رواية عن تراض الفصل العاشر 10بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية عن تراض الفصل العاشر 10بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
(١٠)
#رواية_عن_تراضٍ
كانت «تقى» تعلم أنه تهديد فارغ، فاقتربت خطوة، حذرتها سراب وهي تحرك الصورة بين أناملها، وفجأة سقطت الصورة من يدها، فشهقت بصدمة وهي تُطالع الصورة تهوى وتستقر أسفل قدمي بدر الذي خرج من البناية للتو مع يحيى وعامر...
نظر «بدر» أسفل قدميه فالتقط بصره وجه كارم، انحنى وأخذ الصورة، حدق بها لبرهة وتوقف كل شيء من حوله وهو يبحث في مخزن ذكرياته، عله يتذكر أين رأى وجه هذا الرجل؟ زم جفونه وهو يتأمل الصورة كان في وادٍ أخر بينما كانت سراب تناشده أن يضع الصورة في السلة التي أدلت بها للتو...
انتشله من شروده «عامر» الذي سحب الصورة من بين أنامله ووضعها في السلة، فسأله بدر:
-مين الراجل اللي في الصورة ده يا عامر؟
-دا يا هندسه عمي كارم أبو تقى وجد سراب، دا اللي اختفى فجأة وبقالنا أكتر من سنه بندور عليه.
عقد بدر حاجبيه الكثيفان وقال:
-اختفى ازاي!! محدش قالي على الموضوع ده!
شرع «يحيى» يحكي له عن كارم ومعاناة تقى وسراب منذ اختفاءه، لكنه لم يتطرق لموضوع شهادة الوفاة، فلازال الموضوع سري لم يخرج من بين العائلة، قال بدر بتركيز:
-اسمه كارم؟ طيب ومراته فين و... واسمها إيه؟
-مراته متوفيه بس اسمها... مش عارف الصراحه!
قال يحيى أخر جملة بعدما مط فمه لأسفل، فعاد «بدر» يسأل عامر عن الاسم، فهز عامر كتفيه بجهل وهو يقول:
-معنديش خلفيه والله.
قال «بدر» بفضول شديد:
-طيب ممكن تسال طنط و... والدتك أكيد تعرف!
-تمام ماشي هبقا أسألها وأقولك؟
-دلوقتي يا عامر اطلع اسالها حالًا.
قالها بدر بلهفة عارمة، فسأله يحيى باستغراب:
-هو فيه ايه يا بدر إنت تعرف الحاج كارم ولا ايه؟
-تقريبًا أعرفه.
قالها بدر وهو يومئ برأسه، فجحظت عيني عامر وقال بذهول:
-شوفته امته؟ وقابلته فين؟
شهق «عامر» ثم أضاف:
-اوعى يكون دا عمك اللي بتدور عليه!!
-لا لا مش عمي... يلا بس روح إسأل والدتك عن اسم مراته الأول!
قالها بدر وهو يجذب عامر من ذراعه متعجلًا، بينما استأذنهما يحيى ليغادر فلديه عمل هام في الصباح الباكر، قال:
-أنا مضطر أمشي بس هبقا أكلمك يا بدر عشان أفهم.
-إن شاء الله وأنا كمان هكلم حضرتك.
قالها بدر وصافحه يحيى ثم انصرف...
دخل عامر للبيت بعدما رفض بدر أن يصعد معه كي لا يزعج أفراد العائلة، ولكن ألح عامر أن يدخل من البوابه ويجلس على أريكة وضعت بالداخل قبالة بابها، فجلس بدر ينتظر عامر ويرجو أن تكون هي أخت جده المفقودة «صباح»، رغم أنه لازال مجرد شك فهناك نقطة مبهمة ومريبة فقد أخبره جده أن كارم توفى ثم اختفت صباح وابنتها! فكيف يكون كارم على قيد الحياة وصباح هي من توفت! قد يكون مجرد تشابه! ولكن إن صدق حدسه لن يدخل على جده بيد خاوية بل معه تقى وسراب...
استغفروا❤️
بقلم آيه شاكر 🌸
★★★★★
دخلت «هند» الكافيه الذي يشبه الحانة بأضواءه الحمراء والموسيقى الصاخبة والرقص والدخان الذي يتطاير من لفافات التبغ، كانت تخفي وجهها كالمعتاد، بحثت بنظراتها عن «نادر» حتى وجدته يجلس مع رفاقه يضحك ويشرب، فاتجهت نحوه متجهمة الوجه، كيف ستثق بهذا الشاب المتـ ـهور والآن الثمل!؟ وكيف يطلبها لمكان كهذا!! كان لسان حالها ينادي أين أنت يا باسل؟ لقد افتقدته كثيرًا فلم تأخذ أي خطوة جديدة منذ رحيله، تشعر وكأن قدميها تنزلق رغمًا عنها وبأي لحظة قد تسقط من الهاوية...
وما أن رآها «نادر» نهض ورنى إليها، قال بلسان ثقيل:
-أهلًا يا استاذه نرمين، لقيت اللي هينفع تعمل اللي إنتِ عايزاه!
كانت رائحة النبيذ تفوح من فمه، فعادت هند للخلف خطوتين وتشنجت عضلات وجهها بتقزز وهي تقول:
-هنتكلم ازاي وإنت بتتطوح كده؟!
تهدل جفناه فرفع حاجبيه ليبدو طبيعيًا وهو يقول:
-آآ... أنا كويس والله.
قالت هند بعصبية:
-طيب خلص قول عايز إيه!
حكى لها عن «رحمه» وهو يتتعتع ويتعثر في الكلام، فقالت هند بضجر شديد:
-لما تفوق يا نادر ابقى كلمني عشان نشوف هنعمل ايه! إنما كده أنا مش هعرف اتكلم معاك.
وخرجت من المكان وهي في قمة غيظها، تركته يلتفتُ حوله ثم اتجه لصُحبته حيث سارا تجلس مع اثنتين من رفيقاتها، أشار لها فلبت نداءه، قال:
-أفوق ازاي؟ لازم أفوق من البتاع ده يا سارا، عندي شغل مهم...
أرسلت سارا تنهيدة ثم نطقت بتبرم:
-وحد كان قالك اشرب! يلا نمشي وأنا هفوقك بطريقتي.
سار نادر وهو يمسك يدها، فصاح أحد الرفاق:
-رايح فين يا نادر السهره لسه هتبدأ!
شوح نادر بيده وهو يقول بنبرة مرتفعة:
-مش وقته يا عم، دا انتوا قعدتكوا تجيب الفقر.
قال الشاب متخابثًا:
-تلاقيه رايح يكمل السهرة في البيت مع سارا.
وضحك الجميع وكأنه ألقى دعابة!
استغفروا🌸❤️
★★★★★★
جلست «رحمه» في شقة «ريم» كانت موجودة بجسدها بينما روحها أسيرة لديه، فمنذ أعطت رقم هاتفها لنادر وهي لا تسمع سوى صوته ولا ترى إلا ملامحه وهو يُحدثها بابتسامته العذبة...
كانت مضطربة تحمل هاتفها كل دقيقة تتسائل هل سيهاتفها الآن؟ أم سيراسلها على تطبيق التواصل الإجتماعي (واتساب)، وهل سترد عليه أم لا؟
ظلت شاردة تفكر حتى استقرت أنها ستحدثه باحترام وتحَفُظ في الألفاظ والكلمات، لن تخطئ! هي ستصاحبه وتحاول جذبه من طريق الضلال الذي سار فيه! هدفها نبيل للغاية فلا داعي لفرط قلقها، هكذا أقنعت حالها، خاصة بعدما سمعت أخته «نداء» تتحدث مع ريم عنه ودموعها تنهمر حسرة عليه وعلى حاله الذي تبدل على حين فجأة، وقد جهزت العديد من الكلمات والحكم والمواعظ كي تخبره بها...
انتشلها من خضم أفكارها أختها «رغدة» _فتاة جميلة الملامح، ترتدي نظارة طبية تكاد لا ترى الملامح دونها_ كانت تجلس خلفها تعبث بالكتب، رمقت أختها «رحمة» وقالت:
-رحرح أنا عايزه أمشي بقا عندي مذاكره كتير.
فقد كانتا تسكنان بنفس الشارع على بُعد عدة أمتار من بيت دياب، كانت رحمة شاردة فكررت رغدة كلماتها عدة مرات إلي أن انتبهت رحمه وقالت:
-هه! آآ... يلا ماشي بس هجيب شنطتي من تحت.
نهضت رغدة ووقفت قبالتها تُطالعها مضيقة جفونها بفراسة وهي تسألها:
-إنتِ كويسه؟
أومأت رحمه وقالت بتلعثم:
-آآ... تمام آه كويسه.
-طيب اسبقيني هاتي شنطتك على ما أجيب الكتب اللي عمتو ريم اديتهالي...
قالتها رغدة بابتسامة، فأومأت رحمه وهي تجاملها بابتسامة، ثم غادرت وطفقت رغده تلملم الكتب التي استعارتها من ريم، فهي تهوى القراءة وتحب الإنعزال عن الناس في أوقات فراغها على عكس رحمه تمامًا...
نزلت رغدة الدرج وهي تحمل عدة كتب والسعادة تطل من عينيها، وتحولت تلك السعادة لفزع حين مرت هرة من جوارها فاختلج قلبها وجحظت عيناها خاصة حين رأت هرة أخرى آتية نحوها، فهي تخشى الهِرَرَة من صغرها، أطلقت رغدة صرخةً مكتومةً حين حاولت الهرة المرور من بين قدميها فتعثرت الهرة وتعثرت رغده، واختلط صراخها مع صرخة الهرة قبل أن تسقط أربع درجات من فوق السلم، حتى ارتطمت بباب شقة دياب، لم يحدث لها مكروه إلا أن كُتبها تبعثرت ونظارتها تهشمت، لملمت زجاج نظارتها ثم أطلقت صرخة خافتة متضجرة وغمغمت:
-يا إلهي! والآن معكم العمشه رغدة لقد تشوشت الرؤية...
فُتح الباب فجأة وكان أحد أطفال العائلة يرى ما الذي ارتطم بالباب هكذا! وضحك فور رؤيتها تجلس هكذا، فنهضت مسرعة رافعة ذقنها لأعلى بثقة، وقالت بثبات:
-قول لرحمه يلا أنا مستنياها تحت.
وقف الطفل يضحك فجذبت رغدة الباب وأغلقته، وانحنت تلملم الكتب وهي تدمدم بضجر، وتلعن تلك الهرة...
لم تدخل للبيت كي لا تضطر أن تُسلم على أحد فلن ترى ملامحهم وسيسخرون منها بكل تأكيد وهي في غنى عن ذلك.
على نحوٍ أخر
نهض بدر واقفًا منذ أن سمع صوتها وهمهماتها كان سيفتح البوابة ليخرج لولا أنها اتجهت إليه وهي تقول:
-استنى بالله عليك اعملي النظاره دي القطة وقعتهالي... دا أنا جايبه كتب كتير وكنت ناويه أسهر عليها الليله، يا فرحه ما تمت.
فقد ظنته عمرو، ازدرد «بدر» لعابه والتفت لها، أقبلت إليه لتعطيه نظارتها فهيئ لها أن القطه تمر من بين أرجلها مرة أخر فتحركت بذعر، وتعثرت وقبل أن تسقط أمسكت بسترة بدر، وهي تطلق صرخات مكتومة...
-مفيش حاجه، مفيش حاجه اهدي.
ما هذا الصوت الذي تسمعه للمرة الأولى؟! وتلك الهيئة التي تراها مشوشة، تصنمت مكانها كانت قريبة منه تتمسك بسترته، وبحدقتين واسعتين تشعان بالخوف، رفعت بصرها وحدقت بوجهه، فاصطدم بنظراتها وفُتن بجمال عينيها الخضراوين، أيعقل أن تلك العينان الجميلتان لا ترى إلا من خلال زجاجتين تخفيان جمالهما! كانت لحظة قبل أن ينتبه لنفسه ويغض بصره عنها وتترك هي سترته ثم تعود بظهرها للخلف مفزوعة، وهي تقول بنبرة ترتجف:
-آآ... إنت مين؟
كادت تسقط، فاستندت على الجدار يمينها، بينما قال بدر وهو يفرد كلتا ذراعيه للامام بلهفة:
-براحه على مهلك...
ازدردت لُعابها وقالت:
-حـ... حرامي؟
قال بدر باضطراب:
-حرامي ايه بس! أنا صاحبه.
قالت بتوجس:
-صاحب الحرامي؟
أطلق «بدر» ضحكة خافتة مما تفوه به من فرط اضطرابه، ثم قال:
-مفيش حرامي! قصدي صاحب عمرو وعامر، آآ... أنا ساكن هنا في العماره اللي قصادكوا دي.
ازدردت لعابها وقالت وهي تنظر أرضًا:
-ماشي.
رمقها بطرف خفي، وأطرق لبرهة، ثم هم أن يفتح البوابة ليخرج فقالت:
-على فكره آآ... أنا بشوف أنا بس مش شايفه ملامحك كويس وإنت تقريبًا في طول عمرو وجسمه كمان... آآ... أنا هعمل ليزر وهشوف كويس بس لما أخلص امتحانات.
-أنا كمان عامل ليزر على فكره، على العموم فرصه سعيده، وربنا يوفقك يارب.
قالها بابتسامة ثم خرج من البوابه وقلبه ينبض بشدة، اتجهت تجلس على الأريكة، تزامنًا مع نزول عامر متعجلًا، سألها:
-هو بدر راح فين؟
قالت وهي تُضيق جفونها:
-إنت عامر؟
-أيوه!
-أنا النظاره بتاعتي اتكسرت يا عامر و...
كادت تحكي له بالتفصيل ما حدث فقاطعها عامر متضجرًا:
-مش وقته يا رغدة، راح فين بدر؟
-لو بتسأل عن صاحبك فهو خرج من شويه.
أسرع عامر يخرج من البوابة، فصاحت رغدة:
-يا عامر بقولك النظاره اتكسرت و...
ابتلعت كلماتها وتنهدت بعمق متبرمة من تجاهله لها، وما هي إلا لحظات وخرجت إليها رحمة، فأخذت تحكي لها عن نظارتها المهشمة وما حدث، فضحكت رحمه ثم ضمتها بحنو وقالت:
-يا حبيبتي طيب معلش، ما أنا قولتلك إلبسي العدسات أحسن من النظاره.
-ما هي العدسات بتوقع مني برده يا رحمه.
-إن شاء الله تعملي ليزر قريب يا رغده ومتحتاجيش النظاره خالص.
في تلك اللحظة ارتفعت رنات هاتف رحمه فانتفضت وهي ترى رقم غريب، لابد أنه نادر!
سألتها رغدة:
-مين اللي بيرن عليكِ؟
-دا رقم!... تلاقيه الشركه ولا حاجه!
من ناحية أخرى
كان «بدر» واقفًا أمام البيت، يجتر ما حدث ويضحك، حتى وصل إليه عامر، قال عامر في سرعة:
-اسمها صباح، تعرفها؟
حرك «بدر» قبضة يده في الهواء بسعادة، وقال بابتسامة وحمـ ـاس:
-يبقا هي أخت جدي اللي حكالي عنها، تعالى معايا بقا!
-على فين؟
-هنروح لتقى وسراب عشان أتأكد.
-أنا مش فاهم حاجه!
-يا سيدي جدي يبقا خال تقى يعني أنا أبقى ابن ابن خالها، فهمت؟
فغر عامر فاه للحظه وهز رأسه يقلب الجمله بها، ثم نطق ببلاهة:
-نعم!
رشقه بدر بنظرة ساخرة قبل أن ينطق:
-يلا يا عامر يلا الله يكرمك مش لازم تفهم دلوقتي خالص، خليني أفهم أنا الأول ازاي الحج كارم اللي عايش وتيته صباح ماتت!!
-نعم!
قالها عامر بعدم استيعاب، تزامنًا مع خروج رغدة ورحمة، فخاطبهما عامر:
-رايحين فين؟ مش كنتوا هتباتوا هنا!
-أصل عندنا مذاكره.
قالتها رحمه، ولم تتحدث رغده فقد كانت ممتعضة منه لأنه تجاهلها، وشعر هو بذلك فقال بابتسامة:
-هعدي عليكِ الصبح يا رغده عشان أخد النظاره أعملهالك.
-متشكره أنا هعملها لنفسي.
قالتها رغدة بنبرة جامدة وبكبرياء دون أن تنظر نحوه ثم جذبت أختها من يدها وانصرفتا، فصاح عامر:
-متزعلش طيب.
لكنها لم تلتفت له وحذرت أختها أن تلتفت....
كان «بدر» ينصت للحوار ولكن لم يرفع بصره نحوهما، فقال عامر:
-شايف البنتين دول؟
رمقهما بدر وقال بلامبالاة زائفة:
-مالهم؟
-حصل النهارده موقف ربنا ما يكتبه على حد، عمي طلب ايدي أنا وأخويا ليهم...
قالها عامر بضحك، فقال بدر بامتعاض:
-مش وقت الكلام ده يا عامر يلا اطلع قدامي.
صعدا وقرع «بدر» جرس الباب وانتظرا فترة بعدما أفصح عامر عن هويته...
طلبت «تقى» من «سراب» أن ترى ماذا يريد فقد كانت تتعمد أن تتوارى عن نظر عامر، ومؤخرًا لم يتقابلا ولم يتحدثا، ولكن دخلت سراب غرفتها وقالت:
-مليش دعوه.
زفرت تقى متضجرة، وسرعان ما فتحت الباب...
تبادلوا النظرات الصامتة دون إلقاء السلام، فعدلت «تقى» من حجابها بارتباك، وهي تحمحم وتختبئ خلف الباب، فتلعثم عامر قائلًا:
-آآ... وحشتيـ... وحشتينا، إيه يا تقى فينك مبقتش أشوفك!
ضغط «بدر» على ذراعه، فانتبه عامر وصمت لا يدري لمَ أصبح يتعثر هكذا في حضرتها، ساد الصمت لبرهة، وكان بدر يفكر كيف سيبدأ الحديث، حتى قال:
-أنسه تقى كنت عايز أتكلم معاكِ شويه.
قالت تقى باضطراب:
-دلوقتي؟ كان نفسي أقولكوا اتفضلوا لكن معلش بقا أنا وسراب لوحدنا فـ... فممكن نأجل الكلام لبكره في المصنع أو في أي مكان عام.
أدرك بدر أن معها حق، سينتظر حتى الصباح لقد تأخر الوقت حقًا، فاستأذن بأدب وانصرفا بعدما نظر عامر لتقى وقال كلمة ظلت تتردد برأسها طوال الليل وتبتسم أثرها، فقد قال بابتسامة عذبة غامزًا لها:
-كالعادة عجبتيني.
بكلمة واحدة يستطيع أن يثب ويتخطى كل الأسلاك الشائكة التي أحاطت بها نفسها، ونظرة الحب تلك التي تُطل من عينيه هي مفتاح باب تلك الحصون التي حصنت بها قلبها.
★★★★★★
أشرقت شمس الصباح علها تدفئ زمهرير قلوب ترتجف خوفًا...
وتبعث الطمأنينة في قلوب أخرى تتجول الحيرة بين غرفاتها...
كانت الأجواء شتوية، تختبئ الشمس خلف الغمام لفترة ثم تظهر من جديد فيشرق معها كل شيء وكأنها تُنبأ أن بعد العسر يُسر...
فالآن بدايات شهر مارس وقد أوشك الشتاء أن يلملم أمتعته وبرودته ويغادر لتزهر الأرض مرة أخرى بأجواء الربيع...
وقبيل الظهر
ببيت دياب، حكى «عامر» لـ «عمرو» كل شيء حدث بالأمس، فقال عمرو بسخط:
-ولسه فاكر تحكيلي؟ بدر طلع قريبهم ازاي؟ و... وهيتكلم معاهم بتاع إيه! الكلام ده مش داخل دماغي.
-مش مهم يدخل دماغك المهم إني خارج عشان بدر هيروح يتكلم معاهم.
أصر عمرو على أسنانه وقال بغيظ:
-أنا مش مقتنع، وأصلًا شاكك في بدر بتاعك ده!
-والله بدر شخص محترم جدًا مش عارف بينك وبينه إيه!
قالها عامر وهو يتعطر ففاح شذا عبيره المميز بالغرفة، بينما رد عمرو بوجوم:
-اسكت إنت مبتفهمش حاجه، كل الناس عندك طيبه ومحترمه!
ودون كلمة رماه عامر بنظرة ساخطة، ثم ارتدى ساعة يده، بينما كان عمرو يقطع الغرفة جيئة وذهابًا، ويحك ذقنه بتفكير، حتى وقف قبالة عامر وقال بجدية:
-اسمع يا عامر، بدر ده لو عايز يتكلم معاهم يبقا قدامي، لما اشوف أخرتها معاه.
-ماشي أنا رايحله أصلًا، يلا إن كنت هتيجي...
-اصبر جاي معاك.
قالها عمرو وارتدى سترته وهو يتبعه.
صلوا على خير الأنام ♥️
★★★★★
من ناحية أخرى
تأخرت «تقى» في النوم على غير عادتها، استيقظت بالعاشرة صباحًا، ولم تخرج لعملها، وحين أعدت إفطارها كان آذان الظهر قد رُفع، فجلست تأكل في هدوء وشرود، بينما كانت سراب تتابعها بنظراتٍ متعجبة، صامتة وساخطة، وقد أعدت مشروبها الساخن وجلست قبالتها هادرةً:
-إنت يا بت جايبه البرود ده منين؟ ازاي قدرتِ تنامي كل ده، وبدر قال إمبارح إنه عايزنا في موضوع؟
-يعني كنتِ عايزاني أدخلهم ولا أقف أتكلم معاهم واحنا داخلين على نص الليل!
هدرت سراب:
-بارده... كُلي ياختي بطاطس محمره كُلي... عارفه إنتِ لو شربتيلك سجارتين على الصبح أرحم من الزيوت السامة اللي بتدخليها جسمك دي!
-تمام ماشي.
قالتها «تقى» ببرود وهي تأكل شرائح البطاطس وهناك ابتسامة ساخرة شقت ثغرها مما أثار غيظ سراب، فقالت:
-يابنتي البطاطس المحمره دي تأثيرها بيقعد في الجسم فترة أطول من سيجاره والله...
قالت تقى بضجر:
-سراب كفايه واسكتي، مش ناقصاكِ إنتِ وجنانك على الصبح، أنا أصلا منمتش كويس... روحي اشربي المشروب بتاعتك...
رفعت «سراب» الكوب وهي تقول:
-ليه هو أنا بشرب حاجه حرام! دي سنامكى وطعمها حلو أوي.
-حبيبتي لو بتشربيه عشان تخسي فإنتِ لو خسيتِ كيلو كمان هتختفي...
-مش بشربها عشان أخس آآ... أنا بحبها.
قالتها سراب ونظراتها تتذبذب باضطراب، فرمقتها تقى شزرًا وأكملت إفطارها، بينما ارتشفت سراب رشفةً فتشنج فمها لعدم تحملها مذاق المشروب، لكنها قاومت وارتشفت مرة أخرى، فلم تستطع وبصقته وهي تقول:
-طعمه اتغير مبقاش زي زمان! بقا مُر شبه أيامي.
ضحكت «تقى» وهي ترى «سراب» تسكب المشروب من الشرفة، هادرة:
-بت يا تقى متضحكيش وإلا والله...
قاطع سيل كلماتها جرس الباب، فقالت:
-أنقذك مني جرس الباب، روحي بقا افتحي...
وحين نظرت سراب من الشرفة أطبقت شفتيها وشخص بصرها حين وجدت المشروب قد سُكب فوق رأس عمرو، الذي وقف يصر على أسنانه في صدمة وصمت وهو ينظر لأعلى...
فقد كان ينتظر عامر بالأسفل لحين نزوله هو وبدر وفجأة سُكب على رأسه المشروب...
قالت سراب بنبرة مرتعشة:
-طبعًا أنا لو حلفتلك إني مأخدتش بالي منك هتصدقني؟
-والله يا سراب إنتِ محتاجه تتربي، وإن شاء الله على إيدي.
هدرت به:
-وإنت إيه اللي جابك تحت بلكونتنا أصلًا!
-أيوه أومال إيه! ما هي غلطتي أنا! يا شيخه حسبي الله ونعم الوكيل.
-إنت بتحسبن عليا يا عمرو!
-ادخلي يا سراب البسي، ادخلي بالله عليك متخلنيش أعلي صوتي في الشارع.
دخلت «سراب» تغمغم بضجر، ودلف «عمرو» لبيته مرة أخرى وهو يكظم غيظه من تلك الفتاة...
من ناحية أخرى
كان «عامر» يقف مع تقى على الباب طلب منها أن تتعجل ليجلسوا مع بدر في إحدى المطاعم للحديث بأمر عاجل...
وبعد دقائق سار الثلاث شباب أمامهما، فرأتهم سعيدة، التي وقفت أمام الشباب وثرثرت:
-الحلويات ملت الشارع يا ناس، مساء الخير يا متواضعين، طبعًا كلكوا معزومين على فرح ابني أوعوا متحضروش والله أزعل.
-أكيد هنحضر طبعًا منقدرش نزعلك.
قالها عمرو بابتسامة مصطنعه بينما حاولت سراب وتقى الإسراع وهما تخفيان وجههما كي لا تراهما ولكن باغتتهما بقولها:
-إزيك يا متواضعه انتي وهي! خدو تعالوا رايحين فين؟
وقفتا تصران على أسنانهما غيظًا من تلك السيدة التي تنتبه لكل نملة مارة بالشارع، قالت سراب بابتسامة مصطنعة:
-آآ... إزيك يا خالتي سعيدة، رايحين الشغل عايزه حاجه؟
-شكرًا!
قالتها سعيدة بابتسامة وهي تنظر لسراب وتقى بإعجاب وهما تسيران في تؤدة، وعادت تنظر للشباب قائلة:
-بنتين زي العسل، ومعاهم فلوس أد كده، باين على لبسهم الرُقي و...
قاطعها حمحمة عامر بصوت مرتفع، ثم قوله:
-لأ يا حجه إنتِ فاهمه غلط دول شحاتين، دا لبسهم ده أصلًا من جمعية رساله.
كبح «عمرو وبدر» ضحكاتهما فلوحت لهما سعيده قبل أن تدخل لبيتها وتفسح لهما الطريق ليغادروا، فانطلقوا بعدما قال عمرو:
-يا ستير يارب، قل أعوذ برب الفلق...
وبعد فترة في إحدى المطاعم...
جلسوا في صمت بعدما فرغ بدر من الحديث، فنطقت سراب عاقدة جبينها:
-يعني إنت ابن ابن خال أمي طيب أنا أبقالك ايه بقا؟
قال بدر بابتسامة:
-مش لازم يا أنسه سراب، احنا قرايب وخلاص مفيش داعي للغبطه دي.
أومأت سراب بابتسامة وقالت:
-تمام! والمفروض نعمل ايه دلوقتي؟
رشقها عمرو بنظرة حادة وهي توجه حديثها لبدر، وقال بعبوس:
-أنا مش مقتنع بالكلام ده!
قالت سراب لاستفزاز:
-بس أنا مقتنعه، وتقى كمان مقتنعه، صح يا تقى؟
قالتها وهي تنظر لتقى، فأومات تقى بشرود، فأصر عمرو على أسنانه وأشاح وجهه للجهة الأخرى.
ران عليهم صمتٌ طفيف فقال بدر:
-انا شايف إننا نسافر لجدي.
قال عمرو:
-تسافروا فين؟ لا طبعًا مينفعش دا فيها ٨ ساعات بالقطر أقل واجب.
رد بدر:
-بس جدي عمره ما هيعرف يجي يا عمرو دا راجل عنده حوالي ٩٠ سنه.
قال عمرو بتهكم وبنبرة يشوبها الحدة:
-والمفروض إحنا بقا نسيبهم يروحوا معاك وإحنا منعرفكش أصلًا!!!
تنهد «بدر» وصمت متضجرًا من فظاظة عمرو المبالغ بها، وران عليهم الصمت حتى نطقت تقى:
-هنسافر، لازم نسافر أنا ماصدقت لقيت حد من قرايبي.
-وأنا هاجي معاكم إن شاء الله.
قالها «عامر» فتنفست تقى بارتيا.ح ولاح على شفتيها ابتسامة مطمئنة، بينما قالت سراب بجدية:
-ويمكن خالك ده يا تقى معاه حل اللغز بتاع اختفاء جدو كارم.
تجلى القلق على ملامح تقى وهي تقول:
-بس بابا عمره ما حكالي عن خالي ده!
-وجدي لما حكالي عن والدك قال إنه متوفي ووالدتك اختفت مع بنتها بعد وفاته.
قالت سراب:
-بجد حاجه تحير، أنا مبقتش فاهمه حاجه! ولا هند كمان اللي...
نهرتها تقى بنظراتها فابتلعت سراب باقي كلامها على مضض...
تبادلوا النظرات الصامتة وكان «عمرو» يرشق «بدر» بنظرات حادة وثاقبة، مما دفع بدر لقول:
-مش عارف أقنعك ازاي يا عمرو بس والله مفيش في نيتي أي حاجه وحشه ليكم.
أطلق عمرو ضحكة كالزفرة وقال ساخرًا:
-قالوا للحرامي احلف...
تدخل عامر:
-مينفعش كده يا عمرو!
هب عمرو واقفًا أخذ هاتفه من فوق الطاولة وقال بغضب:
-اعملوا اللي تعملوه، عن اذنكم.
غادر وظل عامر يناديه ليعود لكنه لم يلتفت، فقالت سراب بابتسامة:
-متزعلش منه يا بشمهندس بدر، عارف هو أصلًا جاي معانا، ولو مروحناش معاك هيروح لوحده، هو كده عصبي لكن بيخاف علينا أوي وطيب أوي والله اسألوني أنا عنه، وأراهنكم إنه هيرجع دلوقتي، وهيعتذر.
ابتسموا وجلسوا يتناولون المشروبات في صمتٍ مطبق، وما هي إلا لحظات وعاد عمرو يسحب المقعد ويجلس، تنهد بعمق ثم قال:
-بص يا بشمهندس بدر أنا بعتذرلك بس والله لو طلعت نصاب مش هرحمك و... وطلما قررتوا تروحوا يبقا أنا كمان هاجي معاكم.
ابتسم بدر بود وتقبل اعتذاره بصدر رحب، ثم قال:
-يبقا اتفقنا... نرتب نفسنا ونحجز في قطر الفجر؟
قال عامر:
-مش قبل ما حضرتك تيجي معانا يا هندسه تحكي لبابا الكلام ده ونشوفه هيقول ايه!
-مفيش مشكله، يلا بقا علطول.
خرجوا جميعًا من المكان، وكما جاءوا، سبقهما الثلاث شباب وسارت تقى جوار سراب، وإذ بغتة ينسكب عليهما طلاء أبيض كان بيد عامل على مرتفع يطلي إحدى المنشآت من الخارج، فلُطخت ملابسهما ووجهيهما، أطلقت سراب صرخة خافتة وهي تقول:
-منك لله يا خالتي حسوده أنا كنت عارفه إننا مش هنرجع البيت إلا لما يحصل حاجه...
ارتفعت صلاة العصر من مسجد مجاور فدخلتا لمسجد السيدات، قابلتهما سيدة أربعينية يبدو عليها الوقار والإحترام، قالت:
-لا حول ولا قوة إلا بالله، إيه اللي عمل فيكم كده يا حبايب قلبي.
-النصيب يا طنط...
قالتها «تقى» بنبرة حزينة، فقالت السيدة:
-معلش يا حبايبي كل قضاء ربنا خير، ويمكن ربنا بعتكم في الوقت ده هنا عشان أتعرف على بنتين زي القمر زيكم، إنتوا شبه بناتي الله يرحمهم أوي.
تحدثتا مع السيدة وأخذت تحكي لهما عن بعض مآساتها في فقد بناتها الأربع في حادث سير وتعاطفتا معها، ساعدتهما في مسح الطلاء عن وجهيهم.ا ثم قالت:
-طيب هاتوا شنطكم دي وأنا هروح أصلي وأحطها قدامي على ما تغسلوا كويس.
اطمئنت لها تقى فخلعت حقيبتها وأعطتها لها كي لا تُسرق، وفعلت سراب مثلها ووقفتا تمسحان ملابسهما وتقى تقول:
-بجد ست طيبه جدًا ربنا يصبرها...
-فعلًا الحياة مليانه مآسي.
وحين خرجتا من المرحاض كان الإمام يُسلم بعد الإنتهاء من فريضة العصر، طافتا بنظراتهما على وجوه السيدات باحثتان عن السيدة فلم يجدنها، نظرت إحداهما للأخرى ورددوا بنفس اللحظة:
-احنا اتسرقنا!
هرولتا تبحثان عن أحذيتهما فلم تجدنها أيضًا، نظرتا لبعضهما وقالت تقى:
-دي خدت الجزمه بالشراب! يا نهار أزرق! هنرجع البيت ازاي!
قالت سراب بانفعال:
-هي عينيها والله العظيم عينيها خالتك حسوده دي ربنا ينتقم منها.
★★★★★
خرجتا من الدرس، متوجهتان إلى محل النظارات لتأخذ رغدة نظارتها، فهي تكره تلك العدسات الاصقة، قالت رغدة:
-أنا نفسي أشوف بدر اللي قابلته امبارح ده.
-أنا شوفته قبل كده.
-شبه عمرو صح؟
-ولا فيه اي شبه منه.
دخلتا للمحل فارتدت رغده نظارتها وقالت:
-أيوه كده أنا كنت حاسه إني قرعه.
ضحكت «رحمه» ووتلاشت ضحكاتها حين تذكرت مكالمة «نادر»بالأمس ورسائلهما عبر تطبيق الواتساب، وكيف نسيت تغيير صورتها التي تضعها على تطبيق الواتساب، لا ريب أنها رآها وهي لا تحب ذلك! فالصورة تُظهر ملامحها بدقة عالية...
وما يحيرها أنه دعاها للخروج معه اليوم، وقد تبقى ربع ساعة على موعد لقائهما ولم تأخذ قرارها بعد، انتشلها من حيرتها قول رغدة:
-ما تيجي نروح عند عمو دياب شويه عمتو وئام وعمتو هيام هناك النهارده ومعرفتش أقعد معاهم امبارح.
-مين امته ده! مش إنتِ عندك كُتب يابنتي عايزه تقريها.
قالتها رحمه بابتسامة ساخرة، ونظرات متفهمة فهي تريد رؤية بدر، فردت رغدة بنبرة يشوبها الاضطراب:
-الكتب هتروح فين يعني، آآ... أنا عايزه أكسـ ـر الروتين وأغير جو.
-لأ أنا عندي مشوار، هروح الجمعيه و... واحتمال المصنع.
قالتها رحمه بنبرة مرتعشة أرادت أن تراوغ أختها فهي ستلتقي بنادر، ستقابل شابًا لأول مرة بحياتها فقالت رغدة بفراسة:
-إنتِ مش عاجباني من امبارح على فكره.
-مفيش حاجه يابنتي، يلا طريقنا انتهى هنا أشوفك في البيت.
قالتها رحمه وغادرت...
وقفت رغده مكانها تفكر في أختها، ثم شق سحابة أفكارها صوت «بدر» وما حدث بالأمس فلاح على شفتيها ابتسامة واسعة وهي تنطق بخفوت:
-بدر! حلو الاسم.
أطلقت تنهيدة طويله قبل أن تكمل طريقها قاصدة بيت دياب...
بقلم آيه شاكر
استغفروا🌸
★★★★★★
وفي بيت دياب...
في غرفة المعيشة جلس دياب حوله عمرو وعامر وبدر، ينصت لحديث بدر، حتى قال بدر:
-دي كل الحكاية يا عمي دياب، حضرتك إيه رأيك؟
-والله يابني أنا مش بكذبك بس يعني البنتين هيروحوا معاك لوحدهم!
-عمرو وعامر هيجوا معانا.
قالها بدر، فنطق دياب بانفعال:
-عامر لأ، عمرو ورائد يروحوا معاك.
-ليه يا بابا!
قالها عامر بصدمة، فقال دياب بحسم:
-هو كده واحد فيكوا هيروح مع رائد، إنما إنتوا الاتنين لأ...
قال عامر:
-تمام يبقا عمرو اللي يقعد!
-إيه ده! لا أنا رايح طبعًا.
قالها عمرو بحدة فصمت دياب هنيهه وبدل نظراته بينهم ثم قال بحسم:
-واحد بس اللي هيروح مع رائد، انتهى الجدال.
انشغل بدر بالحديث مع دياب بينما لكز عمرو كتف عامر بحدة وانحنى نحوه يخاطبه بهمس:
-عمرو مين اللي يقعد، أنا هروح، اقعد إنت عشان اختراعك!
-ملكش دعوه باختراعي أنا هروح يعني هروح
حاول عمرو إقناعه بقوله:
-عامر يا حبيبي إنت مش حمل سفر، وبعدين لو افترضنا إن بدر طلع نصاب إنت مش هقدر تدافع عن البنتين أما أنا...
أشار لعضلاته وأردف:
-عندي إمكانياتي!
نفخ عامر بضجر وقال بحسم:
-أنا رايح يعني رايح...
لكنه عمرو بعنـ ـف وأنهى حوارهما نهوض «بدر» وهو يستأذن ليغادر فقال دياب:
-رايح فين يابني الغدا اتحط والله ما هتمشي من غير ما تتغدى.
-والله أنا شبعان آآ، أصل مش بتغدى دلوقتي.
قالها بدر بارتباك، فقال دياب:
-مش هتمشي قبل ما تتغدى قولًا واحدًا.
اضطر «بدر» أن ينتظر، بينما كان عمرو وعامر يتهامسان ويتجادلان...
من ناحية أخرى
ما أن دخلت رغدة للبيت وسمعت صوته يتحدث مع جدها دياب بشت وابتهجت، حاولت رؤية وجهه لكنها لم تفلح، واخذت تسأل كل فترة سؤالًا عنه حتى ألمت ببعض التفاصيل، اتسعت ابتسامتها وهي تردد بهمس:
-أخيرًا لقيت فارس أحلامي.
كانت «شيرين» تعد الغداأ ومعها وئام وهيام ونداء، فأخذت رغدة أطباق فارغة وملاعق عديدة واتجهت تضعها على المائدة وهي تشرئب بنظراتها لتراه، قالت نداء:
-إيه الأطباق والمعالق دي كلها يا رغده؟
-هه! مش محتاجنهم دول؟!
حملت «نداء» الأطباق وهي تقول:
-تعالي يا رغده ربنا يهديك.
كبحت «رغدة» ضحكتها وسارت جوار نداء تسألها:
-أبله نداء هو إنتِ متعرفيش عنده كم سنه؟
-مين؟
-احم... بدر!
قالتها رغدة، فزمت نداء جفونها وقالت بمكر:
-إنتِ مالك مهتمه بيه ليه كده!
-فضول مش أكتر!
-فضول!!! روحي يابا ذاكري، واحترمي نفسك شويه! كبير عليكِ يا رغدة فاتلمي.
تجهمت رغدة وكانت «هيام» تستمع لهما وما أن انصرفت نداء، همست لها:
-في العشرينات يا بت تقريبًا من سن عمرو وعامر.
-طيب متعرفيش شغال ايه يا عمتو؟
-لا بس هو خريج هندسة.
وقفت «رغدة» تبتسم ويطل من عينيها قلوب حمراء وتشعر بالورود تتناثر فوق رأسها وهي تردد بنبرة حالمة:
-حلو أوي أوي، أخيرًا لقيت فارس أحلامي.
باغتها ضربة على قفاها انتشلتها من خيالها وأحلامها الوردية، وكانت «وئام» التي سمعت عبارتها فقالت بأعين جاحظة:
-اتأدبي يا بت! عندك كم سنه عشان تفكري في فارس أحلامك دلوقتي! إنتِ لسه عيله مفعوصه لسه خالعه البامبرز من يومين!
-لا بقا أنا مش صغيره يا عمتو! وبعدين أنا قرأت روايه البطله اتجوزت وهي عندها ١٥ سنه عادي!
قلبت وئام كفيها بحسرة وهي تردد:
-يادي الروايات اللي واكله دماغ الجيل كله! امشي يا بت روحي احفظي، هو إنتوا مش ميعاد درس القرآن بتاعكم الليله؟
-أيوه بس يعني...
هدرت بها وئام:
-مفيش بس... يلا روحي احفظي... عارفه لو غلطتِ غلطه واحده هعلقك من نظارتك دي يا رغده وابقي خلي بقا فارس أحلامك ينقذك مني!
قالتها وئام وانصرفت فهي معلمة قرآن تُدرس لفتيات العائلة أحكامه وتلاوته...
ولما اطمئنت رغدة أنها انصرفت، اشرئبت برأسها لترى وجه «بدر» فعادت وئام وجذبتها من ملابسها كاللص، فضحكت رغدة وهي تقول:
-حاضر بقا إيه ده!
بقلم آيه شاكر
★★★★★
وعلى الصعيد الأخر
حين رآها «نادر» تدلف من باب المطعم ابتسم بخبث ونهض واقفًا، وحين رأت نظراته المسلطة عليها تعثرت في خطاها وأخذت تعدل من حقيبتها باضطراب، حتى وقفت قبالته مد يده ليصافحها فجلست وتذبذبت نظراتها وهي تقول:
-آسفه بس مش بسلم على...
ابتلعت باقي كلماتها حين أومئ برأسه متفهمًا ثم قال:
-ولا يهمك، إنتِ بنت محترمه ومؤدبه.
ران عليهما الصمت حتى قال:
-هاااا طمنيني عليكِ وعلى أختك! كان اسمها رغده باين؟
-آآ... أيوه رغده.
التفتت رحمه حولها ثم أطرقت بحياء، وكان نادر يتابع حركاتها التي ذكرته بنفسه قبل أن يصبح جامد القلب بارد المشاعر ولا يُفكر إلا بنفسه! اشتاق للماضي ولراحة البال التي كان يشعر بها حين يقرأ القرآن ويتدبر معنى آياته مع عمرو وعامر وآدم الذي سافر قبل عدة أعوام، ليت الماضي يعود أو بعود هو إليه.
أشفق على «رحمه» وما خططه لها هو وهند! فقد كانت صيد سهلًا ناله ببراعة، لاحظ اضطرابها فقد كان يُحدق بها شاردًا، حمحم وقال:
-طيب تشربي ايه؟
-ملهوش لزمه أنا همشي علطول... هو حضرتك كنت عايزني في ايه؟
-وحشتيني فقولت أقابلك وأتكلم معاكِ، أنا محدش فاهمني خالص يا رحمه.
-مش لما حضرتك تفهم نفسك الأول!
اخترقت كلمتها شغاف قلبه وظلت تتردد برأسه، حقًا هو لا يفهم نفسه فكيف ينتظر أن يفهمه الآخرين.
وعلى حين فجأة سحبت فتاة منتقبة مقعد جوارهما وجلست ثم ألقت السلام وقالت:
-امممم.... كملوا كلام ولا كأني موجوده!
قال نادر بغلظة وحدة:
-إيه قلة الذوق دي، إنتِ مين؟
-مش مهم أنا مين خلينا ندخل في الموضوع علطول، اتفرجوا...
أخذت رحمه الهاتف من يدها وطرق الخوف غرفات قلبها، وزلزل أركانه وهي تحدق بالشاشة بأعين جاحظة، نطقت رحمة بنبرة متحشرجة:
-إيه ده! مش أنا والله، دي مش أنا!
حاول نادر أخذ الهاتف من يد رحمه فأغلقته حياءًا أن يرى صورتها مركبة على جسد فتاة تنزع ملابسها، سحبت المنتقبة الهاتف من يد رحمة وقالت:
-دا فيديو للقمر اللي قاعده قصادك بتتجرد من ثيابها قدام الكاميرا، ومتحاولش تتهور وتعمل دكر عشان الفيديو ده مع حد تاني وان حصل أي حاجه هينزله واثبتوا بقا إن مش إنتِ.
-إنتِ عايزه مني إيه؟
قالت بنبرة باردة:
-متخافوش محدش شاف الفيديو ده غيري، وإن نفذتوا كلامي اعتبروا مفيش حاجه حصلت، منفذتوش بقا إنتوا أحرار...
-عايزه فلوس؟
قالها نادر بحدة، فردت الفتاة بنبرة باردة:
-لأ... عايزه حاجه بسيطة جدًا وسهله جدًا.
أطل من عيني رحمه نظرات ضعف وهي تنظر لنادر وكانت الدموع تبرق في عينيها وتقف على عتبة جفونها، فطمئنها نادر بنظراته، وقال للفتاة:
-هنعملك اللي إنتِ عايزاه بس تمسحي الفيديو ده حالًا.
قالت بحدة مغلفة بالحزم:
-مش قبل ما تنفذوا اللي هقوله.
***********
قُبيل المغرب وقد أوشكت الشمس أن تغيب وفي بيت دياب أضناهم القلق على تقى وسراب فقد طلبوهما على الهاتف كثيرًا والهاتف خارج النطاق..
صفع الخوف قلب عمرو خشى أن تختفيان فجأة كما حدث مع كارم، وكان عامر يقف بالشرفة ينتظر ظهورهما بل صعد وطرق بابهما أكثر من مرة ولا مجيب، فخرج عمرو وعامر ومعهما بدر يتجولون بالطرقات باحثين عنهما حتى أظلمت السماء ولا أثر لهما...
*********
"قصدتك من كل الجهات مناديًا، أجرني من القيد الذي شد معصمي، أعدني لنفسي كم تغربت حائرًا، أحن لضوء في سماءك منعمي."
كان صوت المبتهل يصدح بتلك الكلمات قبل أذان العشاء، ورحمة تقف قبالة المسجد، فمن فترة طويلة وهي تسير بالشوارع هائمة ترى الطريق من خلف غشاوة دموعها التي تمسحها بأناملها الرقيقة كل فترة، تفكر فيما طلبته تلك الفتاة، وتؤنب نفسها، تُراه عقـ ـاب لها لأنها وافقت على تلك المقابلة مع نادر ام لأنها أعطته رقمها! ليتها لم تفعل من البداية...
ومن ناحية أخرى
في صمتٍ مطبق غشيهما وهما تجلسان بالمسجد تستندان على أحد الأعمدة، قطعت سراب الصمت بقولها:
-هنفضل قاعدين كده لحد امته؟!
-معرفش يا سراب، الفلوس راحت والموبايلات راحت والجزم راحت...
قالتها تقى بنظرة فارغة ووجه خالٍ من التعابير، فعلقت سراب بحسرة:
-حتى الشراب راح.
طالعتها تقى في صمت دام هنيهة قبل أن تقول:
-مش حافظه رقم أي حد؟
أطبقت سراب شفتيها وهزت عنقها نافية، فقالت تقى بعد تنهيدة حارة:
-وأنا مش حافظة إلا رقم بابا!
وكانت تحبس الدموع داخل مقلتيها وما أن نطقت لفظ «بابا» تشنج فمها وبكيت بحرقة، فشاركتها سراب وضمتها تربت على ظهرها وتلمس قلبها برفق بكلماتٍ يزينها الرضا ويغلفها الصبى لتواسي نفسها قبل أن تواسيها...
نطقت تقى بتذلل وتضرع وهي تنظر لأعلى:
-يارب...
وفي تلك اللحظة لاح لهما من بعيد وجه «رحمه» وهي تدخل المسجد فنظرتا لبعضهما ونهضتا متوجهتان إليها، وسراب تلوح لها بابتسامة متهللة، وتناديها:
-رحمه!
انتفضت «رحمة» حين سمعت صوت سراب، للحظة شعرت أنها قد هُيئ لها ولكن حين ضمتها سراب أيقنت أنها حقيقة! هي قبالتها الآن! هل تخبرها بما حدث أم تفعل ما أمرتها به تلك الفتاة لتُخلص حالها من القيد الذي عقد حول جيدها على حين غفلة...
كانت شاردة ترى حركات فمهما بالكلمات ولا تفهم لما يقولون معنى، مغيبة تفكر في حالها وما آلت إليه حياتها بغتة...
انتشلها من خضم أفكارها صوت تقى:
-يا رحمه! إنتِ معانا ولا مش معانا؟
-هه! أيوه هنا معاكم!
نظرت لملابسهما الملطخة ببعض الطلاء وقالت:
-إيه اللي حصلكم؟
حكيت لها سراب ما حدث في عُجالة ثم قالت:
-أنا شايفه إننا منضيعش وقت أكتر من كده هنلبس شبشب من بتاع الحمام ورحمه تركبنا تاكسي لحد البيت.
-تمام ماشي!
قالتها رحمه وخرجتا من المسجد وحذاء قدميهما يتناسب مع ملابسهم التي بدت وكأنها ملابس متسولين...
وصلن للشارع وارتجلن من سيارة الأجرة أمام البناية تزامنًا مع وصول عمرو وعامر وبدر للبيت، وكانت سراب تحاول اخفاء وجهها بيدها، وقف عمرو قبالتهن وقال بحدة:
-كنتوا فين كل ده! إنتوا عارفين لفينا عليكوا أد إيه!
قالت تقى بنبرة حزينة وهي تشير لملابسها:
-اتسرقنا و...
وقالت سراب وهي تكشف عن حذائها المهترأ:
-كنا مستنين الدنيا تضلم عشان نعرف ندخل الشارع.
قالت تقى بجدية:
-إن شاء الله هنسافر بكره عايزه أقابل خالي في أقرب وقت ممكن.
**********
صعدت «رحمه» معهما للشقة ورحبت بها سراب، كانت سراب تضحك وتداعبها رغم ما يعتمل به صدرها، استأذنتهما رحمه ودخلت للمرحاض أخرجت من حقيبتها شيئًا بحجم عقلة الإصبع وتأملت أركان المرحاض ثم عادت تدسه في حقيبتها ودموعها تنهمر ويداها ترتجفان...
هدأت من روعها وغسلت وجهها ثم خرجت، دخلت للمطبخ وتأملت أركانه وهي تلتفت حولها كاللص، وبعد فترة خرجت رحمة من شقتهما وضميرها يؤنبها لكن حين قرأت رسالة نادر أن الفيديو قد حُذف وانتهى الأمر تنفست بارتياح وحاولت تناسي الأمر وكأنه لم يكن وكأنها لم تفعل شيئًا...
★★★★★★
في عزبة البدري
ألقى الليل وشاحه المعتم فغطى الأفق وسكن الجو، وخفتت الأضواء وهدأت الأصوات...
جلس البدري في قصرة الضخم يتدثر برداءٍ ثقيل، يتذكر أخته وأيامهما معًا وكانت السعادة تُطل من عينيه، فمذ أخبره بدر بقدومه مع ابنة أخته صباح «تقى» وهو يتمنى أن تطوى الأرض تحت أقدامهم ويراهم أمامه الآن، كان يعُد الساعات والدقائق حتى غلبه النعاس وهو جالس، مرت الليلة ساجية وتلاها مرور نهار ثقيل على قلبه يمر بين الحقول وهو يستند على عصاه كان ينتظر ظهور حفيده بشوق ولهفة، يريد أن يعلم ماذا فعلت الأيام بأخته وما سر اختفائها المباغت.
أوشكت الشمس أن تغادر السماء، فترقب ودق قلبه بهجة، خاصة حين لاح له من بعيد طيف خمسة أشخاص يدخلون من بوابة العزبة...
قال عمرو وهو يلتفت حوله:
-المكان رغم إنه ممكن يكون مريب شويه إلا إنه جميل، خضره من كل اتجاه وحياة هادئه بعيد عن دوشة المدن...
تدخل عامر وهو يُعدل من حقيبة ظهره قائلًا بنزق:
-وقال كنت عايز تيجي وتسيبني.
-كنت خايف عليك يا عموره.
قالها عمرو مازحًا، ثم أضاف:
-نفسي أعرف أقنعت بابا إنك تيجي بدل رائد إزاي؟!
رفع «عامر» ذقنه لأعلى وقال بغرور:
-متفكرش إن إنت لوحدك اللي عندك إمكانيات فيه ناس عندها إمكانيات لا تُرى تُحس فقط.
ضحك الثلاث شباب، بينما كانت تقى تقبض على يد سراب وتسيران خلفهما بتوجس وهما يتجهان نحو القصر، نظر لهما عمرو وحين لمح أثر الخوف على وجههما، أبطأ خطاه حتى استقر جوار سراب وقال:
-قلقانه ليه؟
هزت سراب رأسها نافية، أن لا شيء، نظر لهما عامر ثم أخرج الرباط المعهود فعقدته تقى حول يدها وسارا متجاورين كانت تقى يمين سراب بينما كان عمرو على يسارها وبدر أمامهم...
قضوا يوم شاق في السفر، كانت سراب نائمة معظم الطريق، غاطاها عمرو بسترته الشتوية التي ارتدتها بعد نزولها من القطار، أما تقى فلم يغفل لها جفن كانت تفكر في خالها الذي ظهر فجأة...
لازال صوت اصطكاك عجلات القطار بالقضبان يدوى بآذانهم جميعًا، تبادلوا النظرات آملين أن يجدوا حلًا للغز اختفاء كارم، أو يجدوا كارم نفسه!
كان الفلاحون يخرجون من أراضيهم وكلما مر بدر على أحد كان يحيه باحترام وحبور، ويرد بدر بابتسامة عذبة، حتى وصلوا للقصر، وقفت سراب تلتفت حولها بقلق بالغ، وقالت بنبرة مرتعشة:
-المكان ده والبيت من بره عامل زي أفلام الرعب!
قال عمرو:
-متخوفيناش بقا إنتِ كمان إحنا داخلين على الليل.
دخلو للبيت أو بالأحرى القصر، كانوا يلتفتون حولهم باعجاب، فقد نقشت على الجدران كلمات لامعة، ويحوي أثاث فاخر، وتلك الثريا البلورية التي تتدلى من السقف بدت رائعة المنظر، وتبدو باهظة الثمن...
استقبلهم العجوز بترحاب وقفت سراب خلف عمرو فرمقها ثم نظر للعجوز المبتسم، بينما وقف عامر أمام تقى، اقترب بدر يقبل يد جده بحنو واحترام ثم قال:
-إزيك يا جدي؟ وحشتني أوي يا حبيبي.
-حبيب قلبي يا بدر يا غالي على جدك يا نور عين جدك.
قالها الجد بحبور، وهو يقبل كتفي بدر وكأنه عاد ظافرًا من إحدى المعارك، حمحم بدر وقال:
-تعالي يا أنسه تقى سلمي على خالك.
لم تحرك تقى ساكنًا، وقفت وكأن قدميها التصقتا بالأرض، بينما طاف العجوز بنظراته عليهم فاشرئبت سراب من خلف كتف عمرو لتنظر إليه، سلط العجوز نظراته على سراب وبرقت عيناه بالدموع وهو ينطق بأنفاس متحشرجة:
-صباح! البت دي كلها صباح!
قبضت سراب على يد تقى وقالت بنبرة مرتعشة:
-أنا خايفه وعايزه أمشي.
ربتت تقى على يدها وقالت:
-اهدي...
ثم جذبتها من يدها للأمام، حتى وقفت أمام العجوز الذي باغتته الدموع وقالت بابتسامة مرتعشة:
-آآ... أنا تقى بنت صباح الله يرحمها ودي سراب بنت أختي الله يرحمها!
كان «بدر» يحاوط كتفي جده بذراعيه، وجده يستند على ذراعه الأخر...
قال الجد بحشرجة:
-كنتوا فين يابنتي السنين دي كلها!
-كـ... كنا في الدقهلية، مع بابا كارم، عشنا معاه ٢٠ سنه عمره ما جابلنا سيرة عن حضرتك!
قالتها تقى، فقال الجد بذهول:
-كارم!!! كارم مين؟ كارم ميت يابنتي بقاله ٢٠ سنه! دا أنا حاضر عزاه بنفسي...
نقل الجد بصره بينهم ثم توقف على وجه سراب وقال:
-لولا الشبه الكبير بين البت دي وصباح اختي كنت قولت لا مش انتوا.
قالت تقى برجاء:
-انا جايه وكلي أمل ألاقي عندك حل اللغز ده، أنا مش فاهمه حاجه و... إحنا تعبنا أوي...
جلس الجد على المقعد وقال:
-لأ احنا لازمنا قعده طويله تحكولي واحكيلكم... بس لازم ترتاحوا من السفر الأول.
قالت سراب:
-مش وقت راحه خالص أنا محتاجه أفهم...
-هنتحدث يا بنتي بس مش قبل ما ناكل لقمه...
وبعد فترة بعدما تناولوا الطعام، وتعرف البدري على عمرو وعامر، جلسوا جميعًا يشربون الشاي ويتبادلون النظرات في صمت مهيب، قطعه البدري بقوله:
-هو إنتوا متأكدين إن اللي كان معاكم ده كان كارم؟
-أيوه والدليل إنه نفس الشخص اللي في الصورة!
قالتها تقى بثقة، فصمت البدري طويلًا حتى ظنوا أنه لن يتحدث، لكنه نطق:
-أعتقد حل اللغز ده عند حسين! عمك حسين يا تقى.
أطلقت تقى ضحكة كالزفرة وقالت ساخرة:
-هو أنا كمان ليا عم!
-لا ومش عم واحد دول ثلاثه!
قال بدر:
-وفين عمها ده يا جدي نوصله ازاي؟
-حسين اللبان، دا من أشهر المقاولين في القاهرة.
شخُص بصر سراب ونطقت بصدمة عارمة:
-دا أبويا! أنا اسمي سراب حسين اللبان.
لم يزدهم لقاء البدري إلا حيرة فوق حيرتهم، تسائلت سراب كيف عم والدتها هو نفسه والدها!
انتهى الحديث بقرارهم الذهاب للقاهرة في الصباح الباكر، فيجب أن يلتقون بحسين، ولا بد أن يُحل هذا اللغز في أقرب وقت، لقد طفح الكيل...
وفي تلك اللحظة، ارتفع رنين جرس الباب، وحين فتح أحد الخدم ظهر باسل الذي دخل للبيت، فجحظت عيني سراب، وهي تشير باصبعها عليه وتردد:
-باسل!
ولاهم باسل ظهره وكاد يغادر من هول صدمته.
تكملة الرواية بعد قليل
جاري كتابة الفصل الجديد للروايه حصريا لقصر الروايات اترك تعليق ليصلك كل جديد أو عاود زيارتنا الليله
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا