القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية بين دروب قسوته الفصل السادس عشر والسابع عشر والتامن عشر والتاسع عشر والعشرين بقلم ندا حسن( جميع الفصول كامله )

 

رواية بين دروب قسوته الفصل السادس عشر والسابع عشر والتامن عشر والتاسع عشر والعشرين بقلم ندا حسن( جميع الفصول كامله )



رواية بين دروب قسوته الفصل السادس عشر والسابع عشر والتامن عشر والتاسع عشر والعشرين بقلم ندا حسن( جميع الفصول كامله )



#بين_دروب_قسوته

#الفصل_السادس_عشر

#ندا_حسن


                   "حبه لها كان هوس وجنون"


عادت "سلمى" من الجمعية بعد ذهاب "هشام" حيث أنها لم تستطع تكملة اليوم ولا العمل وكل ما بقيٰ في خاطرها هو التفكير في حديثه و "عامر"!..


كانت تعلم أن "عامر" في المنزل ولم يذهب إلى مكان واستمعت إليه في الصباح يكلف تلك الفتاة التي تُسمى بـ "جومانا" بكل شيء اليوم..


ورأت "هدى" أيضًا وعلمت أنها لم تذهب مثله..


بعد أن جلست قليلًا وأخذت أنفاسها صعدت إلى الأعلى حيث غرفة "عامر"، وقد كانت أخذت قرارها بعد كثرة التفكير الذي داهمها منذ أن رأت ذلك الحـ ـقير..


ولجت إلى الغرفة بعد الاستماع إلى أذنه لها بالدخول، وجدته يدلف من الشرفة إلى الغرفة ويده اليمنى على بطنه في موضع جرحه والأخرى أمام شفتاه يدخن سيجارة بها..


تقدمت وأغلقت الباب من خلفها ثم وقفت تنظر إليه بعينين هادئة مُرهقة:


-التدخين مُضر.. بلاش في الفترة دي حتى، أنت تعبان 


دعس السيجارة بيده في باب الشرفة ثم ألقاها إلى للخارج وتقدم من "سلمى" ينظر إليها بعينيه البُنية الساحرة وكانت نظرته مُدققة بها ذات معنى وتسائل بصوتٍ خافت:


-بتخافي عليا؟


حركت زيتونية عينيها على جميع ملامح وجهه بتوتر وابتلعت ما وقف بحلقها ثم أجابته بهدوء:


-أكيد بخاف عليك 


أقترب منها إلى الغاية ووقف أمامها يفصل بينهما الهواء المار ليس إلا، علق عينيه على عينيها وأردف مُتسائلًا:


-اومال ليه ده مش باين؟


تنفست بغير انتظام وقالت بجدية وهي تبادلة النظرات المتعطشة إلى أي مشاعر تُرى بينهما:


-أنت اللي مش شايف 


وقف صامتًا ينظر إلى عينيها، متردد كثيرًا، يود البوح بكثير من الأشياء ولكنه لا يستطيع، يخاف أن تكون كاذبة وأصبحت أخرى تكذب عليه كي يتركها تعيش وتنعم بالحياة التي قتلتها..


يخاف أن تكون تخلت عنه بالفعل وألقت كل ما كان بينهم كي يتطاير متناثرًا مع النسمات الموزعة في الهواء..


ابتلعت ما وقف بجوفها مرة أخرى، انخفضت برأسها إلى الأرضية ثم مرة أخرى رفعتها تنظر إليه تحاول أن تستجمع شتات نفسها كي تبدأ الحديث معه وتقنعه بما تريد..


أردفت بنبرة جدية حازمة:


-أنا.. أنا عايزة أجل معاد الفرح، وكده كده أنت تعبان 


ابتسم بسخرية وما أتى بذهنه يُلقى عليه الآن منها ويؤكد كل ما كان يكذبه:


-وأنا مش هأجل معاد الفرح.. والجرح اللي في بطني ده مش هيمنعني عن الجواز، ده جرح سطحي أوي متقلقيش أنتي


عادت للخلف خطوة والأخرى خلفها فوقفت وورآها الحائط، زفرت بضيق وأكملت على حديثه:


-طيب أنا عايزة أجل الفرح.. أنا مش مستعدة للجواز دلوقتي 


أقترب منها في لحظة خاطفة ووقف أمامها بعنفوان وقسوة رافعًا يده يقبض على عنقها ولكن بخفه قائلًا بنبرة مُتألمه:


-ايه؟ لقيتي نفسك هتتكشفي مش كده؟ ما كان من الأول.. من الأول يا سلمى 


رفعت يدها الاثنين تتعلق بيداه وعينيها تتحرك مع عيناه وصاحت قائلة:


-افهمها زي ما تفهمها بس أنا عايزة أجل وأنت لازم تعمل اللي أنا عايزاه 


-ضيق ما بين حاجبيه وأقترب بوجهه منها مُعقبًا بسخرية:


-ليه؟ مجبور على كده؟ لأ ياست هانم أنا هتجوزك وغصب عنك وعن اللي خلفوكي.. عامر مش لعبة في ايدك أنا راجـ ـل وهعرف أتصرف معاكي كويس أوي بس صبرك عليا يا سلمى 


وقفت بزيتونية عينيها على خاصته ونظرت إليه مطولًا بعمق وكثير من الحديث المكبوت داخلها لا تستطيع البوح به.. كمثله بالضبط ولكنه في لحظة استفزته نظرتها فصاح قائلًا بعنف وحرقة تلهب قلبه:


-أنتي عايزة ايه بالظبط؟ عايزة ايه؟ ليه مش حاسه بيا واللي جوايا؟ ليه مش مقدرة اللي أنا فيه؟ أنا بمـ ـوت كل لحظة.. كل لحظة بتعدي قدامي فيها بمـ ـوت من جوايا مية مرة بسببك.. بقول لنفسي يا ترى بتحبني لسه؟ يا ترى خانتني وباعت جسمها لواحد وسـ* زي ده؟ يا ترى لسه بريئة زي ماهي 


وقف عن الحديث وحرك عيناه في إتجاه آخر غيرها عندما شعر أن حرقة قلبه وقهرته تصعد إلى عيناه التي ملئتها الدموع، أكمل بعنفوان وقسوة يحاول أن يبتعد عن الضعف أمامها:


-الطريقة الوحيدة اللي أقدر أعرف بيها إجابة الأسئلة دي هي الجواز منك.. وهتجوزك بردو سواء برضاكي ولا غصب عنك وهعمل اللي أنا عايزة ومش هيهمني حد.. ولا حتى أنتي.. كفاية عذاب بقى 


أقترب منها بوجهه وعاد بعينيه التي مازالت بُنية لم تتغير حتى بتغير حديثه القاسي:


-عارفه لو خيبتي ظني فيكي يا سلمى.. هقـ ـتلك، قولتهالك قبل كده والله لاقتـ ـلك يا سلمى، هعيش عمري كله من بعدك وحيد ومش هشوف واحدة تانية غيرك ولا عمري عيني هتبص لغيرك، هعيش ندمان ومقهور على فراقك، بس النار اللي جوايا ساعتها مش هيطفيها حاجه غير إني اقتـ ـلك واقتـ ـله.. أقـ ـتل اللي سرقك مني ولمسك وأنتي بتاعتي أنا وملكي أنا


عادت دموع عيناه مرة أخرى ويراها تقف بعينين متسعة تنظر إليه خائفة من مجرد حديث يقوله:


-مش عارف وقتها هعملها إزاي، مش عارف إزاي ايدي وقلبي ممكن يطاوعوني واقتـ ـلك، حتى مش عارف عيني إزاي ممكن تشوفك بتروحي مني وتسكت بس بردو هعملها.. لو كنتي خونتيني يا سلمى اخرتك هتبقى على أيدي.. على ايد عامر 


أمسك ذراعيها الاثنين وضغط عليهما بقوة ساحقة، وأكمل حديثه الذي كان لا يستطيع البوح به:


-أنا بحبك يا سلمى، بحبك حب جنوني عمرك ما تتخيليه.. حاسس إن الحب اللي بينا ده هيكون سبب في مـ ـوت حد فينا.. أنتي عمرك ما شوفتيني غير وأنا بقول بحبك.. وأنا متعصب وأنا مبسوط وأنا مضايق.. لكن مشوفتينيش مرة واحدة وأنا بحبك فعلًا، أنا مجنون بيكي.. مهوس بسلمى القصاص ومش شايف غيرها في حياتي ومش هشوف 


رأت الجنون والهوس بعيناه حقًا، الدموع تظهر وتختفي منها، يأتي شخص ضعيف والآخر قاسي إلى ما لا نهاية، قلبها يدق بعنف وكلماته بعد أن علمت معناها جيدًا قرعت الطبول داخلها والخوف يزفها إلى بوابة النهاية بقلبها..


أهي الآن خائفة من "عامر"!.. وبكل تأكيد نعم خائفة، لقد أظهر لها الآن أشياء كثيرة تغاضت عنها في حياتها معه واعتبرتها غير موجودة أو تصنعت مع نفسها ذلك ولكنه الآن وبكل وضوح يعترف أنه مهوس بها وإن تكون له أو له.. أو للموت!..


دقق بها "عامر" ورأى الخوف بعينيها، أنفاسها غير مُنتظمة وتنظر إليه باتساع وتمعن ودقات قلبها يكاد يستمع إليها..


رفع يده اليمنى إلى خلف رأسها وأقترب منها بطوله الفارع الذي يخفيها، ثم هتف بصوت رجولي أجش:


-أنا بحبك وعايزك يا سلمى لآخر يوم في عمري ومستني الإثبات اللي بتمناه كل لحظة.. أنا عارف إنك بريئة وجوايا مقتنع بكده بس في حاجه مُصره تخليني أتأكد خايف يكونوا ضحكوا عليكي 


احتدت عيناه إلى اللون الآخر، الأسود الحالك وتغيرت نبرته كليًا لتصبح قاسية عنيفة غير مرغوبة بالمرة وهو يقول:


-ولو ضحكوا عليكي.. وديني هقتـ ـلك 


لم تستطع التحدث بعد كل ما قاله، لم تستطع أن تجمع أي كلمات لتتفوه بها بل لجم فمها وبقيت فقط تنظر إليه باستغراب كلي وخوف وذهول.. 


رأته يقترب منها منخفضًا بوجهه عليها إلى أن طبع شفتيه فوق خاصتها يقبلها بهدوء وتروي، ثم احتد قليلًا لتتجه قبلته إلى مُنحنى آخر وهو يقطف منها بنهم شديد حُرم منه لكثيرًا ومازالت تريد أن تحرمه أكثر..


فعل ما يحلو له وهي مُغمضة العينين ليست هنا، بل كانت في مكان ليس به غيرها وصوته الذي يتردد على أذنها بكل كلماته اللينة والقاسية..


عاد للخلف وعيناه تشع بالرغبة القاتلة تجاهها، ومازال يريد أكثر ولكن ليس الآن.. نظرت إليه وهي مغيبة تمامًا عن أرض الواقع ثم أخذت خيباتها وكلماته بصوته الحاد والحنون معها وهي تخرج من الغرفة لتتجه إلى غرفتها تعيد مرة أخرى ما قاله على مسامعها.. ربما أخطأت!.


ولكن الحقيقة المُرة أنها لم تخطئ، لقد جعلها ترتعب خوفًا ورهبةً منه، نظراته! عينيه السوداء، التي تتحول متى شاءت، شفتيه الرفيعة التي تتحرك بحدة لتتناسب مع قسوته ونبرته العنيفة في الحديث..


ذلك الخبيث الماكر الذي عرفته دومًا يتحول معها إلى أعنف رجل قابلته على الإطلاق، لقد أقسم أنه سيقوم بقتـ ـلها!؟ هي على دراية تامة أنه بعد ذلك الحديث وذلك القسم سيفعلها مهما كلفه الأمر وستكون نهايتها على يده.. ستكون هي من قتـ ـلها حبهم كما قال منذ قليل..


                                   ❈-❈-❈


"قبل خمسة سنوات"


صف سيارته بعيدًا عن بوابة الجامعة ثم خرج منها بعد أن أخذ المفتاح منها، وقف على الأرضية في الخارج ثم أغلق بابها ووضع المفتاح بجيبه، نظر إلى البوابة بعينيه البُنية التي تتعمد الشمس عليها في لحظة حرارة عالية فرفع نظارته الشمسية إلى وجهه وقام بارتدائها..


وقف مُعتدلًا يظهر طوله الفارع وجسده الرياضي المُتناسق ثم سار إلى البوابة بخطوات ثابتة معروف بها هنا في المكان.. حيث أنه يُعرف بأنه "عامر القصاص" البطل الخاص بـ "سلمى القصاص"..


سار إلى الداخل مُتجهًا إلى مكانها المعروف التي تنتظره به في كل مرة ليأخذها ويذهب بها إلى البعيد مُبتعدًا عن الجميع وخاصة والده.. 


وقف على بعد خطوات منها ينظر على المكان المتواجدة به بعد أن وقعت عينيه عليها، وقفت عينيه على الفتاة التي تجلس مقابلة لها على الطاولة يتسامرون في الحديث سويًا، وقف جامدًا وجسده تشنج ولم يتحرك.. لعب ذلك الموقف على أعصابه كثيرًا..


خلع النظارة عن وجهه بيده اليمنى وأبقاها جوار جسده ينظر إليها بدقة مُتناهية ربما هو المخطئ ويرى ملامح تلك الفتاة في أخرى..


دقق النظر بها كثيرًا واتضح له أنها هي بالفعل.. "إيناس"!. ابنة الملاهي الليلية صاحبة السُمعة السيئة والأفكار القـ ـذرة، التي تعرف عليها بمكان قـ ـذر لا يطيق أن تدلفه حبيبته أو شقيقته أو واحدة تابعه له، تلك التي يعرفها على حبيبته ويغازلها بعبارات وقحة خبيثة تتفهمها وتتقبلها جيدًا.. ما الذي تفعله مع "سلمى"!..


استدارت "سلمى" برأسها وهي تتحدث مع "إيناس" لتراه يقف بعيدًا قليلًا عنها ينظر إليها بدقة وعينيه كأنها مُثبتة تفكر في شيء ما ليس فقط ينظر إليها بل ذهنه شارد..


نطقت اسمه من بين شفتيها المُكتنزة وأعادت خصلات شعرها الذهبية إلى خلف أذنها ثم وقفت على قدميها تتقدم منه:


-عـامـر


سارت إليه بابتسامة هادئة كما المُعتاد منها عندما يذهب إليها وبعينين بها حيوية وحب لا مثيل لهم..


بينما الأخرى نظرت إلى المكان الذي تنظر إليه سلمى واستمعت إلى الاسم المألوف بالنسبة إليها بدرجة كبيرة تغيرها وتداعب أنوثتها كلما استمعت إليه.. وقعت عينيها عليه! إنه هو حقًا! إنه "عامر" ذلك الشاب الذي لا مثيل له صاحب السبعة وعشرون عامًا، ذلك الحيوي والخبيث، بنظراته الوقحة والماكرة، حديثه الخطر ونظراته التي تأتي بالنساء من الأعلى إلى الأسفل..


وقع على رأسها سؤال غريب بعد أن قامت بوصفه بكل ما تحبه به، كيف شخص مثله يعرف تلك "السلمى" البريئة وصاحبة الأخلاق العالية.. فاشلة في دراستها ولكنها تتمتع باحترام لا مثيل له هنا..


تابعتهم بعينيها ورأتها وهي تقترب منه إلى الغاية حتى وقفت أمامه مُباشرة..


أردفت بنبرة هادئة وشفتيها المُكتنزة تتحرك أمامه وعينيها الزيتونية تتابع خاصته:


-أتأخرت عليا ليه كده 


رفع عينه إلى تلك الجالسة خلفها، ووقفت على عيونها هي الأخرى تقابله بنفس التساؤلات الغريبة المتواجدة في رأسه ثم مرة أخرى يعود إلى "سلمى" هاتفًا بجدية:


-الطريق زحمة 


أومأت إليه برأسها قائلة بابتسامة:


-هجيب شنطتي واجي 


لم يُجيب عليها وأبعد عينه إلى الأخرى ثانيةً فنظرت إليه بعفوية مُعتقدة أنه يريد معرفة من هي كما كل مرة للاطمئنان عليها بمعرفة مع من تُكون صداقات..


أمسكت يده وسارت مُتجهة إلى الطاولة المتواجدة عليها "إيناس" وهو يسير خلفها وعلى وجهها ابتسامة بلهاء، وقفت أمامها ثم قدمتها إليه مُشيرة إليها:


-دي إيناس أول مرة تشوفها معايا علشان جايه الكلية جديد 


وقفت "إيناس" على قدميها وعلمت كيف تخفي تعابير وجهها وتابعت مع الأخرى مُبتسمة وقدمت يدها إليه:


-أهلًا وسهلًا


قدم يده إليها يتبادل معها التحية أمام "سلمى" فقط، حيث أن واحدة مثل "إيناس" بالنسبة إليها ليس لها قيمة من الأساس 


أقتربت منه "سلمى" واحتضنت ذراعه بذراعيها الاثنين قائلة بسعادة وحب:


-ده عامر ابن عمي وجوزي المستقبلي 


رفعت رأسها كي تنظر إليه بمرح وأكملت:


-ده لو مغيرتش رأيي يعني


كان متوترًا وليس خائفًا، لا يريد من تلك الأخرى أن تقول لحبيبته ما الذي يفعله من خلفها، لا يريد من الأساس أن يقول أنها تعرفه، ولكن عقله الخبيث يستطيع أن يقوم بحلها..


ابتسم إلى "سلمى" ورفع يده المُمسكة بها ليتبادلوا الأدوار وحاوطها بذراعه مقربها منه أمامها، ثم نظر إليها قائلًا بخبث ومكر:


-أنا شوفتك قبل كده في نايت 


ابتسمت بسماجة وقد توصل إليها أنه لا يريد لها أن تعلم بما بينهما:


-أيوه وأنا كمان شوفتك فعلًا 


أومأ إليها وقد فعلت ما يريد، الباقي دوره هو، عليه أن يقنع ابنة عمه بالابتعاد عنها لأنها لا تناسبها أبدًا فهي فتاة صاخبة ليست مثل الأخرى بل تعاكسها تمامًا وأخلاقها تالفة..


أخفض وجهه إلى "سلمى" قائلًا بابتسامة وصوت جاد حنون:


-يلا يا حبيبتي


أومأت إليه وأمسكت حقيبتها ثم نظرت إلى "إيناس" مودعة إياها:


-باي إيناس


أشارت لها الأخرى دون حديث، أخذها وذهب من أمامها فجلست هي مرة أخرى على المقعد تنظر إليهم وهم ذاهبين، ورأته وهو ينظر إليها بجانب عينه واعتقدت أنه في تلك النظرة يحذرها من البوح بأي شيء..


الوسيم الذي لا مثيل له والذي أعجبها بشدة، صاحب العنفوان المعروف في أي ملهى ليلي يذهب إليه وصديق الطاولة التي يهبط عليها كل المشروبات المحرمة على علاقة مع فتاة لا تستطيع أن تفعل أي شيء سوى أن تتحدث بصدق!.. شتان بينهما هما الاثنين..


كيف "عامر" ذلك بخبثه وجبروته، حضرته ومكره، شغفه ونظراته يحب تلك الفتاة ويريد الزواج منها!.. وهي التي ستغير رأيها أيضًا يالا السخرية!..


إنها جميلة، لأ خلاف على ذلك ولكن الجمال ليس كل شيء، أنه يريد فتاة مثله صاخبة، مفعمة بالحيوية والنشاط، فتاة تفكر بنفس طريقته تبادله كل الجنون الذي يريده ويعيشه.. إنه يريد فتاة تكون مثله تشرب الخـ ـمر وتحب السهر للصباح في الملاهي الليلة، يريد لا ترفض شيء وليس لديها مبادئ كي يتبادل معاها كل ما يحب.. 


فتاة تكون بعيدة كامل البعد عن شخصية "سلمى" البريئة المنغلقة تمامًا عن أي شيء آخر سوى الطيبة والصدق، أنها لا تعلم سوى الاحترام والحديث المنمق، ما هذه العلاقة الساخرة..


أم أنه يحب أن يكون المُسيطر!؟ تستطيع أن تفعل ذلك أيضًا..


كان في الطريق للعودة إلى المنزل بعد أن وقف عقله إلى هنا، إلى أن علم بعلاقتها مع تلك الفتاة الحقـ ـيرة التي لا يتمناها شقيقة أو زوجة لألد أعداءه..


استدار برأسه ينظر إليها بعينين حادة كي يستطيع رسم الدور جيدًا عليها:


-تعرفي البت دي من امتى يا سلمى 


عاد برأسه إلى الطريق مرة أخرى وشعر بأنها استدارت تنظر إليه ثم استمع إلى نبرتها الجدية:


-من أسبوعين كده.. ليه السؤال 


قال بحدة ونبرته لا تحتمل النقاش:


-تبعدي عنها 


سألته باستغراب مضيقة ما بين حاجبيها وعينيها الزيتونية تتابعه:


-ليه؟


عقب على حديثها يُجيب بجدية شديدة وتأكيد ملحوظ وكأن حديثه صدق بالفعل، ونظر إليها في منتصف الحديث وعاد إلى الطريق مرة أخرى:


-دي صايعة ووسخـ* يا سلمى، بشوفها في أي نايت بروحه وبتقعد مع رجالة وبترقص بطريقة زبالة وبتشرب كمان.. ابعدي عنها أنتي من امتى بتعرفي ناس كده 


استغربت كثيرًا من حديثه فردت بذهول:


-أنت متأكد؟


لم يُجيب عليها بل وجدته ينحرف بالسيارة إلى جانب الطريق ثم وقف، استدار بجسده ينظر إليها بعمق قائلًا:


-أكيد سمعتيني وأنا بقولها شوفتك وهي كمان قالت أيوه.. ابعدي عنها أنا مش هقول الكلام ده تاني 


قالت بنبرة مُنزعجة وهي تنظر إليه بحزن:


-مكنتش أعرف أنها كده بجد 


تابعها بعينيه الخبيثة الوقحة وقال:


-واديكي عرفتي يبقى تبعدي عنها ودي أول وآخر مرة اشوفك معاها.. سامعة!


أومأت إليه برأسها ثم استدارت تنظر إلى الأمام مرة أخرى، زفر بهدوء وقد انزاح عن قلبه حمل كبير كان لا يدري كيف التخلص منه، بقيٰ فقط تلك الحقـ ـيرة التي أقتربت من ابنة عمه حتى وإن كان بالخطأ.. هذه ستكون آخر مرة، عليه أن يبتعد عن الجميع فما حدث لم يكن متوقع أبدًا ومن الممكن أن تحدث مُجددًا.. تتقابل مع أخرى يعرفها فترسم النهاية بيدها وهو يعرفها جيدًا..


                              ❈-❈-❈


دلف إلى غرفة شقيقته بعد أن دق الباب وأذنت له بالدخول، وقف أمامها ينظر إليها بعد أن دلف إلى الغرفة وأغلق الباب من خلفه..


يعلم أنها بعيدة عنه منذ وفاة زوجها "ياسين" ويعلم أنها تعتقد أيضًا أنه هو السبب في موته هو وعائلته كما كانت تعتقد حبيبته ذلك، الغريب أنه لم يحاول سابقًا في تبرير ذلك الأمر إليها وتركها تبتعد كما تريد.. بل ترك الجميع يبتعد عنه وأصبح في العامين السابقين وحيد تمامًا مجردًا من البشر سوى نفسه..


ولكن بعد أن علم بما فعله "ياسين" وحقيقة زواجه من غيرها شعر أنه يريد القرب منها، رأى الصدمة على معالمها وشعر بأن الحزن تملكها، بالأخص بعد عدم ذهابها إلى عملها.. قرر بعد ذلك أن يتحدث إليها.. يحاول أن يعود إليهم واحدًا تلو الآخر ربما تكتمل حياته على هذا النحو ولا تطعنه ابنة عمه في ظهره..


ذهب وجلس أمامها على الفراش ببطء وتروي لأجل جرح بطنه، نظر إليها بهدوء ثم تحدث قائًلا دون مقدمات:


-أنا عارف إنك مستغربه دخولي عندك وحتى كلامي معاكي، وعارف كمان إنك مفكرة موت ياسين كان بسببي.. اللي مش عارفه هو أنا ليه سكت كل الفترة دي بس يمكن علشان مكنتش قادر أقرب من حد بعد اللي حصل.. أنا جاي علشان ارجعك تاني ليا أو أرجع أنا ليكي وأقولك إني ماليش دعوة باللي حصل لـ "ياسين" وعمي ومراته كل ده قضاء وقدر


تابعته وهو يتحدث، رأت الصدق بملامحه وحديثه، نبرته لمست داخلها وشعر به قلبها، حركت شفتيها قائلة ببساطة توضح الواقع الذي كانوا به حينها:


-سمعت بابا وهو بيتهمك إنك أنت اللي قتلتهم.. وكلامه كان صح ومظبوط أنت هددت قبل ما تمشي وقت الحادثة إنك مش هتسكت وسلمى مش هتسافر.. كنت هتعمل ايه؟ أهي سلمى مسافرتش 


تابع عيناها وقد تفهم حديثها والذي تُشير إليه، مازالت تصدق ذلك أو تريد تبرير، أردف قائلًا بخذلان وعتاب:


-أبوكي وأتوقع منه كل حاجه وأي إتهام يقوله ليا، لكن أنتي شوفتي مني ايه وحش علشان تقولي كده أو تصدقي كلامه


نظرت إلى الفراش وأبتعدت بعينيها عنه، إنه محق!.. أجابته قائلة بصدق ثم أكملت:


-مشوفتش.. غير إنك متهور 


كرمش ملامح وجهه وضغط على نبرته لتظهر أكثر وضوح يؤكد على كل كلمة ينطق بها ويبرأ نفسه مما أُنسب إليه:


-مش لدرجة إني أقتل حبيبتي ومعاها أبويا وأخويا اللي هو جوزك وأمه.. مش للدرجة دي.. بس أنا مش هعتب عليكي أنا عارف إن اللي مريتي بيه صعب زيي بالظبط


رفعت وجهها إليه وسألته فجأة دون مقدمات:


-أنت بتحب سلمى يا عامر؟


سألها هو الآخر باستغراب:


-مش عارفه إجابة السؤال ده؟ 


أجابته بتشتت واضح تُشير بيدها أثناء حديثها:


-محتارة فيه! شوية ألاقيك بتحبها بجنون وشوية ألاقيك أقسى واحد عليها وشوية ألاقيك أحن واحد عليها وشوية تانية ألاقيك شمتان فيها 


نظر إلى الأمام بعيد عنها وتابع على حديثها وهو يقدر أنها لا تستطيع فهم ما بينهم إن كان حب أو غيره: 


-اللي بيني وبين سلمى محدش يقدر يفهمه غيرنا.. مهما حصل 


عاد إليها مرة أخرى وأكمل بجدية وصدق معترف بكل ما قاله بينه وبين نفسه:


-متزعليش منها يا هدى إنها خبت عليكي، هي كمان عندها حق ياسين عمره ما كان زيي وطول عمره بيحاول يحافظ عليكي وعلى زعلك 


تنهدت قائلة بحيرة من أمرها:


-المشكلة إني عارفه كده.. بقول مش هسامحه وأفتكر إن كل اللي عمله معايا كان كويس برجع تاني أحن ليه وادعيله


أومأ إليها مُكملًا على حديثها يشجعها عليه ثم تحولت نبرته إلى الندم:


-بالظبط يا هدى.. ادعيله.. ادعيله وبصي لحياتك بقى كفاية واحد فينا عمره ضاع 


نفت ما قاله وأردفت تنظر إليه بحسرة حاولت أن تُخفيها:


-أنت لسه شباب وهي هتحي شبابك أكتر وأكتر 


تنهد بعمق وزفر يقول بنبرة راجية:


-اتمنى يا هدى.. اتمنى 


تابعها ونظر إلى عينيها مباشرة وهتف بندم وحب ظهر بنبرته تجاه شقيقته الوحيدة والمتبقيه إليه:


-أنا آسف على بعدي عنك.. وآسف على فكرتك الوحشة عني، أنا بحبك يا هدى ونفسي أشوفك أحسن واحدة في الدنيا 


أقتربت منه سريعًا بعد استماعها إلى كلماته وكأنها كانت تريد فقط البداية وهي تكمل الطريق، عانقته بقوة وقالت بحنين وألم:


-أنا كمان بحبك يا عامر، بحبك وماليش غيرك.. كل ما أحط نفسي مكان سلمى واتخيل إنك أنت اللي مش موجود ببقى هتجنن.. أنا مقدرش أعيش من غيرك رغم كل حاجه بتحصل بينا 


بادلها العناق مثلها بقوة وحاوطها بذراعيه ينعم بذلك بعد الحرمان منه وهو يستمع إلى نبرتها النادمه:


-أنا آسفة إني فكرت فيك بالشكل ده.. أنا عارفه قد ايه قلبك طيب وحنين.. بس عصبي ومتهور


ابتعدت للخلف فتابع وسألها:,


-هتتجوزي تامر؟


قالت بهدوء وهي إلى الآن لا تعرف الإجابة الحقيقية على سؤاله:


-عايزة اديله فرصة 


قال بجدية يقدم إليها نصيحة الأخ بعد أن حرمها منها:


-التفكير الصح يا هدى حاولي تعيشي وتفرحي وتنبسطي وانسي ياسين.. ياسين في مكان أحسن من هنا مليون مرة 


أومأت إليه توافق على حديثه ونظرت إليه مطولًا ثم ابتسمت بسعادة بوجهه فبادلها هو الآخر وعاد يحتضن إياها مرة أخرى فرحين هم الاثنين بما آتاهم، فرحين بتلك العودة الرائعة بعد انقطاع دام عامين وأكثر..


                                  ❈-❈-❈


بعد أن تخطت الساعة الثانية عشرة ليلًا في ليالي الربيع والجميع نائم، كانت معه في الحديقة الخلفية للفيلا بعيدًا عن الجميع، بعد كثير من المناوشات التي حدثت بينهم اليوم، تجلس على الأرضية العشبية الخضراء تمدد قدميها عليها براحة وهو كان نائم على الأرضية يضع رأسه على قدميها نائمًا على ظهره وينظر إليها بعينين يملؤها الحب المجنون..


حركت يدها على رأسه وأردفت بعقلانية وهي تنظر إليه بعينيها تتابع ملامحه بهدوء:


-مش كل يوم والتاني تتخانق معاه يا عامر حاول تطول بالك شوية 


زفر بضيق لأنه يراها تقف دائمًا مع عمها اعتقادًا منه أنها تتبادل معه الأدوار لأنه دومًا يقف معها:


-بقولك هو اللي اتخانق معايا وطردني قدام الموظفين تقوليلي طول بالك ومتتخانقش 


أدرفت بعدم اقتناع لحديثه الذي قاله لها:


-مهو أصل كلامك مش مقنع بصراحة 


جلس فجأة وأبتعد عنها يقابلها ناظرًا إليها بحدة ثم قال بنبرة ساخرة:


-ما تقولي لنفسك يا سلمى.. ايه السبب في الخناقة دي مافيش أصلًا، كل ده علشان نسيت الملف في البيت وفي اجتماع مع مجلس إدارة الشركة طب ما كان يتأجل نص ساعة على ما أرجع أخد الملف لكن إزاي أنا مُستهتر ومش مركز في الشغل ومش في دماغي حاجه والإسطوانة بتاعت كل مرة قدام الموظفين اللي المفروض كلهم شغالين عندي 


ربتت على ذراعه وهي تعلم المعاناة التي يعيشها مع والده، تعلم كيف تألم لبعده عنه، كيف يقضي لياليه بعد كل مناوشة تحدث بينهم، هي الوحيدة التي يقص عليها ما يشعر به وما يدق داخل قلبه من حب وحنين.. ألم وقسوة..


-معلش، أنت عارف إن عمي راجل كبير و....


قاطع حديثها بعنف وعينيه تقص عليها كم أنه قاسي القلب عليه قبل أن يتحدث حتى:


-لأ مش كبير، مش كبير ولسه مخرفش وحتى لو كبر هو كده من زمان وأنتي عارفه متحاوليش تبرري ليه أي حاجه.. وبعدين مبقاش يفرق معايا 


عقبت بصدق محاولة التخفيف عنه وأيضًا إيضاح الصورة له:


-متنساش إن ده حصل بسببك يا عامر، هو بردو حاول معاك كتير وبعد اللي عملته اتقفل منك وبقى كده 


وقف على قدميه وأبتعد عنها خطوة والأخرى ومن بعدها استدار يشيح بيده بهمجية صائحًا:


-كنت أول واحد يغلط أنا؟ ايه مافيش حد غلط في البشرية دي كلها غيري أنا؟ وبعدين أنتي ليه شايفه الجنب الحلو فيه هو، ما هو عالج غلطي بطريقة غلط أكتر مني.. بدل ما يبعدني عن اللي أنا فيه كان بيطردني بيخليني أروح ليه برجليا 


وقفت على قدميها مثله وتقدمت منه تقف أمامه قائلة بهدوء محاولة امتصاص غضبه:


-طيب ممكن تنسى كل اللي فات.. إحنا ممكن نبدأ من جديد وهو لو لقاك متغير معاه هو كمان هيتغير، محتاج بس البداية 


قال بتكبر وغرور:


-وليه متكونش البداية من عنده 


أجابته بتأكيد وثقة تنظر إليه برجاء مطالبة بالاستماع إليها:


-علشان ده واجبك أنت.. أنت ابنه وهو اللي أبوك 


نظر إلى وجهها، براءتها وحنيتها على الجميع، اشبع عيناه من ملامحها وابتسم بسخرية قائلًا:


-فكرك بقى أنا مش عارف اللي بتقولي عليه ابويا ده اتخانق مع أبوكي من يومين ليه!


اخفضت وجهها بالأرضية، كانت تعلم أن الخبر سيصل إليه، على الرغم من ذلك لم تستطع أن تقول إليه، فهذا لن يفعل أي شيء سوى أن يكبر الفجوة بينهم ويجعل قلوبهم تزداد قساوة على بعضها البعض، بالأخص قلب "عامر"..


أقترب منها خطوة ليكن أمامها تمامًا، رفع يده إلى ذقنها أمسك به رافعًا وجهها إليه ليجعلها تنظر إليه مرة أخرى كمان كانت، أتت عينيه بعينيها الزيتونية للحظة كانت تعبر بها عن كم العشق المجنون داخله لأجلها..


نطقت شفتيه الرفيعة بكلمات قاسية على قلبه، بنبرة خافتة خائفة وعيناه تتابع كل ما يصدر عن ملامحها:


-اتخانق مع أبوكي علشانا.. علشاني أنا وأنتي، مش عايزنا لبعض يا سلمى، بيدور على أكتر حاجه ممكن تكسرني وعايز يعملها، عايز يبعدني عنك 


رأت الدموع تتجمع بعينيه، شعرت أن شفتيه تود البوح بأكثر من ذلك عن طريق الصراخ، ووالله شعرت أن قلبه مُحطم من أفعال والده..


رفعت يدها الاثنين على جانبي وجهه تحركها بحنية ورقة وابتسمت ابتسامة بلهاء وهي تُجيبه:


-ده عمره ما يحصل، بابا بيحبك وعارف إنك بتحبني ولو هو حتى سمع كلامه مع إن ده من رابع المستحيلات أنا عمري ما أسمع الكلام ده وأنت عارف كده كويس


خرجت دمعة من طرف عينه اليمنى والأخرى تهدد بالفرار كمثل شقيقتها وأردف مُتسائلًا بصوت حزين يقطع نياط القلب:


-طب قوليلي ليه بيعمل كده؟ سلمى هو اللي خلاني وحش معاه، هو اللي خلاني بقف ابجح فيه مافيش أب بيعمل كده يا سلمى.. الابن لو غلط أبوه يصلح غلطه ويفضل وراه لآخر يوم في عمره


أكمل بعد أن خرجت الدموع واحدة خلف الأخرى وهي تومأ برأسها إليه وتمسحها بإبهام يديها:


-أنا غلطت آه هو حاول يصلح مرة واتنين والتالته كانت الأخيرة.. ليه عايز ياخدك مني طيب!.. أنا بحبك.. أنا ماليش غيرك في الدنيا دي.. محدش قريب مني ولا يعرف عني حاجه غيرك أنتي وعمي اللي هو أبوكي.. أبوكي اللي أخد دور أبويا


مسحت دموعه بيدها أكثر من مرة وانتقلت إليها عدوى الحزن وأصبح صوتها خافت مقهور لأجل ما يشعر به:


-ممكن كفاية بقى بلاش نكد.. دا أنت نكدي أوي ياخي ما أنا معاك أهو، أنت عايزني أعيط


وضع يده اليمنى على وجنتها يحرك إبهامه عليها بشغف ورقه بالغة، ثم أخذ كفها الموضوع على وجنته هو وقربه من فمه يطبع عليه قبلة ساحرة رقيقة من شفتيه وقال بصوت رجولي أجش:


-أنا مقدرش أشوف دمعة واحدة منك.. أنتي اتخلقتي للحب والسعادة بس يا سلمى


ابتسمت إليه فابتسم بوجهها هو الآخر وجذبها بيده المُمسكة بوجهها إليه لتقترب منه بهدوء ورقه والشغف يقتل كلاهما، أقترب يضع قُبلة شغوفه على شفتيها الوردية المُكتنزة التي تقتله بالاغراء كلما نظر إليها..


وضع يده خلف رأسها يقربها بجنون ولهفة منه والأخرى على خصرها في الخفاء، بادلته العناق وتركته يقبلها كما يشاء في لحظة ضعف منه لم ترد أن تمنع عنه ما يريد..


وهو لم يبخل على نفسه في شيء بل فعل بشفتيها كل ما يريد وهو مغمض العينين يماثلها يحاول أن ينعم بالشعور المُسكر لكل عضو به، متذكرًا في خياله جسدها الممشوق ومعالمها الأنثوية التي تتمتع بها هي وتفتك به هو كلما رآها واشتهى قربها..


يفكر بشيء، والأخرى تفكر بقهرة قلبه وكسرته من والده، تفكر في ضعفه معها وحبه لها، انشغل عقلها برسم لوحة فنية جميلة في أثناء تقبيله لها، مكونه من الحب والشغف المجنون بينهم وفي الخلفية ضعف وحزن لا ينتهي..


مرآة الحب كما لقبها البعض كفيفة، لا نرى فيها إلا من نحب دون عيوب ودون أخطاء لأجل ذلك لم ترى أن حبه المجنون والمهوس بها يعادل شهوته تجاهها، ولم يأتي على خلدها لحظة المقارنة بين حبها الخالص له وحبه المجنون بها..


                               ❈-❈-❈


                                "يُتبع"



#بين_دروب_قسوته 

#الفصل_السابع_عشر

#ندا_حسن


هواء بارد يمر عليه ينعش قلبه وجلسته، بينما كان يتذكر ما مر عليه معاها في هذا المكان بالتحديد، كان عامر يجلس في الحديقة الخلفية للفيلا في نفس المكان الذي كان يجلس به معها..


يتذكر ما مر عليهم هنا في كثير من المرات وأكثرها كانت مليئة بالحب والشغف والعطاء، منها ومنه.


فرد قدميه على الأرضية وهو ينظر إلى السماء اللامعة نجومها كنجمته البهية التي يحاول استرادها، ضيق عينيه يرفع يده للمرة التي لا يعرف عددها إلى فمه بسيجارة غير الأخرى والأخرى يستنشقها بشرود، فقد كان عقله مازال معها..


ابتسم بسماجة وهو يتذكر ذلك اليوم الذي أغلق باب غرفتها وأخذ المفتاح ولم يجعل أحد يفتحه إليها بسبب أنها خسرت رهان معه، كانت جلسته هذه عبارة عن ذكريات لا حصر لها مع معشوقة قلبه التي دمرت كل شيء، التي جعلت الفراق يدق بابهم قبل أوانه وابتعدت عنه جاعله قلبه بشعر بالنيران داخله..


فراقها له كان بمثابة بركان على وشك أن يثور وينتظر اللحظة المناسبة لفعلها، وكانت هذه اللحظة تركها له.. فراقها وابتعادها عنه.


يتحدث الآن مع نفسه بكل وضوح وصراحة، في تلك السنوات التي تركته بها كان يعاني، لقد كانت أشد قسوة منه، يقسم أنه في أكثر الليالي لم يكن يستطيع النوم إلا عندما يأخذ أقراص مهدئة تساعده على النوم، كان يتجه إلى الخـ ـمر لينسى كل ما حدث، لينسى أنه أصبح وحيد من بعدها..


لقد كانت كل شيء له، والدته لم تكن قريبة منه ولا شقيقته، ووالده الجميع يعرف ما دوره بحياته، كانت هي الأم والأخت الحبيبة والصديقة وكل ما كان يتمناه، لم يكن يفرغ محتويات قلبه إلا لسواها، لم يكن يبكي بعد كل قسوة يتلقاها من والده إلا داخل أحضانها، ولم يكن يستقبل أي حنان من إمرأة سواها..


ووالدها، عمه "أحمد القصاص" والده الأول من تبنى حزنه وعنفه، تبنى ضعفه وقهرة، وأخذ منه كل الأشواك ليحاول تحويلها إلى ورود مزدهرة في محاولة بائسة من والده أن يبعده عنه مُعتقدًا أنه دون إحساس أو مشاعر فقط لأنه يقوم بالرد على حديثه المستفز الذي يحطم قلبه ويجعله ممزقًّا قكطعة قماش مهترئة مزقها صاحبها..


سُلب منه عمه وأتُهم فيه، وهو أول المضرورين بغيابه، ذهبت هي من بعده بموافقة كاملة منها ووجهت كل الإتهامات بإصبعها له وكأنها لم تعرفه يومًا، وكأنها لم ترى منه إلا القسوة والعنف..


تناست طيبة قلبه التي كانت تتحدث عنها دومًا، ومحت من ذاكرتها تلك الحنية والرقة الذي يستخدمها فقط لأجلها.. تناست كل شيء ولم تتذكر سوى أنه خائن قاتل، خان العهد معها ونظر لغيرها بعينه وقلبه ويده، وقتل جميع عائلتها وجردها من الحب والسعادة وترك معها كامل الحزن منذ البداية إلى أن أصبحت وحيدة..


سعل بصوتٍ مُرتفع مرة واحدة بعد أن كانت رئتيه قد نالت قدر كبير من الهواء الملوث وتلك السجائر التي تدمر الصحة، وضع يده على جرح بطنه الذي أشتد عليه كثيرًا جاعلة يكرمش ملامح وجهه من الألم وهو يسعل بقوة..


تنفس بهدوء وحاول أن يضبط أنفاسه ثم وقف على قدميه وحركاته بطيئة بسبب جرحه الذي عاد يؤلمه مرة أخرى، ألقى السيجارة من يده ودعسها بقدمه بقوة ثم سار مُبتعدًا من هنا عائدًا إلى الفيلا ليأخذ ادويته ويحضر داخله ماذا سيفعل معها ومتى سيكون موعد الزفاف المنتظر لكلاهما.. والذي سيجعله قريب جدًا حتى ينالها ويقتل الحرمان بداخله..


                                 ❈-❈-❈


أجتمع معهم "رؤوف" بعد تناول العشاء في صالة الفيلا الكبيرة، كان "عامر" لم يذهب إلى الشركة كالعادة ليأخذ أكبر قدر من الراحة كي يأتي بموعد قريب لزفافه على ابنة عمه، مدد قدمه على الأريكة وجلس معاكس لهم مُحاولًا أن يبقى على وضع مريح بعد أن أشتد جرحه منذ الأمس، جلسوا ناظرين إليه منتظرين الحديث الذي يريد قوله لهم جميعًا..


حمحم بوقار وهدوء ثم نظر إليهم واحدًا تلو الآخر في لحظات خلف الأخرى وهتف بجدية قائلًا:


-بخصوص موضوع غادة.. اللي قالت إنها مرات ياسين 


ترقبته "هدى" ابنته وودت لو قال أنها كاذبة على الرغم من أنها في جلستها الصافية الأخيرة مع ابنة عمها تأكدت أنها على حق، دق قلبها بعنف في الإنتظار القاتل لاستماع بقية حديثه


وضع وجهه في الأرضية ثم رفعها إليهم يُكمل حديثه:


-طلعت على حق.. كانت متجوزة ياسين وزي ما قالت بالظبط هو ده اللي حصل مكدبتش في حاجه 


استرسل في حديثه عندما وجدهم صامتون ينظرون إليه:


-أنا كلمتها النهاردة علشان نخلص كل الإجراءات وتاخد حقها في ياسين الله يرحمه بس..


تسأل "عامر" مضيقًا حاجبيه ينظر إليه باستغراب:


-بس ايه؟


أبصره والده بهدوء رافعًا رأسه إليه ثم أردف بتردد:


-عايزة تاخد حقها في أي فلوس أو أملاك لياسين وتفضل بأسهم في الشركة وتيجي تشتغل فيها 


في صوتٍ واحد خرج من بين شفتين "هدى" و "سلمى" رافضين رفضًا قاطعًا لهذا الحديث:


-لأ


أكملت "سلمى" وهي تنظر إلى "عامر" بتوتر:


-لأ يا عمي.. لأ متوافقش على كده لو عايزة فلوس تاخد حقها وزيادة لكن تفضل قصادنا كده وفي مكانا لأ 


عقبت "هدى" مؤكدة حديثها:


-بالظبط يا بابا.. تاخد اللي هي عايزاه وتمشي وإلا تروح بقى ترفع علينا قضية والمحاكم حبالها طويلة ده لو طالت حاجه يعني 


نظر "عامر" إلى "سلمى" بزاوية عينيه البُنية يستغرب لهفتها الغريبة ورفضها الأغرب بكل هذه السرعة وهذا التردد والضيق! هل هناك شيء تخفيه؟


رأته ينظر إليها بنصف عينه وعمها يتابع الحديث لم تعطيه اهتمام ونظرت إلى البعيد معتقدة أنه يدلف على عقله هذه الحركات، لقد رأت نظرة "غادة" إلى "عامر" عندما كانت هنا وفي المرة الأولى لرؤيتها لها عندما كانت في الجمعية الخاصة بها.. في ذلك الوقت كان "عامر" ذاهب إليها وهي خارجة من بوابة الجمعية فوقفت تطلع عليها من نافذة مكتبها وهو يهبط من سيارته.. رأت الأخرى وهي تقف تلتف برأسها تتابعه وهو يهبط ثم يسير ليدلف إلى الداخل ولم تدير وجهها إلا عندما اختفى عن نظرها وفي تلك اللحظة ضحكت بخبثٍ استغربته.. 


ثم أعادت نظراتها إليه في المرة الأخرى في المنزل هنا ولكنها كانت أكثر هدوءًا ووقارًا لأن الجميع ينظر إليها ولكن "سلمى" لم تغفل عنها وعن أفعالها..


لو لم تكن كانت زوجة أخيها الراحل لما تركتها تتقدم وتدلف الفيلا من الأساس، لا ينقصهم شيء إلا أن تقول أنها تريد العيش هنا.. تنفست بصوتٍ مسموع مُتحدثة مع نفسها بأمل عن كون متى سينتهي كل ذلك العذاب؟!


أنهى عمها حديثه وهو يردف بجدية مُؤكدًا على حديثه:


-خلاص كده أنا هكلم المحامي وهو هيجهز كل حاجه ويديها حقها


رفع وجهه إلى "سلمى" وقال:


-بالمناسبة، أنا هوزع كل حاجه وأنتي يا سلمى هتاخدي حقك في أبوكي وياسين 


تسائلت باستغراب تنظر إليه بعينين مُتسعة أكثر من طبيعتها:


-ليه يا عمي 


تابعه "عامر" الذي تفاجئ من حديثه:


-كده يا بنتي كل واحد بقى ياخد حقه محدش يعرف ايه اللي ممكن يحصل بكره.. كل ممتلكات أبوكي هتتنقل ليكي واللي ليه في الشركة أنتي طبعًا متفهميش في الكلام ده لو حبيتي اعملي توكيل لعامر وهو يسويلك أمورك فيها 


قالت "سلمى" بهدوء:


-ليه متسيبش كل حاجه زي ما هي  


أجابها بعينين حزينة خائفًا من المستقبل القادم على أبنائه وهي:


-أنتي عارفة إن أنا وأبوكي كنا واحد في الأملاك والفلوس وكل حاجه.. أنا مضمنش هعيش لامتى ومش عارف من بعدي هتاخدي حقك ولا لأ يبقى تاخديه دلوقتي 


اعتدل "عامر" في جلسته وقد اغتاظ من حديثه الفظ البشع الذي يلمح لأنه سيأكل حقها:


-قصدك ايه؟


أجابة بجدية شديدة مُثبتّا عينه عليه:


-مقصدش حاجه أنا كل اللي عايزة أضمن حق سلمى 


صاح عصبية ظاهرة:


-وهو أنا اللي هاكله


أردف والده ومازال صوته جاد هادئ:


-وهو أنا جبت سيرتك 


تابع نظرات عيني ابنه له، التي كانت تشتعل بالغضب لأنه لمح لكونه لن يعطيها حقها، وقد كان يريد أن يقول هذا الحديث في حضوره ليستفزه فيفعل معها العكس كما كان يفعل دائمًا معه، يتمنى أن تكون هذه العادة لم تتغير بعد..


وقف على قدميه وقال بصوت غاضب:


-أنا طالع.. الواحد بيسمع كلام سم 


ثم ذهب خارجًا يصعد على درج الفيلا ذاهبًا إلى غرفته بعد أن مس حديث والده رجولته، يعتقد أنه سيأخذ منها مالها ويحلله له! إنه لو كان مجردًا حتى من ملابسه لن ينظر يومًا ما إلى مال يخصها..


ذلك الرجل سيجعله يذهب إلى الجنون قريبًا، في الفترة الأخيرة كان قد أعتاد على تغيره الذي أصبح أفضل بكثير من السابق، هل عاد مرة أخرى إلى ما كان عليه سابقًا؟.. يبدو أنه كبر في العمر وأصبح يأتي على عقله تخاريف كما كان يقول لابنة عمه.. الآن هو هكذا حقًا..


ابتسم وهو يدلف إلى غرفته بسخرية شديدة مُتذكرّا عندما كانت تعلل أفعاله بأنه قد كبر بالعمر، الآن يستطيع حقًا أن يقول أنه كبر وكبر وكبر.. يا له من رجل لا يُفهم..


                                  ❈-❈-❈


بعد أن تأكد عامر من أن الجميع صعدوا إلى غرفهم وهي من ضمنهم، توجه إلى غرفتها لكي يتحدث معها بعد أن نظم كل شيء داخل رأسه، ولأول مرة بحياته يفعلها معها ودق باب الغرفة قبل الدخول.. يبدو أن كل شيء تغير بينهم حتى أبسط الأمور العفوية..


سمحت للطارق بالدخول فدلف إليها وأغلق الباب من خلفه، وقفت على قدميها وابتعدت عن المقعد تقترب منه تاركه الحاسوب مفتوح على الطاولة، وقفت بالقرب منه مُتسائلة:


-في حاجه؟


تابع نظرات عينيها الزيتونية وأجابها بهدوء قائلًا:


-أسبوعين بالظبط يا سلمى يوم حداشر في الشهر الجاي هيبقى فرحنا، تلحقي تعملي كل اللي أنتي عايزاه وهجيب مهندس هو اللي يفرش الجناح فوق 


تسائلت مرة أخرى بعد أن خفق قلبها وبقوة شاعرة أنه يود الصراخ عليه، ولكنها تحكمت بنفسها جيدًا:


-أنت خلاص قررت؟


بتلك العينين البُنية وبصوته الرخيم أجابها:


-أيوه وده أخر كلام يا سلمى ومش هيتغير 


رفعت يدها إليه وكرمشت ملامح وجهها التي دلت على الرجاء مع حديثها ذو النبرة البريئة:


-عامر أرجوك اسمعلي مرة واحدة 


عقب على جملتها التي بالنسبة إليها عفوية للغاية لكن داخله تسائل أهو أستمع إلى أحد غيرها طوال حياته؟:


-دي مش مرة أنا طول عمري بسمعلك 


ترجته مرة أخرى والخوف داخلها يزداد من ناحية ذلك الحقـ ـير "هشام"، عقلها يقول لها أن تقص عليه كل ما حدث وقلبها يرفض ذلك بضراوة وقسوة خوفًا عليه مما يحدث فمازال جرحه يذكرها بما يستطيع فعله:


-المرة دي بس 


ضيق عينيه عليها بوضوح وأردف بشكٍ لم يخفيه عن عينيها بل اذاعه إليها:


-ليه عايزة تأجلي الفرح يا سلمى إلا لو علشان اللي في دماغي 


نفت ذلك بقوة وهي تتقدم منه قائلة بصوت ملئ بالحيوية والطاقة الآن كي تستطيع أن تدافع عن نفسها أمامه:


-لأ والله لأ.. أنا عايزة أجل دلوقتي بس شهر واحد حتى 


بمنتهى البرود أجابها:


-يبقى مفرقتش شهر من اسبوعين


ترجته ثانيةً بعينين بريئة وشفتيها ترتعش:


-علشان خاطري 


وقف شامخًا ولم يهتز لأجل الدموع المكونة بعينيها والتي رآها بوضوح ولم يهتز لأجل نبرتها المترددة المرتعشة بل قال بحدة وقسوة:


-مش هأجل.. الفرح يوم حداشر يا سلمى وأنا هتعامل على الأساس ده من دلوقتي حالًا


أكمل ناظرًا إليها بعمق محاولًا أن يتوصل إلى سبب رفضها الزواج منه في هذا الوقت:


-ياريت أنتي كمان تعملي زيي علشان متتعبيش


عادت للخلف خطوة وقالت بصوتٍ خافت تنظر إليه بعينين خائفة: 


-ولو قولت إني مش موافقة؟


ابتسم بسخرية ونظرته توحي بالشر المُميت وذكرها بقليل من فمه يؤكد أنه سيفعل ما لا تطيق تحمله:


-هتوافقي غصب عنك وإلا أنتي عارفه أنا هعمل ايه مع أني مش مضطر لكده 


أقتربت مرة أخرى واتجهت إلى أسلوب أخر معه إلا وهو اللين والرقة البالغة في حديثها معه:


-أنا عايزة نكون كويسين ونبدأ صفحة جديدة.. أنا فكرت... أنت هتتجوزني علشان اثبتلك أنا خونتك ولا لأ


كرمش ملامح وجهه ونظر إليها بقوة مذهولًا من حديثها الغير منطقي بالمرة، فحتى إن كان كذلك ولكن حبه لها أكبر بكثير:


-اعترافي بحبك ده ايه بالنسبالك؟ 


عارضت وهي تبعد وجهها عنه وتهتف بحديث كاذب فقط كي تأخذ وقت أكبر منه وتحاول التصرف مع ذلك الأبلة:


-مش كفاية.. 


قرب يده اليمنى دافعًا إياها بخفه على كتفها الأيسر وهو مذهولًا من حديثها الذي لا يستوعبه:


-هو ايه ده اللي مش كفاية أنتي مجنونة.. أنا تقريبًا مافيش حاجه مقولتهاش ليكي.. أنتي ايه؟


مرة أخرى للين كي تستطيع السيطرة عليه مضيقة حاجبيها وعينيها الزيتونية:


-أنا ولا حاجه.. محتاجه بس فرصة 


ربت على كتفها بخفة وهو يتابع نظراتها التي تتحول من اللين إلى القوة، وهو متأكد تمامًا من أنها تخفي شيء عنه: 


-أنا قولت اللي عندي.. تصبحي على خير يا عروسه


استدار وذهب تاركًا إياها تنظر في أثره تقف مكانها لم تتحرك، وبعد أن قام بفتح الباب والخروج منه استدار برأسه لها مرة أخرى بعينين بها الشغف والحنين إليها يمزقه قائلًا بصوتٍ خافت أجش:


-على فكرة.. أنا كمان محتاج بداية جديدة معاكي مش أنتي لوحدك اللي بتتعذبي يا بنت عمي


نظر إليها نظرة أخيرة ثم خرج من الغرفة وتركها تصارع مخاوفها من ذلك الحيوان الذي قام بمحاولة قتـ ـله سابقّا، هذا يعني أن تهديده ليس تهديد فقط بل يعني ما يقوله... إنه من دون شيء حاول قتـ ـله ماذا عندما يكون حذرها؟.. سيفعلها لا محال


كيف تستطيع أن توقف هذا الزواج؟ حدثها قلبها بكيف تريد أن توقف سعادتها التي تكمن في الزواج من "عامر" والبدء بحياة جديدة وهو نفس ذلك القلب الذي رفض البوح إليه.. ولكن عقلها اللعين قدم حياته على كل شيء، تستطيع باتحاد روحها وقلبها وعقلها أن تتخلى عن كل سعادة مكتوبة لها مقابل حياته، مقابل أن تراه أمام ناظريها يتنفس وهالته الفريدة تحاوطها..


جلست على الفراش تفكر بجدية كيف ستخرج من هذه الورطة وهو لا يقبل حتى النقاش في أمر تأجيل الزفاف.. ماذا إن قالت إنها لا تريد من الأساس، سيقـ ـتلها!؟


تنفست بعمق وارتمت بجسدها على الفراش تنظر إلى سقف الغرفة داعية الله عز وجل أن يساعدها في هذا المأزق الذي وقعت به..


                                 ❈-❈-❈  


"بعد مرور الأسبوع الأول"


عاد "عامر" إلى العمل مرة أخرى، الآن يعمل لأجله ولأجل زوجته المستقبلية، لا ليست مستقبلية بل ستكون زوجته بعد أيام وهذا بعد أن قام والده بإعطاء "غادة" زوجة "ياسين" حقها في الميراث منه وإعطاء شقيقته هي الأخرى حقها في زوجها الراحل ثم بعد ذلك نقل إلى "سلمى" كل أملاك والدها وحقها الشرعي منهم غير ما كانت أخذته عن والدتها..


قد قامت هي بإعطاء توكيل منها إليه ليقوم بإدارة ما يخصها في الشركة، وهذا بعد أن قالت له أنها ستسلم نفسها إليه فلن تخاف على مالها معه..


دلفت إليه "جومانا" بوجه باهت حزين لاحظه منذ أن أتى ولكنه تغاضى عن ذلك، لا يود الاستماع إلى أي شيء يعكر صفو مزاجه خاصة إذا كان يعلم ما هو هذا الشيء..


وقفت "جومانا" أمام المكتب بعينين حزينة بها الدموع مُتجمعة مستعدة للفرار بأي لحظة، أردفت دون مقدمات بنبرة خافتة:


-هتتجوز؟ طب وأنا؟


تفاجئ من حديثها بهذه الطريقة، أعتقد أنها لن تقولها مباشرة هكذا، وضع عينيه على خاصتها دون خوف أو خجل وتسائل مُصطنعًا الاستغراب: 


-أنتي ايه؟


حاولت أن تضبط دموعها داخل عينيها وأجابته بحزن عميق:


-أنا ووجودي في حياتك؟ أنا جومانا يا عامر 


وقف سريعًا مُبتعدًا عن المقعد ونظر إليها بقوة غير مبالي لمشاعرها لأنه عارضها كثيرًا بأفعاله ولكنها هي التي تغاضت عنها، صرح بعدم حبه لها:


-علشان أنتي جومانا أنا لا عمري قولتلك بحبك ولا وعدتك بحاجه


فرت دموع عينيها بعد معاناة معها ونظرت إليه بقهر وحلم حياتها يفر من أمام عينيها بعد أن كانت نالته بابتعادها عنه:


-بس أنا بحبك وصعب عليا أقف الوقفة دي 


نفى أنه مذنب في ذلك الأمر وصرح بحبه لابنة عمه أمامها دون حرج أو خجل بل فعلها كثير من المرات هي التي لم تعطي للأمر أهمية:


-مش ذنبي أنا بحب سلمى وأنتي عارفه أنها في حياتي من زمان وأنتي عارفه بردو إنك كنتي بتقاوحي في ده 


تابعته بعينيها وهو يتحرك ليقف أمام نافذة المكتب يعطي إليها ظهره ينظر إلى الخارج، فقالت هي والدموع تخرج منها بغزارة وقلبها يموت من الألم بداخله:


-عارفه أنها كانت خطيبتك وبعدين سيبتها وأنا اللي كنت معاك مش هي 


استدار إليها وهذه المرة نظر بعينين حادة قاسية لأنها بدأت في الكذب عليه وعلى نفسها فقال بجدية ولا مبالاة لها:


-عارفه إن سلمى هي اللي سابتني وعارفه إني من وقتها عايش على أمل أنها ترجعلي وعارفه إني محبتش غيرها ومش هحب غيرها وعارفه أن سلمى مافيش زيها ولا هيكون فيه من أول يوم بدأت صداقتنا فيه وأنتي عارفه الكلام ده يا جومانا الذنب مش عندي المرة دي 


دق قلبها بعنف أكثر وشعرت بالألم داخله عن حق، ارتعشت شفتيها ومازالت تبكي أمامه تنظر إلى حلمها الذي يضيع منها ولا تستطيع فعل شيء، حاولت التحدث قائلة:


-بس أنا....


قاطعها "عامر" بقسوة ضارية وهو ينظر إلى عينيها الباكية بحدة واضحة وقال بوضوح:


-أنتي السكرتيرة بتاعتي وواحدة من صحابي المقربين يا جومانا ولو قربتي أكتر من كده تبقي أختي.. تتعاملي معايا على الأساس ده وأنا أعتبر نفسي مسمعتش حاجه ولا الحوار اللي حصل ده حصل من أصله


أشار إليها بيده إلى الخارج:


-اتفضلي يلا على شغلك


قابلت عينيه بعد أن كانت واضعة إياهم في الأرضية، نظرت إليه لحظة والأخرى والدموع تنساب منها بغزارة ثم خرجت وتركته غالقة الباب من خلفها..


وقف "عامر" أمام النافذة يفكر فيما فعله معها! هل عليه أن ينقلها إلى مكان آخر كي لا تكون طيلة الوقت في وجهه ويكبر ذلك الشعور داخلها؟ لا.. لا يعتقد ذلك أنه كان قاسي معها وأنهى ذلك النقاش هذه المرة بطريقة حازمة ليست كما المرات السابقة بأفعاله الهادئة وحديثه الدائم عن "سلمى"


هذا التصرف الصحيح عليها أن تنظر إلى حياتها بعيد عنه، أنه هو الآخر لديه حياته وهو أناني للغاية في هذا الأمر، لن يلتفت لسعادة الآخرين بل سيسعد نفسه أولًا.. فهو حرم منها كثيرًا..


جلست الأخرى على مكتبها في الخارج تبكي بقوة وتنتحب، لقد كان "عامر" بالنسبة إليها حلم صعب المنال، أحبته من قلبها، شعرت أنها لا ترى أي رجـ ـل في حياتها غيره.. "عامر" فقط من تستطيع النظر إليه.


حاولت دومًا بالحديث أن تجعله يبتعد عن ابنة عمه ولكنه يحبها حب مجنون لـ ليلى، ما هذا يا الله، أول رجـ ـل يدق قلبها إليه يريها العذاب بهذه الطريقة.. لقد جعلت نفسها رخيصة أمامه وليس لها ثمن.. واستكبر هو عليها وكان جلاد قاسي للغاية..


قلبها يؤلمها بشدة بسبب ذلك الشعور المُميت الذي أخذته منه، وبسبب أنه رسميًا سيكون لأخرى غيرها وهي التي حملت عنه كل الصعاب ووقفت جواره في كل شيء.. مؤكد لم تفعل هي ذلك معه بل هي تخلت عنه وتركته.. هي تركته.. 


ليس على القلب سلطان، وذلك الحب الغبي الذي يأتي لأشخاص لا تريدنا يكون هو عذاب جهنم على الأرض.. هو النهاية المحتومة لقلوب أرهقها الحب من طرف واحد..


قلبها أحبه وهو لم يبالي، من طرف واحد شاهدته ولم تستطع أن ترى أن قلبه مع غيرها مُعلق، بل هي تغاضت عن ذلك مُعتقدة أنها تستطيع جذبه إليها..


قهرة قلبها لا تساوي شيء في هذه اللحظات المُميتة، لقد كان قاسي القلب معها، لقد عامل كرامتها بلا مبالاة، بل هي من عاملت كرامتها بهذه الطريقة عندما ذهبت باكية تعترف بحبها له وهي تعلم أنه يحب أخرى.. هي من فعلت ذلك وليس أحد غيرها، "عامر" ليس مذنب بل معه كامل الحق.. أنه يريد السعادة مع من اختارها قلبه وفرقتهما الأيام والليالي الباردة..


لقد أبتعد عنها وأخذ الفراق حيز كبير بينما، تاركًا له قلبه فارغ والحياة مثله، تاركه ينام في فراشه وحده دون أن يتخيل طيفها معه..


لقد عانى كثيرًا في غيابها وفراقها، الآن يستحق أن يعيش السعادة جوارها، وهي ستحاول أن تبتعد عن حياتهما قدر الإمكان ولكن.. لن تبتعد عنه هو


ستظل جواره.. صديقته وحبيبته بالنسبة إليها، في وقت غياب الأخرى ستكون هي له، ستعيش معه ما يريد وستقبل بكل ما يقول.. ستكون ملكه هو فقط يفعل بها ما يحلو له..


فقط "عامر" القصاص صاحب الشخصية والنظرة الرائعة، ذو الجسد والنبرة القاتلة، مالك كل شيء وأي شيء، ذلك الخبيث الماكر الذي يفتت أجساد النساء بنظراته، والحبيب الوفي الذي لا يرى سوى "سلمى القصاص" ابنة عمه صاحبة الحظ السعيد..


                                  ❈-❈-❈


ذكريات الماضي المؤلمة لرجل قاسي القلب مثله لا تذهب من عقله، الانتقام كان همه الأكبر منذ ذلك اليوم المشؤوم الذي مر عليه مع زوجته الراحلة..


وياليتها كانت زوجة بل كانت إمرأة خائنة بائعة للود والحب الذي قدمه إليها فتحول عليها من رجل رؤوف رحيم إلى آخر قاسي القلب حاد الطباع.. لأنها تستحق..


عاد والد "هشام" برأسه للخلف ناظرًا إلى سقف الغرفة وهو يعود بذاكرته القوية التي تأتي بكل حرف نطق وكل حركة صدرت بينهما منذ سنوات وسنوات..


"وقف أمام زوجته ضاغطًا على ذراعيها بقسوة هاتفًا بعنف:


-أنتي عايزة ايه بقى؟ عايزة ايه دي مبقتش عيشه


ردت بوجهه صارخة بعنف وهي تنظر داخل عينيه بقوة: 


-عايزاك تطلقني أنا مبحبكش


أردف هاتفًا بقسوة ضاغطًا على حروف كلماته مُستنكرًا:


-أنتي جايه تفتكري إنك مش بتحبيني بعد سبع سنين جواز وعندك عيل صغير.. كنتي فين وأنا بتجوزك ولا علشان هو كمان اتجوز 


دققت بعيناه باستغراب مُتسالة وهي تعتقد أنه لا يدري بحبها لرجل آخر غيره:


-هو مين ده اللي بتتكلم عنه 


ضغط على ذراعيها بقسوة أكبر وهو يجذبها ناحيته يصرخ أمام وجهها:


-هتستهبلي، بتكلم عن أحمد القصاص حبيب القلب اللي أهلك رفضوه ولبسوكي فيا 


عاندت رافعة رأسها للأعلى تنفي حديثه:


-أنت اللي جيت طلبتني محدش لبسني فيك 


تحدث بقهرة رجل يتعرض للخـ ـيانة الزوجية من إمرأة أحبها وأعتقد أنها هي التي ستكون شريكة حياته في الحزن والسعادة:


-كنت أعمى القلب والبصيرة، كنت شايف واحدة محترمة مش خايـ ـنة


عارضته بقوة رافعة أنفها وكأنها لم تفعل أي شيء بل هو المذنب:


-أنا مش خايـ ـنة 


صدح صوته الصارخ بوجهها بعنف وعصبية شديدة بعد أن ترك يديها وقال:


-لأ خايـ ـنة وستين خايـ ـنة، كنتي قولي قبل الجواز إنك مش عايزاني بدل ما نظلم نفسنا ونظلم عيل معانا أنتي ايه يا شيخه 


خرجت الكلمات من فمها تقذفه بألفاظ لا تقولها زوجة مثلها مذنبة أبدًا ولكنها كانت تبجح به:


-أنا بردو اللي ايه يا قاسي أنت.. أنت مفكر نفسك ايه دا أنت حيوان  


قبض بيده على خصلات شعرها الغجرية يجذبها بقسوة ناظرًا إليها بغضب يسب إياها:


-هو مين ده اللي حيوان يا خايـ ـنة يا زبـ ـالة يا تربية الشوارع 


أكمل مُتسائلًا باستنكار:


-بقى أنتي أهلك ناس محترمة المظاهر خداعة بردو 


وضعت يدها أعلى يده فوق رأسها لتخفف من حدة قبضته على خصلاتها ولكن ذلك لا يعني أنها تشعر بالألم وتتراجع بل رفعت وجهها إليه وبأنف مرفوع قالت:


-محترمين غصب عنك 


تهكم عليها ساخرًا وصوته يخرج منه ضاحكًا بألم:


-لأ واضح الاحترام بنتهم بتحب واحد غير جوزها.. دا أنا مش عارف أعيش بسببك.. مش عارف أعيش


نظرت إليه بجدية وكأنها تعقد معه إتفاق أو بينهم عمل موثق: 


-طلقني وعيش حياتك براحتك 


ابتسم بشر وغضب، والحزم لازم عيناه ولكنه يحاول أن يخفيه وقال بقهره وحرقة كبيرة داخله:


-مش هطلقك.. هزلك وأعـ ـذبك لحد ما تقولي حقي برقبتي.. مش أنا اللي يتعمل معايا كده.. مش أنا


سبته وهي تنظر إليه بتقزز وقرف:


-أنت حيوان وزبـ ـالة


صفعها على وجهها بكف يده بقوة كبيرة جعلتها تصرخ بين يده وهو يعقب على كلماتها بكلمات تماثلها:


-مافيش ازبل منك يا قـ ـذرة 


عادت إليه برأسها تضع يدها على وجهها ناظرة إليه باستنكار ودهشة تقول:


-كمان بتضربني 


ابتسم مرة أخرى قائلًا بسخرية وغضب:


-هو أنتي لسه شوفتي حاجه 


ثم انهال عليها بالضربات الموجعة إليها والصفعات المتتالية على وجنتيها الاثنتين بقوة كبيرة والغضب يعمي عيناه عن الواقع وما فيه، لا يرى إلا أن زوجته خائـ ـنة، تخـ ـونه مع رجل آخر يعرفه جيدًا.."


عاد من ذكرياته المؤلمة إلى واقعة الأشد ألم، واقعة المُقيد بالانتقام ممن كانوا السبب في تخريب حياته، وكانت أولهم هي زوجته التي حولته من رجل حنون هادئ إلى آخر يُسمى بالذئب البشري، كانت أولهم في الانتقام منها ولكن لم يمسها بسوء هو فقط جعلها تقدم على الانتحار بقدميها من أفعاله بها والتي كانت تستحقها وتستحق أكثر منها أيضًا.. 


ومن بعدها أراد النيل من عائلة الخـ ـائن الآخر وقد فعل ولكن نسله بقيٰ منه فرد واحد لن يتركه مهما كلفه الأمر.. ولن يبقى على وعده مع ابنه الأحمق بل سيتصرف هو قريبًا..


لن يترك أي منهما يعيش سعيد بحياته وهو من قام بتحمل العقوبة وحده، لقد خربت حياته وهو شاب صغير في بداية عمره، لقد وقفت حياته إلى هنا على ابنه وأبتعد عن النساء جميعًا، فقط لأنه لم يكن يجعلها تريد شيء.. بدايةً من حبه وحنانه نهاية بالمال والمجوهرات وكل ما كانت تحتاج إليه ولكنها قابلته بأبشع العقوبات على الإطلاق فـ إلى هنا وقف قلبه عن العمل من ناحية الحب والتقرب إلى النساء، يكفي واحدة أتت اخلفت من بعدها دمار ليس بعده دمار..


                               ❈-❈-❈


"بعد مرور الأسبوع الآخر على موعد الزفاف"


تحضر "عامر" جيدًا إلى يوم زفافه الذي سيكون في الغد، لقد كان على أتم الاستعداد لهذا اليوم منذ الكثير من السنوات، ولكن دائمًا كان يحدث ما لا يتوقعه أحد إلى أن وصل معها إلى هنا، أصبح جناحهم الخاص جاهزًا والذي كان من المفترض أن يكونوا ساكنين به منذ عامين، أصبح هو وضعه على ما يرام ولم يعد يشعر بآلام، وكل تفكيره الآن في يوم غد اليوم المنتظر والذي جعل قلبه يخفق ليلًا ونهارًا كلما أقترب الموعد..


الآن سعادته متوقفة على شيء واحد ألا وهو براءتها، يود أن يقول بينه وبين نفسه أن هذه البداية ستكون رائعة، ستكون زوجته وحبيبته وكل ما يملك مرة أخرى وهذه ستكون الأخيرة، دون فراق، دون بُعد، دون أي شيء يأخذها منه ولكن.. ينتظر أن يحصل على ما يريد ويتأكد من أنها مازالت له ثم بعد ذلك لن يقول هذا الحديث بينه وبين نفسه فقط! بل سيقوله لها وستكون الأيام القادمة أسعد الأيام عليهما..


جلس "عامر" على المقعد أمام مكتب والده الذي استدعاه إليه في المساء قبل صباح يوم الغد وتسائل بجدية:


-نعم مالك 


تابعه والده بهدوء ناظرًا إليه بعينين هادئة يود أن يقول له حديث كثير ولكن سيقتصر كل ذلك في كلمات بسيطة كي يتفهمها "عامر" ويتقبلها منه:


-بكرة فرحك على سلمى.. أنا عارف إنك مش محتاج توصيه عليها، بس أنا في مقام أبوها وجبتك دلوقتي بصفتها بنتي وعايز اوصيك عليها 


أعتدل في جلسته ونظر إليه جيدًا وعاد إليه نفس الشعور ذلك الذي أتاه عندما كان "هشام" هنا، قال بهدوء:


-أنت قولت في بداية كلامك أن أنا مش عايز توصيه على سلمى 


عقب على حديثه بهدوء مُحاولًا أن يظهر له كل ما عليه فعله في الفترة القادمة مع ابنة عمه:


-ده واجبي يا عامر.. أنا مش هعيش العمر كله معاكم لازم أوصيك عليها ومهما عملت خدها بالراحة وطبطب عليها وخف من العنف اللي أنت فيه.. دي بنت رقيقة محتاجه ريشة تخفف عنها بيها ولما تبقى مراتك مش زي ما كانت خطيبتك والكل حواليها دلوقتي هي لوحدها معاك مافيش ياسين ولا أحمد تشتكيله منك 


أكمل حديثه بجدية وهو يتابعه بعيناه ويرى نظراته الواضحة تجاهه وتعقبه لكلماته:


-حسسها إنك مكان ياسين ومكان أحمد وحسسها إنك عامر جوزها وصاحبها خليك ليها كل حاجه علشان ميحصلش زي اللي حصل قبل كده.. لو بقيت حاجه غير كده هتدور على غيرك.. مش راجل لأ علشان متفهمش غلط 


مرة أخرى يتوقف عن الحديث ثم يكمل بعقل رجل كبير مر عليه الكثير ويعطي لابنه الأكبر نصائح ما قبل الزفاف عن كيفية التعامل مع زوجته بالمودة والرحمة:


-هتدور على واحدة زي إيناس من تاني وياعالم هتبقى كويسة ولا لأ.. تستغلها ولا لأ 


وقال أخر كلماته وهو ينظر إليه بعينين تترقرق بها الدموع كلما أتى على ذكر رحيل عائلته:


-خليك ليها كل حاجه وعاملها بحنية أنت طيب وأنا عرفت ده وهي كمان طيبة و... ويتيمه 


نظر إليه "عامر" بجدية وأحب ما قدمه إليه من نصائح وأراد اتباعها ووعد نفسه بداخله وهو يستمع إلى والده أن يفعل ذلك قدر ما استطاع فقط ليتبين له الحق من الباطل..


رأى والده وهو يقف مُقتربًا منه يلتف حول مكتبه ليقف أمامه باسطًا ذراعيه:


-ألف مبروك يا عامر ربنا يسعدكم 


وقف "عامر" يقابله ثم بادله العناق يربت على ظهره ونطق قائلًا بهدوء ورزانة:


-الله يبارك فيك.. يا بابا 


وكانت هذه الكلمة لها تأثير غير عادي على والده الذي يستمع إليها منه كل فترة زمنية بعيدة.. وكثيرًا يتناسى صوته ونبرته وهو يهتف بها 


أحب "عامر" كثيرًا ما حدث بينهم الآن وأحب حديثه معه بهذه الطريقة ووجه عيناه وعقله على أشياء لم يكن يعرفها.. الآن في انتظار انتهاء الساعات القادمة لبداية حفل الزفاف الذي سيظهر هل دنس الثوب الأبيض؟ أم مازال ببراءته!..


                                 ❈-❈-❈


                                  "يُتبع"


#بين_دروب_قسوته 

#الفصل_الثامن_عشر

#ندا_حسن


                       "ومن الحب ما قتـ ـل"


في صباح يوم الزفاف، كانت جميع العائلة في فندق من الفنادق الملكية باهظة الثمن منذ الصباح الباكر للتحضير لزفاف أبنائهم الذي ستتحدث عنه البلدة بأكملها، لقد تم الإتفاق أن الزفاف سيكون هنا، في قاعة ملكية رائعة تسر الناظرين إليها بلمحة واحدة فقط..


أقتربت "هدى" تسير متقدمة من الطاولة في ساحة الفندق في الخارج والذي يجلس عليها "تامر" لتتحدث معه عن أمرهما..


بعد أن فكرت في كل شيء وتحدثت إلى "سلمى" مرة أخرى بعد آخر نقاش حدث بينهم وأخذت رأيها في كثير من الأمور التي تخصها وقررت أنه أولًا أنها تريد أن تعطي فرصة لذلك الرجل الذي يهتف بالحب إليها ويظهر ذلك في كل تعابيره المُقدمة إليها أو إلى أي شخص آخر من طرفها..


تريد أن تنعم بالسعادة بعد أن حرمت منها بموت زوجها والذي أنبت نفسها كثيرًا بعد تفكيرها بهذه الطريقة الصعبة والسيئة بحقها وحقه وكادت أن تعود عن قرارها وتكمل بقية حياتها على ذكراه كما كانت تريد منذ البداية..


ولكن فعلته التي علمت بها مؤخرّا وخزت قلبها وجعلتها امرأة مجروح كبريائها ومخدوعه به وبكل ما كان يفعله حتى ولو كانت متأكدة من حبه لها..


وحتى لو كان ما فعله بدافع شهامته ورجولته فهي الآخرى تستحق فرصة ثانية لتنعم بما حرمت منه وستفعل ذلك وتحاول قدر الإمكان أن تتناسى كل شيء فقد قالت والدتها مثال شعبي لتشجعها على ما أرادت في النهاية بعد معرفتهم لما فعله هو "الحي أبقى من الميت"


وستكون كذلك.. أنها أبقى منه


جلست أمام "تامر" بابتسامة وهدوء ناظرة إليه بعينيها قائلة بتساؤل:


-ازيك عامل ايه 


أجابها مُبتسمّا باتساع يبادلها النظرات الهادئة:


-أنا بخير طول ما أنتي بخير


ابتسمت قائلة:


-شكرًا


قد قالت له ليلة الأمس أنها قد قررت شيء ما تريد أخباره به بعد كل تلك المدة التي كانت مُشتتة بها تعود وتبتعد، تسائل قائلًا:


-قوليلي بقى ايه اللي قررتيه وكنتي عايزه تقوليلي عليه 


أقتربت من الطاولة رافعة يدها الاثنين عليها متشابكين ببعضهم وقالت بجدية وهدوء:


-أنا كنت عايزة أقولك إني موافقة نتجوز مش بس تعارف ولا خطوبة 


تابعها بعينيه وهي تتحدث هكذا ببساطة شديدة فنظر إليها مستنكرًا مذهولًا يقول:


-بجد؟


أومأت إليه برأسها قائلة بابتسامة عريضة وهي تتابع حركاته المُستغربه:


-آه بجد 


مرة أخرى بعدم تصديق يقترب هو الآخر من الطاولة ليقابلها بالقرب منها قائلًا بنبرة خافتة مرتعشة:


-قولي والله العظيم!


ابتسمت أكثر باتساع وقالت كما يريد:


-والله العظيم وافقت 


اندفع قائلًا بقوة ولهفة عاشق ينظر إليها بعينين لامعة للغاية:


-أنا بحبك أوي.. بحبك جدًا


وضعت عينيها على الطاولة تنظر في الفراغ بها بعيد عن عينيه بعد نطقه لهذه الكلمات التي من المفترض أن تبادله بمثلها ولكنها إلى الآن لم تشعر بذلك..


رفعت وجهها قائلة بهدوء وبساطة:


-طيب بص.. بعد فرح عامر نكتب الكتاب بس، أنا مش عايزة أعمل فرح إحنا نعمل كتب كتاب عائلي وبس


اندفع مرة أخرى بلهفة موافقًا على حديثها بجدية:


-وأنا موافق طبعًا.. أصلّا الأفراح ملهاش لازمه


عاد مرة أخرى ينفي حديثه السابق يستثني شقيقها ناظرّا إليها:


-ماعدا فرح أخوكي طبعًا 


أجابته ساخرة محركة رأسها للأمام باستنكار بعد عودته في حديثه:


-ياشيخ!


أومأ إليها قائلًا بجدية ثم مرة أخرى أعاد عليها السؤال بلهفة أكبر غير مُصدق لما قالت من حديث:


-آه والله.. أنتي بجد موافقة خلاص كده هتنجوز؟


أومأت إليه مرة أخرى برأسها مُستمتعة بحركاته وعدم تصديقه ذلك وكأنه فاز بشيء ثمين ولا يصدقه:


-آه 


ابتسم هذه المرة بجدية وتحدث بصوت رجولي واضح وصريح إليها وهو يتابعها بنظراته المُحبة:


-مش هتندمي أبدًا إنك وافقتي تديني فرصة يا هدى.. أنا هشيلك في عنيا 


ابتسمت قائلة بمجاملة بعد حديثه ذلك:


-تسلم عيونك 


جلست معه كثير من الوقت تتحدث في أمور عدة ببعض المرح منه والخجل منها، تهتف بكل ما يخطر على بالها مع التحفظ الشديد على الحديث الآخر الذي ربما يصدر عفويًا منها مثله، وتحفظت أيضًا على كل ما علمته عن زوجها الراحل لأنه لا يخص أحد غيرها هي وعائلتها ولا تريد أن يظهر أمامه بأي صورة قد تخدش صورته الأصلية الأولى لدى الأشخاص القريبين منه والذي يعرفونه جيدًا..


بعد ذلك ذهبت إلى "سلمى" التي كانت تتجهز منذ الصباح مع فريق كامل لفستان الزفاف وزينة وجهها ومصففي الشعر  الذين جلبهم "عامر" خصيصًا لأجلها.. لأجل أن تكون ملكة متوجه في ذلك اليوم الذي لا يعرف كيف ستكون نهايته عليهم..


                                   ❈-❈-❈


بعد أن طلبت "سلمى" من جميع العاملات معها أن تستريح قليلًا جلست على الفراش في الغرفة تعبث بالهاتف الخاص بها تبصر كل هذه المواقع التي تعلن عن حفل زفافهم الليلة، إلى هذه اللحظة قلبها لم يسكن داخل قفصها الصدري لحظة واحدة..


في البداية وحتى بعد أن قرر "عامر" موعد يوم الزفاف ظلت تحاول وتحاول في الفترة الماضية أن تؤجل ذلك، افتعلت المرض، والانشغال، وتحججت بنفسيتها السيئة ولكنه كان على علم أنها كاذبة فقط تريد تأجيل الموعد ويجهل السبب في ذلك.. 


حاولت كثيرًا وهو لم يرضخ ولو مرة واحدة، كان الخوف ينهش قلبها كلما تذكرت وتزقزق عصافير معدتها من التوتر والقلق.. لكن ما بيدها أي حيلة كي تفعلها، لقد يأست وتركت الأمر إلى الله بعد أن حاولت معه كثيرًا..


ثم بعدها حاولت في التفكير لفعل شيء بعيد عن "عامر"، فكرت في "هشام" الذي يقلق منامها ويوتر قلبها وعقلها، ذلك الذي هددها أنه لن يتركه لو تزوجت منه، ما الذي تستطيع فعله معه؟ ما الذي من الممكن أن يوقفه عن حده ويبعده عنها إلى الأبد..


تستغرب كثيرًا، هي لم تفعل به شيء، كان الممكن أن تقول أنه يحبها وهي من ابتعدت عنه بعد أن وعدته أنها ستتزوج منه ولكنه أعترف أنه لا يحبها من الأساس إذًا لما كل ذلك؟ لما ينتقم منها بهذه الطريقة!..


قلبها كان كشمعة مشتعلة في الأيام المنصرمة، تحترق كل لحظة والأخرى وتتأكل تاركة من خلفها بقايا قلقها ورهبتها..


استسلمت لواقعها المرير بعد كثير من المحاولات مع عقلها والاثنين، قطعت علاقتها بذلك الحقيـ ـر وابنة عمه وابتعدت نهائيًا كي لا يصلها منه أي معلومات تزعجها أو يحاول تعكير صفوها وتركت الأمر بأكمله إلى الله داعية إياه أن يمر اليوم على خير ويخرج الجميع من هنا سالمين ثم بعد ذلك تفكر فيما سيحدث..


لأ يشغلها أكثر من ذلك، حتى ما سيحدث بينها وبين "عامر" لا يشغلها نهائيّا لأنها متأكدة من أنها مازالت ذلك الملاك البريء الذي كان دومًا يتحدث عنه ويقول إنه يخصه هو وحده.. مازالت نفسه..


وقفت عن الفراش وابتعدت عنه واقفة أمام المرآة تنظر إلى هيئتها الجديدة، لقد اكتسب شعرها في الفترة الأخيرة طولًا ملحوظًا ولم تكن تقوم بتقصيره كما كانت تفعل منذ وفات والديها بل فعلت المفاجأة الكبرى ألا وهي قامت بصبغة باللون الذهبي وهذا كان لون خصلات شعرها الأصلية منذ البداية ولكنها كانت تحب التغيير الدائم جعلته أسود حالك، وجعلته بني يخالطه الذهبي وجعلته بني فقط وقامت بتقصيره ومرة أخرى بترك خصلات قصيره على جبهتها وهذا ما كان يكرهه "عامر" كان يطالبها دائمًا بترك خصلاتها طويلة بلونها الأصلي لذا بعد وفات والديها ومعرفتها خيانته قامت بتقصيره إلى نهاية عنقها ملامسًا أكتافها.. واليوم أرادت أن تجعله سعيدًا.. مقررة أنها حقًا ستكون بداية جديدة 


تابعت هيئتها في المرأة بابتسامة، لقد كانت الخصلات الذهبية رائعة على ملامح وجهها الخلابة، البريئة والجريئة بذات الوقت..


نظرت إلى جسدها المخفي معظمه داخل ثوب أبيض حرير يصل إلى ركبتيها، لم يبقى سوى أن تعود ذلك البطل الذي كان يناديه وتستقبل وزن آخر غير الذي فقدته لتبرز معالم أنوثتها من جديد بعد أن فقدتها قليلًا بفقدان وزنها..


نظرت إلى الساعة ووجدتها تقترب من الموعد بسرعة، فذهبت إلى الخارج لتستدعي الفريق المتكامل الذي كان معها لتبدأ بالاستعداد إلى الحفل المنتظر والمقام على شرفها..


دلفت إلى الداخل بعد أن قامت باستدعائهم من الغرفة المجاورة وجلست على المقعد أمام المرآة للاستعداد لما هو قادم..


تشعر أنها في اللحظات القادمة عليها ستكون كفراشة أخذها أحدهم قاسي القلب وقام بوضعها في علبة محكمة الغلق لمدة عامان وما كان منها إلا أن تستسلم، والآن أتى آخر رقيق القلب وقام بفتح العلبة لتخرج بأجنحة مُهترئة تحاول الصمود وتتطاير فوق الورود المزدهرة في حديقة ليس بها إلا أشواك.. تحاول أخذ الجميل منها فقط..


وعدت نفسها أنها ستبذل كل جهدها لتكون سعيدة معه وبقربه، وعدت نفسها أن تعوضها عن كل ما مر عليها، عن فراق عائلتها التي تفتقد وجودهم في يوم كهذا، تفتقد والدها كثيرًا فقد كانت تتمنى أن يقدمها إلى "عامر" بيده ويقوم بتوصيته عليها، فهو يستمع إلى حديث والدها ولو كان سيف على رقبته، كانت تود والدتها أن تراها بثوب الزفاف، شقيقها يراقصها على الأنغام..


تنهدت بصوت مسموع وتمتمت بالدعاء لهم بالرحمة تصبر نفسها بأنهم في الأعلى بأفضل حال وأنها في يوم من الأيام ستذهب إليهم..


الآن لتتناسى كل ما يعكر صفوها وتبتسم لما هو آت مع رفيق دربها..


                                   ❈-❈-❈


تابع اقترابه من والده الجالس على الأريكة بوجه مكفهر قاسٍ يظهر عليه الغضب الشديد..


رآه وهو يجلس على الأريكة المقابلة له بوجه خجل ناظرًا في الأرضية مُبتعدًا بوجهه عنه بعد فشلة الذريع الذي كان لا يتوقعه..


عاد للخلف برأسه وظل يتابعه بعيناه القاسية ولم يتركه إلا وهو يردف بنبرة ساخرة: 


-ايه.. شايفك باصص في الأرض، فين اللي أنت تعمله وواثق منه 


تابع حديثه ساخرًا أكثر مُستهزءًا به يعزز عقدة النقص بداخله أكثر وهو يجعله يشعر بمدى فشله:


-آه دا أنا نسيت أن فرحها النهاردة، يلا تعوضها المرة الجاية بقى 


اندفع الآخر يهتف بعصبية وحرقة ظاهرة بوضوح على ملامحه وفي نبرة حديثه:


-هعوضها.. هعوضها وهتشوف 


تهكم عليه والده في بداية حديثه ثم أكمل ساخرًا:


-يا واثق أنت.. بلاش فشخرة كدابة هو أنت عارف تعمل حاجه يا خايب 


صاح "هشام" بصوتٍ عالٍ وغضب شديد يتبعه لاجل حديث والده الذي يقلل منه:


-متقولش خايب.. هو ابن عمها ده اللي لحقها مني


اندفع للأمام على حين غرة وهو ينظر إليه بقسوة داخل عيناه المتشابهه معه وقلل منه وهو يكبر في الآخر: 


-علشان ناصح.. طول عمره وهو ناصح بيعرف يلتقطها في الوقت المناسب 


هذا ما كان ينقصه، أن يُقارن بذلك الأبلة السكير من قبل والده الذي من المفترض أنه يعرف بكل ما عاناه: 


-تمام قول براحتك، بكره تشوف هعمل ايه 


عاد والده للخلف مرة أخرى وابتسم قائلّا:


-بكرة بقى لما تتقابلوا في الجنة 


عقب على حديثه الآخر بثقة:


-لأ على الأرض وحياتك 


ضيق ما بين حاجبيه واستهزأ به مرة أخرى ساخرًا:


-ايه هتخليها تخون جوزها معاك! دا أنت معملتهاش قبل الجواز 


تابع الآخر بنفس الثقة والتأكيد الذي لا يعرف من أين يأتي بهم:


-هتشوف أنا هعمل ايه 


قال والده بلا مبالاة وعدم اهتمام لحديثه الذي استمع إليه كثيرًا من المرات:


-لأ ابقى شوف أنت لوحدك.. ده لو لقيتها عيشالك


نظر إليه بجدية واعتدل في جلسته بعد حديث والده الذي عبث بأذنه فسأله بجدية:


-أنت عملت ايه 


ابتسم والده بغل وحقد كبير، لم يكن يومًا يعرفه ولكن قسوة الأيام عليه هي من قادته إليه:


-النهاردة هتسمع خبرها.. في الفرح هنسمع الصويت بدل الهيصة ويبقى مات نسل أحمد القصاص 


انتفض واقفًا بلهفة وخوف وصرخ بوالده عاليًا والغل انتقل إليه في لحظة واحدة ليظهر كذئب يريد الانتقام من فريسة هاربة:


-اوعى تعمل كده.. اوعى أنا لسه معملتش اللي أنا عايزة.. أنا ليا حق عندها لازم اخده بايدي 


وقف والده أمامه هو الآخر يجادله في الحديث مذكرة بعدد المرات التي تركه بها يفعل ما يشاء ولم يستطع:


-أنا اديتك الفرصة مرة واتنين ومعرفتش 


لم يهتم بما قاله بل تابع عيناه مُتسائلًا بلهفة:


-وصيت حد يعمل كده؟


أومأ إليه والده بالإيجاب مؤكدًا حديثه:


-آه


أشار إليه بيده بعصبية وغضب وصوته عالٍ وهو يقدم قدم منه ويؤخر الأخرى:


-إلغي.. إلغي ده سلمى ماينفعش تموت دلوقتي.. لازم انتقم.. لازم أخد حقي 


عارضه والده وقال بجدية وقسوة مُعترفًا بخيبة ابنه الوحيد الذي لازمه الشعور بالنقص:


-مش هلغي حاجه.. أنت خايب مش عارف توقعها بقالك كتير المرة دي جه دوري 


أقترب منه ووقف جاعلًا عينه بعين والده بقسوة شديدة تماثله، لازمه الشعور بالانتقام منذ الصغر على يد والده، ليس الآن وقت التخلي، هدده بجدية شديدة وقسوة في الحديث:


-لو مرجعتش هروح القسم دلوقتي حالًا وأعترف بكل اللي عملناه 


صرخ عليه والده وهو يتقدم منه مُمسكّا بذراعه بقسوة وعنف متابعًا عيناه بعينين مُتسعة مذهول مما يفعله ولده:


-أنت اتجننت 


نفض ذراعه منه وأردف صارخًا بجنون وعنفوان وعقله رافضًا التخلي عن فكرة الانتقام بيده:


-اه اتجننت إلغي بقولك 


وقف والده ناظرًا إليه بجدية وعيناه لا تتحرك من على خاصته والآخر بادله ذلك مُقررًا أنه لن يتراجع مهما كلفه الأمر وحتى إن وقف أمام والده بهذه الطريقة، لحظات والأخرى ولم يتراجع فلم يجد والده حل آخر غير أن يتراجع هو عما أراد فعله، لا يريد خسارة ابنه بهذه الطريقة وتكون ابنة "أحمد القصاص" هي السبب بذلك كما كان والدها السبب في كل شيء سابقًا..


عاد للخلف وأخذ الهاتف من على الأريكة ثم عبث به وهو يرفع نظرة إلى ابنه كل لحظة والأخرى بغضب لأنه جعله يفعل ذلك رغمًا عنه..


وضع الهاتف على أذنه وأردف بعد لحظات بجدية ووضوح:


-إلغي اللي اتفقنا عليه النهاردة


أخفض الهاتف من على أذنه بعد حديثه ثم نظر إلى ابنه وتابعه بعيناه بشك وقلق وهتف بما جال بخاطره بتسائل:


-أنت حبيتها ولا ايه 


استنكر "هشام" حديث والده الغير منطقي بالمرة، ألا يعلم أنه لا يريد منها شيء غير الانتقام! الانتقام الشديد الذي يجعلها تتمنى الموت ولا تراه، قال بقسوة وغل والحقد يسير بدمه: 


-حبيت مين دا أنا هشرب من دمها.. مش هموتها كده بالساهل.. لازم تتعذب، تتعذب زي ما أنا اتعذبت 


أكمل بقهر وداخله يخطط أن يجعلها تشعر بذلك الشعور الذي لازمه طوال حياته بسبب والدها ووالدته!.. أليس من العدل أن تشعر هي الأخرى مثله!:


-لازم تتمنى الموت على أيدي.. لازم تحس باللي حسيت بيه بسبب أبوها.. لازم تشوف الويل مش تموت كده بالساهل


ردد بكره وقسوة وهو يجلس على الأريكة تحت بصر والده الذي يرى الانتقام والعنف يشعان من عيناي ابنه:


-مش بالساهل أبدًا


                                   ❈-❈-❈


أتت اللحظة الحاسمة، بعد كثير من الوقت الذي مر عليها في الغرفة تتحضر إلى ليلتها الأولى وبداية دلوفها عش الزوجية، بعد أن أصبحت أجمل عروس على الإطلاق قد يراها أي شخص..


انبهر الجميع بها وبمظهرها الخلاب بعد أن انتهت من كل شيء ووقفت أمامهم عروس ملاك خارجة من الجنة، ذهب الفريق الذي كان معاها خارجين من الغرفة إلى الأخرى، لن يذهب منهم أحد حتى إذا احتاجت لهم تلقاهم..


دلفت "هدى" ومعها والدتها والاثنتين عندما وقعت عينيهما عليها حل عليهم الانبهار الفظيع، لقد ظهر ذلك على ملامحهم بوضوع ورأت كأن الصاعقة حلت عليهم..


اتسعت عيني زوجة عمها وهي تقترب منها بلهفة قائلة بحنان وقلق:


-بسم الله ما شاء الله.. يغذي العين قول أعوذ برب الفلق 


تقدمت من خلفها "هدى" ناظرة إليها باتساع كوالدتها تهتف:


-ايه ده يا سلمى ما شاء الله ولا شوفت ولا هشوف عروسة في حلاوتك يا بخته عامر والله 


كانت تعلم أن مظهرها رائع لقد انبهرت هي نفسها بعد أن تجهزت، تعلم أنها ملامحها بريئة وجميلة ولكن زينة الزفاف الهادئة والثوب وكل ذلك جديد عليها فظهرت به في احسن صورة..


تسائلت تنظر إليهم بتوتر:


-بجد؟..


أجابتها "هدى" بثقة وتأكيد:


-آه والله العظيم


تسائلت ثانيةً تتابعهم بعينيها:


-فين عمي؟


عقبت على سؤالها زوجته تشير إلى الباب:


-واقف مستنينا على آخر الطرقه عند السلم.. والفرح مليان معازيم من كبارات البلد 


أردفت بنبرة قلقة وعينيها تلتفت من هنا إلى هنا:


-الحراسة واقفة واللي بيدخل بالكارت بس صح؟


أومأت إليها "هدى" وقالت:


-يلا بينا عامر وبابا والناس مستنية 


تحركت "سلمى" خطوة للأمام فاوقفتها زوجة عمها وهي تضع يدها فوق رأسها قائلة:


-استني لما أقرأ عليكي قرآن أخاف من الحسد 


وقفت "سلمى" مُبتسمة تبادلها "هدى" منتظرة أن تنتهي زوجة عمها مما تفعل..


لحظات ثم انتهت وأخذتها تسير بها إلى الخارج، ذهبت بالرواق المؤدي إلى درج السلم والذي يقف في بدايته عمها لكي يأخذها ويسلمها بيده إلى ابنه الذي أوصاه عليها في الأمس وسيفعل اليوم أيضًا..


لم يكن معاها أي شخص آخر سوى زوجة عمها وابنته، لم تفلح يومًا في تكوين صداقات قوية على الرغم من أن الجميع يتمنى ذلك، ولكن لم تستطع هي فعلها كانت فقط لديها صديقة قامت بتخريب حياتها..


وقفت أمام عمها الذي وصلت إليه وعندما نظر إليها تتالت الدموع خلف بعضها من عينيه وهو يراها بتلك الهيئة الفاتنة التي تخطف الأنفاس..


ذكرته بوالدها، شقيقه ورفيق عمره الذي ذهب وتركه وحده وترك له أمانه في رقبته إلى يوم أن يذهب إليه، وكم كانت هذه الأمانة رائعة جميلة مطمع للجميع..


أخذها في عناق طويل وهو يبكي كثيرًا ويهتف مُعترفًا بجمال صنع الله بها:


-سبحان الخالق.. سبحانه يا سلمى 


قالت مازحة والدموع ترفرف بعينيها الزيتونية:


-عمي أنا هعيط والميكب آب بتاعي هيبوظ 


أبتعد عنها ضاحكًا ثم مسح على وجهه يزيل دموع عيناه ونظر إليها:


-لأ وعلى ايه.. ألف مبروك يا حبيبتي


ابتسمت إليه وبادلته كل الحب الذي يلقيه عليها قائلة:


-الله يبارك فيك


سارت زوجته وابنته في الخلف وهبطت هي من أعلى الدرج تتأبط ذراع عمها "رؤوف" مرتدية ثوب زفافها الأبيض ذو المظهر الرائع الخلاب، يلمع من الأعلى إلى الأسفل وكأنه مرصع بحبات اللؤلؤ والماس، يتناسب مع قوامها الممشوق يلتصق عليها ضيق من الخصر يظهر قوام جسدها جيدًا ويهبط فقط من الأسفل باتساع طفيف يلتف حولها على الأرضية بطوله الملحوظ، ومن جانبيه مع ظهره من الخلف طبقة أخرى رائعة المظهر تعطيه الشكل المنفرد من الخلف بشدة، ذراعيه من القماش الشفاف اللامع كما مقدمة صدره، يعلو خصلات شعرها الذهبية طرحة الثوب الأبيض الذي تهبط من فوق رأسها إلى الأرضية بشكل دائري رائع..


كل هذا وأكثر تحت نظرات العاشق الملهوف الذي يقف في نهاية الدرج ينتظر إياها تأتي إليه، كل هذا وأكثر مؤثرًا على عينيه، لقد رأى عروسه ولكنها خارجة من الجنة مُتنكرة في هيئة أجمل ملاك متواجد بها..


عينيه رأت خصلات شعرها الذهبية، متى فعلت ذلك؟ متى قامت بتغير لون خصلاتها إلى الذهبي المفضل إليه؟ تركت العنان لخصلاتها في الخلف مع دبوس شعر به لؤلؤ وماس كما الفستان يسلب أنفاسه منه..


يعلم طوال حياته أنها لا مثيل لها بجمالها الطبيعي والخلاب ولكن إلى هذه الدرجة؟ قلبه هكذا لن يتحمل!.. لقد بدت رائعة المظهر، جميلة وبريئة، كيف له أن يكون قاسٍ على ريشة بريئة كهذه؟ كيف له أن يفعلها..


هي الآخرى تهبط الدرج وتنظر إلى وسامته، شعره الأسود اللامع المصفف بعناية، ذقنه النابتة الذي لا يقوم بحلاقتها فقط عدل عليها، هيئة ككل وبدلته السوداء الرائعة عليه، لم يكن هذا جديد بل هو هكذا دائمًا، وسيم ورائع وفارع الطول لن تنسى هذا..


وصلت إليه ووقفت امامه مع والده، نظرت إليه تبتسم بخجل وكأنها فهمت كل ما يقوله داخله، لقد أطال النظر بها حقًا..


استمع إلى والده يقول بجدية:


-سلمى معاك يا عامر مش هوصيك عليها أنا قولتلك كل اللي عندي امبارح 


نظر إليها بانبهار ومازال في حالة تخبط من هيئتها ثم عاد إليها مُقتربًا منها يقبل أعلى رأسها بحنان بالغ وشغف لا نهائي يدعوه لترك الزفاف الآن، أردف بصوتٍ مبحوح داخله:


-سلمى في عيوني 


أخذها من ذراعها بعد أن أعطاها باقة الورود البيضاء التي كان ينتظرها بها ثم ذهب بها ليدلف إلى قاعة الزفاف الكبيرة والشاسعة، ومن هنا بدأ العرس وليلة الزفاف الرائعة تحت أصوات الموسيقى والأغاني التي تعبر عن كل لحظة تمر عليهم مع فرحة الجميع وسعادتهم..


لقد كانت القاعة في أكبر الفنادق في البلدة، مرتبة ومنظمة وهيئتها رائعة بها ورود ومفروشات وأضواء لا مثيل لها، حتى الطاقم المتواجد بها رائع ويؤدي واجبة بحب، لم يكن بها أي شيء ملحوظ تستطيع أن تقول لقد غفلوا عنه..


لحظات تمر والأخرى عليهم والجميع في حالة سعادة لا نهائية، كل المتواجدين هنا من الأهل الأحباء والأصدقاء والمشاركون لهم في عملهم، لم يقوموا بدعوة فرض واحد يعلمون أنه لا يكن لهم الحب وللحق كان لهم التوفيق في ذلك.. كل من هنا سعيد لأجلهم.. إلا شخص واحد!..


رأتهم وهم يقفون وتمسك بيدها يعدل معها ثوب زفافها وأخذها إلى ساحة الرقص لتتراقص بين يده مُقتربة منه على أصوات الموسيقى الهادئة التي تدلي بالكلمات الرومانسية وهي تدندن معها وتنظر داخل عينيه وتلمسه بكل حرية وهو يفعل المثل بعد أن قاموا بعقد قرآنهما قبل لحظات..


كانت "جومانا" الوحيدة التي تتابع ما يحدث بحزن شديد، وحرقة قلب لم تشعر بها إلا عندما تعرفت عليه وأحبته.. هو من أخلف كل ذلك بها ولكنها لن تصمت، لن تترك حبها يذهب هكذا لو مهما كلفها الأمر، لن تخرب حياته وتكسر سعادته فقط ستجعله يحيي سعادتها هي الأخرى..


وهو يرقص معها ويده تلامس خصرها مُحاوطًا إياها رفع عينيه البُنية الملهوفة عليها يقول:


-شكلك خطفني.. مشوفتش ولا هشوف عروسة بالجمال ده 


ابتسمت بخجل وكأنه أول مرة يغازلها وقالت متابعة عينيه:


-أنت كمان شكلك عريس بجد


تناسى كل ما كان يهتف به ورأى نفسه يريد قول هذه الكلمات والآن:


-سلمى أنا عايز انسى كل اللي فات، كأنه محصلش كأننا لسه زي ما إحنا وده معاد فرحنا من سنتين.. أنا بحبك أوي يا سلمى 


اتسعت ابتسامتها بقوة ولمعت عينيها بتلك المبادرة الذي خفق لها قلبها وقالت:


-أعتبرني نسيت يا عامر.. أنا كمان بموت فيك


لحظة فقط كان ينظر إليها بها ومن بعدها وجدت نفسها في عناق حاد يكاد أن يكسر أضعها ومن خلفه أخفى صوت التصفيق الحار صوت الموسيقى العالية..


ابتسمت بسعادة شديدة وبادلته العناق متناسية كل شيء قد حدث سابقًا..


                                 ❈-❈-❈


دلف خلفها من باب الجناح الخاص بهم، الذي كان مُجهز منذ عامين لاستقبالهم فيه كزوجين، انتهى العرس الذي خطف أنفاس الجميع، لقد كان مجهز على أعلى مستوى وهو من حرص على فعل ذلك، لقد كان عرس رائع بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بداية من المكان الذي كان أكبر فندق في البلدة، وتصميم القاعة والتجهيزات المتواجدة بها، وما جعل العرس أجمل وجودهم مع بعضهم البعض وظهورهم في أحسن صورة..


وقد حدث كل ذلك بعد أن تأكد من براءتها وعلم أن كل ما حدث كان مجرد خطة قذرة رسمت من قبل صديقتها وابن عمها ليفترقوا عن بعضهم ولتكن هي وحدها منفصلة عنه، لتقترب منهم ولينالوا ما أرادوا منها..


وقد علمت هي الأخرى أنه بريء ولم يخونها، لم يفعل أي شيء وحاول طيلة الوقت أن يجعلها تتفهم ما الذي تفعله صديقتها من خلفها لكنها لم تستمع إلى حديثه.. إنما الآن كل شيء اختلف وعادت الأمور إلى طبيعتها وأفضل من السابق، الاختلاف الوحيد هو عدم وجود عائلتها معها ولكن كان هذا قضاء الله ولا تستطيع الإعتراض عليه.. رحمة الله عليهم..


أغلق باب غرفة النوم بعد أن دلف إليها معها، استدارت تنظر إليه مُرتدية فستان عرسها الرائع عليها، مظهره يخطف الأنفاس مع جمالها الغير طبيعي بالمرة بعد أن أعادت لون خصلاتها الطبيعية مرة أخرى وأصبح لونها ذهبي..


بعينيها كانت تُلقي عليه النظرات المصاحبة للخجل المُميت خصوصًا بعد تصالحهما معًا وعودت الأمور إلى طبيعتها واعترافهم بالحب لبعضهم من جديد، اخفضت عينيها الزيتونية عن خاصته إلى الأرضية بخجل واضح وابتسامتها مهزوزة ولكنه رأى القلق واضح أكثر من كل شيء على ملامحها الرقيقة..


أقترب منها بخطوات ثابتة وعيناه عليها لم تتحرك، وقف أمامها وأمسك بيدها الاثنين بين يده، عينيه تهتف بالحب الموجود داخله لها، ملامحه توزع تبسُمات رائعة خلابة إليها..


حمحم بخشونة ثم ضغط على يدها الاثنين مُحركًا شفتيه وعيناه البُنية عليها قائلًا بحنان مبالغ فيه:


-ألف مبروك يا بطل.. أخيرًا بقيتي ليا وبرضاكي 


ارتعشت شفتيها المُكتنزة وهي تُجيبه قائلة وعينيها تنظر في الأرضية:


-الله يبارك فيك.. مسمعتش يا بطل دي من زمان أوي


ترك يد من يديها الاثنين وقدم كف يده إلى وجهها أسفل ذقنها ليرفعه إليه ويجعلها تنظر إليه بعينيها دون خجل وبحنان خالص وشغف لا نهائي ناحيتها:


-اتعودي عليها بقى من يوم ورايح


ابتسمت بخجل وقلق أكثر منه، وخوف أتى من بعده لتقع في موقف لا تحسد عليه، زقزقة عصافير بطنها وهي تراه يقترب منها ويده مازالت تتمسك بوجهها..


زحف الخوف ببطء إلى قلبها وتربع داخله، القادم لا تطمئن له!!..


ترك يدها وعاد بيده اليسرى إلى خلف خصرها يتمسك به ضاغطًا عليه مُقربها منه ويده اليمنى مازالت تتمسك بوجهها ليجذبها ناحيته أكثر، استنشق عبير أنفاسها الساخنة التي تخرج بلهاث لا يدري ما سببه..


أقترب منها بشفتيه واضعًا إياهم على خاصتها بحنان ورفق، بشغف وجنون وكل الكلمات مضادة لبعضها في ذلك الموقف.. قلبه لا يطيق الإنتظار وجسده يحترق شوقّا للمساتها الحنونة الذي حُرم منها منذ زمن.. لن يستطيع أن يكون هادئ أكثر من ذلك..


أقترب منها بلهفة عاشق قتله الإنتظار للتمتع بأحضانها وقربها منه، أقترب بشغف مجنون عاش بعيدًا عن حبيبته في حين أنه كان يحترق بالنيران المُلتهبة وهو يراها أمامه ولا يستطيع الإقتراب وكأنها منطقة محظورة..


لحظات وأخرى مرت، أخرى وغيرها مرت، أصبحت دقائق وخلفها دقائق لتكون وقت ليس بقليل أبدًا، نهش القلق قلب الاثنين، بل كل منهم وضع قلبه على كف يده في الإنتظار المحكوم عليه بالإعدام قبل بداية العد..


بعد كل هذا كان "عامر" يقف في شرفة الغرفة بعد أن ارتدى بنطال بيتي وقميص داخلي فوقه، بيده سيجارة لا يعلم ما عددها أهي الخامسة أم السادسة التي لا تأخذ دقيقتين بيده وتنتهي!.. 


عينيه كان الشرر يتطاير منها، قلبه مطعون بخجنر ليس بحاد ولم يكن خنجر من الأساس بل كان سيف من السيوف الذي تستخدم في الحـ ـروب، تأتي على رأس الشخص من بعيد تحتم عليه بالقـ ـتل..


الغضب أعمى عيناه والكره احتل قلبه المقـ ـتول، أصبح السواد يملؤه وبشدة إلى نهايته، رجولته مطعونة كقلبه تمامًا، واسمه مدهوس بالأقدام الموسخه..


ألقى السيجارة الأخيرة على الأرضية أسفله ودعسها بقدمه دون أن يكون مُرتدي حذاء بها، لم يشعر بحرقة أو جرح في قدمه بل شعر بالحرقة هذه في قلبه، وقف شامخًا، بجسد مُتشنج ووجه مكفهر غاضب بشدة، ملامحه الآن ملامح مجرم قـ ـاتل لا مثيل له..


استدار ودلف إلى الغرفة بعينين سوداء ليست بُنية، حادة قاتـ ـلة، وقف أمامها بثبات وهدوء ورأها مُرتدية روب أبيض اللون!! كان من المفترض أن يكون أسود كالذي سيحدث الآن.. 


تخفض وجهها في الأرض وتبكي بقوة كان يستمع إليها في الخارج ولكن هذا لن يغفر لها، أقترب منها ببطء وهدوء ما قبل العاصفة، إلى أن وقف أمامها بجوار الفراش، أمسك بذقنها وجعلها تستدير بوجهها إليه ليرفعه ناظرًا إلى عينيها ثم قال بجدية شديدة وقسوة لا نهائية:


-مش قولتلك لو اكتشفت إنك كدابة هاخد روحك؟ ولا أنتي مكنتيش مصدقة إني أعملها!..


نظرت إليه بعينيها الباكية المقهورة مما حدث، تبكي وتنتحب بقوة وشفتيها ترتعش بل جسدها بالكامل يرتعش خوفًا منه وهو ليس بهين أبدًا هذه المرة..


جعلها تنظر إليه وفي لحظة صمت لا يستمع بها إلا لشهقات بكائها لطم وجهها بكف يده بقوة شديدة جعلتها ترتمي بجسدها على الفراش، فازدادت في البكاء أكثر وهتفت بقهرة وخوف وقلبها يرتعد منه:


-وأقسم بالله ما عملت حاجه.. والله مخونتكش يا عامر صدقني 


ضحك بسخرية شديدة وتعالت ضحكاته في الغرفة وهو يجذبها من ذراعها مرة أخرى قائلًا بحرقة:


-أصدقك آه.. اومال لو مكنتش اتأكدت بنفسي كنتي هتقولي ايه 


مرة أخرى هبط على وجهها بصفعة غير الأولى فصرخت بعنف وخوف شديد وهي تبتعد عنه زاحفة بجسدها إلى الناحية الأخرى من الفراش وصوتها يعلو ببكاء حاد لكنه لم يستمع إلى كل هذا ولم يراه هو فقط الآن يراها وهي تخونه وتلقي شرفة وعرضه في أحضان ذلك الحقير القذر التي تركته وركضت إليه..


استند بقدمه اليُمنى على الفراش وأقترب منها جاذبّا إياها من خصلات شعرها القصيرة التي تغير لونها إلى ما يُحب ولكنه كاد أن يقتلعه بيده وهو يجذبها بعنف وقسوة شديدة:


-تعالي.. قولتلك هقـ ـتلك ولا لأ؟ ها


تحكم بخصلاتها بيده بشراسة وهو يجذبها إلى أسفل الخلف كي يستطيع رؤية وجهها بوضوح، ورمت وجنتها من أثر صفعاته، رآها تبكي بعنف شديد للغاية وتنتحب أكثر والخوف على ملامحها يحكي بكل ما اخفته عنه، لقد كان مظهرها يثرى له..


صفعها مرة أخرى بيده بقوة وأخرى خلفها تحت صراخاتها ويدها التي تحاول أبعاده عنها وصوتها الذي يستنجد بأي أحد ولكن لا يوجد.. خرجت الدماء تسيل على جانب وجهها من شفتيها المُكتنزة بغزارة واختلطت مع دموع عينيها الباكية بارتعاد..


دفعها للخلف فاصطدم ظهرها بالفراش تنام عليه، ظهرت ساقيها من ثوبها الذي لم تحكم إغلاقه ولكن هذا لم يكن إغراء بالنسبة إليه فهو يشعر بالنفور منها، نظر إليها، إلى رعبها منه وخوفها الظاهر بقوة، واستمع إلى حديثها الذي يُكذب ما حدث منذ قليل ولكنه الآن في حالة اللا وعي، نظراته كانت ثابتة حادة عينيه عليها بقوة لم تشفق على أي مما صدر منها.. أقترب ينحني فوقها ثم في لحظة لم يشعر بها إلا بشراسة حبه وقسوة غرامة عليها لف يده الاثنين حول عنـ ـقها كالسابق ولكن هذه المرة لن يستفيق سيفي بوعده ويقـ ـتلها.. سيغسل عاره بيده الاثنين هذه.. 


سيجعلها تصعد إلى بقية عائلتها فهو لا يحتاج إليها بعد الآن، توسلته وصرخت كثيرًا إلى أن ضاعت أحبالها الصوتية، حاولت بيدها المُرتخية أن تبعد يده عنها.. نظراته نحوها لم تكن حزن أو عتاب كما المرة السابقة بكل كانت كره خالص.. كراهية لا مثيل لها ولم تراها بعينه سابقًا، شراسة وقسوة لم تتعامل معهم من قبل هذه المرة الأكثر عنفًا على الإطلاق..


لم تستطع فعل أي شيء معه، ذهب صوتها بعد البكاء والصراخ، جفت الدموع من عينيها واقتربت النهاية، ارتخت يدها كليًا ووقعت جوارها على الفراش، انقطع نفسها في لحظة واحدة لم تكن اثنين.. وبقيت عينيها مفتوحة على وسعيها كما هي دائمًا..


هنا انتهت "سلمى القصاص" زوجة "عامر القصاص" هنا انتهى الحب الذي كان بينهم.. انتهت العلاقة السامة التي كانت تجمعهم سويًا.. انتهت وهو مُتأكد من أنها خائنة دنست حبهم وقتـ ـلت البراءة داخلها بقذارة أفعالها..


نظر إليها بعينين دامعة خائفة، عاد للخلف بخوف وارتعاب مما قد حدث، أيعقل أنه قتـ ـلها؟.. قـ ـتل حبيبته؟ زوجته؟ قـ ـتل "سلمى" مُناه الوحيد من الدنيا، ضرب وجنتها بيده بخفه وهو يهتف باسمها بخفوت والرهبة تقتله بعد أن دق قلبه بعنف:


-سلمى!.. سلمى؟ أنا مكنش قصدي.. سلمى قومي 


حاول معها كثيرًا ولكنها أمامه جـ ـثة هامدة، تنام على ظهرها عينيها مُتسعة مفتوحة إلى آخرها وقد توقف قلبها عن النبض وهو سلب منها أنفاسها، وجهها متورم من ضربه لها والدماء على جانب وجهها، والدموع على جانبيها تترك أثر يقتله..


تركها وعاد للخلف بجسد يرتعش، وقف على قدميه على الأرضية ولكنها لم تحمله فوقع على الأرضية جالسًا عليها ينظر إليها بعتاب خالص وخوف ورهبة، بحب وعشق، ينظر إليها بندم وقهر.. حرقة قلب لرجل عاشق خانة الحب ومن حبه..


خرجت الدموع من عينيه وكانت هذه المرة الثالثة والمُتسبب الوحيد بها هي كسابقها.. جلس ينظر إليها باكيًا بصوت ارتفع عاليًا ليملئ المكان من حوله، انتحب بعنف وقوة وتتالت شهقاته القاسية العنيفة وهو يهتف:


-ليه يا سلمى ليه.. أنا كنت بحبك أكتر من نفسي.. ليه 


ارتفعت شهقاته وازداد بكائه وهو ينظر إلى جـ ـثة حبيبته التي وعدها بالقـ ـتل وقد قام بتنفيذ وعده، كانت علاقتهم سامة ولكن الحب بها عميق، قتـ ـلهم الحب، قتـ ـلهم الحب وأبعدهم الفراق وابتعدت الأرواح عن بعضها لأسباب غريبة لا يصدقها أحد.. ماتت "سلمى القصاص" على يد زوجها وحبيب عمرها، سارق أحلامها "عامر القصاص" وكتبت بالجرائد جريـ ـمة "ومن الحب ما قـ ـتل" 


                               ❈-❈-❈


                                "يُتبع"


#بين_دروب_قسوته 

#الفصل_التاسع_عشر

#ندا_حسن


     "في لمحة خاطفة عادت من المـ ـوت إلى السعادة"


تعرق بكثرة في نومته، المياة تُسير على وجهه وعنقه ومقدمة صدره بغزارة، يضغط على عيناه بقوة وهو نائم على ظهره يشاهد كابوس بشع مر أمامه في نومته!.. فتح عينيه على مصراعيهما وانتفض جالسًا على الفراش يتنفس بصوت عالٍ وأنفاسه مسلوبة منه بغير إرادة..


مر شريط كابوسه على عقله وهو جالس على الفراش يحاول أن ينظم وتيرة أنفاسه، والتفت برأسه إلى الطرف الآخر من الفراش بقلق ولهفة ليراها تنام جواره سالمة بوجه صافٍ بريء 


تنهد بضيق وهو يمسح على وجهه ثم وقف على قدميه وتوجه ناحية المقعد أمام الفراش وجلس عليه، ألقى ظهره للخلف يستند إلى ظهر المقعد وجسده مُرتخي للغاية مازال مُتأثرًا مما شاهده..


لقد كان كابوسًا بشع للغاية، لقد قتـ ـلها به وجلس يبكي جوارها؟ قـ ـتل حبيبته بعد أن أصبحت زوجته وملك له ثم جلس على الأرضية ينظر إليها باكيًا يندب حظه معها!.. يا الله.. لقد كان عذاب شديد للغاية..


شعر بذلك الشعور الذي لطالما تمنى أن لا يتوصل إليه بحياته، حتى عندما تأكد من براءتها في الحقيقة أتى المنام ليجعله يشعر بوخزة رجولته وطعنته الذي أخذها في ظهره منها.. يعتقد أن ذلك عقاب.. عقاب كبير لا يستطيع أن يعترض عليه


مسح على وجهه ثانيةً ونظر إليها وهي نائمة كملاك، والله هي ملاك لا مثيل له منذ البداية وهو يقول عنها هكذا، تنام على الفراش تأخذ حيز صغير للغاية بقميص أبيض كان رائع عليها، بعينين بريئة مغمضة وشفتين مضمومتين يالا روعتهما، تلك الأهداب ووجنتيها المُكتنزة وكل ما بها..


خيال يسبح به، صنع خالق يتأمله بتمعن وبطء وتروي، كي يفهم الحكمة من كل هذا الجمال..


وقف على قدميه وجلب علبة سجائره من على الطاولة ثم ذهب إلى شرفة الغرفة وفتحها بهدوء كي لا تستفيق ودلف إليها ومرة أخرى أغلق بابها ساحبًا إياه..


وقف في الشرفة وأشعل سيجارته ينظر إلى الخارج ورفع يده إلى فمه يشتنق الدخان بشراهة مُتذكرّا ما حدث بينهم منذ ساعات..


"نال منها ما يريد وشعر بأنه يسبح في عالم خيالي ليس موجود على أرض الواقع الذي يعيش به معها، أخذ ما طلب ونال مُراده وليته لم ينوله يومًا، هذه كانت المرة الأولى وحدث من خلالها إدمان لوجودها معه بتلك الطريقة، شعور لا يوصف مع زوجته حلاله وملكه.. شيء لم يكن يأتي على خلده في يوم من الأيام والشعور باللذة فاق كل شيء..


تأكد من براءتها وعفتها، تأكد من أنها ابنة عمه البريئة النقية التي لطالما كانت وستكون كما هي، تأكد من أن كل ما حدث ما كان سوى خطة قـ ـذرة من صديقتها وابن عمها للتفرقة بينهم بهذه الطريقة.. "إيناس" لديها عنده مفاجأة ولكن هو صبور للغاية ويحب ذلك..


ابتسم وهو يقترب منها على الفراش ناظرًا إليها بشغف وحب كبير وهناك رغبة حادة تلح عليه أن يأخذ المزيد:


-ألف مبروك.. دلوقتي بس أقدر أقولها


رفعت عينيها إلى عيناه بهدوء وخجل بتلك الحمرة المشتعلة على وجنتيها:


-الله يبارك فيك


تابع قائلًا هذه المرة بجدية:


-أنا عايز أتكلم معاكي 


أجابته وهي تتابع عيناه بهدوء وتروي تهتف بنبرة خافتة:


-أنا كمان عايزة أتكلم معاك 


رفع يده الذي كان يستند بها على الوسادة مقدمها إلى يدها على ركبتها، تمسك بها جيدًا ونظر إليها بهدوء وجدية بذات الوقت:


-سلمى أنا بحبك.. بحبك دي كلمة قليلة على اللي جوايا ليكي.. أنا بدمنك، مكنتش اتمنى نبعد أبدًا مهما حصل بس أنا عايز أقولك إن والله العظيم أنا مخونتكيش لما شوفتيني في النايت، أنا معرفش البنت اللي كانت معايا جت امتى وإزاي أنا حتى وأنا سكران وبقعد مع ستات ببقى أنا اللي جايبهم وبحس باللي بعمله لكن دي لأ أنا مش كداب أنا عمري ما كدبت عليكي.. أنتي حتى على طول بتقولي إني بجح بسبب إني بقول الحقيقة حتى لو وحشه 


أومأت إليه برأسها وعينيها مازالت تتابع عينيه بتركيز، تود أن تستمع إلى كل حرف يأتي منه وتقتنع به، لا تريد الفراق مرة أخرى فهي قد اكتفت، قالت بعقلانية:


-أنا فهمت بعدين إن إيناس اللي عملت كده وقولتلك إن هي اللي صورتك ليا وقالتلي على مكانك


أغمض عيناه على ذكرها، لديه ماضي معها لا يريد ذكره ولا تذكره، قد يكون القشة التي قسمت ظهر البعير:


-عارف يا سلمى.. دي حاجه، لأ دي أهم حاجه واللي خلقت كل ده بينا أنا مخونتكيش.. الحاجه التانية الصور اللي هددتك بيها.. الصور دي إيناس اللي بعتتها ليا وأنا فعلًا اللي سرقت موبايلها بس علشان احميكي مش علشان حاجه تانية 


تسائلت بنبرة جادة متابعة لملامحه:


-وليه فضلت الصور معاك؟


أخفض وجهه للحظة على الفراش ويدها بين يده ثم رفع وجهه وعينيه إليها قائلًا:


-فضلت يا سلمى.. لكن عمري ما كنت هأذيكي بيهم مهما حصل 


عقبت على حديثه بثقة وتأكيد وهي تعلم جيدًا أنه لا يستطيع فعلها ويقوم بإلحاق الأذى بها:


-أنا كنت متأكدة من ده بس كلامك وطريقتك خوفتني وفي نفس الوقت فوقتني 


أكملت ناظرة إليه بعتاب ونظرتها منكسرة من عينيها الزيتونية تجاهه تلومه على تفكيره وكل أفعاله:


-أنا كنت واثقة فيك وعارفه ايه اللي ممكن تعمله وايه اللي لأ.. بس أنت!.. أنت شكيت فيا بدل المرة كتير في حاجه مستحيل أعملها ولو على رقبتي 


برر موقفه ودافع عن نفسه وهو يسرد عليها كل خطأ توجهت نحوه وفعلته وهي بعيدة عنه:


-شكيت فيكي لأنك اتخليتي عن مبادئك سهر وبقيتي بتسهري وفي أماكن وحشه أنتي كنت طول عمرك بتكرهيها، شقق وبقيتي تروحي ومتقوليش مع ناس عرفاهم.. كان معاكي راجل لو هو تمام التمام وإيناس كمان زيه أقل مسكة ايد منك كان هيبقى عايز يقربلك


تابع بحرقة وكره شديد لكل ما حدث بينهم في هذه الفترة:


-غير اللي إيناس قالته ليا وأنتي بنفسك سمعتي أول مرة أنا مصدقتش على الرغم من أن كلامها كان صح ولقيت الزفت ده عندنا في البيت بيتقدملك.. بس قولت لأ مش سلمى اللي تعمل كده، لكن هو كمان يقول ويقول على حاجه فيكي أنا نفسي معرفهاش وألاقيها لأ صعب يا سلمى صعب 


نظرت له وهو يسرد حرقته ولهفته، حديثه به منطق وأي شخص مكانه لفعل، هي نفسها لم تكذب فكرة أنه يخونها ومن بعدها حدث كل هذا الخراب..


قالت بنبرة مُستنكرة وهي رافعة حاجبيها للأعلى تتحدث بجدية:


-أنا لحد النهاردة معرفش هو إزاي عرف مكان الحسنة اللي في ضهري 


تابع على حديثها قائلًا باندهاش:


-أهو ده اللي جنني أنتي قولتي كمان إن إيناس مشافتهاش لما سألتك.. حتى لو كنتي كدبتي وقولتي شافتها كنت أنا هسكت وأعرف أنها هي اللي قالتله لكن أنتي قولتي لأ 


صمتت للحظة وهي تنظر إليه، الحديث بهدوء كهذه اللحظات من أفضل أنواع النقاش والتفاهم، ماذا لو كان حدث ذلك قبل عامين؟.. 


في لحظة خاطفة طرحت عليه سؤال غير متوقع أبدًا:


-أنت ليه كنت متأكد من إن إيناس هي اللي عملت كل ده بينا.. وأنها وحشه أوي كده 


نظر في عينيها مُباشرة، أيتحدث؟ لا سيكون سخيف للغاية إن تحدث الآن وقال لها ما كان بينهم، ترك يدها وحك أرنبة أنفه بإصبعه الإبهام ثم هتف:


-من أول يوم شفتها معاكي فيه وأنا قولتلك أنها بنت مش كويسه.. واحده بتسكر وتسهر مع رجالة في أماكن وحشه هتبقى ايه 


أومأت برأسها مُقتنعة بحديثه ولكنها مرة أخرى قالت:


-طب هي ليه كانت عايزة تفرقنا.. ليه عملت كل ده أنا معملتش فيها حاجه أنا حتى عرفتها بالصدفة.. يعني مكانتش مرتبة أنها هي اللي تعرفني لأ أنا اللي كلمتها الأول


حرك كتفيه للأعلى والأسفل بعدم معرفة ولوى شفتيه ثم قال:


-مش عارف بس يمكن تكون مزقوقه علينا ودي كانت خطتها.. إنك أنتي اللي تعرفيها الأول وتكلميها 


تسائلت وهي تحرك رأسها باستغراب:


-مزقوقه من مين


قال بعفوية كي ينتهي من الحديث عنها ويتجه إلى شيء آخر لأنه لا يضمن مدة سكوته:


-من عمها وابنه مثلًا منا قولتلك قبل كده دول منافسين كبار لينا ومش بس كده ناس قادرة متعرفش الحلال من الحرام نهائي كل شيء عندهم مباح حتى القـ ـتل 


مرة أخرى تردف بغباء:


-وهما مالهم بيا 


ابتسم ساخرًا من كتلة الغباء المتحركة الموضوعة أمامه:


-علشانا إحنا مثلًا.. علشان يوصلولنا


صمتت بعد أن انتهى من حديثه وعقلها كان يعمل والتفكير داخله يدور بآلات في الداخل لا تتوقف أبدًا 


استمعت إليه مرة أخرى يقول بنبرة رجولية خشنة:


-أنا بحبك ومش مستعد أخسرك لأي سبب.. عيني عمرها ما فرحت بنظرة واحدة غيرك ولا قلبي عمره دق لواحدة غيرك.. من دلوقتي بقولك إني رميت كل اللي كان عندي عليكي وببدأ من جديد ومستني موافقتك 


جذبت يدها منه فنظر إليها بخوف وقلق لما قد تبتعد! ولكنه وجدها هي من تتمسك بيده فارتاح قلبه وتابع نظراتها المليئة بالحب وهي تقول:


-وأنا بحبك ومش مستعدة أخسرك لأي سبب.. أنا خسرت كتير ومفاضلش غيرك نقطة ضعفي.. نفسي تتحول لقوة وأضمن وجودنا مع بعض طول العمر


أبعد يده منها وأقترب جاذبًا إياها إليه واضعًا يده الاثنين خلف ظهرها يدلف بها في عناق أبدي وكأنه ملحمة ملتهبة للعشاق وأردف بثقة وهو على هذا الوضع بجوار أذنها:


-أنا نقطة قوة ليكي مش ضعف.. معاش ولا كان اللي يضعفك، أنا جنبك وفي ضهرك طول العمر مهما حصل بينا ولحد آخر نفس فيا 


عادت للخلف وهو الآخر واضعًا يده الاثنين حول وجنتيها يعيد خصلاتها الذهبية الرائعة إلى خلف أذنها وينظر إليها بعينين لامعة بالحب والسعادة..


ثم أراد أن ينهي ذلك قائلًا:


-لو عايزة تقولي أي حاجه أنا هسمعك.. مش عايز حاجه مستخبيه بينا 


ترددت وهي تتابع عيناه، شعرت بقبضة داخل قلبها وقفصها الصدري يضيق عليها كلما تذكرت ذلك التهديد الذي سيأخذه منها..


تشجعت ووضعت يدها الاثنين فوق يده تبصر عيناه البُنية بشغف، وتحدثت بجدية:


-أنا بحبك وعمري ما عرفت الحب ده غير معاك، علاقتي بهشام كانت عشان أنساك.. كنت بأنب نفسي كل يوم أنا إزاي عايزة اتجوز واحد غيرك بس كان في حاجز كبير بينا.. مـ ـوت أهلي كان صعب كنت متخيلة إنه بسببك.. كنت بس عايزة اضحي وأخرجك من حياتي وكانت الطريقة دي بس اللي تنفع معاك..


أومأ برأسه وابتسم ضاحكًا:


-عارف كل ده 


ابتلعت ما وقف بجوفها وتابعت تترقب عينيه جيدًا:


-أنا كنت عايزة أجل الفرح علشان حاجه أنت متعرفهاش 


أبعد يده الاثنين عنها فهبطت بيدها هي الأخرى واضعة إياهم على فخذيها، تابعها بدقة وقد كان يعلم ذلك منذ أول رفض لها ولكنه غفى عنه..


-ايه هي 


أردفت تسرد إليه بهدوء وشفتيها المُكتنزة تتحرك أمامه بإغراء يحاول ردعه:


-هشام جالي الجمعية.. هددني إني لو اتجوزتك هيموتك وهو يقدر يعمل ده علشان....


بترت حديثها ونظرت إلى يداها مُخفضة رأسها فاستغرب هو ورفع وجهها بيده مُتسائلًا:


-علشان ايه يا سلمى 


رأت الاستغراب بعيناه، الدهشة والغيرة، العتاب والتساؤلات المستمرة:


-علشان في المرة الأولى اللي ضربك بالمطوة هو اللي زاقه عليك 


تسائل باندهاش مُضيقّا عينيه عليها:


-وأنتي عرفتي إزاي


ردت بهدوء:


-هو اللي قالي 


تابع عينيها التي تريد أن تبتعد عنه وقال بعد أن فهم سبب إصرارها على وضع حارسة مشددة على أبواب الفندق ومعهم إلى الآن في الخارج:


علشان كده أصريتي نعين حراسة؟


أومأت برأسها إليه فتابع الحديث:


-أنتي لسه على تواصل مع حد فيهم؟


نفت مُسرعة ذلك السؤال رافعة رأسها إليه:


-لأ طبعًا أنا غيرت رقمي ومحدش يعرفه خالص غير ناس مهمة في الجمعية وانتوا 


أومأ برأسه إليها ثم جذب رأسها إليه لتميل به على صدره فقال مُمازحًا إياها:


-كنتي خايفة عليا بقى 


رفعت يدها على صدره وقالت برقة وحب:


-لو مخوفتش عليك هخاف على مين 


صاح بصوتٍ عالٍ وهو يبعدها عنها مُنتفضًا على الفراش:


-إلعب.. ايه الحلاوة دي


غمزها بعينه الوقحة الجريئة مُشيرّا برأسه على الفراش:


-ماتيجي 


صاحت وهي تبتعد عنه للخلف:


-ايه الجنان ده بقى


قبض على يدها جاذبًا إياها يلقي بها على الفراش تنام على ظهرها وأعتلاها في لمح البصر:


-بعدين ايه.. ده حرمان سنين 


مال عليها وهي تضحك بصخب على طريقته المازحة وابتلع باقي ضحكاتها في فمه بعد أن وضع شفتيه على خاصتها يقدم إليها تلك القبلة المشتعلة بالرغبة والحب مُتخفيًا في ثناياه حنانه عليها..


والذي لا يظهر في أي وقت بل له مع "عامر القصاص" مواعيد محددة كهذه الآن ليجعلها تعشق اقترابه منها..


أبعد "عامر" أنظاره إلى الساحة الخضراء الذي في الأسفل أمام الفندق المُقيم به بعد أن عاد بتفكيره مرة أخرى بعد انتهاء تذكره لما حدث مع انتهاء سيجارته، فأخذ غيرها من العلبة مرة أخرى يشعلها ويقربها من فمه..


دارت دوامات عقله مرة أخرى خلف بعضها تحاول أن تتفهم ما الذي يفعله الجميع من خلفه وما الذي عليه فعله هو الآخر، وهذا كان يعلمه جيدًا..


أول شخص عليه أن ينال ردًا رادعًا منه، "إيناس" عليها أن ترى الوجه الآخر له، تركه لها إلى اليوم ليس ضعف منه ولا خوف منها، إنه فقط تركها تفعل ما يحلو لها ليرى إلى أين ستصل بعد كل ذلك، تركها لأنها فتاة ليس لها عائلة من الأساس يراها يتيمة ويخاف أن يقوم بأذيتها فيحمل ذنب أكبر على ذنوبه الكثيرة، يخاف أن يعود الأذى إلى شقيقته أو زوجته بما كما تدين تدان.. تركها ولكن تركه لها جعلها تفكر أنه ضعيف أو خائف أو ليس لديه أفكار ليقوم بالرد عليها بها.. بل هو شيـ ـطان على الأرض ولن تتوصل أبدًا إلى مستوى تفكيره في الانتقام.. 


لقد فعل معها كل ما هو جيد وتركها إلى النهاية، تركها الآن ستجد الرد الصادم لكل ما فعلته به وبحبيبته، وسيكون أشد وأعنف من أي شي قد مرت به في حياتها بالكامل وعليها أن تتحمل.. "عامر القصاص" ليس بهين أبدًا.. فقط صبرًا هو لا يحب التعجل في الأمور الحازمة..


بينما ذلك الأخرق ابن عمها، هو حقًا مُتحير في أمره! لما قد يفعل ذلك به ولما قد يفعل ذلك بـ "سلمى"، ما الذي يريده منهم.. هو لا يحبها ولن يحبها إذًا ما الذي يريده، لا يتذكر يوم أنه واجهة في شيء، ولا يتذكر أنه كان عدو له أو عمل معه، تفكيره يقول إن هناك شيء لا يعرفه هو..


ويعرفه والده، كيف لا يدري ولكن هذا ما توصل إليه، والده عندما تحدث معه في وجوده كان غريب وبعد رحيله كان أغرب وعلاقته به منذ ذلك اليوم وهي في تحسن دائم، لم يرتاح قلبه لما قاله وشعر أنه يخفي شيء عنه والآن قد تأكد من ذلك حقًا..


عليه أن يعرف ما الذي حدث أو ما السبب في كون "هشام الصاوي" يكرههم إلى هذه الدرجة ويريد الأذى إليهم والذي يوصله إلى قتـ ـله، أيعقل أن يكون السبب "إيناس"! قد تكون قصت عليه ما كان بينهم؟ ولكنه لم يتقدم خطوة واحدة خطأ معها عاد عن الأمر في لمح البصر.. ويعتقد أن "إيناس" لم تقول لأي أحد بل السر بينهم هما الاثنين فقط..


ما الذي من الممكن أن يكون مخفي عنه؟! حتمًا سيعرفه الآن أو بعد عام.. سيعرف كل شيء..


انتهت السيجارة فدعسها على سور الشرفة بيده وتوجه يدلف إلى الداخل بهدوء كما خرج كي لا يزعجها، أقترب إلى الفراش مكان نومه ثم صعد إليه وأقترب إليها في نومته جاذبًا إياها في أحضانه، تلملت وهو يجذبها فأقتربت منه ونامت بالقرب منه تحتضنه كما فعل تشعر بالأمان والراحة في قربه وسكينته..


                                  ❈-❈-❈


"بعد أسبوع"


فراشات أجنحتها ملونة بألوان زاهية وأخرى بأشكال رائعة، تطير في حديقة شاسعة بها كثير من الزهور ذات المظهر الخلاب وكانت هي من بين تلك الفراشات تحلق وتعلو وتهبط على إحدى الزهور لتسريح وتستنشق عبيرها..


كانت هذه حياتها في الفترة التي عبرت بها معه الطريق بعد زواجهما..


كانت كعصفور طائر ظل لأعوام في سجن صغير تناساه من وضعه به ورحل ثم دون أي مقدمات تذكر وجوده وأطلق سراحه فحلق مُبتعدًا في السماء بين السحابة الزرقاء ينظر إلى الأرض من الأعلى ويتأمل سعادته..


كانت كمثل امرأة هواها الحب وبعد أن تركها لألامه جدد ما تركه لها بالسعادة والحب الخالص..


بعد النقاش الطويل الذي حدث بينها وبين زوجها وإيضاح كل منهما ما فعله للآخر وما سبب فعله، بعد أن أعترف كل منهما بحبه للآخر وحزنه في بعده نالوا سويًا جزءًا من السعادة التي حلموا بها 


لحظة والأخرى وأكتشفت أنها لم تفرح في حياتها قد، لم تبتسم ولم ترى السعادة، كانت خطيبته وحبيبته ولكن ما هذا الشعور الغريب وهي زوجته؟ 


ما تستطيع قوله فقط أنها لا تريد الإبتعاد عنه بعد أن ذاقت لذة قربه، لا تريد النظر إلى اليمين وهو يقف في اليسار فقد ترهق عينيها بالنظر إلى شيء ليس له قيمة..


ذاقت قربه وحبه، حنانه ولهفته عليا، شغفه وحنينه لها، تعرفت معه على كثير من الأشياء وهي زوجته، كانت أول مرة لها أن تعلم كل ما علمته وأن ترى فيه كل ما رأته.. كان شخص آخر وبادلته ذلك..


كان كتلة من الحب المتحرك والمرح الرائع، كان زوج وحبيب وصديق وكل ما تشتهيه المرأة، في الفترة الصغيرة المنصرمة شعرت بكم من المشاعر بقربه لن تستطيع التخلي عنها بعد الآن.. وخاصه قربه الرومانسي منها.. يقتلها به ويعلم جيدًا ما الذي يفعله معها ليجعلها تود القرب أكثر منه.. خبيث كما قالت عنه 


عادت معه بالأمس إلى الفيلا، العلاقة مع الجميع أصبحت أهدأ وأفضل من السابق حتى والده، "هدى" أيضًا وقد علمت منه أنه تحدث معها.. 


كل شيء يسير الآن كما تريد وتتمنى، فقط تطالب بدوامه من الله..


ولكن بعد كل ذلك هل غفى عقلها عن صمته بعد أن صارحته بأفعال "هشام"؟، لم يهدأ عقلها عن التفكير للحظة واحدة أنها تعلم انه ليس ذلك الشخص المسالم الذي يصمت عن حقه، ليس ذلك الشخص الذي يجعل كل هذا يمر دون العقاب الحاد منه..


تعلم أنه يفكر في شيء ما يريد فعله ولكن لم يصارحها به، لم يقول ما الذي سيفعله وما الذي أتى على عقله، وهي تخاف وتموت رهبة داخلها من أن يحدث له مكروه.. لن تتحمل ابتعاده هو الآخر، هذه المرة ستكون القـ ـاتلة لكل شيء بها أن لم تكن ذاهبه خلفه.. تخاف من تهوره المعروف دائمًا ولكن ذلك الصبر الذي يتحلى به يجعلها تفكر بجدية أكثر ما الذي يريد فعله معه؟ ولما قد يصمت إلى الآن؟


هل يريد أن يجعل الأيام الأولى لهم تمر بخير ثم يقوم بالبداية الناهية له؟ وما تفكيره من الناحية الخاصة بـ "إيناس"؟ فقط لو يريح قلبها ويقص عليها ما الذي يريد فعله ولكنه يجعلها تقلق أكثر وأكثر بذلك الصمت الذي يرهبها..


في لحظة صمت بينها وبين عقلها وجدت من يجذبها من ذراعها بحدة، التفت لتنظر خلفها فرأته هو واستمعت إليه يقول:


-تعالي عايزك


سألته مصطنعة الاستغراب بعد أن جذبت يدها منه وعلقت عينيها بعينيه:


-عايز ايه 


أقترب منها خطوة فوقف أمامه لا يفصل بينهم سوى مسافة صغيرة للغاية فرفعت رأسها كي تستطيع النظر إليه بحكم طوله الفارع وقال هو بتهكم:


-هتستهبلي؟ مش قولتي لما أفطر ادينا فطرنا


مرة أخرى تصطنع عدم الفهم وتنظر إليه محركة أهدابها عدة مرات:


-هو ايه ده اللي لما أفطر 


علم ما الذي تحاول فعله بالابتعاد عنه لتحاول رد له ما فعله معها بالأمس هنا، فصاح ضاحكًا بعد أن فهم مخططها وقال بجدية:


-وربنا أجيبها عليها واطيها هنا.. أنتي مش عملتي نفسك مقموصه امبارح ونمتي؟ والصبح قولتيلي أفطر؟ حصل ولا محصلش 


هذه المرة أجابته بدلال ورقة:


-ماليش مزاج 


ابتسم وأكمل حديثه موضحًا لها مقصده غامزًا بعينيه الخبيثة وحديثه الوقح:


-لأ وحياتك دا أنا عريس جديد وعندي طاقة مكبوته لو طلعتها عليكي دفعه واحدة هتقتلك لكن أنا بطلعها بحنيه فاهدي كده وقصري 


صاحت بوجهه وهي تنظر إليه باستغراب جاد بعد أن اعتدلت في وقفتها أمامه وتركت تلك الألاعيب الخاصة بها:


-طاقة ايه يا أبو طاقة أنت.. هي لسه مطلعتش 


افتعل صوت بفمه ساخرًا عليها وأردف من بعده بثقة ونظرة متأكدة واثقة من قدراته الرجولية معها:


-تؤ تؤ اللي شوفتيه خمسة في المية منها 


توسعت عينيها الزيتونية عليه وأردفت مندهشة تحرك شفتيها المُكتنزة ثم قالت مقترحة عليه:


-خمسة!؟ على آخر الشهر أكون موت؟ لأ بقولك ايه أنا ماليش في الجو ده إحنا خلصنا أسبوع العسل الحلو بتاعنا نعمل جدول بقى 


تابع عينيها وحديثها الأخرق وقال بجدية:


-جدول.. هو أنا كنت متجوز علشان أعمل جدول.. تعالي بدل ما اجدولك أنا


عادت للخلف خطوة رافعة كتفيها الاثنين قائلة بدلال وغنج:


-طب خلاص ابقى شوف مين هيقابل الطاقة بتاعتك بقى 


أشار إليها بيده وابتسم ضاحكًا بثقة وغرور:


-أنتي وحياتك


عادت للخلف مرة أخرى بسرعة أكبر وهي تهتف بمرح:


-لما تشوف حلمة ودنك


تسأل باستنكار وهو يبتسم:


-بقى كده؟ طب قابلي بقى 


وجدته يقترب منها وعينيه الخبيثة تنوي على فعل شيء ما فذهبت مُسرعة تركض في الحديقة مُبتعدة عنه تضحك بصخب وصوتًا عاليًا للغاية، تطلعت خلفها وجدته يركض ناحيتها هو الآخر ويصر على الإمساك بها..


أخذت تركض في الحديقة بأكملها من هنا إلى هنا وهو خلفها بأقصى سرعة ولكن لم يستطع الإمساك بها..


صاحت وهي تركض بعيد عنه قائلة بصوت ضاحك:


-معقول مش عارف تمسكني 


-أجابها وهو يركض خلفها قائلًا بوعيد:


-وديني منا سايبك النهاردة، هوريكي الوش التاني شكل الحنية معجبتكيش نتجه بقى لحاجه أنا بحبها 


وقفت حول الطاولة تلتقط أنفاسها الضائعة أثناء ركضها فوقف هو الآخر الناحية الأخرى يفعل المثل ناظرًا إليها ليستمع إلى سؤالها بنبرتها اللاهثة:


-حاجه ايه اللي بتحبها 


غمزها بعينيه وضحك بشدة لأجل انتباهها لذلك وقال بخبث ومكر:


-العنف


صرخت به بضيق بعد أن كرمشت ملامحها وتوصل إليها مقصدة:


-عـامـر لم نفسك ايه ده 


مازال يضحك وأجابها بعدم اهتمام لانزعاجها من حديثه:


-هو أنا قولت حاجه ولا بكلم حد غريب.. جربي بس مش هتندمي


أمسكت بالمزهرية البلاستيكية الموضوعة أعلى الطاولة ثم ألقت بها ناحيته ولكنه هو كان الأسرع وتمسك بها وألقى إياها خلفه من بعدها وقال بتوعد ناظرًا إليها بشر:


-وحياتك منا سايبك وهعمل بردو اللي أنا عايزة.. لأ بس بطل بطل يعني 


تركت الطاولة عندما وجدته يتقدم منها وصرخت عاليًا بصوت مُرتفع وذهبت راكضه تبتعد عنه وهو خلفها يُصر على الإمساك بها والنيل منها وأخذ ما يريد.. وكل ما يريد..


دلفت إلى الفيلا ركضًا وقلبها يدق بعنف خوفًا من أن يقوم بامساكها، ولجت إلى غرفة الصالون التي يجلس بها عمها وزوجته وذهبت سريعّا لتقف خلف المقعد الجالس فوقه قائلة بلهاث عندما وجدت الآخر دلف الغرفة:


-بقولك ايه أنا في حماية عمي 


استندار ينظر إليها عمها باستغراب ثم وقف على قدميه يبادل ابنه الآخر خوفّا من أن يكون حدث بينهم شيء:


-في ايه مالكم 


لم يعلق ابنه على حديثه بل نظر إليها بغل وحرقة وأردف قائلًا بثقة:


-تعالي هنا ولمي نفسك أصل في الآخر هتعملي اللي أنا عايزة هي يعني أول مرة 


أدار عمها وجهه إليها وتسائل وهو ينظر إليها باستغراب:


-عايز منك ايه ده 


اندفعت تتحدث بجدية كي تشكيه إلى والده ولكنها بترت حديثها في المنتصف:


-شوف يا عمي عايز.......


تهكم عليها وابتسم ساخرًا يُشير إليها بيده وهو يقف في بداية الغرفة:


-ما تقوليله عايز ايه.. ولا علشان عارفه إنه هيقف معايا ولا تكونيش مكسوفة 


صرخت عليه بصوت حاد مغتاظ من أفعاله وحديثه ونظرت إلى عمها مرة أخرى ببراءة تحاول الكذب:


-أسكت بقى.. أسكت.. ده عايز، عايز مروحش الجمعية ينفع ده؟ 


أتفق معها في حديثها الكاذب وهو على علم تام بالذي يحدث بينهم فحديثهم واضح للغاية ولكنه جارى حديثها قائلًا بجدية:


-لأ طبعًا بس يعني انتوا لسه متجوزين يا سلمى 


تفوه الآخر بنفاذ صبر وضيق شديد قائلًا حديث خاص مسترسلًا فيه بتبجح:


-قولها.. قولها أننا لسه متجوزين وعرسان والعرسان بتقعد في اوضه النوم، وبيناموا على السرير، وبيعملوا......


قاطعه والده قبل أن يكمل حديثه الوقح أمامهم قائلًا بعنف ونبرة حادة:


-ايه ايه ما تخرس شوية


أشارت إليه "سلمى" على والده وابتسمت بشماته: 


-أهو قالك أخرس 


ضحكت والدته الذي كانت تتابع في صمت والإبتسامة على وجهها:


-صلوا على النبي يا ولاد الله.. 


عقبت "سلمى" بهدوء وأكملت بجدية وهي تتجه إلى الأمام تجلس على الأريكة بجوار زوجة عمها تتهرب منه:


-عليه أفضل الصلاة والسلام.. أنا هقعد هنا مع عمي


رفع أحد حاجبيه مُستنكرًا ينظر إليها بجدية وثقة:


-بقى كده؟


أومأت إليه وابتسمت وداخلها تعتقد أن عمها لن يتركها تذهب معه مادامت لا تريد ذلك:


-آه 


تدخلت والدته ثانيةً وهي الأخرى تتفهم ما الذي يحدث ولكن أرادت أن تضيف بمرح وخبث:


-هو أنا ليه حاسه أنكم بتهزروا أو في حاجه تانية بينكم 


أجابها "عامر" بسرعة ليقوم بعناد الأخرى:


-بصراحة آه أصل سلمى مش عايزة...


صرخت سريعّا عليه قبل أن يكمل حديثه فهي تعرفه جيدًا لا يوجد عنده خط النهاية ليتوقف عليه بل كل شيء مباح:


-لما نفسك يا كداب 


أقترب منها وهو يصيح بتوعد وعيناه تحكي ذلك:


-أنا بردو اللي كداب طب تعالي بقى 


جذبها من يدها لتقف على قدميها وأخذها تُسير خلفه إلى الخارج تحت أنظار والديه المستمعين بما يحدث بينهم والإبتسامة على وجوههم..


ضغط على يدها بقوة كي لا تفلت منه هو يرى ذلك بعينيها وهي تضحك إليه ببراءة كاذبة، صاحت بدلال وحديث كاذب وهي تصعد معه الدرج إلى الأعلى حيث جناحهم الخاص:


-مش عايزة 


قلد نبرتها المتدللة عليه لتضحك هي بصخب خلفه وهو يُسير بها ثم أكمل حديثه مذكرها بكيف تكون معه:


-مش عايزة.. هي مين دي اللي مش عايزة اومال مين اللي بتدوب زي السكر في الشاي بين ايديا 


استمرت ضحكاتها ولم تجيب عليه، أنه يعلم أنها كاذبة وهي تعلم أنه يمزح، وكل ذلك ما هو إلا مرح ليس له معنى بينهم لتعكر صفوه فقط ويقوم هو برد الصاع صاعين لها.. ولكنها تخاف من طريقته الأخرى حقًا..


دفعها إلى الداخل قبله ثم دلف وأغلق الباب من خلفه، أمسك بذراعيها الاثنين وجذبها إليه ومال على شفتيها المُكتنزة يأخذهم منها بعنف وقوة ضاغطًا عليهما معاقبًا إياها بطريقة لذيذة ومحبة بينهما..


رفع إحدى يداه خلف رأسها متشبسًا بخصلات شعرها الذهبية مُتعمقًا أكثر في قبلته الشغوفة الخبيثة، سار بها إلى الداخل ولم تنقطع تلك القبلة التي دامت طويلًا، وقف بها في غرفة نومهم ثم ابتعد للخلف بوجهه فقط بعد لحظات يهتف بلهاث ورغبة خوفًا من أن يكون حديثها صحيح:


-مش عايزة بجد؟


ابتسمت بخجل وسعدت لأجل أنه يريد موافقتها بالبداية، لم تجب عليه بالكلمات بل أقتربت منه مرة أخرى تكمل تلك القبلة القاتلة لكلاهما واضعة يدها خلف رأسه تجذبه من خصلاته..


أكمل قبلته الدامية وتحركت يده وتوسعت أكثر في طريقها ثم دفعها للخلف ليبدأ ما أرادها هو.. وليس هي.. 


ألن يقولوا كل شيء مباح في الحرب والحب؟ هو يقول كل شيء مباح في الحب والرغبة..


                                 ❈-❈-❈


طفل صغير، تعرض إلى الوحدة المُميتة بعد ترك والدته له، تخلت عنه وذهبت راحلة إلى الأبد ولم تفكر به أو جعلته يخطر على بالها، طفل في سنه الصغير ما الذي سيفعله من بعد والدته مصدر الحنان والأمان والشخص الوحيد الذي على دراية تامة بكل مطلباته.. 


رحلت تاركة إياه خلف ظهرها ولم تفكر في أي شيء سوى أن تبتعد عن والده فقط لأنها لم تستطع أن تكون مع حبيبها السابق.. وما ذنبه هو؟ لو كانت تكره والده وتحب غيره لما وافقت عليه من البداية؟ أم أن الأموال اغرت عينيها؟ ولو وافقت لما قد تنجب منه بعدما استمر الكره بينهما؟ لما فعلت كل ذلك به؟


لما أتت به إلى العالم القاسي هذا وتركته ورحلت غير شاعرة بأي مما يشعر به.. فضلت نفسها وذلك الخائن على ابنها، فضلت الجميع وهو لا.. كيف يلقبها بالأم هذه؟ كيف!..


شعوره الدائم بالنقص لم يكن هين عليه، شعوره بأنه وحيد قاسٍ، مخادع وخبيث، لم يكن يريد كل ذلك ولكن والده أراد الانتـ ـقام من الرجل الذي أخلف الخراب في حياته، فدفعه هو الآخر للانتقام معه وقد كان على حق.. هل هو والدته تتخلى عنه ويبقى وحيد من بعدها دون صديق أو حبيب والآخر ينعم بالسعادة مع عائلته.. العين بالعين..


استدار برأسه ينظر إلى تلك الأخرى الغبية ابنة عمه، الذي كلفه والده بها اعتقادًا منه أنها بريئة لا يعلم أن ابنة أخيه فتاة برأس حية..


وجهها على شاشة هاتفها تنظر إلى صور "عامر" و "سلمى" في الزفاف، بعد أن لعب عليها وألقاها في أقرب سلة قمامة بعد أن علم أنها على علاقة بابنة عمه ولو من بعيد.. كم كان ذكي للتخلص منها..


أقترب إلى الداخل ووقف خلفها ينظر هو الآخر إلى الصور التي تمررها، كم كانت تلك "السلمى" جميلة للغاية، أيعقل أن هناك جمال بهذا الشكل، الشيء الغريب الوحيد أنه لم يغرم بها ولم يفكر في يوم من الايام أن تكون شريكته حقًا.. على الرغم من كل ما تتمتع به إلا أنه لا يريد غير الانتـ ـقام وجعلها تبكي بقهر وذل مثل ما حدث به.. ومهما فعل لن تصل لذلك الشعور لأنه حينها كان طفل صغير يتقلب على الجمر ولا أحد يشعر به..


قالت "إيناس" وهي تترك الهاتف بجوارها بحقد وانزعاج حقيقي بسبب فساد كل ما فعلته:


-مش معقول بعد كل ده يتجوزوا.. مش معقول 


عقب بجدية وتفكير صحيح:


-لأ معقول.. إحنا اللي مقرصناش الست سلمى كويس


نظرت إليه وهي جالسة رافعة وجهها إليه بجدية وأردفت تبادله قائلة ما تعلمه جيدًا: 


-سلمى طالما رجعت لعامر مش هتقدر تقرصها.. اسالني أنا خلاص كده هتستقوى بيه 


سخر منها وهو يلوي فمه يسير للخارج مرة أخرى:


-في لمح البصر أقدر اضيعه وتبقى توريني هتستقوى بمين 


ضيقت عينيها عليه باستغراب تحاول أن تفهم ما الذي يريد فعله:


-أنت ناوي على ايه 


ابتسم وأردف قائلًا بثقة وتأكيد:


-على كل خير.. ناوي على كل خير بس هما يستحملوا 


رفعت إحدى حاجبيها وقالت بجدية تحاول أن تجعله يفهم تفكير "عامر" جيدًا قبل التصرف فهو إلى الآن يعتقد أنه لا وجود له:


-خد بالك عامر مش سهل وسكوته مش ضعف أنا عارفه ده كويس هو بس تقيل 


رد بهدوء موضحًا ما كان في مخططه:


-ده كويس أوي.. أنا بحب العدو التقيل مش الأهبل مع أنه مكنش في دماغي بس هو وقع في طريقي عافية 


ابتسمت هي الأخرى في لحظة وعقلها يدور به شرائط قديمة لهما هما الاثنين معًا، لو خرجت ستدمر الأخضر واليابس:


-فاضله كارت معايا.. بس كارت أحمر لو طلع هيجيب عليها واطيها 


قابلها بعيناه بنظرة هادئة تقول لها صبرًا لكل شيء أوان:


-خليه دلوقتي هنحتاجه 


ابتسمت بسعادة معتقدة أن اللعبة ستنتهي في آخر محطة بالفوز لهما لا يهم أي شيء المهم أن تكون الفائزة على "عامر" بابتعاد "سلمى" عنه إلى الأبد.. بتركها له أو ذهابها إلى عائلتها.. لأ يهمها أكثر من ذلك..


                             ❈-❈-❈


نظر إلى الطريق جيدًا وهو يقوم بالقيادة ثم أردف مُجيبًا على زوجته عبر الهاتف:


خلاص أنا جاي أهو في الطريق 


استمع إلى صوتها الناعم على الطرف الآخر تقوم بسؤاله:


-بتقول جايبلي ايه بقى معاك؟


ابتسم باتساع ولمعت عينيه في لمحة وأجابها قائلًا بخبث:


-جايبلك حاجه حمرا فرايحي كده 


استنكرت جملته مُكرمشة ملامح وجهها وأردفت مندهشة:


-فرايحي!؟


أومأ برأسه ضاحكًا بصخب وصوت مرتفع في أذنها عبر الهاتف مُعقبًا عليها بلامبالاة:


-أنا بيئة عارف


أكدت حديثه قائلة بثقة:


-جدًا


ظهر أمامه على بعد مسافة أشخاص تقف في مُنتصف الطريق تقطعه عليه عمدًا واحدًا منهم يحمل بيده عصاة كبيرة، وجوههم يظهر عليها الإجرام الشديد كالذين من قبلهم..


تغيرت نبرته إلى الجدية وأردف قائلًا:


-طب بقولك اقفلي بقى 


استشعرت تغير نبرة صوته مئة وثمانون درجة فتسائلت:


-في حاجه ولا ايه 


أجابها بجدية كاذبًا كي لا تقلق عليه وهو يتابع اقترابه منهم:


-لأ داخل على كمين.. سلام 


أغلق الهاتف دون أي حديث آخر وجذب السماعة من أذنه وألقى بها جوار الهاتف على المقعد المجاور له، ثم فتح تابلوه السيارة وهو يهدي من سرعته لدخوله عليهم وأخذ المسدس الذي حصل عليه في الفترة الماضية تحسبًا لأي ظروف.. كهذه..


وضعه خلف ظهره في البنطال ثم وقف بالسيارة أمامهم ونظر إليهم من خلال الزجاج، كانوا أربعة أشخاص يقفون متربصين له بعيون إجرامية وكل ما بهم يدعوا إلى ذلك..


فتح الباب واندفع خارجًا منه بثبات وهدوء ناظرّا إليهم بجدية..


                               ❈-❈-❈


                                 "يُتبع"


شكرًا لتفاعلكم وكلامكم الجميل ♥️♥️



#بين_دروب_قسوته

#الفصل_العشرون

#ندا_حسن


وقف جوار باب السيارة بعد أن أغلقه وعينيه التي تحول لونها إلى الأسود القاتم مُثبتة عليهم، واحدًا خلف الآخر ينظر إليهم بثبات وجدية والقسوة بادية على ملامحه وعدم الخوف منهم ظهر إليهم وانبعث في لمح البصر..


وجه حديثه إلى واحدًا منهما قائلّا بجدية مُصطنع الغباء:


-ايه يا رجالة.. ما تفتحوا الطريق 


أجابه ذلك مُعقبًا بنظرة ذات معنى قوي قد تفهمه الآخر:


-طب ما تشخلل علشان تعدي الطريق 


ابتسم "عامر" بتهكم واضح ووزع بصره عليهم قائلًا بسخرية ولا مبالاة تامة:


-أشخلل بايه طيب.. فلوس؟ مباشيلش كاش، موبايل؟ عليه شغل والله مقدرش أتنازل عنه.. العربية لأ موديل السنة دي غالية وجديدة.. مكنش يتعز والله


عدم الإهتمام الذي تحدث به وظهور لا مبالاته وعدم خوفه منهم استفز داخلهم بشدة فصاح واحدًا منهم ساخرّا مثله: 


-أنت مثلًا


اتسعت ابتسامته وهو يقف غير مُعتدلّا مُوضحًا له أنه لن يعود عليهم بالنفع أبدّا:


-لأ معتقدش إني انفعكم.. انتوا عايزين واحدة حلوة مقطقطة من شارع الزنقة 


تقدم ذلك الرجل المُمسك بتلك العصاة بيده ووقف أمامه قائلًا وهو ينظر إليه مباشرة بعيون إجرامية خالصة:


-لأ تنفعنا.. تنفعنا أوي كمان.. إحنا بس عايزين عاهة 


لوى شفتيه وحرك رأسه من الأعلى إلى الأسفل يستمر في اللا مبالاة الخاصة به مُتسائلّا:


-قولتولي.. عاهة وهتبقى مُستديمة بقى ولا نص نص


أجابه نفس الرجل بثقة كبيرة:


-مستديمة إن شاء الله.. لو قومت منها 


تحرك "عامر" وهو يستدير إلى السيارة مرة أخرى قائلًا بفتور وسخرية:


-طب يلا يا شاطر أنت وهو افتحوا الطريق 


أقترب منه أول من تحدث معه ووقف أمامه مباشرة ثم ابتسم ساخرًا بسبب ذلك البرود المأخوذ منه، لكنه أدار وجهه للناحية الأخرى ثم أخرج من جيبه مدية ورفع إياها في لمح البصر أمام وجهه مُتحدثًا بعنف وشراسة:


-ولا.. أرجع كده بدل ما تزعل بجد وإحنا ناوين يبقى زعل على خفيف 


رفع "عامر" عيناه على تلك المدية المرفوعة في الهواء على استعداد تام أن تهبط على وجهه:


-المفروض إن البتاعة اللي في ايدك دي هتخوفني 


أومأ إليه الآخر ساخرًا 


-اه تخيل بقى 


تابعه "عامر" بشجاعة وهتف قائلًا:


-طب شيل اللعبة دي ولو عايز تعملي عاهة خليها بايدك 


عارض الآخر وأكمل على نفس النحو قائلًا:


-لأ بقى هي بدي 


ثم رفع يده إلى الأعلى قليلًا وهبط بها إلى وجه "عامر" ولكنه أمسك بمعصم يده سريعًا وباليد الأخرى قام بلكمة في وجهه بقوة وغل شديد نابع من قلبه ليرتد الآخر إلى الخلف قليلًا مُستديرًا بوجهه، تقدم الآخرين بلهفة وسرعة لينالوا منه ولكن الأول أوقفهم رافعًا يده إليهم يمنعهم من العبور إليه..


تابعه بنظرات إجرامية، وعيناه حادة للغاية ينبع منها الغل وظاهر بها رغبة الانتـ ـقام، لا تدري على ماذا ولكن كونه تعرض إليه فيجب الانتـ ـقام..


أقترب منه مرة أخرى ونظرات "عامر" إليه حادة مثله يبادله العـ ـنف والغل الذي سيجعله يخرج من جسده عليهم واحدًا تلو الآخر..


رفع المدية مرة أخرى عليه ولكن "عامر" لم يستطع الإمساك بيده فارتد هو إلى الخلف بجذعه العلوي فاقترب الآخر مكررًا نفس الحركة فعاد "عامر" بكامل جسده ثم حاول الإمساك بها ولكنه جرح ظهر يده بها، عاد مرة أخرى إلى الخلف ثم تقدم وأمسك بيده في المرة الثالثة يضربها أكثر من مرة إلى أن وقعت منه المدية..


ولكمه في وجهه عدة مرات متتالية ثم في بطنه بقدمه والآخر لم يتركه يفعل ذلك مُستسلمًا بل ضربه هو الآخر لكمة في وجهه أسفل عينيه..


ولكن "عامر" كان الأقوى حيث أن الآخر لم يكن شابًا بل كان رجل أكبر من عامر ببضع سنوات فلم يكن بنفس تلك اللياقة والسرعة التي تحلى بها الآخر..


تقدم ذلك الذي كان مُمسكًا بعصاة من خلف "عامر" حيث أنه وهو يتشاجر مع الآخر استدار مُعطيًا إياهم ظهره، وقد كانت الضربة موجهه إليه في منتصف ظهره..


خرجت منه آنه وكرمشت ملامح وجهه مُتألمًا بشدة فاضطر إلى الانسحاب من المعركة الذي ستكون خاسرة هكذا ففي أي حال الكثرة تغلب الشجاعة وهو لا يريد الخسارة ولا يريد أن يقوم باذية أحد منهم 


دفع الآخر عليهم بقوة واستدار إليهم بوجهه ثم أخرج المسدس من خلف ظهره رافعًا إياه عليهم صارخًا بهم:


-وديني اللي هشوفه قدامي ما هحله 


حاول الإقتراب منه بعناد اعتقادًا منه أنه مسدس يقوم بالعبث معهم به أو أنه لا يقوى على استخدامه ولكن "عامر" لم يسمح له بالاقتراب فقام بالضغط على زناد المسدس بعد توجيهه إلى الأسفل على إحدى قدميه وقد كان.. 


أصيب الرجل برصاصة في قدمه اليمنى فوقع على الأرض صارخًا بعـ ـنف والـ ـدمـ ـاء تخرج من قدمه بغزارة


ارتعب الآخرين بخوف ورهبة منه بعد أن رأوا أنه على أتم الاستعداد للقـ ـتل ليس فقط التهويش، تقدم أحدهم واضعًا يده الاثنين أسفل ذراعي الرجل وقام بسحبه إلى الخلف بعد أن أبتعد الآخرون ليجعلوه يمر وذاك بعد أن فشل ما يريدون منه. 


صاح "عامر" بقسوة وعنـ ـف قائلًا بتأكيد وثقة:


-قولوا للي باعتكم ردي عليه هيوصله بعد يومين بالكتير.. بالكتير أوي


دلف إلى السيارة ومازال رافعًا المسدس عليهم تحسبًا لأي حركة غذر قد تصدر عنهم فهو لن يضمن خوفهم منه، ولكن عندما رأوه يقوم بإطلاق النار على من معهم رأى العرق يتصبب منهم جميعًا..


أدار محرك السيارة وأبتعد بها وهما أيضًا يبتعدون عنه بذلك الذي لا يستطيع تحمل الألم الذي لحق به وظل يصرخ بعـ ـنف غير قادر على التحمل، ولكن نظرة الانتقام خاصته ورفعه المدية عليه أتى إليه هو بالاذى الشديد والذي لن يعوضه عنه أحد إن أصابت قدمه مكروه.. وهذا سيحدث لا محال 


أبتعد "عامر" وأكمل طريقه إلى البيت وعقله مشغول بما حدث، هو شجاع ولم يخاف مما حدث، يستطيع أن يتصدى لهم ولكن الكثرة تغلب الشجاعة وهو معترف بذلك لن يكون بطل خارق يستطيع أن يتحدى أربعة أشخاص مسلحون ويقوم بالفوز عليهم.. 


لو لم يكن معه ذلك المسدس لكان الآن كما يقولون، بعد الدفاع عن نفسه إلى آخر نفس به ملقى على الأرضية لا أحد يعرف عنه شيء ينزف إلى المـ ـوت، حمدًا لله أنه كان معه..


وذلك الأخرق، لقد خطط له شيء لن يأخذه أحد سواه، سيكون ذلك مفصل لأجله وعلى القياس المضبوط.. سيقوم بالتفريغ عن غضبه وتعويضًا عن ذلك الكتمان والصبر. الذي تحلى به، فقط هو الآخر صبرًا وسيريه ما الذي سيفعله به وإن نجى منه لن يستسلم، سيكون هناك البديل والبديل بعد البديل.. لن يعجز عن شيء هو فقط صبور إلى أبعد حد..


كرمشت معالم وجهه وهو ينظر إلى المرأة في السيارة بينما يقوم بالقيادة لقد أخذ لكمة قوية في وجهه أسفل عينيه من ذلك الحيوان، وظهره يؤلمه للغاية، ألم لا يطاق..


يحاول الصمود الخمس دقائق الباقية للوصول إلى الفيلا.. لقد أخذ ضربة قوية على ظهره في منتصفه على عموده الفقري أفقدته صوابه ولكنه تحمل أمامهم.. تحمل كي لا يعطي إليهم الفرصة للنيل منه 


نظر إلى المسدس الملقى جواره ثم أعاد بصرة إلى الطريق وعقله لا يكف عن التفكير في كثير من الأمور وكلما أعادها يجعلها تزداد مرة أخرى إلى أن يؤلمه رأسه من كثرة التفكير ويطالب بالانفـ ـجار بسببه..


                                 ❈-❈-❈


فتح باب جناحهم الخاص في الطابق العلوي، دلف بهدوء بجسد يتألم ينحني إلى الأمام قليلًا غير قادر على الاعتدال بسبب تلك الضربة التي تلقاها على ظهره، يمسك جاكيت بدلته في يده المجروحه التي قام بلفها بشاش أبيض ليس إلا.. ووجه مرهق وهناك كدمة أسفل عينه.. 


دلف إلى غرفتهم بارهاق شديد فوجدها تدلف من الشرفة تنظر إليه باستغراب:


-اتأخرت كده ليه


تابعت النظر إليه ودققت بملامحه وهيئته الغريبة ثم أقتربت سريعًا ناظرة إليه بلهفة وخوف عندما أبصرت يده:


-ايه ده مالك.. ايه اللي عمل فيك كده 


أجابها وهو يجلس على الفراش بكذب ومراوغة يلقي جاكيت البدلة:


-قطاع طريق طلعوا عليا وكانوا عايزين يقلبوني 


فك رباط حذاءه بسرعة ثم ارتمى على الفراش يقوم بفرد جسده كي يحاول الشعور بالراحة أكثر فظهره يؤلمه، كرمشت ملامح وجهه وهو ينام على الفراش وأخرج آنه بسيطة تنم عن ألمه..


أقتربت منه سريعًا وجلست على ركبتيها جواره على الأرضية، نظرت إليه تحاول الفهم ما الذي حدث وما الذي يعاني منه:


-مالك طيب ايه بيوجعك.. وعملت ايه معاهم 


أغمض عيناه وهو ينام على ظهره ورفع ذراعه على رأسه يخفي وجهه عنها ثم تحدث بجدية وضيق:


-قطاع طريق يا سلمى كانوا عايزين ياخدوا العربية اتخانقت معاهم طبعًا واخدت ضربه على ضهري بس ده كل اللي حصل 


تسائلت بخوف ورهبة، تنظر إليه بقلق قد جال بخاطرها أنه ذلك الغبي يطاردهم:


-وأنت عرفت منين أنهم قطاع طرق ما يمكن....


قاطعها لأنه يعلم ما الذي ستفكر به حتمًا فقال كاذبًا بفتور:


-لأ مش اللي في دماغك.. دول قطاع طريق بجد أنا عارفهم 


نظرت إليه بتشتُت وعقلها لا يصدق هذه الكذبة، مؤكد أنه هو من قام بفعل ذلك لاذيتهم، قالت بقلق وهي تضع يدها فوق كتفه:


-مالك طيب ضهرك بس اللي بيوجعك 


أومأ إليها برأسه دون أن يُجيب، فوقفت على قدميها تتقدم من درج مفتوح بالناحية الأخرى وهتفت قائلة:


-طيب قوم بالراحه كده أنا معايا كريم كويس هيخفف الألم لحد الصبح تبقى تكشف عليه 


عادت إليه بعد أن أخذته، جلست أمامه على الفراش ثم أقتربت منه بهدوء قائلة برقة وحنان:


-عامر.. قوم معايا 


اعتدل في جلسته بهدوء وبطء شديد فقد اشتد عليه الألم، أمسكت بيده وجذبته إلى الأمام ثم فتحت إليه أزرار القميص واحدًا تلو الآخر وقامت بنزعه عنه تنظر إليه بحزن لأجل أنه يشعر بالألم وهذا واضح وبشدة..


وقفت على قدميها وذهبت الناحية الأخرى عائده إلى الخلف ليظعر إليها ظهره وتستطيع أن تقوم بوضع الكريم إليه بهدوء..


أخذت منه على أطراف أصابعها ثم قامت بتدليك ظهره به بهدوء وخفه من يدها وأثناء ما تفعله راسها لا يكف عن التفكير فيما حدث معه، هل هو لا يتحدث لأجل أنه يتألم أم هناك شيء آخر..


عادت وجلست أمامه بعد أن انتهت وقالت ناظرة إلى عيناه بهدوء وحزن:


-خليك كده شوية ضهرك ياخد الكريم ده وهتبقى كويس 


أومأ إليها برأسه بجدية:


-ماشي


أمسكت يده بحنان ورفعت حاجبيها تتسائل بقلق:


-بيوجعك أوي؟


ابتسم بهدوء وهو ينظر إلى وجهها وهي تتسائل بهذه الطريقة الرقيقة التي تبدو بها خائفة للغاية عليه فقال هو:


-لأ يا سلمى أنا كويس ده وجع خفيف من الضربة 


تهكمت على حديثه حيث أن مظهره كان يقول غير الذي يهتف به تمامًا:


-كل ده وخفيف 


تابعت النظر إليه وقالت بمزاح ومرح محاولة التخفيف من حدة الموقف:


-دول شلفطوك بص وشك عامل إزاي


رد ساخرًا هو الآخر محركًا رأسه بفخر لما فعله بهم:


-ماله وشي دي يادوب ضربه واحده إنما أنا ظبطهم 


نظرت إلى ظهر يده التي غفلت عنها وأمسكت بها تجذبه إليها تهتف بنبرة جادة:


-طب وريني ايدك فيها ايه.. شكلها متعورة جامد 


أعترض على حديثها وجذب يده منها قائلًا:


-لأ سيبيها زي ما هي مش هتعرفي تعمليها، أنا بكرة هروح المستشفى هتحتاج خياطة تقريبًا 


صمتت لبرهة والأخرى خلفها ثم نظرت إليه بجدية تحاول أن تقول ما أتى برأسها عله يتفهمها ويرى الذي تراه هي:


-عامر.. ما يمكن يكون هو، أنا كده قلقانه وبجد خايفة عليك أنا مش هعرف أعيش كده كل ما تخرج أحط ايدي على قلبي وأقول هيحصله ايه


ابتسم بهدوء حتى لا يثير ربيتها وأقترب بخفة إليها جاذبًا إياها إلى صدره تنام برأسها عليه وهتف بجدية وثقة كي يجعلها تهدأ وتطمئن لحديثه:


-أنا عايزك متخافيش وتثقي في كلامي.. أنا متأكد أنه مش هو دول ناس أنا عارفها بيعلقوا أي حد ماشي وبعدين هو مايقدرش يعملي حاجه أنتي مش واثقة في قدراتي ولا ايه 


أجابته بعقلانية وتفكير مُشتت:


-أنا كل اللي عرفاه إني خايفة عليك يا عامر 


ربت على ذراعها يحتضن إياها وحاول أن يكون حديثه صادق، يعلم أنه يكذب ولكن بثقة كي لا تثور وتقلق عليه وتجعل عقلها الأخرق يخاف منه ليلًا ونهارًا:


-متخافيش يا سلمى.. مش هيعمل حاجه ولو عمل ياستي أنا جامد قدامك أهو.. كده كده هو جايله يوم وهيختفي خالص من حياتنا


حركت رأسها على صدره قائلة بتمني:


-يارب يا عامر بجد نفسي أعيش معاك مرتاحه مش بفكر في حاجه غير فينا إحنا


ابتسم وهو يبعدها عنه يتحدث بلهفة وشوق ناظرًا إليها داخل تلك الزيتونية:


-وايه اللي مانع حضرتك 


بادلته الابتسامة وحاولت أن تكون مثله، ستطرد تلك الأفكار البشعة من رأسها وتنعم بكل لحظة معه:


-حالة حضرتك اللي منعاني


عقب على حديثها بخبث ومكر تعرفه جيدًا وقد أصبح غير ذلك الذي كان تعرفه بالسابق:


-لأ يا بطل حالة حضرتي زي الفل ورينا أنت بس جمدانك ده 


غمزته بعينيها قائلة بدلال:


-ما بلاش 


تسائل باندهاش مُضيقّا عينيه عليها يحاول أن يرى أين الخطب الذي به.. وهو يعرفه جيدًا لكن يظهر العكس أمامها:


-وبلاش ليه الله ما أنا جامد قدامك أهو وبعدين حتى لو تعبان أجمدلك يا بطل


ابتسمت بخجل وهو يغمزها بطرف عينيه اليسرى وتذكرت قائلة تتسائل:


-فين الحاجه الفرايحي اللي جبتها 


رد بفتور ونبرة جادة فلم يكن مبالي بأي شيء أثناء قدومه بسبب آلام ظهره:


-في العربية.. مكنتش قادر بضهري كان واجعني أوي مجبتش حاجه كنت محتاج أطلع بس


قابلته بعينيها الحنونة مُردفة بصوت أم ملهوفة على طفلها:


-حاسس بايه دلوقتي لسه بردو تعبان؟


قدم يده يتمسك بيدها جاذبًا إياها إليه ثم رفعها إلى فمه بهدوء وحنان يبادلها إياه وقام بتقبيلها بشغف ورقه ونظر إليها باتمان:


-بقيت كويس بفضلك يا حبيبتي


ابتسمت إليه وأقتربت منه ومازال يمسك يدها:


-وربنا يخليك ليا يا عامر.. حاول تكون كويس علشاني أنا ماليش غيرك 


أومأ إليها برأسه وأقترب هو الآخر إليها بوجهه يطبع قبلة أعلى جبينها حنونة رقيقة وناعمة يحاول أن يبث الأمان بها وأن يجعلها تهدأ وتطمئن لوجوده الدائم معها:


-أنا معاكي يا سلمى متقلقيش.. معاكي 


مالت برأسها إلى صدره تنام عليه تحاول بذلك أن تأخذ الأمان منه وتشعر بوجوده الدائم معها كما قال، تحاول أن ترى الجانب الرائع في الحقيقة المرة بينهم.. 


بينما هو حاول بقدر الإمكان بحديثه وأفعاله بعد ذلك أن يجعلها تطمئن ولا تفكر في أي شيء سيء قد يحدث فهو في الوقت القريب جدًا سينهي كل هذا وما بقي إلا قليل عليها فقط الانتظار معه.. وما كان به داخل عقله إلا أشياء يسعى لتنفيذها على أكمل وجه..


                                 ❈-❈-❈


"بعد مرور يومان"


جلس "تامر" مع "رؤوف" في صالون منزلهم ومعهم "عامر" الذي جلس مُستمعًا فقط واستمع إلى والده يقول بجدية:


-تمام كده يبقى إحنا اتفقنا على كل حاجه.. بس أنا عندي شرط واحد بس علشان كل ده يتنفذ 


ابتسم "تامر" متابعًا إياه في اعتقاده أنه سيطلب شيء عادي يستطيع تنفيذه بسهولة:


-أوي أوي اللي حضرتك تطلبه هيتنفذ 


أجابه الآخر بمنتهى الجدية والهدوء ناظرًا إليه بعمق:


-تقعدوا معانا هنا 


كرمشت ملامح وجه "تامر" وتسائل باستغراب وكأنه استمع إليه خطأ:


-نقعد فين؟


مرة أخرى بجدية وهدوء تحدث قائلًا بسلاسة وهو لا يرى أي مشكلة في بقائهم هنا:


-هنا في الفيلا.. أنت شايف فيلا طويلة عريضة محدش فيها غيرنا وأنا بصراحة مش عايز حد من ولادي يبعد عني ولو أنت عايز هدى أقعد معانا هنا 


استغرب "عامر" كثيرًا من حديث والده وود الاعتراض عليه بشدة، كيف له أن يقول مثل هذا الحديث ولما قد يعيش معهم هنا، هكذا لن يجعل زوجته تأخذ راحتها في منزلها وهو سيكون ضاغطًا عليها بشكل كبير خوفًا من أن يحدث نظرة أو أخرى من قبل "تامر" ولو عن طريق الخطأ.. ما هذا الذي يهتف به 


استنكر الآخر حديثه واعترض بأدب واحترام محاولًا ألا يجرح مشاعره:


-أيوه بس أنا بعد اذنك يعني مش موافق على الكلام ده 


أكمل موضحًا بجدية:


-أنا عندي بيت نقدر نعيش فيه 


حرك الآخر رأسه إلى الأسفل والأعلى موضحًا مثله ومحاولًا نيل استعطافه:


-أنا عارف إن عندك ومقولتش غير كده بس أنا بطلب منك كأنك ابني تكون معانا هنا في البيت أنا مش عايز ولادي يبعدوا.. كفاية اللي بعدوا 


لوى الآخر شفتيه ببغض وضيق ثم هتف قائلًا موضحًا أكثر ربما هو لم يتفهم مقصده بعد:


-أنا آسف بس أنا مش هقدر على كده أنا هبقى جوز هدى.. مش هقدر أعيش معاها في مكان كانت عائشة فيه مع ياسين.. حتى لو هو ميت بس.. بس كفاية الذكريات 


محى المشكلة التي تحدث بها ببضع كلمات وقال مقترحًا عليه:


-هنغير المكان كله يا تامر من ألوان لفرش وعفش وأبواب حتى، كل حاجه هتتغير على ذوقكم مع بعض انتوا وتعملوا ذكريات غيرها


عارضه مرة أخرى بجدية وهو لا يعلم كيف السبيل للهرب من مثل هذا الحديث الأبلة، فكيف يكون عنده بيته ويعيش هنا في بيت زوجته:


-بس أنا مش هكون مرتاح كده 


هنا تدخل عامر بعد حديث "تامر" وأعجب بإصراره وأكمل عليه هو لأنه لا يود ذلك هو الآخر فوالده يفعل اشياء غريبة هذه الفترة:


-ما تسيبه براحته.. هو من حقه يعيش في بيته مع مراته 


أجابه والده بصرامة وقوة قائلّا حديث محدد وواضح:


-أنا محتاج إن الكل يكون معايا هنا يا عامر.. مش هسمح لحد منكم يبعد


أبعد نظرة إلى "تامر" وأكمل ليجعله يرتاب لأمر عدم إتمام الزيجة وهو على حافة الهاوية:


-ده شرطي علشان الجوازة تتم 


نظر إلى الأرضية دون حديث ثم عاد مرة أخرى إليه برأسه يتسائل:


-هدى موافقة على الكلام ده 


أجابه بفتور يدلي بموافقة ابنته على عدم تركها له:


-أيوه موافقة ومستنية رأيك


تشتت "تامر" بالأخص بعد أن تفاجئ هنا، لو كان على علم مسبق بذلك الأمر كان رتب له الحديث الذي سيقوله مع أنه لا يرى أكثر من رفضه حديث:


-بصراحة أنا.. أنا مش عارف 


مرة أخرى يحاول أن يجعله يرق قلبه ناحيته واتجه إلى اللين المنكسر قائلًا:


-أنت شايف إحنا عيلة عاملة إزاي.. وبجد أنا محتاج كل ولادي جنبي، خليك معانا 


نظر إليه "تامر" وأراد ألا يحدث أمرًا مكروهًا بسبب عدم قبوله، أو ينزعج والدها منه بسبب عدم احترامه وتلبية رغبته فقال بعد تفكير للحظات:


-أنا موافق، بس لو لقيت إني مش هرتاح هنا هاخد هدى وأروح بيتي 


هتف الآخر بجدية موافقًا على حديثه:


-وأنا موافق يا تامر 


وكان "تامر" يقول ذلك كي يكون أعطى له سابق إنذار بذهابه من هنا سواء شعر بالراحة أم لم يشعر، فقط شهر بالكثير هنا في هذا البيت معهم ثم يأخذها ويذهب إلى بيته..


ود "عامر" في هذه اللحظات أن يقوم بخـ ـنق نفسه، لما قد يجعل شخص غريب عنهم يجلس بينهم في المنزل حتى ولو كان سيصبح زوج شقيقته!؟ لما؟


                                 ❈-❈-❈


-كنتي وحشاني أوي


نطق بتلك الكلمات الرقيقة والخارجة من بين شفتيه بشغف وهو مُحتضن إياها تنام بين ذراعيه على الفراش في وقت متأخر من الليل 


دست نفسها في أحضانه تخفي وجهها في صدره العاري قائلة بحب وخجل تسيطر عليه مع الوقت:


-وأنت كمان 


ابتسم ضاحكًا بصوت عالي وهو يحرك يده على جسدها:


-بس ايه.. بطل بطل يعني مافيش كلام 


تابعت الحديث معه بمزاح ومرح وعينيها تلمع بالحب والسعادة:


-بطل بيتفرهد من صاحب البطل 


اتسعت ابتسامته وهو يضغط عليها بيده يقربها إليه من منطقة خاصة:


-وماله.. طعم السعادة غالي بردو 


جذبت يده الموضوعة خلفها واعتدلت في نومتها تقوم بتوبيخه بجدية:


-لم ايدك أنا عايزة أنام مش مستعدة أقوم تاني إحنا بقينا الصبح


أبتعد بيده مرة أخرى وهو يقول بلا مبالاة متناهية:


-لمي ايدك أنتي.. إحنا عريس وعروسة اعتبرينا بنلعب 


رفعت وجهها إليه وتسائلت باستنكار وبعينين متسعة بطريقة مضحكة:


-هو لعبة عريس وعروسة بتفرهد أوي كده؟


أخفض وجهه إليها عندما شعر أنها اعتدلت تنظر إليه وقال بابتسامة عريضة مازحًا معها:


-يوه دي بتفرهد أوي خصوصًا بقى لو كانت من الدرجة الأولى


أكمل موضحًا أكثر يكذب عليها وكأنها تصدق حديثه:


-تعرفي إحنا بنلعب الدرجة التانية.. تعالي بقى نجرب الدرجة الأولى وهتشوفي الفرق كبير قد ايه 


رفعت إحدى حاجبيها الاثنين ونظرت إليه بتهكم واضح وسخرت منه:


-وده بقى ظهر بعد ما ضهرك بقى كويس ولا ايه علشان ابقى فاهمه؟ ما أنت مكنتش قادر تتحرك دلوقتي هتفوق عليا 


ضغط بيده عليها مرة أخرى وهو يجذبها ناحيته لتلتصق به أكثر وصاح قائلًا بسخرية وثقة:


-أفوق عليكي وعلى اللي يتشددلك.. بس أنا اللي طيب وحنين 


استنكرت حديثه وصاحت قائلة بصوت عالي:


-حنين! حنين مين يا أبو حنين.. الحنية ماتت من زمان كانت مرة ولا اتنين 


ابتسم وجذب رأسها إلى صدره مرة أخرى ليكي يجعلها تصمت وهتف باستفزاز:


-ما أنتي اللي بطل اعملك ايه.. وبعدين نامي بقى بقينا الصبح وأنا عندي شغل نامي 


-تصبح على خير 


قالتها بنبرة خافتة مُبتسمة وهي تحتضنه كما يفعل المثل وأجابها قائلًا بنبرة رجولية خشنة:


-وأنتي من أهل الخير يا بطل 


ثم أغمض عينه كمثلها وهو يشعر براحه غريبة للغاية ويوم رائع ينتظره بالغد.


                               ❈-❈-❈


اليوم التالي قد أتته الأخبار التي يريدها حقًا بعد أن ذهبت عناصر الشرطة إلى شركة "الصاوي" المعروفة حيث أنها قامت بتفتيش بعض المكاتب بعد أن قد فيهم بلاغ موصى به من بعيد كي لا يظهر في الصورة أمام الناس ولكن أمامهم كان معروف من فعلها..


تم القبض على "هشام" الصاوي بعد أن وجد في مكتبة كميات كبيرة من الممنوعات والذي صرخ كثيرًا بأنها لا تخصه ولا يعلم عنها شيء.. ولسوء حظه وحسن حظ "عامر" أنه فكر في إيقاف كاميرات المراقبة جميعها قبل دلوف الشخص الذي وضع له هذه الأشياء الذي كلفته مال كثيرًا ولكن حقًا كان يستحق الدفع ولو كان أكثر لدفع..


مقابل دفع المال والتخطيط لهذا الأمر حبس "هشام" مدة ستكون قاتلة له، وفضيحة رائعة لعائلة الصاوي وهذا ما يريده ومن بعده سيأتي الدور على ابنة عمه.. فقط صبرًا لتنال شيء كهذا يليق بها وبما ما تفعله..


                              ❈-❈-❈


                                 "يُتبع"


تكملة الرواية من هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع