القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية بين دروب قسوته الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم ندا حسن( جميع الفصول كامله )

 رواية بين دروب قسوته الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر  بقلم ندا حسن( جميع الفصول كامله )




رواية بين دروب قسوته الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر  بقلم ندا حسن( جميع الفصول كامله )

#بين_دروب_قسوته

#الفصل_السادس

#ندا_حسن


كانت كل هذه ذكريات مشوهة مر عليها عامين من الزمن، كانت كل هذه ذكريات حزينة للغاية جعلت القلوب ترتعش حزنًا وتبكي انهيارًا وألمًا، من بين هذه الذكريات لحظة أو اثنين تبدو السعادة بها.. كانت أقل من القليل!..


عامين مضوا على تلك المصيبة التي وقعت على عاتقها وأخلفت كل هذه النتائج البشعة التي جعلت الجميع في منزلهم يفقد رفيق وحبيب وشقيق وصديق..


عامين لم ينسوا بهم هذا الألم وتلك المعاناة، عامين كاملين كل يوم تمر عليهم ذكرى من داخلهم لتعود بهم إلى نقطة الصفر.. وبداية السطر..


الآن نحن في أرض الواقع والحدث الأعظم بعد تخطي الجميع لما حدث وعادت الحياة لهم، بعيدًا عن هذه الذكريات القهرية، المُسببة للألم أكثر وأكثر..


تخطت "سلمى" فاجعة موت عائلتها ورحيلهم من الحياة بعد وقت ليس بقصير أبدًا، لم يمر عليها يوم بعد رحيلهم إلى أكثر من ثلاثة أشهر إلا وهي تبكي كل ليلة في غرفتها مُستحضرة نفسها أمامها لتجلدها على فعلتها بعدما قال لها أنها السبب الوحيد في موتهم..


ترى كل يوم نفسها وهي وحيدة بينهم، ترى نفسها وهي تقف أمامه دون سند يحميها وظهر تحتمي به كوالدها وشقيقها، لا تخاف منه ولن تخاف، تعلم أن مهما حدث بينهم هو لن يؤذيها ولكن الوضح صعب للغاية..


كانت مع عائلة كبيرة، أحباب وأصدقاء، سند وعون لها ثم دون أي مقدمات بقيت وحيدة هكذا!.. وحيدة تضل جميع الطرق ولا تعرف أين المُستقر..


أخذت فترة كبيرة لكي تعود كما كانت في السابق "سلمى" ومن يعرفها، ولكن ذلك كان واجهة وقناع مرسوم بدقة عليها والجميع يعرف أنهم مازالوا على وضعهم ولن تعود الحياة أو الوجوه كما كانت..


رسمت الجدية على ملامحها لمن يستحق، وأظهرت الابتسامة لمن تريد وعادت مرة أخرى تلك الفتاة صاحبة المواصفات الغريبة المختلفة مع بعضها مثله ولكن تعرف كيف تكون هذا وذاك في كل وقت وموقف..


بالنسبة إلى "عامر" وحبها له، وبكل فخر وقوة تعترف أنها إلى اليوم تحبه!.. تحبه وتفعل أكثر شيء من الممكن أن يكون خطأ، تهواه، قلبها لا يريد نسيانه!.. عقلها تأمر مع قلبها وبقيٰ عنده ووقف عليه عندما قررت أن ترى غيره.. ليس على القلب سلطان، ليس على القلب سلطان..


إن تحدثت عن حبها له لن يكفي الحديث مهما قالت، لن تكفي المشاعر لوصف ما بينهم وما تشعر به ناحيته، لن يكفي أي شيء عندما تتحدث عنه ولكن تعرف كيف تتحكم في كل ذلك!.. وإلى اليوم لم تعود له ولن تعود وليحترق قلبها وعقلها وروحها إن أرادت هذا.. ليحترق كل شيء، لن تعود لخائن، لقاتل، لن تعود لشخص جعلها طوال الفترة الماضية تفكر كيف كانت السبب في موت عائلتها!.. كان "عامر" بالنسبة إليها يمثل مقولة "ومن الحب ما قتل"


لم يكن مرور عامين على حياته وهي هكذا شيء كبير، كل ما في الأمر أن هناك أشخاص اختفت منها فقط!.. كعمه الداعم الأكبر له، ابن عمه رفيق الطريق وصديق المحن، و.. حبيبته ومن كانت زوجة المستقبل..


بقيٰ على ذلك النزاع مع والده، وكبرت الفجوة بينهم أكثر وأكثر منذ آخر لقاء حدث وتم اتهامه فيه بأنه من قتل عمه وأسرته، للحقيقة لم تكن علاقاته جيدة مع أي أحد سوى والدته، والده لم ولن يحدث هذا، حبيبته وقد ابتعدت منذ لحظة خيانته لها والتي إلى الآن لا يعتبرها خيانة ولن يعتبرها مهما حدث لأنها لم تكن كذلك.. وآخر شخص بقيٰ في هذه العائلة شقيقته، الذي استحقرته أكثر من السابق وابتعدت عنه بطريقة غريبة وكأنها لا تعرفه والحديث بينهم قليل وأقل منه..


لا يهمه أي من هذا، إنه عاد إلى نقطة الصفر حقًا، يعمل، يعود من العمل إلى المنزل يبدل ملابسه ويخرج ليكون متواجد في إحدى الملاهي الليلية كما كان يفعل دائمًا أو يعود من العمل لينام!.. أتجه إلى التدخين المدمر للصحة وادمنه كالكحول وكل ما يحدث في حياته يكتمه داخله ولا يخرجه لأي شخص كان ولا حتى يفكر به!.. الوحيدة التي كانت تستمع إليه في كل وقت وحين تركته وحده وتخلت عنه..


كانت تعلم أنه لا يوجد لديه أحد سواها، لا يثق بسواها، ولا يتحدث مع أحد سواها، كانت له كل شيء، حبيبته ابنته، وزوجته، اعتبرها زوجته حتى من قبل أن يحدث هذا لأنه رأى بها سنده وقوته، ضعفه وحبه وكلما نظر إلى عينيها رأى نفسه بوضوح..


أصبح وحيدًا وكل ما يحدث بحياته ليس له أي قيمة من بعدها، حبه إليها كان حب جنوني، قاتل وسام، وإلى الآن هو كذلك ولم يقل عن السابق ولو ذرة واحدة بل ازداد.. ازداد كثيرًا وأصبح يهواها ويشتهي وجودها معه وبحياته بشدة..


تركه لها العامين الماضيين لا يعني أنه تركها إلى الأبد وتستطيع أن تفعل ما تشاء، أبدًا فهي قد كتبت على اسمه وأصبحت له وملكه ومملكته منذ أول يوم وقعت عينيها عليها وهي على دراية بحبها..


تركها تفعل ما يحلو لها، تبتعد كما تريد وتقترب متى تشاء في النهاية مهما حدث لن تكون لأحد غيره ولن تمر على غيره من الرجال، وإن اضطر لفعلها بالقوة ستحدث، بالخبث ستحدث.. مهما كانت طريقة حصوله عليها سيفعلها.. مهما هبط بمستواه ستكون له ومعه..


لن يضيع ذلك الحب ولن يترك عمره الذي كان معها يسرق بهذه الطريقة، لن يراها مع أحد غيره وقلبه ينبض بحبها.. لن يكن الرجل المسالم الذي يتخلى عن ما هو ملكه ليظهر بصورة جيده وليكن متحضر.. لن يفعلها ولن يكن ذلك الرجل..


هو ذلك العنيف القاسي، الحاد المتهور، وسيبقى هكذا إلى موته، إلى فناء اسمه من الحياة أو إلى عودتها إليه بكامل رغبتها!.. وهذا لن يحدث


في ذلك الوقت وبينما يمر على الجميع بقصص مختلفة عن الماضي، أغلقت شقيقته على قلبها الباب بقفل محكوم وألقت مفتاحه في قاع المحيط كي لا تعرف كيف تفتحه مرة أخرى من بعد حبيب عمرها وزو'جها الراحل "ياسين"..


هناك الكثير من الذئاب الذي حاولت النيل من هذا القلب وهو مغلق وبطرق غير مشروعة ولكنها كانت الاقوى على الرغم من الهشاشة البادية عليها وحافظت على ما تبقى لها منه..


حافظت على أنقى حب وأجمل ذكريات قد تمر على شخص ما في حياته..


ومنذ آخر مرة تقابلت مع شقيقها في موقف لا يُحسد عليه وهي تجتنبه إلى أبعد حد، بعد أن كانت تراه رجل يُصاحب ما يهواه على حساب الجميع رأته رجل منحط هوى إلى قاع مستوى الدنائة.. هبط إلى أسفل من هذا المستوى بكثير..


أضاع كل الاحترام الذي كان باقي له عندها، وأشعل الكـ ـره في قلبها ناحيته، أصبح شقيق فقط، الاسم الذي تحمله هو يحمله أكثر من ذلك لن توجد أن بحث عن "عامر القصاص" في حياة شقيقته..


ولم تكن تعلم أنه برئ وضعيف للغاية، هش كما النساء وقلبه يرق في لحظة ضعف له، لم ترى إلا القسوة والعنف منه ولم تحاول هي أو أي شخص في هذا البيت أن يرى غيرهما.. إلا هي! تعلم كل ما به.. وترى الضعف خلف قسوته لذلك كانت دائمًا "سلمى" هي مفتاح لـ "عامر"... 


كما فعل معه والده بالضبط، لم يحاول ولو مرة واحدة أن يكتسبه إلى صفه، كانت العلاقة مع ابنه في البداية ليست كهذه أبدًا، كعلاقته بعمه "أحمد" يحبه ويستمع إليه ويأخذ بنصائحه، ولكن عندما كبر "عامر" وأصبح له وضعه بينهم، تحول إلى شخص آخر يشرب دون حساب ويسهر كما يريد، حاول معه والده ولكنه لم يعود فذهبت بينهم العلاقة إلى طريق لم يحبه أحد منهم وأصبح الجفاء سيدها..


يقف له والده على خطأ واحد ليجعله يرى أن نظرته به بعد تحوله صحيحه وهو لا يحب خوض نقاش معه ويبتعد عن أي شيء يأخذه إلى هذا الطريق..


الشفاء من جروح كهذه تأخذ وقت كبير جدًا للتعافي منها!..لو كان والده بقيٰ معه بحنانه وحاول أكثر من المرات العشر والعشرون لم يكن "عامر" هنا اليوم.. إنه مل من نصيحته بلين وأتجه إلى القوة ونظرية أنا على الصواب وأنت دائمًا خطأ ومن هنا كانت البداية السيئة لهم..


ولم تكن والدته لها أي دخل في كل هذا منذ البداية إلى نهايته، كانت على الوضع الصامت وحركة الايماءة إلى والده والتي تدل على الإيجاب في كل شيء موجود.. له هو فقط


عاد والده إلى وضعه معه كما كان بعد رحيل عمه، الذي كان الوصلة بينهم وعصا النجاة بالنسبة إلى "عامر"، وبقيٰ هو الآخر على وضعه ولم يفكر حتى في التغير لتسير مركبهم سويًا..


                                 ❈-❈-❈


وقفت أعلى درجات السلم، تنظر إلى الأسفل إن كانوا أنهوا فطورهم أم لا، ويبدو أنه لا، هبطت الدرج بهدوء وثبات، مرتدية حُلة كلاسيكية بيضاء اللون، تاركة لخصلات شعرها العنان والتي أصبحت قصيرة للغاية عما كانت، لقد تغير مظهرها تمامًا بعد أن بدلت لون خصلاتها من البُنبة المالخطة للذهبي إلى الأسود المختلط مع البُني، وقامت أيضًا بتقصيره عما كان حيث أنه أصبح طوله إلى كتفيها بالضبط، وغيرت قصته التي كانت تجعل الخصلات القصيرة تهبط على جبهتها، الآن يختلف تمامًا وتظهر في صورة امرأة مرموقة بهذه الملابس..


عينيها واسعة كما هي ترسمها بدقة تظهرها فاتنة للغاية، شفتيها مازالت مُكتنزة تبادل وجنتيها الدلال الذي تتمتع به.. ويا له من مغري لشخص يعرفه الجميع..


كانت مُرتدية حذاء أسود لامع ذو كعب عالي يصدر صوت هبوطها على درج السلم وكان هو في الداخل يستمع إليه وينتظر قدومها بينما يقلب في طعامه..


دلفت إلى داخل الغرفة، لتجد عمها كما المعتاد يترأس الطاولة، بجواره على الناحية اليمنى زوجته، وعلى الناحية اليسرى ولده.. 


ألقت عليهم تحية الصباح أثناء تقدمها إلى مقعدها بجوار زوجة عمها:


-صباح الخير 


بادلها عمها وزوجته التحية بابتسامة جميلة من وجوههم الطيبة بالنسبة إليها، وبقيٰ هو صامت كالمعتاد، لا يتحدث ولا يُجيب عليها تحية الصباح ولا حتى أي تحية تلقيها في دخلتها عليهم.. لم تكن هي فقط، بل للجميع هنا يفعل ذلك..


جلست على المقعد جوار والدته وتركت حقيبتها على المقعد الآخر المجاور لها، استدارت تبصرها جيدًا وتحدثت مُتسائلة:


-عامله ايه دلوقتي يا طنط بقيتي كويسه؟


ابتسمت لها الأخرى بعد أن أدارت وجهها إليها مُجيبة بهدوء:


-أيوه يا حبيبتي الحمدلله


تسائلت "سلمى" مرة أخرى عن "هدى" الغير موجودة على غير العادة: 


-اومال فين هدى 


عقبت على سؤالها والدتها قائلة بجدية:


-هدى فطرت بدري ونزلت الشركة على طول بتقول عندها شغل كتير


أومأت إليها برأسها ثم حركت وجهها إلى الأمام وبدأت في تناول فطورها بهدوء، عينيها كانت تختلس النظرات إليه بين اللحظة والأخرى وفي كل مرة كانت تتقابل مع عينيه التي تنظر إليها بدقة وثبات..


لم يكن مثلها يختلس النظرات منها بل كان ينظر إليها بوضوح رافعًا رأسه وبصره مثبت عليها.. فعادت هي إلى طعامها تاركة ذلك التبجح الذي يتمتع به إليه وبقيت صامتة..


بعد لحظات من هذا الهدوء رفعت رأسها إلى عمها مُردفة بصوت واضح وقوي:


-لو سمحت يا عمي كنت عايزة الشيك اللي هتتبرع بيه للجمعية علشان محتاجينه ضروري 


أومأ إليها برأسه قائلًا من بعدها بنبرة جادة:


-حاضر يا سلمى


مرة أخرى تؤكد عليه حديثها بخجل وبعينين ضيقة عليه: 


-ممكن النهاردة علشان ألحق اصرفه


لاحظ خجلها منه وهي تطلبه مرة ثانية، ابتسم إليها بود ولين ليجعل ذلك الحرج يبتعد عنها وقال:


-حاضر بعد الفطار هكتبلك الشيك 


ابتسمت باتساع وفرحة وهي تشكره ساردة له كم سيكون هذا فارق لهم في الجميعة التي أسستها منذ عام:


-شكرًا جدًا يا عمي، المبلغ ده هيفرق معانا 


اغمض عينيه وهو يحرك رأسه للأسفل بحب وحنان يوجهه ناحيتها: 


-ربنا يوفقكم يا بنتي


ابتسمت إليه ببشاشة ونظرة رائعة خلابة من عينيها الساحرة ووجهها الفاتن، وعادت مرة أخرى إلى طعامها وعم الصمت مرة أخرى ولكن هاتفها لم يعجبه الوضع فأصدر صوت عالي منه بوصول مكالمة إليها..


أمسكت الحقيبة من على المقعد ثم فتحتها وأخرجت الهاتف منها، كان اسم صديقتها "إيناس" يُنير الشاشة، تركت الحقيبة مكانها ثم أجابت عليها بهدوء:


-أيوه 


استمعت إلى حديث الأخرى وهي تنظر أمامها ثم عند قول شيء ما من قِبلها وضعت إصبع يدها على زر خفض الصوت وتلقائيًا عينيها ذهبت عليه خوفًا من أن يكون استمع إلى ما قالته..


لم يلاحظ هو بل كان ينظر إلى طعامه بشرود، تنفست الصعداء ثم أنهت المكالمة معها دون توضيح أي شيء مما تحدثوا به..


وضعت الهاتف مكانه مرة أخرى في الحقيبة وما كادت أن تقف على قدميها لتهم بالرحيل إلا أنها استمعت إلى صوت عمها الحاد القوي:


-كنت فين امبارح


واستمعت مرة أخرى إلى أجابت "عامر" التي خرجت من بين شفتيه بقوة ونبرة هجومية: 


-هكون فين يعني


أبصرت عمها الذي كرر عليه السؤال مرة أخرى بطريقة أوضح مما سبقت وقد بدى عليه أن هناك شجار وشيك كالعادة بينهم:


-كنت فين امبارح بالليل


ترك عامر فنجان القهوة الذي كان بيده، ابتلع ما وقف بجوفه وهو على علم أن هناك محاضرة ستلقى عليه وربما نهايتها لن تكون جيدة:


-سهران مع صحابي.. فيها حاجه دي كمان 


صاح والده بنبرة حادة مُغتاظة وعينيه كعينين الصقر عليه:


-سهران مع صحابك لحد الصبح.. راجع الساعة أربعه الصبح وقايم تشرب تلاته قهوة علشان تعرف تصحصح 


أجابه "عامر" بمنتهى الهدوء والذي كان يصاحبه التبجح اللا نهائي بعدما عاد بظهره إلى ظهر المقعد ليستند عليه:


-مادام مقصرتش في شغلي ولا حاجه طلبتها مني يبقى محدش ليه حاجه عندي وأعمل اللي يعجبني


أشار والده "رؤوف" بيده بقوة وهمجية ناحيته صائحًا باهتـ ـياج بسبب اللا مبالاة الموجودة لدى ابنه وأسلوبه الوقح في الحديث: 


-لأ مقصر.. مقصر في شغلك وأختك راحت من بدري علشان تكمله، مش واخد بالك إن المجمع السكني هيتسلم النهاردة ولا ايه؟


أكمل بسخرية واستهزاء ناظرًا إليه بقوة شديدة:


-شكل الخمرة لحست مُخك 


رفع "عامر" عينيه عليه للحظة ثم أخفضهما على الطاولة، مسح بإصبعه طرف أنفه الشامخ في وجهه ومرة أخرى عاد بنظرة إلى والده وهتف ببرود:


-تمام ايه المطلوب دلوقتي؟


صدح صوت والده بعد فترة وكان بها يحاول التماسك والضغط على أعصابه بسبب ذلك الأحمق الذي يجلس أمامه:


-تتعدل وتحترم نفسك، وتتعامل معايا بأدب وتأدي دورك كابن ليا وللبيت ده


بمنتهى التبجح وقلة الاحترام إلى والده، بمنتهى البرود واللا مبالاة لعمر والده ولكل شيء فعله في حياته لأجلهم أجاب بقوة وعنف وكأنه لم يفكر في حديثه هذا قبل أن يقوله: 


-لما أنت تأدي دورك كأب ليا وللبيت ده هبقى أعمل كده 


لحظات صمت مرت على الجميع، هو نظر إلى الطاولة بعد كلماته التي ألقاها عليه وسعر لوهلة أنه أطال الأمر وخرج عن يده، بينما كان والده في حالة صدمة تامة.. بقيٰ ناظرًا إليه ولم يهبط بعينه من على وجهه وملامحه، لم يكن يتوقع أنه من الممكن في يوم من الأيام يصل هنا!..


لم يكون دنيء إلى هذه الدرجة ومنحط ببراعة، لم يكن خائن وعنيف، لم يكن قاسي ومتهور فقط لقد كان ابن عاص أيضًا


نظرت إلى والدته التي وجدتها تبصره بصدمة تامة كوالده الذي لم ينطق بحرف من بعدها، وقفت على قدميها سريعًا وذهبت لتقف جوار عمها الجالس على المقعد ووضعت يدها الاثنين على كتفيه تحتضنه صائحة بعنف له:


-أنت إزاي تكلم عمي كده؟


رفع وجهه إليها ينظر إلى ملامحها الشرسة التي ستقاتله الآن لأجل عمها الذي أخذت صفه منذ أن تركته، تبجح بها هي الأخرى وقال بصوت حاد:


-وأنتي مالك أصلًا؟


أجابته بنبرة قوية حادة مثله بالضبط وعينيها على عينيه البُنية ولم تخشى هذه المرة الضعف أمامه، بل كانت القوة في محلها بعد كلماته القاسية:


-مالي ونص.. عمي هو أبو البيت ده وعموده غصب عن عنيك... هو كده فعلًا مش مشكلتنا إنك شايف غير كده وماشي على خط غير خطنا 


ابتسم بسخرية واستهزاء بحديثها، ثم نظر إلى عينيها بعمق وكأنها تناست كل ما كان يعاني منه، تناست كل مخاوفه تجاه والده والذي كان يعترف إليها بها دومًا، تناست كل شيء ووقفت أمامه الآن تسخر مما يشعر به:


-أنتي اللي بتقولي كده 


أومأت برأسها بجدية ومازالت تتابع حديثها معه بحدة، وتغاضت عن تلك النظرة وذلك الحديث الخفي خلف ضحكته الساخرة:


-آه أنا اللي بقول كده.. وبطل بجاحة وأتكلم معاه بأسلوب كويس وبعدين ماهو عنده حق هتابع شغلك وحياتك إزاي وأنت كل يوم راجع الصبح 


أجابها ببرود مرة أخرى ولا مبالاة حقيقية:


-شيء مايخصكيش 


نفت حديثه وهي تبتعد عن عمها مقتربة منه لتوضح له أنها لها مثلما له بالضبط في كل هذا:


-لأ يخصني.. ده شغلي وشغل بابا وياسين اللي تعبوا عليه كتير لحد ما بقى كده 


وقف هو الآخر على قدميه وأجاب بعنف وقوة وهو يبصرها جيدًا مُشيرًا بيده بحركات هوجاء تصدر عنه وقد خرج عن هدوءه وذلك البرود الذي كان يرسمه على ملامحه:


-لو قلبك واكلك عليه أوي كده روحي أنتي اشتغلي بدل الجمعية اللي واكله حياتك دي.. أعملي زي هدى أخدت مكان ياسين روحي خدي مكان أبوكي 


عاندت حديثه وراق لها ذلك، أن تجعله يشتعل من الداخل بقولها أنه لا يخصه أي شيء تفعله بحياتها:


-شيء مايخصكش أشتغل ماشتغلش مش بتاعتك دي 


كاد أن يُجيب عليها بعد أن قاربت دماءه على الغليان بسبب حديثها في أكثر شيء يجعله يغضب، وهو أن يكون بعيد عن حياتها ويتركها تفعل ما يحلو لها، وهذا لن يحدث..


أردف والده أخذًا منه فرصة الرد عليها، مُهددًا إياه بجدية شديدة وحديث سيحدث حقًا إن لم يعد عن أفعاله:


-قسمًا برب العباد إن ما اتعدلت يا عامر لأ أنت ابني ولا أعرفك ولا تكون داخل البيت ده من أساسه وانسى إن ليك أهل ولا حتى ميراث بعد موتي 


أبعدت عينيها إلى عمها الذي صدمها حديثه للغاية!.. يستطيع فعلها حقًا وهذا الأحمق لن يعود عما يفعل بسهولة ولن يستمع إلى حديث والده وبالأخص إن كان بهذه الطريقة، ابتلعت ما وقف بحلقها خوفًا من أن تسوء الأمور أكثر من هذا ويفعل عمها ما قاله


نظر "عامر" أمامه وأبعد نظره عنه لتقع عينيه على والدته التي أشارت له بعينيها بقوة لكي يعود عما يفعل ويعتذر من والده وبادرت هي بأول شيء لكي يفعلها:


-هدي نفسك يا رؤوف عامر مايقصدش 


لكنه ألقى حديثها عرض الحائط وأشار بيده بهمجية وعنف بحت ثم استدار بقوة ناظرًا بعينيه التي تحولت إلى اللون الأسود الحالك إلى حبيبته الغبية، بادلها النظرات الحادة العنيفة ثم خرج من الغرفة تاركًا إياهم يشتعلون منه ومن أفعاله..


جلست "سلمى" سريعًا على مقعده ونظرت إلى عمها بهدوء وجدية بنفس الوقت ثم خرج الحديث من شفتيها بلين ورقة:


-متزعلش منه يا عمي أنت عارفه غبي وبيقول أي كلام بس قلبه طيب وهو مايقصدش 


نظر إليها عمها وابتسم من زاوية فهمه، على الرغم من كل ما فعله بها، وعلى الرغم من أنها تظهر إليه الجدية الشديدة ولا تعطيه فرصة للحديث حتى إلا أنها مازالت تدافع عنه أمام الجميع وتحاول أن تصلح كل خطأ يفعله..


أومأ إليها بهدوء وابتسامه قائلًا:


-عارف يا سلمى... عارف 


                                ❈-❈-❈


كانت جالسة على مقعد من مقاعد الطاولة الصغيرة، حيث أنها تتسع لشخصين فقط في مطعم من المطاعم المرموقة، ذات الرونق الرائع والمظهر الخلاب، ابتسمت بصفاء وهدوء وبهذا الوجه البشوش إلى شاب أمامها يجلس مقابلًا لها، خصلاته سوداء وعينيه كذلك، أنفه حاد، شفتيه رفيعة، لحيته نابته وكذلك شاربه، يبدو وسيم كمثل "عامر" بالضبط..


يعلو ثغرة ابتسامة عريضة يبادلها إياها في وسط الحديث الدائر بينهم ولكن عينيه داخلها شيء يعبر عن آخر غير تلك الابتسامة


سردت بجدية وهي تضع كوب عصير المانجا على الطاولة ناظرة إليه بجدية:


-أخدت الشيك من عمي وصرفته وتم الموضوع الحمدلله


ابتسم إليها بود وترك هو الآخر فنجان القهوة الخاص به على الطاولة وعقب على حديثها:


-كويس وإن شاء الله خير متقلقيش 


تنهدت بهدوء ووضعت يدها الاثنين على الطاولة تستند عليها وهي تبصره بجدية مُكملة حديثها توضح له كيفية الأمور:


-مش قلقانة بس عايزة الدنيا ترجع تمشي زي الأول إحنا لو مكنش المبلغ ده مكناش هنعرف نمشي أمورنا


ترك ما تتحدث عنه لأنه لا يهمه من الأساس وأتجه بالحديث إلى طريق آخر يريده ويهواه كما يهوى تحقيق مراده معها:


-هتسهري معايا بكرة


لوت شفتيها المُكتنزة أمام عيناه السوداء البراقة قائلة:


-موعدكش 


ضيق عينيه عليها بجدية يتسائل بجدية:


-ليه؟ إيناس هتكون معانا 


ابتلعت ما وقف بحلقها ثم قالت له بتوتر ما حدث آخر مرة في المنزل بسبب خروجها المُستمر ليلًا بدون داعي، ولم تكن تريد أن يتكرر ذلك مرة أخرى:


-مش القصة يا هشام بس أنت عارف بقالي فترة بخرج بالليل وعامر عمل حوار آخر مرة واتخانق هو وعمي بسببي 


زفر بضيق وعصبية وأعاد ظهره للخلف مُبتعدًا عنها وتغيرت ملامح وجهه مئة وثمانون درجة على ذكر "عامر":


-يادي عامر هو إحنا مش هنخلص منه بقى


ضيقت ما بين حاجبيها وعينيها عليه مستفهمه ما المقصود من حديثه: 


-يعني ايه نخلص منه 


صاح بصوتٍ مُتعصب وغاضب بسبب ما تفعله معه دائمًا، تعطي لـ "عامر" الأهمية الكبرى بحياتها، حتى أنه الأهم منه وإلى الآن لم يفعل ما يريد بسبب وجوده وبسبب غبائها:


-يعني نخلص منه يا سلمى... كل حاجه خايفة من عامر وعامله حساب لعامر.. دا أنتي حتى مأجلة خطوبتنا علشان خاطر عامر 


تفوهت بحدة بعدما تضايقت من حديثه الذي يظهرها ضعيفه وتخاف بشدة منه:


-أنا مش خايفة منه على فكرة أنا بس مش عايزة مشاكل في البيت بسببي 


وقفت عينيه على عينيها بدقة وعمق وقد فعلت ما أراد بحديثها ليحاصرها بذلك السؤال:


-ومال الخطوبة بالمشاكل يا سلمى 


وجدها ارتبكت عندما تحول الحديث إلى نقطة تهرب منها دائمًا رأى كل الارتباك على ملامحها والتوتر قد ظهر بوضوح ولن تستطيع أن تُجيب عليه فأكمل هو مرة أخرى:


-ردي عليا عرفيني! ولا أنتي خايفة على مشاعره؟


تنفست بقوة أمامه مُغمضة عينيها تعتصرهما ثم فتحتهما ونظرت إليه بجدية حادة لتجعله يصمت عن ذلك الحديث الذي يقوم بتفتيح جروحها التي أغلقت عليها قبل أن تُشفى:


-هشام! بلاش الكلام ده لو سمحت أنت عارف اللي كان بيني وبينه انتهى من زمان أوي وإحنا دلوقتي ولاد عم لا أكتر ولا أقل


تسائل مرة أخرى بضيق وانزعاج واضح منها وداخه يسب الساعة التي وقع فيها بذلك المأزق: 


-اومال مأجلة الخطوبة ليه؟ مش قولتي علشان عامر 


حقًا تخاف على مشاعره، ومشاعرها هي الأخرى، إلى الآن تحبه ولا تتقبل وجود أي رجل في حياتها سوى هو وعلى الرغم من ذلك هي أيضًا ترفضه.. ترفضه بكل الطرق والمقاييس ولن توافق على عودتها إليه مهما حدث.. فحتى بعد كل ما حدث مازال على وضعه ولم يتغير.. كل ما تفعله أنها تحاول الخروج عنه إلى غيره، تحاول أن تتقبل "هشام" في كل مرة وتنظر إليه على أنه شريك حياتها..


اختلقت سببًا واقعي وسيحدث حقًا إن تقدم لخطبتها، فهذا "هشام الصاوي" ولد "رفعت الصاوي" وابن عم "إيناس الصاوي"، لن تتم الموافقة بتلك السهولة من عمها ولن تحصل عليها أبدًا من "عامر":


-آه يعني مهو بردو عمي مش هيوافق بسهولة.. انتوا أكبر منافسين ليه وباباك كمان مش هيوافق بسهولة


أقترب للأمام مُمسكًا بيدها الموضوعة على الطاولة بشغف وعينيه تتحرك على ملامح وجهها: 


-لأ مالكيش دعوة بأبويا أنا.. المهم أنتي، لازم تشوفيلنا حل علشان نخلص إحنا بقالنا سنة مع بعض لو كانت خطوبة كانت خلصت ولسه كمان لما يوافقوا هنضطر نعمل خطوبة قدامهم وأنا بصراحة تعبت ومش مستحمل أكتر من كده 


أطالت النظر عليه واستمعت إلى حديثه ثم قالت:


-مش مستحمل ايه؟


رسم على ملامح وجهه الضيق، ثم الحنان والشغف، الحب والاشتياق، كل ذلك في لحظة واحدة لكي يظهر إليها حديثه يخرج من القلب وما داخله:


-إنك تكوني بعيدة عني يا سلمى.. أنا عايزك مراتي.. عايزك جنبي وليا مش اسيبك تباتي هناك في بيت معرفش بيحصل فيه ايه لأ وكمان اللي اسمه زفت ده معاكي 


جذبت يدها بقوة من أسفل يده الموضوعة على الطاولة وعادت للخلف بجسدها بينما عينيها مُتسعة عليه بقوة ولم تصمت حيث أنها تفوهت بحدة:


-هشام أنت بدأت تقول كلام غلط وهنزعل من بعض، ايه ده اللي بيت معرفش بيحصل فيه ايه؟ يعني ايه كلامك وماله عامر قاعد معايا في نفس البيت فين الأزمة


لقد أخطأ في التعبير، وعليه تصليح الأمر لتسير كما يريد، ارتسم الحزن على ملامحه وأردف بهدوء وحنين شغف يقوده إليها:


-مقصدش بس قدري اللي أنا فيه أنا راجـ ـل بحب ومن حقي اغير عليكي


وجدها كما هي لم تُجيب عليه بل تنظر إليه وتستمع إلى حديثه وكأنها في داخلها تعيد ترتيب الأمور مرة أخرى، ولكنه لن يعطيها هذه الفرصة:


-متزعليش من كلامي أنا آسف.. ده يوضحلك قد ايه بحبك يا حبيبتي


أومأت إليه برأسها وصمتت عن الحديث وقلبها ثائر داخلها، ينعتها بأفظع الكلمات، كيف لها أن تستمر عام كامل في ذلك الضغط الذي وضعت نفسها به، كيف لها أن تكون على علم أنها تحبه ولا تريد غيره وتغصب نفسها على تقبل آخر ليصبح شريك حياتها؟


استمعت إلى صوته الحاني يهتف بابتسامة عريضة على وجهه الوسيم:


-وعلشان متزعليش بجد أنا كنت عاملك مفاجأة هتفرحك أوي


تسائلت بجدية واستفهام:


-مفاجأة! مفاجأة ايه؟


مد قدمه للأمام قليلًا ثم مد يده اليمنى إلى جيب بنطاله وأخرج منه ورقة صغيرة مطوية، قدمها إليها بنفس تلك الابتسامة:


-دي المفاجأة


أمسكت بالورقة وفتحتها لتقرأ ما بها وقد كان شيك يحتوي على مبلغ كبير منه، رفعت نظرها إليه وعينيها تتسائل قبل شفتيها التي تحركت بجدية:


-دا شيك بنص مليون 


أكمل هو على حديثها موضحًا إنه للجمعية الخاصة بها، ليجعلها تسعد وتتناسى ما الذي كان يتحدث به معها إلى مرة أخرى سيخرج كل ما في قلبه وقلبها وسيفعل ما يحلو له:


-للجمعية.. تبرع من شركة الصاوي ياستي 


-بجد؟


أومأ إليها برأسه وأردف مُعقبًا:


-آه والله بجد 


قدمت يدها إليه وأمسكت يده تضغط عليها بقوة تعبر له عن امتنانها إليه بعد ذلك المبلغ الذي قدمه إليها:


-شكرًا بجد يا هشام.. مش عارفه أقولك ايه 


تعمق في النظر إلى عينيها وأخرج صوته بنبرة رخيمة شغفوة مُطالبًا بالمزيد منها:


-متقوليش حاجه غير بحبك... نفسي اسمعها منك


سحبت يدها مرة أخرى ونظرت إليه بجدية شديدة، ابتلعت ما وقف بجوفها، لو يعرف أنها لو تستطع قولها لفعلت ولكنها لا تستطيع قولها إلا لشخص واحد فقط، ليته يعود عما يفعل:


-كل حاجه في وقتها أحسن 


أومأ إليها مُبتسمًا وأجاب بهدوء تاركًا لها الفرصة لتفعل ما تشاء:


-ماشي وأنا هستنى لوقتها


                                 ❈-❈-❈


عادت إلى الفيلا قبل أن تغمر السماء النجوم وقمرها يسطع في مكانه، تجنبًا لأي حديث قد يصدر من "عامر" ناحيتها ثم بعد ذلك يتشاجر مع والده، وهي لا تريد هذا، دلفت بسيارتها إلى الداخل وبقيت بها قليلًا، عقلها يدور معها حول أفكاره عن الذي من المفترض أن يحدث بينها وبين "هشام"


إنه شاب مجتهد للغاية وطموح، يحبها ويريد الزو'اج منها، وسيم ومقبول بالنسبة إليها وله كل المواصفات التي تريدها أي فتاة للزواج، تعرفه منذ عام مضى تطورت العلاقة بينهم إلى أنه أراد الزواج منها وهي بكامل الغباء لم تمانع بل وافقت ولكنها أجلت الفكرة قليلًا..


بعد كل هذا هي لا تحبه.. لا تريده، إنه من الممكن أن يكون صديق، شقيق، أي شيء غير أنه يأخذ مكان "عامر" في قلبها وحياتها، لا تستطيع النظر إلى رجل على هذا الأساس، لقد ترك "عامر" كل صفاته داخلها، ترك حبه وهوسه بها، ترك جنونه وحنانه عليها، وإلى اليوم لا تستطيع رؤية غيره.. 


ما الذي ستفعله مع "هشام" كيف ستتقبل أن يكون في موضع "عامر" وكيف من الأساس ستجعله يأتي ليطلبها!.. هناك مئة سؤال في رأسها جميعهم يريدون إجابة وهي لا تمتلك ولا إجابة واحدة منهم..


تنهدت بضيق ثم أخذت المفتاح من السيارة وأخذت حقيبتها وهمت بالنزول منها عندما رأته يحاول أن يصف سيارته جوارها هو الآخر، هبطت منها وفتحت الحقيبة لتضع بها المفتاح ولكنها عندما وضعته لم تجد الهاتف بها..


بحثت عنه في تلك الحقيبة الصغيرة لم تجده فأخذت المفتاح مرة أخرى وعادت للسيارة تحت أنظاره داخل سيارته، فتحتها ثم دلفت مرة أخرى ووجدت الهاتف بها، أخذته وعادت مرة أخرى لتغلقها ثم تقدمت تسير إلى الداخل مجاهدة بقوة مع عينيها ألا تنظر إليه..


يالا الألم الذي يشعر به داخل قلبه، يتلوى على جمر مشتعل، يحترق كل لحظة يراها بها، بعد كل ذلك الحب والانتظار تتركه بهذه الطريقة! يكن كالغريب بالنسبة إليها ولا تريد النظر إليه حتى، لا تريد الحديث معه ولا التقدم منه خطوة بعد أن كان لها الحياة وما فيها.. الألم الذي بداخله يكاد أن يقتله كلما رآها هكذا.. يشتهي قربها بشدة.. يشتهي وجودها بحياته كما السابق..


الآن يتركها تفعل ما تريد ولكن في النهاية لن تكون لغيره، لن تكن إلا زوجته وفي مرقده..


خرج من السيارة هو الآخر وسار خلفها للداخل، في طريقة لفت نظرة ورقة بيضاء نظيفة على الأرضية على غير العادة، ربما وقعت منها.. انخفض إلى الأسفل أخذها بين يده ثم وقف شامخًا مرة أخرى وفتحها بفضول ليرى ما محتواها وقد كان صادمًا للغاية بالنسبة إليه..


اشتعل قلبه أكثر وسارت النيران به تتدفق في الأوردة، احتدت مسكته على الورقة ونظرة عينيه تحولت مئة وثمانون درجة، أخذ صدره يرتفع وينخفض بعنف وقوة كبيرة نتيجة لغضبه العارم الذي وُجد بعد نظرته ورؤيته لمحتوى هذه الورقة الصغيرة..


من أين تعرف "هشام الصاوي"؟ وما الذي أخذه منها مقابل هذا المبلغ؟..


نظر إلى البعيد ليراها تقف أمام بوابة الفيلا وتهم بالدخول لتختفي من أمامه وتحتمي في من بالداخل ولكنه لم يتركها تفعل ذلك وصرخ بكل صوته مناديًا باسمها بعصبية وغضب..


انتفضت عندما استمعت إلى صوته على حين غرة وشعرت بالخوف للحظة، ثم تذكرت أنها لم تفعل شيء فأخذت نفس عميق واستدارت تنظر إليه بجدية.. رأته يتقدم منها بعصبية وطريقة همجية وأتت عينيها على الورقة بيده ولكنها لم تكن تعلم أنه الشيك الذي أخذته من "هشام"..


وقف أمامها وهتف بنبرة حادة قاسية وملامح جادة مُخيفة وعينيه عليها بدقة عالية:


-تعرفي هشام الصاوي منين؟


أنهى تلك الجملة الصغيرة رافعًا الشيك أمام عينيها، اتسعت عينيها أكثر مما هي عليه، شعرت بالذعر الشديد والتوتر انتهابها خوفًا من أن يعلم بعلاقتها معه، إن علم بذلك لن يمر الأمر مرور الكرام عليها أبدًا مهما كان يحدث بينهم ومهما كانت تظهر إليه القوة والا مبالاة فسيبقى هو "عامر" الذي تعرفه وستبقى هي "سلمى" خاصته التي لن يجعل أي شخص مهما كان من هو يقترب منها..


                                ❈-❈-❈


دلف "هشام" إلى مكتب والده في فيلا "الصاوي"، التي لم تكن تقل أبدًا في الجمال والروعة أي شيء عن فيلا "القصاص"، ألقى عليه التحية وجلس بهدوء على المقعد المقابل له.. 


نظر إليه والده بجدية، ولم تكن تلك الحدة المرتسمة على ملامحه سوى الخوف الشديد لأي أحد آخر ينظر إليه.. عينيه حادة سوداء كابنه وأكثر، تجاعيد وجهه تحمل القسوة والغضب وكأنه غاضب من نفسه قبل أي أحد.. شفتيه مزمومة بطريقة غريبة وكل هذا ما هو إلا وصف بسيط يعبر عن جديته..


تسائل بجدية شديدة وقوة ونبرته حادة:


-ها عملت ايه 


أجابه ابنه بجدية هو الآخر مثله وتحولت ملامحه إلى الضيق الشديد وربما أن يكون عندما دلف إلى هنا ظهرت ملامح وجهه الحقيقية كوالده:


-لسه يا بابا 


وقف والده على قدميه بعد أن نفذ صبره ووصل إلى حافة الهاوية، لقد انتظر الكثير وما حدث معه لم يكن إلا تدبير القدر وعليه هو أن يغير ذلك.. ولم يكن إلا عن طريق ابنه المعتوه الذي لم يفعل أي شيء إلى الآن معها، صرخ بقوة بصوت حاد وقد ثار عليه بعد الاستماع إلى حديثه المُهلك للأعصاب:


-كل شوية لسه يا بابا لسه يا بابا.. البت دي لازم تموت وتحصل اللي قبلها 


                                 ❈-❈-❈


                                  "يُتبع"



#بين_دروب_قسوته

#الفصل_السابع

#ندا_حسن


   "انتفاضه شعر بها القلب في لحظة خوف كادت أن تقتله"


ثبتت عينيها على خاصته بخوف وذعر شديد، قلبها أصبح ينبض بقوة وشدة غير معقوله بخفقات متتالية على غير العادة.. أنفاسها غير منتظمة وملامحها تحولت إلى شخص آخر خائف متوتر بشدة..


ما الكذبة التي تستطيع أن تختفي بها الأمر وتدلف عقله؟ ما المُبرر الذي تستطيع أن تخترعه في لحظة ويصدقه!.. 


حاولت أن تنظم وتيرة أنفاسها وتنظر إليه بجدية ماحية تلك النظرة التي تحتلها الرهبة وما بداخلها أكثر منها.. حاولت أن تبقى على الثبات لتستطيع أن تفكر في الإجابة السريعة والتي طالت كثيرًا وهو مازال أمامها كما كان لم تتغير ملامحه ولو بشيء بسيط..


مازال مُخيف، مُهيب يلعب على أعصابها بطريقة غير مرغوبة أبدًا...


أبعد نظرة عينيه من عليها وتقدم منها بوجه جامد حاد تعابيره مقتولة.. أبتلعت ما وقف بحلقها عندما وجدته تحرك ناحيتها بعينين سوداء ونظراته تقتلها.. ولكنه تخطاها وتقدم إلى بوابة الفيلا التي كانت قامت بفتحها لتدلف إلى الداخل..


وقف أمام البوابة ثم أمسك المقبض الحديدي الكبير بيـ ـده وجذبها مرة أخرى لتُغلق كما كانت.. عاد إليها مُنتظر منها رد على سؤاله البسيط للغاية الذي ألقاه عليها ومن هنا بدأ الشك يسلك طريقه إلى قلبه من ناحيتها..


أطبق يده بقوة على الورقة وكأنه يستعد للكم أحدهم في وجهه، عينيه أصبحت عليها مرة أخرى بحدة وقسوة ثم أعاد السؤال بطريقة واضحة ضاغطًا على كل حرف من كلماته لتظهر بنبرة جادة قاسية:


-سألتك تعرفي هشام الصاوي منين؟ ردي عليا 


أبتلعت ما وقف بجوفها مرة أخرى ونظرت إليه عن قرب، لا تخاف منه ولا تهابه وعلى مدار العامين الماضيين والسنوات السابقة وخلال كل ما حدث بينهم لم تكن تخافه ولكنها تعلم جيدًا متى عليها أن تخاف منه.. وكان هذا هو الوقت المُحدد ولأجل ذلك أخفت عن الجميع ما يحدث معها.. 


تفوهت بنبرة حاولت قدر الإمكان أن تجعلها جادة حتى لا يشك بأمرها وجعلت عينيها عليه حتى لا يشعر بأنها خائفة:


-معرفوش 


رفع الورقة التي هشمها بين يده القوية وتسائل ثانية مضيقًا عينيه عليها بشك واستغراب:


-ده معاكي بيعمل ايه؟ ووصلك منه إزاي؟ 


أغمضت عينيها للحظة واحدة وفتحتها مرة أخرى بعد أن توصلت إليها الإجابة السريعة المقنعة إليه وإليها:


-إيناس.. الشيك ده إيناس اللي جابته من عمها تقريبًا أو ابن عمها مش عارفه بصراحة تبرع للجمعية وأنا أخدته 


رفع أحد حاجبيه وأقترب منها خطوة واحدة بثبات وعينيه تنظر إليها نظرة ثاقبة، أردف بشك واستنكار:


-متأكدة؟


رسمت على ملامحها الضيق والانزعاج الشديد منه محاولة الالتهاء عما كانت تشعر به منذ قليل وأجابته بقوة:


-آه متأكدة هو تحقيق ولا ايه 


أجاب هو الآخر على سؤالها الأخير بقوة وتأكيد وكأنه لا يهاب أحد:


-آه تحقيق ولا مش عاجبك 


وضعت ذراعيها أمام صدرها ونظرت إليه بعمق مُردفة بحديث بعيد عنها لتجعله يلتهي:


-أنت عارف إنه مش عاجبني أنا بس جاوبتك علشان اللي في دماغك تبعد عنه 


ابتسم بسخرية واستهزاء للحظة، أتيًا بعينيه عليها من الأسفل إلى الأعلى ثم قال ببرود وقسوة:


-أنا فعلًا بعيد عنه علشان أنتي عارفه لو حصل أنا هعمل ايه! وفي مين 


للحظات وأخرى بادلته النظرات الغارقة في ماضي أليم، لم يُشفى منه أحد إلى اليوم وإلى هذه اللحظة، بادلته بلون أعينهم العتاب المستمر بينهم منذ عامين ماضيين وإلى عامين قادمين..


مدت يدها إليه قائلة بعد صمت طويل:


-هات الشيك 


قدمه إليها ووضعه في يدها قائلًا باستهزاء:


-اتفضلي الشيك 


استدارت لتدلف إلى الداخل وأخذت نفسٍ عميقٍ تستعيد به الحياة بعد تلك الورطة التي وضعت بها معه، لقد شعرت أن وجهها شحب وكأنها تفارق الحياة وتسارعت دقات قلبها وأصبحت وتيرته عالية..


ماذا لو أتى "هشام" لخطبتها؟.. ما الذي ستفعله وما الذي سيصدر من "عامر"، أنها تُخاطر.. تُخاطر بشدة..


                                ❈-❈-❈


وقف الآخر على قدميه كوالده، نظر إليه بقوة وعينين حادة قاسية وتسائل بجدية:


-وهتستفاد ايه من موتها 


ظهرت ملامح والده أكثر وضوحًا بعد هذا السؤال من ولده، ظهرت القسوة الحقيقية، وهنا بدأ الجحود يأخذ مكانه وقد دعم هذا وذاك بنبرة صوته الحادة:


-هبقى موت أحمد القصاص بجد.. كأنه مجاش على الدنيا 


عارضه ابنه ونفى حديثه هذا ولكنه في صفه ويدعم فكرة الاستكمال والبداية من الأساس، ظهرت ملامحه هو الآخر وجعلنا نتناسى الرقة والهدوء الذي كان يعامل بها المقصود بها الحديث:


-مش هيفيد بحاجه اللي أنت بتقوله.. كفاية اللي ماتوا وهي دي بس اللي تقدر تفيدنا والدخول ليها سهل أوي


اتسعت عينين والده بقوة وأصبحت مُخيفة للغاية دون مبالغة في الأمر، ولكن ملامحه جميعها مُخيفة ولا تستدعي أكثر من ذلك:


-أنا هبقى استفدت وشفيت غليلي وبردت ناري.. هبقى فرحان لأول مرة في حياتي بموت عيلته كلها 


وضع "هشام" يده الاثنين بجيب بنطاله وأجاب بجدية هادئة ليأخذ الحديث من والده إلى ناحيته:


-عيلته كلها ماتت فعلًا ومفيش غيرها اللي باقيه 


جلس والده على المقعد مرة أخرى ووضع يده الاثنين متشابكين أعلى المكتب، نظر إليه وقال بغل وحرقة:


-يبقى لازم تمـ ـوت زيهم.. كان المفروض تكون معاهم في نفس القبر بس أهو اللي حصل وملحوقه 


بقيٰ هو واقف على قدميه ولكنه عاد مرة أخرى إلى الجدية التامة وهو يُجيب على والده بقوة فارضًا عليه رأيه لينتقم منها كما أراد:


-أنا مش هسمحلك تموتها قبل ما أعمل اللي أنا عايزة واخليها تضيع كل اللي في البيت كفاية إنك مسمعتش كلامي ودبرت الحادثة اللي حصلت زمان من ورايا 


استهزأ به والده وأردف مُعقبًا:


-تسمحلي ولا متسمحليش أنا هعمل اللي في دماغي.. أنا مش محتاج منهم حاجه غير إني أبرد ناري 


حاول "هشام" أن يُغريه بحديث أخر خوفًا من أن يفعل ما أراد ويقوم بقـ ـتلها دون أخذ استفادته منها:


-ولو قولتلك إني هخليهم يعلنوا إفلاسهم قريب وبعديها تمـ ـوت 


تهكم عليه بوضوح وأردف بسخرية واستهزاء ناظرًا إليه بقوة شديدة وعينيه لا تمزح أبدًا:


-وده هتعمله إزاي ما أنت بقالك سنة معاها مش عارف تعمل حاجه 


أبعد "هشام" نظرة إلى البعيد في الفراغ وظهرت لمعة غريبة في عينيه السوداء القاتمة، المُخيفة إلى الحد الذي قبل والده ثم هتف بخفوت وتمني:


-اتجوزها... اتجوزها بس وهوريك أنا هعمل فيها ايه وفي عيلة القصاص كلها 


وقف والده على حين غرة وصرخ به بعد الاستماع إلى حديثه، لا يصدق أن ابنه الذي يعلم كل ما حدث في السابق وواجه المعاناة بقوة بسبب والدها يقول هكذا:


-تتجوزها؟ أنت اتجننت.. عايز تتجوز بنت الراجل اللي كان السبب في خراب حياتنا.. بنت القصاص!..


احتدت نظرته وتحولت ملامحه إلى الأسوأ وعقله كان يأتي بكل ذكريات مرت عليه ورأها وللأسف ليس هنا أحد قد ظُلم مثله هو وجاء دور الجميع في تلقي العقاب:


-متحسسنيش إني دايب فيها.. أنا لا طايقها ولا طايق حد من عيلتها وخلي في علمك بقى هي كمان مش بتحبني أنا هارش اللي فيها.. هي بتحب عامر وأنا هحسرهم على اللي بينهم ده وهضيع عمرهم كله بس أنت اديني الفرصة 


حرك والده رأسه بالنفي وهو ينطق بكلمات الرفض التام:


-مستحيل.. مستحيل تتجوزها 


غمز بعينه الشيطانية وهو يهتف بخطة خبيثة في رأسه كل خيوطها وأبعادها والآن يسرد عليه النتيجة وما بها:


-لما تعرف اللي في دماغي هتوافق.. وبدل ما تموتها وتبرد نارك موتها وخد اللي قدامهم واللي وراهم وزلهم وبكده تبرد نارك وناري وتفرح وتنسى الهم اللي عشناه 


أغرى الحديث والده، لما لأ؟ لما لأ يفعل كما يريد ابنه ويأخذ ما يجعله يصبح أكبر وأكبر بكثير، لما لا يجعلهم يتحسرون على أنفسهم ثم يقتلها بدم بارد، لما لأ يفعل ذلك:


-دي آخر مرة هسمع كلامك فيها يا هشام وبعد كده ابقى اقرالها الفاتحة مع اللي ماتوا 


ابتسم ابنه بشر وجلس على المقعد بعد أن جلس والده، أردف بخبث ونبرة ماكرة شيطانية مُخيفة:


-هقراها... هقراها وقريب أوي بس على كيفي 


                                 ❈-❈-❈


كانت "هدى" جالسة على مكتبها، الذي أصبح ملك لها منذ عام ونصف، منذ أن ذهب مالكه الأصلي وتركها وحدها هنا تعاني غيابه، لكنها لم تتركه وحده أصرت على أن تجعله موجود بين الجميع وأمامهم.. أصرت على أن تجعله حي بوجودها مكانه في منصبه وتأدية دوره على أكمل وجه..


دلف "تامر" المكتب بعد أن طرق الباب وأذنت له بالدخول..


شاب ثلاثيني، لون بشرته قمحية، خصلات شعره سوداء حالكة كشقيقها.. ملامحه شرقية جذابة، ملابسه مهندمة ومظهره وسيم للغاية..


سار ناحيتها بخطوات ثابتة وعينيه عليها إلى أن وقف أمام المكتب قائلًا:


-عايز أتكلم معاكي شوية 


تركت الأوراق التي كانت بيدها وأشارت إلى المقعد متسائلة باستفهام:


-اتفضل، في حاجه؟


جلس على المقعد التي أشارت إليه وأبصرها بجدية خالصة وداخله أمنيات لو تحققت لكان أسعد البشر:


-فكرتي في كلامي؟


بادلته النظرات ولكن هذه المرة بحدة خالصة داخلها هدوء وانجذاب ولكن لا تريد إظهاره مهما حدث، حدثته بنظرات ثاقبة حادة وداخلها عتاب غير مرئي له:


-كلام ايه اللي هفكر فيه يا تامر.. أنا من أول لحظة قولتلك فيها ردي أنت اللي مش مقتنع بيه وبكده هتعمل بينا مشاكل ملهاش لازمه 


أقترب إلى المكتب ونظر إليها بقوة قائلًا باقتراح قاله كثيرًا من المرات مترجي إياها:


-اديني فرصة واطلعي من اللي أنتي فيه ده 


أشارت إليه بإصبع يدها السبابة وبنبرة حادة تسائلت:


-أنت راضي عن اللي بتعمله؟ راضي إنك تسيب خطيبتك علشان تتجوز مرات صاحبك 


وقف على قدميه عند ذلك الإتهام البشع، هو ليس خائن، ليس بشع إلى هذه الدرجة أن يكون مع أخرى ويتركها فقط لأجلها، لأجل أنها أصبحت غير متزوجة من صديقه:


-لأ يا هدى.. لأ... خطيبتي وأنتي من البداية عارفه أن بينا مشاكل ومش متفقين وكان لازم يحصل أما مرات صاحبي فهو الله يرحمه ومعتقدش أن اللي بتعمليه ده يفرحه


وقفت هي الأخرى على قدميها قبالته من خلف المكتب وصاحت بعناد وتأكيد:


-يفرحه يا تامر.. يفرحه أنا مخلصة في حبي ليه ومعنديش استعداد أشوف حد غيره مهما حصل حتى لو كان الله يرحمه 


أقترب إلى المكتب وهو واقف أمامه على قدميه، استند بيده الاثنين ومال ناحيتها ناظرًا إليها بعمق وقوة مقررًا ألا يتركها تذهب من بين يديه لأنها تكن له شيء بداخلها ولكن ترفض أن تخرجه:


-وأنا مش هيأس وهفضل وراكي لغاية ما توافقي وتديني فرصة وتدي نفسك فرصة.. أنتي مش أول واحدة حبيبها ربنا يسترده ليه


تغيرت تعابير وجهها واتجهت إلى الصرامة والحدة، نظرت إليه بعينين قاسية حادة وأردفت وهي تسير إلى باب المكتب:


-لو سمحت كفاية كده وروح على مكتبك.. مش عايزة كلام في الموضوع ده تاني وإلا مش هيحصل كويس، أنا بحترمك وبقدرك لأنه كان بيعمل كده بردو ومظنش أننا لو اتجهنا لطرق تانية هنرتاح 


أومأ إليها برأسه قائلًا:


-تمام.. بس بردو أنا مش هيأس 


تركها وأتجه إلى باب المكتب ليخرج منه.. تلك الغبية التي تريد أن تقتل نفسها وهي على قيد الحياة، تُخلص إلى زوجها الراحل، الراحل منذ عامين.. لن يلوم عليها يعلم أنها كانت تحبه للغاية والجميع يعلم بذلك ويقدر ذلك بها ويجعلها تكبر في نظره أكثر وأكثر ولكن عليها أن تستفيق مما هي به..


لن تبقى إلى الأبد وحيدة دون رفيق درب آخر، لن تبقى هكذا تعيش على ذكرى راحل.. الذكريات ستختفي ويتناسها العقل، الذكريات ستمحى وهي وحدها..


ولأنه تعيس الحظ، وقع في حبها من خلال العمل معها، لأنه تعيس الحظ يريد قربها، لأنه تعيس الحظ يريد الزواج منها وهذا بالنسبة إليها من عاشر المستحيلات..


لأنه تعيس الحظ وقع في حب مُخلصة.. ولكنه لن يشعر باليأس مهما حدث سيظل يحاول ويحاول إلى المنتهى..


سيحاول إلى أن يذهب إلى "ياسين" وإلا لن يكون هذا حب بل في تلك اللحظات سيكون وهم.. وسيكون حبها لزوجها الراحل أقوى بكثير منه..


سيبقى خلفها إلى أن ينال ما يريد منها، ألا وهو قلبها..


                                  ❈-❈-❈


"اليوم التالي"


كان "عامر" في الشركة الخاصة بهم، يجلس داخل مكتبة على المقعد وأمامه حاسوب وبعض الأوراق التي يعمل عليها.. ينتقل من هنا إلى هنا ونظراته لا ترتفع إلى أي مكان آخر إلى حين لحظة دخولها المكتب..


طرقت على الباب مرتين متتاليتين ثم أدارت المقبض وفتحته، طلت منه بابتسامة عريضة على وجهها ثم دلفت بخطوات ثابتة رشقية وأغلقت الباب مرة أخرى..


كانت "جومانا الصياد" صديقة "عامر" التي اكتسبها في الفترة الأخيرة، والوحيدة التي كانت ترافقه أماكن السهر ويد العون له في العمل كما أنها السكرتيرة الخاصة به..


فتاة جميلة حد الفتنة، بشرتها بيضاء لامعة، خصلات شعرها شقراء طويل خلف ظهرها على عكس حبيبته التي أصبحت خصلاتها قصيرة للغاية، عينيها خضراء وأنفها صغير، شفتيها وردية صغيرة جسدها ممشوق رائع ترتدي فستان وردي وكأنه مفصل على جسدها بالضبط يصل إلى بعد ركبتيها بقليل.. ويتوسطه حزام على الخصر كأنه فضفاض ويحتاج ذلك..


تقدمت منه إلى الداخل ووقفت جوار المكتب ناحيته، لم تقف بعيدًا ولم تتعامل منذ لحظة دخولها أنها هنا سكرتيرة أو عاملة لديه، بل هي صديقة وأكثر بالنسبة لها..


رفعت ملف به بعض الأوراق أمام عيناه التي بقيت عليها باستفاهم ليعرف ما الذي تريده منه، وقد قالت هي بنبرة مرحة:


-محتاجين امضتك يا باشا هنا 


أشار إلى الأوراق بعينيه متسائلًا بجدية:


-ايه ده


رفعت كتفيها الاثنين واخفضتهم بدلال ونظرة لامعة من عينيها الخضراء المُبادلة إياه النظرات ثم هتفت تجهل ما في الأوراق:


-أكدب لو قولتلك أعرف


استغرب حديثها الأبلة ورفع حاجبيه الاثنين ناظرًا إليها باستنكار وضيق لما تتفوه به:


-نعم؟ اومال أنا اللي أعرف يا جومانا 


أقتربت منه وجلست على طرف المكتب ناحيته، ثم سردت له بهدوء وتروي ما حدث:


-هدى بعتتلي وروحتلها قالتلي أخد امضتك على الورق ده وحتى مفتحتوش والله 


قدم إليها يده بجدية بعد الاستماع إلى حديثها مطالبًا بالأوراق:


-هاتي 


رفعت الأوراق إلى يده ثم تركتهم معه، أخذهم هو ونظر أمامه يتفحصهم جيدًا، لحظات وأخرى ثم تركهم على المكتب يحضر قلم من عليه ثم بدأ في وضع توقيعه على الورق خلف بعضهم البعض..


ترك القلم وأمسك بالملف مرة أخرى قدمه إليها بجدية فأخذته وبقيت كما هي ثم قالت بتساؤل: 


-مش هنسهر بالليل؟


عاد مرة أخرى إلى حاسوبه وعمله وأجابها بجدية شديدة وهو ينظر إلى الحاسوب:


-مش عارف 


وضعت يدها على ذراعه وأردفت بدلال ونظرة لامعة من عينيها تنطلق نحوه:


-ايه ده اللي مش عارف خلينا نسهر النهاردة 


نظر إلى يدها الموضوعة على ذراعه ثم أبعد نظرة إلى عينيها بعمق وثبات وتسائل بجدية ووضوح:


-اشمعنى 


لوت شفتيها باستغراب وأجابت بعفوية وهدوء على سؤاله الغريب فهو دائمًا كان يخرج معها:


-هو ايه اللي اشمعنى ما إحنا مخرجناش من زمان


تهكم على حديثها وعاد ببصره مرة أخرى إلى حاسوبه يهتف بسخرية وتهكم صريح:


-وهو إحنا متعودين نخرج مع بعض كل يوم ولا ايه 


احرجها بحديثه المتهكم، جذبت يدها من على ذراعه وابتلعت ما وقف بجوفها ثم تفوهت بنبرة عادية:


-لأ مش كده بس يعني تغيير 


أومأ إليها برأسها قائلًا:


-تمام 


تسائلت بعد كلمته المقتضبه مضيقة عينيها عليه بدقة:


-هنخرج؟


أردف بانزعاج وضيق بسبب حديثها وذلك الإلحاح به:


-معرفش يا جومانا هشوف 


احتدت نظرتها عليه وهي تستمع إلى صوته المنزعج، إنه يفعل ما يحلو له دائمًا ولو كان هو من يطلب منها الخروج لما كان يفعل ذلك أبدًا:


-لو عايز تخرج هتخرج على فكرة بس أنت بتعمل كل حاجه بمزاجك 


ابتسم بسخرية واستهزاء ناظرًا إليها بقوة وهتف بنبرة واثقة:


-وايه المشكلة؟


أجابته بقوة وجدية معترضة على طريقته معها التي تجعلها لا تفهم ما الذي يريده، ولكن للحق يكفي أنها تعلم ما الذي تريده هي منه:


-لأ دي مشكلة.. أنا مش بمشي على مزاج حد 


حرك عينيه على ملامحها ببرود وبطء ثم أردف بقوة وتبجح لم تتوقعه منه:


-مقولتلكيش تمشي على مزاجي.. إحنا مجرد صحاب 


كادت أن تُجيب على كلماته التي خرجت بتبجح منه ولكن باب المكتب قد فُتح في لحظة وهي تجلس هنا على هذا الوضع..


فتحت شقيقته الباب على مصراعيه ونظرت إليه وإلى "جومانا" من الأسفل إلى الأعلى بتقزز واشمئزاز، إنه الذي يدعى الحب على ابنة عمها، إنه من دمر العائلة وأخلف الخراب عليها، وجعل الجميع بتذوق مرارة الأيام وحدتها. 


صاحت بحدة وصرامة وهي ترى "جومانا" تنخفض سريعًا بحركات هوجاء من على المكتب فور أن رأتها:


-كل ده بتمضي ورقتين ولا أنتي أصلا مش فاضية بتأدي دور تاني


أقتربت منها الأخرى وهي تقدم إليها الأوراق وحركت شفتيها بخجل لأجل تبرير موقفها ولكن شقيقته منعتها من فعل ذلك وصاحت بقوة أكبر:


-هنا شركة وشركة يعني شغل مش حاجه تانية


بدلت بصرها إليه ودقتت به جيدًا ورأته ينظر إليها مُبتسمّا باستهزاء ولا مبالاة فقالت مرة أخرى:


-ياريت الكل يكون فاهم ده 


أبعدت نظرها إلى الأخرى وصرخت بها: 


-اتفضلي على مكتبك 


خرجت "جومانا" ووجهها بالأرض خجلًا من ذلك الموقف السخيف التي وضعت به أمامه وأمام شقيقته، يا لها من غبية هي الأخرى كيف لها أن ترفع صوتها عليها هكذا ولما ذلك الأحمق لم يدافع عنها..


ألقت شقيقته عليه نظرة أخيرة ثم أمسكت مقبض الباب وخرجت من المكتب صافعة الباب خلفها بحدة وقوة كبيرة..


وتركته هو بالداخل مُبتسم بغرابة من تصرفاتها التي أصبحت أحد عليه وأعنف بكثير منذ فقدانها زوجها. 


ليته كان هو من رحل وترك الجميع طالما وجوده غير مرغوب إلى هذه الدرجة 


                                   ❈-❈-❈


"المساء"


بعد إلحاح دام لأكثر من ساعة من قِبل "إيناس" ومن بعدها ابن عمها "هشام" الواقع تحت مسامع "سلمى" التي شعرت بالضيق والحنق الشديد منهم هم الاثنين بعد كل هذا الحديث المرهق لها، خضعت لرغبتهم التي لم تكن موافقة عليها بالمرة ولكنها اضطرت للخضوع بسبب إلحاحهم المستمر عليها والتي لم تستطع أن تهرب منه بأي حجة قالتها لهم..


كانت رغبتهم قوية في أخذها معهم للسهر في الخارج في مكان ما صاخب كالعادة لديه هو وابنة عمه وهي لا تحب هذه الأماكن أبدًا بل تكرهها وبشدة منذ زمن قد فات وهي لا تهواها وأصبحت تبغضها بضراوة بعد ما شاهدته بها على يد حبيبها..


أصبحت تبغضها بعد أن رأت الخيانة بها على يده..


وقفت أمام المرآة تعدل من مظهرها بعد ارتداء ملابسها بالكامل والانتهاء منها، كانت مرتدية جيب قصيرة قليلًا تصل إلى ما بعد ركبتيها بقليل، لونها أبيض باهت وبها نقوش خفيفة تكاد تكون مختفية، يتوسط خصرها حزام قماشي يتدلا بشكل رائع على جانب خصرها، يعلوها بلوزة خضراء اللون بحملات عريضة تخفي كتفيها، صدرها واسع قليلًا على شكل رقم سبعة وتختفي أطرافها داخل الجيب، تركت العنان لخصلات شعرها السوداء القصيرة تدلى على جانبي وجهها وخلف رأسها بكثافة..


تضع على وجهها قليل من مستحضرات التجميل التي لا تحتاج إليها من الأساس فهي بملامحها الطبيعية خلابة ورائعة تخطف الأنفاس..


وضعت بمعصم يدها واحدة من الأساور الرائعة، ثم رفعت عينيها إلى المرأة مرة أخرى تقيم مظهرها وهي تضيق عينيها على صورتها المعكوسه بالمرآة..


أطلقت تنهيدة وهي تستدير لتذهب ناحية الفـ ـراش الذي جلست عليه وأمسكت بالهاتف بين يدها تنظر إلى الساعة به التي تخطت التاسعة مساءً، ضمت شفتيها المكتنزة للأمام وتوجهت للناحية الأخرى بجسدها وهي جالسة تجذب الحقيبة الخاصة بها، لونها أبيض باهت كما لون الجيب صغيرة للغاية تأخذ فقط بعض الأغراض الشخصية.. وضعت بها الهاتف ومفاتيح سيارتها ثم أغلقتها وتركتها بجانبها على الفراش..


تقدمت للأمام قليلًا منحنية على نفسها للأسفل وأمسكت بحذاء موضوع على الأرضية مفتوح من الأمام والخلف به خط واحد رفيع بالمنتصف باللون الأبيض والأسود ذو كعب عالي، بدأت في ارتدائه ثم بعد انتهائها وقفت على قدميها وأخذت الحقيبة بيدها..


اتجهت إلى المرآة وأبصرت مظهرها بها برضاء وحركت خصلات شعرها ثم اتجهت تسير بثبات ورشاقة وجسدها الممشوق يتمايل باتزان...


وصلت بعد وقت أمام ملهى ليلي تخرج منه الأصوات الصاخبة، وقفت أمامه للحظات تنظر إليه بعد أن تركت سيارتها تبصر هيئته، لما قد أتت إلى هنا! أنها تبغض هذه الأماكن بشدة ولا تحب الولوج إليها أبدًا..

لقد فعلتها وأتت، ستكون هذه المرة فقط..


دلفت إلى الداخل بخطوات ثابتة وعينيها حادة واثقة، لم تلتفت إلى أحد من الجالسين أو الذين يقفوا يبصرون هيئتها الفاتنة بنظراتها القاتلة..


كانت تعلم أين هم لذا عندما أبصرتهم أكملت سيرها في اتجاههم بثبات... كان "هشام" مع "إيناس" يقفون حول طاولة مرتفعة للأعلى قليلًا ليست بمقاعد بل تقف جوارها..


تقدمت إليهم فنظرت إليها "إيناس" بابتسامة عريضة وقد ظنت أنها لن تأتي إليهم وصاحت بصوت عالي لكي تستمع إليها من خلال الموسيقى الصاخبة: 


-فكرتك مش هتيجي بجد.. قولت بتهاودينا


أبصرها "هشام" بنظرة ثاقبة من عينيه الحادة التي تصبح نظرتها لينة عندما يراها:


-ايه الجمال ده.. خطفتي قلبي وعنيا 


ابتسمت ابتسامة هادئة ارتسمت على شفتيها المكتنزة وعقبت على كلماته برقة:


-ميرسي يا هشام 


صمتت قليلًا ثم أبصرت المكان من حولها ترى الضجة والأصوات الصاخبة التي تزعجها بقوة، والحركة في المكان كثيرة تجعلها مُشتتة:


-ما تيجوا نغير المكان يا جماعة.. أنا بصدع من الوش ده ومش بحب الدوشه 


ارتشفت "إيناس" من المشروب الذي بيدها وقالت بجدية ونظرة مستغربة:


-ليه ده حتى الجو حلو وكله حماس 


لوت شفتيها المكتنزة بسخرية معقبة باستهزاء: 


-لأ واضح 


أتجه ناحيتها "هشام" بعد أن ارتشف من كأسه وتركه بقوة على الطاولة مقدمًا لها يده بحماس:


-تعالي نرقص 


اعترضت على اقتراحه وأجابت برفض ونبرة متضايقة:


-أنت عارف إني مش بحب الأجواء دي 


أمسك كف يدها بقوة وقام بجذبها ناحيته ولم يعطي إليها الفرصة وسار بها إلى ساحة الرقص:


-تعالي بس 


حاولت جذب يدها منه وهي تصيح من خلفه بصوت عالي معترضة على ما يفعله:


-هشام استنى 


وقف في منتصف ساحة الرقص بين الفتيات والرجـ ـال وجذبها لتقف أمامه وتمايل تحت أنظارها على صوت الموسيقى، وجدها تقف ثابتة كما هي ترسل له بعينيها كم انزعجت منه فلم يُعيرها اهتمام وقام بامساك يدها وجعلها تلتف حول نفسها ووضع يـ ـده على خصرها يقربها إليه..


قبل تلك اللحظة بلحظة أخرى كان يدلف "عامر" إلى صالة الملهى مع "جومانا" ولأجل أن "سلمى" تعيسة الحظ دائمًا لم يجد إلا هذا المكان ليتوجه إليه..


ولج إلى الداخل والأخرى تسير بجواره ولكنه وقف في لحظة ما وعينيه على فتاة على ساحة الرقص تعطي إليه ظهرها تتمايل مع "هشام الصاوي" المُقترب منها للغاية!.. هذه "سلمى"!!.. إنها هي جـ ـسدها وخصلاتها وحركاتها.. إنها هي ومن بين مليون فتاة يستطيع أن يعرفها..


ضغط على يده بقوة وأسودت عيناه التي انخفض عليها غمامة سوداء تساعد مظهره أن يبدو غاضبًا أكثر وهو من الأساس لا يحتاج ذلك..


أصبحت وتيرة أنفاسه عالية للغاية وعينيه مثبتة عليها، يشعر بغضب عارم سيحرق هذا المكان بأكمله..


في الناحية الأخرى وضعت "سلمى" يـ ـدها بضيق على يد "هشام" لتبعده عنها ولكنه ثبت نظره خلفها وابتسم داخله بقوة وفرحة عارمة احتلت كيانه.. ولكن ليس هذا الوقت المناسب لإظهارها..


أردف بجدية شديدة وقلق ظهر على ملامحه بوضوح مُرتسم بدقة وحرك شفتيه بنبرة جادة بجانب أذنها:


-سلمى!.. عامر وراكي 


رفعت عينيها المُتسعة على خاصته سريعًا برهبة وانتفاضة، ارتعش جسدها للحظة وهي تسمتع إلى الكلمات البسيطة ودق قلبها بعنف خوفًا من الذي قد يحدث إذا رآها "عامر" حقًا:


-ايه؟ عامر!!..


                                 ❈-❈-❈


                                   "يُتبع"


نعمل لايك على الفصل ونقول رأينا بقى!♥️♥️


#بين_دروب_قسوته

#الفصل_الثامن

#ندا_حسن


       "كيف السبيل للإبتعاد عن روحها الموجودة به"


بدأ "عامر" بالتحرك نحوها، مظهره لا يبشر بالخير أبدًا، لقد غليت الدماء بعروقه بسبب تلك الغيرة التي تنهش داخله بعد رؤيته لها في مثل هذا الوضع القذر بالنسبة إليه إلا لو كانت معه هو.. فالأمر هنا يختلف.


في لحظة والأخرى بينها خطوة انطفأت الأضواء جميعها وانقطعت أصوات الموسيقى الصاخبة فجأة وكأن هناك عطل قد حدث دون تدخل أحد..


وقف للحظات فقط ثم تدارك ما حدث وأراد أن يخرج هاتفه من جيب جاكيت بدلته ليشعل الضوء الخاص به وقد فعل البعض في المكان مثله ولكنه لم يكن يحتاج لذلك بعد أن عادت الأضواء مرة أخرى وارتفع صوت الموسيقى الصاخبة مرة أخرى تزلزل المكان..


وضع الهاتف بجيبه ثانيةً وشعر بالغليان في رأسه إلى آخره بعد أن اختفت من أمامه.. يقف "هشام" وبيده هاتف وبجانبه "إيناس" صديقتها الحقيرة.. استدار برأسه وعيناه في المكان من البداية إلى النهاية.. تحرك خطوات بقدميه لينظر جيدًا ربما تكن تحاول الهرب منه.. 


شعر بالانزعاج الشديد والضيق احتل كل خليه به، الغضب كان أكثر شيء يلازمه مع غيرته العمياء عليها، مؤكد كانت هي، أنه لن يخطئ في حبيبته "سلمى" لن يخطئ، مستحيل لقد كانت هي وهربت عندما علمت بوجوده... لم تحذر أبدًا لن يتركها اليوم..


عاد إلى "جومانا" التي وقفت باستغراب تُبصر ما يفعله بعينيها وتتسائل داخلها ما به أو ما الذي يبحث عنه، أردف بجدية:


-جومانا أنا لازم أمشي 


لم يعطيها الفرصة للرد عليه من الأساس فقد ذهب وتركها تقف تحاول أن تفهم ما الذي فعله الآن لقد أتى بها إلى هنا والآن يتركها ويرحل.. لم يمر عشر دقائق على وصولهم إلى المكان..


خرج من المكان بسرعة كبيرة وبخطى واسعة، صعد إلى سيارته وبدأ في القيادة بسرعة وعجلة من أمره فقط لكي يراها في الطريق قبل أن تعود إلى المنزل أو حتى قبل أن تدلف إلى الداخل.. إنها لن تستطيع أن تصل قبله وهو بهذه السرعة. 


الآن هي على علاقة بـ "هشام الصاوي"؟ هل هذا حقًا!.. هل هي على علاقة معه، أنه لأول مرة يكون لا يفهم شيء ولكن هناك خيط رفيع يربط الأمور ببعضها.. وقفتها معه اليوم في تلك الوضعية الدنيئة القذرة منها تقول إن ذلك الشيك كانت هي من أتت به منه وليست ابنة عمه!..


هذا يدل أيضًا على أنها تعرفه منذ الكثير!.. ولما قد يعطي إليها هذا الشيك للجمعية في ذلك الوقت بالتحديد؟ وما المقابل له، لا يمر عليه أنه تبرع دون مقابل.. لا يمر ذلك على عقله أبدًا..


أيعقل أنها تجعله ذلك المغفل وتدلف وتخرج مع ذلك الحيوان من دون علم أحد بالمنزل! أيعقل أنها على علاقة جادة به؟..


ضرب المقود بيده بعصبية شديدة وزاد من سرعته ضاغطًا على شفتيه بغل وحرقة بأسنانه الحادة.. لقد نهش المظهر داخل قلبه وهو يراها تقف في أحضانه بهذه الطريقة الرخيصة.. كيف لها أن تفعل ذلك.. كيف لها أن تسمح له؟..


لن يجعل هذه الليلة تمر إلا عندما يفهم كل شيء، سيعلم هل هي على علاقة معه حقًا أم لا، هل هي من كانت هناك تقف بين أحضانه أم لا؟، هي هي هي.. صرخ عقله بتلك الكلمات مؤكدًا أنها هي، لقد كانت خصلات شعرها السوداء القصيرة بالضبط، جسدها الممشوق المتناسق، وقفتها ومظهرها.. لقد كانت هي..


قبل تلك اللحظات التي مرت وبالتحديد عندما أطفأت الأضواء شكرت الله كثيرًا وارتفع صوتها أمام "هشام" وهي تتمتم بالحمدلله واستغلت الفرصة معه سريعًا وأخذها إلى الطاولة في لحظات خاطفة مُمكسًا بيدها يجعلها تُسير خلفه إلى الطاولة في تلك العتمة لتأخذ حقيبتها ثم قادها إلى المخرج سريعًا وعاد إلى مكانه مُمسكًا بيده ابنة عمه في لحظات لا يعلم كيف أنجزته هكذا وقادته بتوفيق وأتم المهمة هذه..


خرجت هي سريعًا تركض على قدميها وجسدها يرتعش بالكامل وهذه ليست مبالغة أبدًا، وقع قلبها بين قدميها عندما علمت بوجوده، "عامر" معها بالداخل.. سيكون هناك مذبحة إذا علم شيء من الذي تفعله.. 


أخذت سيارتها وانطلقت بها في لمح البصر وكانت قد اختفت عن الأبصار وابتعدت عن الطريق.. تعرف كيف يفكر "عامر".. تحفظه عن ظهر قلب، لو كان رآها حقّا وأكتشف الآن أنها اختفت سيعلم أنها هربت منه وسريعًا سيعود إلى المنزل لرؤيتها. عليها أن تكون هناك وقبله.. عليها أن تكون لم تخرج من الأساس من الفيلا..


أخذت الطريق في دقائق معدودة وعقلها لم يتوقف عن التفكير، ماذا لو علم بعلاقتها معه؟ أنها تخفيها وتحاول أن تدبر الأمر حتى عندما يظهر يكون هو وضع أمام الأمر الواقع.. ستحاول بكل الطرق أن تجعله يصمت ويبتعد عنها ولكن بعد رؤيته لها في هذا الوضع لا تضمن النتيجة وحتى إن تركها اليوم وأعتقد أنها لم تكن هي ستظل عينه عليها طيلة الوقت..


يا الله كيف تتخلص من عذاب حبه وحرقة قلبه، كيف تبتعد عن ذلك الهلاك الموجع لقلبها، كيف السبيل للإبتعاد عن روحها الموجودة به..


وصلت إلى الفيلا، تركت السيارة في مكانها كما كانت وفتحت الباب لتخرج منها ومعها حقيبتها الصغيرة، أغلقتها وذهبت سريعًا إلى الداخل بخطوات واسعة، وقفت أمام البوابة الداخلية وأخرجت المفتاح الخاص بها من الحقيبة بأنفاس لاهثة وهي على عجلة من أمرها وقلبها يدق بعنف، فتحت البوابة ثم دلفت وأغلقتها سريعًا خلفها، قابلت إحدى الخادمات في طريقها إلى الداخل فوقفت للحظة تقول بجدية ولهفة: 


-فايزة أنا مخرجتش من الصبح سامعة؟.. 


قابلتها الأخرى بعدم فهم لقد رأتها للتو تدلف من الخارج كيف لم تخرج إذًا:


-نعم!


صاحت "سلمى" بنفاذ صبر وسارت سريعًا بقلق وخوف إلى الداخل وهي تهتف:


-يعني لو عامر سألك أنا خرجت يبقى لأ مخرجتش 


استدارت وهي على أولى درجات السلم تأكد عليها بعينين قلقة ولكنها حادة لتجعلها توافق على ذلك الكذب:


-سامعة!


أومأت إليها الأخرى برأسها بقوة عدة مرات متتالية وعندما رأتها تصعد على الدرج حركت رأسها يمينّا ويسارًا باستنكار ودهشة...


عندما قاربت على الولوج إلى غرفتها قابلت "هدى" شقيقته في طريقها فصاحت سريعًا تستنجد بها في لحظات الهلاك القادمة عليها:


-هدى.. هدى أنا مخرجتش ماشي؟


استغربت هيئتها ونظرت إليها باستغراب وذهول ثم أمسكت بيدها التي تضعها عليها وتسائلت بجدية: 


-مالك في ايه 


عقبت الأخرى على سؤالها مُجيبة بلهفة وسرعة:


-عامر هيجي دلوقتي لو سألك أنا خرجت قولي لأ مخرجتش وإني قاعدة هنا من زمان وأنك كنتي فوق عندي وأنا هفهمك بعدين ماشي


رأت مظهرها الخائف المُرتبك، وعينيها تتأمل بها الخضوع لرغبتها وإخراجها من ذلك المأزق التي وقعت به والتي هي لا تعلمه فحركت رأسها إليها بالايجاب فابتسمت الأخرى وتركتها وفرت إلى غرفتها ركضًا..


أغلقت الباب خلفها ودلفت إلى الداخل تركض بحركات هوجاء غريبة، ذهبت إلى الكومود جوار الفراش وفتحت درجه أخرجت منه أوراق كثيرة وقامت برميها على الفراش، ثم ذهبت إلى طاولة في الغرفة صغيرة عليها حاسوب أخذته هو الآخر وقامت بفتحه ووضعته على الفراش جوار الأوراق..


أخذت الحقيبة وأخرجت منها الهاتف وتركته معهم ثم انخفضت ودفعتها أسفل الفراش بما داخلها، رفعت البلوزة التي كانت ترتديها للأعلى تخلعها عن جسدها بسرعة وتعجل، وهي تسير إلى داخل غرفة الملابس وعلى حين غرة استمعت إلى صوت سيارته في الأسفل فركضت للداخل تلقي البلوزة أسفل الملابس تخفيها وفعلت بالجيب المثل بعد أن خلعتها عن جسدها وأخذت روب كان معلق أمامها ارتدته سريعًا تحكم غلقه عليها وهي تخرج إلى الغرفة ثم صعدت على الفراش تجلس عليه براحة تحاول أن تضبط أنفاسها المسلوبة منها، أخذت الحاسوب على قدميها وما كانت أن تجذب السلسال من حول عنقها إلا أن باب الغرفة فُتح بقوة مرة واحدة...


ظهر من خلف الباب بوجهٍ جامد ملامحه حادة قاسية، رفع بصره عليها وتوقفت عيناه السوداء في تلك اللحظات على خاصتها حتى أنه دلف إلى الغرفة وأغلق الباب من خلفه وعينيه عليها كما هي..


بعد رؤيتها له والنظر إلى مظهرة، ارتفعت وتيرة أنفاسها بقوة وصوتها كان واضح ولأجل أن تخفي ما بها صاحت بقوة وصوتها يرتعش يخرج بغير اتزان:


-قولتلك مليون مرة متدخلش الاوضه كده خضتني 


حرك لسانه داخل جوفه وظهر هذا من الخارج، رفع يده إلى رأسه من الخلف وحكها بأصابعه وعينيه مازالت عليها بطريقة ثاقبة تجعلها تموت داخلها..


لسانها سليط، عنيدة، شرسة وقوية ولا تهابه ونعلم جميعًا ذلك ولكنها تعلم أن هناك حدود لـ "عامر" إن تخطتها عليها تحمل نتيجة لن تعجبها أبدًا ولأن حظها عثر هي الآن ترتعش بسبب هذه النظرات وعقلها على دراية تامة بذلك لأنها تخطت أول وأكبر حد وضع بينهم.. ولعبت في أمر مرفوض تمامًا وهو الغيرة..


عندما وجدته صامتًا ويقف أمامها بهذه الطريقة لا يتحرك فقط عينه عليها أردفت قائلة بتساؤل وهي تحاول أن تضبط نفسها: 


-في ايه؟


أقترب إلى الفـراش بخطوات ثابتة بطيئة وجسده صلب شامخ أمامها، تفوه بكلمات خافتة هادئة ولكنها حادة قاسية: 


-هو أنتي فاكرة إنك لما تخلي فايزة وهدى يقولولي إنك مخرجتيش كده أنا هصدق؟.. 


تصنعت الغباء وعقبت قائلة باستغراب وعينيها عليه:


-مش فاهمه؟ قالولك ايه ومخرجتش فين؟


ارتسمت على شفتاه ابتسامة ساخرة ومازال يتقدم منها بهدوء، أجابها يتهكم عليها ثم أكمل بجدية:


-لا يا شيخة؟ أنتي لو في وسط مليون واحدة كلهم نفس الشكل والهيئة دي بردو هعرفك 


ابتلعت ما وقف بحلقها وحقًا لا يهمها أي شيء ولكن أن يعلم "عامر" أنها من كانت في أحضان "هشام" سيقتله ويقتلها إن لم يفعل الأسوأ:


-أنت بتتكلم عن ايه بالظبط


وقف أمامها بالضبط جوار الفراش وتسائل ببرود بعد أن وضع يده الاثنين داخل جيوبه:


-تعرفي هشام الصاوي منين؟


رفعت وجهها للأعلى لكي تستطيع النظر إليه بعد أن أصبح أمامها وهي تجلس على الفراش وقالت بجدية وبعد أن حاولت الهدوء تحلت بالقوة:


-قولتلك معرفوش 


حرك لسانه على شفتيه يبللها، ووزع بصره على ملامحها المتوترة التي أكدت له منذ أن دلف إليها أن ما فكر به صحيح:


-مش هسألك تاني بعد المرة دي!.. تعرفي هشام الصاوي منين؟


صاحت بقوة هذه المرة أكثر من السابق وعينيها حادة عليه لكي يتراجع:


-قولتلك معرفوش 


رفع قدمه اليمنى ودفع بها قدمها المتدلية من على الفراش بقوة ألمتها وجعلتها تصرخ بعنف بعد أن اصطدمت بالكومود، أكمل بعد فعلته ببرود:


-اللي في رجلك ده ايه؟ مش كنتي لبساه وأنتي في حضـ ـنه يا حيوانه


انخفضت وهي جالسة على الفراش تضع يدها على قدمها التي تناست أن تخلع عنها حذائها ذو الكعب العالي التي كانت به في الخارج، يا لها من غبية، حركت يدها بقوة على قدمها والألم مرتسم على ملامحها بفعل ضربته القوية عليها..


القادم أسوأ بكثير، لو كانت اقنعته أنها هنا ولم تخرج وهذا مستحيل فالحذاء الخاص بها محى كل ذلك وجعله يتأكد أكثر..


خلعت الحذاء من قدميها الاثنين وألقته على الأرضية ثم وقفت أمامه بوجه جامد حاد مثله بعد أن وجدت أن الكذب لن يفيدها معه: 


-نعم؟


أقترب خطوة واحدة وأصبح لا يفصل بينهم أي شيء ثم حرك شفتيه يسألها بعمق:


-ايه علاقتك بيه؟


نظرت داخل عينيه بقوة وأجابته بثبات:


-علاقة عادية


ضغط على أسنانه وحرك فكه وشفتيه بحديث غاضب حاد وعينيه تشتعل بالنيران في الداخل يغطيها ذلك السواد بها:


-علاقة عادية وأنتي واقفة في حضنه وهو أيده رايحه جايه عليكي زي أي واحدة زبالة 


رفعت صوتها عليه وهي تُجيبه بحدة وقوة نافية ما يقوله عنها بعد أن أحرقها ذلك التشبيه التي كانت حقًا به:


-احترم نفسك يا عامر أنا مش كده.. أنا كنت هقع وهو كان بيسندني مش أكتر 


ازعجه صوتها وتلك الحدة التي تتحدث بها، أقترب إلى أن التصق بها بغضب وقسوة يمسك ذراعها بكف يده العريض القوي يضغط عليه بحدة وقسوة ثم أردف بثبات وتأكيد ولم يكن تهديد أبدًا: 


-كدابة.. كدابة وستين كدابة وسنينك الجاية معايا سودة... لو مفكرة إنك ممكن في يوم من الأيام تتجوزي واحد تاني غير عامر القصاص وديني وما أعبد اقتلك فيها وهحصلك بردو مش هسيبك.. 


حاولت جذب يدها منه بالقوة ولكنها لم تفلح، بقيت عينيها الزيتوني عليه وصاحت بعناد:


-اوعا سيبني كده أنت اتجننت ولا ايه.. أنا وأنت خلاص مافيش الكلام ده بينا كل واحد راح لحاله وأنا هشوف حالي بعيد عنك 


أقترب بوجهه منها وابتسم ابتسامة صغيرة ساخرة يبادلها نفس العناد الذي تتحدث به ولكنه كان واثق أكثر منها وضغط على ذراعها أكثر:


-مش كل شوية هنقول الكلام ده بقى.. حالك هو حالي وأنتي اللي جبتيه لنفسك وبما إنك بتفكري في الموضوع بقى يبقى استعدي للي جاي 


كرمشت ملامح وجهها بانزعاج شديد وضيق لأ تتحمله، لن توافق عليه مهما حدث، الخائن الذي باع كل ما كان بينهم من حب وود، القاتل الذي أودي بحياة عائلتها:


-مش هيحصل مهما عملت يا عامر.. مهما عملت عمرك ما هتلاقيني موافقة عليك من تاني.. أنت أسوأ قدر قابلني في حياتي ووصمة هتفضل ملزماني بذكريات وفقدان بشع 


حرك سواد عينيه عليها وأردف مُعقبًا بتأكيد وثبات واضح:


-قولي مهما تقولي.. أنا لحد النهاردة ولحد اللحظة دي وبعد ما رفضتيني للمرة المليون متأكد مليون المية إنك بتحبيني.. أنتي عنيكي فضحاكي قدامي.... وقدام الكل 


صمتت وهي تستمع إليه، ذلك الغبي يحاول أن يكون الأقوى، يحاول أن يجعلها ضعيفة مرة أخرى أمامه وتستسلم لحبه وتقول ما فات قد مات ودُفن، يحاول أن يؤكد بها أنها مازالت تحبه وهو يعلم ذلك.. ولكن ليفعل مهما يفعل ستكون كما هي..


أمسك ذراعها الآخر بيده الأخرى وضغط عليهما معًا بقوة جعلتها تأن بألم وهو يقرب وجهها منه ليردف بقسوة وعنف:


-أنا كان ممكن أحاسبك بطريقة وسخـ* فعلًا على العمله دي بس وديني ما هتعدي بالساهل


صرخت بقوة وعنفوان:


-هتعمل ايه ها؟ قول يلا هتعمل ايه 


صدح صوتها وأنفاسها تلوح أمام وجهه ليستنشقها بحب ورغبة، ثم ابتسم وهتف بنبرة واثقة باردة:


-يا خبر بفلوس


نظر إليها مطولًا نظرة ذات مغزى ومن بعدها ترك يدها الاثنين وتوجه إلى الباب بخطوات واثقة ثابتة على الأرضية، نظرت إليه للحظات وهو يبتعد وعقلها يحاول التفكير ما الذي يقصده، ثم في لحظة صرخت وهي تقترب منه لتجعله يبتعد بعقله عن "هشام": 


-استنى عندك.. أنا وهشام مافيش بينا أي حاجه ده مجرد صديق مش أكتر 


استدار وهو عند باب الغرفة، نظر إليها من الأعلى إلى الأسفل ثم العكس ووقف عند عينيها وهتف بنبرة جادة وعنين قاسية تنظر إليها:


-منا عارف.. ماينفعش يكون في بينكم أكتر من كده لأنك بتاعتي... بتاعتي لوحدي وقريب أوي هتتأقلمي على الوضع ده وأنا محدش يعرفني قدك يعني لما بقول... بنفذ 


ثم فتح باب الغرفة وخرج منه دون حديث آخر وأغلقه خلفه، لقد كان ما فكر به صحيح وهي من كانت هناك معهم، ولكنها مؤكد ليست في علاقة مع ذلك الغبي فهي تحبه إلى أبعد حد وحتى لو كانوا بعيدين عن بعضهم، هي لا تستطيع أن تحب أحد غيره وقلبها الذي كبر على عشقه من المستحيل أن يفكر في رفيق آخر غيره..


متأكد من ذلك كما أنه متأكد من كونه "عامر القصاص" ولكن عليه أن يلقنها درسًا لتتعلم منه كيفية التصرف حتى وهي بعيدة عنه..


وقفت في الداخل تفكر باستغراب كيف لـ "عامر" بعد أن علم أنها من كانت بين يدي الآخر يتركها هكذا دون أن يفعل شيء؟ كيف له أن يكون هكذا حقًا؟ وما الحديث الذي تفوه به عن القادم منه وكيفية التأقلم عليه؟ إنها من المستحيل أن توافق عليه وهو لن يفعلها بالقوة لو كان يريدها هكذا لما كان يتركها كل ذلك الوقت!..


أشياء كثيرة داخلها تجعلها مُشتتة وأول ما بها معرفته أنها تعرف "هشام الصاوي"...


ولكن حمدًا لله أنه مقتنع أنها لا تحب غيره لذا ستكون نظرته مُبتعدة قليلًا عنه..


                                ❈-❈-❈


"بعد يومين"


بعد تواجد الجميع في غرفهم داخل هذه الفيلا التي فقدت روحها منذ عامين وإلى اليوم ليس هنا أي شخص داخله تعمل معه، هناك من فقد روحه للأبد وهناك من تبادل مع الآخر أرواح مأخوذة بالقوة..


كان يرتدي ملابس بيتيه، بنطال أسود قطني يعلوه قميص بنصف كم من اللون الرصاصي حذاء منزلي بإصبع واحد مفتوح من الأمام والخلف، خصلات شعره السوداء مصففة بعناية ومظهره أنيق يتناسب مع هيئته في الخارج ومع اسمه "عامر القصاص"..


سار بهدوء في الصالة ويده الاثنين في جيب بنطاله، تقدم إلى مكتب والده الذي كان مفتوح إلى المُنتصف، وقف أمامه للحظة واحدة يأخذ نفس عميق براحة ووجه هادئ للغاية يحث نفسه على التكملة بنفس هذا الوضع حتى يخرج من الداخل..


دلف إليه وسار إلى أن وقف أمام مكتبه ووالده تحت ناظريه يراه وهو يعمل على أوراق بيده يرتدي نظارته وينظر إلى الأوراق بدقة.. وقف "عامر" أمام المكتب وأصدر حمحمة رجولية من فمه حتى يجذب انتباه والده إليه..


رفع والده عينيه من على الأوراق ونظر أمامه ليجد ابنه يقف هكذا يضع يده الاثنين في جيوب بنطاله وينظر إليه بجدية، أخفض النظارة من على وجهه واضعًا إياها على المكتب أمامه ثم أخرج كلمة وحيدة مُتهكمة من فمه:


-خير؟


أخرج "عامر" يده اليمنى من جيبه ورفعها إلى جبينه يمسح عليه بحدة، أخفض يده وحمحم مرة أخرى ثم أردف بجدية وعيناه البُنية على والده:


-خير متقلقش 


صمت من بعد هذه الكلمات وبادلة والده نفس ذلك الصمت واضعًا يده الاثنين على المكتب أمامه متشابكين منتظر أن يكمل ويقول ما يريد، ففعل وتفوه بكلمات جادة للغاية ناظرًا إليه:


-أنا عايز اتجوز سلمى 


بقيت نظرات والده عليه بل اخفضها ليأتي به من الأسفل إلى الأعلى واستقر أمام عيناه بثبات وكأنه في البداية يشعره بكم الاستهزاء الذي وقع عليه:


-ومين قالك أن سلمى هتوافق ولا أنا حتى هوافق 


وضع "عامر" يده داخل جيبه مرة أخرى ووقف أمامه شامخًا حرك رأسه للأمام وضم شفتيه إلى بعضهما ثم هتف يتساءل:


-طب سلمى وعارفين مش هتوافق ليه أنت بقى ايه المانع 


عاد والده للخلف يستند بظهره إلى ظهر المقعد وأبعد يده عن المكتب قائلًا بوضوح:


-أنت عارف المانع كويس وكان واضح من الأول


تحدث "عامر" باستهزاء وسخرية وداخله يموت أكثر من مرة في الثانية لأجل ما يفعله معه والده، ولكنه يقابله بالبرود التام:


-آه كان واضح حتى إنك قولت لعمي الله يرحمه بلاش دا ابني وأنا عارفه على أساس محدش يعرفني غيرك 


أكمل على حديثه بنبرة جادة:


-بالظبط كده ولسه عند كلامي.. سلمى متستاهلش واحد زيك، البنت جميلة وبريئة وردة مفتحة محتاجه اللي يظهرها ويظهر جمالها.. مش أنت، كفاية اللي حصلها بسببك 


اهتاج بعد الاستماع إلى هذا الحديث وأخرج يده من جيبه ورفعها أمامه يحرك إصبعه السبابة واثقّا من حديثه الذي أصبح حاد:


-سلمى مش محتاجة غيري ومش هتكون لحد غيري لو هعاند الدنيا كلها وأنت وهي أول ناس بردو مش هتكون لغيري


أبصره والده بقوة للحظات وهو يعيد ترتيب حديثه داخل رأسه ثم عقب بجدية شديدة:


-أنا لو هقف قصادك العمر كله مادام هي رافضة ومش عايزاك مش هسمحلك تغصبها وتضغط عليها واللي هي تختاره هتاخده، أنا هنا مكان أبوها اللي رمامها ليك


أخفض "عامر" يده ونظر إليه بقوة اجتاحتها القسوة هاتفًا: 


-وأنا بقولك يا أنا يا مافيش... أعتبر الرجـ ـالة خلصت لحد هنا


أكمل حديثه هذه المرة بنبرة عادية ينظر إليه بعمق ليجعله يفهم أنه سيفعل ما يريد مهما حدث ولن تكون إلا له:


-أنا جيتلك الأول احترامًا لأنك أبو البيت زي ما بيقولوا بس الظاهر إن مالكش رغبة في الموضوع ده.. ننقل بقى لصاحبة الشأن نفسه وهي هتوافق وبكرة تشوف 


وضع يده في جيبه مرة أخرى ونظر إليه بتحدي وعمق ثم استدار رافعًا رأسه يصدر صوت صفير حاد عالي وهو يسير للخارج ببرود، منذ لحظات قليلة كان يشتعل لأجل حديثه الغير مقبول بالنسبة إليه أبدًا، ماذا عن الآن يبدو باردًا، هادئ، يفعل ألحان من ذلك الصوت الذي يصدره من فمه..


سار بثبات وهدوء وكأنه يخطط لشيء ما نتيجته محسومة بالنسبة إليه..


نظر إليه والده ورآه وهو يخرج من المكتب دون أدنى اهتمام يعطيه إليه، بل أشعره باللا مبالاة التامة من ناحيته، يخاف على ابنة أخيه منه خوف يقتل داخله، تركها "عامر" عامين ولم يفتح الأمر مرة أخرى وكونه الآن فكر بده فهو سينفذ ولكنه لن يتركه يفعل معها أي شيء لا تريده..


سيقف جوارها ويبقى معاها إلى أن يطمئن عليها.. سيكون سند لها وحتى إن أضطر إلى أن يقف أمام ابنه كما قال..


لن يتركه يفعل بها ما يريد، ولن يتركها تأخذ القرار وحدها فهو يعرف أنها إلى الآن تحبه وتهوى قربه أكثر من أي شيء آخر ولكن الماضي يؤثر عليها في كل مرة تقرر العودة إليه..


                              ❈-❈-❈


جمعت أشيائها الخاصة في حقيبتها الصغيرة ذو اللون الأسود، ثم وضعت الحاسوب في حقيبته ووقفت على قدميها تأخذهم الاثنين بيدها اليسرى تسير متجهة إلى خارج مقر الجمعية، ورفعت مفاتيح سيارتها التي كانت تتمسك بها في يدها اليمنى، حركت وجهها للناحية اليمنى بقوة لتتحرك خصلات شعرها القصيرة إلى الخلف كي لا تزعجها..


أثناء سيرها في الرواق وجدت من يتقدم منها بابتسامة عريضة ووجه بشوش، لقد كان "هشام" يدلف ومعه "إيناس" ابنة عمه وقفت في مكانها بعد أن رأتهم ولم تتحرك خطوة نظرت إليهم باستغراب وهتفت بجدية:


-ايه ده محدش قال إنكم جاين يعني 


ضيق عينيه عليها بخبث وأردف بطريقة مُعاتبة مازحة ليبقى قناع وجهه كما هو:


-ايه مكنتيش عايزانا نيجي ولا ايه 


حركت رأسها وابتسمت بهدوء مُجيبة إياه بنفي:


-لأ طبعًا مش قصدي.. بس مفاجأة يعني مش أكتر


تحدثت "إيناس" هذه المرة وهي تقترب منها بعيون حادة كعيون الصياد البارد الذي يدعى البراءة:


-بعد اللي حصل آخر مرة هشام قرر يعوضنا بسهرة حلوة وفي مكان عامر مستحيل يعرفه


اعترضت على هذا الحديث والإقتراح الغبي المقدم من ناحيتهم:


-لأ لأ يا جماعة معلش أنا بجد تعبانة النهاردة 


أبصر عينيها بعمق وقوة وأردف بنبرة جادة:


-مش هتفلتي مني يا سلمى أنا بقالي كام يوم مش عارف أقعد معاكي 


كرمشت ملامح وجهها وحاولت الإعتراض مرة أخرى بطريقة أقوى كي تتراجع هي وهو:


-هشام والله مرة تانية بجد أنا تعبانة 


استمعت إلى صوت "إيناس" الساخر منها التي تعلم جيدًا ما هي مخاوفها:


-تعبانة ولا خايفة من عامر 


حركت وجهها إليها ونظرت إلى عينيها بعمق للحظات خلف بعضها دون حديث ثم أجابتها بحدة قليلة وضيق ارتسم على ملامحها:


-وأنا هخاف منه ليه يا إيناس قولنا مليون مرة هو من طريق وأنا من طريق القصة كلها في إنه شافني في وضع وحش 


تدخل "هشام" قائلًا بنبرة مُلحة ليجعلها توافق على تطلبه وتتقدم معه إلى المكان الذي يريده:


-طب وأنا اعتذرت عن الوضع الوحش ده وهو مش هيشوفك خلاص بقى 


حركت رأسها بنفي مرة أخرى واعترضت بجدية واضحة:


-بجد مش هينفع 


أقترب منها خطوة وهو يُصر عليها بقوة ضاغطًا عليها أكثر عندما أخذ منها حقيبة الحاسوب ورفع عينيه صوبها ببراءة لا مثيل لها:


-لأ هينفع هاتي 


أخذت نفس عميق ما أن أخذ حقيبتها ثم أردفت متسائلة وبعدها أشارت إلى ملابسها المكونة من بنطال أبيض يعلوه قميص حرير لونه وردي تختفي أطرافه داخل البنطال وحذاء رياضي مريح: 


-طب رايحين فين وبعدين بصوا شكلي 


تقدمت منها الأخرى وأمسكت بيدها قائلة بابتسامة عريضة:


-شكلك زي القمر وبعدين إحنا هنروح مكان أمان ومحدش هيشوفك 


تابعتها "سلمى" بعينيها وتسائلت:


-فين ده؟


بنفس تلك الابتسامة أجابتها وعينيها تخفي بريق لا مثيل له ليس معروف ما هو أصله:


-شقتي الجديدة 


ارتبكت "سلمى" كثيرًا، كيف لها أن تذهب إلى شقتها ومعهم ابن عمها؟ لن تفعلها أبدًا ما هذا الهراء:


-لأ خليها مرة تانية بلاش دلوقتي 


اختنق الآخر من كثرة المحايلة في كل مرة يريد منها القرب فقال بنفاذ صبر:


-ايه ده اللي بلاش دلوقتي هو أنتي مالك بجد يا سلمى 


أشارت بيدها وهتفت بقوة وعينين حادة وهي تصيح:


-ماليش يا هشام بس مش هينفع أروح معاكم شقة


استدار يوليها جانبه ونظر إلى ابنة عمه قائلًا بقوة ونبرة حادة متضايقة:


-قصدك ايه بالكلام ده؟ أنتي مش واثقة فيا ولا ايه؟ نبرتك اتغيرت وأنا بجد اتخنقت 


صاحت هي الأخرى مثله:


-مش قصدي يا هشام مش قصدي 


نظر إليها بقوة ثم استدار بجسده بالكامل وسار إلى الخارج بعنف وقوة وجسده متشنج، أنها أصبحت مصدر إزعاج حقًا بالنسبة له ومنذ أن رآها "عامر" وهي تبتعد عنه بقدر ما استطاعت.. ولكنه لن يتركها مهما حدث.. سيكون خلاصها من الجحيم بيده هو.. هو وحده..


جذبتها الأخرى بكامل الخبث الذي تحمله داخلها وتحدثت بجدية وعتاب:


-يلا بقى يا سلمى بلاش تزعليه هي أول مرة يعني نبقى سوا.. وبعدين هنقف نتكلم هنا..


سارت معها على مضض ومازالت تعترض وتتفوه بقوة أن ذلك لا يجوز ولن تفعله: 


-مش هينفع صدقوني..


                              ❈-❈-❈


دق باب الشقة التي كانت متواجدة بها بعد رحيل "إيناس"، وقفت على قدميها وتقدمت من الباب لترى من الطارق ربما تكن هي، ولكن أليست معها مفتاح لشقتها؟..


أخذت نفس عميق ثم وقفت أمام الباب من الداخل، أمسكت المقبض بيدها وأدارته لينفتح الباب مع حركة يدها التي تجذبه للداخل..


كانت الصدمة كبيرة عليها هذه المرة، اتسعت عينيها بقوة وانخفض ضغط الدم بجسدها، ارتمى قلبها أسفل قدميها وتوقفت دقاته هنا، أو تسارعت أكثر وكأنه في سباق عليه الفوز الحتمي به.. لا تستطيع التحديد الآن ما الذي يحدث به..


لم تستطع حتى أن تبتلع ما وقف بحلقها بعد رؤيته هنا، نظراتها مُثبتة على عينيه، جسدها بدأ بالارتجاف بقوة وأنخفضت يدها عن مقبض الباب والخوف احتل كل خليه بها.. 


الرهبة واللهفة المُتعطشة لأي حركة قد تدلها على الخير وأن القادم لن يكون سيء، ولكن ذلك لن يحدث..


لم يكن هو يحتاج لأي نظرة خوف أو عتاب، أو رهبة منها، لأنه لن يتراجع عما يريد، إن كانت مرت عليهم ليالي تحمل من السوء ما يكفي فهذه الليلة ستكون بداية الأسوأ الذي ينتظرها..


عينيه انخفضت عليها غمامة سوداء حالكة حادة، نظرتها جامدة قوية تحمل من القسوة ما يكفي بلاد الاحتلال، شفتيه لو تراها وهي مضمومه بهذه الطريقة وفكة الذي يتحرك بعنف ضاغطًا على أسنانه في الداخل ستقول أنه على وشك قتل أحدهم..


صدره يعلو وينخفض بغضب عارم، جسده مُتصلب وبقوة، يضغط على يده الاثنين بعنف حتى ابيضت مفاصلة ونظرته نحوها كانت تحمل كل الشر الموجود بقلبه ناحية كل من أراد التفريق بينهم..


عينيها لم تصدق الذي رأته وقلبها لم يساعدها والتفكير الذي دائمًا موجود برأسها اختفى الآن تاركّا إياها في عطلة لم تكن تريدها أبدًا، رهبتها وخوفها من أن يفهم ما يحدث بأنه خطأ أكبر بكثير من خوفها الذي احتل الموقف بينهم بعد هذه النظرات التي تقول إنه هنا لقتلها لا محالة..


تقدم خطوة والأخرى ببرود تام وعينيه لم ترمش مرة واحدة، حادة عنيفة قاسية كما هي مُثبتة على عيون الزيتون خاصتها، يبشرها بكل عنف وقسوة قادمة إليها منه، يبشرها بكل ما هو سيء قام إليها منه..


تراجعت خطوة خلف الأخرى كلما تقدم هو، ابتلعت ما وقف بجوفها منذ أن رأته ولم تكن تستطيع فعلها، حاولت أن تجعل صوتها يخرج لتخفف حدة ما يحدث، لتخفف نظرته نحوها ولتبرر موقفها الذي يحكي وحده عما يدور من دون علمه.. وللحق لو أحد آخر غيره لن يصدق أي حديث تقوله..


ابتعدت شفتيها عن بعضهما في محاولة بائسة منها لشرح موقفها العثر، وأصبحت وتيرة أنفاسها عالية لاهثة، تعود للخف وهو يتقدم إلى أن بقيٰ معها داخل الشقة، ثم دفع الباب بيده بقوة وعنف ارتجفت لها الجدران وارتجف جسدها معها.. ومازالت عينيه عليها لم تتحرك..


هنا ابتلعت ما وقف بجوفها مرة أخرى ناطقة باسمه بنبرة خافتة تُكاد تكون مختفية من الأساس، وعينين ترتجف كارتجاف شفتيها وجسدها:


-عامر


                               ❈-❈-❈


                                "يُتبع"



#بين_دروب_قسوته

#الفصل_التاسع

#ندا_حسن


ابتعدت شفتيها عن بعضهما في محاولة بائسة منها لشرح موقفها العثر، وأصبحت وتيرة أنفاسها عالية لاهثة، تعود للخلف وهو يتقدم إلى أن بقيٰ معها داخل الشقة، ثم دفع الباب بيده بقوة وعنف ارتجفت له الجدران.. ومازالت عينيه عليها لم تتحرك..


هنا ابتلعت ما وقف بجوفها مرة أخرى ناطقة باسمه بنبرة خافتة تكاد تكون مختفية من الأساس، وعينين ترتجف كارتجاف شفتيها وجسدها:


-عامر


اصطدمت بالحائط خلفها الذي كان يقابل باب الشقة مُبتعدًا عنه بضع خطوات وقد تخطتهم هي وهو معها..


وقف أمامها مباشرةً عينيه كما هي لم يتغير أي شيء بها، سوداء حالكة، تنتظر فرصة الانقضاض عليها التي ستكون رابحة، عليه فقط أن يحسم الأمر


ابتعدت شفتيه عن بعضهما بنبرة حادة كالسيف لحظة تقدمه لقطع رقبة أحدهم:


-هو فين؟


لم تعد تستطيع التحكم بنفسها، خوفها منه يقتلها دون رحمة، وتعابيره لا تسعفها على التبرير أو المحاولة حتى في براءة نفسها:


-هو... هو مين؟


حرك لسانه داخل فمه في حركة يفعلها دائمًا، وأبعد عينه عنها إلى الفراغ المجاور لها، تابعته بعينيها ليس اعتقادًا منها أنه سيهدأ بل هي تعلم ما القادم..


برهة واحدة قد مرت وكان يتمسك بخصلات شعرها السوداء القصيرة من الخلف يجذبها معه إلى الداخل وهو في حالة اهتياج لم تراها من قبل، صاح بصراخ قائلًا:


-الوسـ* اللي أنتي معاه هنا.. هتعملي نفسك هبلة يا بت القصاص.. وديني ما أنا فايتكم 


سارت معه عنوة عن نفسها وخصلات شعرها بين يده يجذبها بقسوة وشراسة، خرجت الدموع من عينيها فقط لأنها وضعت نفسها في مثل ذلك الموقف أمامه:


-سيبني يا عامر اوعا أنت بتقول ايه 


دلف بها إلى صالة الشقة ولم يرى أي أحد غيرهم بها، نظر بعينيه الحادة إلى الأنحاء المتاحة له ولم يرى طيف أي شخص هنا.. دفعها بكل قوته على الأريكة فارتمت عليها بكامل جسدها جالسة.. منحنية على نفسها فوقها تستند بيدها الاثنين والدموع تخرج من عينيها قهرًا لما هو قادم عليها..


رفعت وجهها واعتدلت في جلستها لتنظر إليه فوجدته يتوجه إلى الداخل يبحث عن أحد!!.. يبحث عن "هشام" هذا مؤكد، رفعت خصلات شعرها إلى الوراء ومسحت على مقدمته للخلف..


حاولت أن تتوقف عن الارتجاف وتفكر في التصرف مع ذلك الهمجي المعروف بطبعه الغلاب، مسحت وجهها بقوة محاولة محو تلك الدموع المتساقطة لتبقى أمامه قوية.. ولكن أين تلك القوة لقد أخطأت.. أخطأت حقًا هذه المرة..


خرج يسير بخطوات واسعة ومظهره لا يروقها يتقدم منها بهمجيه واهتياج يؤثر على جميع بدنه، وداخله الآن كل عضو يغلي ويحترق...


وقف أمامها بعد أو وصل إليها وأمسك بمرفقها ليجذبها بقوة جعلتها تقف أمامه وصاح بغضب وقسوة:


-هو فين؟ 


أجابته بعينين دامعة تود البكاء:


-نزل والله العظيم مع إيناس أنا هنا لوحدي 


حرك عينيه الحادة عليها بقوة وتسائل بقسوة وغضب أكبر وهو يضغط على يدها ليجعلها تتألم:


-يعني كان موجود


أومأت برأسها إلى الأمام عدة مرات وتقدمت خصلاتها القصيرة معها وأكملت توضح له بانكسار وصوت يرتجف:


-أيوة بس والله إيناس كمان موجودة 


بيده الأخرى أمسك ذقنها بقسوة شديدة وضغط عليها بعنف يرفع رأسها إلى الأعلى ليجعلها تنظر إلى عينيه مباشرة وتسائل بحرقة:


-بتعملي ايه معاه في شقته؟


أجابته بنبرة تحاول أن تظهرها له بعد تلك المسكة ورفعت يدها الأخرى تتمسك بيده الذي يضغط بها على فكها:


-دي شقة إيناس مش شقته وجيت علشان أشوفها لأنها هتنقل فيها 


أخذ نفس عميق ولم يصدق ما تقوله، نظر إليها لبرهة بعد كلماتها الغير صادقة بالنسبة إليه وعاد السؤال مرة أخرى بحدة أكبر ضاغطًا على كل حرف يخرج من فمه:


-تاني.. بتعملي ايه معاه في شقته 


خرجت الدموع تتساقط من عينيها في صمت تام وأجابت بإلحاح مرة أخرى لتجعله يصدق:


-والله شقة إيناس


ضغطت يده على فكها يمسكه بقوة يقربها منه إلى أن تقلصت المسافة بينهم وصرخ بعنف أمام وجهها وهي تستنشق أنفاسه اللاهثة:


-وأنتي من امتى بتروحي شقق؟ من امتى


لقد أخطأت كما قال، هي اعترضت من البداية ولكن الخطأ قد حدث ولم تستمر على موقفها في الرفض، ابتلعت ما بحلقها وضغطت بيدها على يده الممسكة بها وتحدثت بجدية لتجعله يفلتها:


-عامر أنا عارفة إني غلطت المرة دي مش محتاجة إنك تعمل كده 


ضغط أكثر على فكها وفي الناحية الأخرى ذراعها وأقترب أكثر وأنفاسها تلفح وجهه ثم قال بشر وقهر يشعر به:


-هو أنتي لسه شوفتي حاجه


أبعدت عينيها الزيتوني عنه وترجته بقوة وعينيها تنزف الدموع النادمة على فعل كهذا:


-عامر أرجوك كفاية مش كده 


دفعها للخلف بقوة نافرًا منها تاركًا إياها وكأنها شيء متسخ لتقع على الأريكة خلفها واستمعت إلى صوته الجهوري:


-ده كده وأبو كده.. بقيتي زي الزبالة اللي تعرفيها فعلًا.. بقيتي زيها


رفعت عينيها إليه وتوسلته بخفوت:


-عامر كفاية 


عاد للخلف وسار يدب بقدمه على الأرضية في حركات هوجاء، جسده متشنج للغاية وداخله بركان لا يعرف أين بالضبط عليه أن يثور.. إن ثار عليها ستموت لا محال: 


-عمي مات خلاص.. مفكرة إنك هتدوري على حل شعرك.. لأ فوقي أنا هنا ومش هسيبك يا سلمى 


صرخت بعنف عندما وجدت الإتهامات تهطل عليها بكثرة منه، ويأتي على ذكر والدها الذي أحرقها فراقه:


-أنا معملتش حاجه 


أجابها يتهكم عليها وحديثه يقتله قبل أن يقتلها هي:


-واقفة في شقة واحد يا زبالة وتقوليلي معملتش.. اومال لو عملتي اجيبك منين؟ السرير 


صرخت بعنف قائلة اسمه نافرة من حديثه القذر، يتهمها بشيء بشع ويشير إليه بحديثه الغبي، يعتقد أنها مثله وتفعل ما يفعله هو!:


-عــامــر 


أقترب منها على حين غرة، ثني ركبته اليمنى على الأريكة والأخرى على الأرضية ينحني فوقها وهي جالسة أمامه، يتحدث أمامها بفحيح وشر مدفون داخله:


-اخرسي.. مش عايز اسمع صوتك فاهمة 


النيران تاكل داخله، وعقله لا يتركه ولا يستطيع أن يفهم ما الذي كانت تفعله معه هنا، يموت، والله داخله يموت والحرقة تزداد لحظة بعد لحظة وهو هكذا ضائع لا يعلم ما الذي تفعله:


-كنتي بتعملي ايه معاه انطقي 


قابلت عيناه التي تنظر إليها بعمق ينتظر منها إجابة ولكنها صرخت بقوة:


-أنت اتجننت.. قولتلك مكنتش معاه هو أفهم


بادلها النظرة ولكنه كان يحترق والنيران داخله لا تخمد بل كله لحظة تمر عليه تشتعل أكثر وأكثر ليثور هو وتتناثر حبيبات عقله المفكرة ما الذي كانت تفعله معه في منزل وحدهم!..


أردف بقوة ووضوح:


-أنتي خليتي فيها فهم.. وديني ما هرحمك وأيامك الجاية كلها سواد.. وأنا هعرف كل حاجه بطريقتي وهعرفك إزاي تحترمي نفسك.. قدامي 


أمسك ذراعها وأبتعد عن الأريكة يجذبها معه لتقف على قدميها فحاولت الإبتعاد:


-سيب 


طفح الكيل منها.. ألا يكفيها ما الذي يمر به الآن، ألا يكفيها أنه مُشتت ضائع لا يعلم حبيبته ماذا تفعل مع رجل آخر غيره هنا!.. أبصرها بعمق وهتف بنبرة واثقة حادة:


-اخرسي يا سلمى وأمشي معايا من سكات وإلا وديني هتأكد بنفسي من اللي كنتي بتعمليه هنا 


نظرت إلى عينيه للحظة واحدة ولم تفكر في حديثه، لم تفكر في كونه يستطيع فعله أو لأ، بل فكرت في كونه يشك بها، ويتخيلها بهذه البشاعة ولكنه ليس عليه حرج هي من وضعت نفسها في هذه المكانة منذ أن وافقت القدوم إلى هنا والذهاب إلى ملهى ليلي..


انخفضت وهو مازال متمسك بيدها وأخذت حقيبتها الصغيرة من على الطاولة والأخرى بقيت في سيارتها، جذبها ضاغطًا على ذراعها بقسوة مُتعمد من ذلك تسير خلفه بوجهٍ باهت وعينين حزينة..


لقد جعلته يتجرأ عليها ويجذبها من خصلاتها، جعلته يرفع يده ويتمسك بها بهذه الطريقة.. لن تلوم أحد سوى نفسها.. 


أخفضت وجهها إلى الأرضية وهي تسير خلفه بعد أن خرج من الشقة إلى أن وصلت إلى الخارج، وجدته يدفعها أمامه إلى سيارته ليجعلها تجلس جواره بعد أن فتح لها الباب..


وقفت أمام باب السيارة وأردفت قائلة:


-عربيتي ورا 


دفعها إلى الداخل بعنف وقوة وهو يهتف بحدة:


-اركبي وأنتي ساكتة 


التف حول السيارة وصعد هو الآخر يجلس أمام المقود، استدار بوجهه ينظر إليها بنفور تام وعينيه تحكي وتسرد لها كم الألم داخله.. تغاضى عن كل ذلك وأدار المقود وتحرك بالسيارة مُتوجهًا إلى الفيلا وما داخله ليس خير أبدًا..


نظرت إلى الأمام وابتعدت تلتصق بـ باب السيارة، عقلها لم يجعلها تفكر في أي شيء سوى أنه أخذها إلى لحظات حدثت قبل قليل.. تتذكر كل ما حدث وتراه أمام عينيها وتندب حظها العثر الذي جعلها توافق على كل ذلك من البداية لتقع بين مخالبه..


"بعد أن دلفوا الشقة بقليل ورأتها مع "إيناس" وباركت عليها جلست في الصالة على الأريكة وبجانبها "إيناس" يقابلهم "هشام" وفي المنتصف الطاولة بينهم أردفت قائلة تنظر إلى ابن عمها بجدية:


-أنا نسيت خالص إن الشقة فاضية تعالى يا هشام ننزل نجيب أي حاجه تسلينا


لو وقف ليحطم رأسها الآن لن يلومه أحد، يا لها من فتاة غبية لا تفهم أبدًا، أبصرها بعينيه ثم قال وهو يقف على قدميه:


-لأ خليكي وأنا هنزل 


وقفت هي الأخرى أمامه قائلة بهدوء:


-استنى بس أنا عايزة أجيب حاجه لنفسي كمان ومش هعرف أنزل تاني خدني معاك وسلمى تستنى هنا 


استنكر وجودها وحدها دونهم فتحدث باستفهام:


-هتقعد لوحدها يعني 


عقبت ابنة عمه تبادله الاستنكار ثم الجدية التامة:


-هي هتخاف الله.. دول عشر دقايق وهنرجع


كانت هي تتابعهم بعينيها وتستمع إلى الحديث الدائر بينهم فنظر إليها بعمق وتسائل بعينين دافئة وصوت حنون يخفي الكثير خلفه من الخبث والمكر: 


-هتعرفي تقعدي لوحدك لحد ما نرجع 


لوت شفتيها قائلة بجدية:


-مالوش لازمة تنزلوا أصلّا 


صاحت إيناس معترضة بقوة تشير بيدها بالرفض التام وأكملت من خلفها بجدية:


-لأ لأ أنا عايزة حاجه من تحت ضروري 


استغربت إلحاحها ولكنها أومأت إليها بالموافقة مردفة بهدوء:


-طيب ماشي بس متتأخروش ياريت 


-حاضر 


بدلت نظرها إلى ابن عمها وقالت بجدية وعينيها تلمع ببريق خبيث ماكر:


-لحظة يا هشام هجيب حاجه من جوه 


أومأ إليها فدلفت هي إلى الداخل، جلس مرة أخرى مقابل "سلمى" وتعمق بالنظر إليها مردفًا يتساءل باستغراب:


-مالك ساكتة ليه ومش على بعضك 


عادت للخلف تستند بظهرها إلى ظهر الأريكة وابتسمت بوجهه ابتسامة هادئة مُجيبة إياه:


-لأ عادي مافيش حاجه 


أقترب هو إلى الأمام تاركًا نصف مقعدة وجلس على الفراغ وغير تعابير وجهه إلى الحزن المخادع ونبرته إلى الضعف:


-بتبعدي عني ليه طيب 


اعترضت على ما قال وأجابت بقوة ناظرة إليه بثبات، وداخلها يعترض على حديثها من هنا إلى المنتهى:


-أنا مش ببعد يا هشام القصة كلها في إني مش عايزة حد يعرف حاجه غير لما اظبط وضعي 


تعمق أكثر في الحديث مُعترضًا هو الآخر ولم يظهر مدى الخبث داخله ناحيتها بل أظهر كل الحب:


-وهو إحنا معانا حد دلوقتي؟.. سلمى أنا بحبك وعايزك 


حركت عينيها على الفراغ ثم عادت إليه مرة أخرى، ترى أن الاستماع إلى هذه الكلمات من شخص غيره صعبة للغاية، وتصديقها أصعب بكثير: 


-وأنا مقولتش حاجه 


كرمش ملامحه وكأن الضيق قارب على الظهور بسبب حديثها المختل الذي لا يروقه في جميع الأوقات بل يزعجه وبقوة:


-وهتقولي امتى 


طلبت منه بمنتهى الهدوء والسلام بداخلها وملامحها تلح عليه وتستعطفه لأن يستمع إلى حديثها ويوافق عليه:


-ممكن بلاش كلام في الموضوع ده دلوقتي 


أشار بيده بانزعاج أصبح واضح أمامها وهو لم يستطع أن يخفيه أكثر، إنها تبعده عن مراده، هي وذلك الأبلة ابن عمها، وهو لن يتحمل أن يكون الفاشل للمرة الذي لا يعلم عددها أمام أبيه:


-هو كل مرة كده.. أنا حاسس إنك معلقاني 


ترجته بعينيها وبنبرة هادئة خافتة منها تظهر بحزن:


-أرجوك.. 


عاد للخلف واستند إلى الأريكة بظهره وتفوه بكلمة واحدة مقتضبة:


-طيب"


طال الصمت بينهم فنظرت إليه بطرف عينيها تبصر مظهره الذي كان كما هو حاد عنيف ملامحه مشدودة وعيناه على الطريق لم تتزحزح..


عقلها مُشوش للغاية تتذكر أنها كانت منذ دقائق ترتجف بين يده وهي غير معتادة على هذا الأمر، وضعت نفسها في محل ليس مناسب لها وكان عليها تحمل النتيجة. 


لقد كان هو الآخر أثناء تفكيرها يعود إلى الخلف قليلًا بعقله قبل أن يعرف أين هي..


"كان يرتدي ملابسه ليخرج مع أصدقائه يقضي في الخارج القليل من جو الحماس المسروق منه منذ زمن، والذي أيضًا يتباهى بوجوده الآن بحياته وهو من الأساس يسرقه كما الآخرين


وقف أمام المرآة يعدل مظهره يمد يده إلى الأخرى يغلق أزرار القميص، نظر إلى مظهره الوسيم برضاء واستدار يأخذ الجاكيت ليرتديه ولكنه أتاه إتصال على هاتفه فترك جاكيت بدلته على المقعد وتوجه إلى الكومود يأخذ من عليه الهاتف والذي كان ينير برقم غير معروف..


أجاب بنبرة عادية ووضعه على أذنه فأتى حديث الطرف الأخر بسخرية:


-أهلًا عامر باشا.. معذب قلوب العذارى ودنجوان زمانك 


لوى شفتيه ببرود وتحركت ملامح وجهه بضيق وانزعاج تام بعد فقط الاستماع إلى صوتها البغيض على قلبه:


-هو أنتي.. لو أعرف أن موبايلي هيتنجس بسماع صوتك مكنتش فتحت 


تهكمت بسخرية وأردفت باستهزاء:


-قال يعني أنت اللي طاهر وشريف تكونش شيخ جامع.. ولا حتى حبيبة القلب


تقدم "عامر" وهو يسير في الغرفة ووقف أمام الفراش يستمع حديثها ثم عندما انتهت عقب بصوت صلب حاد: 


-أنا اوسخ واحد ممكن تقابليه.. أما حبيبة القلب أشرف من مليون واحدة زيك


انطلقت ضحكات رنانة تصدر منها ازعجت أذنه ولكنه وجدها تحاول التوقف عن الضحك الساخر منه قائلة:


-بأمارة ايه أن شاء الله.. إنها سايباك دلدول وراها وبتحب في هشام ابن عمي؟ وفي أكتر كمان 


صرخ بها بعنف وقسوة:


-اخرسي 


تسائلت بابتسامة لم يراها ولكنه شعر بها تكمل بحقد وغيرة لم تمر على صديقتها من قبل:


-اخرس ليه ما تدافع عنها يلا وتقول فيها أبيات الشعر اللي كنت بتقوله زمان


ابتسم هو الآخر وحاول ألا يغضب من حديثها وتكون تفوقت عليه وأضاعت ما تبقى له في حبيبته فقال بمنتهى الهدوء والحب: 


-وهفضل أقوله لآخر يوم في عمري 


ضغطت على أسنانها بشدة غيظًا من حديثه وتفوهت بغل والحرقة داخلها تحتاج لمن يطفئها:


-طب ألحق بقى أحسن الشعر ولع بس بينها وبين هشام.. 


استردت مرة أخرى تكمل له ما بدأته وما أرادت قوله من البداية بحقد ومكر:


-يوه نسيت أقولك أصلها حاليًا معاه في شقته.. بيحاولوا يطفوا نار الشعر اللي والعه بينهم 


تقدم خطوة للأمام وضغط على الهاتف بيـ ـده وهو يصرخ بغضب بعد أن احرقته كلماتها من الداخل:


-بقولك اخرسي أنتي بتقولي ايه 


تشدقت ببرود وابتسامة تشمت به وبها هي الأخرى:


-اللي سمعته ولو تحب هبعتلك ياسيدي العنوان روح أتأكد بنفسك


هتف بتأكيد وقوة وجسده متشنج للغاية:


-أنتي كدابة وحيوانه.. سلمى عمرها ما كانت زيك يا زبـ ـالة 


أخرجت كل الحقد والكره الذي ذرع بقلبها تجاه صديقتها بفضله هو:


-سلمى ازبل مني بكتير بس أنت مش واخد بالك، ولو حتى هي نضيفه أنا بقى هخليها واحدة من إياهم وهحرق قلبك عليها 


رد بقوة يتسائل بجدية شديدة:


-أنتي عايزة توصلي لايه باللي بتعمليه ده؟ أنا هبعدها عنك للأبد


استمع إلى ضحكتها عبر الهاتف وقالت بتأكيد وسخرية لأنها تعلم أنه لن يستطيع التأثير على "سلمى" وجعلها تبتعد عنها:


-مش هتقدر أنا صاحبتها المخلصة مهما عملت مش هتبعد عني إلا لو جبت دليل ضدي لكن دلوقتي نو يا حبيبي نو 


صرخ بعصبية واهتياج وهو يسير في الغرفة قائلًا بقوة يهددها:


-مش هسيبك يا إيناس.. أنا لحد النهاردة عامل خاطر لسلمى فيكي ومقدر إنك يتيمة مالكيش حد لكن بعد كده وديني ما هسيبك 


أردفت ببرود ولا مبالاة تامة مُجيبة إياه:


-أعلى ما في خيلك اركبه... هبعتلك العنوان يارب تلحقهم قبل ما يطفوا النار اللي ولعت بينهم


أغلقت الهاتف من بعد هذه الكلمات، أخفضه من على أذنه وبقيٰ لدقائق ينظر له، عقله مشغول بما استمع إليه منها.. "سلمى" ابنة عمه ليست فتاة صغيرة كي يقودها ذلك الحيوان إلى منزله بهذه السهولة..


مؤكد أنه يعرفها، مهما حدث لن تذهب إلى بيته وهو لن يفعل مثلما قالت ولن يذهب إلى هناك إنه يثق بها أكثر من نفسه.. حقًا وبجدية تامة يثق في أخلاقها أكثر منه هو شخصيًا.. ولن يفعل.. لن يكون ذلك الهمجي الذي تريده "إيناس" لتخرب علاقته مع حبيبته أكثر من ذلك..


أرسلت له العنوان في في رسالة نصية، رفع الهاتف أمام وجهه ونظر إليها وداخله يرفض الخضوع إليها وبقوة ولكن تحدث عقله بـ ماذا إن كانت هناك عنوة عنها وهذا فخ من صديقتها الحقيرة!؟.."


أبتعدت بوجهها عن نافذة السيارة واستدارت ناظرة إليه بعينين حزينة مُرهقة إلى أبعد حد، لا تدري لما فعلت بنفسها وبه هكذا ووُضعت معه بهذا الموقف السخيف، يتكرر السؤال على عقلها كل لحظة والأخرى ولا تجد إلا أنه غبية للغاية لتوافق على فعل يعارض مبادئها هكذا..


يصوب نظرة على الطريق بملامح حادة قاسية، يده تشتد على المقود وعروقه بارزة للغاية، تعلم أنه على علم بنظراتها الحزينة إليه ولكنه يكابر النظر إليها بشفقة..


امتدت يدها لا إراديًا إلى مذياع السيارة وضغطت عليه بإصبع يدها ثم عادت إلى حيث ما كانت تستند على باب السيارة تنظر من النافذة على الطريق الذي يسير عليه مُستمعة بأذنها إلى صوت الموسيقى الحزينة التي اندلعت من المذياع بعد أن قامت بتشغيله.. ثم من خلفه صوت حزين رأته مُرهق مثلها وداخله الألم يزداد كلما أردف حرفًا آخر..


"أكتر حاجه توجع في لحظة الفراق حبيبك تلمحهُ ودموعه رافضه تطلع وكأنه حالُا فاق على ايد بتـ ـدبحهُ


وكأن ده عادي لأ وأقل كمان مـ العادي والوقت ده كله في عُمر الواحد راح عـ الفاضي 


ومابين لُقاء وفراق كأننا في سباق، ده بيبكي وهو مفارق وده فارق ومهُش فارق مين فينا وفى بوعدهُ ومخانش الإتفاق واتبقى في مطرحهُ"


كلمات الأغنية كانت مُرتسمه على حياتهم وكأنها بالفعل خصيصًا لهم، بعد قول هذه الكلمات الحزينة التي جرحت داخله مد يده هو هذه المرة وأطفئ صوته ليعود للصمت مرة أخرى، ألمه قلبه كثيرًا بعد الاستماع إلى هذه الكلمات، لقد تركته بالفعل وكأنها تتمسك بنصل حاد في يدها وتقوم بذبـ ـحه به، لقد فعلت هذا وهي تقوم بتركه ومفارقة روحه..


وظهر هذا بالفعل كما استمع منذ لحظات وكأنه شيء لا يُعنيها، وكأن الأمر لا يهمها من الأساس وسلبت منه عمره الذي أفناه لأجلها ولأجل أن تكون حلالًا له وحده..


لقد بكى وحده كثيرًا ونذف ألمًا ودماء من عينيه وهو يراها تفارقه مُبتعدة عنه دون التفكير فيما قد يحدث إليه.. دون التفكير حتى في كيف ستكون حياته من غيرها..


بينما هي انهمرت الدموع من عينيها بصمت تام وهي تنظر إلى الخارج وتعلم أن هذه الكلمات ألمته كما فعلت بها بالضبط، لقد جرحت قلبها أكثر مما هو عليه..


تذكرت يوم أن خان قلبها وعمرها الذي سلمته إياه، تذكرت كيف كانت تأبى خروج الدموع من عينيها وهو حارق قلبها وطاعنه بسكين حادة وهو ينظر إليها دون أدنى مبالاة والسكين داخل قلبها مُتمسكًا بها بيده..


تذكرت كيف أظهر تبجحه عليها وحاول اختراع التبريرات دون الإقتناع بها، وكيف كذب ووقف أمامها يهددها دون الخجل من نفسه قائلًا بأن ذلك أمر طبيعي كما قالت كلمات الأغنية..


كيف بكيت وهي تفارقه وعينيها عليه تنظر إلى حدته وغروره الذي جعلوه يفارقها دون التفكير بها وبما حدث إليها بسببه!..


لقد كانت كلمات الأغنية حارقة إلى الاثنين، كانت خناجر كثيرة كل كلمة بها تساوي خنجر يذبح بهم هم الاثنين وكل منهم يرى نفسه المظلوم المسلوب منه حبيبه عنوة عنه وبموافقة منه..


                                  ❈-❈-❈


فكر "تامر" في كيفية الوصول إلى "هدى" التي تكابر لأجل زوجها الذي أصبح مع الموتى منذ عامين، تدفن نفسها وهي على قيد الحياة لأجله، تريد أن تخلد ذكراه معها وتبقى زوجته إلى أن تذهب إليه ولكنه يرى نظرتها نحوه.. يشعر أن هناك إنجذاب بينهم.. يعتقد أنها تفكر به وتمنع نفسها عنه لتبقى على ذلك المبدأ..


سيحاول أن يتحدث مع والدها.. وها هو الآن هنا عنده في مكتبه داخل الفيلا بعد أن أخذ منه موعد وقد أتى الآن..


جلس على المقعد الأيمن مقابلًا لوالدها الذي يجلس خلف مكتبه على مقعده وكان يسير معه في منتصف الحديث قائلًا بجدية:


-من وقت موت ياسين وهدى جالها عرسان كتير أوي بس هي كل اللي على لسانها أنها رافضة الجواز وأنا مقدرش اغصب عليها 


تعمق بالنظر داخل عيناه المماثلة لعين ابنه، هتف بتأكيد وجدية وشيء من اللين:


-أنا عارف كل ده بس هدى مياله ليا بترفض غصب وبتضغط على نفسها وأنا بصراحة مش عايزها تضيع من أيـ ـدي أنا بحبها 


أشار والدها بيده الذي رفعها عن المكتب بقلة حيلة وهو يتساءل ثم أكمل بحنان وثقة:


-أنا الحقيقة مش عارف أقولك ايه.. أنا عن نفسي مش هلاقي حد أحسن منك لهدى لكن القرار بيقف عندها هي 


أردف "تامر" مُكملًا حديثه طالبًا منه بهدوء:


-كل اللي محتاجه منك إنك تكلمها في الموضوع وبكلمتين منك تمشي الليلة يمكن تفكر وتاخد قرار صح المرة دي 


أظهر والدها مدى حزنه على ابنته وللحظة قد مر أمامه شريط سريع يعرض كيف كانت عائلته قبل عامين:


-والله أنا أتمنى قبلك.. أنا مش فرحان بقعدتها دي أهو عدى على موت ياسين سنتين.. هدى كانت بتحبه لكن مش هتفضل كده طول العمر 


أكد على حديثه قائلًا:


-أنا قولتلها الكلام ده لكن هي بردو عاندت.. أنا عشمي فيك أنت


ابتسم إليه والدها وهتف بنبرة لينة هادئة:


-هحاول يا تامر.. أنت زي ابني وأنا بحبك ومقدر اللي أنت بتعمله 


بادلة الابتسامة وهو يشكره ناظرًا إليه باحترام:


-ربنا يخليك وبجد شكرًا


وقف على قدميه من بعد آخر جملة ألقاها ثم أكمل بجدية:


-عن إذن حضرتك بقى 


رفع "رؤوف" عينيه معه واقترح بجدية وهو يشير إليه بيده:


-خليك يابني لسه بدري رايح فين 


ابتسم الآخر أكثر وهو يردف مُجيبًا عليه:


-لأ دا يادوب أمشي بقى.. تصبح على خير


-وأنت من أهل الخير 


قدم إليه "تامر" يده وهو واقفٍ على قدميه يسلم عليه باحترام ثم استدار وأخذ يسير بهدوء وثبات يخرج من غرفة المكتب إلى الفيلا ومن بعدها خرج إلى الحديقة، تقدم من سيارته وصعد بها عائدًا إلى مكانه وقلبه بدأ ينير به بصيص من النور اللامع، المفرح والمبهج لقلبه وحياته القادمة معها..


                               ❈-❈-❈


وصل بالسيارة إلى الفيلا وصفها أمام البوابة الداخلية، مازالت ملامحه كما هي وكل ما به، جسده مهتاج وإن أردفت بكلمة واحدة لا تعجبه سيثور عليها ويجعلها ترى أسوأ ما مر عليها معه..


ما مر الآن لم يكن شيء إنه حاول بكل جهده أن يتمالك أعصابه ولا يفقدها عليها، أن يكون ذلك الهادئ الذي يعالج الأمور بعقلانية، ولكن رؤيته لها في منزل الحقير واتضاح أن حديث تلك الوقحة كان صحيح جعل الدماء تفور داخل عروقه وقلبه ينبض بسرعة ركض الفهد..


أن يكون قاسي معها وحديثه حاد، أن يكون عنيف شرس ويده تطول خصلاتها ليس مجرد نقطة واحدة في بحر غضبه العميق الثائر والذي يريد أن يهدأ بأي طريقة كانت..


جذب مفاتيح السيارة بعد أن صفها، استدار بوجهه ينظر إليها بعينين حادة غاضبة ثم صاح بصوت عالي نسبيًا: 


-انزلي 


تمسكت بحقيبتها ولم تنظر إليه، بل وضعت يدها المرتجفة على مقبض الباب وفتحته ومن ثم خرجت من السيارة وفي الناحية الأخرى فعلها هو الآخر وخرج متقدمًا منها عندما وجدها خرجت ووقفت كالتمثال..


جذبها من يدها للأمام فتقدمت عليه وقام بدفعها بخفة بكف يده على ظهرها صائحًا بصوت عالي ونبرة خشنة:


-ما تمشي ولا اتشليتي هنا 


سارت وهو خلفها بضيق شديد وانزعاج لا مثيل له، عقلها يريد أن يهتف بالصراخ عليه إلى أن يستمع الجيران والمنزل والكرة الأرضية جميعها ومن عليها: 


-براحة 


فتح باب الفيلا بمفتاحه ودفعها للداخل مرة أخرى كما السابقة بعد أن وقفت معه أمام البوابة وصرخ بغضب: 


-هو ايه ده اللي براحة ادخلي 


وقفت في المنتصف واستدارت إليه باهتياج وعصبية يكفي إلى هنا لقد طفح الكيل منه، صرخت بنبرة شرسة وملامح حادة:


-ما كفاية بقى هو أنت اشتريتني 


تقدم بخطوة واحدة واسعة ليقف أمامها مباشرة يستنشق أنفاسها الحادة المتناثرة أمام وجهه وأجاب هو الآخر بنبرة رجولية خشنة:


-آه اشتريتك ولسه اللي جاي أحلى 


صاحت أمامه بقوة ونفي معترضة على حديثه وعينيها مقابلة إياه:


-لأ محصلش ومش هيحصل 


رفع يده ودفعها بأصابعه أعلى كتفها المتناثر عليه خصلات شعرها السوداء القصيرة:


-أنتي ليك عين تتكلمي أصلًا 


ردت بعصبية تاركة خوفها منه في مكان بعيد عنها بعد أن بقيت في أمان داخل الفيلا:


-ومايكونش ليا عين ليه الله غلطت وأعترفت بغلطي لكن معملتش حاجه تستاهل كل ده 


صرخ أمام وجهها بصوت جهوري مرتفع: 


-لأ تستاهل.. وأنتي عارفه كده 


خرج والده من المكتب على أصواتهم العالية، تقدم بخطوات سريعة منهم وعينيه عليهم هم الاثنين يراهم يقفون أمام بعضهم مقتربين للغاية وكل منهم ملامحه تنم عن غضب عارم..


تسائل باستغراب بعد أن وقف قريب منهم:


-فيه ايه، صوتكم عالي ليه 


ابتعدت عنه قليلًا عندما تداركت وجود عمها معهم ثم صاحت بنبرة جدية ثابتة: 


-مافيش يا عمي 


أقترب هو الخطوة التي ابتعدتها وصاح عاليًا بعناد وعينيه عليها ومن داخله الحرقة تزداد أكثر وأكثر:


-لأ فيه 


تقدم خطوة أخرى من والده ليقف أمامه وصاح بسخرية مُتسائلًا باستنكار وضيق:


-رفضت جوازي منها مش كده؟ إسألها بقى أنا جايبها منين دلوقتي علشان تسيبها على راحتها أكتر بعد كده 


اعتقدت أنه يتحدث عن الماضي وأن والده كان أول المانعين لزواجهم، تركت ذلك وتحدثت بجدية وخوف من أن يقص ما حدث على عمها ويتفهم الأمر خطأ مثله:


-عامر كفاية


تراجع إليها وصرخ بعنف أمام وجهها كما جعلها تنظر إلى الأرضية، قلبه يحرقه والنيران داخله لا تخمد وعقله يفكر في ألف فكرة في الثانية الواحدة:


-كفاية لــيــه ها.. كفاية لــيــه مش هقول الحقيقة واللي حصل؟


أتت شقيقته على عجلة من أمرها تهبط من الأعلى بملامح ملهوفة قلقة بعد أن استمعت إلى أصواتهم العالية..


تسائلت وهي تهبط آخر درجة لتتقدم منهم:


-فيه ايه 


عاد للخلف ووقف ينظر إليهم واحدًا تلو الآخر واستمع إلى صوت والده الذي خرج بنفاذ صبر وضيق:


-هتتخانقوا كتير.. ما تقولوا فيه ايه 


نظر إليها بحدة وقسوة رآها تطلب منه الكتمان وألا يهتف بما حدث ولكن ذلك لن يكون في صالحه، حرك شفتيه الرفيعة قائلًا بجدية ونبرة بها الحرقة تتدلى أمامهم:


-فيه إني جايب الهانم المحترمة من شقة راجـ ـل.. جايب بنت القصاص من شقة هشام الصاوي


تحولت أعين عمها وابنته نحوها باندهاش وذهول تام، كيف لها أن تكون في منزل رجل غريب عنها معه وحدها، كيف لها أن تفعل ذلك وتتخلى عن مبادئها ومبادئ العائلة..


صرخت بصوتٍ عالٍ وهي تشير بيدها بهمجية قائلة:


-قولتلك مش شقته 


عادت بوجهها إلى عمها الذي وقف مصدومًا مما استمع إليه وجال بخاطره كثير من الأشياء يقول أنها لا تفعلها، أردفت بنبرة أصبحت باهتة:


-مش شقته يا عمي والله دي شقة إيناس صاحبتي وهو ابن عمها 


أردفت "هدى" هذه المرة بتساؤل تنظر إلى ابنة عمها باستغراب:


-عامر ليه بيقول كده طيب


أردفت بقلة حيلة وأصبحت الدموع متكومة بعينيها بعد التعرض لموقف أصعب من معرفة "عامر" ووقوع الإتهامات عليها من الأعين:


-معرفش


هتف بتأكيد وقوة ينظر إلى وجهها بقساوة:


-يمكن علشان كان معاكي 


التفت إليه بقوة صارخة به:


-قولتلك إيناس كانت معايا هي كمان 


هذه المرة وقبل أن يتحدث "عامر" تفوه والده بسؤال واضح لها وعينيه تجوب عليها وعلى ملامحها وحقًا يقف بينهم لا يتفهم ما الذي حدث من البداية:


-وأنتي ايه خلاكي تروحي شقة إيناس مع واحد متعرفيهوش 


ابتلعت ما وقف بحلقها بعد سماع سؤاله الجاد، رفعت عينيها عليه وأجابت بهدوء ونبرة خافتة:


-أعرفه، يبقى ابن عمها وأنا أعرفه


تسائل مرة أخرى بعينين حادة مُثبتة عليها:


-يعني اللي عملتيه ده صح؟


نظرت إلى الأرضية وهي تود الإنفجار في البكاء لقد وضعت نفسها في موقف لا تحسد عليه ولم تتعرض ليه بحياتها:


-لأ أنا غلطت لما روحت هناك ومعترفه بغلطي لكن هو مش عاجبه كلامي وعايز يكبر الموضوع


أشار إلى نفسه بإصبع يده اليمنى واستنكر حديثها:


-أنا عايز أكبر الموضوع ولا هو كبير لوحده يا محترمة 


استهزأ بها ونطق بآخر كلمة بهذه الطريقة ليجعلها تشعر بالخجل من نفسها وكأنه يقول أيضًا أنها على عكس هذه الكلمة، لم تجب عليه فلم ينتظر أن يتحدث أحد وقال هو بصوت واثق جاد:


-كفاية لف على حل شعرك، أنا سيبتك كتير وأخر كلام إني هتجوزك وفي أسرع وقت


خرجت من حالة الهدوء التي كانت بها منذ أن وقع سؤال عمها، وتركت الخجل من نفسها على جانب وحده وعند الاستماع إلى كلماته استحضرت الشراسة والعنف وصاحت بصوت عالي ورفض تام ناظرة إليه بقوة وعنفوان:


-على جثتي ولو حتى كنت أنت آخر راجل في الدنيا 


                                   ❈-❈-❈ 


                                     "يُتبع"



#بين_دروب_قسوته

#الفصل_العاشر

#ندا_حسن


تحرك جسده ناحيتها بعنفوان وقوة وظهر طوله الفارع أمامها عندما وقف قبالتها لا يبالي بأي من الواقفين قائلًا حديثه بتأكيد:


-على جثتك ولا مش جثتك أنا قولتلك وبقولك وهقولك أنتي ليا وبس وأعلى ما في خيلك اركبيه 


منذ أن أردف بكلمات الزواج تحولت إلى أخرى، صاحت أمامه بعينين قوية عنيفة حادة وهي تضغط على صدره بأصابع يدها اليمنى:


-غصب عنك مش هتجوزك وهشوف حياتي مع حد غيرك ومش هوقفها عليك ولا على تهديداتك دي


أظهر موهبته في الاستفزاز والتبجح قائلًا لها وهو يومأ برأسه للأمام بابتسامة ساذجة:


-حياتك مش هتقف فعلًا.. هتمشي بس معايا 


استفزها بشدة مظهره وحديثه الذي يلقيه أمامهم بتأكيد تام وكأنه يعلم أن ذلك سيحدث بالفعل، قالت مؤكدة هي الأخرى بجدية:


-قسمًا بالله لو آخر واحد في الدنيا.. أنا مستحيل ارجعلك وأكون معاك حتى لو روحي فيك 


ابتسم ببرود وأشار إلى الواقفين قائلًا بثبات:


-روحك فيا وهترجعيلي قدام الكل أهو


رفعت يدها الاثنين إلى صدرها ودققت النظر به داخل عينيه بالتحديد وبادلها ذلك تحت أعين والده وشقيقته ثم أردفت بصوت حزين خافت:


-أرجع للي كسر فرحتي بحياتي وخطف مني أهلي


عاد للخلف خطوة، هل مازالت تفكر به هكذا؟ حتى بعد أن استفاقت من صدمتها بموتهم!، إلى اليوم تعتقد أنه كان السبب بموتهم وهو من جعل حياتها حزينة؟.. تنهد بعمق مُجيبًا بقوة:


-أنا لا عملت ده ولا عملت ده.. أنتي بتبرري لنفسك وبس


نظرت إلى الناحية الأخرى لترى عمها يقف جوار ابنته فقط يستمع إليهم وإلى الآن لم يتحدث مرة أخرى، لقد كان واقع بصدمة تخص ابنة أخيه، هتفت ببرود:


-ولو ببرر لنفسي أنا مبقتش عايزاك.. مش شيفاك شريك حياتي أنت مجرد ابن عمي 


رفع إحدى حاجبيه ونظر إليها بعينيه السوداء الخاصة بالغضب والتي أصبحت هكذا في أغلب الأوقات، أراد أن يجعلها تغضب أكثر فصاح:


-أنا مش شريك حياتك وبس.. أنا جوزك وعملك الأسود اللي هيلمك من الشقق والشوارع 


صرخت بعنف وقوة بعد أن مزقها حديثه البغيض:


-احترم نفسك وشوف أنت بتقول ايه.. بلاش أنت تتكلم على الشقق علشان إحنا عارفين اللي فيها 


بدون أدنى إهتمام أردف بكلمات غبية لا تؤخذ من رجـ ـل عاقل ولم تروقها أبدًا:


-أنا راجـ ـل براحتي وأعمل اللي أنا عايزة مافيش حاجه تمنعني لكن أنتي ست وعندك الموانع كتير وأولهم أنا


تسائلت ويدها الاثنين أمام صدرها:


-بصفتك ايه؟ ها.. الوحيد اللي ليه كلمة عليا هنا هو عمي 


ابتسم بسخرية ووضع يده الاثنين داخل جيوب سترته، ونظر إليها بعمق مُردفًا بتأكيد:


-بكرة نشوف مين اللي هيكون ليه كلمة عليكي 


أخفضت يدها من على صدرها ونظرت إليه بعينين لا تدري ما المعاني التي داخلها وترسلها إليه، بادلها النظر مُطولًا بعينين ضائعة غبية تسير وراء أهوائها..


صدر صوت "رؤوف" والده بقوة بعد صمت دام طويلًا وتحرك للصعود إلى غرفته وعقله به شيء واحد يريد التفكير به:


-اطلعي اوضتك يا سلمى.. اطلعي يا هدى


تحركت "سلمى" قبلها إلى الأعلى تاركة إياه يقف في المُنتصف وحده ومن خلفها صعدت "هدى" وعقل كل شخص بهذه العائلة مُنشغل بكثير من الأمور الذي تكاد أن تفجره..


صعدت على الدرج بسرعة وخطوات واسعة ثم دلفت إلى غرفتها ودفعت الباب من خلفها بقوة إلى درجة أنه أصدر صوتًا عاليًا للغاية، أبعدت الحقيبة عن كتفها وألقتها بقوة على الفراش ثم ذهبت إليه وجلست على حافته..


انخفضت بجذعها للأمام وهي جالسة، تضغط بيدها الاثنين على خصلاتها تعيدها للخلف بقوة، بدأت الدموع تخرج من عينيها بهدوء وبطء، في صمت تام ولم يخرج منها أي صوت، فقط دمعاتها تنهمر خروجًا من مقلتيها لتمر على وجنتيها المُكتنزة في طريق لا نهاية له..


حزنها الأول والأكبر كان من نفسها، لقد وضعت نفسها في موضع الإتهام وهي لم تفعل شيء، كان من المُفترض أن ترفض الذهاب معهم بكل قوتها حتى ولو كان الانزعاج مصيرهم.. 


كان لابد أن تبقى تلك الفتاة التي لديها مبادئ تسير عليها وتكمل نهج والدها وعائلتها، كان من المفترض أن تظل إلى الأبد بتلك الصورة التي قام والدها بتربيتها عليها، الآن عمها ينظر إليها بشك، وابنته وذلك البغيض الذي لم يرأف بها وقام بالإفصاح عما حدث ليكون الموقف بصالحه..


الآن يفكر بها السوء، لا يهم إن علم الآن بعلاقتها مع "هشام" ولكن أن يراها هناك ويظن أن المنزل له، هذا غاية في القسوة والحزن الضاري..


جعلته بفعلتها يظن بها السوء ويرفع يده عليها، شيء لم يفعله والدها ولا أي شخص بحياتها، تعلم أنه متهور غبي ولكن لما يفعل ذلك؟.. ويود الآن الزواج منها!.. مهما حدث وإن كان هذا الخيار الأخير بحياتها ومن بعده الموت فلتأخذ الموت قبله..


رفعت رأسها للأعلى واستندت بكفي يدها على الفراش تنظر إلى سقف الغرفة، لقد كانت مشفقة كثيرًا على عقلها الذي لا يمر عليه لحظة ويكن يفكر في أمر غير الآخر، مُشتت بطريقة مُرهقة للغاية، مُشتت ضائع مخدوع وقلبها المثل ينتظر الجبر بعد كل هذا الصبر، ينتظر العوض الجميل..


صعد الآخر إلى غرفته، دلف إلى شرفة الغرفة وأخرج سيجارة من علبته الغالية الخاصة به، أشعلها ووقف ينظر إلى الفراغ أمامه على الأوراق الخضراء أعلى الأشجار، عينيه سوداء تماثل السماء فوقه، بدأ عقله في التفكير المميت فأخذ يدخن السيجار بشراهة وقوة غريبة.. نفذت منه فقام بـ إلقائها على الأرضية ودعسها بقدمه ثم أخرج غيرها وهو كما هو ينظر إلى تلك الأشجار، بدأ في التدخين مرة أخرى بشراهة أكبر..


عقله يأخذه إلى أماكن محظورة بالنسبة إليه لو كان فقط لديه شك واحد بالمئة منها لكان قتلها قبل دلوفها إلى الفيلا، بل قبل خروجه من الشقة..


تحبه ويعلم هذا ومتأكد منه لذا لا يصدق أنها تهوى غيره وتريده، هذا ليس من طبعها، لا تجيد التمثيل أبدًا ولا تستطيع أن تكون ذلك الشخص ذو الوجهين، وإن كانت لا تريده فلن تستطيع النظر بوجهه..


ولكن الجانب الآخر يقول عكس ذلك، لقد علم من طرف يخصه أنها تقابله، تتحدث معه ومنذ الكثير وهو الأبلة لم يكن يرى أي من هذا ويعطي إليها الثقة الكاملة قائلًا أنها ليست مثله.. الخيوط هنا مُتداخلة ولم يفهم إلا أنها ربما ومن المحتمل الأكيد تحاول أن تراه في مكانه.. وهذا لن يحدث إلا عند مو'ته 


ما جعل قلبه يبكي قهرًا داخله، ويشعر بحرارة النيران المُشتعلة بالقوة في الداخل يخرج لهيبها عليه هو رؤيتها هناك في منزله!.. لقد كان يتحدث بثقة مع الحقيرة الأخرى اعتقادًا أنها لا تفعلها ولكنها طعنته بخنجر في ظهره بالخيانة وهي هناك!..


شعر بأن الخنجر غرز في مُنتصف ظهره خيانة وقسوة من حبيبة عمره ومن هواها قلبه إلى أعوام طويلة..


يالا قسوة الأيام ومرارة الفراق، اشتعلت النيران داخله وتضاخم صدره وشعر بأنه على وشك الاختناق وإلقاء حتفه فور أن تأكد فقط من أنها هناك وذهب عقله إلى الأماكن البعيدة التي تشير إليه بفعل أشياء دنيئة.. ولكنها لا تفعلها، ولن تفعلها، ما يقوله لها ما هو فقط إلا حديث بغيض يخرج في ساعة غضبه لكنه يعلم أن حبيبته ليس هناك أنقى منها.. ولن يكون هناك.. مهما حدث لن تفعل ذلك الخطأ إلا معه ولن يكن حينها خطأ ستكون زوجته، حلالًا له وحده..


ألقى السيجارة كما الأولى وفعل بها المثل، وأردف عقله داخله بأن ما حدث لن يمر هكذا، ما فعله الليلة وتلك الفزعة التي تعرضت لها على يده كانت كافية لتجعلها تستفيق مما هي به.. وما بقيٰ له هو، يستطيع التصرف به..


سيأخذ ذلك الخنجر الذي تعنطه به ويحوله إلى أولى تذاكر الحب بينهم بعد الفراق الذي تعرضوا إليه..


                               ❈-❈-❈                


"في الصباح"


هبطت "سلمى" من غرفتها في الأعلى إلى الأسفل في الصباح الباكر، لحظة وجود الجميع في غرفة الطعام يتناولن الفطور، سارت في ردهة المنزل بملابس رياضية مكونة من بنطال رصاصي اللون يلتصق عليها، وتيشرت يماثلة في اللون مخطوط على صدره كلمة بالإنجليزية باللون الأبيض، مرتدية في قدمها حذاء رياضي أبيض.. 


وعقدت خصلات شعرها الأسود القصير رافعة إياه في الخلف فظهر أكثر قصرًا.. وجهها أبيض نقي خالي من أي شيء سوى مرطب شفاه وواقي من أشعة الشمس الذي استخدمته قبل أن تهبط إلى هنا..


قبل أن تقرر أنها ستبدأ من جديد وستنظر إلى نفسها وترى حياتها ماذا تريد وتفعله، ولتنظر إلى عقلها قليلًا وتخطو خطوة ناجحة تكن فارقة معها..


دلفت إلى الغرفة بهيئتها الغير مُعتادة، فلا تفعل هذا إلا كل فترة طويلة، عندما تدلف بهذه الملابس يكن اليوم مخصص لها وحدها لا يوجد به عمل ولا حتى أشخاص.. تصفي ذهنها وتبقى جالسة مع نفسها لتأخذ قرارات فارقة معها..


ألقت عليهم تحية الصباح فأجاب من كان يجلس في الغرفة، عمها وابنته وزوجته "عزة"، نظرت إلى عمها بخجل واضح ثم سارت إلى الداخل وهم يتناولون الطعام.. جلست قريبة منه في مقعد "عامر" الذي كان فارغ..


ابتلعت ما بجوفها، ورفعت عينيها الخجولة منه إليه مخططة داخلها أنها ستعتذر عما بدر منها في الأمس:


-عمي أنا آسفة.. أنا عارفه إني غلطت بس والله العظيم أنا عارفه حدودي كويس ولا يمكن اتعداها 


ترك الطعام من يده ونظر إليها والباقين كذلك، تحدث بجدية وعقلانية:


-أنتي عارفه إني بخالف عامر كتير، لكن امبارح لأول مرة بتفق معاه ولو هو معملش كده كنت هشك في رجـ ـولته لأنه مش المفروض يسمحلك تروحي بيت راجل غريب.. ولا قريب حتى 


رفعت يدها تشير بها بخجل وهي تلح عليه بنظرتها وحديثها المرهق:


-صدقني والله العظيم دي شقة إيناس.. أنا حتى مش عارفة ليه بيقول أنها شقة هشام 


أكملت حديثها شاردة بنبرة جدية:


-أنا كنت في الجمعية وجايه على هنا والله إيناس أصرت عليا أروح أشوف الشقة الجديدة وابن عمها معاها أنا عارفه إني غلطت وأعترفت بغلطي لكن دي شقة إيناس وهشام ابن عمها شخص محترم وأنا أعرفه من زمان


رد عليها بجدية أكثر:


-تعرفيه ولا متعرفيهوش مكنش المفروض تروحي معاهم 


تنهدت بقوة ثم أجابت قائلة:


-أنا آسفة أنا غلطت ومش هكرر الغلط ده تاني متزعلش مني 


هتفت "عزة" بابتسامة بشوشة واسعة وهي تقول:


-مش زعلان طبعًا يا حبيبتي في حد يزعل من بنته وهي قمر كده 


استدارت لها بوجهها وابتسمت إليها بحب واحترام ثم عادت إلى عمها مرة أخرى قائلة بتساؤل:


-زعلان!


نظر إليها بعينين تمتلئ بالحب لها، عينين العطاء بها يكاد يخرج منها رميًا بسبب كثرته، هتف بحنان بالغ ونظرة محتوية إياها:


-أنا مش زعلان منك يا سلمى.. أنا بس زعلت إنك حطيتي نفسك في الموقف ده وكنت عايزك تخلي بالك من نفسك أكتر من كدة 


وقفت على قدميها وأقتربت منه وضعت شفتيها أعلى رأسه تقبله بحب بالغ ثم انتقلت إلى يده قبلتها كما رأسه، ترى والدها الراحل به وهو يرى شقيقه وعائلته بها.. وكل منهم يحاول مداراة النقص الذي يشعر به والفراغ المُميت الذي انقض على حياتهم عنوة..


قالت بابتسامة عريضة وصوت ناعم:


-متقلقش عليا يا حبيبي أنا بخير وهبقى بخير طول ما أنت موجود 


ربت على يدها وابتسم إليها بحب، نظرت هي إليهم جميعًا مُمرره عيناها الزيتونية عليهم قائلة بحماس:


-يلا عن اذنكم هخرج أجري شوية 


أردفت زوجة عمها بنبرة حنونة قلقة عليها:


-مش تفطري الأول يا حبيبتي


رفضت الأخرى وهي تخرج من الغرفة:


-ماليش نفس والله يا طنط


تركتهم ورحلت إلى الخارج، وعقلها فارغ تمامًا عن أي موضوع أو حديث استمعت إليه سابقًا، اليوم سيكون خالي من أي انزعاج فقط يوجد راحة لها..


خرجت من بوابة الفيلا ثم بدأت بالركض بطول الشارع الموجود به الفيلا، مُبتعدة عنها بمسافة كبيرة للغاية..


بعد مرور الوقت عليها وهي تركض في الشوارع في الصباح الباكر عادت مُنهمكة تتنفس بقوة ووجهها مُتعرق للغاية..


وقفت في حديقة الفيلا مُنحنية على نفسها تضع كفي يدها الاثنين على ركبتيها تقف قليلًا لتأخذ أنفاسها المسلوبة منها أثناء الركض في الخارج..


وقف الأخر على بوابة الفيلا في الداخل ينظر إليها، كان خارج بعد فطوره للذهاب إلى عمله، ولكن هناك جنية تنحني على نفسها أمام البوابة في الداخل تأخذ أنفاسها وسلبت أنفاسه هو..


رفعت وجهها لتراه يقف عيناه مثبته عليها بقوة، نظرته ناحيتها ليست طبيعية وليس بها من الحب شيء، بل الرغبة التامة المعهودة في نظراته..


سارت أمامه تقترب منه للدلوف إلى الداخل، وكلما سارت ظهرت ملامحها أكثر، شفتيها المُكتنزة الوردية مُنتفخة أكثر مما هي عليه، عيناها تسلبه بنظرتها ولونها.. وجهها مُتعرق تلهث ببطء بعد أن استجمعت أنفاسها وقد عبث به هذا أكثر..


جسدها يغريه وهو محدد بتلك الملابس الرياضية، سيرها، حركاتها وكل ما بها وآه من قلبه وعقله، وآه أكبر بكثير من جسده الذي يطالب بالقرب العاجل منها..


كادت تعبر من جواره لتدلف إلى الداخل ولكنه أمسك بذراعها وهي تسير جواره، جذبها منه لتقف أمامه تنظر إليه باستغراب فتحدث بعد أن أخذ نفس عميق:


-عايزك في كلمتين


ردت بلا مبالاة تامة:


-نعم


-شعر بأنها لا تعطيه اهتمام، ولكنه يعرف كيف يأخذه منها، أردف بجدية وتساءل:


-أنتي مفكرتيش أنا عرفت مكانك منين 


وقفت مُعتدلة، استدعى انتباهها حقًا، نظرت داخل عينيه بدقة وفكرت في حديثه، أنها لم تتساءل عن ذلك أبدًا اعتقادًا منها أنه كان يراقبها:


-منين؟ 


أجاب بجدية شديدة وهو يضع يده الاثنين داخل بنطاله: 


-من اللي عملاها صاحبتك يا سلمى


تغيرت تعابير وجهها مئة وثمانون درجة وهي تهتف بذهول مُستنكرة:


-إيناس!


أومأ إليها برأسه مُؤكدًا حديثه بقوة:


-آه إيناس


أشارت بيدها ولوت شفتيها وهي تُعقب على حديثه بعقلانية خاصة بها تراها صحيحة من وجهة نظرها:


-مش مصدقة.. إيناس ليه تعمل كده مثلًا دي هي اللي أصرت عليا أروح معاها 


ضغط على يده داخل جيوبه بقوة واستنكر أنها لا تصدقه وهو يقف يحادثها بهدوء ولين، أردف بقوة أكبر وهو يتقدم للأمام خطوة:


-مش مصدقة ليه هو أنا هكدب عليكي.. الست بتاعتك كلمتني وقالتلي إنك معاه لوحدكم وفي شقته هو مش شقتها


تسائلت باستغراب جلي وعيناها مُثبتة عليه لا تصدق أن صديقتها تفعل بها ذلك:


-أنت بتقول إيه؟ 


دقق النظر بعينيها وجمالها، ثم أردف بما يندس في العسل المسموم ليجعلها تخجل أكثر مما حدث:


-اللي سمعتيه.. أنا كدبتها وقولت إنك متعمليش كده لكن لما شوفتك هناك حسيت إني مكنش لازم اتسرع وأدافع عنك 


رفعت حاجبيها وعقبت بقوة تؤكد له أنها حقًا هكذا مثلما قال:


-لأ متسرعتش الشقة بتاعت إيناس وهي كانت معايا وأنا مستحيل أكون مع واحد في مكان لوحدنا


قال مرة أخرى بعقلانية وتفهم، بعد أن فهم هو بالأساس ما الذي فعلته وتحرى من حديث "سلمى":


-بعد ما قولتي الكلام ده امبارح أنا اتأكدت منه وفهمت هي عملت كده ليه.. زي ما عملتها زمان وبعتتك ليا وهي اللي بعدتك عني بتعملها دلوقتي علشان أشوفك خاينة


لما قد تفعل كما يقول!.. لماذا؟:


-أنا مش مصدقة إزاي إيناس لأ دي كانت معايا طول الوقت حتى لو كانت كلمتك بعد ما نزلت أنت مكنتش هتلحق تيجي 


أخرج هاتفه من جيب بنطاله بحدة وهو يراها إلى الآن لا تصدق حديثه وتتغاضى عن أفعال الحقيرة صديقتها، فتحه وعبث به ثم رفعه أمام وجهها وأردف:


-ده رقم معرفوش مش بتاع إيناس هو ده الرقم اللي كلمتني منه امبارح بصي على الوقت أهو


أشار إليها بجانب الرقم على وقت الإتصال ثم لأجل أن يجعلها تصدقه لأن هذا ليس دليل كافي اقترح قائلًا:


-تحبي أكلملك الرقم ده وتسمعي صوتها بنفسك؟


صمتت ولم تتحدث ففعل هو وضغط على زر الإتصال ثم فعل وضع مكبر الصوت وتمسك بالهاتف بيده واضعًا إياها في المنتصف بينهم لتستمتع إلى صوت جرس المكالمة..


أجاب صوت رجولي خشن يتحدث بلهجة غريبة عنهم قائلًا بحدة:


-ألو مين معاي 


أبصر الهاتف سريعًا حيث أنه كان لا يستطيع التركيز سوى عليها هي، ولكن الآن جذبه ذلك الصوت الخشن فاردف سريعًا بجدية:


-مش ده رقم إيناس بردو 


أجابه الآخر بنفس تلك النبرة واللهجة التي تبين أنها صعيدية أصيله:


-لاه يا أبو عمو دِه رقم محسوبك عبده 


ضغط على أسنانه بقوة والدماء تغلي داخله، رفع الهاتف بيده إلى أمام شفتيه قليلًا وأردف بقوة وعصبية:


-عبده مين ده رقم إيناس الصاوي 


انزعج الرجل وظهر هذا في نبرة حديثه الحادة الذي رد بها عليه:


-إيناس مين ما قولتلك دِه رقمي وبقاله عشر سنين معاي


ثم انقطعت المكالمة من قِبل الرجل الآخر، نظر إليها بقوة وقد خاب أمله في أن يجعلها تبتعد عنها باللين ليس القوة كما كان يفعل معها، لقد هاتفته تلك الحقـيرة بالأمس من هذا الرقم كيف تغير هكذا في ليلة..


بينما الآخرى تراجعت سريعًا عما كان في رأسها وحمدت الله أنه أجرى هذه المكالمة فلو كانت واجهت صديقتها بحديثه الغريب هذا لكانت انقطعت علاقتهم وأبتعدت عنها بسبب شكها الغير منطقي بها..


قالت بنظرة حزينة تنبعث من عينيها إليه وعتاب تخلل صوتها:


-ليه عايز تبعدني عنها.. البنت كويسة معايا وعمرها ما عملت حاجه تدينها، ليه عايز تاخد كل حاجه في حياتي؟ علشان يبقى أنت بس الشخص الوحيد اللي معايا.. اللي أجري عليه في كل وقت!.. ليه عايزني ابقى عريـ ـانه قدامك من كل حاجه 


يالا الحظ وروعته معه.. لقد لعبت معه حقًا وفازت عليه وأخذت منه الكأس ولكنه لن يتركها مهما حدث وسيكون عقابها عظيم..


أخرج يده من جيبه ونفى ما قالته بقوة قائلًا هو الصدق:


-وديني ما فكرت في اللي بتقولي عليه ده.. البت دي فعلًا مش كويسه يا سلمى بكرة تقولي عامر قال وأنا اللي مسمعتش كلامه.. لكن علشان بحبك مش هسيبك تنقرصي منها وتقولي ياريت اللي جرا ما كان، أنا هفضل في ضهرك مهما كنت مش طايقك ولا طايق عمايلك 


أبصرها للحظات وفعلت المثل تقلب الأمور داخل عقلها الذي بدأ بالتأفأف، لقد ضاع يوم إجازته، تود أن تصدقه ولكن ستجعل صداقتها تنتهي لأجل حديثه..


أنه يكرهها، يبغضها ولا يحبها، لقد جربت الصدق منه سابقًا لن تأخذه مرة أخرى منه..


أخفضت عينيها عنه ثم سارت إلى الداخل تاركه إياه..


وضع الهاتف بجيبه وتوعد إلى الأخرى بأشد عقاب ولكن صبرًا، صبرًا فقط 


                               ❈-❈-❈


جلس في مكتبه، منذ أن أتى إلى الشركة وهو لم يعمل، فقط يجلس على مقعده خلف المكتب ينظر في الفراغ يفكر كثيرًا وأكثر من الكثير، ويذهب بعينيه إلى صورتها الموضوعة على المكتب أمامها، ذات النظرة الساحرة والابتسامة الرائعة، بخصلاتها القديمة الذهبية ومظهرها الخلاب..


لم يستطع أن يجعلها تصدقه، إن وضع نفسه في محلها سيكون نفس الشيء لأنها لم تجد منه أي شيء صادق حتى الوعود.. ولكنه مع ذلك كان يطمع في أن تصدقه وتبتعد عن تلك البغيضة على قلبه..


كان يريد أن يحميها منها بالإبتعاد عنها، لن يتركها وحدها وسيكون معها دائمًا ولكنها تترك لها الأمر وتفتح لها المجال أكثر وهي جوارها طيلة الوقت..


لم يكن يتوقع أن تفعل ذلك ويكون الرقم إلى شخص أخر، أو ربما هي أعطته لشخص آخر لا يفهم حقًا كيف تم الأمر بهذه السرعة والرجل يبدو عليه من مكان آخر بعيد عنهم..


لن يفكر في هذا كثيرًا، سيترك كل شيء حدث على جانب ويتمسك بالمهم فـ الأهم، عليه أن يفكر في كيفية الزواج منها بمحض إرادتها..


لديه خطة لن يلجأ إليها إلا عندما يرى الرفض التام من قِبلها وهذا واضح وبقوة، ولكن سيحاول لمرات أخرى حتى إذا قرر تنفيذ خطته لا تحزن من بعدها..


مد يده على المكتب وأمسك صورتها الموضوعة هنا منذ الكثير، أخذها ناحيته وأخذ يتأمل بها، هذه من كانت خطيبته، تعلم عنه كل شيء، يقص عليها كل ما كان يضايقه.. يهتف بما يخفيه قلبه وعقله لها وحدها..


يسرد لها المرارة التي تغص حلقه كل يوم عندما يرى والده وهو يبغضه ويبتعد عنه.. من كانت تقرب له كل بعيد، وتربت على ذراعه قائلة بأن كل جميل ينتظره..


لقد كانت النصف الجميل له، الحلوى الذي يأخذها في فمه كل يوم بعد أخذ دواء بشع للغاية، هذه كان من المفترض أن تكون زوجته اليوم لو لم يكن سار وراء أهوائه واتبع المشروب وسال لعابه لغيرها.. على الرغم من أنه لا يتذكر أنه فعل ذلك ولكنه المخطئ هنا..


لو لم يكن حدث ذلك كانت اليوم زوجته، كان أخذ منها وارتوى بما يريد، كان كل يوم رأى كل ما هو جميل بغرفته، بحياته، كانت أيامه ستكون مذهرة بالورود كما السابق..


أطال النظر عليها وهو يعيد الذي مضى ويندب حظه ويتخيل ماذا لو؟ في كل سؤال، فتح باب المكتب من دون استئذان ودلفت "جومانا" إليه وهو شارد بصورتها وفكره..


أغلقت الباب من خلفها وبقيت واقفة تنظر إليه وترى نظرته المعلقة عليها والحزن المُرتسم على ملامحه.. منذ أن أتى وهو هكذا يبدو عليه الإرهاق والحزن، الآن تفهمت ما الذي أخفاه عند سؤالها عنه..


يالا حظها، "عامر القصاص" بنفسه وبشخصيته التي لا مثيل لها، نظرة عينيه ومظهره، جسده وحديثه ونبرته، وسامته وعصبيته، ابتسامته وحزنه كل ذلك كان ملك لها وحدها وتركته؟.. 


قهرت أعتى الرجال حبًا بها وعشقًا لها، قهرت قلبه والهوى يزداد داخله مُشتعلًا مع النيران المشوهة دروبه الذي سار بها وحده بعد فراقها.. 


لما لا ينظر خلفه ويرى من تقـ ـتل نفسها لأجله، ليس لأجل مال، أو مظهر، أو أي شيء سواه، لما لا يدور بعيناه ويرى حبها المرئي للجميع سواه!..


رفع "عامر" عيناه وتنهد زافرًا بقوة، استدار برأسه ناحية الباب بعد أن شعر بأن هناك أحد معه فوجدها تقف أمامها..


تحدث بجدية مُتسائلًا مُستنكرًا وجودها دون أن يشعر:


-أنتي هنا من امتى؟ 


تقدمت سريعًا بابتسامة على وجهها ماحية كل ما كان في رأسها منذ لحظات وأردفت قائلة:


-لسه داخله حالًا أهو أنت اللي كنت سرحان


وقفت جوار المقعد الخاص به أمام مكتبه، نظرت إلى الصورة بيده ثم هتفت بنبرة خالية من أي مشاعر وتعابير:


-هو ده اللي مضايقك


رفع نظرة عليها، أبصرها جيدًا وهي تقف جواره ثم سألها بهدوء:


-هو ايه؟


أشارت بعينيها على صورتها التي بيده، للحقيقة هي جميلة، جميلة للغاية، جمالها طبيعي غير معهود يسلب القلب وللحق قد سلبتها تلك البراءة والشراسة الممزوجة معها منذ أول يوم وقعت عينيها عليها..


أبعد بُنية عيناه التي عادت لطبيعتها مرة أخرى إلى الصورة ونظر إليها بحسرة وندم، وقلبه في الداخل يجعله يندم أكثر وأكثر كلما رآها أمامه..


أقتربت منه الأخرى على حين غرة وأخذت من يده الصورة ثم وضعتها على المكتب، لم تجعلها كما كانت بل وضعت الصورة بوجهها على سطح المكتب لكي تختفي من أمامه..


صاحت قائلة بقوة ناظرة إليه بعمق:


-أنت ليه موقف حياتك عليها؟ هي خلاص يا عامر مش عايزاك ليه بتعمل في نفسك كده 


قدم يده إلى الصورة مرة أخرى بضيق، لقد تضايق من فعلتها ولكنه صمت فقط كي لا يزعجها، رفعها مرة أخرى ووضعها في موضعها الصحيح أمام وجهه كي يستطيع رؤيتها..


ثم عاد بظهره إلى ظهر المقعد وجلس بعنجهية يتسائل بنبرة ساخرة: 


-وأنتي مين قالك أنها مش عايزاني؟


رفعت حاجبيها باستغراب وأجابته:


-كل ده ولسه هستنى حد يقول.. ما واضحه زي الشمس 


نظر في سقف غرفة المكتب وهو يعود بظهره للخلف أكثر، ثم قال بهدوء ونبرة واضحة مؤكدة:


-مافيش حاجه واضحة لأي حد غيري أنا وسلمى.. إحنا الاتنين فاهمين الدنيا ماشية معانا إزاي إنما اللي حوالينا مش فاهمين أي حاجه 


انتفض جسدها بعد استماع أذنيها إلى تلميحاته التي تقتلها من الداخل، والداخل أشد قسوة:


-قصدك ايه؟ يعني هترجعلك؟


اعتدل ونظر إليها من الأسفل إلى الأعلى قائلًا بسخرية وهو يبتسم:


-مالك اتخضيتي كده!


رفعت كتفيها وأخفضتهم بلا مبالاة مُصطنعة وهي تحرك رأسها قائلة بهدوء ونبرة جعلتها ثابتة قدر ما استطاعت:


-متخضتش أنا بسألك 


أغمض عينيه وعاد كما كان مرة أخرى وقال بسلام نفسي شعر به فتحدث به إليها:


-سلمى راجعة راجعة يا جومانا 


ابتعدت عنه وسارت حول المكتب لتقابله وصاحت بقوة وعنف:


-بس سلمى متستحقش تكون معاك.. أنت تستاهل واحدة أحسن منها تقدرك 


فتح عينيه وأبصرها من بعيد وليجعلها تصمت عن ذلك الحديث الذي تلقيه عليه منذ أول يوم علمت به بقصته مع حبيبته قال بتأكيد: 


-سلمى تستحق الأحسن مني، ده شيء أنا معترف بيه من البداية، لكن لنفسي مش لحد لأن مهما حصل مش هسيبها تكون لغيري.. قدرها وقعها مع واحد زيي


استنكرت حديثه عن نفسه بهذه الطريقة فقالت باندفاع:


-واحد زيك! أنت أي ست تتمناك 


بنفس ذلك السلام قال وبنبرة رخيمة: 


-وأنا متمناش غير سلمى 


شعرت بالنيران تشتعل داخلها، حديثه يقودها للجنون، كيف لا يرى مثلها، كيف هذا الرجل ينظر إلى واحدة فقط ويتناسى كل النساء وياليتها تريده:


-عملالك سحر!..


ابتسم بهدوء، ابتسامة رائعة، خلابة اختفت من على وجهه منذ الكثير، ولكنه ابتسم وهو يردف بكلمات كان يتذكرها في تلك اللحظات:


-كانت صغيرة أوي لما وقعتني، مكنتش تعرف السحر يا جومانا


وقفت غير مُعتدلة ونظرت إليه بقوة ثم قالت بعـ ـنف وشراسة:


-تعرف إني غيرانة منها 


أبصرها واتسعت ابتسامته أكثر الذي استفزتها بشدة وهي تستمع إلى نبرته الهادئة الحانية التي تصفها:


-حقك.. أي واحدة مهما كانت جميلة لازم تغير منها.. فريدة من نوعها، مافيش زيها، مبتتكررش 


لحظة صمت منها ومنه ثم قال اسمها بكامل الحب والجنون، بكل الضعف والشغف الذي داخله، خرجت حروف اسمها بمعزوفة خاصة من بين شفتيه:


-سلمى القصاص


نظرت إليه بقوة والصدمة على ملامحها لم تستطيع أن تخفيها فوجدت أن الهروب هو الحل الأمثل:


-عن اذنك 


خرجت من المكتب بخطوات سريعة، وذهبت إلى مكتبها في الخارج، ترقرقت عينيها بالدموع الغزيزة وعقلها يكرر عليها حديثه المادح لها في الداخل، عينيها تريها مرة أخرى مظهره وهو يتحدث عنها بطريقة العاشق الولهان..


لما هي لا، هي من تحملت حزنه، ثمالته، كل الخرافات الذي كان يلقيها في مُنتصف الليل في الملاهي الليلية، هي من استمعت إلى كل شيء ووقفت جواره، ساعدته، ساندته واستمعت إليه، هي من كانت معه في لحظات كانت الآخرى تبعده بقوة..


كانت الأخرى تبغضه وتعنفه، تكره وجوده ولا تريده وللسخرية منها مازال يحبها وهذه أخذت دور خيال المآته..


تحبه بضراوة، تحبه بقوة وقسوة، وصلت معه إلى القسوة في الحب ولكنها لا تستطيع أن تدلي له بذلك الإعتراف القاتل وهو يهوى غيرها كل لحظة.. 


وصلت إلى تفكير دنيء ستفعله لو عرضه عليها لا شك، تكون حبيبته الأخرى، أو زوجته الأخرى، عشيقته حتى لن ترفض ذلك.. فقط تكون معه بعيد عن لقب الصديقة المنقذة التي تنفذ له الأعمال المتأخرة، فلا تريد هذا مرة أخرى، تريد القرب أكثر..


وتناست كل ما هو حلال وحرام.. يجوز ولا يجوز!..


                              ❈-❈-❈


جلست "هدى" في مقابلة "سلمى" منذ ربع ساعة تقريبًا تقص عليها ما يحدث معاها هذه الفترة، تحاول أن تأخذ النصيحة من شخص قريب منها كـ "سلمى" شقيقة زوجها الراحل وحبيبته قبل أي شيء آخر


أردفت "سلمى" بعقلانية ونظرة جادة من عينيها الزيتونية خافية خلفها حزنها على شقيقها وعائلتها:


-أنا عارفه إنك كنتي بتحبي ياسين الله يرحمه.. كلنا عارفين، بس ياسين راح مبقاش موجود وأنتي فعلًا زي ما عمي قال لازم تشوفي حياتك.. مش هتفضلي العمر كله لوحدك يا هدى 


نظرت إلى الفراغ ثم إليها مرة أخرى، كرمشت ملامح وجهها في محاولة منها لتوضيح ما تشعر به وما تريده 


-أنا مش عايزة حد ياخد مكان ياسين، مش عايزة أنساه.. منكرش إني بدأت أحس بحاجه ناحية تامر بس ده بسببه يمكن بسبب إلحاحه


وضحت لها الأخرى بجدية وتأكيد تلقي في عقلها الأفكار التي تهرب منها:


-بسبب إلحاحه ولا لأ المهم إنك بدأتي تحسي بوجوده وحباه.. ياسين مش هيكون راضي عن حالك كده أبدًا


نظرت إليها بدقة وبعينين ثابتة عليها ثم أردفت قائلة:


-ولا حالك يا سلمى 


سخرت الأخرى منها مُبتسمة بزاوية فمها قائلة بتوضيح أكثر ربما هي لا تفهم ما الذي تريده:


-أنا مالي؟ أنا مش زيك مش رافضة الموضوع وركناه ومقررة أكون لوحدي أنا هتجوز وهعيش وهشوف حياتي 


تسائلت شقيقته باستغراب ونظرتها نحوها متعطشة لأي حركة تطمئنها عليها بها:


-وأنتي بتحبيه؟!


راوغت في الحديث بعد أن نظرت إلى الأرضية مُبتعدة بعيناها عنها:


-أنا وهو مبقاش في حاجه بينا ولا بقينا ننفع لبعض


هتفت شقيقته بما سيفعله حتمًا:


-بس هو مش هيتنازل عنك 


أبصرتها بقوة قائلة بجدية شديدة:


-وأنا مش هسمحله يكمل في اللي بدأه 


                              ❈-❈-❈


بعد أن مر عليه الوقت وهو منهمك في عمله الذي لم يكن في عقله من بداية اليوم بسبب تفكيره في ابنة عمه وما سيفعله معاها لتكن زوجته..


استمع إلى رنين هاتفه فجأة في وسط صمت مُحيط به، رفع عينه من على الأوراق أمامه وصبها على الهاتف، مد يده إليه وأخذه، أبصره جيدًا ليرى من المتصل ولكن كان رقم غير معروف هويته..


نظر إليه للحظات وعقله به أشياء كثيرة تدور داخله في دوائر ثابته، وأكثر ما به سؤال عن هوية المتصل، انقطع الإتصال ولم يكن أجاب عليه فرفع عينيه إلى الفراغ ومازال يفكر.. ولكن مرة أخرى رن الهاتف بنفس ذلك الرقم فقام بالايجاب عليه ورفعه على أذنه يهتف بجدية:


-أيوه، مين؟ 


أتاه من الناحية الأخرى صوتها البغيض المعروف، تُجيبه بسخرية:


-معقول بقى مش عارفني.. إحنا هنتعامل مع بعض كتير الفترة الجاية من أرقام مجهولة 


أمسك "عامر" الهاتف بيده الأخرى ونقله إلى أذنه اليمنى، ثم قال بصوت قاسي جاد، تهديد خرج من بين شفتيه كالسيف الحاد الواثق من حديثه:


-تعرف أنتي لو وقعتي تحت ايدي هعمل فيكي ايه؟ فاكرة اللي أنتي كنتي عايزاه يحصل من كام سنه؟ هعمله بس على طريقتي، هخليكي تكرهي نفسك أكتر ما أنتي كرهاها 


أحرقها ما هتف به، وذكرها بما فعله معها، وأتى أمامها صورتها المنكسرة أمامه ودمعاتها المتساقطة قهرًا على حالها ولكنها أجابت بعنف وكراهية:


-ايه رأيك لو حبيبة القلب هي اللي اتعمل فيها كده؟


استمع "عامر" إلى حديثها لانه لم يعطي لها الفرصة لتخرب علاقته أكثر بـ "سلمى" فهي من الأساس متدهورة، أغلق الهاتف بوجهها ثم ألقاه على المكتب أمامه وعاد للخلف بظهره يمسح على خصلات شعره زافرًا بعنف..


لحظة والأخرى وقد أتت إليه رسالة نصية علم أنها كذلك عند الاستماع إلى رنة الهاتف البسيطة..


تقدم للأمام وأمسك الهاتف وفتحه ليرى أنها من نفس الرقم إلا وهو "إيناس" عن طريق تطبيق الواتساب، تقول فيها "هرن عليك رد عليا.. أنا مش هفرق بينكم المرة دي أنا هقولك حاجه مهمة أنت لازم تعرفها قبل أي خطوة والمرة دي اللي هقوله حقيقي وتقدر تتأكد من سلمى"


بعد أن قرأ الرسالة مرة وأخرى وينظر في الشاشة وجدها قد محتها من المحادثة، يا لها من محتالة..


رن هاتفه مرة أخرى فعلم أنها هي، أخذه وأجاب عليها بنفاذ صبر وحدة:


-عايزة ايه


أجابته بهدوء وبرود تام، تضغط على حروف كلماتها والشماتة تطرق باب أذنه:


-أنا عايزة مصلحتك.. والمرة دي هديك معلومة ونصيحة وهنسى اللي بينا، مش هاين عليا أشوفك كده مختوم على قفاك 


عاد للخلف كما كان ورفع رأسه للأعلى يحدثها ببرود وتهديده لها واضح للغاية:


-أحترمي نفسك وإلا وديني هطلع عليكي القديم والجديد كله.. متفكريش إني مش قادر عليكي لأ دا الصبر حلو دورك جاي


أردفت بجدية ومكر عابث به: 


-هعتبر نفسي مسمعتش حاجه.. اسمع أنت بقى مني المفيد 


صمتت للحظات والصمت اجتاز المكالمة بينهم، ثم أكملت ناطقة باسم حبيبته بمكر وخبث:


-سلمى القصاص، بنت عمك


مرة أخرى تصمت، اعتدل هو سريعًا على المقعد ودق قلبه خوفًا من أن يكون حدث لها شيء على يد تلك الحقيرة، فصاح بعنف ونفاذ صبر:


-مالها انطقي


بمنتهى البرود واللا مبالاة أجابته ولكن برودها يتخلله نبرة قوية حادة، لتصل إليه بجدية تامة والغل داخلها يزداد: 


-سلمى عملت علاقة مع هشام ابن عمي.. غلطت معاه يعني. 


انتفض واقفًا في لمح البصر بعد الانتهاء من جملتها الخبيثة القذرة، دق قلبه بعنف أكبر واهتاجت رجولته فقط لأنه استمع إلى هذا الحديث، ماذا لو تخيله؟.. كيف لها أن تفعل به ذلك؟ تخونه!.. تبيع كل ما لديها من شرف لأجل ذلك الحقير.. انتفخت عروقه بالدماء الذي تغلي داخلها وقلبه كاد أن يتوقف، فعلت ذلك!..


                                 ❈-❈-❈


                                   "يُتبع"



تكملة الرواية من هناااااااااا

تعليقات

التنقل السريع