقاش مع "عامر" في أول ليلة لهم مع بعض كزوج وزوجة وهي فراشة تطير بين الورود تعبر عن سعادتها الخالصة بذلك العوض الذي أنزل إليها من ربها في لحظة حزن على ما مر عليها..
حياتهم خالية من أي شيء يعكرها، الجميع في تحسن دائم وهي معه أصبحت أفضل وأروع بكثير، أكتسبت قليل من الوزن الذي خسرته سابقًا دون أي مجهود فقط لأجل أن نفسيتها تتحسن يوم عن الآخر و "عامر" يقوم بتأدية دوره على أكمل وجه..
إلى اليوم تحلق عاليًا ولم تهبط ولو مرة واحدة حتى لو كان سوء فهم.. شعرت بطعم السعادة بعد مرارة المعاناة ولا تريد التخلي عنها مهما حدث..
الفرح أتى إليها وشعرت به، لحظات كثيرة مرت عليها وهي تضحك بصخب جواره، لما قد تترك كل هذا وترى التعاسة التي تركتها خلف ظهرها.. الآن السعادة هي عنوان حياة "سلمى" مع "عامر" زوجها بعد أن كانت تموت اختناقا بسبب كل ما يحدث بينهم من نزاع وخلافات كبيرة لا يتحملها أحد..
الآن تستطيع القول إنها اكتسبت شيء يستحق العذاب لأجله..
استدار "عامر" إليها ينظر على هيئتها بجدية شديدة، رآها وهي تبكي ولم يكن يعلم ما الذي عليه فعله واستمع إليها تهتف بنبرة خافتة مُرتعشة:
-أنا حاولت أعمل زي ما أنت عايز يا عامر، والله حاولت أبعد بس أنا مش عارفه أنت مش مفارقني.. أنا بحبك
أستمر في النظر إليها وعيناه لا تحكي عن شيء فقط يتابعها بحدة في انتظار أن تكتفي من ذلك:
-أنا بحبك يا عامر.. مستعدة أكون معاك من وراها والله، بس متسبنيش وتعمل فيا كده
أكملت بحزن ورفعت عينيها الباكية عليه تقول باقتراح حزين:
-لو مش عايز تتجوز أنا معنديش مانع هفضل معاك من غير جواز بس بلاش تسيبني.. ووالله مش هقول لحد وهيفضل سر بينا وسلمى هتفضل موجودة في حياتك
أجابها بقسوة كي يقتصر المسافة عليه وعليها ولكن من الواضح أنها لا تريد فعل ذلك:
-جومانا أنا قولتلك أنا بحب مراتي ومش مستعد أخسرها لأي سبب
وقفت على قدميها وأقتربت منه تبكي بشدة وتنتحب والقهر ارتسم عليها حقًا فهي تحبه إلى أبعد حد ولا تريد أي شيء منه سواه هو:
-عامر أرجوك أنا بحبك ومش قادرة أعيش من غيرك.. والله مش قادرة أنا بقولك خليني عشيقتك حتى، أنا عارفه إنك بتحبني بس مش موافق علشانها
أقترب منها وقال بقوة ضارية:
-أنا بحب سلمى.. سلمى وبس يا جومانا
تابعت من خلفه بارهاق ومازالت تبكي:
-وأنا بحبك أنت
استدار ونظر إلى الخارج ثم هتف قائلًا بصوت ثابت حاد وقد وجد أن هذا هو الحل الوحيد:
-جومانا أنا هنقلك.. مش هينفع تكملي شغل هنا
أقتربت منه وذهبت لتقف أمامه وترجته كثيرًا والدموع تنهمر من عينيها، لقد أحبته حقًا وزرع ذلك الحب داخل قلبها ولن تستطيع أن تنزعه بتلك السهولة:
-أرجوك لأ خليني معاك هنا
أقتربت منه وألقت جسدها داخل أحضانه تأخذ منه عناق حاد تعمقت به وهي تضغط عليه تأخذ القدر الكافي لها، رفع يده عليها هو الآخر وقد أشفق على حالتها لقد وصلت إلى شيء سيزعجهم هما الاثنين..
تفوه بهدوء وهو يربت على ظهرها بنبرة حنونة لأنها صديقته:
-جومانا أنتي صاحبتي وأختي أنا بحبك على الأساس ده
مرة أخرى كرر آخر كلماته بصدق وحنان فهو لا يريد خسارتها:
-والله بحبك كده يا جومانا
مع نطقه لتلك الكلمات البسيطة التي لو استمع إليها أحدهم قبل الاستماع إلى سابقها سيقول أنهما بينهما علاقة حب تجمعها، وهذا ما حدث عندما فتحت زوجته "سلمى" باب غرفة المكتب وألتقطت أذنيها تلك الكلمات وأعترافه بالحب لها..
قبضت على مقبض الباب بقوة ضارية وأتت عينيها بعينيه بنظرات قاتلة، غريبة على كلاهما أو قريبة للغاية..
استمعت إلى تلك التي تعطي إليها ظهرها تحتضنه تردف بصوت باكي يرتعش:
-أنا كمان بحبك أوي بس نفسي تبعد عنها.. تكون معايا أنا
"عامر" لم يكن بحالة تسمح إليه بفعل شيء، فقط ينظر إليها ويتعمق بعينيه داخل عينيها التي تقابله بعتاب خالص وخذلان لا مثيل له..
تقابله بالحزن الطاغي والقهر الذي ارتسم على ملامحها..
باقة من الورود المُزدهرة على يدها الأخرى وقعت على الأرضية وكأنها في حالة اللا وعي، عندما استمعت "جومانا" إلى ذلك الصوت عادت للخلف واستدارت تنظر إلى الباب ورأتها وهي تقف أسفل قدميها ورود ويدها تتمسك بمقبض الباب تنظر إليه بعينين مطعونة..
حركت عينيها إليه هو وجدته يبادلها النظرات ولكن مُبررة الموقف الذي رأته به، وكأنه يلعن نفسه ألف مرة على فعل كهذا وقع به معها، ليقوم بخسارة زوجته وحبيبته..
نظرات تقتل بينهم، ونظرات تبعث الموت..
❈-❈-❈
"يُتبع"
#بين_دروب_قسوته
#الفصل_الثاني_والعشرون
#ندا_حسن
"رأت من لعن اسم الحب "عامر القصاص"
بقيت العيون تتبادل النظرات بالمرسال وأخرى بينهم تتابع ما يبعثه كل منهم للآخر، قابلته بعينين لا تدري نظراتها نحوه ماذا تقول له، هل ترسل له أنها ندمت كثيرًا لأجل مسامحته وتكملته الدرب معه من جديد..
هل ترسل له عيناها أنها تشعر بالخذلان القـ ـاتل الذي قابلته منه بعد خيانته لها مرة أخرى؟
هل ترسل عيناها كم الألم الذي تشعر به حاليًا!، هل يشعر هو بقلبها النازف ندمًا وألمًا؟
كانت في بداية حضورها تنظر بعينين ذاهيتين كوردة متفتحة جميلة من التي كانوا على يدها ومقرهم الآن على الأرضية، ثم تحولت إلى عيون ذابلة كوردة أهملها البستاني في حديقة الأشواك..
تابعها هو الآخر بندم ولكنه والله كانت نيته كل الخير، تابعها بحزن لأجل أن القادم بينهم لن يكون هينًا أبدًا ولكنه والله لم يكن يقصد ما جال بخاطرها..
تحدثت عينيه البُنية تحاول سرد ما كان يحدث، تحاول أن تبرر موقفة أمامها، تحاول أن تبعث لها المراسل بأنه لا يحب غيرها..
ولكن نظراتها بقيت كما هي تتحول من شعور إلى آخر ترسمة له يصر على قتـ ـله.. فقد كانت نظرات قاتـ ـله ليس لها أي مثيل..
كان الصمت بينهم سيد الموقف وهو الجاني والمجني عليه يريد الحديث ولكن فمه كأنه لجم لا يستطيع فتحه للتحدث والبوح لها بما كان يحدث
لا يستطيع حتى التبرير بشفتيه ونبرة صوته ترتفع أمامها ليبرأ نفسه..
وقفت "جومانا" بينهم تتابع ذلك الصمت القاتل بينهم ولم تتحدث بل تنظر إليها مرة وإليه اثنين، تتابع كل نظرة تصدر منهما لتحاول فهم ما الذي يتحدثون به عبر لغة العيون تلك..
ضغطت "سلمى" بيدها على مقبض الباب، بغل واضح وحرقة داخل قلبها تشتعل مع كل لحظة تمر عليها والنيران تلتهب داخل عينيها الحزينة التي تخفي قهرها..
خرج صوتها الناعم الحزين بخفوت وعتاب قد أخذه منها بكل حواسه:
-المرة دي سمعت وشوفت ومحدش باعتني وللأسف المرة دي مش سكران علشان تبررلي وأصدق
خرج اسمها من بين شفتيه بخفوت يبادلها مثله ولم يكن يعلم ما الذي يقوله:
-سلمى
ابتعدت ببصرها إلى تلك الخبيثة التي كانت تقف بينهم، قابلتها بنظرة مشمئزة منها ومن هيئتها وما فعلته، ثم ذهبت بعينيها إليه مرة أخرى دون عتاب دون حديث دون أي شيء مما أخذه سابقًا..
استدارت بجسدها عائدة إلى المكان الذي أتت منه وتركت مقبض الباب وأطاحت الورود بقدمها على الأرضية لتتقدم عليها فتدعسها بقدمها وحذائها ذو الكعب العالي وهي تمر إلى الخارج، كما دعس على قلبها وسحقه أسفله!..
سارت بقلب مفتور، تحطم إلى أشلاء وتبعثر في الطرقات والدروب القاسية، قطعة واحدة فقط منه وقعت في دربه هو ونالت القدر الكافي من القسوة المُرة عليه..
ابتعدت عنه وروحها تنزف ألمًا وحزنًا، جميع خيباتها الماضية لا تعادل هذه المرة أبدًا، لا تعادلها مهما حدث..
سارت بروح مقهورة وعينين يتساقط منها اللؤلؤ الغالي ثمنه، يهبط منحدرًا دون ثمن بل كان بالرخيص منه وإليه..
خرج ورائها وحاول التحدث معها، يسير وهو يهتف بالكلمات المعتذرة مطالبًا بالإستماع إليه كي يشرح لها الوضح وما حدث..
يعترف بحبه الكبير والغالي لها ويكذب ما استمعت إليه وشاهدته مُطالبًا بفرصة واحدة كي ترى الأمور من منظورها الصحيح..
البكاء كان يعمي عينيها، الاستماع إليه في تلك اللحظات لم يحدث ولم تفهم ما الذي قاله من الأساس، هي كانت تستمع إلى كلماته المعترفة بالحب لأخرى، كانت تترد على أذنها بكثرة وبمؤثرات صوتية غبية تزعج أذنها بقوة وعنف..
هل ذلك القلب ليس مقدر له السعادة؟..
صعدت إلى سيارتها التي أتت بها وأدارت المحرك مبتعدة عنه، تريد أن تبدأ في مفترق الطريق بينهم..
أحيانًا نتلاقى في الدروب، وأحيانًا أخرى لا تسعنا من قسوتها..
زفر بضيق وبغض لأجل كل ما حدث وضرب الأرضية بقدمه في حركة عنيفة منه ثم سريعًا لم يفكر كثيرًا ذهب ليأخذ سيارته ويذهب خلفها.. تاركًا أخرى غيرهم هما الاثنين تنظر من الأعلى تتابع ما حدث..
لقد كانت تريد فقط أن تكون معه، ولم تكن تريد أن تخرب علاقتهم، ليس لها يد فيما حدث ولكن قلبها الغبي هذا هو من تحرك لأجله وجذبها خلفه مرة أخرى تطالب بالقرب منه..
لا تستطيع الابتعاد عنه بهذه الطريقة، في البداية كانت معه على هذا النحو دون اعتراض لأنه لم يكن مع أخرى غيرها بل كانت هي الأولى في حياته ومن يلجأ لها في كل شيء، ولكن الآن قد عاد إليها وأخذته منها من جديد وتركها وحدها وهي من كانت تفعل له كل ما يريد في غمضة عين
لا تريد منه أي شيء سوى بعض الحب والرقة، لا تريد سوى أن تكون معه وجوراه، هذا كل ما تطالب به ولن تزعجه في حياته معها.. لن تكون الشخص السيء، قلبها هو السيء لأنه لا يطيق الابتعاد عنه، لا يطيق أن يكون معها وحدها!..
ولج "عامر" إلى الغرفة سريعًا بعد أن وصل خلفها، نظر إليها وهي جالسة على الفراش تعطي ظهرها إليه تنظر إلى الأرضية مُنحنية على نفسها، دلف إليها ووقف أمامها ينظر إليها قائلًا بصدق وإخلاص:
-سلمى اللي شوفتيه أنتي فهماه غلط صدقيني
ترقرقت الدموع بعينيها الزيتونية ورفعت وجهها إليه تهتف بصوت مُخنتق ساخرة من حديثه:
-فين الغلط؟ حاضنها وبتقولها بحبك وهي بتقولك بحبك.. وأنا اللي وقفت في النص بينكم مش كده
ثني ركبيته الاثنين وجلس على الأرضية أمامها ينظر إليها بعينين لامعة بالصدق والحب هذه المرة:
-أبدًا.. أبدًا وحياتك اللي حصل غير كده
خرجت الدموع من عينيها وهي تهتف بحدة تقص عليه ما كان سابقًا أسباب لخيانته والآن لا وجود لهم:
-غير كده؟ لأ مكنتش سكران، محدش جبرك تقول كده، كنتوا لوحدكم مش هصدقك المرة دي
قدم يده الاثنين إلى وجهها يمسح دموع عينيها بابهامه مُكرمشًا ملامح وجهه يهتف بندم:
-أقسملك بالله أبدًا والله العظيم مش بحب غيرك، أنا معترف إن جومانا بتحبني وأنا عارف ده من زمان وغلطت
أشاحت يده الاثنين عنها ببغض وحزن يقهر في قلبها مع الاشتعال المتواجد به، وضع يده بجانبه وأكمل حديثه يحاول إقناعها:
-غلطت لما سيبتها قصادي وأنا عارف ده بس أنا هصلح غلطي وحياتك
تهكمت على كلماته ومازالت الدموع تسيل على وجنتيها بقهر وحزن شديد:
-يااه تصدق كده اقتنعت
أقسم أكثر من مرة كي تصدقه، الموقف صعب يعلم ويعلم أيضًا منذ لحظة رؤيتها أن هذا ما سيحدث خصوصًا أن تاريخه ليس مُشرف معها:
-والله دي الحقيقة، جومانا كانت عايزاني أكون معاها من وراكي بس وحياتك عندي أنا رفضت وفي دخلتك كنت بقولها إني بحبها زي أختي والله العظيم يا سلمى دي الحقيقة
أشاحت بوجهها بعيد عنه ومسحت الدموع عن وجهها قائلة ببغض واشمئزاز:
-أبعد عني
نظر إليها مُضيقًا عينيه عليها يقول برجاء:
-سلمى بلاش تعملي كده، مش قولتي إنك بتثقي فيا
عادت إليه مرة أخرى تتابعه وصرخت بصوت عالي به:
-ويارتني ما قولت.. دي المرة الكام اللي بتخوني فيها
نفى ما قالته وعارض حديثها وهو يقف على قدميه يقول بصوت مرهق:
-مخونتكيش والله مخونتك ولو عملتها هقول وأنتي عارفه بس والله معملتهاش ولا هعملها أبدًا
سألته بنبرة مرهقة مثله انخفضت وأصبحت خافته في لحظة وكأنها تمر على محطات كثيرة تظهر بها وتختفي بالأخرى:
-اومال ده اسميه ايه
أجاب على سؤالها بصدق ونبرة جدية شديدة ليس بها أي ألاعيب منه:
-صدقيني كنت بقولها إني بحبها زي أختي، حضنتها علشان كانت بتعيط أنتي شوفتي وأنا والله هنقلها من عندي ومش عايز أشوفها تاني لو علاقتنا هتتأثر بسببها
لم تنظر إليه ولم تصدقه وبقيت على وضعها والشك يكبر داخلها والحزن يأخذ مكانه، فتابع هو يحاول ويحاول معها:
-سلمى أحلفلك بايه إن ده اللي حصل، بقول وحياتك وأنا معنديش أغلى منك
مرة أخرى يعترف بحبه لها هي وحدها وينفي أي شيء غير ذلك:
-سلمى صدقيني والله مابحب حد غيرك أنتي حياتي كلها، أنا كنت بهديها علشان تبطل عياط وتفهم إني بحبك
حركت رأسها يمينًا ويسارًا بنفي وعادت إلى البكاء مرة أخرى فقد فُتر قلبها وروحها تفتت معه، فهذه ليست المرة الأولى لتكرار نفس الموقف:
-مش قادرة أصدق
أقترب مرة أخرى وانحنى أمامها يقابلها قائلًا:
-لازم تصدقي.. أنتي كده مش بتثقي فيا يا سلمى
حتى وإن كان هذا كما يقول وهو برئ مرة أخرى، أليس ما يحدث يحزن المرء ويجعل شعوره سيء!، أليس ما يحدث يخزن الحزن في القلوب!:
-أثق فيك إزاي بعد اللي شوفته
قرب حاجبيه من بعضهما رافعًا إياهما إلى الأعلى قائلًا بتأكيد:
-كلامي نفى اللي شوفتيه لازم تصدقيني
نظرت إليه والدموع تنهمر من عينيها مصرة على البكاء، شاعرة بأنها لم تبكي منذ فترة فقالت لنعود إلى عادتنا، أردفت بنبرة مرتفعة تحترق:
-كنت مصدقاك.. كنت مصدقاك في كل حاجه وجيالك بورد لحد عندك.. بحاول أخلى حياتك أحلى وأحلى وأنت بتعمل ايه
أجابها بهدوء ونظرة حنونه:
-بعمل اللي يرضيكي وبس
صاحت بشر وغل احتل قلبها بعد الحزن والضعف الذي يتمكن منها في كل مرة:
-اطردها نهائي
أجابها بتردد بعد أن استمع إليها وقال ما كان سيفعله حقًا قبل حديثها وقد أدلى به للاخرى:
-هنقلها، هنقلها مكان تاني بعيد عني
أصرت على حديثها وقالت مرة أخرى تأكد عليه وتضغط على حروفها بقوة:
-أنا بقول اطردها نهائي
تنهد بعمق وزفر ثم نظر إليها وأومأ برأسه موافقًا:
-ماشي، ماشي يا سلمى لو ده هيريحك هطردها
تابعت عينيه للحظات، ولا تدري أتصدقه وتصدق قسمه أمامها أكثر من مرة، تصدق كلمة "وحياتك" الذي لا يقولها إلا إن كان صادقًا حقًا، تصدق قلبها الحزين الذي يقول أنها تزعجهم فقط وتعكر صفو العلاقة الصافية بينهم.. أم تستمع إلى عقلها وتصدق ما يقوله عن كونه خائن وسيظل كذلك!..
حاول أن يمسك بيدها ووجهه هادئ ولكنها لم تسمح له بل جذبت يدها منه ووقفت ذاهبه من أمامه إلى المرحاض غالقه بابه من خلفها بعنـ ـف وحدة ونظرتها نحوه مازالت قاسية..
تنهد بضيق ووقف على قدميه متوجهًا إلى مكانها على الفراش ثم جلس عليه بارهاق شديد، لقد رأت مشهد غير لائق بالمرة ومعها كامل الحق فيما تفعل وإن لم تصدق لن يلومها ولكنه لم يفعل شيء..
يترك فقط إليها ذكريات بشعة غريبة على كلاهما ويطلب منها السماح والعفو في كل مرة، أليس هذا جنون؟ أو قد يكون ظُلمًا...
نظر أمامه يحاول التفكير في كيف يمكن له أن يثبت لها أن ما رأته ما هو إلا شيء ليس مهم على الإطلاق وكل المهم والأهم في حياته هي.. هي فقط!..
❈-❈-❈
"اليوم التالي"
هبطت "هدى من أعلى الدرج مع زوجها "تامر" بوجه مُبتسن بشوش يبدو عليه السعادة التي لم تنعم بها كثيرًا بل شعرت بها وكأنها نسمة هواء سريعة مرت عليه ثم ذهبت مُبتعدة إلى نهاية الدنيا، ومن بعد ذهابها أكتشفت أنها لم تكن سعادة خالصة بل كان خلف تلك النسمة الرائعة سر كبير ليتها عرفته من قبل مرورها عليها..
تقدمت من والدها ووالدتها الجالسون في صالون الفيلا وألقت عليهم تحية الصباح هي وزوجها، ابتسمت والدتها ثم أردفت قائلة وهي تقف تشير إلى غرفة الطعام:
يلا نفطر احنا كنا مستنينكم
أجابها "تامر" بهدوء وخرج وهو يستأذن منهما:
-معلش أنا مش هفطر لازم اروح الشركة أنا متأخر
وقف والدها هو الآخر مقابلًا لزوجته وأردف:
-الشركة مش هتطير تعالى الأول أفطر يابني
أمتنع مرة أخرى بهدوء ولباقه ينظر إليهم بخجل:
-لأ معلش أنا النهاردة متأخر هبقى أفطر هناك
أشار إليه بيده قائلّا:
-زي ما تحب
ثم سار إلى الغرفة ومن خلفه زوجته لكي يتناولون الطعام سويًا، نظر "تامر" إلى زوجته "هدى" وهتف بحنان وحب والابتسامة على وجهه:
-عايزة حاجه يا حبيبتي
ابتسمت هي الأخرى بوجهه وأردفت مُجيبة عليه:
-عايزة سلامتك
استدار ليرحل وهو يعلم أنها إلى الآن لم تستطع أن تكن أي من مشاعر الحب إليه، هذا واضح أمامه كوضوح الشمس في النهار، إلى الآن لم تحبه ولم تشعره بذلك فقط تتعامل معه بود ولباقة كأي شخص آخر ليس زوجها..
ولكن هو أراد ذلك، أحبها وأرادها رغم أنه يعلم كل شيء، لم يشكي ولن يأنبها على شيء، سينتظر قليل من الوقت وكثير من خلفه، سينتظر إلى أن تعبر عن حبها إليه دون ضغط أو بغض.. سيجعلها تفعل ذلك بكل إرادتها ومحبتها..
على الناحية الأخرى كانت هي تعلم أن ما تفعله ربما يكن صعب على رجل مثله، ولكنه يعلم كل شيء منذ البداية، شعرت بإعجاب ناحية شخصيته وحبه وكل ما قدمه إليها ولكن ستكون كاذبة للغاية إن قالت إنها أحبته حقًا كما أحبت "ياسين"..
توقفت عن التفكير لحظة معنفة نفسها بسبب ذكرها لـ "ياسين" حتى وإن كان ذلك داخل عقلها فقط، عليها أن تكون امرأة وفية لزوجها الذي كتب اسمها على اسمه وأصبحت حلال له، ليس من المفترض التفكير في "ياسين" أو ذكر أي شيء كان يخصه هو
ستحاول أن تظهر إلى زوجها أنها بالفعل بدأت أن تحبه وتكن إليه شيء داخل قلبها، وهي واثقة أن ذلك سيحدث تدريجيًا..
دلفت إلى الغرفة بعد أن نادت عليها والدتها، جلست على طاولة الطعام مع والدها ووالدتها ثم نظرت إليهم وتسائلت قائلة:
-اومال عامر وسلمى منزلوش ليه
أجابتها والدتها بعد أن ابتلعت الطعام قائلة بنبرة عادية:
-عامر خرج من بدري وسلمى كمان راحت الجمعية
لوت شفتيها قائلة ببساطة:
-كانوا بيفطروا معانا كل يوم ايه اللي حصل
أجابتها والدتها بعدم اهتمام لمعرفة ما يحدث بينهم أو معهم، الشيء الأهم أنهم الآن سويًا:
-مافيش حاجه حصلت بس عامر بيقول عنده شغل وسلمى كمان بتقول أنها أهملت الجمعية الفترة اللي فاتت
أومأت إليها الأخرى ثم بدأت في تناول الطعام مثلهم..
❈-❈-❈
بعد تلك الفترة الصغيرة التي مضت عليهم، فعل والد "هشام" كل ما بوسعه لكي يخرج ابنه من السجن، قدم كل ما لديه لأكثر من محام، حاول بالحديث وبغيره، بالمال وبغيره، كان على أتم الاستعداد لأي شيء قد يطلبه منه أحد يقول أنه سيخرج ابنه من السجن..
وآخر ما توصل إليه هو أن يقوم باستخدام شخص يحل محل ابنه في القضية ويأخذ الإتهام له ويقوم بالاعتراف على نفسه بأنه من وضع تلك الأشياء عنده في المكتب مقابل بعض النقود... التي ربما تكن كثيرة للغاية بالنسبة إلى الشخص الذي سيأخذها عنه
وقد كان هكذا حقًا وفعل ذلك، قام بالاتفاق مع رجل قليل الحيلة، فقير المال لا يجد الطعام ليعطيه لأولاده فكان العرض الذي عرضه عليه والده مغري للغاية، أن يأخذ نصف عمره داخل السجن وأولاده في الخارج تأكل وتشرب في طبقة عالية أفضل بكثير وكثير مما هي عليه فهذا هو الأفضل على الإطلاق..
أخذت الإجراءات وقت آخر بعد أن قام الرجل بالاعتراف بأنه هو من وضعها هناك بعد أن كان مقدم على وظيفة رجل أمن على الشركة ومن ثم وافقوا ترك أغراضه في مكتب "هشام الصاوي" لأن هذا مكان آمن بالنسبة إليه لن يعرفه أحد وكان في الصباح الباكر سيتوجه ليأخذهم، اعترافات كثيرة وحديث من هنا وهنا أدى في النهاية إلى خروج "هشام"، ولم يفكر والده للحظة في الاعتراف على "عامر" بأنه هو من دفع الرجل لفعل ذلك..
بل كان همه الوحيد أن يخرج ابنه بسلام فلا يريد أن يدخل في متاهة أخرى لا يدري ما الذي سيحدث فيها..
❈-❈-❈
تعرض "هشام" إلى خيانة كبيرة من قِبل "عامر"، لم تكن متوقعة بالمرة وأعتقد أنه لن يفعل شيء ولن يستطيع فعل شيء يرد به على كل ما فعله بهم..
استهزأ بخصم مثله وأعتقد أنه الأقوى لتأتيه الضربة منه قاسية للغاية..
صاح بصوتٍ غاضب والغل يظهر به بكل وضوح وهو يضرب الحائط بقبضة يده:
-أنا مش هسيبه ولا هسيبها.. عامر ده هيشوف مني أيام سودة وبدايتها بكرة.. يجي عليه بكرة وهيشوف هعمل فيه ايه
أجابته ابنة عمه الجالسة على الأريكة خلفه تنظر إليه باستهزاء لأنه لم يستمع إلى حديثها، فهي تعرفه جيدًا وتعرف ما الذي يفكر فيه ويفعله:
-قولتلك إنه مش سهل وسكوته مش ضعف أنت اللي عملت فيها سبع رجال في بعض
استدار صارخًا فيها بصوته الحاد ناظرًا إليها نظرة قاتلة:
-بقولك ايه أنا مش ناقصك أنتي كمان اخرسي
ابتلعت ما كانت تريد قوله داخل جوفها بعد سبه لها، اعتدلت في جلستها وتحاملت على نفسها قائلة بهدوء:
-أنا بحاول افهمك واديك عرفت أن كلامي صحيح.. المفروض تسمعلي المرة دي
مرة أخرى صرخ بها قائلًا بعنف وعصبية شديدة ينظر إليها بعينين قـ ـاتلة غير قادر على الاستماع إلى نصائح أحدهم:
-أنا مش هسمع لحد المرة دي هعملها بنفسي وهشيله من على وش الأرض
نظر إلى البعيد وتذكر تعنيف والده إليه ونعته بأنه فاشل وفي كل مرة يفشل فشل ذريع أمام "عامر القصاص" ألم يبقى سوى هذا ليقوم بالمقارنة بينهما؟
لقد تحمل فوق طاقته، استمع إلى الكثير من والده وبسبب ذلك الحيوان ليس غيره، بسبب أنه لعب من خلفه بعد أن جعله يطمئن بسكوته الدائم وما فعله لم يخطر على بال أحد فهو لم يترك خلفه أي دليل ولا أي شيء يقول أنه من فعلها..
حتى المجرم عندما يقوم بارتكاب جريمة يترك خلفه أثر يدل الشرطة عليه أما هذا لم يترك وهذا ما سيجعله يجن، حتى أنه بعد فعلته لم يبعث إليه أي رسالة يعرض بها عضلاته وأنه قادر على فعل أي شيء في أي وقت.. لم يفعل
تابعته "إيناس" وأردفت قائلة بخبث ومكر لا يؤدي إلا إلى ما تريد هي وليس ما يريد هو:
-يا غبي عامر ايه ده اللي أنت بتفكر فيه
استدار ينظر إليها بصمت وهو يراها تكمل حديثها بجدية خبيثة يظهر على وجهها الصدق والثقة مما تقول:
-الانتقام الحقيقي يبقى في سلمى، ست الحسن
أعترض على حديثها بجدية وإرهاق:
-بقولك ايه يا إيناس سيبيني في حالي
يعلم أن ما تقوله صحيح وهدفه الأول والأخير هو ابنة "أحمد القصاص" ولكن وقوف ابن عمها في طريقه ومواجهته الغبية له جعله يفكر في التخلص منه أولًا واضعًا هدفه الأساسي في أحد الزوايا.. وهو لن ينساها أيضًا مهما حدث
وقفت على قدميها، تقدمت منه بهدوء تنظر إليه بجدية وبعينين واثقة، أردفت بعد أن وقفت أمامه بنبرة هادئة:
-حالك هو حالي وأنا بفهمك، أنت عايز تنتقم منه صح! يبقى الانتقام في سلمى مش فيه
لا يعلم لم وقف منتبه إلى حديثها وتسائل عن مقصدها بشفتيه وعينيه معًا:
-قصدك ايه
ابتسمت بهدوء ومكر، تعمقت الكراهية داخلها وأكلت أكبر جزء له التحكم بها، أكلت قلبها وكل وروحها، أكلت كل عضو كان به ولو نسمة براءة داخلها:
-لما أنت تقتله يبقى أنت كده ريحته لكن لما تقتل حبيبة القلب يبقى فعلًا بتعذبه، كده أخدت منه روحه بس سيبته عايش من غيرها
تحدث بكراهية والاشتعال داخل جسده يعلم كلما تذكر ما الذي فعله به:
-أنا مش هسيبه عايش ولو كنت هعملها فده قبل ما يدخلني السجن ولولا عمك جاب واحد شالها عني كان زماني هقضي عمري كله جواه
حاولت إقناعه وهي تتحدث بهدوء تسرد إليه ما الذي سيحدث لـ "عامر" في مخيلتها بعد فقدانه "سلمى" إلى الأبد:
-لما تقتل سلمى هيتوه، هيبقى زي الغريب في أرض مش أرضه هينسى كل حاجه إلا هي
عارضها مرة أخرى وهو يسرد إليها ما الذي سيحدث أن قام بقـ ـتله هو وكيف سيكون هذا هو الداعم الأكبر له بالنسبة لحصوله عليها:
-لما أقتله هخلص من قرفه ووقفته جنبها وهتبقى هي وحيدة هتمكن منها وأعمل كل اللي أنا عايزة
حركت رأسها يمينًا ويسارًا تنفي ما يقوله وابتسمت بسخرية تحاول أن تجعله يصدق حديثها ليفعل ما تريده ويقوم بقـ ـتلها ليكون "عامر" وحدهؤ
تقف قبالته وتشمت به:
-غلطان.. عامر لو حصله حاجه سلمى مش هتكون بالسهولة اللي أنت متخيلها
ضيق عينيه عليها وأردف هو الآخر باقتناع تام بما يقوله:
-مش فاهم قصدك.. وبعدين حتى لو زي ما بتقولي هي ست مهما كان أقدر عليها وعلى عشرة زيها
أردفت بثقة كبيرة بدت أمامه ظاهرة للغاية وهي تذكرة لما قالته ولم يفعله فأتى ذلك بالضرر عليه:
-اسمعلي تكسب أنت بتكلم واحدة عرفاهم من سنين واديك شوفت اللي حصلك لما مسمعتش كلامي
استدار بجسده إلى الناحية الأخرى، نظر في الفراغ قليلًا وهو يعيد على عقله حديثه وحديثها، يفكر في الحل الأمثل إلى هذه المعضلة، ثم ابتسم واستدار إليها يهتف ساخرًا:
-بكرة.. بعده بالكتير ردي هيكون عنده وأنا عرفت هعمل ايه كويس
نظرت إليه باستغراب فلم تفهم ما الذي يقوله وما الذي توصل إليه فاقتربت منه لتكمل معه الحديث وتعرف ما الذي سيحدث منه إلى الطرف الآخر والذي سيسعدها كثيرًا..
❈-❈-❈
"في المساء"
خرجت "سلمى" من المرحاض بعد أن نعمت داخله بأخذ قدر كبير من المياة على جسدها لتستفيق بعد يوم كان شاق عليها، غير أن ذهنها من الأساس ليس صافي بسبب ذلك الغبي زوجها..
بدأت في ارتداء ملابسها وهي تفكر فيما حدث بينهم، لا تستطيع أن تجعل الأمر يمر بينهم بتلك السهولة التي يتحدث بها ويتخيلها، كيف لها أن تفعل ذلك!..
ويتحدث عن الثقة أيضًا!، أي ثقة هذه هي لم تكن تعرف أنه إمام مسجد بل تعرف أنه يشرب ما حرمه الله ويدخن وكان يحل أي شيء دون النظر إلى أساسه ويعرف النساء وبكثرة!..
لو كان رجل جاد لم يسبق لها أن تراه في مثل ذلك الموقف لكانت صدقته، ولكنها لا تستطيع..
مرة أخرى تراه في أحضان امرأة، من الممكن أن يكون حديثه صحيح ومن الممكن أن يكون صادق ولكنها!.. لا تستطيع أن تمر ما حدث بتلك السهولة..
لما كل شيء بينهم صعب إلى هذه الدرجة! ألم يعشق أحد في الدنيا غيرهم؟ أليس هناك غيرهم!، أنها تتشوق إلى نيل السعادة الأبدية، تتشوف إلى ترك كل هذه الشكوك والنظرات الموجعة لكلاهما.. تحلم باليوم الذي ستكون فيه واثقة به ثقة عمياء وإن رأته في فراشها مع غيرها.. تشعر وكأن كل شيء ضدها، السعادة لا تدوم أبدًا
توقفت عن تصفيف خصلاتها أمام المرآة عندما استمعت إلى اشعارات تأتي إلى هاتفها مُصظؤة صوت منه، توجهت إلى الفراش وجلست عليه ثم أمسكت به تنظر بهدوء ولكن لم تتوقع شيء أخر يكون ضدها مع كل ذلك..
هوية مجهولة تحادثها مرسلة إليها بعض من الملفات المسجلة، بعض من الصور المخفية عليها تحميلها، ورسالة طويلة للغاية..
فتحت أول ملف ووضعته بالقرب من أذنها لتستمع إلى ما به وكان صوت زوجها، "عامر" الروح المزروعة داخل جسدها، رفيق دربها وسبب حزنها وفرحها..
صوته تردد على أذنها بتوعد وغضب شديد وأنفاسه مضطربة:
-وديني يا إيناس سلمى ما تعرف أي حاجه عن اللي كان بينا لهندمك على اليوم اللي شوفتيني فيه
اتسعت عينيها بصدمة تامة، أبعدت الهاتف عنها ونظرت إليه بتحديق ودهشة، عقلها لم يستوعب ما الذي أردف به، استمعت إلى دقات قلبها وزقزقة عصافير معدتها، تسائلت بذهول، ما الذي كان بينهم ولا يريد أن تعرفه!؟
ارتعشت يديها المُمسكة بالهاتف، بل ارتعش جسدها بالكامل، ابتلعت ما وقف بجوفها وازدادت التساؤلات المُنبعثة من عقلها ولم تكن تحمل أي إجابة له..
رفعت الهاتف مرة أخرى وفتحت الملف المنبعث بعده، لتستمع إلى صوت "إيناس" الواضح بقوة:
-لو فاكر إنك لما تسرق موبايلي اللي عليه صورنا سوا بحجة أنه عليه صور بنت عمك العريانه إن ده هيوقفني تبقى غلطان ومعرفتنيش صح.. أنا إيناس يا عامر ومش هسيبك إلا لما تندم على كل لحظة عيشتها معايا وهحرق قلبك على أعز الناس عندك وأنت عارف هما مين كويس
استمعت إلى صوت الآخر يرد عليها بسخرية واستهزاء وصوته حاد غاضب:
-لحظات ايه يا بت اللي عيشتها معاكي، واحدة سهلة وصايعة ومش لاقيه حد يلمها اتعرفت عليها في كبارية مش هقولك نايت يا وسـ*ـه، عرفتك في كبارية مستنية اتجوزك مثلًا
أكمل بعد أن ضحك أكثر ساخرًا:
-لما أنا عامر القصاص بنفسة يتجوز واحدة زيك أنتي سلمى بقى تتجوز مين
أجابته بأنفاس لاهثة لأجل إهانته لها وهذه كانت المرة التي لا تعلم عددها:
-بكرة تندم يا عامر
انهمرت الدموع من عينيها الزيتونية خلف بعضها في لحظة، أمسكت الهاتف بيدها بقوة وضغطت عليه بعصبية شديدة متكأه على الفراش بيدها الأخرى والدموع تنهمر منها على وجنتيها الاثنين شاعرة بوخزه حادة في قلبها وقفصها الصدري يضيق عليه كلما مرت عليها الثواني وهي على قيد الحياة..
لقد كان على علاقة بصديقتها "إيناس" ما فهمته من حديثهم أنه تركها وتخلى عنها بعد أن هواها، وتوجه إليها هي ليتزوجها تاركًا الأخرى، منذ متى وهو خائن؟ منذ متى وهو يكذب عليها ولا يراها من الأساس.. ما الذي يقوله عن الحب.. ما ذلك الحديث عن هوسه وجنونه بها؟ إنه مجنون!..
سرق الهاتف لأجل صوره معاها هي وليس لأجل صورها الفاضحة!..
فتحت الهاتف مرة أخرى ونظرت إلى الصور وقامت بتحميلها واحدة تلو الأخرى ولم يكن بهم سوا هو وهي معه في أماكن قـ ـذرة الذي يرتاد عليها كثيرًا
تشوهت عينيها بسبب الدموع ولم تعد الرؤية واضحة، نظرت إلى الرسالة تقرأها بعينين مشوشة
"سألتيني ليه عملت كده وإنك معملتيش فيا حاجه، معاكي حق بس أنتي كنتي السبب في إنه يعمل فيا كده، كنتي السبب في إن واحد زي عامر نسـ ـوانجي وسُكري يقرب ويبعد على مزاجه وفي الآخر يرميني بس علشان عرف إني معاكي في الكلية، انتقامي مش منك انتقامي من عامر وأنتي أكتر حاجه عامر حبها يمكن حبه غريب، إزاي بيحب ويخون في نفس الوقت بس مقدرش أنكر إنه مجنون بيكي.. سلمى دي حاجه بسيطة عن اللي كان بينا وده مش انتقامي ولا ردي عليه لسه اللي جاي أحلى"
تركت الهاتف على الفراش ونظرت إلى الفراغ المُحيط بها، ارتعد قلبها ودق كثيرًا غير مُصدقًا الذي يحدث من حوله..
كان على علاقة بها قبل أن يعلم أنها صديقتها، وعندما علم بذلك تركها فأكملت معها فقط لكي تنتقم منها بسببه هو!..
وما ذنبها؟ ما الذي فعلته لتتعرض لكل ذلك؟ ما الذي أذنبت به، كيف يحبها؟ كيف يحبها ويخونها في كل لحظة تمر عليه وآخر ما فعله أنه لم يجد إلا هذه! صديقتها؟
ارتفع صوت بكائها وانتحبت وهي تندب حظها العثر وما تواجهه ويحدث لها، ارتفع صوت بكائها وهي تعنف نفسها لأجل بقائها هنا بعد موت عائلتها، ارتفع البكاء والنحيب وهي تتذكر كل لحظة عاشتها معه وكل فرصة أعطتها له كي يكون الأفضل، الأحسن بين الجميع ولتترك حبل موصول بينهم يستطيع أن يجذبه فتقترب منه ويدلف إليها وإلى قلبها..
ضاق صدرها وشعرت أن روحها تُأخذ منها بقوة بينما عقلها يعود بكل ذكرى سعيدة مرت عليهم سويًا من بعد زفافهم، تتذكر كل مرة نطق بكلمة حُب، كل مرة نطق بكلمات تحمل من الحب ما يكفي كثير من العاشقين..
تتذكر اقترابه الرومانسي منها ولحظاتهم الخاصة هنا، لقد كان كاذب، مخادع في كل شيء مر عليهم، لما فعل ذلك لما كذب عليها وجعلها بتلك الصورة الغبية لما جعلها تفهم دائمًا أن "إيناس" خبيثة دون سبب، لما لم يتحدث، لما لم يصارحها..
ملايين من الأسئلة تتهاتف على عقلها الذي يصارع الذكريات في حين أن قلبها يصارع الاختناق داخل قفصها الصدري الذي يضيق عليه..
سيل من الدموع تتسابق على وجنتيها بحرقة وقهرة قلب، روحها تُسلب عنوة، مشاعر لا تعرف ما هي ولكن ربما تستطيع أن تفسر أن هناك خذلان لا مثيل له تشعر به، ضيق واختناق، احتراق داخل روحها التي تسلب، اشتعال في كل خليه داخل جسدها..
فُتح باب الغرفة فرفعت نظرها إليه ورآته يقف شامخ، بطولة الفارع ونظراته الغريبة من عينيه البُنية، رأت كاذب، خائن، رأت من لعن اسم الحب "عامر القصاص"
❈-❈-❈
"يُتبع"
#بين_دروب_قسوته
#الفصل_الثالث_والعشرون
#ندا_حسن
وضع عينيه عليها يتابع حالتها الغريبة عليه، مؤكد ما حدث بينهم لا يستدعي ذلك أبدًا، أقترب إلى الداخل باستغراب تام ينظر إليها بدقة ويرى نظراتها نحوه المُعاتبة بشدة، الحزينة والكارهه له، أقترب أكثر ووقف أمامها دهشته واستغرابه لوضعها أُرسل إليها بوضوح واستمعت إلى صوته الجاد يهتف بقلق مُتسائلًا:
-سلمى! مالك
عينيها كانت تتابع اقترابه منها، ترفع رأسها إليه لتستطع الوصول إلى ملامحه بعينيها وهي جالسة، وهو يقف شامخ طوله، رجل قادر، ليس مبالي بأي شيء يحدث لهما، بل لها، لها وحدها..
وقفت ببطء وهدوء، تقدمت خطوة بعد وقوفها لتكن أمامه مُباشرة، رفعت رأسها قليلًا تقابله بنظرات عينيها الزيتونية المُعاتبة والكارهه في ذات الوقت ثم حركت شفتيها بابتسامة ساخرة والدموع تنهمر على وجنتيها:
-ليه؟ ليه عملت فيا كل ده؟ أنا اذيتك طيب؟ دا أنا غلطي الوحيد إني حبيتك... ومكنش المفروض اتعاقب على الغلط ده منك أنت
حرك عينيه البُنية المُستغربة عليها، تقدم خطوة هو الآخر ورفع يده على وجنتها يحاول إزالة الدموع بإبهامة وهو يهتف مُتسائلًا بصوت حاني:
-سلمى في ايه؟ أنا مش فاهم حاجه
ابتسمت مرة أخرى ساخرة وهي تبعد يده عنها بتقزز واشمئزاز:
-مش فاهم؟
مرة أخرى تكمل حديثها وهي تستدير إلى الخلف تنحني للأمام تأخذ الهاتف من على الفراش ثم توجهت إليه مرة أخرى تُصيح بعنف:
-أفهمك أنا
نظرت إلى شاشة الهاتف تحاول العبث به بيد مُرتعشة للغاية تحت نظراته المُستنكرة لما يحدث منها، رفعت الهاتف ليبقى بينهم وضغطت على زر رفع الصوت ليستمع هو إلى صوته وكلماته التي أوقفت قلبها وسلبت منها روحها إلى آخرها..
لم يهتم بحديثه أبدًا الذي يستمع إليه فهو يعرفه جيدًا بل وجه عينيه الاثنين ينظر إليها بلهفة وقلق، يتابعها بحيرة وخوف..
دق قلبه بعنف وارتفعت وتيرته بقلق خالص وعقله توقف عن التفكير تمامًا، أو عبث به وهو ينظر إليها غير مُستقر على شيء واحد..
من أين أتت بهذه التسجيلات؟ كيف توصلت إليهم؟، هل من تلك الحقـ ـيرة "إيناس"؟ ولكن الأخرى من أين أتت بهم؟
ما الذي سيفعله معها الآن؟
حاول الإمساك بيدها يهتف بجدية عاقدًا حاجبيها:
-سلمى دي حاجات قديمة أكيد مش هتحاسبيني عليها
دفعت يده بعصبية مُبتعدة عنه إلى الخلف، تُصيح بعنف وصوت عالي ونظراتها نحوه تحمل الاشمئزاز والتقزز:
-قديمة!.. يعني كان في حاجه بينك وبين إيناس صاحبتي؟ اللي كنت كل يوم تقولي ابعدي عنها! كان علشان كده صح؟ علشان خايف أكشف قرفكم ده؟
أقترب الخطوات التي ابتعدتها عنه يتابعها بقوة ونفى الكلمات التي هتفت بها مُحاولًا إبراء نفسه:
-لأ يا سلمى مش كده.. إيناس أنا عرفتها قبل ما تكون صاحبتك ولما بقت أنا بعدت عنها ومحتها من حياتي
صرخت بعنف وعصبية وصدى صوتها يرتفع كل لحظة والأخرى والدموع مازالت تنهمر على وجنتيها دون توقف بحرقة:
-وليه تعرفها وهي صاحبتي ولا لأ؟ لــيــه
أردف بهدوء مُشيرًا إليها بيده:
-سلمى اهدي شوية
صرخت مرة أخرى وهي هذه المرة التي تقترب منه تدفعه في صدره عدة مرات متتالية ترفع صوتها الصارخ قائلة:
-مش ههدا، أنت إيه يأخي.. أنت ايه جاوبني إزاي بترسم عليا الحب وأنت في كل لحظة عدت علينا كنت بتخوني
أمسك يدها الاثنين التي كانت تدفعه بهما وقربها منه للغاية ينظر إلى وجهها ويمرر بُنية عينيه على خاصتها يقول بنبرة راجية:
-سلمى متفتحيش في القديم كل ده كان زمان دلوقتي غير.. دلوقتي أنا معاكي أنتي وعايزك أنتي وبحبك أنتي من البداية
وجهها مرفوع للأعلى قليلًا لتنظر إليه وتبادله كما يفعل، تابعته للحظات وصدى كلماته في أذنها مرة وأخرى واثنان تنظر إليه بذهول كيف قادر على الكذب بهذه الطريقة؟ خرج صوتها هذه المرة بخفوت وهي تبكي مُنتحبة:
-أنت إزاي قادر تقول كده؟ إزاي قادر تقول بحبك وأنت خونتني أكتر من مرة
ضغط على يدها الاثنين أكثر من السابق وأكمل حديثه بجدية وصدق وصوته حاد في أذنها يقول ما أملاه عليه قلبه:
-أنا عمري في حياتي ما خونتك يا سلمى، بعترف إني عرفت عليكي بنات كتير، قبلك وبعدك لكن ولا واحدة لمستها ولا حتى لمست قلبي
عقد حاجبيه وتابع بصوت خافت هادئ ينظر إلى دمعاتها التي تهبط بسببه في كل مرة:
-أنتي الوحيدة اللي حبيتها بجد وأنتي أول واحدة أقرب منها وحياتك
الكلمة التي كانت تصدقه بها ها قد نطقها ولكن الصدق لم يكن موجود معهما في تلك اللحظة لتتبع خلفها، استنكرت كلمته وأكملت:
-وحياتك! أصدقك إزاي دلوقتي
تفوه بجدية ونظرة راجية:
-لازم تصدقيني
جذبت يدها الاثنين منه على حين غرة ودفعته للخلف بقوة ثم صرخت غير مبالية بأي شيء من حولها تتذكر كم كانت غبية بينهم وتتعامل معهم بحسن نية:
-وأنا الهبلة في وسطكم كنت بقول هما ليه بيكرهوا بعض كده.. ليه عامر عايز يبعدني عنها وليه إيناس بتكرهه وبتحاول تخليه وحش في نظري
وضح لها مرة أخرى وهو يشير بيده يحاول الاقتراب وهي تبتعد:
-سلمى أنا قولتلك عرفتها قبل أنتي ما تعرفيها يعني أنا معملتش حاجه تمسك
ابتسمت بسخرية لاذعة تنظر إليه باندهاش واضح ثم قالت متهكمة:
-كل ده ومعملتش حاجه تمسني؟ ياه قد ايه أنت برئ وأنا اللي وحشة
بعد أن توقفت دمعاتها وأرهقها النقاش معه، مرة ثانية تعود وانهمرت على وجنتيها بكثرة وهي تجلس على طرف الفراش ترفع رأسها إليه تقول بجدية مُتسائلة:
-طيب خلينا نفترض إنك معملتش حاجه، ليه مقولتليش؟ بعد ما بقت صاحبتي ومعرفتش أبعدها عني كل السنين دي ليه كنت ساكت؟ ليه كنت بتخترع حجج فارغة
أجابها بعد حيرة بينه وبين نفسه، وكيف له الإجابة من الأساس أو حتى النظر بوجهها:
-مكنش ينفع أتكلم! مكنش ينفع أقولك أنا كنت على علاقة بصاحبتك
تسائلت باستخفاف ساخرة:
-ليه؟ مش بتقول معملتش حاجة
جلس أمام الفراش وأمسك بيدها الاثنين، أبصر داخلها وشعر به فقال بهدوء وحنان:
-سلمى أرجوكي كفاية.. إحنا ليه كده
أجابته ترد عليه بحديثه مرة أخرى تسأله هو لما هما الاثنين على هذا الحال دائمًا:
-ما تقول لنفسك! قول لنفسك إحنا ليه كده
بكيت بكثرة بعد أن سحبت يدها من ووجدته لم يعرف كيف السبيل للوصول إلى الإجابة فوقفت مرة أخرى تندم على ما فعلته سابقًا:
-أنا الوحيدة اللي غلطت في الحكاية دي من الأول.. لما أهلي ماتوا مكنش ينفع أبقى هنا ولا ارجعلك
وقف هو الآخر خلفها يرفع صوته وينظر إلى ظهرها، يقول بحزن وضعف، بعصبية وغضب وكل المشاعر متناقضة به:
-يوه مش كل ما حاجه تحصل تقولي لما أهلي ماتوا.. أهلك هما أهلي وأنتي تخصيني أكتر ما تخصي نفسك وأنا مكنتش هسمحلك تمشي
استدارت بعيون أرهقها الحب وعذبها تتسائل:
-بس تسمح لنفسك تعذبني مش كده
هتف بضعف ونبرته تحولت مرة ثانية إلى الخفوت وعينيه بها الندم أكوام:
-سلمى كفاية
عادت للخف تبكي، تنظر إليه بعيون مُتألمة في كل لحظة، تتابعه بعتاب خالص، بجسد يرتعش ويموت في كل لحظة تراه بها وتدرك أنه فعل بها كل شيء:
-لأ مش كفاية.. مش كفاية، أنت الوحيد اللي قدر يخلص عليا يا عامر
صاحت في وسط الغرفة وهي تتابعه تشير بيدها بكل بساطة والبكاء لم يتوقف لديها إلا للحظات ويعود أقوى من السابق:
-عامر القصاص ابن عمي هو الوحيد اللي خلص على الحب اللي جوايا، وهو الوحيد اللي آذاني ودمرني وآخر حاجه أهي ليه علاقة مع صاحبة عمري الخاينة
حاول الإقتراب ينفي ما قالته، فهو يضحي بكل ما يملك لأجلها، يقـ ـتل نفسه فقط لأجل ابتسامه منها أو نظرة من عينيها:
-سلمى متقوليش كده.. أنا أضحي بنفسي علشانك، علشان تكوني مبسوطة
كل ما حدث ما كان إلا خطأ كسابقه، ما كان إلا لهو ولعب تعرفه جيدًا وهو لم يبتغي في حياته سواها:
-سلمى اللي حصل بيني وبين إيناس كله كان لعب عيال وتسلية زي كل مرة وعمري ما لمستها ولا هي ولا غيرها
أكمل في محاولات عديدة وعدة أن يجعلها تفهم ما الذي حدث منذ سنوات، ما الذي دفعه للتعرف عليها ومتى أبتعد عنها وكيف تركها:
-وأول ما عرفت أنها صاحبتك بعدت عنها وقولتلها تبعد عني نهائي مش مشكلتي أنها اتمسكت بيا مع أني من البداية قولتلها إن كل ده تسالي
توجهت إلى الفراش وجلست من جديد عليه، وضعت وجهها بين يدها الاثنين وأخذت في البكاء بصوت عالي تنتحب بشدة، قلبها يؤلمها وعقلها لم يكف عن التفكير يعبث بها في كل لحظة تمر عليها، أردفت من بين شقاتها بصوت خافت يقطع نياط القلب:
-ليه عملت كده؟ أنا مش عارفة هثق في مين تاني مافيش حد في حياتي وثقت فيه وطلع قد الثقة دي، أنت وخاين من البداية، وإيناس طلعت بتنتقم مني بسببك، حتى هشام كمان معرفش عملتله ايه.. وأخويا كمان طلع خاين لسه في مين تاني؟ لسه في ايه مستخبي لسلمى؟
جلس أمامها على الأرضية مُتكأ على قدميه، شعر بأنها مُحقة للغاية! ما الذي ينتظرها غير كل ذلك! شعر بأنه كان السبب في كل حزن راودها:
-اهدي يا سلمى.. أنا آسف
رفعت وجهها إليه ومسحت على وجنتيها تزيل دموعها ثم هتفت ببساطة مصطنعة:
-دلوقتي أنت على علاقة مع سلمى ولا جومانا ولا إيناس؟ حاجه تحير صح
أجابها بيعون تلمع بالحب والعشق لها هي فقط:
-أنا عمري ما كنت مع حد غيرك والله العظيم.. وحياتك يا سلمى صدقيني
حركت رأسها يمينًا ويسارًا تنفي ما يردده بقوة:
-مبقاش ينفع
تسائل باستغراب يضع عينيه عليها بتمعن يخاف من كل شيء في تلك اللحظات فقد تخرب حياتهم في لحظة:
-هو ايه ده اللي مبقاش ينفع يا سلمى
انتحبت بصوت عالي وعاكسته بصوتها الهادي الخافت الذي أصبح مرهق للغاية وهي تُجيبه:
-مبقاش ينفع أصدقك.. ماينفعش
صاح بصوتٍ جاد مرة أخرى يقول مُبررات ويوضح لها ما حدث منه:
-لأ يا سلمى ينفع والله العظيم أنا مكدبتش في كلمة، أنا غلطت لما سيبتها في حياتك من غير ما تعرفي اللي كان بينا لكن.. لكن أنا كنت خايف تسيبيني، كنت خايف تبعدي عني
أمسك بيدها يهتف بالحب الخالص لها عبر الكلمات البسيطة التي تدل على أنها ملكه ومملكته وكل ما بقيٰ له:
-سلمى أنا معرفش في حياتي واحدة ست غيرك.. كلهم ولا حاجه جنبك أنتي الوحيدة اللي حبيبتي ومراتي وكل حاجة.. اللي عدا خلص خلاص أرجوكي
خرجت الدموع من عينيها الاثنين تتسابق بحرقة على وجنتيها، كلما فعلت خط تسير به تترك أثره ندبة موجعة لها، استنزفت كل ما بها من مشاعر في هذه العلاقة السامة التي لم يكن لها ذنب بها:
-أنا ذنبي ايه؟ ذنبي ايه إنك تعرف واحدة ست وتسيبها فتيجي تصاحبني وتطلع خاينة وبتنقم منك فيا؟ ذنبي ايه يا ابن القصاص؟
تسائلت بعيون أصبحت تفهم أن كل ما أخذته منه ما هو إلا.. إلا مشاعر حزينة:
-أنا ليه موجودة هنا؟ ليه معاك أصلًا، أنا مأخدتش منك غير الوجع والقهر
ضغط على يدها والندم يحاصره من كل زاوية يهتف قائلًا برجاء ومُعاتبة:
-سلمى متقوليش كده.. كل دة عدا أنا وأنتي دلوقتي كويسين وحياتنا كويسة
سحبت يدها منه وعارضت حديثه موضحة له أن كل ما كان يمر عليهم يراه سهلًا كان يأخذ من كل شيء بها في الخفاء:
-لأ معداش، كل ده معداش ولا حاجة.. أي حاجة كانت بتعدي كانت بتاخد من روحي وعمري وطاقتي
أكملت والبكاء يستمر معها والنحيب يقـ ـتلها ودقات قلبها تتسارع والحزن داخلها يدق بعنف:
-كل لحظة عدت أخدت مني سعادتي وبدلتها بحزن وحرقة، كل ده كان بيقـ ـتلني بدل المرة ألف..
برجاء أكبر، وعتاب أصدق، وبكل المشاعر الصادقة لديه هتف بصوت خافت مُحب مُعذب بالندم لأجل كل نزوة عاشها وقلبه محب لفتاة مثلها:
-أنا آسف صدقيني أنا آسف والله العظيم كنت هقولك على كل حاجه بس كنت خايف تبعدي يا سلمى.. أنا ماليش غيرك
أومأ برأسه مُعترفًا مرة أخرى بأنه فعل كل شيء سيء لها ولكنه لا يستطيع التخلي عنها مهما حدث:
-عارف إني وجعتك كتير واتسببتلك في حزن كتير بس كل ده خلاص إحنا النهاردة عامر وسلمى اللي مافيش منهم.. أرجوكي بلاش نضيع كل التعب ده في الفاضي ونرجع لنقطة الصفر
حركت رأسها تقول بهدوء ونظرات عينيها مُنصبه عليه بقوة ووضوح:
-إحنا خلاص رجعنا..
وقفت على قدميها وسارت بضع خطوات بسيطة إلى الفراش صعدت عليه ونامت في مكانها، وأخذت الغطاء فوق جسدها تبعد وجهها عنه للطرف الآخر، تبكي بقهرة كما كانت تبكي على فراق عائلتها، تبكي بحزن وألم.. الوجع داخلها كل يوم يزداد بسببه.. بسبب كل ما أخذته منه، يعطيها كل الحزن ويبدله بسعادتها.. إنه سارق أحلامها
أخر ما توقعت أن تأخذه منه هو أن يكون على علاقة مع صديقتها! أن يخونها مع تلك الصديقة التي دلفت حياتها بطريقة خاطئة.. تلك التي كان يحذرها منها دومًا بحجة أنها فتاة سيئة السمعة.. ولم تكن تعلم أنها كانت سيئة معه..
لما يحدث لها كل ذلك؟ لما حياتها معه مدمرة؟ قد تكون كل هذه إشارات أنها ليست مقدرة له وهي من عاندت القدر وأصبحت زوجته رغم أنف الجميع..
صحيح منذ البداية وكل الإشارات والمواقف تدعو إلى الفراق بينهم.. لما قد تعود وتأتي بآلام إلى قلبها.. لما قد تجعل ذلك السارق يأخذ كل فرحة تشعر بها..
الآن وبعد كل ذلك تنتظر خيبة أخرى من خيباتها تهطل عليها من السماء وستصدقها في الحال..
تابعها بعينيه ولم يستطع التفوه بحرف آخر، وقف على قدميه وأبتعد إلى نهاية الغرفة ينظر إليها ويعيد شريط الذكريات على رأسه مرة أخرى..
ما ذنبها لتشعر بكل ذلك؟ ما الذي فعلته بحياتها لتعاقب بهذه الطريقة البشعة وبسببه! لما كان هو هكذا وجعلها تتألم!..
لما كان رجل بلا قلب وبلا عقل وبلا رحمة! لما كان يحبها ومهووس بها وعينيه تنظر إلى كل واحدة غيرها وتأتي بها من الأعلى إلى أسفل قدميها.. معها كامل الحق في كل ما قالته وما فعلته..
هو الوحيد المخطئ في هذه الرواية كما قالت.. عليه أن يصلح خطأه ويكمله على النحو الصحيح كي يستطيع أن يعود إليها طالبًا السماح..
❈-❈-❈
"في الصباح"
هبطت "هدى" من أعلى الدرج وخلفها زوجها "تامر" الذي كان يحمل حقيبة سفر محملة، تقدمت إلى الداخل في غرفة الصالون بعد أن وقفت في الردهة ولم تجد أحد، فترك "تامر" الحقيبة وسار خلفها بهدوء دون حديث..
ألقت تحية الصباح على والدتها التي كانت جالسة في الغرفة وحدها تحتسي من فنجان القهوة الذي بيدها، تركته على الطاولة وأبعدت نظرها إليهم وهم يدلفون إلى الغرفة، جلست "هدى" جوارها وتحدثت بهدوء مُتسائلة تبحث بعينيها عن والدها:
-فين بابا؟
أجابتها والدتها ويبدو على وجهها الحزن وأنها ليست على ما يرام:
-فين الاوضه فوق منزلش
استغربت ابنته وجوده في الأعلى إلى هذه الساعة فضيقت مابين حاجبيها وكادت أن تتحدث متسائلة عنه ولكن زوجها سبقها:
-ماله في حاجه؟ تعبان ولا ايه
أردفت بهدوء ونبرة خافتة تنظر إليه بجدية:
-سلامتك يا تامر يابني هو كويس
مرة أخرى استمعت إلى صوت ابنتها المُتسائلة باستغراب وأصبح صوتها خافت هي الأخرى:
-ماما فين عامر وسلمى
تنهدت والدتها بضيق وانزعاج بسبب ما يحدث في هذا المنزل من عبث لا تبرير له وقالت:
-عامر نزل من بدري وسلمى لسه فوق منزلتش
نظرت "هدى" إلى "تامر" زوجها ثم عادت مرة أخرى إليها قائلة باستغراب:
-امبارح كانوا بيتخانقوا بصوت عالي أوي.. طول الليل وإحنا سامعين خناقهم
لوت شفتيها بقلة حيلة وقد قالت ما لديها بتعجب:
-إحنا كمان سمعناهم، أبوكي طول الليل معرفش ينام بسبب التفكير اللي هيقتله وخوفه على سلمى
قالت الأخرى بجدية:
-بس هما كانوا كويسين
أومأت إليها وقالت:
-أيوه منعرفش ايه اللي حصل بينهم.. ربنا يصلح حالهم
-يارب
وقفت على قدميها وأقتربت منها تسلم عليها منحنية بجذعها العلوي تنخفض عليها قائلة بجدية:
-طيب أنا همشي بقى أنا وتامر.. الطيارة هتفوتنا
وقفت والدتها معها بعد أن سلمت عليها بحرارة وقالت بهدوء:
-تروحوا وترجعوا بالسلامة يا حبيبتي.. انبسطوا هناك ومتقلقوش على أي حاجة هنا
سلم الآخر عليها بيده وتقدم منها يبتسم بوجهها مُودعًا إياها بحب، ليذهب مع زوجته إلى خارج البلدة في عطلة لقضاء وقت أكبر معها فلم يفعل ذلك بعد الزواج والآن أراد ذلك بموافقة منها بعد أن أصبحت أمور العمل على ما يرام..
يطمع في أن يعود من هناك وهي محبة له ولوجوده في حياتها إلى الأبد، يطمع في أن يأخذ جميع الأدوار ليكون الأب والاخ والزوج والصديق، يطمع في أن يكون لها كل شيء وأي شيء..
حاول أن يكسب هذه الفرصة لصالحه ويفعل بها كل ما يستطيع فعله، ليظهر إليها كم الحب المحفور داخل قلبه لها.. وليمحي أي شيء حتى ولو كان شفقة لغيره في قلبها.. أتراه هو فقط أمامها زوجها وحبيبها..
أمله كبير للغاية في هذه العطلة التي سيأخذها معها، أن يعود بها إلى هنا وكل ما بينهم ما هو إلا حب وود واحترام، ما هو إلا عشق خالص لا يشوبه خجل وتساؤل من خلف الشفاه.. في انتظار أيام السعادة والحب النابعة من قلبين يتبادولون مع بعضهم المشاعر النقية الصادقة.. مشاعر صعب الحصول عليها إلا من قلب لآخر..
❈-❈-❈
وقفت أمامه بقلب مجروح وروح مطعونة بقسوة وشراسة من سكين حاد، وقفت بدموع عينيها تغلف وجنتيها الاثنين وجمالها الغير برئ..
أنهى "عامر" التوقيع على الأوراق التي أمامه ثم ازاحها بيده إليها وهي تقف أمامه في الطرف الآخر للمكتب..
صاح بجدية شديدة وملامح حادة للغاية ليس بها أي مشاعر أخرى:
-اتفضلي يا جومانا
كانت هذه الكلمات تعبر عن أن كل ما كان بينهم حتى الصداقة التي فعلها هو لم تعود موجودة بعد ما فعلته وتسببت به بينه وبين زوجته، إنه لا يريد أي شيء آخر يخرب عليه حياته معها..
مرة أخرى أردف بجدية وعيناه عليها بلا شفقة أو تردد للحظة واحدة، مقارنة أي شيء بزوجته وحبيبته "سلمى" يكون ليس بالوجود من الأساس:
-هتروحي الفرع التاني وهناك هتقابلي محمد هو عارف هيعمل ايه معاكي كويس.. متقلقيش ليكي منصب هناك أحسن من هنا بكتير
خرجت الكلمات من بين شفتيها بنحيب والبكاء يزين وجنتيها الاثنتين وصوتها خافت خجل للغاية:
-عامر أرجوك خلاص.. بلاش تبعدني كده
دقق النظر بها كثيرًا وبعينيها بوضوح دون خجل وأكمل فيما بدأ وتحدث بصوت حاد كما السابق وقال:
-كده أفضل ليكي وليا يا جومانا
أقتربت إلى الأمام تضع يدها على المكتب وتقترب منه قائلة بعتاب وحزن ونظراتها نحوه حزينة للغاية:
-أنت كده بتقتل كل اللي بينا.. حتى صداقتنا
وقف على قدميه وهو يتابعها جيدًا، أكمل على حديثها بقسوة وشراسة تخرج من بين شفتيه:
-إحنا كل اللي كان بينا صداقتنا دي.. وأنتي اللي نهتيها
ضيقت ما بين حاجبيها وتابعت باستغراب ودهشة:
-أنا يا عامر؟
أومأ إليها برأسه مؤكدًا حديثه بجدية وقوة:
-أيوه أنتي.. لأنك عارفه كويس أوي إني بحب مراتي
هتفت قائلة بوجه باهتت وشفتين ترتعش:
-وأنا محاولتش أعمل أي حاجه تضيع حبك ليها بالعكس أنا...
قاطع حديثها الغبي الذي كانت تود الاسترسال فيه مُكملة التبرير لنفسها وقول ذلك العبث الذي كانت تريد فعله وهو أن يكون معها وعلى علاقة بها أثناء زواجه..
صاح قائلًا بقوة مقاطعًا إياها:
-حاولتي يا جومانا.. حاولتي وأنتي عارفة كدة كويس.. الكلمتين اللي سمعتهم سلمى والوضع اللي شافتنا فيه كان كفيل أنه يدمر كل اللي بينا بس الحمدلله سلمى طلعت واثقة فيا وأنا نهيت الموقف دة معاها
أكمل بجدية شديدة لا تحتمل النقاش ولا العبث بها.. يرسل إليها الحديث بالطريقة الصحيحة لكي تفهم أنه لن يرحم أي شخص مهما كان من هو حاول التفريق بينهم:
-ومش مستعد إني أكرر الموقف ده تاني ولا مستعد اشوف أي حد بيحاول يفرقنا.. لأني في الوقت ده هنسفه مهما كان مين هو
ابتسمت بسخرية وعادت للخلف تقف مُعتدلة قائلة بعتاب:
-قصدك أنا مش كدة؟
نظر إلى داخل عينيها وأجابها:
-أي حد.. أي حد يا جومانا
ابتعدت للخلف أكثر بعد أن أمسكت بالأوراق بيدها وذهبت بضع خطوات وهي تحاول الإمساك بتلك الدمعات الرخيصة:
-وعلى ايه! خلاص يا عامر أوعدك إنك مش هتشوفني تاني
نظر إلى الأرضية ثم إليها مرة أخرى، لانت نظرته ناحيتها فهي في يوم من الأيام كانت الصديقة الوفية إليه ولكن القلب ذلك الذي يخرب كل شيء بين البشر..
أقترب منها وأردف بهدوء ونبرة لينة:
-مش عايزك تزعلي مني يا جومانا.. بس القلب وما يريد وأنا رايد سلمى وبس ومش مستعد إني اخسرها لأي سبب..
أومأت إليه برأسها وخرجت بعد أن استأذنت منه تحاول النيل من قلبها النازف ألمًا، والتخفيف عن عقلها الذي حذرها كثير من المرات ولكن.. كما قال هو القلب وما يريد.. أراده قلبها وكان من طرف واحد، وأراد قلبه غيرها على الرغم من أنها كانت في حضرته وغيابه والأخرى في البعد والفراق مسماة..
جرحت كبريائها معه وذلت كرامتها.. جرحت الأنثى بداخلها وأخجلت ما بقيٰ منها ولكنها كانت على أتم الاستعداد لفعل أي شيء فقط كي يكون معها "عامر القصاص" الرجل الوحيد الذي اشتهت قربه منها.. ليس لأجل المال أو الجاه أو أي شيء فقط هو الوحيد الذي أرادته من بين كل البشر.. وكان هو الوحيد الذي وخز قلبها وحطم كبريائها وبعثره إلى أشلاء في الأرضية يدعس بقدمه فوقه بمساعدة منها..
الآن عليها أن تجمع خيباتها وما بقيٰ من كرامتها وكبريائها وتزيل دمعاتها ثم تأخذ الرحيل سبيلًا إليها..
ارهقها الحب من طرف واحد وقطع نياط قلبها، جعلها مرغوبة لحظة ويبغضها عشرة..
تركته في الداخل لا يهمه أي شيء مما حدث ولا يفكر فيه مثلها، بل يفكر في تلك التي تركها في المنزل نائمة منذ الأمس والبكاء لم يبتعد عنها والنوم لم يجافيها بل تنام مُغمضه العينين لتبتعد عنه
يفكر فيما وصل إليه معها بسبب تلك الحقـ ـيرة التي أرسلت إليها كل ذلك وما جعلها تتحول إلى أخرى تريد تركه في أي لحظة.. ولكنه لن يتركها تفعل ذلك مهما حدث..
بشتى الطرق سيحاول تبرير الأمر مرة واثنان وعشرة، وبشتى الطرق سيحاول انهاءه وقول كل ما حدث سابقًا منذ البداية إلى آخر لحظة تحدث بها معها لتكون على دراية تامة بكل ما فعله معها..
ومن بعد ذلك سيغلق عينيه كلما رأى امرأة تسير أمامه.. سيقطع عملية التنفس كلما شعر أن هناك من ستمر بجانبه.. لن يجعل أي عضو بجسده يتبع أي واحدة من الجنس الآخر سوى زوجته وحبيته.. وهذا أن وافقت على بداية أخرى جديدة غير السابقة والتي لم يعد يعرف عددها منذ لحظة معرفته بها..
يعترف أنه أخطأ كثيرًا وكثيرًا ولكن الآن سيقسم بأنه لن يفعلها مرة أخرى ولو كانت على رقبته..
فقط تهدأ وترضى عنه
❈-❈-❈
في اللحظات السابقة وقفت أمام المرآة بعد أن استفاقت من نومها الذي لم يجافيها إلا في الصباح الباكر، رأت مظهرها الغريب عليها، عينيها المنتفخة وشفتيها المُكتنزة الظاهر عليها التغير ووجهها المرهق الباهت..
توجهت إلى المرحاض وقامت بالاستحمام والضجيج داخل عقلها منذ أن فتحت عينيها يعمل ولم يتوقف.. حتى أن تلك الساعات التي خلدت للنوم فيها قد أتاها كابوس مزعج ليكمل عليها ما كانت تعيش وهي مستيقظة..
ارتدت ملابسها وهي مقررة أن لا تسجن حالها هنا حزنًا على ما يحدث بينهم بل ستنطلق وتذهب إلى الجمعية وتترك زوجها الخـ ـائن وصديقتها الخـ ـائنة وتصب كل تركيزها على عملها مع الله وتلك التجارة الرابحة بينهم..
طوال الطريق وهي تقود السيارة ومازال الضجيج لم يتوقف يداهم عقلها بشراسة وكثير من العبث داخله مع كثير من التساؤلات المزعجة..
لما خانها "عامر" في ذلك الوقت وهي كانت العون الوحيد له في المنزل؟
لماذا أكمل في خيانتها بعد أن تبدل حاله بفضلها هي ووالدها؟
لما قد تنتقم منها "إيناس" وهي لم تفعل أي شيء لها؟
لماذا قد يقترب "هشام" ويفعل بها كل ذلك ومازال مستمر؟
وكثير من لما ولماذا وكثير من العبث والتفكير، وهناك صداع قد أمسك رأسها من الصباح منذ بداية العجلة الدائرة بداخله..
أوقفت السيارة أمام الجمعية وأمسكت بالمقود بيدها الاثنين تضغط عليه كثيرًا تحاول أن توقف الدوامة بداخلها.. تحاول أن تكون هادئة وعقلها ليس مشوش.. لأنه الآن في اسوأ حالاته..
نظرت إلى المقعد المجاور لها كي تأخذ حقيبتها ولكنها لم تجد إلا الهاتف!. حتى أنها نسيت أن تأتي بالحقيبة!..
أمسكت بالهاتف بين يدها الاثنين وأرادت أن تكون منعزلة عن الجميع فقامت بوضعه على الصامت كي لا تستمع إلى أي إتصال أو رسائل من أي شخص..
وضعته بجيب بنطالها ثم خرجت من السيارة وأمسكت بالمفاتيح بيدها وسارت على قدميها متوجهه إلى بوابة الجمعية لتدلف منها..
ولكن قبل دلوفها وعبورها الرصيف أمامها كانت هناك سيارة تنتظر من الصباح أمام بوابة الجمعية وتقدمت قليلًا فقط ثم وقفت خلفها وهي تدلف وهناك من هبط منها سريعًا والآخر قام بالنزول منها وفتح الباب على مصراعيه في حين أن الأول تقدم بسرعة ثم انحنى وهو يقف خلفها في لمح البصر يحملها على يديه الاثنين بمنتهى السهولة..
وخرجت منها في تلك اللحظة صرخة مدوية بخضة ولهفة غير عادية بعد أن تسارعت دقات قلبها من الخوف والرهبة وهي تنظر إلى الرجل الذي يحملها ثم ألقى بها داخل السيارة في لمح البصر ومن بعدها لم تدري بأي شيء سوى أنه وضع يده على فمها وأنفها!..
في لحظات غابت عن الوعي ولم تعد تعلم إلى أين يأخذها مصيرها، وإلى أين يقودها القدر الذي يرمي بها في كل محطة أيام قليلة والفاصل بينهم كارثة يحملها قلبها في كل مرة..
بعد أن حدث ذلك في لحظات لا تذكر أسرعت السيارة وأختفت عن المكان وكأنها لم تكن موجودة من الأساس.. وكأن "سلمى" هي الأخرى لم تأتي إلى هنا!..
❈-❈-❈
"يُتبع"
#بين_دروب_قسوته
#الفصل_الرابع_والعشرون
#ندا_حسن
"لا يساوي أي شيء دونها.. يعلم أنه "عامر القصاص" لا يكون هو إلا بها"
غرفة مظلمة كغرف السجن الانفرادي لا يدلف إليها أي بصيص من النور إلا عبر النافذة الصغيرة في أعلى الحائط خلفها مُحكمة الغلق بأعمدة الحديد..
وذلك الباب المُغلق منذ أن استفاقت وعادت إلى وعيها، أين هي؟ من أخذها بهذه الطريقة؟ ولما فعل ذلك؟ وما الذي سيحدث لها؟ كل هذه أسئلة تهطل على عقلها في كل ثانية تمر عليها.. وقد كان الوقت طويل للغاية وذلك لأنها حتى لا تعرف ما المدة التي قضتها هنا..
في ظل تلك الزحمة داخل رأسها لم تكف عن التفكير بما بدر من زوجها وتلك الصديقة الخـ ـائنة، في ظل كل ذلك كانت وخزة قلبها أكبر من أي شيء حدث في السابق بينهم..
تلك الدموع التي تهطل على وجنتيها دون أي صوت دليل على كل الآلام المُنبعثة من داخلها تريد أن تكون مُحررة.. مُحررة بعيد عن كل ذلك الحزن والألم.. تريد أن تخرج إلى قلب آخر غير قلبها فقد عانى كثيرًا..
أغمضت عينيها ومازالت تبكي ومازال الألم مُستمر، والتفكير لم يتوقف بل يزداد مع كثير من الأسئلة التي ليس لديها أي إجابة عندها..
حاولت جذب يدها ولكنها كانت مربوطة بقوة خلفها لتكن خلف ظهر المقعد الجالسة عليه..
وكذلك قدميها الاثنين مربطين في أقدام المقعد..
لم يكن هناك أي شيء مُحرر بها.. حتى قلبها وروحها تراهم أمام ناظريها في قفص عصفور محبوس والحابس أراد ذلك بضراوة.. ليس هناك شيء ملك لها.. قلبها كان ملك لمُعذبها، كان ملك لذلك المُتسبب في أوجاعها.. كان ملك لسارق أحلامها..
روحها مرتبطة به بشدة وعنف، إن حدث له شيء مـ ـاتت وأن شعر بالألم تألمت وإن كان بخير أتى لها هو بالألم..
تملك جسدها أيضًا بعد الزواج وأصبحت رهينة بين يديه، لا تستطيع الاعتراض فـ يمارس عليها أساليبه الخاصة لتكن خاضعه له..
حتى أنها الآن وفي هذه اللحظات لا تدري أين هي ولا من معها.. بعيدة كل البعد عنه وعقلها مُنشغل به وبكل أفعاله القذرة معها.. يا لك من "عامر" حقًا..
الخوف والرهبة لم تكن تتملك منها في هذه اللحظات على عكس كثير من المرات شعرت فيهم بالخوف والرهبة منه ومعه! هل كل هذه الإشارات والفراق والسنوات التي كانت بينهم دليل على أنهم ليس من المفترض أن يكونوا في علاقة سويًا؟
انحدرت الدموع على وجنتيها بكثرة والألم يزداد في قلبها ولم تعد تستطيع التحمل! ألا يكفي كل ما تحملته!.. من رحلوا وتركوها ومن كان خـ ـائن ومن كانت خـ ـائنة، من كذب عليها ومن حطم قلبها ومشاعرها!..
ارتعشت شفتيها المُكتنزة الوردية وهي تبكي وجسدها مُتشنج، اللؤلؤ داخل عينيها الزيتونية وكأنه يُزينها..
عقلها بعد كل سؤال يطرحه عليها يخمن أن "عامر" هو من فعل هذا وأتى بها إلى هنا كي يصلح ما فعله.. ولكن طريقته خاطئة..
توقف التفكير وسُلبت منها كل الأسئلة عندما وجدت باب الغرفة يُفتح ويدلف منه النور إليها وكأنه ليس منزل بل غرفة في الطريق أو الصحراء!..
أغمضت عينيها للحظة بسبب الضوء الكثير المُنبعث بعد أن اعتادت عينيها على الظلام في الغرفة.. ثم رفعت عينيها ورأسها لتنظر إلى الذي يدلف وقد كان!..
"هشام"!.. رأته يدلف مُبتسمًا بانتصار وسخرية لا نهائية، فتابعت دخوله هذه المرة بخوف بعد أن دق قلبها وخيب ظنها في أن يكون "عامر" زوجها..
أغلق الباب من خلفه ودلف إلى الداخل ليقف أمامها مباشرة ابتسم باتساع مُنتصرًا ثم هتف بسعادة بالغة ظاهرة على وجهه بوضوح:
-شوفتي الدنيا صغيرة إزاي؟ كان المفروض بقى إني في السجن علشان جوزك اتخلص مني.. بس مطلعش شاطر يعني وكمل الليلة دي، طلع خايب
ابتلعت ما وقف بحلقها وتغلبت على ذلك الخوف الذي تمكن منها ورفعت صوتها إليه قائلة بغضب:
-أنت عايز مني ايه؟ أنا عملتلك ايه
اتسعت ابتسامته وهو يرى الخوف في عينيها ويعلم جيدًا أنها تحاول أن تكون تلك الشجاعة أمامه:
-بصراحة أنتي معملتيش بس غيرك عمل
لم تذهب بعقلها إلى أحد غيره! من غيره سيفعل المشاكل والكذب.. والخيانة!:
-عامر!..
حرك رأسه يمينًا ويسارًا نافيًا تخمينها بأن يكون زوجها، وأردف بنبرة بها الشر والحقد أكثر من صوته الرجولي:
-ياريته كان هو بس للأسف هو كمان معملش حاجه.. اللي عمل حد كبير أوي وبتحبيه أوي وجب ولازم الانتقام منه حتى لو كان مات
تابعته بعينيها الزيتونية واستغربت لحديثه الغريب عليها! مَن مِن الممكن، أيعقل شقيقها؟:
-ياسين؟
أردف بجدية ونبرة فاترة غير مُبالية بملامحها:
-أحمد القصاص
ذُهلت بعد أن استمعت إلى حديثه! ألا يجد إلا والدها لكي يكذب بخصوصه؟ رفعت صوتها وصرخت عليه باستغراب ثم اتهمته بعنف وشراسة:
-بابا؟ بابا عمل فيك ايه؟ أنت كداب.. كداب
صرخ على حين غرة عندما وجدها تدافع بتلك الطريقة عن والدها ويرى الاستماته في نظراتها الرافضة لحديثه وقال بحقد وغل ينبع من داخله وهو يشير إلى نفسه بحسرة:
-أنا مش كداب.. أبوكي دمرني ودمر حياتي.. دمر أبويا وأمي وعيلتي كلها.. دمر طفولتي ودمر الطفل اللي جوايا خلاني زي ما أنتي شيفاني كده واحد وسخ وشراني وهيقتلك
دمعات خرجت من عينيها الاثنين وهي تستمع إليه وترى مظهره وهو يتحدث بكره شديد وكأن هناك ما حدث بالفعل، رددت آخر كلماته بخوف:
-تقتلني!
أومأ إليها برأسه مُؤكدًا يُجيبها:
-للأسف.. هقتلك علشان تحصلي اللي راحوا
اتسعت عينيها بذهول واستنكار لما أتى على خلدها بعد حديثه الأخير والسؤال الذي طرح على عقلها من خلفه، فهم ما الذي فكرت به فمرة أخرى أومأ إليها قائلًا بجدية وبرود:
-أيوه بالظبط.. اللي راحوا أبويا اللي قتلهم، مكانتش حادثة والسلام كانت متدبرة ولسوء حظك إنك طلعتي منها
ذهب إلى آخر الغرفة تحت نظراتها المصدومة والغير قادرة على إبداء أي رد فعل وأتى بمقعد من الزاوية المخفية في الظلام ثم استدار به ناحيتها وعكسه ليجلس عليه مُخالفًا أمامها:
-عايزة تعرفي أبوكي عمل ايه؟ ولا مش هتصدقي
وضع يديه الاثنين أعلى ظهر المقعد واستند عليه وبدأ في سرد القصة منذ البداية إليها بعيونه السوداء الحالكة:
-أبوكي ياستي كان بيحب واحدة قبل الست الوالدة.. راح يتقدم لها مرة واتنين وعشرة وأهلها رافضين يأس واتجوز وهي كمان أهلها جوزوها.. خلف وخلفت وهما الاتنين لسه على تواصل مع بعض.. هو بيخون مراته وهي بتخون جوزها كل حاجه كانت واحدة في البيتين إلا حاجه واحدة بس
اختلفت نظرته وتحولت إلى كره خالص وحقد لا نهائي يماثله الغل المتواجد داخله كلما تذكر ما كان يحدث معه:
-إن حياة الست مع جوزها كانت وحشه وصعبة وابنهم في النص.. يشوف خناق يشوف زعيق يشوف ضرب
توقف عن الحديث وهو ينظر إليها ويراها تستمع إليه ثم أكمل قائلًا بجمود:
-يشوف أمه مشنوقة
استمع إلى شهقتها التي خرجت منها على حين غرة وهي تستمع إليه وتتخيل في رأسها كل ما يقوله.. كم كان صعب كل ذلك على هذا الطفل:
-أيوه مشنوقة.. خدي بالك بحكيلك باختصار علشان متبكيش
ابتسم بسخرية وهو يرى الدمعات تفر من عينيها تُسير إلى وجنتيها تستقر على مقدمة رقبتها وأكمل بكثير من الغل:
-عاش أبوكي حياته هو وولاده.. إنما الراجل جوز الست وابنها مقدروش حياتهم اتدمرت بسبب واحد وسـ* زي أبوكي فضل على علاقة مع واحدة متجوزة
تسائل بعينين لامعة حادة ينظر إليها بكره شديد:
-عارفه مين الولد ده؟ ده أنا هشام الصاوي وأبويا
استنكرت كل ما قاله وهتفت بجدية وعنف من بين بكائها بصوت مختنق:
-بابا أكيد معملش كده.. أكيد في حاجه غلط أكيد
حرك رأسه بنفي يؤكد أن حديثه صحيح وليس هناك شيء خاطئ به يصحح إليها فكرتها عن والدها ويقول أيضا أن هناك من يعلم غيرهم:
-للأسف مافيش حاجه غلط وده اللي حصل فعلُا.. أنتي بس اللي بتحبيه زيادة عن اللزوم وشيفاه ملاك وعادل.. كلكم ماعدا عمك ومراته.. كانوا عارفين كل حاجه
تسائلت بصدمة وذهول والبكاء يُسيطر عليها:
-بابا؟
أومأ إليها وكرمشت معالم وجهه للغضب الشديد والعصبية المُفرطة التي حاول كبتها كل هذه السنوات:
-أيوه هو أبوكي أحمد القصاص.. بسبب أبوكي اتحولت من طفل لمجرم.. واحد عنده عقد وقرف.. بسبب أبوكي أخدت عهد على نفسي إني مش هخلي واحد في عيلتكم سعيد.. بس أبويا كان ليه رأي تاني
أكمل قائلًا بفتور:
-هو اللي رتب حادثة العربية بس علشان أنا ربنا بيحبني أنتي لسه عايشة.. هطلع كل عقدي عليكي وبعدين اقتلك
اعتدل في جلسته يكمل تهديده إليها بشر ونظرة حادة واثقة:
-كل واحد دوره جاي حتى لو كان آخر يوم في عمري
نظرت إليه، لحظة والأخرى، دمعاتها لم تتوقف لحظة بل ازدادت وخرج صوتها ليتحول إلى بكاء ونحيب، هل والدها أيضًا كان خدعة مثلهم؟ مثلها الأعلى وحبيبها الأول ومن وقف جوار "عامر" في كل خطوة! لم يكن يحب والدتها وكان خـ ـائن.. كان كاذب!.. لذلك بعد كل رفض لعمها عن زواجهما كان هو يوافق، لا يريد لعامر المهووس بها الفراق عنها لأنه عاش ذلك قبله!..
لا لا أنها تظلم والدها وتصدق شخص يظهر عليه أنه مريض نفسي لا يريد إلا المعالجة السريعة بسبب ما حدث له في طفولته.. إنه عدائي للغاية لا يريد رؤية سعادة الآخرين..
فُتح الباب، رفعت بصرها تنظر إلى الوالج إليهم مرة أخرى، أغلقت عينيها بسبب ذلك الضوء الذي يزعجها ومرة أخرى تفتحهما وتنظر لتجد ابنة عمه الخـ ـائنة الكاذبة.. ما الذي تريده أيضا..
دلفت وأغلقت الباب من خلفها، لتتجه إلى ابن عمها والابتسامة على وجهها من الأذن إلى الأذن تُلقي عليها نظرات الإنتصار من عينيها اللامعة بغرابة..
أردفت بنبرة رقيقة ناعمة مُتهكمة عليها:
-ازيك يا سلمى يارب تكوني مبسوطة معانا
نظرت إلى ابن عمها تنخفض برأسها لأنه يجلس على المقعد جوارها وهي واقفة وقالت له:
-بدأت الحفلة من غيري ليه.. مش قولت هتستناني
ابتسم وهو يقف على قدميه تاركًا المقعد يتجه للخارج:
-معلش بقى يا سوسو مقدرتش استنى.. هسيبك معاها شوية
أومأت إليه وانتظرت إلى أن خرج وأغلق الباب من خلفه، فعدلت المقعد ووجهته إليها وجلست عليه مُعتدلة:
-ايه رأيك في المفاجأة بتاعت امبارح يا سلومه
سخرت قائلة ضاحكة بقوة:
-ولا نقول يا بطل
تفوهت بالكلمات المُتسائلة باستغراب وعتاب ليس له محل الآن في هذا الموقف:
-حتى أنتي.. أنا معملتش فيكي حاجه وحشه.. مأذتكيش
أجابتها بجدية ووضوح:
-هو آذاني.. علشانك
أردفت بنبرة ترتعش بسبب البكاء، تتسائل بذهول لما وضعوها في المنتصف وعليها أن تنال العقاب:
-وأنا مالي.. أنا ايه دخلي ليه تعملوا فيا كده ليه أكون أنا الضحية في وسطكم
ردت بحقد وكره يدل على حبه إليها:
-علشان بيحبك.. بيحبك أنتي
قالت "سلمى" بجدية وهي واثقة من حديثها:
-بس أنتي مش بتحبيه.. طول عمرك كرهاه
حركت "إيناس" كتفيها الاثنين وقالت بهدوء فاتر:
-في البداية حتى محبتوش أنتي عندك حق.. بس كنا على علاقة.. معجبة بيه وبشخصيته وفلوسه علشان ماكونش كدابه.. شرب سهر خروج قلع حتى
تحولت نظراتها إلى أخرى شريرة للغاية قاتلة تريد الانتقام ولن يكون إلا عن طريقها ليصل إليه في منتصف قلبه:
-وفي لحظة كده علشان عرف إني أعرفك وأقدر اوصلك يرميني.. لأ مش أنا خالص
وقف عقل "سلمى" عند كلمة واحدة فقط من وسط كل هذا الحديث وستكون الإجابة منها فارقة ومصيرية للغاية حتى ولو كانت كذب:
-قلع!..
ابتسمت "إيناس" لأنها تعلم أنها كانت ستعلق على تلك الكلمة، قالت ما كانت تريد الاستماع إليه لأنها تعلم أن "سلمى" ستكون مع الأمـ ـوات:
-الحقيقة بردو علشان مبقاش كدابة لأنك كده كده هتموتي.. كانت مرة وهو مقدرش يكمل يا حرام افتكرك وخاف على مشاعرك
أشارت إليها بحقد غريب، وكره لها وله، ولكن الأكثر إليها:
-أنتي كنتي السبب في إنه يبعد.. إنه يرميني كده.. أنتي كنتي المفضلة عنده رغم أنه يعرف ستات بعدد شعر رأسه
باستغراب أكملت وقد كان ذلك ظاهر على ملامحها حتى مع نظرة عينيها الواثقة وحديثها الجدي:
-كل شيء عنده كان مباح إلا إنه يقرب من واحدة بجد أو يقولها كلمة حلوة.. كان بجح ومش كداب.. مش بيعرف يكدب لو واحدة وحشه كان بيقولها أنتي وحشه
ضحكت ضحكات مُتفرقة وهي تكمل سرد ما كان بينهم وفي لحظة تحولت وهي تنظر إليها بغضب وحدة:
-كان كل حاجه معايا وفي لحظة هوب مافيش عامر لأ وكمان تهديد وشتايم وقرف.. لأ ده يشوف إيناس اللي بجد بقى
تابعتها "سلمى" ونظرت إلى تعابيرها وكل ما يصدر منها، أنها تحقد عليها لأنها معه، تكرهه لأنه كان كل شيء لها ثم أبتعد وفضل غيرها عليها، تريد أن تطعنه بها كما طعن كرامتها وكبريائها.. من ماذا مصنوع أنت يا "عامر"؟
بهدوء تحدثت "إيناس" وتابعت بعينيها عيون "سلمى"، لحظة صمت بينهما ثم قالت ببرود خالص:
-زي ما أنتي مالكيش دعوة بحكاية أبوكي كمان مالكيش دعوة بحكاية عامر.. بس محدش هيتعاقب غيرك يا سلمى أنتي بس اللي هتوجعي عامر أكتر من وجعه نفسه
وقفت على قدميها وتابعت النظر إليها بنفس تلك الطريقة وتفوهت تعبث معها:
-استعدي بقى
ذهبت إلى الخارج وأغلقت الباب، تاركه إياها تندب حظها في كل من عرفتهم في حياتها..
هي هنا تُعاقب لأجل والدها وتُعاقب لأجل "عامر"، والدها أخلف من خلفه شخص مطعون في والدته مُحطم من داخله معقد لا يحتاج إلا لعلاج في أسرع وقت قبل أن يدمر كل من حوله حتى ولو من الأقربين..
و "عامر" دمر فتاة بتلك الألاعبب القذرة خاصته، دمر ما داخلها وحطم كبريائها وطعن في كرامتها، أخذها متى ما أراد وتركها متى ما أراد، فعل بها ما يحلو له وألقى بها في أقرب سلة قمامة..
ابتسمت "سلمى" واتسعت ابتسامتها بسخرية شديدة ثم تحولت إلى ضحكات وهي تعد بلسانها مذكرة نفسها بكل من كان خـ ـائن في حياتها..
-عامر، بعده هشام، إيناس، ياسين، وبابا!..
تعالت ضحكاتها لتملئ أرجاء الغرفة وهي تعود برأسها للخلف، ثم.. ثم بعد لحظة عادت تلك الوخزة في قلبها وشعرت أن الهواء يختفي من حولها وقفصها الصدري ينطبق على قلبها كما أن الغرفة تنطبق عليها.. وانفجرت باكية محولة دموع الضحكات إلى دموع البكاء صارخة بعنف وهي تتقدم للأمام برأسها ويديها الاثنين مربطين إلى الخلف.. الضجيج الذي داخل رأسها سيقتلها لا محال.. وإن لم يفعل سيتوقف نبض قلبها بعد كل تلك الآلام والطبول القارعة داخله..
❈-❈-❈
استمع إلى رنين هاتفه على سطح المكتب، وقف مُتقدمًا منه تاركًا الحاسوب على الطاولة الصغيرة، أمسك بالهاتف عاقدًا حاجبيه بعد أن وجد رقم مجهول يقوم بالاتصال به، أجاب بفتور واضعًا إياه على أذنه:
-نعم
استمع إلى كلمات الطرف الآخر المتسائلة عن هويته لتقوم بقول ما تريد إليه فأجابها يحرك رأسه وكأنها تراه:
-أيوه عامر القصاص
لحظة والأخرى وعينيه تتسع بذهول وصدمة، بها اللهفة والقلق وكل المشاعر التي تنم عن التوتر والخوف ثم صاح صارخًا:
-اتخطفت! اتخطفت إزاي من قدام الجمعية ومين عمل كده
أكمل سريعًا وهو يأخذ جاكيت بدلته من على المقعد الذي كان يجلس عليه والمفاتيح الخاصة به من على المكتب وصاح بعنف:
-يعني ايه متعرفوش.. وإزاي بتبلغيني دلوقتي إزاي كنتوا فين من وقتها
خرج من المكتب بخطوات واسعة راكضه إلى الخارج وعيناه سوداء حالكة وهذا لا يحدث إلا بحالات الغضب الشديدة:
-يعني ايه عرفتوا بالصدفة انتوا بهايم
أغلق الهاتف بوجهها بعد أن وصل إلى الأسفل في لمح البصر ودلف لأخذ سيارته شاعرًا أن كل عضو بجسده يتحرك وحده دون أي إرادة منه، جسده يتحرك نحوها!..
ألقى الهاتف وجاكيته بجواره على المقعد ثم أدار المقود وخرج سريعًا بلهفة وقلق وعصبية والجميع ينظر إليه باستغراب تام وشوق لمعرفة ما الذي يحدث معه..
بينما هو كان في حالة أخرى، يسابق الرياح والزمن ليعرف ما الذي حدث لحبيبة عمره وروحه، يسابق الأحداث والقدر ليكون هو محلها في كل سوء، يسابق أحداث روايته مُحاولًا جعلها أجمل معها رغم أنف الشر والحقد المُحيط بهم..
كان قلبه يدق بعنف وقوة، يقرع بلهفة وخوف، بقلق ورهبة وكل ما به لا يتعلق إلا بالقلق عليها..
روحه وحياته، لا يستطيع التخيل أنها من الممكن أن يحدث لها شيء! لا يستطيع أن يتركها تذهب هكذا!..
صقر جريح طائر في السماء ينزف ويعلو صوته ألمًا، صياد ماهر بعد أن كانت فريسته المهووس بها بين يده أخذت منه من قِبل مجهول!..
مجهول؟! لا لم يمكن مجهول بل كان يعرف جيدًا، ولكن لم يتوقع أن يكون الرد سريع إلى هذه الدرجة وفي وقت هم على نزاع به..
عينيه شُتتت على الطريق ولم يعد يدري إلى أين وجهته، طريقه الذي كان يذهب إليه جسده، إلى أين مقرها وأين حبها!..
ضيق ما بين حاجبيه وهو يضغط على المقود بيده بعصبية شديدة وعنف خالص، يحاول إخراج ما به في أي شيء حوله ولا يجد فيها أبسط الأمور..
كيف تقول تلك الغبية أنها علمت بالصدفة اختطاف "سلمى" منذ الصباح وهي مخطوفة ولم تعلم إلا عندما راجعت الكاميرات لترى أين وقع منها مفتاح سيارتها!..
يا الله، ماذا لو لم يكن هناك من يعرف أين هي، ماذا كان سيحدث له ولها، والآن ما الذي تتعرض له على يد ذلك الغبي الحيوان الذي سينال منه عقاب لن ينظر بعده في عيون أحد أن تركته الشرطة له فقط،
قام "عامر" بتبليغ الشرطة سريعًا لمساعدته في العثور عليها ولأنه رجل هام ومعروف في الدولة قامت الشرطة بتلبية النداء سريعًا وقاموا بتفريغ الكاميرات الموجودة أمام الجمعية ورؤية السيارة بأرقامها واضحة ربما لم يفكر "هشام" بأمر كهذا وربما أيضًا هو فعل ذلك ليقوم بتضليلهم عن الطريق الصحيح للوصول إليه..
تقدمت عناصر الشرطة إلى منزله وقاموا بالتفتيش ولكن لم يجدوا أحد فطالب "عامر" بالتحفظ على والده وحدث ذلك أيضًا تلبية لرغبته..
وأيضًا ذهبوا إلى منزل "إيناس" ولم يجدوا أي أحد هناك من الأساس وذهب إلى منزلها القديم كان الوضع كما هو..
منذ أن علم وهو يحاول الوصول إلى "سلمى" عن طريق هاتفها، لا يدري لما قد يفعل مؤكد أنهم أخذوه منها ولكنه حاول كثيرًا ويجده مقفل..
أثناء قلقه وحيرته، لهفته وخوفه، رهبة قلبه وعذاب روحه في بعدها عنه لا يعلم عنها أي شيء، أثناء عجزه عن فعل أي شيء ليقوم بالعثور على حبيبته أتته رسالة نصية على هاتفه بأن هاتف "سلمى" قد فُتح..
دق الأمل داخل قلبه مرة أخرى وارتسمت الابتسامة على شفتيه سريعًا فور فقط أن رآها، ستكون هذه مساعدة أخرى مع أرقام السيارة التي يقومون بالبحث عنها ولكن لا أثر لها..
بالتعاون مرة أخرى مع عناصر الشرطة قاموا بتتبع هاتف "سلمى" النقال والذي كان صعب للغاية حيث أنه كان في منطقة لا يوجد بها أي إتصال وكل لحظة والأخرى يقف الإتصال بها ويعود هاتفها إلى وضع غير مفعل..
اغمض عيناه الاثنين وأبتعد في ركن ليكون هو وحده، وقف ينظر إلى السماء وعيناه بها رغبة ملحة للبكاء، يريد أن يفيض كل ما يشعر به الآن ويعبر عن كمية الحزن والألم الموجود داخله.. يود أن يطالب بالرحمة من الله فيها هي فقط ولكنه خجل للغاية من طلب كهذا وهو لا يفعل إلا ما يغضبه عليه.. ولكنه أصبح عنده يقين تام أن رحمة الله وسعت كل شيء، ويعلم أنه لن يضره في أكثر الأشياء محبتًا إلى قلبه وأكثرهم عشقًا وغلاوة، يعلم أن الله لن يخذله ولن تكن هي الراحلة الرابعة، يعلم أن أي مكروه لن يحدث لها وسيكون معها في الوقت المناسب وسيعثر عليها.. يعلم أن الأمل ضئيل ولكنه.. لكنه "عامر القصاص" ذو الهيبة والشكل والسلطة لا يساوي أي شيء دونها.. يعلم أنه "عامر القصاص" لا يكون هو إلا بها.. إلا معها.. يعلم أنه جرحها كثيرًا وأبكاها أكثر ولكنه والله يحبها.. يحبها ويهوى كل ما بها ولا يريد التخلي عنها.. لا يريد أن يكون وحيد فهي.. هي كل الأشخاص، الحياة وما بها..
تنهد بصوت مسموع مُناجيًا ربه يقول كل ما في صدره، ويعلم أنه توصل إليه وسيكون معه في كل خطوة، غفور رحيم، عفو كريم، لن يتركه وحده، لن يخذله، لن يسلبها منه بهذه الطريقة..
❈-❈-❈
دلفت "إيناس" إليها بعينين شامته، ساخرة، تقول ما لم تقوله شفتيها إلى الآن..
نظرت إلى هيئتها، عينيها المُنتفخة وشفتيها المتورمة، نظرت إلى وجنتيها الحمراء ووجهها الباهت الحزين المرتسم عليه آثار الدموع التي لم تتوقف إلى الآن..
ومن خلفها ولج ابن عمها والابتسامة على وجهه هو الآخر، يتابعها بتشفي وحقد، بمرض لأجل أن يسعد عقده النفسية..
أردفت "إيناس" بابتسامة ساخرة وهي تقترب منها قائلة:
-بصراحة بقى أنا وهشام محضرين ليكي مفاجأة ولا في الأحلام.. وبصراحة أكتر كانت فكرتي أنا
أقترب هو الآخر يكمل على حديث ابنة عمه ضاحكًا بشدة:
-بصراحة عليكي افكار يا إيناس تودي في داهية
ردت مُعقبة بجدية رافعة حاجبيها:
-ومش أي داهية.. دي الداهية اللي هتروحها سلمى مع عامر
لوت شفتيها مُتهكمة تقول بدلال حقير:
-ومش الموت متخافيش
تتابعهم بأعين زائغة، لم تعد تستطيع التحمل لا الحديث ولا النظر إلى وجوههم، لم تعد تستطيع التفكير أو التذكر فقط تجلس هكذا تنظر في الفراغ أو إلى وجوههم ولكن غير ذلك لم تعد قادرة على فعله.. يكفي كل ما مرت به، يكفي ما عاشته إلى اليوم، يكفي دمار حياتها قبل وبعد الزواج منه..
خذلانها في كل البشر المحيطين بها ومازال هناك غيرهم لم تكشف عنهم قناع وجههم.. مازال هناك الكثير لا تعرفه..
أشار "هشام" إلى ابنة عمه بيده وهو يتقدم من "سلمى" قائلّا بجدية وفتور:
-دخليه يا إيناس
خرجت الأخرى وتقدم منها هو ليقف خلفها بيده يبعد عنها ربطة يدها الذي جعلتها تتألم كثيرًا..
ثم استدار ليقف أمامها وفعل المثل مع ربطة قدميها..
قربت يدها الاثنين منها إلى الأمام وشعرت بألم لا مثيل له فهي منذ أن أتت ويدها الاثنين مربطين خلف ظهر المقعد الجالسة عليه..
آنت بصوت خافت للغاية وهي تضع يدها على الأخرى، ثم رفعت عينيها على الباب لترى "إيناس" تدلف إلى الغرفة معها شخص ما لا تعرفه..
يبدو وكأنه مثل الحارس الخاص، طويلًا، أكتافه عريضه، جسده ضخم ونظرته حادة..
أمسكها "هشام" من ذراعيها الاثنين وهي في حالة استسلام تامة ثم دفع المقعد من خلفها بقدمه بقوة ليبتعد عنها واقعًا على بعد مسافة منها..
ثم في لمحة لم تأخذ بالها منه فيها كان كف يده بعد أن ترك يدها يهوى على وجنتيها اليسرى بعنف شديد للغاية وقوة لا تتحملها فاستدارت صارخة بعنف الناحية الأخرى تقع على جسدها فاستندت بيدها على الأرضية..
نظرت إلى الأرضية مُنحنية على نفسها ورفعت يدها إلى وجنتيها تشعر بسيل الدماء يخرج من شفتيها بغزارة، وجنتها وكأنها تحت تأثير مُخدر لا تشعر بها..
ضغطت على عينيها بعنف وهي تبكي بقوة مُنتحبة بقهرة وحرقة..
تقدم منها مُبتسمّا يتمسك بخصلات شعرها بعنف يجذبه بغضب وحدة قاصدًا فعل ذلك ونظر إليها بعينين ملهوفة على الانتقام:
-مبسوط وأنا شايفك كده.. ولسه
استمع إلى صوت ابنة عمه خلفه يخرج بقلق وخوف:
-هشام!
استدار ينظر إليها باستغراب تاركًا الأخرى فأشارت إليه بعينيها على الأرضية جوار "سلمى" قائلة:
-دي معاها موبايل
صرخ بدهشة مُستنكرًا بعنف وعصبية:
-ايه؟
أقترب منها بسرعة وانحنى يأخذه من على الأرضية تحت نظراتها الملهوفة في أن يكون "عامر" قد علم ما حدث لها وتصرف في تلك المدة الصغيرة.. تريده الآن وحتى ولو كان بينهم جبال العالم كله.. تريده ولا تريد غيره أن ينقذها مما هي به، تريده وتعلم جيدًا أن هذه العلاقة سامة للغاية..
لم تفكر للحظة واحدة أنها معها هاتف ولم يأخذه منها أحد لقد أخذوا كل عقلها.. وكان لكل شخص دوره في التفكير به..
ألقى الهاتف بعصبية وعنف شديد في الحائط فهبط على الأرضية مهشمًا فذهب ووقف فوقه بقدمه يسحقه أسفله..
كرمش ملامح وجهه إلى الشر والغضب وعاد إليها يمسك خصلاتها رافعًا وجهها إليه ثم هبط على وجنتيها الاثنين بصفعتين متتاليتين وهي فقط تبكي وتشعر بالألم!.. حتى أنها لم تصرخ أو تدافع عن نفسها.. تعلم أنها لن تفوز مهما حدث.. لن تخرج من هنا إلا إذا قام أحد بمساعدتها ولكن أن تفعلها وحدها مع هؤلاء فهي تعذب نفسها فقط..
دفعها للخلف بعنف لتستقر على الأرضية وأبتعد عنها إلى الباب سريعًا قائلًا بجدية وكره:
-شوف شغلك معاها..
أكمل يجذب يد ابنة عمه معه إلى الخارج خوفًا من أن يأتي "عامر" إليه هنا:
-يلا إحنا
دلف الآخر بوجهه الصلب الحاد وجسده الضخم الذي ستختفي داخله أن وقفت أمامه.. أقترب منها بنية ليست طيبة أبدًا وهي تعود للخلف إلى أن بقيت خلفها الحائط وهي جالسة على الأرضية..
الرهبة! الرهبة تقتل قلبها القارع بداخله النبض على السريع، دقة خلف الأخرى والأخرى بسرعة لا مثيل لها، الخوف أعمى عيناها ولم تعد تستطيع أن تتنفس بانتظام.. لقد تعثرت وثيرت أنفاسها وهي تراه ينحني أمامها بالضبط على قدميه مقربًا يده من وجنتها قائلًا بصوت غليظ:
-متخافيش.. دي حاجه بسيطة أوي وأنتي مجربة
نظرت إليه باستفهام، تستنكر ما يقوله، عينيها لم تفهم ما الذي يقصده حتى..
لم تدري بما يقول إلا عندما وجدت يده مزقت البلوزة الخاصة بها وأتى بها من الأعلى نصفين..
صرخت بعنف وهي تبعد يده عنها ضاربة إياه غير مبالية لحجمه وحجمها الصغير للغاية جواره:
-أبعد عني.. غور في داهية أبعد عني
لم يتزحزح من أمامها بل أمسك بخصلات شعرها وقربها منه بعنف وهو يستمع إلى صراخها وبكائها قائلة:
-أنت متعرفش أنا بنت مين ومرات مين... أنا مرات عامر القصاص هينسفك نسف لو قربتلي
ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة بسيطة للغاية ثم أمسك يدها الاثنين بيد واحدة واستطاع فعلها بمنتهى السهولة ثم مال على رقبتها دافعًا إياها في الحائط محاصرها بجسده الذي سيقتلها أن بقيٰ هكذا لدقائق بعد..
صرخت بعنف وحاولت التحرك بقوة، ضربت بقدميها كثيرّا ولكنه حاصرها، حاولت.. وتركت الاستسلام الذي كانت به عندما انتقل الوضع إلى منطقة أخرى ولكن تلك العصفورة الصغيرة البريئة لن تستطيع الهرب من بين يدي غراب..
لن تستطيع إلا وهي مجرد عظام ملتحمة مع بعضها البعض..
في اللحظات الحاسمة نتناسى كل السيء وأي خلاف مع من نحب، وهذا ما حدث معها، تناست كل شيء وتذكرت وجهه وابتسامته، تذكرت حبه وهووسه ملامحه واسمه مُطالبة بالنجدة من "عامر القصاص"
قبل أن تزهق روحها وتُسلب بكره ورحابة صدر.
❈-❈-❈
"يُتبع"
#بين_دروب_قسوته
#الفصل_الخامس_والعشرون_والأخير
#ندا_حسن
وقف "هشام" في الخارج مع ابنة عمه بعد أن وضع يده على جيب بنطاله من الأمام والخلف يبحث عن هاتفه المحمول الذي ربما يكون فقده في الداخل، وستكون هذه مشكلة كبيرة إن وجده أحد..
أشار إليها لتذهب إلى السيارة الخاصة بها قائلًا:
-أمشي أنتي خدي عربيتك وأنا هحصلك.. شكلي نسيت موبايلي جوا
أومأت إليه برأسها وتلهفت حقًا لتركه في الانتظار هنا فهذا المكان لا يشكل إلا خطرًا كبيرًا لحياتهما، أردفت بجدية قائلة وهي تذهب من أمامه:
-متتأخرش بس
أومأ إليها هو الآخر ثم نظر إليها وهي تصعد السيارة وتنطلق بها مُبتعدة عن المكان، نظر في أثرها لحظة والأخرى ثم استدار من بعد ذلك كي يدلف إلى الداخل مرة ثانيةً ليأخذ هاتفه ويرحل خلف ابنة عمه..
ولكنه لم يكن متوقع أن ما ينتظره سيحدث بهذه السرعة، في لمح البصر كانت عربات الشرطة تتوجه ناحيته من الطريق المخالف لطريق ابنة عمه ومعهم سيارة "عامر القصاص".. دق قلبه بعنف وارتعشت قدماه في وقفته يبتلع ريقه الواقف بحلقه ولم يستطع فعل أي شيء سوى أن يركض ناحية سيارته كي يذهب هو الأخر سريعًا..
لكن حظه العثر لم يساعده على وجود المفتاح بها فهنا أدرك أنه قد قبض عليه حتمًا..
خرج من السيارة سريعًا محاولًا الهرب ركضًا على قدميه ولكنه تفاجئ بوجود عناصر الشرطة تركض ناحيته من كل إتجاه وأصبح محاصرًا بينهم ليس هناك أي سبيل للهرب منهم.. ليته ذهب مع ابنة عمه وترك ما تركه هنا
وجد من يجذبه من الخلف جاعلة يستدير إليه صارخًا بعنف وهو يلكمه في وجه بقوة وعنف، نظر في وجهه ليراه.. إنه هو، ابتسم بوجهه بسخرية وتشفي مُحاولًا أن يظهر شماتته به ولكن الآخر لم يكن صبور إلى هذه الدرجة بل لكمه مرة أخرى أقوى من الأولى وأعنف ومازال الآخر يبتسم..
صاح "عامر" بصراخ وعصبية ضاغطًا على عنقه وهو مُستسلم له تمامًا:
-سلمى فين؟
أراد "هشام" أن يشتته إلى أن تتم المهمة في الداخل ويقوم بالتخليص عليها وتسليمها إليه جـ ـثة هامدة فقال:
-مش هنا.. سلمى في مكان بعيد محدش يعرفه غيري
ضغط على عنقه أكثر وهو يسأله مرة أخرى بنفاذ صبر والقلق يعمي عيناه عن كل شيء وقلبه ينذف حزنًا وألمًا لفراقها:
-بقولك سلمى فين
عاند هو وابتسم أكثر غير مبالي بما يحدث معه وأجابه:
-مش هقول مكانها.. هسيبك تلف عليها طول العمر
تركه "عامر" على حين غرة وعاد للخلف قليلًا بعد أن دفعه ليصطدم بالسيارة خلفه، ثم وضع يده خلف ظهره يخرج المسدس الخاص به وفي لمح البصر رفعه أمام رأسه قائلًا بعنف دون تردد:
-أنت اللي جنيت على نفسك
لقد كان على أهبة الاستعداد لقتـ ـله، خرجت الرصاصة القـ ـاتلة من مسدس "عامر" وهي تعرف طريقها الصحيح ومقرها المناسب غير مبالي بأي شيء سوى أن ينال منه ولكن في لحظة ضغطه على الزناد كان ضابط الشرطة رفع يده للأعلى لتنطلق الرصاصة في الهواء الطلق..
صرخ الضابط بصوت عالي به وبعصبية شديدة:
-عامر.. خلينا نشوف شغلنا
دفع "هشام إلى عناصر الشرطة لكي يقوموا بالتحفظ عليه إلى حين الانتهاء من تفتيش المكان والعثور على "سلمى" زوجته..
تقدم "عامر" بخطوات راكضة معهم إلى تلك الغرفة المتطرفة قليلًا عن الطريق والبعيدة بخطوات عنهم، حاول فتح الباب بعد أن وقف أمامه ولكنه لم يفلح..
شعر بوخزة في قلبه ولحظة عنف مرت عليه من داخله تدق بسرعة رهيبة غير عادية، وكأن الوحي قد قال له أنها بالداخل فصاح مُرددًا بصوت عالي وهو يطيح بالباب ليكسره:
-سلمى جوا
لم يفلح مرة واثنان فتقدم أحد العناصر معه لتكن تلك الفاصلة بينه وبينها، فُتح الباب إلى آخره وطل من الخارج ينظر في الظلام المُحيط بالغرفة ليستمع إلى همهمات تصدر من الزاوية المُخفية عنه فتقدم سريعًا ومن خلفه الشرطة وقد أنارت الغرفة ووقعت عينيه على زوجته..
في الزاوية متوارية عن الأنظار تتلهف للوصول إليه وإلقاء نفسها داخل أحضانه متخفية من الجميع مبتعدة عن كل الأنظار، متواجدة داخل الأمن والأمان والسكن والمكان الوحيد الذي يؤذيها ويحميها..
نظرت إليه بعيون باكية إلى المـ ـوت، وجه مُرهق إلى المُنتهى شفتيها مخفية خلف شال ملتف عليها مربوط من الخلف ليمنعها من الحديث، الصراخ، أو البكاء بصوت مرتفع..
عينيها تحاول أن تقول شيء له ولكنه لم يهتم بل دلف سريعًا إليها رافعًا ذلك الشال من عليها متقدمًا مُلقيًا نفسه في أحضانه أخذها في عناق حاد يكسر الأضلاع وبقوة..
دفنت وجهها في صدره بشراسة وكأنها تود أن تدلف إلى الداخل حقًا، تلف يدها الاثنين حوله تضمه ناحيتها والبكاء مع صوتها يرتفع عاليًا يريد الوصول إلى عنان السماء..
هنا الأمن! هنا السند! هنا البيت الأم! هنا المكان الذي يزعجها ويقودها إلى كل سيء ولكن هو نفسه المكان الذي يُغنيها عن الجميع، هو نفسه الذي يسعدها ويحزنها.. هو كل شيء وأي شيء
حطم أضلعها في ذلك العناق الذي كان يسترد فيه روحه الغائبة عنه، ضغط عليها بقوة وشراسة يستعيد حقه الضائع منه.. أغمض عيناه يتمتم بالشكر لله من المرات القليلة التي يفعلها في حياته..
أبعدها للحظة عنه ينظر إلى هيئتها، ملابسها المُمزقة، وجنتيها الحمراء التي عليها علامات الضرب، أسودت عيناه بشدة وسألها مُحاولًا أن يكون هادئًا:
-أنتي كويسه؟
اومات إليه برأسها وأقتربت منه مرة أخرى تنام برأسها على صدره ثم خرج صوتها خافت:
-واحد واقف ورا الباب، معاه مطوة ومسدس
أعادها للخلف ثانية ونظر إلى عينيها مُحاولًا أن يبث إليها الاطمئنان، أنتظر لحظة وهو ينظر إليها ثم أبعد يده للخلف من ناحيتها يخرج مسدسه الذي وضعه محله..
نظرت إليه بقلق وخوف وهي تتمسك بيده الذي يحاول أن يرفعها:
-متخافيش
فور أن انتهى من جملته استدار بزاوية ظهره كي يكون مسموح إليه رؤيته جيدًا وبلحظة واحده أطلق عليه رصاصة نارية من مسدسه الخاص تعمقت في ركبته فوقع منه مسدسه الذي كان يرفعه لحماية نفسه ووقع هو الآخر على الأرضية صارخًا..
تقدمت عناصر الشرطة التي لم تكن رأته كما لم يراه "عامر" الذي كان مشغول في روحه العائدة إليه، وتقدموا منه وسحب المسدس الذي كان على الأرضية وذلك الرجل الذي بقيٰ يصرخ بعنف..
انتشرت عناصر الشرطة في المكان باحثين عن أي أفراد أخرى هنا معهم وعاد "عامر" يأخذها في أحضانه يسترد أنفاسه المسلوبة منه..
فعلت المثل محاولة أن تأخذ أكبر قدر من الأمان والاطمئنان، قربته إليها بيدها ضاغطه عليه بعنف كي لا يبتعد، مُثبته رأسها على صدره تستمع إلى دقات قلبه التي أصبحت تعود إلى مقرها تخرج بانتظام.. ولكنها! لكنها لن تصل بعد إلى هذه المرحلة..
استمعت إلى صوته الحاد يخرج من بين شفتيه إليها يتسائل بجدية شديدة الخطورة:
-مين اللي عمل فيكي كده
ضغطت بيدها على ذراعه وهي تتذكر ما الذي كان يحاول فعله معها ذلك الرجل الضخم وقد كان سيحدث لو لم يكن استمع إلى صوت عناصر الشرطة وزوجها "عامر" في الخارج..
أجابته بنبرة مُرتعشة:
-خلينا نمشي الأول وهحكيلك
أومأ إليها برأسه ثم أبتعد عنها يخلع جاكيت بدلته عنه ثم وضعه عليها يحاول أن يخفي جسدها الظاهر بعد تمزيق ملابسها، وقف معها مُحتضن إياها يتقدم للخروج من هنا بعد أن أخذ مسدسه معه وتوجهت عناصر الشرطة للتحقق فيما حدث وبدأ مشوار أخر..
في طريق العودة إلى المنزل قصت عليه كل ما حدث معها بداية من حديث "هشام" ثم بعد ذلك حديث ابنة عمه وذلك الرجل الضخم وضرباته القاتلة لها، لم تترك شيء لم تقصه عليه جعلته يشعر بتأنيب الضمير لأن جزء مما حدث لها كان بسببه هو، مع كثير من الدمعات الهابطة على وجنتيها والارتجاف المتقطع والنظرات الحزينة..
كل ما حدث معها وجهته إليه وكأنه يحدث أمامه، فلم يجد أي شيء يفعله أو يقوله سوى أنه سيفعل بهم ما أرادوا فعله بها!.. في القريب العاجل
❈-❈-❈
أخذها والده منه فور دلوفهم إلى المنزل وقص ما حدث عليهم، يجلس على الأريكة في صالون الفيلا وهي جواره منذ أن أتت يحتضن إياها وكل لحظة والأخرى يقوم بتوبيخ ابنه لأنه لم يبلغه بما حدث كان ساعده وفعل أي شيء يستطيع فعله للعثور عليها.. ولكن داخله يقول أنه لو كان يعلم لكان ذهب هو الآخر خلف الآخرين فقط من بعد استماع خبر خطفها.. إنها عزيزة قلبه المتبقية من أحبائه..
قبل أعلى رأسها وهي تستريح به على صدره تستمد الشعور بالأمان منه هو الآخر بعد أن أخذ محل والدها في قلبها وحياتها..
كانت تريد أن تأخذ ولو بعض الوقت القليل لترتاح فيه ولكن عمها لم يجعلها تبتعد عنه وأخذها عنوة عن زوجها لتظل جواره.. نظرت إليه بعينين تسرق ما هو من حقها، وجدته يتابعها من بعيد ونظرات الندم والقلق والحب والعتاب تتهاتف عليها..
فعادت مرة أخرى تهرب إلى مكان آخر بنظراتها، تبتعد بكل ما لديها عنه، كم كانت متناقضة في اللحظات الأخيرة بينهم ولكن مستقرها إلى الآن لا تعرفه..
ابتعدت عن عمها للخلف، نظرت إليه بعينين دامعة قلقة، مُترقبة إجابته بعد سؤالها:
-عمي، بابا فعلًا عمل كده؟ كان بيخون ماما؟
نظر إليها في بداية حديثها يسترق السمع إليها بكل حواسه، ولحظة أخرى وهو يتبين له معالم حديثها أبتعد بوجهه إلى الفراغ ينظر به بنظرات خائبة خائفة ولم يُجيب عليها..
عادت مرة أخرى تتابع بإصرار أن تعلم ما الذي حدث لهم بسبب والدها وهل هو كاذب أم أنها خُدعت بشخص آخر:
-بابا كان السبب في مـ ـوت الست دي؟
استدار إليها صارخًا نافيّا حديثها الغير صحيح والذي به تتهم والدها بأبشع الجرائم:
-لأ.. لأ يا سلمى أبوكي معملش كده.. هي مـ ـاتت بسبب جوزها، مكنتش قادرة على العيشة معاه مش بسبب أبوكي
وقفت على قدميها تنظر إليه بصدمة، معنى ذلك الحديث أن والدها كان خـ ـائن لوالدتها، كان على علاقة بأخرى!:
-يعني كلامه صح! بابا كان بيخـ ـون ماما معاها
جذبها من يدها إليه بنظرات حنونة هادئة وأكثر ما يبدو عليها الإرهاق، أجلسها جواره مرة أخرى وأمسك بيدها ثم هتف بهدوء:
-أقعدي أنا هقولك كل حاجه
تساءلت باستغراب وحاجبيها معقودان:
-تقولي ايه
تابع عينيها بعمق وبدأ في الاسترسال في الحديث يقول إليها ما حدث سابقًا:
-أبوكي أيوه كان بيحبها، بس متكتبتش ليه.. بعدوا عن بعض وهي اتجوزت وهو اتجوز بس للأسف فضلوا على علاقة ببعض لحد جوزها ما عرف بس قبلها كان أبوكي فاق لروحه وبعد عنها
وقفت مرة أخرى تصرخ بعنف وغضب:
-فاق لايه بالظبط.. فاق لايه؟ ما كده كلامه صح
استدارت تنظر إلى زوجة عمها وابنة عم والدها تصرخ قائلة بعصبية وغضب:
-كده هو خاين خان أمي ودمر بيت تاني.. هشام ده مجنون ومعقد بسبب اللي حصله عايز ينتقم مني علشان بابا أنا السبب في دمار بيته وهو كده صح
وقفت زوجة عمها جوارها ووضعت يدها عليها تحاول تهدئتها قائلة بوجه باهت:
-يابنتي اهدي مش كده.. كل ده فات
نظرت إليها بذهول وصدمة دلفت بها من بعد أن علمت أن ليس هناك شخص بحياتها كان في محل الثقة:
-فات إزاي؟ فات إزاي اومال ده ايه.. كل حاجه فاتت هما عملوها بترجع ليا أنا علشان اتعاقب عليها.. طب وأنا مالي يا طنط.. أنا مالي يا عمي
نظرت إلى عامر قائلة بدموع تغرق وجنتيها:
-كده عامر عنده حق يخوني.. عنده حق يخوني مع أقرب الناس ليا مهو أنا أهلي خاينين واستحملوا.. كان لازم يقف قدامي يقولي بتسلى من غير ما يخاف على مشاعري
وقف يقترب منها يخرج صوته الرجولي وعيناه ترسل إليها كثير من الأعذار والاعتذارات:
-سلمى أنا آسف
نظرت إلى عمها وإليه وهتفت بضياع وقلة حيلة:
-آسف على ايه بس.. أخويا خاين، بابا خاين، جوزي خاين.. مجاتش عليك أنت كان لازم تكون زيهم وإلا متبقاش منهم
نظرت إلى عمها مُبتسمة والدموع تتهاتف على وجنتيها وتسائلت بنفس تلك الابتسامة:
-وأنت يا عمي.. مالكش أي سوابق
نظر إليها بشفقة وحزن، لم يستطع كيف يُجيب عليها وكيف يستطيع التخفيف عنها، كيف يجعلها تتناسى كل ما حدث وكيف يشعرها أن القادم أفضل..
وقف خلفها "عامر" يتمسك بذراعيها وهمس قائلّا بجانب أذنها:
-سلمى تعالي.. أنتي محتاجه ترتاحي
ابتعدت عنه صارخة بصوت مُرتفع وجسدها مُتشنج للغاية وعروقها بارزة:
-ارتاح فين؟ هي فين الراحة دي
تابعت بصراخ تنظر إليه بحزن يطغى على جميع خلاياها:
-قولي أنت أنا عملت ايه وحش في دنيتي؟ والله معملتش.. مستاهلش كل ده والله
استمعت إلى عمها يأنب نفسه خلفها بصوت نادمًا يخرج مرتعش:
-أنا كنت عارف أن ده اللي هيحصل.. كان لازم ابعدك عنه بنفسي مكنش ينفع اسيب عامر يتعامل معاه.. كنت عارف إنه جاي ناوي على شر
أقترب منه عامر متابعة باستغراب وذهول تام ثم قال:
-كان لازم تقول.. سألتك كتير تعرف ايه وأنت مقولتش.. مكنش المفروض تسيبني على عمايا كده
رفع عينيه عليه وأعترف بخطأه قائلًا:
-أنا اللي غلطت.. أنا يابني
أشارت إلى "عامر" ضاحكة تخالط الضحكة أصوات البكاء والنحيب:
-واحد كان بيخوني مع صاحبتي وعارف أنها عايزة تنتقم مني وساكت
ثم أشارت إلى عمها وأكملت بنفس الطريقة الضاحكة الباكية والسخرية توازيها:
-والتاني عارف أنه عايز يأذيني مش يتجوزني وساكت
تعمق بعينيها وغاص بها، يعلم أن ما تقوله صحيح لقد أخطأ الجميع هنا بحقها، لقد كانت هي الضحية من وسط الجميع، قال عمها بتوعد:
-أنا مش هسكت يا سلمى يا بنتي، من بعد ما عرفت إن هما اللي قتلوا أخويا ماينفعش أسكت
تفوهت بكلمات مُستنكرة:
-ونفضل طول العمر جوا دايرة الانتقام دي ومحدش بيتأذي منها غيري؟
ابتعدت عنهم إلى الخلف ونظرت إليهم واحدّا تلو الآخر بعينين باكية وشفتين ترتعش وبوجه مرهق وصوت بكائها يقطع نياط القلب قالت:
-أنا أكتر واحدة اتأذت في البيت ده.. فقدت أهلي في لحظة، واحد ورا التاني يطلع خاين وكداب، ماليش صحاب، ماليش أهل، الوحيد اللي حبيته في حياتي عينه شايفه كل الستات مع مراته، الوحيد اللي رميت قلبي في حضنه رجعهولي مهروس تحت جزمته.. أنا اللي وحيدة هنا، مش لاقيه مكان ولا أمان، أنا اللي بتعاقب على أخطاء غيري
لم يستطع أحد منهم الحديث، لم يقوى على ردعها عن حديثها، ولم يقوى عن تبرير موقفه معها، نظر إليها بحزن، قلبه يبكي لأجلها، لأجل أنه ظلمها معه، دمر حياتها بقربه منها..
أخذ سعادتها وبدلها بحزن كما قالت له، ولكن إلى الآن لا يعترف بأي شيء سوى أن "سلمى القصاص" لا تناسب إلا "عامر القصاص" مهما كانت تعيسة ومهما كانت وحيدة.. هي لا تناسب غيره
ابتعدت عنهم تصعد على الدرج لتكن وحدها في الأعلى تاركة خلفها كل من كذب وخانها، أو تحاول فعل ذلك، فهى حتى لو تركتهم رأسها لن يفعل وعقلها لن يتوقف عن التفكير وقلبها لن يصمد أمامها.. روحها النازفة لن تتوقف...
وصلت إلى مكانها، غرفتها وفراشها ذلك المكان الذي جمعهم سويّا كثير وكثير وكثير من المرات، هنا كانت ترى الحب على هيئة أشكال وألوان، هنا كانت ترى عينيه ولمعتها الخالصة بالوفاء لها، تستمع إلى الكلمات الغرامية من شفتيه وتشعر بلمسات الفراشة الطائرة على جسدها المحملة بعطور العشق..
جلست على الفراش، بينما كانت تجلس تحول عقلها إلى قضية أخرى يفكر بها غير قضيتها معه، والدها! لقد كان لها المثل الأعلى، الأب والشقيق والصديق وأول من أحبته، لقد كان سندها، مستمع لاسرارها..
كان والدها السبب الأول في زواجها من عامر، لحظة!..
ضيقت ما بين حاجبيها ونظرت في الفراغ تملي على عقلها أن والدها كان يلقيها لـ "عامر" بأي ثمن فقط لأنه حرم من حبيبته؟ جرب ذلك الشعور وأخذ الفقد سبيلًا فلم يريد أن يجعل ابن أخيه الذي كان بمثابة ابنه يجربه فألقى ابنته إليه وهو يعلم أنه ليس مؤهل لذلك!
حاول عمها منعه وهو على دراية تامة بابنه ولكنه كان يوافق كمثلها! كانت هي فتاة غير ناضجة ولكن هو كان رجل عاقل واعي لكل شيء، كان يرى "عامر" الذي يفعل كل ما هو محرم ومع كل ذلك وافق على الزواج في كثير من المرات إلا عندما هي قالت لا..
كان والدها يحبه أكثر منها، كان والدها خـ ـائن، كان والدها كاذب، وكان السبب في عذاب طفل ودمار عائلة وضياع شاب..
كان السبب في أن يقع قلبها قتيلًا.. كان والدها
وجدته يدلف إلى الغرفة، أقترب منها وجلس جوارها، نظرت إليه مُبتسنة بسخرية ها هو الفراش يجمعهم ثانيةً..
استمعت إلى صوته يقول بنبرة لينة مرهقة:
-أنا مش هحاول اتكلم معاكي حتى، أنا كل اللي طالبة إنك ترتاحي وبعدين نعمل اللي أنتي عايزاه
أجابته بجدية، بنبرة واثقة غير دامعة وبقوة تنبع من داخلها وكأنه لم يكسر منذ لحظات:
-اللي أنا عايزاه هيحصل سواء ارتحت ولا مرتحتش
تنهد بصوت مسموع ونظر إليها راجيًا العفو:
-سلمى أنا آسف.. والله العظيم آسف اوعدك من النهاردة هتشوفي واحد تاني.. اللي حصل مش شوية عليا صدقيني
تابع قائلّا بحب ينبع من داخله عندما وجدها لا تُجيب:
-أنا بحبك يا سلمى، والله العظيم من يوم ما اتجوزتك وأنا عيني حتى ما جات على واحده.. سلمى أرجوكي اللي بينا أكبر من كل ده
نظرت إليه، ابتسمت بهدوء وتسائلت:
-هو فين اللي بينا ده؟
عاد للخلف برأسه واعتدل في جلسته يتسائل هو الآخر:
-يعني ايه
وقفت على قدميها تتابعه بعيون قاتلة هي من تود الانتقام من كل شخص جعلها فقط ترهق نفسها بالتفكير:
-يعني خلاص كده اللي بينا ده أنا حتى مش فكراه
وقف هو الآخر أمامها، كرمش معالم وجهه وتابع برجاء وقلق:
-أنتي بتقولي ايه.. سلمى اهدي وارتاحي دلوقتي
تحركت من أمامه وهي تخلع جاكيت بدلته عنها الذي معها إلى الآن ألقته على الفراش وتابعت وهي تذهب إلى المرحاض:
-مبقاش في راحة خلاص.. انسى
تابعها وهي تبتعد تدلف إلى المرحاض، جلس مرة أخرى مكانه وعقله يكاد ينفجر بسبب ما حدث اليوم له ولها، بسبب أنه لا يعلم ما الذي تفكر به.. أتريد الانفصال؟ لا لن يفعلها مهما حدث.. لن يحدث ذلك إلا عندما يموت..
لقد تأذت كثيرًا وعانت بحياتها معهم وهي كانت كالوردة في بستان أشواك..
تحولت ملامحه إلى أخرى شرسة وتوعد لكل من فعل بهم شيء، ليس اليوم سيرده ولكن في الصباح الباكر سيحدث.. وهنا هو يعني الصباح الباكر..
❈-❈-❈
"اليوم التالي"
بعد أن تم القبض على "هشام" ابن عمها عادت إلى المنزل سريعًا والخوف يهلع داخلها، منذ الأمس وهي لا تستطع التفكير بأي شيء، تخاف أن يقوم بالاعتراف عليها وقول أنها شريكته بهذه المؤامرة، وهذا إن حدث ستكون انتهت لا محال..
يدق قلبها بعنف ولهفة خائفة، التوتر لم يتركها منذ تلك اللحظات الأخيرة، تود أن تستمع إلى الأخبار السعيدة كأن "سلمى" مـ ـاتت أو كأنها اغتصـ ـبت، تترق أذنها للاستماع لمثل هذه الأخبار وإن حدث سيذهب كل التوتر والخوف من أن يبلغ عنها ابن عمها..
لقد كانت هي العقل المُدبر لكل ما حدث، لقد كانت هي صاحبة فكرة ذلك الرجل الذي تركوه معها ليأخذ منها أعز ما يملكه "عامر"، الانتقام من "عامر" ليس بهذه السهولة، لقد بقيت سنوات وسنوات معها لتستطيع الوصول إلى هذه اللحظة وها قد وصلت إليها ونالتها ولكن ابن عمها كان هو الغبي عندما أخذها ولم يفكر حتى بتفتيشها..
انقطع حبل أفكارها ووجدت باب منزلها يُطرق، دق قلبها معه ووقفت بخوف وتوتر، ارتبكت بشدة وهي ذاهبة بقدمين ترتعش خوفًا من أن تكون الشرطة..
وقفت خلف الباب ونطقت بشفتين ترتعش مُتسائلة:
-مين
أتاها صوت خشن من رجل غليظ يهتف بجدية:
-اوردر مبعوت لواحدة اسمها إيناس الصاوي
فتحت الباب بعد أن تنفست الصعداء فهي لم تكن تعلم أن هذا هو الطُعم الذي سيأخذها به، نظرت إليه فلم تجد معه شيء وفي لحظة غير ملحوظة وجدت الباب يُدفع ومن خلفه يدلف اثنين من الأشخاص الآخرين..
صرخت بعنف عندما تبين لها ما الذي سيحدث وذهبت إلى الداخل ركضًا لتحتمي منهم، أسرعت في الركض إلى غرفة النوم محاولة غلق الباب خلفها ولكنها لم تستطع حيث أنه دفع الباب بجسده الضخم العريض كمثل ذلك الرجل الذي أتت به إلى "سلمى" ولكن الاختلاف هنا أنهم ثلاثة أشخاص كل منهم بجسد ضخم كمثل أجساد المصارعين ووجوههم يبدو عليها الإجرام..
عادت للخلف سريعًا والهلع يقتلها ونبضات قلبها تكاد أن تتوقف من سرعتها، أنفاسها مسلوبة منها دون إرادة وعقلها توقف تماما عن التفكير..
تمسكت بمزهرية أعلى الكومود بجوار الفراش وقامت بالقاءها عليهم صارخة بعنف ولكن واحدًا منهم قد التقطها بيده وابتسم إليها ضاحكًا..
تقدم منها مُمسكًا إياها بعنف وعصبية يكبلها بيده بينما أتى واحدًا غيره يضع لازق على شفتيها حتى لا تستطيع الصراخ.. ثم بعد ذلك دفعها على الفراش بعنف وتقدم الثلاثة ليقفوا أمامها بطريقة مُرعبة ومُخيفة..
هتف أضخم من فيهم بابتسامة عريضة ساخرة:
-قبل الحفلة ما تبدأ علشان احتمال تموتي.. بيقولك الباشا عامر القصاص ده اللي كنتي عايزة تعمليه في مراته.. محبش يخلي نفسك في حاجه وأهو بيردهالك
مع آخر جملة له انقض عليها هو ورفقته كالذئاب البشرية ينالوا منها بطريقة مقززة لا تتناسب مع أي فتاة مهما كانت تفعل، انقضوا عليها بأسنانهم وأيديهم وفكرهم في أن يخرجوا من هنا وقبل أن يفعلوا طلبات من أمرهم يمتعون أنفسهم بما هو محرم عليهم..
جعلوا من جسدها مسخ، مشوه ومقتول تحت محاولات ضعيفة للغاية منها بأن يتركوها ولكن ذلك لن يحدث، تحت دمعات تخرج ساخنة تلهب وجنتيها دون النحيب..
نال منها "عامر القصاص" بطريقة قاسية للغاية لا يتمناها أحد لألد أعداءه، نال منها بشراسة وعنف، فعل بها ما كانت تريد فعله بزوجته ولكنه ضاعف العدد والعدة، ضاعف كل شيء لها لتقوم من أسفلهم متجهة إلى الأمـ ـوات..
نال منها بطريقة مقززة وحشية، قد أخطأ هذه المرة في تفكيره ولكن ما خرج منه ما هو إلا قليل مما شاهده على يدها..
ما فعله ما هو إلا "كل ساق سيسقى بما سقى"
بعد وقت ليس بقليل نال فيه كل منهم ما أرادوا منها وتمتعوا بها على أكمل وجه، ذهبوا وتركوها وحدها بجسد ميـ ـت وعقل عقيم لا يستطيع التفكير..
تركوها بيدين مكبلة رغم أنها حرة ولكنها لا تستطيع تحريكها..
ظلت لوقت طويل تبكي وتبكي وتبكي دون صوت، تنظر إلى سقف الغرفة وتتذكر ما حدث لها بطريقة بشعة لا ترضي أحد..
روحها سُلبت منها هذه المرة، قلبها دقاته تتألم قبل منها وهناك ألم بجسدها لم تشعر بمثيل له من قبل ولن تشعر به..
رفعت يدها ببطء تزيح عن شفتيها ذلك اللازق وفور أن رفعته بدأت في البكاء العالي والنحيب المستمر لفترة طويلة والألم يشتد عليها كل لحظة والأخرى..
كثير من الوقت وهي هنا في الفراش المتسخ من كل جانب تبكي وتنتحب وتندب حظها العثر الذي اوقعها مع "عامر القصاص" لقد كانت تعلم أنه ليس سهل أبدًا ولكن ليس لهذه الدرجة..
حاولت أن تبتعد عن الفراش واقفة ولكنها لم تستطع، وقعت على الأرضية فزحفت على جسدها المهترئ إلى أن وصلت إلى الكومود بجوار الفراش ولأن عقلها عقيم في تلك اللحظات أخرجت منه علب من الأدوية الكثيرة ولأنها رافضة واقعها بقوة ومعارضة على ما حدث لها.. ولأنها تعلم أنها لن تستطيع التكملة بهذه الطريقة بعد أن نال منها "عامر" بدأت في سكب الدواء على يدها بطريقة مبالغ فيها وتذهب بيدها إلى فمها لتبتلعه..
مرة وخلفها الأخرى والأخرى من أدوية مختلفة وبطريقة جنونية رافضة الواقع وكل ما به، ثم تركت كل ذلك وتمددت على الأرضية تكمل وصلة البكاء التي بدأت والغير منتهية إلى أن تذهب للبعيد..
لحظات وأخرى والألم بدأ أن يشتد أكثر عليها غير آلام جسدها ولحظات والأخرى غابت عن هنا، لتلقى حتفها بعد أن خسرت دنيتها وأخرتها.. بعد أن دلفت في تجارة خاسرة منذ البداية ولكن المكابرة كانت أسلوب حياة معها.. والآن تركت كل شيء بعد أن نالت العقاب الأكبر بحياتها..
❈-❈-❈
توجهت عناصر الشرطة إلى منزل إيناس للقبض عليها بعد أن قام "هشام" بالاعتراف عليها وقول كل ما هو كان مخفي منذ البداية حيث أن "عامر" قام بالتوصية الشديدة عليه فمنذ أن دلف إلى هناك وهو تحت ضغط وعذاب لا نهائي لا يتحمله أحد..
وجدت الشرطة "إيناس" التي كان عليها علامات التعدي واضحة للغاية وهنا بدأت جريمة أخرى وقضية أخرى غير الذي هم تواجدوا لأجلها..
تم القبض أيضًا على والد "هشام" بعد أن قام ابنه بالاعتراف عليه هو الآخر وقول أنه هو من قتل عائلة "أحمد القصاص" وبعد أن تم القبض عليه وعلم أن ابنه اعترف لم يخفي هو شيء بل بدأ في الاسترسال قائلًا كل ما حدث ولأنه وقع بالجرم وشعر أن النهاية أقتربت للجميع أعترف أيضًا أنه هو من قام بقـ ـتل زوجته وما حدث لم يكن انتحـ ـار بل هو من فعل ذلك وجعل الجريمة تظهر وكأنها هي من فعلت ذلك..
تركت القضية بايدي الشرطة مع توصيات واصلة من "عامر" وهذا أيضًا بعد أن دونت قضية "إيناس" ضد مجهول..
لقد نال من الجميع، نال من كل شخص عبث بحياته معها بعد أن شكر الله لوجوده جوارها، نال من كل شخص أراد التفريق بينهم، نال من كل من أراد أن يمسها السوء في وجوده.. صمته كل ذلك الوقت لم يكن ضعف ولكنه يحب الصبر والهدوء، صحيح لم يكن يعلم أن الأمور ستصل إلى هنا ولكن هو يستطيع أن يعالجها بالطريقة الصحيحة القاسية والشرسة حتى لا ترد إليه مرة أخرى..
بعد ذلك مر شهر، واثنان، ثلاثة أشهر، أربعة أشهر.. واحدًا تلو الآخر يمر إلى أن أصبحوا ستة أشهر، نصف عام كامل وهم كل واحدًا منهم في درب مختلف..
كانت تجمعهم دروب قسوته ولكن "سلمى" أعلنت رفضها التام لتلك القسوة معه فتفرقت الدروب وذهب كل منهم في درب مُختلف بعيد عن الآخر كل البعد.. منهم من يريد العودة وتجديد اللقاء في بداية الطريق مغيرًا اسم الدرب من القسوة إلى السعادة ولكن الآخر يرفض ذلك رفضًا قاطعًا مقررًا أن الفراق هو الحل الوحيد وليس هناك محل للملتقى في الطرق الجديدة..
بعد أن تمت محاكمة كل من "هشام" ووالده محاكمة قاسية يأخذ كل منهما فيها جزاءه على كل ما فعله في حياته طالبت "سلمى" بالبعد إلى فترة لا تعلم ما هي.. وقد كان في هذه اللحظات ولبى لها زوجها هذا الطلب غير قادر على رفضه لأنه يعلم أن ذلك في تلك الفترة هو الحل الأمثل إلى كليهما وإليها هي بالتحديد لأنها تود أن تكون بعيدة عن الجميع وتأخذ قسطًا من الراحة وحدها محاولة أن تسترد نفسها مرة أخرى وتعود "سلمى" من جديد لمواجهة الحياة وتحديها وتحمل الصدمات القادمة..
لم يكن يعلم عندما ترك الفيلا وذهب إلى شقة أخرى يجلس بها وحده بعيد عنها أن تلك الفترة ستذهب بهم إلى هنا.. ستة أشهر وهو بعيد عنها لا يستطيع حتى المزح معها أو الإقتراب منها، أو لمسها بيده
كل ما كان مسموح له فعله هو الإتصال بها والاطمئنان عليها، إن فعل أكثر من ذلك يذهب إلى الجمعية الخاصة بها أو يذهب إلى الفيلا ليرى الجميع ومنهم والده الذي تحسنت علاقته به كثيرًا..
كان محرم عليه منها الصعود إلى الأعلى لجناحهم الخاص.. كانت كالغريبة عنه وكلما طالب بالعودة مرة أخرى رفضت رفضًا قاطعًا وتهتف بأنها لا تستطيع فعل ذلك وربما تطالب بالطلاق منه!...
فيعود ليصمت مرة أخرى ولا يتحدث حتى لا يحدث أشياء لا يردها..
وفي تلك الفترة أيضًا، أصبح "عامر" أكثر جدية، أكثر ثقة، أكثر حب وأكثر اشتياق لها، تغير مئة وثمانون درجة عن "عامر" الذي تعرفه وأصبح رجل أخر حكيم هادئ ولا يفعل إلا ما تريده ولتظهر الحقيقة أكثر هو تغير مئة وثمانون درجة ولكن هناك بعض الصفات السئة مازالت به بنسب بسيطة.. كأنه مازال يشرب الخمر، مازال يدخن، مازال ينظر إلى النساء بعينيه الوقحة، مازال وقح ويتبجح ولكن بنسب بسيطة.. ليس كالسابق..
حاول أن يظهر إليها ذلك لتعود إليه راضية عنه وعن حياتهما معًا، حاول لتعود الثقة به على الرغم من أنها لم تكن موجودة من الأساس ولكنه حاول فعل كل شيء لتكون راضية عنه..
بينما هي في حين محاولته هذه كانت تحاول أن تعود طبيعية، تتناسى مع حدث معها من كل شخص منهم، تمر بسلام من فترة الاكتئاب الحاد التي دلفت بها، تحاول أن تكون "سلمى القصاص" تلك الفتاة الرائعة التي ظهرت في بداية روايتها..
تبدل عيونها الباكية الزابلة بعيونها الزيتونية الرائعة، تبدل شفتيها الرفيعة بتلك المُكتنزة الوردية، تحاول أن تعود بوجنتيها المُمتلئة ومظهرها الرائع الخلاب، عقلها الصافي وروحها المرحة..
قلبها المُحب له، الذي يدق إليه وبه، الذي يشعر به وله، الناطق بكلمات الحب والغرام فور الاقتراب إليه..
تحاول أن تعود بكل انش بها إلى طبيعته.. أن تكون "سلمى القصاص"
❈-❈-❈
ركضت سريعًا حافية القدمين على الأرضية الرخامية ترتدي شورت قصير وتيشرت أبيض بحمالات رفيعة وأسفلها المياة تكاد أن تأتي بها على ظهرها، ولكنها أكملت بضحكات عالية مُرتفعة إلى السماء ووجها يبتسم بسعادة مع دقات قلبها الفرحة والقلقه ثم أتت نهاية الأرضية لتلقي بنفسها في حمام السباحة بطريقة رائعة قافزة إلى الأعلى ثم إلى المياة..
ومن خلفها أتى هو من الداخل يركض بشورته الداخلي ليصل إليها ثم صرخ بتوعد مُتهكمًا:
-وحياتك لو رميتي نفسك في المالح.. وراكي
قفز خلفها وبنفس الطريقة التي فعلتها فأخذت تسبح إلى الناحية الأخرى لتبتعد عنه، نظرت خلفها لتبصره وهي تضحك بصخب ولكنها لم تراه فوقفت في المنتصف تهتف بانزعاج:
-عامر متستهبلش.. أطلع
لم يظهر نفسه إليها ولم يصعد إلى أعلى الماء فزفرت بضيق وعادت بخصلاتها الغارقة في الماء إلى الخلف وصاحت:
-متبقاش غتت أطلع بقى
ظهر من أسفل المياة أمامها بالضبط مُمسكّا بخصرها بقوة فصرخت بفزع وهي ترى خصلاته تهبط على جبينه ومظهرها بشع للغاية، تابعها بخبث وهو يأخذ أنفاسه هاتفًا:
-غتت وجوا كنت خنيق، ومن لحظة واحدة مفتري
ضحكت بسخافة وهي تنظر إليه تحرك أهدابها بطريقة مُضحكة تنم عن تراجعها عما قالت له ورفعت يدها الاثنين تعود بخصلاته إلى الخلف لتعدل من مظهره البشع فاستمعت إلى نبرته الماكرة:
-أحاسبك على ايه بالظبط بقى الأول؟ شوفتي أنا طيب إزاي بخيرك أهو
ضغط على خصرها أسفل المياة بيده فاستمع إلى تاوه خرج من بين شفتيها الضاحكة بسخافة، أقتربت منه تحاول بطريقة أخرى تعلم نتيجتها:
-ما الطيب أحسن
ابتسم باتساع وهو يقترب منها ينظر إلى شفتيها بعبث مُتحدثًا بلين ولهفة:
-أنا بقول كده بردو
أقترب أكثر إلى أن وضع شفتيه على خاصتها يقطف منها قبلة بها رحيق العسل والورود رائعة المظهر والرائحة مع طعم أول قطفة..
عادت برأسها بعد لحظات وقالت مُتسائلة تنظر إلى عيناه بجدية:
-هنرجع القاهرة امتى.. عمي كلمني كتير بيقول إن الشغل مش ماشي وإحنا اتأخرنا
قربها مرة أخرى هاتفًا أمام شفتيها وهو يحصل عليها ثانية بطريقة أخرى أكثر صعوبة عليها:
-سيبك منه، يقول اللي يقوله
دفعته للخلف وصاحت بضيق واضعة يدها على صدره العاري:
-حاسب الله
رفع إحدى يديه إلى خلف رأسها كي لا تنال فرصة الابتعاد مرة أخرى وتفوه بعبث معها:
-يبقى متبعديش وأنا أحاسب وحياتك
تحدثت سريعًا قائلة قبل أن يعود وينال منها مرة أخرى:
-استنى بس.. إحنا المفروض نرجع علشان تلحق تشتغل علشان هدى اتفقت معايا أننا نطلع كلنا سوا مرة تانية
تركها ونظر إليها بجدية وأردف قائلًا بصوت جاد:
-لأ
استغربت رفضه فتابعته وتسائلت:
-ليه
أبتعد عنها وذهب إلى الحافة ثم خرج من المياة وجلس على المقعد أمامها والمياة تتساقط منه من كل جانب، مد يده إلى الطاولة الصغيرة أمامه وأخذ من عليها علبة السجائر الخاصة به ليقوم بتدخين واحدة وهتف قائلًا بعد أن تسائلت مرة أخرى:
-علشان أنا ماصدقت إن تامر مشي من الفيلا هو وهدى، مش عايز أنا أي اختلاط معاه ولا مع غيره وبعدين إجازة يعني بحر وجو وقلع زي دلوقتي كده ولو معانا مش هنعرف ناخد راحتنا مبالك بالكل بقى هدى وتامر وعمك ومراته.. لأ لأ مش سكتي أنا أحب ابقى معاكي لوحدي
أقتربت من الحافة وظلت في المياة واستندت عليها بيدها تتابع ما يقوله وأكملت خلفه قائلة:
-بس كده هيزعلوا وبعدين تامر مشي من الفيلا من زمان أوي أوي ده تقريبًا قبل ما نبعد
أخرج دخان سيجارته من فمه وأجابها بعينين وشفتين جادة وقحة:
-يزعلوا
خرجت من المياة وأقتربت منه قائلة بتهكم:
-ما تبطل سماجة بقى
دهس السيجارة بيده في المنفضة أعلى الطاولة ثم جذبها إليه ليجلسها على قدميه الاثنين وقربها منه قائلًا بخبث وعبث:
-ما تسيبك منهم وتركزي معايا.. ايه رأيك في الأيام اللي فاتت هنا أنا وأنتي والشيطان تالتنا لوز اللوز مش كده
كرمشت ملامح وجهها وهي تقول باشمئزاز كالعادة على حديثه الغريب:
-لوز اللوز؟ بيئة
وقف حاملًا إياها يدلف إلى الداخل وهو يؤكد عليها:
-أوي.. أنا بيئة أوي وهأكدلك دلوقتي
انزعجت بقوة وهي تصيح صارخة تحرك قدميها في الهواء تحاول الابتعاد عنه:
-تاني!؟
اختفي بها في الداخل وصوته يرتفع أمام شفتيها بلهفة وشوق:
-وعاشر
مرة أخرى ينال منها ومن كل ما بها، يحاول أن يأخذ القدر الكافي الذي يكفيه ولكنه لا يصل إلى هذا الحد، لا يكتفي ولا يشعر بالارتواء، كل مرة كأنها الأولى، كل لحظة كأنها الأولى والمشاعر متجددة في كل المرات..
كل همسة ولمسة تصدر منه إليها تشعر بأنها فراشة لا تطير إلا في البساتين المرفهة الغالية، في الحدائق الخاصة الرائعة..
كل نظرة تشعرها أنها عصفورة نادرة تُسر أعينه كلما نظر إليها..
كل كلمة تخرج من بين شفتيه الرفيعة تشعر بالحب الخالص والغرام الذي لا مثيل له..
غمزة عينيه لها في اللحظات العصيبة وسط العائلة تشعرها بالخجل المميت على الرغم من أنها تخلت عنه معه..
كبداية زواجهم تحولت حياتهم مرة أخرى إلى السعادة والحب، الفرح والغرام، الثقة والابتسامات..
كبداية أول نظرة حب لهم في الطفولة، عادت مرة أخرى وكأنها الأولى في كل مرة وكل لحظة..
كانت طفولة مُرهقة بالحب والقسوة تبدلت إلى قسوة الأيام ومرارة الفراق، ومن بعدها كان الفراق فراق مسافات، ثم أصبح فراق أرواح، تعاشت مع ذلك فدام الألم للمُنتهى، حاولت التغاضي عنه، التعايش معه وقبول صدماته وما به ولكن تلك الانتفاضه التي شعر بها القلب في لحظة خوف كادت أن تقتله فسريعًا حاولت أن تداويه واختارت الحُب وهو، دام الحُب ورحل هو، ومع رحيله دونها حاول سلب روحها الخائنة معه فلم يستطع، لحظات وسُلبت منه روحه، شعرت بعد ذلك أن هذه ربما تكون البداية السعيدة، أو النهاية القاسية، فلم تجد منه إلا حب مفعم بالهوس والجنون، لتلتقي بالجنون الأكثر على الإطلاق وتقابل من الحب ما قتـ ـل، ولكنه علم براءتها وظهر له نقاء روحها فأمسك بيدها وفي لمحة خاطفة أعاد بها من المـ ـوت إلى السعادة، ولأن السعادة لا تدوم رأت من لعن اسم الحب فور تركها له، كل هذا كانت محطات مرت عليها معه في الفصول السابقة من حياتهما ولأنه يعترف أنه لا يساوي أي شيء دونها.. لأنه يعلم أنه "عامر القصاص" لا يكون هو إلا بها ترك كل شيء وعاد بقلبه وروحه وعمره على يده يطالب بالقرب منها والسماح الأخير والنظرة المُحبة..
يطالب بالاستماع إلى همسة عتاب ولمسة حب منها، يطالب بكل الحب والغرام الذي تركه معها ولها ليتمتع به بين أحضانها..
إنه "عامر القصاص" يطالب بالرحمة من معشوقة قلبه وروحه، يطالب أن تبادله هوسه وجنونه في حبها، يطالب بألا تتركه لأنه.. لا يكون دونها، أنها النصف الآخر والتكملة الكونية له، أنها نصف روحه وكل قلبه، والأحبال المسؤولة عن التفكير داخل عقله.. أنها "عامر القصاص" وكل ما به.. أنها رفيقته أثناء السير "في دروب قسوته"
❈-❈-❈
"تمت بحمد الله"
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا