القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية الحصان والبيدق(الجزء الثاني من رواية" بكِ أحيا") الفصل 11-12-13-14-15بقلم ناهد خالد

 

رواية الحصان والبيدق(الجزء الثاني من رواية" بكِ أحيا") الفصل 11-12-13-14-15بقلم ناهد خالد




رواية الحصان والبيدق(الجزء الثاني من رواية" بكِ أحيا") الفصل 11-12-13-14-15بقلم ناهد خالد


الفصل الحادي عشر "فتيات بائسات ٣"


رد فعله لم تستطع توقعه ابدًا، اسيتقبل حديثها ويتفهمه؟ أم يثور رافضًا رغبتها؟ ام سيتطور الوضع لِمَ هو أسوء!


ولكن ما لم تتوقعه هو جملته القاتلة حين ابتسم لها بغيظ وهو يقول بتهكم:


_ ليه! خايفه من ايه يابت عمتي!؟ ولا تكونش جعدتك في مصر بوظت اخلاجك وخايفة تتفضحي؟


اتسعت عيناها غير مصدقة ما تسمعه منه، انه يتهمها بأبشع تهمة قد تتلقاها فتاة! وما بالك أنها من الشخص الذي لطالما احبته وتمنته، ومتى.. في ليلة زفافها؟ كل هذا لأنها تطلب بعض الوقت!!


_ بوظت اخلاجي! انا مخيفاش من حاجة، ولو فكري في اللي بتجوله مكنتش طلبت شوية وجت.. كنت هربت جبل الجوازة ما تم، لكن انا جدامك اهو، لو الحكاية كيف مابتجول ما هييجي يوم وكل حاجة هتبان هطلب مهلة اعمل بيها ايه؟


ببرود تام كان يخبرها:


_  يمكن ملحجتيش تهربي وعاوزه وجت، بس ريحي حالك خروجك من الدار دي بعد دخولك ليها هيكونك بموتك. 


حركت رأسها باستنكار تام وكادت تقول شيء لكنها تراجعت بهِ، فيبدو انه لا فائدة من الحديث معه، لتنهض متجهة للخزانة لتأخذ عباءة منزلية مريحة، ومرت من جواره دالفة للمرحاض دون أن تعقب على حديثه، لتسمع صوته يخبرها قبل إغلاقها للباب:


_ جهزي حالك، عشان ولا كأني سمعت حاجة.


توقفت تنظر له بغيظ وقالت قبل أن تغلق الباب بضيق:


_ وانا جولت اللي عندي، مش بالغصب دي كمان! 


قضت فترة في المرحاض تستحم بماء دافئ يزيل عنها ارهاق اليوم وشدة اعصابها من الحديث معه، وبدلت ثيابها لعباءة منزلية بنصف كم زرقاء اللون، مُقررة أن تتحفظ فيما ترتديه حتى تعتاد على وجوده في حياتها، حتى أنها بالكاد استطاعت أن تترك حجابها وتأخذ خطوة الخروج أمامه بدونه، فكانت تشعر بخجل لا تعلم هل هو طبيعي ام أنها تبالغ! 


كان يغلي كالمرجل الساخن، منذ دلفت للمرحاض وبدل ثيابه هو الآخر لجلباب مريح بنصف كم من اللون البيج الفاتح، حتى لم يتخلى عن قطع الغرفة ذهابًا وإيابًا، وجملتها الأخيرة تتردد في ذهنه بلا توقف، كأنها تتحداه.. وهي بالفعل هكذا، هل تقف أمامه ندًا لند من أول يوم! وتخبره أنها قالت ما لديها، إذًا فليحترق هو!! 


ولكن لا، لن ينولها ما تصبو إليه، فإن كانت تريد فرض شخصيتها، لن يعطيها الفرصة، وإن كانت تحلم بأن تحلق بجناحيها فوقه سيكسرهما لتسقط على جذور رقبتها، سيضع من اللحظة القواعد التي ستسير عليها حياتهما، سيريها من هنا له الكلمة الأولى والأخيرة، من له الكلمة العُليا، فكثيرًا ما سمع أن ليلة الزفاف هي من تحدد النحو الذي تسير عليهِ الحياة فيما بعد، ويبدو أنهم كانوا على حق. 


خرجت من المرحاض لتجده جالسًا على حافة الفراش متأهب.. لشيء ما تجهله لكن ظهر تأهبه جليًا.. فغزى القلق قلبها وشعرت بسوء القادم، لكنها حاولت التجاهل. 


_ البسي خلجاتك "هدوم" وحجابك. 


قطبت حاجبيها بعدم فهم تسأله:


_ البس حجابي ليه؟ 


وبملامح باردة كان يخبرها:


_ هرجعك لأمك. 


جحظت عيناها وفغر فاهها بصدمة، لم تتوقع رد فعله هذه! والدتها، انه الشيء الأسوء على الإطلاق الذي قد يحدث الأن، حركت رأسها نافية بزعر حقيقي وهي تقول:


_ أمي ايه! أنتَ خابر لو رجعتني ليها دلوجتي هتفكر فيا كيف! 


نهض مقتربًا منها بخطى هادئة، حتى وقف أمامها تمامًا ليخبرها بابتسامة باردة:


_ خابر، ولو سألتني عن شكوكها، هوكد لها اللي شاكة فيه وهجولها اني اتخدعت في بتها. 


فُلتت اعصابها وهي تصرخ بهِ بغضب:


_ ايه كل ده! عشان طلبت تديني وجتي تظلمني وتيجي عليا اكده! مش شايف انك مكبر الموضوع جوي وممسخه. 


_ أنتِ بتخرجي عن طوعي من اول ليلة، وأنا المَرة اللي كيفك متلزمنيش، بعدين ظلم ايه، ده انا لو شيعتك لامك دلوجتي وجولتلها إنك مانعة نفسك عني هتجيب خبرك. 


اهتز جسدها خوفًا من تخيل الأمر، هي تعلم حقيقة قوله، والدتها لن تتهاون ولن تتفهم وضعها، وستلاقي منها الأسوء.. 


_ بطل معيلة يا ابراهيم وخليك راجل متفهم ومخه كبير، مطلبتش حاجة اكتر من كام يوم اتعود عليك فيهم. 


لحظة صمت بعد قولها، قطعها شهقة قوية خرجت منها حين قبضت كفه على عنقها واصطدم جسدها بالحائط، وعيناه التي تلونت بحمرة الغضب تنظر لها بقوة، ولسانه يردد:


_ معيلة! انا عيل! جطع لسانك ولسان اللي خلفوكِ جبل ما تطوليه عليا، واضح إنك متعرفيش الأدب ولا كيف تتحدتي مع جوزك، بس انا بجى والله في سماه لاخليكِ تعرفي ان الله حج، لاخليكِ تتنفضي من مترحك اول ما تلمحي ضلي بس... انا ميعجبنيش الحال المايل وبعدله، واللي يستعصي عليا عدله بكسره.. فـــاهمـــة؟! 


حركت رأسها ايجابًا برعب وكفيها يقبضان على كفه تحاول تحرير رقبتها منه، ولم تستطع إلا حين لفظها هو بقسوة فشهقت شهقة الحياة، وادمعت عيناها بقوة غير مصدقة انه تركها اخيرًا فلقد كادت تلفظ انفاسها الأخيرة. 


_ وجهزي نفسك لجوزك يلا، بدل الجلبية اللي لبساها كأنك جاعدة مع اخوكي دي. 


نظرت له مذعورة، واستندت على السراحة بضعف ومازال كفها يمسد رقبتها التي تؤلمها، وكادت تتحدث  لكنه قاطعها بقسوة وهو يقول:


_ وكلمة اعتراض واحده وهاخدك ارميكِ لامك تسوي فيكِ ما بدالها. 


وابتلعت حديثها مع ابتلاع ريقها المصحوبة بغصة قاتلة.. فوالدتها، مصدر امانها وحمايتها هي من تُهدد بها؟ هي من تركض منها، تختار جانب الذئب على أن تختار جانبها، بمن تحتمي إذًا؟! 


وللمرة الثالثة تُساق لطريق مجبرة، للمرة الثالثة لم تفعل ما تريده او تختاره، اولها تركها لدراستها، وثانيها زواجها في هذا الوقت، وثالثها قبولها باتمام زواجها رغم.. رفضها، خوفها، وشعور القهر الذي تخلل كل جزء بها. 


لم تكن التجربة كما يجب ان تكون.. لم تكن ذكرى سعيدة، ولا شعور جيد، ولا ليلة مميزة حتى.. بل كان كل شيء نقيضة. 


دموعها لم تتركها، وهو لم يبالي.. لم تبادله اي شيء لا معنوي ولا حسي، وهو لم يبالي.. تنهيدة القهرة التي كانت تخرج من حين لاخر تحرق صدرها لم يشعر بها، شعورها بالانكسار بعدما انتهى كل شيء واعطاها ظهره بعد جملة سامة الاقاها على مسامعها " رحمتِ نفسك باللي كنت ناوي عليه لو كان شكي طلع صح"، لآخر لحظة كان يشك بها! احتاج لدليل كي يمحي شكه! 


اعطته ظهرها هي الأخرى تلملم الغطاء عليها ومعه تلملم ما يمكنها جمعه من مشاعرها ونفسها، وكرامتها المهدورة.. كرهت كل شيء حدث، اغمضت عيناها بقوة كي لا يعاد اي مشهد في ذاكرتها ولا أمام عيناها.. نزلت دموعها تؤنس وحشتها وهمست بداخلها عاجزة كطفل صغير تائه بكلمة واحدة  "يــــارب"... 


"يــــارب" حين يعجز لساننا عن قول المزيد، حين يعجز عن البوح بالمكنون، عن البوح بالمطلوب وبما يعتمر دواخلنا.. نكتفي بها ليكن عونًا، وعلى يقين انه يدرك ما نريد قوله وايصاله.. فنكتفي بها لتريح قلبنا وتشعرنا بالسكينة. 


    ______________

اقنعت نفسها اخيرًا بأنها لا تفعل خطأ، هو زوجها، ومن حقه أن تتعامل معه بحريه اكبر، من ابسط حقوقه ان يراها بدون حجاب وبثياب اكثر تفتحًا عما ترتديه، كل هذا اقنعت ذاتها بهِ لتخرج اخيرًا، بشعرها بعد ان جعلته حرًا خلفها، وغيرت ثيابها لبيجامة اخرى باكمام تصل للكوع فقط، بلونها الأصفر الذاهي، مرتدية خف منزلي من اللون الأبيض، وخرجت تسير في طرقة الغرف بوجه يكاد ينفجر من كثرة التوتر، لكنها وقفت ما ان وصلت لغرفة "ليلى" واستمعت لصوتها ينادي على من يمر بالطرقة..


_ أنتَ ياللي بره..


دقت على الباب اولاً تنبه للدخول، ثم دلفت وهي تقف امامها تراها على ضوء خافت يأتي من "الاباجورة" المجاورة للفراش.


_ نعم يا طنط محتاجة حاجة؟


نظرت لها "ليلى" بتفحص قبل أن تجيب وتسأل في الوقت ذاته:


_ كنت عاوزه حد يجبلي ماية، الماية اللي عندي خلصت، أنتِ كنتِ رايحة فين كده؟


فركت كفيها بتوتر حاولت اخفاءه وهي تجيبها:


_ انا... هو مراد.. يعني كان حابب يقعد في الجنينة شوية، مش جيلنا نوم دلوقتي، فقالي انزل اقعد معاه. 


نظراتها لم تكن مريحة، وتهجم وجهها على الضوء الخافت دب القلق في قلب خديجة، التي تصنمت محلها حين قالت "ليلى":


_ طب ارجعي أنتِ اوضتك يا خديجة، عشان انا هكلم مراد يطلعلي عوزاه في كلمتين. 


اومأت موافقة وقالت:


_ هجيبلك ماية طيب. 


واتجهت للثلاجة الصغيرة التي تقبع بجانب في الغرفة واخرجت منها زجاجة مياة وضعتها على الكومود بالقرب من السيدة، ثم انسحبت من الغرفة في هدوء. 


التقطت هاتفها طالبة رقم ولدها، رنة واحدة واتاها الرد لتسمع صوته يقول باستغراب:


_ لسه صاحية يا لوله؟ 


_ اه يا حبيبي، قلقت كده ومجاليش نوم، ما تيجي تقعد معايا شوية مش أنتَ في البيت؟ 


صمت لثانية قبل أن تسمعه:


_ ايوه.. بس انا.. 


قاطعته تخبره بحدة ظهرت في صوتها:


_ اطلع يا مراد اللي مستنيها مش هتنزل، انا قولتلها ترجع الاوضة. 


_ طالع. 


الكلمة الوحيدة التي هتف بها من بين اسنانة، قبل أن ينهض متمتمًا بكلمات تنم عن سخطه، وصعد درجات الفيلا الداخلية بخفة حتى وصل لغرفة والدته فدلفها فورًا وهو يقول بملامح واجمه:


- رجعتيها اوضتها ليه؟ 


ناظرته بضيق تقول:


_ عشان مش فاهمه أنتَ بتعمل ايه بالضبط، مش كفاية ساكتة كل ده إنك لسه مكتبتش الكتاب من تاني، لا وواخد راحتك معاها اوي وهي زي الهبلة مش عارفة انك محرم عليها لسه. 


رفع حاجبيهِ بملل وهو يقول:


_ لا مش هبلة، وهي برضو كانت كل شوية تقولي الكلام ده، لحد ما خليتها تكلم شيخ وسألته، قالها مادام عارفه حقيقتي دلوقتي وموافقة عليا خلاص. 


رفعت حاجبها الأيسر ناقمة، ورددت باستنكار:


_ ده بقى شيخ من تحت السلم ولا ايه؟! 


_ ليه التريقة بقى؟ 


_ اصل يانن عين امك مفيش شيخ هيقولك كده، إلا لو كنت موانس معاه، او انه مش شيخ اصلاً وعملت الفيلم ده عشان تروق بالها. 


لم يجيبها فقط اكتفى بنظرة ممتعضة دون رد، لتكمل وهي تسأله بتوجس:


_ واد يا مراد، اوعى تكون ضاحك عليا انا كمان ومفهمني ان كل واحد فيكوا في اوضة وتكونوا في اوضة واحدة سوا! 


ابتسامة بلهاء صغيرة رُسمت على ثغره وهو يخبرها:


_ عيب بقى الكلام ده، بقى انا اكدب عليكي برضو! كل واحد في اوضة طبعًا.. 


لم تكن مرتاحة له ابدًا، وتجلى هذا في نظراتها المشككة، لكنها تغاضت عن الموضوع وهي تقول:


_ مراد.. بكره المأذون يكون هنا وتكتبوا من جديد، مفهوم.. انا مرضتش اتكلم معاها وافتح عينها على الحوار ده، لكن يمين بالله لو ما حصل ده بكره لاسيبك منك ليها. 


زفر انفاسه بضيق وهو يقول:


_ خلاص ياماما حاضر.. حاجة تانيه ولا اروح اتخمد؟ 


اسبلت عيناها ببراءة وهي تخبره:


_ عوزاك تنامي معايا الليلة واحشني وعاوزة اشبع منك. 


_ لا مش شغل ده بقى! مش للدرجادي يعني! 


رددها بذهول تام، لتلوي فمها متشدقة:


_ اومال اسيبك تروح تشوفها وهي على عماها ومسيبة شعرها ولابسة بنص كم... هتنام معايا ولا...


_ هي طالبة معاكِ تهديد النهاردة! 


زفر انفاسه مفكرًا لبرهه ثم قال حين لمعت فكرة برأسه:


_ ولو جبتلك المأذون دلوقتي وكتبنا الكتاب! تحلي عني؟ 


_مأذون ايه اللي يجيلك دلوقتي! إلا لو كان مأذون كده وكده. 


اجابها بنفاذ صبر:


_ ياستي مأذون حقيقي، هخليه يجيبلك بطاقته كمان لو عاوزه. 


- هتجيب مأذون الساعة ١ بليل، ماتستنى للصبح يابني. 


وضع إصبعه على مخه مرددًا:


_ هي بقى لبست في دماغي اتجوز دلوقتي، في مانع!. 


_ أنتَ حُر، بس لازم توريه القسيمة اللي معاك عشان يلغيها. 


نهض من أمامها متجهًا لشرفة الغرفة طالبًا رقم "طارق" الذي رد بعد قليل ليخبره:


_ عاوزك تروح تجبلي أي مأذون من قفاه دلوقتي حالاً، وتيجي على الفيلا. 


اتاه صوته المتعجب:


_ دلوقتي؟ خير يا باشا جواز ولا طلاق؟ 


_جواز. 


_ هتتجوز على خديجة هانم؟؟!! 


وما إن قالها "طارق" بذهول حتى صرخ بهِ:


_ انا مش ناقص تحقيقات، اعمل اللي قولتلك عليه من سكات، من امتى بتسأل؟ 


_ حاضر ياباشا.. آسف. 


_نص ساعة وتكون عندي بالمأذون. 


وأغلق الخط، وما إن كاد يتجه للداخل حتى اتاه اتصال من "حسن" للمرة الثالثة يتصل بهِ خلال يومين ولم يجيبه، ولكن الآن وبما إنه متحفز للعراك مع ذبابة تمر أمام وجهه، فما كان منه سوى أنه أجاب ببرود:


_ نعم يا حسن بيه؟ 


- بكلمك بقالي يومين مبتردش، وبتيجي الشركة في الأوقات اللي مبروحش فيها، بتتهرب؟ 


_ هتهرب ليه؟ عامل عملة وخايفة منها! انا محدش يقدر يخوفني من مواجهته ويخليني اتهرب منه. 


_وأخرة اللي بتعمله ايه، امك هترجع امتى يا مراد وتنهي الهبل ده؟ 


_امي مش هترجع طول ماهي مش عاوزه. 


ساد الصمت لثواني قبل أن يقطعه "حسن" وهو يقول بنبرة غاضبة وتهديد واضح:


_ طب اسمع بقى، أمك لو مرجعتش البيت في ظرف يومين.. هكشف حقيقتك قدامها، عشان تعرف ان جوزها الوحش اللي هربت منه، ابنها مش أحسن منه، وصدقني امك لو عرفت ياهتموت بحسرتها على عمرها اللي ضاع عليك هباءً، يا هتسيبك انت كمان وتبقى كمش طيقاك زيي.. ووقتها احنا الاتنين هنكون خسرنا..... انا مش هخسر لوحدي يابن حسن. 


الجحيم المستعر يكمن في عيناه الآن وهو يستمع لحديث والده المزعوم، أيهدده هذا؟ ولكن هو قادر على تنفيذ تهديده وحينها... سيخسر كما اخبره.. والخسارة فادحة.. 


#يتبع. 

#الحصان_البيدق


الفصل الثاني عشر "فتيات بائسات ٤"

الحصان والبيدق

بكِ أحيا 2

ناهد خالد


_ أنا مبتهددش يا حسن بيه، ولا عاش ولا كان اللي يهددني.. واللي هواك يرميك ليه اعمله.


انهى كلماته واغلق الهاتف محاولاً كبح غضبه، متحكمًا قدر المستطاع في ملامحه كي لا يثير شك ليلى حيال الأمر، وبالطبع قد نجح، فهو خير من يُظهر ما يريد ويُخفي ما يريد.. 


_ هروح ابلغ خديجة. 


_ انا كلمتها وبلغتها. 


نظر لها بغيظ جم، كثيرًا ما تفعله هذه المرأة! وفاق تحمله، ولكن صبرًا.. الأمر سينتهي خلال ساعة واحدة وبعدها لن يكن لها قدرة على التدخل في أي شيء يخصهما. 


_ تمام هنزل استناهم تحت..


___________


في غرفتها..


انتهت من ارتداء فستان صيفي بسيط من اللون الوردي وحجاب اسود بسيط، بعد ان اخبرتها والدة زوجها بقدوم مأذون شرعي لعقد قرانها من جديد..


_ ايوه يا طنط بس ليه؟


وتحججت "ليلى" التي مازالت تدعي جهلها بأي شيء فعله "مراد" سابقًا وطريقة زواجهما وهي تقول:


_ يا حبيبتي مراد ابني الوحيد، وانا محضرش كتب كتابكوا، بسبب جنانه بيكي واستعجاله على انكوا تتجوزوا مستناش حتى يعرفني الأول..


وفهمت "خديجة" أن هذا مبرر "مراد" لها، لعقد قرانه دون حضور والدته، لكن الحقيقة أنه لم يدعوها للحضور كي لا تكتشف أو تكشف خدعته.


_ فعشان كده قولتله لا لازم تكتب الكتاب من تاني وفي حضوري المرة دي.


سألتها باستغراب:


_ ايوه بس ليه دلوقتي والوقت متأخر! ما نخليها بكره حتى.


_ والله يابنتي لسه بقولك الواد باينه اتجنن، مانا قولتله خليها بكره، هو انا قولتله دلوقتي! بس هو اللي بعت يجيبه.


_ خلاص ماشي عمومًا مش هتفرق.


_ ماشي اجهزي انتي بقى على ما ييجي.


عادت من شرودها في حديثها مع ليلى منذ قليل، وهي تغمغم باستغراب:


_ اي العيلة المجنونة دي! يعني يعيدوا كتب الكتاب الساعة ١ بليل عشان امه تحضره!


تذكرت شيء فالتفت حولها تبحث عن حقيبتها لتتذكر انها وضعتها في الخزانة منذ اول يوم اتت به هنا، فاتجهت لها تفتش فيها وهي تغمغم:


_ يارب بس الاقي البطاقة ومكونش سيباها في الشقة هناك، مش ناقصة عطلة.


وحين التقطتها زفرت براحه، واتجهت لباب الغرفة مترجلة للاسفل لترى تلك العائلة المجنونة!


_________


_ هنكتب كتابنا كام مرة؟!


هتفت بها ما إن أبصرت "مراد" واقفًا أمام الحائط الزجاجي المطل على الحديقة الخلفية، معطيًا اياها ظهره ناظرًا للخارج، والذي التف على الفور يواجهها ما إن سمع صوتها، وقفت تنظر له منبهرة بهيبته التي ظهرت على ضوء خافت يأتي من خلف الزجاج لينعكس على قامته ويظهر كبطل في أحد افلام الخيال العلمي، بدى بصورة شامخة وهو يقف واضعًا كفيهِ في جيوب بنطاله فاردًا ظهره بطريقته المعتادة، تنهيدة غير مُبرره خرجت منها وهي تنظر له بأعين لامعة بلمعة مبهمة.


اقترب منها ملاحظًا حالتها، ليبتسم ثغره بثقة واعتزاز وهو يردد بمرح متجاهلاً ما هي عليه:


_ وماله اهو زيادة تأكيد.


رمشت باهدابها مستفيقة من ولهه به، وقالت بارتباك طفيف من أن يكون لاحظ شرودها به:


_ بس كده مينفعش، يعني هيكون لينا اكتر من قسيمة ولا ايه؟


_ لا انا هبلغ المأذون عشان يلغي القسيمة القديمة، وعمومًا لسه مكلم طارق وهيجيب نفس المأذون، القسيمة لسه معاه ماستلمنهاش اصلاً.


اومأت برأسها تقول:


_ كان المفروض نستلمها النهارده، بس نسينا. 


استمعا لرنين جرس الباب، فهتف وهو يتجه له:


_ اقعدي انتي في الليفنج لحد ما اناديكِ. 


اتجهت على الفور لغرفة المعيشة المنزوية قليلاً عن غرفة الاستقبال، وجلست بها منتظرة دعوته. 


وبعد عشر دقائق تقريبًا كان يدلف للغرفة داعيًا اياها للخروج، فخرجت معه لترى "ليلى" وطارق واحد الحرس المتراصين حول الفيلا من الخارج، والمأذون الشرعي، لتتجه بخطى خجِلة جالسة بجوار ليلى، التي استقبلتها بابتسامة، وبدات الحديث تسأل المأذون:


_ بس يا سيدنا الشيخ، القسيمة الأولى.. 


قاطعها موضحًا:


_ القسيمة الأولى مكنتش لسه خلصتها ومتوثقتش، لسه كنت بقول لمراد بيه ان كان عندي حالة وفاة، زوجتي اتوفت ربنا يرحمها وماشتغلتش من تاني يوم كتب كتابهم الأولاني، فاحنا هنلغيها ولما اروح اوثق هوثق الجديدة.. 


اومأت متفهمة، وبدأ عقد القران مرة أخرى، وهذه المرة على حق، ليست كالمرة الأولى الباطلة، انتهى كل شيء، وذهب الضيوف، ليقف "مراد" أمام "ليلى" وهو يقول لخديجة بمغزى لم تفهمه سوى الأولى:


_ يلا يا ديجا بقى عشان ننام الساعة بقت ٢.٥ وبكره هنروح نجيب حاجتك من الشقة القديمة. 


نهضت قائلة ل "ليلى" بابتسامة:


_ تصبحي على خير يا طنط. 


_ وأنتِ من اهل الخير يا حبيبتي. 


تراقصت ابتسامة عابثة على ثغره وهو يمسك بكف خديجة بقوة:


_ تصبحي على خير  يا لوله، تحبي اطلعك فوق. 


لوت فمها ساخرةً مجيبة:


_ لا يا حبيبي روح أنتَ، انا حابة اقعد هنا شوية في الجنينة، وأنتَ طبعًا مش هتقدر تستنى! متقلقش انا بطلع في الاسانسير مع نفسي.


ارسل لها قبلة في الهواء مع غمزة عابثة، قبل ان يتجه بخديجة للأعلى. 


_ هي طنط بتقولك مش هتقدر تستنى على ايه؟ 


تسائلت بها وهي تصعد درجات السلم، ليحرك رأسه بعدم اهتمام:


_ متشغليش بالك. 


ذمت شفتيها حانقة لعدم حصولها على اجابة ترضي فضولها، دلفا الغرفة لتسمعه يقول بصوته الماكر:


_ كان في اتفاق كده قبل الليلة دي كلها ما تبوظ. 


جلست على الاريكة تنظر له بتساؤل:


_ اتفاق ايه؟ 


_ يعني اننا نشيل الحواجز وبتاع.. ولا بتنسي بسرعة؟ لا اوعي تكوني بتنسي بسرعة! 


ردد الأخيرة بأعين متسعة كأنها ارتكبت جرمًا، لتضحك بخفوت وهي تقول:


_ لا مش بنسى بسرعة، بنسى الحاجات اللي مش مهمة بس. 


_ ودي برضو حاجة مش مهمة!! 


_ اه وبصراحة بقى.. 


تثاءبت باصطناع وهي تنهض عن الاريكة:


_ يدوب انام، مبقتش قادرة افتح عيني، هغير هدومي وانام. 


نظر لطيفها وهي تختفي خلف باب غرفة الملابس، ليضغط على نواجزه بغيظ مرددًا:


_ هي ليلة مبصوص فيها من اولها... 


خرجت من الغرفة مرتدية بيجامة حريرية نبيذية اللون، بأكمام كالعادة، ووضعت فوق رأسها "اسكارف" بالكاد يغطي شعرها، ومع رقبة البيجامة المغلقة، لا يظهر سوى عنقها، زفر مقلبًا عيناه بعدم راحة، يتسائل متى سيُفك الحِصار!؟ إن بذل كل هذا العناء فقط ليرى شعرها إذًا كم سيعاني ليتقدم في علاقته معها!؟ حين وصل تفكيره لهنا، غمغم بحسرة مستنكرة:


_ ده احنا على ما نجيب عيل اكون في الأربعينات. 


_ بتقول حاجة؟ 


رددتها "خديجة" بتساؤل بعدما تسطحت فوق الاريكة مستعدة للنوم، لكنها سمعت همهمة خرجت منه، فاثارت فضولها، لتراه ينهض فجأة متجهًا لها، حتى أن عيناها اتسعت بقلق، لتجده يجذب الغطاء ليغطيها تمامًا وهو يتمتم بغيظ بلغ العنان:


_ نامي يا خديجة، نامي يا حبيبتي واستغطي كلك كده احسن اكلك بليل وأنتِ نايمة، الدنيا مبقتش امان. 


كتمت ضحكتها بصعوبة وهي اسفل الغطاء على حديثه وتذمره، فقط لو يعرف ما تنويه غدًا لذهب كل هذا التذمر عنه، ولكن صبرًا. 


_____________


عصر اليوم التالي... 


كانت تباشر عملها في مكتبها الخاص بالاتيلية، حين دلفت لها السكرتيرة الخاصة بها تخبرها بأن أحد رجال الأعمال يرغب في رؤيتها، قطبت حاجبيها مستغربة وهي تسألها:


_ وعاوزني انا شخصيًا؟؟ 


اومأت مؤكدة:


_ هو قال عاوز مديرة الاتيلية، عشان عاوز تصميم خاص. 


_ اه تمام، قوليله يتفضل.


دلف بعد قليل رجل ذو طول فارع، وجسد معضل، يرتدي بدلة كلاسيكية سوداء وحذاء مماثل، لائمت بشرتة القمحية وعيناه البنيتان مع شعره الاسود الكثيف، وابتسامة لطيفة رُسمت فوق ثغره وهو يمد يده مرحبًا بها ومعرفًا بذاته:


_ بدر الميناوي. 


مدت يدها تصافحه بترحاب:


_ اهلاً بدر بيه اتفضل. 


وقد رقت "رنا" بحديثها وشخصيتها لتناسب تمامًا مكانتها الآن، استطاعت أن تكن امرأة لبِقة، متأنقة، ولطيفة، كسيدات المجتمع الراقي، تبادلا الحديث لعدة دقائق بعدما طلبت له قهوة كما أراد وطلبت لذاتها عصير برتقال طازج، همهمت وهي تدون بعض الافكار التي يريدها وهي تقول:


_ يعني أنتَ حابب يكون لون مموج بين الاخضر والأزرق، وميكونش الفستان كاشف غير الدراع بس، ولا مجسم.. كده انا فهمت انك حابه يكون... 


قاطعها موضحًا:


_ انا مش عاوزه مجسم اوفر، يعني ميبينش تفاصيل جسمها.. لكن غير كده زي ما تشوفي مناسب مع التصميم، بناءً على باقي التفاصيل اللي قولتها، وزي ماقولتلك لليان مراتي مطرقعة شوية وبتحب الحاجات الغريبة ومتكونش تقليدية.. من الآخر عشان يعجبها لازم تحس انه حاجة اسبيشيال ليها، وعشان كده محبتش اختار حاجة من اللي بره. 


ابتسمت بتفهم وهي تقول:


_ فهمت قصدك، خلاص متقلقش ممكن بس تسيب رقمك عشان اتواصل معاك من وقت للتاني اوريك التصمايم المبدئية ونشوف هننتفق على ايه. 


كاد أن يتحدث ولكن التفا على فتح الباب فجأة ودلوف "دياب" الذي فور دلوفه ارتفع حاجبه ساخرًا حين رأى رجلاً غريبًا يجلس معها في غرفة المكتب، دلف بخطوات بطيئة وقد وضع أحد كفيه في جيب بنطاله، تحت نظرات "رنا" القلقة فهي لا تضمن ردة فعله او تفكيره، جلس على الكرسي المقابل ل"بدر" ووضع قدم فوق الأخرى بعنجهية مستفزة، حتى أن "بدر" شعر بعدم الراحة تجاهه، واستفزته نظراته وجلسته، فنهض مبتسمًا وهو يخاطب "رنا" التي نهضت بدورها:


_ طيب هستأذن أنا يا رنا هانم وده الكارت بتاعي تاني رقم هو رقمي الخاص تقدري تتواصلي معايا من خلاله، لأن رقم الشغل بيبقى مشغول وعليه رسايل كتير. 


مد يده بالكارت ومدت يدها تلتقطه، لتجد من يخطتفه قبل أن يصل ليدها، لينظر له ساخرًا وهو يقف بينه وبين "بدر" القليل من السنتيمترات، ثم نظر له يخبره بابتسامة سمِجة:


_ سوري بس المدام مبتتواصلش مع العملاء بتوعها، في حد تاني مسؤول عن ده، تقدر وانت خارج تسيب الكارت للسكرتيره وهي هتتصرف. 


احتقن وجه "رنا" بحمرة قانية أثر الموقف السخيف الذي يضعها فيه الآن، لكن حاولت تدارك الأمر، فقالت ل "بدر" بابتسامة زائفة:


_ بدر بيه تقدر تسيب الكارت مع السكرتيره، وهنتواصل مع حضرتك في اقرب وقت وان شاء الله نعمل التصميم اللي يعجب حضرتك و... المدام. 


قالت كلمتها الأخيرة وهي تنظر ل "دياب" شزارًا، لتسمع "بدر" يقول:


_ بعد اذنك.


_ اتفضل.. 


خرج مغلقًا الباب خلفه، لتلتف له على الفور وهي تقول بحنق:


_ ايه الدخلة دي؟ وايه الطريقة اللي اتعاملت بيها قدام العميل دي؟ 


تجاهل اسئلتها وتسائل هو بسخط:


_ هو عادي تقعدوا في مكتب مقفول عليكوا؟ 


شهقت شهقة مستنكرة واعقبتها تقول:


_ نعم! ليه ان شاء الله كنا قاعدين في رؤية شرعية ومعرفش! ده شغل، هجيب مِحرم يقعد بينا! ما تظبط كلامك يا دياب! 


ها قد تخلت عن "رنا" المرأة الارستقراطية، سيدة الأعمال، وعادت إلى "رنا" فتاة الحارة.. 


_ كلامي مظبوط، بس الشكل اللي دخلت شوفته ده هو اللي مش مظبوط، وانا الحوار ده مينفعنيش، الباب ده ميتقفلش وفي راجل غريب هنا.. اصلاً مفيش راجل يدخل المكتب، ما تطلعي تتكلمي معاه بره. 


قضمت شفتيها باسنانها غيظًا وتنفست بعمق قبل أن تقول ساخرةً:


_ ماتقعدني في البيت وبلاها وجع دماغ احسن. 


رد ببرود:


_ لا مانا برضو مش عاوزك تزهقي. 


_ يارب ارحمني.. أنتَ جيت ليه؟ 


رددتها بزهق، ليبتسم وهو يجيبها:


_ قولت نتغدا سوا بره، من زمان معملناش كده. 


نهضت ملتقطة حقيبتها وهي تقول بإباء:


_ انا بقول نروح نتغدا في بيتنا مع ابننا احسن. 


مرت من جانبه ليمسك معصمها بكفه ضاغطًا عليه بقوة طفيفة، فالتفت تواجهه، ليصبحا وجههما متقابلان، وخرجت نبرته حادة:


_ وانا قولت هنتغدا بره، عندك اعتراض؟ 


كادت تجيبه، ليكمل:


_ تمام، يلا. 


وسحبها خلفه دون اهتمام برغبتها او رأيها.. كالعادة! 


________ 


في سوهاج.. 


صدحت زغرودة عالية في انحاء المنزل، خرجت على أثرها "رباح" بوجه غاضب وهي تقول بينما تخرج من خلف السلم الذي يتوسط المنزل:


_ وه وه، اتجنيتي يا سُرية اياك! بتزغرطي واخوكِ مكملش سبوعين ميت! 


اصطنعت الابتسام تقول:


_ بفرح العيال شوي... يعني لا دجة ولا مزمار ولا حتى زغروطة يوم صبحيتهم.. هم فين اومال؟ متجوليش لساتهم نايمين! 


امتعضت ملامحها وهي تقول:


_ انتوا اللي حددتوا الميعاد، وفي وجت مش مناسب، يبجى اه.. لا دجة ولا مزمار ولا حتى زغروطة، احترمي حزني على اخوكي ان مكنتيش حزينة عليه. 


_حزننا يا مرت خالي.. مش حزنك لحالك. 


قالتها "فريال" وهي تترجل الدرجات مرتدية عباءة منزلية باكمام من اللون البني الداكن وبها بعض النقوش السوداء وحجاب بني مماثل لالون، ووجهها خالي من اي زينة تذكر.. 


_ وه! ايه اللي لابساه ده يا حزينة! لابسة غوامج يوم صباحيتك. 


وصلت أمامها الآن لتذم شفتيها ساخرة وهي تقول:


_ هطلع البسلك الابيض ابو ترتر وخالي ميت. 


_ وماله اما تلبسي الابيض، انتِ في الدار يعني محدش شايفك. 


لمعت عيناها بقهر، ورددت بمرارة:


_ ياريتها بمين شايف، بس هي مش اكدة.. البس الابيض كيف وجلبي حزين وهيتجطع.. مانيش كيفك ياما جلبك جلاب وبينسى بسرعة.


اتجهت ناحيتها تجذبها من كفها بقوة وهي تقول:


_ تعالي.. رايدة اتحدت وياكِ، عن اذنك يا رباح. 


ردت "رباح" ساخطة:


_ اذنك معاكِ يا ختي. 


وعلى مقربة جلسا سويًا متلاصقتان رغم نزق "فريال" وراحت "سُرية" تستقصي احداث ليلة أمس، نظرت لها "فريال" نظرة موجعة، واردفت بمرار:


_ متجلجيش.. حصل، وتجدري تسألي ابن اخوكِ لاحسن متصدجنيش. 


_ ومهصدجيش ليه يا مخبولة انتِ! المهم جوليلي.. كنتِ زينة وياه ولا تربستي مخك وغلبتيه وياكِ، حاكم الراجل ميحبش الست اللي تطلع عينه. 


تفاقم شعورها بالقهر والانكسار، فوالدتها بدلاً من أن تطمئن عليها، تطمئن عليه هو وما إن وفرت له الطاعة والخدمات المطلوبة أم لا! أي أم هذه هي حقًا لا تعلم! 


_بجولك ايه ياما.. اسأليه هو الاسئلة دي وحلي عن سمايا.. رايحة اساعد مرت خالي في الوكل. 


ونهضت دون أن تعطيها فرصة للحديث.. 


في المطبخ... 


_ اساعدك في ايه يامرت خالي؟ 


شهقت "رباح" مستنكرة:


_ تساعدي ايه بس، ايه دخلك المطبخ، يابتي انتي عروسة، هتجفي تطبخي يوم صباحيتك! 


_ ولو جولتلك بهرب من جعدت امي وحديتها اللي هيسمم بدني. 


حركت رباح رأسها يائسة ومستسلمة:


_ هجولك تعالي سوي الملوخية. 


ساد الصمت بينهما لدقيقتان حتى قطعته "رباح" قائلة بتردد:


_ مريداش اتدخل في شي ميخصنيش، بس شيفاكِ حزينة وجلبك مفطور.. لو حابة تحكي هسمعك، ولو مش حابة ولا كأني جولت حاجة. 


ابتلعت غصة قوية انتابت حلقها، وادمعت عيناها بغزارة وهي تقلب في الاناء أمامها، وصمتت لثواني حتى ظنت رباح انها لا تريد التحدث، ولكن أتى صوتها مختنق وهي تقول:


_ اسوء ليلة في حياتي ياما رباح.. حتى ليلة فرحي اللي المفروض تفضل ذكرى حلوة ليا حرموني منها واستكتروها عليا.. لا اختارت حاچة ولا اتعملي كيف الخلج.. واخرتها.. اخرتها تختم بسواد وذكرى سودة عمري ماهنساها ولا هنسى احساسي وجتها. 


تركت "رباح" ما في يدها واستدارت لها تواجهها بعدما سحبت الملعقة من يد الأخرى وادارتها، لترى وجهها مشبع بالدموع الغزيرة وعيناها تحكي ألمًا لا يوصف، سألتها بقلق وخوف:


_ مالك يا بتي؟ ايه اللي حوصل امبارح بينكوا؟ الواد ده عمل فيكِ ايه عشان تكون حالتك اكده!؟ 


سألتها كطفلة صغيرة تائهة:


_ هو انا غلط لما طلبت منه يديني وجت اتعود عليه الأول؟ جبل ما يجرب مني. 


هزت رأسها نافية:


_ لا مغلطيش.. بعدين البنتة مش كيف بعضيهم.. في اللي الخوف بيتملكها وفيه اللي بتجدر تتغلب عليه، وانتِ ظروف جوزاكوا والسربعة اللي كنتوا فيها خضتك فطبيعي تحسي بخوف وجلج.. هو عمل ايه؟ 


_ مسمعش مني.. 


اكتفت بقول جملتها واختنقت بباقي الحديث فصمتت، سألتها "رباح" ثانيةً بخوف حقيقي:


_ اذاكي؟ 


حركت رأسها بجهل تجيب:


_ معرفش. 


انفعلت "رباح" وهي تسألها:


_ كيف يعني متعرفيش؟ يابتي جولي متخافيش، لو اتعاف عليكي جولي وانا واللي خلجني وخلجه ا... 


قاطعتها وهي تقول ببكاء بدأت فيه:


_ والله ماعرف.. انا معرفش حاچة، غير إني.. غير إني كنت خايفة.. معرفش ومحستش بحاچة تانية. 


ضربت "رباح" كف بآخر وهي تقول بغضب:


_ هو الواد ده ايه، حنس ملته ايه؟ مش كفاية راح اتجوز وابوه لسه ميت.. مش مكفيه كل اللي بيساويه.. هيعمل ايه اكتر من اكدة. 


_ أما رباح.. الله يخليكِ ماتجبيله سيرة اني اتحدت وياكِ مش ناجصة مشاكل. 


قالتها برجاء وقد لمع الخوف في عيناها بوضوح، لتشفق "رباح" عليها وهزت رأسها صامتة بقلة حيلة.. 


بالخارج... 


كان قد نزل منذُ قليل فور استفاقته واخذه لحمام دافئ يرخي بهِ اعصابه، لتقابله عمته بالابتسامة الواسعة والتهليل والعناق والتقبيل المبالغ بهِ.. وفور جلوسهما لم تتوانى عن سؤاله هو الآخر فيما يتعلق بليلة أمس.. كان جوابه مقتضبًا، حتى سألته عن تصرف زوجته معه.. حينها انفجر ساردًا كل ماحدث أمس ورغبتها الحمقاء في أن يتركها حتى تعتاد عليه. 


_ يعني أنتَ بعد اكده حسيت ايه منها؟ 


_مفاهمش.


وضحت اكثر تقول:


_ يعني خوفها راح، ولا فضلت خايفة ومش متجبلة. 


هز راسه بلامبالاة:


_ لا راح ولا نيلة.. فضلت متخشبة كيف التمثال الحجر، سيبك منها بكرة تتعود..


صمتت ولاحت على ملامحها مشاعر غير مفهومة، قبل أن تقول بنبرة مبهمة:


_ لا يا ابراهيم، إلا دي.. متخليهاش تكره الچواز وعلاجتك بيها.. لازم شوية مسايسة وشوية حنية... 


ضحك ساخرًا يقول:


_ أنتِ ياعمتي اللي بتجولي مسايسة وحنية!؟ 


_ ايوه، مش كل حاچة ينفع فيها العافية والجسوة، في حاچات يا جلب عمتك لما تيجي بالرضا بتكون احلى، مفيهاش حاجة لما تسايس وتبطب مادام الموضوع في وجت معين مش طوالي.. فهمت؟ 


هز رأسه بلامبالاة وهو يسألها:


_ اومال هم فين؟ 


_ في المطبخ. 


_ هجوم اخليهم يعملوا فنجان جهوة، حاسس بصداع رخم. 


نهض متجهًا للمطبخ.. ليتوقف قبيل بابه وهو يسمع حديثها مع والدته.. والاخرى تقف في صفها وتلقي اللوم عليه، ضم قبضته بقوة مانعًا نفسه بالكاد من أن يدلف للمطبخ مغيرًا معالم وجهها بقبضته.. ولكن صبرًا فلكل حديثٍ مقام.. 


________________


_ يانهار ابيض كل دي missed call، رنا وفريال وباهر والدكتور.. انا كان لازم اجيب الفون من يومها. 


قالتها "خديجة" وهي جالسة في سيارة "مراد" بعدما عادا من شقتها القديمة وقد جلبت كافة ما تحتاج اليه، عقب "مراد" بهدوء:


_ مش أنتِ اللي نستيه واحنا رايحين العزا. 


_ لما نوصل لازم اكلمهم كلهم، اكيد قلقوا عليا. 


_ طيب طلعي بس الأول رقم الدكتور وسجليه هنا. 


قالها وهو يعطيها هاتفه، لتجد صورتها خلفية شاشته، فتخضبت وجنتيها بالحمرة وارتفع هرمون السعادة في خلاياها وهي يومًا عن يوم تجد دليلاً جديد على حبه لها.. لكنها هتفت بجهل:


_ هو الرقم اهو.. بس انا مش فاهمة حاجة في تليفونك.. موبايلي زارير مش حديث زي ده. 


هتف وهو يتناول هاتفه منها:


_ لازم تفهمي عشان موبايلك الجديد touch برضو ولازم تعرفي تتعاملي.. بصي عشان تسجلي رقم بتضغطي على... 


وأخذ يشرح لها كيفية التعامل مع الهاتف وعيناه تتناوب بين الطريق والهاتف، حتى انتهى من تسجيل الرقم وطلبه... ثواني واتاه الرد ليتحدث مع دكتور "كمال" ويخبره بصلته ب "خديجة" وبرغبتهم في زيارته فأخذ ميعاد منه مساء اليوم.. 


اغلق المكالمة، لتقول "خديجة" :


_ كنت عاوزه اكلم فريال اطمن عليها، قلبي قلقان وحاسه انها في مشكلة، بس رصيدي خلصان. 


_  كلميها من تليفوني. 


سجلت الرقم كما شرح لها سابقًا، ولكن كلما أتت لتطلبه يأتي لها رسالة انه فشل الاتصال.. نظرت له تريه الهاتف وهي تقول:


_ مش راضي يتصل.. بتجيلي رسالة ان في مشكلة في الاتصال. 


نظر لشاشة الهاتف بتمعن ليجدها قد نست اول رقم فأخبرها:


_ عشان نسيتي تكتبي صفر قبل الواحد.. 


همهمت مدركة خطأها، وعاد "مراد" ببصره للطريق ولكن ما إن فعل وبمجرد رفع بصره وجد سيارة تخرج من طريق جانبي كاد يصطدم بها، ليغير مساره بتلقائية وسرعة جعلته يصعد بسيارته فوق السور القصير الفاصل بين الطريقين تحت صرخة "خديجة" التي رفعت رأسها فور تغيير مسار السيارة لتجد السيارة تصعد بهم فوق الفاصل وتنحرف لطريق معاكس في الاتجاه فاتسعت عيناها وهي ترى سيارة تأتي من ناحيتها بسرعة وسيارتهما استقرت بعرض الطريق أمام خط سير الأخرى.. 


لتصرخ بخوف وهي تغمض عيناها:


- مــــــــــرااااااد... 


جحظت عيناه وهو ينظر تجاهها ليرى السيارة بوضوح من زجاج نافذتها.. وسنتيمترات قليلة تفصلها عن الاصطدام.. 


#يتبع

انتظروا فصل بكره او بعده بالكتير ♥️

الفصل كبير والله

فين التفاعل  بقى


ملحوظة....بدر الميناوي لو فاكرينه بطل رواية "لولا التتيم"


13-14-15


الفصل الثالث عشر "فتيات بائسات ٥ "


" دومًا هناك لحظة فاصلة بين الهلاك والنجاة"

وكانت هذه هي اللحظة التي فصلت "خديجة" عن الموت.. 

اللحظة التي اتخذ فيها "مراد" رد فعل سريع، تلقائي حين تحرك بسيارته للأمام غير آبهًا باصطدام مقدمتها بحائط أحد المحال التجارية المرتصة على جانب الطريق، المهم أنه نجى، وابتعد بسيارته عن خط سير السيارة الأخرى.. 


واصطدام سيارته بالحائط جعلته يرتد للأمام مصطدمًا برأسه ب "تابلوه" السيارة المقابل لمقعد "خديجة"، فهو في محاولة منه لحمايتها حين ضغط بقدمه على دواسة البنزين تحرك بجسده ليقفز أمامها تاركًا قدمه فقط هي المتحكمة في سير السيارة، بعدما وضع ذراعه الأيمن حماية لها، توقفت السيارة أثر الاصطدام القوي، وفقط اصوات انفاسهما هو ما يُسمع في ظل الصمت القائم، عاد لمقعده بأنفاس هادرة، ونظر لها يسألها من بين أنفاسه:


_ أنتِ كويسة؟ 


كانت لازالت تحت صدمة ما حدث، مشهد السيارة وهي قادمة نحوها بتلك السرعة جعلت قلبها يتوقف رعبًا، حتى أنها اغمضت عيناها في انتظار الاصطدام، وبعد ثواني لم تشعر سوى بذراعه يحيطها، وبعدها سكون تام.. فتحت عيناها لترى نصف جسده العلوي امامها تمامًا وجانبه يقابلها، وبعدها عاد لمقعده، وهي مازالت تحت وطأة الصدمة وعدم الاستيعاب. 


_خديجة! 


نبهها وهو يهزها بيده قلقًا بعدما لم يحصل منها على جواب، لتنتبه له فقالت برجفة ظهرت في صوتها:


_ نعم؟ 


_ أنتِ كويسة؟ 


تنهيدة عميقة تبعها اجابتها:


_ ايوه ايوه.. انا... انا بس اتخضيت وحاسه ان اعصابي بايظة. 


زفر انفاسه بقوة وقد ارتاح لاستجابتها، ليترجل من السيارة ليراها بحالة أكثر من سيئة، فتقريبا فقدت مقدمتها تمامًا واصبحت مجرد بقايا، عاد اليها بعدما فتح باب السيارة وبدأ بجمع متعلقاته يقول:


_ مش هينفع نمشي بالعربية الكبوت متدمر، خلينا نشوف تاكسي يروحنا.


ترجلت هي الأخرى بعدما سحبت حقيبتيها لتجد بعض الناس يقتربون منهم للاطمئنان عليهم، وخرج صاحب المحل الذي اصطدمت به السيارة ايضًا، ليقول له "مراد" :


_ هبعتلك حد يصلح ازاز المحل ولو في اي خساير تانية. 


ليقول الرجل بصدق:


_ يا بني ولا يهمك المهم انكوا بخير ربنا يسترها على الجميع. 


وانسحبا مستقلين احد التاكسي ليوصلهم لوجهتهما. 


********

كانت ترتب الفراش بعدما انتهيا من الغداء ورحلت والدتها التي كانت زيارتها ثقيلة حتى انها دعت الله ان ترحل في كل لحظة، فلقد تعمدت ان تجبرها على اعمال الولاء والطاعة له كما ترى هي.. 

"حطي لجوزك بط يا فريال" "قربيله الماية" "ما تغرفيله الوكل يا بتي" "وه ما تجومي ورا جوزك يمكن يحتاج فوطة تناوليهاله ولا حاچة" وامور اخرى من هذا القبيل.. وهي لم تستطع سوى التنفيذ مرغمة، حين سمعت باب الغرفة يفتح، ابتعلت ريقها بتوجس قلقة من وجوده، فهي لا تأمن افعاله، ظلت ترتب الفراش كما هي ولم تلتفت له حتى، لتسمع صوته القاسي يسألها:


_ مسمعتنيش جيت؟ 


ردت وهي على وضعها بنبرة مستنكرة:


_ واعمل ايه يعني! 


وبعدها كانت كفه تقبض على زراعها بقوه يديرها له، وهو يهدر بغضب واضح.. حتى ان وجهه أحمر وظهرت عروقه فمن الاساس هو غاضب منها منذ سمع شكوتها لوالدته، وما فعلته الان كانت فرصته ليخرج فيها غضب عليها:


_ شكلك ما تعلمتيش كيف تعاملي جوزك، ولا اتعلمتي كيف تتحدتي وياه، ولا كيف تچري عليه اول بس ما تلمحي ضله داخل من الباب.. بس ملحوجة.. اني هعلمك كيف تبجي زي المدارس في رچلي لا يبجى لكي صوت ولا رأي، تبجى عايشه بس عشان ترضيني وتعملي واجبك ناحيتي. 


ذُهلت من حديثه وطريقه تفكيره وظهر هذه جليًا على معالم وجهها فحركت رأسها برفض وهي تسأله بصدمه:


_ أنت كيف بتفكرك  اكده؟ انا مصدومه فيك، أنت شايف ان الست.. مرتك.. مجامها تكون مداس في رچلك!! انت مين؟ ولا انا اللي ما عرفتكش طول السنين دي كلتها؟ 


قطبه ما بين حاجبيه بملل وهدر قائلاً بعدم اهتمام

لحديثها :


_ما عاوزش خوطه دماغ ما هتجفيش تحاضري جدامي، كل اللي عليكي انك تجولي، نعم و حاضر وبس ولا ما تعلمتهاش في الجامعه يا.. يا دكتوره. 


كانت نبرته في الكلمه الاخيره ساخره بوضوح، تحكمت في غضبها ورفضها لكل ما تسمعه وتعيشه وهي تقرر انهاء الجدال الذي لا فائده منه بقولها:


_ لا، اتعلمت حاضر.. حاضر يا ابن عمي. 


رفع زاوية فمه العليا وهو يصحح لها كلمتها:


_ جصدك جوزي ولا نسيتِ اللي حوصل امبارح!؟ بيتهيألي ان اللي حوصل ما يتنسيش. 


طالعته بقهر نضح من عينيها وهي توافقه الحديث قائلة بغصه:


_ لا ما يتنسيش و عمري ما هنساه. 


ابتسم ساخراً قبل ان يتجه لاحد زوايا الغرفه حيث وضع فيها مكتب متوسط الحجم التقط من فوقه بعض الاوراق وهاتفه المحمول وقال وهو يتجه لباب الغرفه:


_ ورايا شويه شغل اخلصهم وارجع الاجيكي جاهزه ومستنياني، واللي حوصل امبارح والدلع الماسخ ده ما يتكررش النهارده عشان انا خلجي ضيق. 


ماذا؟! وهل سُتعاد تجربة الأمس المريرة مرة أخرى!! 


تهاوت فوق الفراش وشحب وجهها بخوف حقيقي وعقلها لا ينفك عن استعادة خوفها ورعبها أمس وشعورها انها ستعيش نفس الموقف بعد ساعات.. 


*************


كان حسن جالسا في مكتب شركته يتابع بعض الاعمال حين رن هاتفه برقم رئيسهم في المنظمة ليجيب على الفور قائلا بنبرة احترام :


_اوامرك يا باشا. 


ليسمع صوت الاخر الهادر وهو يقول:


_ ابنك بيستهبل يا حسن وبقاله فتره سايق العوج، ده مش مهتم باي حاجه في شغله، وقافل تليفونه وقال ايه واخد اجازه البيه، هو فاكر نفسه في منظمة حكوميه! كلم ابنك وعقله بدل ما اكلمه انا بنفسي وساعتها لو اتدخلت في الموضوع وعرفته شغله هيزعل مني، وبالمناسبه ابقى بلغه مباركتي، وفكره اننا لما بنلاقي حد من رجالتنا في حاجه شغلاه عننا بنقضي على الحاجه دي، عشان يرجع تاني يتفرغ لينا وينتبه لشغله.. فكره ليكون ناسي. 


ضغط حسن على اسنانه بعصبيه كادت تكسرها وتحكم في اعصابه بالكاد وهو يجيب رئيسه بنبرة جعلها هادئة قدر المستطاع:


_ حاضر.. حاضر يا باشا هكلمه وهيرجع ينتبه لشغله تاني. 


اتاه رد الاخر قائلا بنبره تحذيريه:


_ يبقى احسن ولولا ان مراد من الرجاله الغاليين عندي.. انا كان زماني اتصرفت من زمان، كفايه اللي هو كل شويه بيعمله لنا، ومبادئه الغريبه اللي فارضها علينا وبيختار بمزاجه الشغل.


_ يا باشا مراد زي ابنك، وحضرتك يعني اللي مربيه.. ده دخل المنظمه وهو لسه ما كملش 15 سنه، اللي تشوفه حضرتك وهو في النهايه ابنك وبتعلمه. 


_ وهو عشان ابني انا بقف بينه وبين اي حد في المنظمه بيفكر ياذيه او بيحطه في دماغه، وبخليه يختار الشغل بمزاجه، والشغل اللي مابيحبش يعمله ببعده عنه، بس كل حاجه ولها اخر وانا ليا كلام معاه لما يرجع الشغل، سلام يا حسن. 


_ سلام يا باشا. 


قذف بالهاتف فوق المكتب وضرب بقدمه الارضيه بعنف، وهو ينهض واقفا متنفسًا بقوه غاشمة كأنه يريد ان يخرج غضبه في شيء مجهول، ظل يطوف في المكتب عدة مرات حتى ضرب الحائط بقبضته وهو يردد بغضب:


_  ابن ال ****، الغبي، المتخلف.. هيضيع كل اللي عملناه عشان حتة ***** ولا تسوى، انا كنت صح لما بعدتها عنه من الأول، كنت صح لما قولت زمان انها هتدمره. 


دق فوق الباب تبعه دلوف السكرتيره الخاصه به وهي تخبره بشخص ما ينتظره في الخارج، فسمح له بالدلوف وبعد ثواني كان يدلف من الباب رجل من رجاله وهو يقول ببهجه:


_  باشا.. انا عرفتلك حته خبر بمليون جنيه، بخصوص البنت اللي كلفتني اعرف كل حاجه عنها. 


التف "حسن" باهتمام جلي وهو ينظر للرجل ويسأله بانتظار:


_ خبر ايه؟ 


***********


مساءً... 


في مكتب الدكتور كمال مختار كان يجلس منقذ الراس بعد كل ما سمعه عن حالتها الماضيه بالتفصيل بعدما طلب الطبيب ان يجلس معه على انفراد وتنتظر هي الخارج بعض الوقت رغبه منه في ان يتحدث باريحيه مع مراد دون ان يسبب لها اي حرج يذكر، اكمل حديثه بقوله :


_ خديجه هي اكتر واحده قاسية على نفسها، اكثر حالة مرضيه عنيده انا قابلتها في تاريخي المهني، من اول ما بدأت معاها وانا شايف ان هي اللي مصممه تفضل على الوضع اللي هي فيه، هي اللي مصممه تشيل نفسها الذنب وتشيلك انت كمان الذنب معاها، رغم انها حكتلي على اللي حصل وفهمتها ان كل اللي حصل غصب عنك وغصب عنها ومحدش فيكوا كان قاصد.. لكن ما كانش فيه فايده.. 

من اول ما بدأت علاج معاها ووالدها كان بيشتكي ان هي بتهمل في العلاج، وكان بيبقى واضح قوي من الحاله قدامي وارشادات كثير كنت بقولها تمشي عليها ومكانتش بتعمل ولا حاجه منها، وفي الاخر قررت انها تضحك علينا كلنا وتستغفلنا بانها تهيألنا انها بقت كويسه وما بقتش بتشوف ساره.. شافت ان ده اريح ليها من انها تتعالج وتبقى كويسه.. عمرك شوفت حد بيفكر بالشكل ده! 

على فكره رغم اني ما زلت مش فاهم انتوا اتقابلتوا ازاي ولا اتجوزتوا ازاي، بس هي خطوه كويسة جدا انك بقيت في حياتها وانها اتقبلت وجودك وده هيساعدها لو هي فعلا عاوزه تساعد نفسها. 


_ حكتلك عن زين؟ 


_ اه حكت. 


_ انا بقى زين. 


لم يفهم الامر تفصيلاً ولكنه استطاع ان يلمح بعض التفسيرات فقال:


_ معنى كده انك دخلت حياتها بشخصيتين! في الاول كنت زين الشخص اللي قدر يجذبها ويشغل حيز كبير من تفكيرها ومن حياتها، ومراد الشخص اللي شاغل حياتها طول الوقت.. وده في حد ذاته حاجه كويسه جدا، ده بيثبت لها انك مهما اختلفت واتغيرت شخصيتك ولا اسمك ولا مكانتك هتفضل شخص مهم بياثر فيها وفي حياتها. 


تنهد مراد بارهاق وهو يسأله بنبرة فاترة مهمومه:


_انا عاوز اعرف المفروض اتعامل معاها ازاي؟ 

او ايه اللي يفيدها؟ 

رغم ان اول مره امبارح اشوفها وهي متخيله ساره قدامها وبتكلمها.... 


صمت متذكرًا يوم حادث قتل المجرم المسمى بالوحش حينها كانت تحدث شخص لم يراه، لكنه ولهول الموقف واهتمامه بها لم يشغل الأمر باله كثيرًا:


_لا شفتها مره قبل كده.. بس وقتها ما كنتش فاهم، بس امبارح كانت اوضح وحسيت ان انا مش قادر اشوفها كده، امبارح اذت نفسها من غير ما تحس مش هينفع اسيبها كده، ممكن في اي لحظه تاذي نفسها تاني بشكل اكبر واخطر وانا مش موجود معاها.. ومش حابب التوهه واللخبطه اللي هي عايشاها.. يمكن لسه مش فاهم اللي هي عايشاه واللي بتحسه، رغم انها حكتلي عن حياتها ومعانتها مع شبح ساره ورغم اني اتاثرت بكلامها، و بقى عندي خلفيه عن اللي عاشته بس برده حسيت اني مش هعرف استوعب اللي هي عيشاه، او اللي هي بتحسه ما دام ما حصلش مواقف كتير قدامي.. المفروض ايه اللي يحصل او نبدأ بايه؟ 


_ اول حاجه هنبدأ بيها انها لازم تلتزم بالعلاج لازم تلتزم بالجرعات وفي مواعدها المحدده، دي اول حاجه وثاني حاجه والاهم لازم علاقتك بيها تبقى احسن واحسن، لازم ترجع قريب منها تاني زي زمان، ترجع تحس انك شخص مهم في حياتها وما تقدرش تعيش من غيرك، امانها يكون معاك، مع العلاج و تحسن علاقتك بيها وقربك منها ساره هتختفي تدريجي، ساره موجوده علشان حياه خديجه فاضيه رغم كل الناس اللي حواليها، وجود اخوها وقرايبها ووجودك بس هي حياتها برده فاضيه، لما حياتها تنشغل ويبقى عندها حاجات اهم بتهتم بيها عقلها الباطن هيبطل يشغل نفسه بحاجات ملهاش وجود، وهرجع تاني واقولك ان برده اهم حاجه تلتزم بالعلاج، وتقتنع ان ساره ما ينفعش وجودها يستمر معاها.. لان هي مؤخرا بقت تحس انه عادي وجودها او عدمه مش فارق.. لكن لا هي لازم تعرف ان وجودها خطر هياذيها وهياذي اللي حواليها في يوم من الايام. 


وبعد ان انتهى من الحديث مع مراد ووضع اهم النقاط التي سيسير عليها في الفتره القادمه في علاقته معها، وعليه الاهتمام بها، طلب منه ان يخرج وتدخل هي ليتحدث معها قليلاً، وبعد ان سردت له كيف عرفت حقيقه ان زين هو نفسه مراد وكيف تقبلت الامر وما مرت به معه خلال الفترة الماضية، كان سؤاله واضحًا، حين سألها عن شعورها به الان، وقتها اجابت وهي تضع كفها على قلبها تلقائيا وبعد تنهيده حاره كانت تقول:


_ مش عارفه في الاول.. في اول كام يوم ما كنتش طايقاه كنت حاسه.. كنت حاسه اني مخدوعه مضحوك عليا، وبقيت مجبوره اني اعيش مع واحد انا اصلا ما كنتش متقبله فكرة انه يرجع لحياتي مرة ثانية، بعدين بعد كام يوم حسيت ان انا بقيت متلخبطه مش عارفه اللي قدامي ده زين اللي اتخطبت له وحبيته في فتره الخطوبه وقعدت معاه سنتين قدر فيهم انه يجذبني له ويكون شخص مهم في حياتي، ولا مراد الشخص اللي انا مش متقبله وجوده ومش عاوزه اكون معاه؟! 

اوقات كنت بحس اني حابه اتكلم معاه وحابه محاولاته في القرب مني، وساعات بحس اني في كابوس وان كل اللي بيحصل ده مجرد حلم هفوق منه والاقي نفسي لسه مخطوبه لزين، اللي عرفته في مطعم، الشخص البسيط اللي اخترته بارادتي، مش عارفه حقيقي مش عارفه.... 

ما اقدرش انكر انه بيعمل حاجات كتير قوي كفيله تخليني احبه واتعلق بيه وابقى متقبله وجوده، وده  في كام يوم بس قضتهم معاه بعد ما عرفت ان هو مراد، اعتقد لو قضيت وقت اطول هيظهر حاجات اكتر بكتير من اللي ظهرها! 

مش عارفه حاسه اني خايفه وقلقانه من كل حاجه، حتى من مامته.. ساعات بحسها كويسه وساعات بحسها مش متقبله وجودي وان كان هو بررلي ده انه راجع انها ممكن تكون غيرانه على ابنها زي اي ام.. كل اللي اقدر افسره واقوله اني حاليا متلخبطه.


ونصيحته الوحيده التي وجهها لها وهو يقول:


_ سيبي نفسك يا خديجه.. خلي الايام تكشفلك طريقك الصح، خلي الايام توجهك.. بطلي تحسبي كل حاجه بمخك، وبطلي تفكري في كل موقف بيحصل سيبي نفسك وريحي تفكيرك شويه.. 


وهل ستعمل بنصيحته؟؟ 


**********


وعاد مساءً... عاد ليعيد فعلة أمس لكنه اليوم رد فعله اختلف، فلم يتقبل رفضها، ولا شعوره بعدما رغبتها به.. وكانت ثورته.. حين اعلن عن غضبه عليها، وامسكها من رقبتها يحكم قبضته عليها وهو يهمس بفحيح مرعب لقلبها:


_ اخر تحذير ليكي.. الله في سماه لو ماتظبطي لاخليكي تلعني الساعة اللي فكرتِ تسوجي العوج فيها.. افعالك دي مهتجيش معايا سكة ولا هتعملك شخصية جدامي وتخليني اخد رايك جبل ما اجرب منك.. اعدلي والا.. متلوميش غير حالك. 


لقد تجسد في هيئة وحش امامها في هذه اللحظة، وحش سيلتهمها ان لم تنفذ رغبته...ولكن كيف ؟اين السبيل وهي لا تعرف كيف ترضيه في ثاني تعامل بينهما، اين الخلاص منه الذي ان علمت له دربًا لسلكته دون تردد لتنجو، حتى وإن كانت لا تشعر به.. حتى وإن كان الخوف يلتهمهما... لكنها حاولت.. بجسد مرتعد وقلب مفزوع حاولت ان تنال رضاه كما يريد.. رغم اخفاقها لكنها شعرت بهِ يرضى.. رغم انه لم يكن رضى كامل.. وظهر واضحًا في رد فعله بالنهاية حين قال وهو يتركها دالفًا للمرحاض:


_ اديني صابر لما اشوف اخرتها وياكِ... 


علمت انها لم ترضيه بالشكل الذي اراضه لكن محاولاتها ظهرت له فصمت.. والا لكانت ثورته الآن غير.. 


________


" دور ورا مراتك واعرف اللي مخبيه عنك يا روميو.. بلاش تعيش في دور المغفل كتير.. وانتبه لشغلك البوص جاب اخره وانت اللي هتزعل في الآخر" 


رسالة أتته على هاتفه بعدما عادا للمنزل، والمرسل والده.. ومحتواها كان مثيرًا للــشــك!!! 


#يتبع


الفصل الرابع عشر "فتيات بائسات ٦"


" إن وضعت كرامتك أسفل قدم الآخرين، ليس لك الحق أن تشتكي" 


فتح باب غرفته وقد نوى استدراجها في الحديث بشكل غير مباشر ليعرف سرها الغامض الجديد، هي عبارة عن مخزن اسرار لا ينتهي، وكلما ظنَ انه قد فرغ يكتشف ان ما زال في جعبتها الكثير، اغلق الباب خلفه ورفع انظاره باحثًا عنها وهو ياخذ خطواته داخل الغرفه، لتثبت قدميهُ محلها وكذلك انظاره نحو نقطه معينه في الغرفه... او بالادق نحو شخص بعينه والذي لم يكن سواها.. فقد فاجأته بما لم يتوقع.. بعدما سبقته للأعلى حين عودتهما من الخارج لتغير ثيابها، وتأخر هو بالأسفل قليلاً يتابع الرسائل والمكالمات التي فاتته على هاتفه.. لتستغل هي الفرصة وقررت فعل ما انتوته أمس، فالأمر  لن يأتي سوى هكذا.. فجأه، دون ترتيب مسبق، ودون انتظار منه. 

تغلبت على خجلها وارتباكها واستطاعت ان تحقق اولى امنياته، ليتفاجئ بها جالسة فوق الاريكة تلعب بهاتفها او هكذا تتصنع لتبعد الحرج عنها، وقد تخلت عن حجابها وتخلت أيضا عن ثيابها المحتشمه، المقفله.. فعسقت شعرها على شكل كعكه ظريفه تسلل منها بعض الخصلات على جانبي وجهها، وارتدت منامه قطنيه من اللون الوردي بثلث اكمام، وقد رُسمَ على كنزتها صوره لأحد الشخصيات الكرتونيه اللطيفه، اقترب بخطواته منها وهي لم ترفع رأسها بعد، لكن حين توقف على قرب خطير حتى استطاعت رؤيه قدميهِ اردفت بارتباك وما زال بصرها في الهاتف:


_ مش عاوزه اي تعليق. 


ولكنه لم يستمع لها فاقترب الخطوه الفاصله ورفعها من ذراعيها لتصبح واقفه في مواجهته، وقد اضطرت الى ترك الهاتف لكنها ظلت منكسة الرأس والتوتر انتاب كل خليه في جسدها الآن ، فاستمعت الى صوته يقول بنبره غريبه عليها لم تسمعها منه من قبل، لكنها خرجت محمله بمشاعر كثيره استطاعت ان تصل اليها:


_ معلقش ازاي بس.. يخربيتك.. انا كل ما اشوفك بقع في حبك اكتر. 


هل لها أن تبكي الآن!؟ ليس تاثراً بقدر ما هو توتر وارتباك غير طبيعي، كأنها تتمنى لو تنشق الارض وتبتلعها كما يقولون في مثل هذه المواقف، ابتلعت ريقها بصعوبه بالغه وضمت شفتيها بارتباك وفجأه نطق لسانها:


_ شكراً ربنا يخليك. 


استنكر جملتها حتى انها اخرجته من الهاله التي كان فيها، ليغمض عيناه بنفاذ صبر وهو يردد من بين اسنانه:


_  يا ريت ما ترديش احسن، بتخرجيني من المود وبتبوظي اللحظه. 


نظرت له باحتجاج وهي تسأله :


_اومال  ارد اقول ايه يعني؟! 


فتح عيناه يطلعها بجديه بحته وهو يجيبها:


_ انا بكلمك بجد ما ترديش، اسمعي وبس ما ترديش، في حاجه اسهل من كده! 


اغتاظت من اسلوبه لتضيق عيناها بحده وهي تقول:


_ طب ما تبطل انت كلامك اللي بيحرجني ده احسن، في حاجه اسهل من كده! 


رفع حاجبيهِ وفغر فاهه باندهاش، تبعها بضحكه اكثر اندهاشًا وهو يقول:


_انا معاكي شوفت العجب، عمري في حياتي ما سمعت عن بنت بتكره الكلام الحلو!


فركت كفيها بتوتر ناظره لاسفل مبررة:


_ ما قلتش اني بكرهه، بتوتر وما بعرفش ارد وفي الاخر ردي ما بيعجبكش. 


لانت نبرته وهو يكوب وجهها بين كفيهِ ليجعلها تنظر له مردفًا بنبرته الحنونه التي اعتادت عليها:


_ ما انتِ لو سمعتي وسكتي واحده واحده هتتعلمي مني ،وتعرفي تردي و تقولي كلام حلو كمان، مش بيقولوا من عاشر القوم اربعين يوم أصبح منهم؟


نظرت له خجله وقالت بمرح طفيف:


- انا عمري ما سمعت عن  المثل ده، بس حاسه انه صح يعني. 


ابتسم ابتسامه جانبيه وهو يؤكد لها :


_لا صح، و صح جداً، جربي.. 


ابتعدت عنه خطوه واحده وهي تقول:


_ طيب هروح اشوف مصطفى عشان عنده امتحان بكره، هشوف خلص مذاكره ولا لا، او لو محتاج مساعده. 


ورغم رغبته في منعها من الظهور بهيئتها هذه امام شقيقها، ولكنه حكم عقله، فلقد كان شقيقها معها طوال سنواتها السابقه، و بالتأكيد رأها بهذه الهيئه مرات ومرات، كما انه لن يضيق عليها الخناق لهذا الحد، حتى وان كانت نفسه رافضه... 

لذا اومأ لها بخفه لتنسحب من امامه حتى وصلت لباب الغرفه فالتفت تخبره:


_ وبعد ما اشوفه هنزل اجهز غدا، اعتقد كفايه كده منعان من الوقفه في المطبخ. 


هز رأسه نافيًا وهو يقول:


_ انا ما كنتش مانع وقفتك في المطبخ، ده بيتك.. غير إني متشوق جداً اكل حاجه من ايدك، بس كل الحكايه اني كنت عاوزك ترتاحي شويه بعد الارهاق اللي كنتِ فيه طول الاسبوع اللي فات. 


اومأت برأسها متفهمه، وانسحبت من امامه غالقة الباب خلفها بهدوء.. 


تنهيده عميقه خرجت منه، وهو يشعر بحلاوه رابع

درجه يصعدها في سلم الوصول اليها، فاولها كانت  ايجادها وثانيها كانت التقرب منها وثالثها كانت الزواج بها، وها هي الخطوه الرابعه او الدرجه الرابعه الذي يصعدها، وما زال امامه الكثير.. لكنه يحتفل ويشعر بالنصر في كل درجه يجتازها


_____________


لقد مر على زواجهم فتره ليست بهينه، بل هي فتره كافيه تماماً لما قررت فعله الان، استمعت لصوت الفتاه التي تدون الكشوفات وهي تنادي باسمها، لتنهض بتوتر دالفه لغرفه الكشف، فاطلت على سيده في منتصف الثلاثينات تقريبا، بشوفه الوجه ترحب بها بابتسامه جميله وهي تخبرها بالجلوس، وبدأت في حديثها متسائله:


_ خير يا مدام جاسمين، حضرتك بتشتكي من ايه؟ 


اخذت جاسمين نفسها بقوه وهي تخبرها:


_ مش بشتكي من حاجه او قصدي مش في تعب عضوي، بس انا متجوزه من فتره.. قربت اكمل سنتين وما حصلش حمل خلال الفتره دي، فقلت اجي اكشف واطمن على نفسي. 


تفهمت الطبيبه علتها ودعتها للنهوض والاتجاه الى سرير الكشف، ثم تبعتها واخذت تباشر عملها حتى انتهت من الكشف عليها فدعتها للنهوض وعادت الى مكتبها، لتلحق بها جاسمين بعد لحظات، وقلبها يدق بقلق لتسمع الطبيبه وهي تقول بابتسامة:


_انتِ ما عندكيش اي مشكله، ما ظهرش عندي في السونار ان في اي حاجه.. كله تمام والرحم عندك كويس جدا والمبايض كمان كويسه، وكده هنحتاج ان الزوج هو اللي يعمل كشوفات عشان نطمن اكثر ولو هو كمان طلع الموضوع عنده تمام وما فيش مشاكل، يبقى الموضوع مسأله وقت مع شويه ادويه هتاخديها عشان بس تحفز حدوث الحمل، بس قبل اي حاجه نحددها لازم يعمل الكشوفات اللازمه. 


اخذت نفسها براحه وقالت:


_ تمام يا دكتور انا هخلي جوزي يعمل الكشوفات وان شاء الله لما النتيجه تظهر هبقى اجي لحضرتك. 


 ودعتها الطبيبه بابتسامه:


_ نورتينا ان شاء الله خير ما تقلقيش. 


خرجت من عند الطبيبه براحه اكثر، وقد ذهب توترها الذي اتت به، وقررت ان تخبر "باهر" حيال الأمر وتطلب منه ان يقوم هو الاخر بعمل الكشوفات اللازمه. 


___________


_حبيب قلبي عامل ايه؟ 


اردفت بها حين فتحت باب غرفه شقيقها لتطالعه يجلس على مكتبه وامامه الكثير من الكتب التي يخطط بها باقلامه، رفع رأسه مبتسماً وهو يجيبها:


_ انا كويس عاش من شافك. 


شهقت بصدمة مصطنعه وهي تتجه ناحيته قائله:


_  عاش من شافك دي على اساس ان انا ما بشوفكش وكده!؟ 


اومأ برأسه قائلاً:


_ ايوه على اساس انك مبتشوفينيش، ده انا بقالي يومين ماشفتكيش، ولا انتِ عندك راي تاني؟! 


اخفضت رأسها بخجل وقد صدق في حديثه، فهي منذ يومان لم تجلس معه، حتى بالامس حين تم  عقد القران لم يكن مستيقظًا، والفضل كل الفضل يعود ل"مراد" الذي لا يترك لها دقيقه واحده في اليوم تستطيع ان تنجز فيها عملاً اخر. 


حمحمت بحرج وهي تقول:


_ لا معاك حق انا فعلاً قصرت معاك اليومين دول، بس غصب عني اديك شايف النهارده تقريبا نص اليوم بره، رحت جبت الورق المهم من الشقه القديمه وقضينا كام مشوار، المهم طمني عليك انتَ بقى عامل ايه في الدراسه وامتحان بكره خلصت مذاكره ولا لسه!؟ 


_ اه خلصت  بس براجع، بعدين انا بهزر ما تشغليش بالك بيا، المهم تكوني انتِ كويسه، قوليلي مرتاحه في وجودك هنا؟ واتقبلتِ وجود مراد ولا لسه رافضه وجوده؟ 


صمتت لبضع ثواني قبل ان تجيبه بحيره حقيقيه:


_ مش عارفه، بس بحاول اتقبل.. والحقيقه ان كل اللي بيعمله بيشجعني اتقبل، وقررت اسيب نفسي والايام هي اللي هتحددلي اذا كنت هكمل معاه واتقبل وجوده في حياتي، ولا وجودنا مع بعض شيء مستحيل ونرجع نتفرق زي زمان، عشان كده مش حابه اشغل بالي دلوقتي باسئله مش هلاقيلها اجوبه. 


هز رأسه متفهمًا ولم يشاء ان يضغط عليها اكثر، وسالته هي ثانيًة:


_ المهم قولي مرتاح في مدرستك الجديده!؟ 


اومأ بأعين لامعه:


_مرتاح جداً، فرق شاسع بينها وبين المدرسه القديمه، تعليم احسن ومكان انظف واحلى اكيد، طبعا مرتاح. 


ابتسمت بسعاده لسعادته وانحنت مقبله وجنته وهي تقول:


_ وانا كفايه عندي راحتك دي اللي قادره تخليني تقبل اي حاجه في الدنيا. 


نهض عن كرسيه يحتضنها في عناق اخوي مليء بالمشاعر اللطيفه وهو يقول بصدق:


_ وانا اي مكان هيكون في راحتك هكون مرتاح فيه، حتى لو رجعت للمدرسه القديمه، ورجعنا للعيشه في الحاره والشقه من تاني. 


ضمته اليها بقوه اكثر وهي تمسد  على خصلات شعره تقول:


_ ربنا ما يحرمني منك يا حبيبي. 


______________


بعد عشرة ايام... 


بسوهاج... 


" هي تعاني..." 


ليس هناك وصف آخر لحالتها،كل يوم ومن الصباح الباكر عليها الاستيقاظ في الثامنة صباحًا لتقوم باعداد الفطار له، وتجهيز ثياب خروجه قبل ان يستيقظ، وفي تمام التاسعه يجب ان تكون مائده الافطار جاهزه لاستقباله.. وفور خروجه تبدأ في مباشره اعمال المنزل التي حقًا لا تنتهي، ولان المنزل كبير مكون من طابقين وفي كل طابق ما يزيد عن اربع غرف غير الصالات، والمطبخ والحمامات، وعليها الانتهاء من كل هذا قبل اذان العصر، لتبدأ حينها في اعداد طعام الغداء، لانه حين يعود من الخارج لابد وان تركض لغرفتهما لتحضر له الحمام كي ياخذ حماما دافئا يريح به اعصابه، وتحضر له ثياب نظيفه بيتيه مريحه ليرتديها، وبعدها يكون طعام الغداء جاهز والمائدة في انتظاره، وهذا لانه يتناوله ثم يخلد للنوم ثلاث ساعات تقريبا حتى يحل الليل وحينها يستيقظ مغيراً ثيابه خارجاً للانطلاق مع اصدقائه، وهذا حال كل ليله... ولكن يومها لا ينتهي عند خروجه لملاقاة اصدقاءه، بل بالعكس عليها الانتظار حتى يعود لتعيد هي الكره.. من تحضير ثياب وتحضير عشاء وما الى ذلك.... والاهم انه قد يكون راغباً بها! لذا فعليها الانتظار. 


لقد هُلكت واُرهقت بشكل لا يُوصف خلال 12 يوماً بالتمام من زواجها، وهذا يجعلها تتساءل كيف ستتحمل اشهر وسنوات؟؟ والادهى ان خطأ واحد ترتكبه بدون قصد تقوم له القيامه، ويحرقها غضبه. 


_ قلت لك لازم تاخدي موقف، يا بنتي طول ما انتِ سلبية معاه وطول ما انتِ بتقولي على كل حاجه نعم و حاضر، هو مش هيتغير.. ولا انتِ عمرك هتعرفي تاخدي موقف وهتفضلي طول عمرك في وجع القلب ده، انا مش فاهمه انت ازاي متحمله كل اللي انت بتحكيه ده. 


اردفت بها خديجه وهي تحدثها عبر الهاتف، وهذه المره ال 50 تقريبا، فمنذ عاودت "خديجه" فتح هاتفها، فهما يتحدثان يوميا لاكثر من ثلاث مرات.. 


_يا خديجه افهميني، ابراهيم مش الشخص اللي تجفي جدامه وتجولي لاه، يا بنتي انت ما بتشوفيش شكله لما بيكون غضبان من حاچه، ما بتشوفيش عصبيته اللي بتخلي جلبي يطب. 


اغتاظت " خديجه" من سلبيتها فاردفت حانقه بصوتٍ عالٍ:


_ لا ما انا عاوزه افهم بقى هو انتِ مش عاوزه تقفي قدامه وتاخدي موقف عشان خايفه منه و من عصبيته؟ ولا عشان متنيله وبتحبيه؟


دام صمتها لثانيتين تقريبًا قبل ان تجيبها بصوتٍ خافتٍ:


_ التنين. "الاثنين". 


كبحت خديجه سبة بذيئه كادت تخرج منها، وتحكمت في اعصابها وهي تسألها:


_طب قوليلي علاقته بكِ بقت عامله ازاي؟ 


اجابتها بتوتر:


_ هجولك ايه يا خديجة، ما انتِ خابره معاملته معايا. 

اوضحت خديجه سؤالها وهي تقول:


_ لا مش قصدي معاملته معاكي، انا قصدي علاقته بيكي الخاصه عامله ازاي؟ لسه بتخافي منه ولسه هو برده مش مقدر، ولا بقى الموضوع بالنسبه لك عادي؟


استمعت لتنهيده مهمومه خرجت منها قبل ان تقول:


_ كل مرة بكره العلاجة دي اكتر من اللي جبلها، وبجيت بدعي ربنا يكون مش رايدني الليلة. 


صوت ساخر خرج من حنجرة الأخرى وهي تقول:


_ كمان! لا برافو بجد.. يعني حتى الحاجة اللي بتجمعكوا مش طيقاها وكرهك فيها، عمومًا متقلقيش شوية وهتكرهيه هو شخصيًا.. 


واستنكرت "فريال" جملتها الاخيرة، فبرغم كل شيء وأي شيء لا يمكنها ان تكرهه.. كيف وهي من احبته لسنوات وسنوات ودعت بهِ في كل صلاة لها... 


_ هي طنط رباح فين؟ 


_ سافرت قنا لاختها، بيجولوا بعافية شوية، بجالها يومين هناك. 


_ ماشي خلي بالك من نفسك، عاوزه حاجه؟ 


_ لا سلامتك يا غالية. 


واغلقت معها المكالمة، نظرت للساعة فوجدتها العاشرة مساءً، اذًا مازال هناك ساعتين حتى يعود... ففكرت ان تخلد للنوم قليلاً حتي يأتي. 


لكنها تفاجأت بهِ، يدلف من باب الغرفة بعد ان فتحه بعنف غريب انتفضت له.. وما كادت ان تتحدث، حتى اتسعت اعينها بعدم استيعاب وهي تراه بالكاد لا يحافظ على توازنه.. يتخبط يمينًا ويسارًا، ويدندن بكلمات غير مفهمومة، ومظهره وافعاله لا تدل سوى على انه... سكــــــير!!!! 


____________


وبمكان اخر تمامًا... 


بالقاهرة.. تحديدًا في أحد الشقق السكانية في منطقة التجمع الخامس.. البناية من الخارج راقية لحد كبير، وحالها كحال باقي البنايات في المنطقة.. 


ترجل من سيارته واشار ل "طارق" ليبقى بالأسفل، وصعد هو بعد ان حياه حارس المعمار، فيبدو انه معروف هنا! استقل المصعد الكهربائي وطلب الدور العاشر.. ثواني وفُتح الباب، ليتجه لباب الشقة المقابل، ورنة جرس واحدة وبعدها كان الباب يُفتح، ليظهر أمامه فتاة في اواخر العشرينات، ترتدي ثوب ملتصق على جسدها كجلد ثاني لها، وفتحة صدر واسعة ببزخ، غير فتحة جانبية من الكاحل للركبة، ابتسم ثغرها المطلي بالحمرة، ولمعت عيناها الكحيلة، وهي ترحب بهِ بحفاوة:


_ عاش من شافك يا مراد باشا، ليك شوقة والله. 


ومدت كفها تجذبه للداخل بأعين تكاد تلتهمه، وهي تقول بابتهاج غير طبيعي:


_ دي ليلة سعدي دي ولا ايه؟ 


واغلقت باب الشقة خلفه بعد ان اطمئنت ان لا احد يراها....!!! 


#يتبع



الفصل الخامس عشر "فتيات بائسات الأخير"


المبادئ لا تتغير إلا لأصحاب النفوس الضعيفة"

منذ نصف ساعه تقريبا وهي رابضة هكذا, بجواره فوق الفراش لا تفعل شيء سوى انها تطالعه مناظرات خاوية, لا تكاد تصرف ذهنها عن رؤيته وهو يدلف للغرفه بغير توازن وكأنه بعالم اخر , حتى عندما هبت واقفة بجوار الفراش تنظر له بصمت تنتظر خطوته التاليه والتي توقعتها ان يطلب منها العشاء كالعادة, او يسالها عن ثيابه النظيفه, أو حتى يرميها بنظراته الكارهة التي تتلقاها منه يوميا ولكنه فاجئها بعكس كل توقعاتها , حين مره من جانبها وارتمى فوق الفراش دون أن ينظر لها حتى, تسطح اعلاه وظل ناظراً لسقف الغرفة لدقائق قليلة يبتسم من حين لآخر كمن فقد عقله! ويتمتم بكلمات غير مفهومة, ثم اغمض عيناه وذهب في نوم عميق غير مباليا بها.

  من حينها وهي تجلس جواره باستغراب ,وتيه وعقلها يلح عليها بسؤال واحد ألم تكن تعرفه لهذا الحد؟ انها يوميًا تكتشف به العديد والعديد من الخِصال التي تجهلها بداية من قسوته التي تظهر من حين لآخر, لعدم اهتمام بها لحدته وعنفوانه حتى في الحديث مع والدته, لتكبره وحبه للسيطرة الواضح والتي لم تراه والذي لم تراه يوما وأخيرا تناوله الخمر والمسكرات… تشعر أنها تستكشف شخص جديد لم تعلم عنه سابقا,  ولكن هنا السؤال متى علمت عنه شيئا ؟؟ قبل خطوبتهما والتي كانت تراه فقط حين تأتي لمنزل خالها وفي الاغلب كانت تقابله على باب المنزل مصادفة ذهابه مع قدومها,  أم فترة خطوبتهما التي لم يُحدثها من ذاته ولو مرة واحدة حتى حين كانت تحدثه هي لم تتعدى المكالمة العشر دقائق مرة كل يومين تقريبا ,انها فعلا تجهله!! وعليها اكتشاف المزيد , والسؤال الاهم هل عليها تقبله ام يمكنها الاعتراض؟!!


_________________________


دلفا للداخل ممشطًا المكان بنظراته الثاقبة ليرى الكثير من الفتيات الاتي يتفنن في عرض محاسنهن ,فهذه ترتدي ثياب تظهر أكثر مما تُصدر, وهذه تضع  مستحضرات تجميليه صارخه , فضلاً عن اصوات الضحكات الصاخبة التي تأتي من احد الغرف, واصوات الاغاني الضوضائية التي تأتي من غرفة أخرى, فالبعض يتجهزون للخروج لواجهتهم , والبعض الآخر يجلس في الشقه مرتديات ثياب نوم مريحة لأبعد حد, جاءت من خلفه وهي ترى نظرات الفتيات تكاد تفترسه رغم بعض الخوف الظاهر في عيونهن, لتقول بدلال تلقائي يتلبسها حين تراه:


- اتفضل معايا على جوه يا باشا, تحب اجيبلك ايه تشربه؟


نظر لها من فوق كتفه ساخراً وهو يقول:


- هاتيلي يانسون.


لتنطلق ضحكتها الماجنة وهي تتابعه بعينيها أثناء دلوفه للغرفه, استمعت لصوت إحدى الفتيات تقول حين أخذت خطواتها  للمطبخ:


- يجعل حظنا من حظك يا ابله.


لتسمع صوت الاولى وهي تقول بصوت مرتفع:


- ابعدى عينك عنى انا مش ناقصه.


وبعد ثواني قليله كانت تخرج من المطبخ حاملة زجاجة طويلة  بها سائل ذهبي اللون وكأسان من الزجاج  بهما بعد مكعبات الثلج , وتدللت في مشيتها امام الفتيات المتمنيات أن يملكون نصف حظها الذي يجعل شخص ك "مراد وهدان" يختارها هي ليقضي أوقاته السعيدة معها.


دلفت إلى الغرفة لتجده جالسًا فوق الفراش مستندا بكوعه على ركبتيه ناظراً امامه  بشرود , لتغلق الباب خلفها وابتسامتها الواسعه لما تندثر وهي تضع الزجاجة  و الكأسين على الطاولة الصغيرة الموجودة بالقرب منه,  ثم ذهبت لتجلس ارضًا على ركبتيها فاصبح راسها مقابلا لصدره حين استقام في جلسته, وقالت بتمني واضح وشغف لمع في عينيها:


-طولت المره دي يا باشا … بقالك شهرين بحالهم ما جيتش ده انا حتى قلت انك نسيتني.

نظر لها بجمود وهو يخبرها:


- بجيلك لما يكون في مصلحه, لكن غير كده هجيلك اعمل بيكِ ايه ؟


اندثرت ابتسامتها قليلا وهي تقول:


- يعني ولا مرة الشوق يرميك ؟؟


قلب عينه بملل وهو يجيبها:


- بلاش تعيشي الدور يا ديحه , انتِ عارفه كويس العلاقه بينا عامله ازاي, شوق  ايه اللي هيرميني بقى؟


  تنهيده قويه خرجت منها قبل ان تقول بحزن واضح في صوتها:


- يعني هو احنا نعرف بعض بقالنا اكتر من اربع سنين ما فيش ولا مره ميلت ليا, ما عرفتش اشدك ليا باي حاجه؟  بعدين هو يعني  اللي حصل بينا قبل كده ما بيجيش على هواك تجربه ثاني؟ ولا وقتها مستمتعتش؟


قست نظراته وهو يردف بجمود أخافها:


- مرة ايه انتِ هتصيعي؟ مكنوش حضن وبوستين دول ! وانتِ عارفة اني وقتها ما كنتش شايفك قدامي وكنت متخيلك حد تاني وأول ما وعيت بعدت عنك, انا يومها كانت حالتي مش تمام غير اني تقلت في الشرب جامد, ولا الزهايمر اشتغل عندك؟  ده انتِ حتى لسه في نص الثلاثينات.


قال الاخيره ساخراً منها بصراحه مقيطة, لتبتلع ريقها بمراره واصطنعت الابتسام وهي تقول:


- عارفه يا باشا مفيش داعي تفكرني, ويا بختها اللي بتصونها كده, بس اهي امنيات ….


صمتت لثواني تبتلع تلك الغصة في حلقها واكملت:

وارجع تاني واقولك يا بختها اللي صاين لها قلبك ونفسك, رغم ان محدش يعني يستاهل انك تعمل كل ده عشانه.

اتاها رده الذي جمدها لثواني وهو يقول:


- بالعكس , هي الوحيده اللي تستاهل ,و ما تستاهلش واحد كل شوية مقضيها مع واحده شكل, ولا واحد عينه بتروح لألف واحده غيرها, ولا تحركوا شهواته, تستاهل حد يكون اول كل حاجه له وياها..


حمحم مجليًا حنجرته وقال بجدية:


المهم خلينا في اللي جايلك عشانه.. في صفقة تانيه هتروح اخر الشهر لجماعه في  كندا عاوزك بقى تقعدي كده وتفرديهم قدامي ونشوف مين المناسب , كمان في واحد من حبايبنا عاوزين نبعتله بنت تجيبلنا تفاصيل يومه ,وتكون واحده بتفهم وتعرف تنفذ اللي مطلوب منها وقت ما نطلبه عشان هو مش سهل واي غلطه منها هيقطع رقبتها, وهتقطع علينا الفرصه اللي احنا عاوزينها.


مدت كفها تلتقط الزجاجة والكاس المجاور له, تصب فيه بعض المشروب ثم أعطته له, ليحرك الكأس بين يديه بحركات رتيبة مصدرًا صوتًا خفيفًا بفعل مكعب الثلج الموجود بالكأس, ونهضت هي ملتقطة هاتفها و فتحته لتبدأ بعرض الصور والفتيات أمامه ليختار من يراه مناسبًا, ليكون ضمن الصفقة المتجهة الى كندا كما اخبرها, مع كتابتها لبيانات كل فتاة يختارها في دفتر خارجي, يأخذه معه ليكونوا على علم بكافة البيانات, حتى إن عصت احدهن أو تمردت اخرى, وبعد ان انتهوا وقد استغرق الامر ساعه تقريبًا, أخذ يخبرها عن ذلك الرجل الذي سترسل له الفتاة ويخبرها عن كافة التفاصيل, لتكون الفتاة المُرسلة على علم بادق تفاصيله حتى تستطيع أن تستدرجه وتوقعه في فخها بسهوله كانت تستمع له باهتمام, رغم عيناها التي لم تبتعد عن ملامحه الوالهة بها … رغمًا عنها وقعت في حبه , وهُيمت بهِ, ومن يلومها ! في الاخير حتى وان كان اصغر منها بما يقارب العشر سنوات, الا انها سيده ! وهو رجل… رجل رغم صغر سنه إلا أنه وسيمًا بوسامة تجذب أي فتاة له, وتجعلها تتمنى نظرة واحدة منه, غير هيبته ومكانته واسلوبه الجاد الجافي, الذي لا يزيدها إلا وقوعًا بهِ , وبعد ان انتهى من اخبارها بكافة التفاصيل, وعرض لها صورة الرجل والطريقة التي تتعرف بها الفتاه عليه كان قد مر ما يقرب من ساعة إلا ربع ,فنهض وهو يقول:


-اتمنى ما تنسيش التفاصيل اللي قولتهالك,لانها مهمة جداً و لازم تعرفيها للبنت اللي هتروحله , وبرده مش هنسى اقولك انك تفهميها اني كلمتك في التليفون و بلغتك التفاصيل دي , مش اني قاعد معاكي هنا ساعتين برغي .


هزت رأسها وهي تقول:


- ما تقلقش يا باشا ما بنساش حاجه بتقولي عليها.


- كويس.


الكلمة الوحيدة التي قالها قبل ان يخرج من الغرفة ومنها الى خارج الشقة بأكملها, كانت ما زالت في غرفتها حين دلفت اليها "نرجس" إحدى الفتيات التي تعمل معها, وهي تقول بابتسامه ماكره:


- هنيالك, هتلاقي الفرحة مش سيعاكي دلوقتي, بقالك شهرين مركبه لنا الوش الخشب من ساعه الباشا ما غاب ومطلش.


رفعت نظرها تطالعها بابتسامه بسيطه تقول:


- طبعا الفرحه مش سيعاني, اومال هفرح بشوفتك انتِ؟


- طب بس اتمنى يكون الحجر نطق وقالك كلمه حلوه كده ولا كده, رغم اني ما اظنش ان الشكل ده يطلع منه كلام حلو…


قالتها وهي تجلس بجوارها فوق الفراش بعدما أزالت زجاجة الخمر الفارغة عنه, لتسمع صوت "توحة" يقول:


- ما اعرفش اذا كان يقول كلام حلو ولا لا ,بس يا لهوي يا اختي لو قال كلام حلو! ده انا دبت فيه وهو ساكت و ما بيقولش, قلبي دايب فيه ونفسي بيروح لما بشوفه, اومال بقى لو قال!!!


حركت "نرجس" راسها باقتناع وهي تقول:


- بصراحه عندك حق الواد مُز قوي.


ضربتها بكتفها وهي تنهرها:


واد في عينك , لمي نفسك واتكلمي عليه عِدل.


عقبت بغيظ:


- خلاص يا ست المحامية متزقيش, الباشا , البيه , ابن الذوات حلو كده؟


اومأت برأسها برضا:


حلو كده.


تحولت ملامح "نرجس " للجديه التامه وهي تسألها:


- طب واخرتها ايه صاحبتي ؟ هتفضلي لحد امتي معلقه حبالك بيه وهو سايق ولا واخد باله منك ومجرجرك وراه.


تنهيدة عميقة تشمل الحزن والحب في الوقت ذاته خرجت من صافي قبل ان تقول:


بحبه يا نرجس اعمل ايه بس ده انا لما بشوفه قلبي بيطب…

طالعتها "نرجس" بشفقه وهي تخبرها بحزن:


_ وهو مراد وهدان هيبصلك أنتِ؟ ده اخره ساعتين معاكِ ومبتشوفيش وشه غير بعدها بشهر.. بياخد مصلحته ويرميكي.. فوقي.. فوقي لأن ده نابه ازرق ولو فكرتي تلعبي معاه او توقعيه في حبك.. هو اللي هيوقعك على جذور رقابتك...


التوى فمها ساخرا وهي تقول:


_ لا اطمني ما انا ما عملتش ولا حاجة من اللي كنت مخططه لها، خطه ايه بس وهبل ايه! ده لما بيبصلي بحس انه عارف بفكر فيه ايه قبل ما افكر حتى!


نهضت "نرجس" وهي تقول للمرة الأخيره:


_ عمومًا هقولك تاني، حرري نفسك منه وكفاياكي رابطه بيه، وإن كان على المزاج ففي 100 واحده عندنا يا اختي غيرك، اشمعنى انتِ يعني اللي ماسك فيكي كل مره و ما بيجيش غير ليكي!؟


اغتاظت من هجومها وتهكمها فقالت بتحدي:


_ لقى راحته عندي، وانتِ عارفه ان الموضوع ده بالذات بييجي بالراحه!


نظرت لها "نرجس" نظره أخيره ساخطة و غير راضيه قبل ان تخرج من الغرفه، لتحدث "توحة" نفسها بمراره ساخرة:


_ الكل فاكر انه بييجي عشان يعدل مزاجه عندي.. ما حدش عارف ان لمسة الأيد حتى ما بطولهاش. 


وهي تعلم سر قدومه وقد اخبرها به منذ اول يوم اتى لها، الا وهو عين المنظمة التي تقع عليه، ففي قانون المنظمه كل شخص من افرادها يجب ان يسير على نهج معين واسلوب حياه محدد وسلوكيات فاسقة، وكلها تندرج تحت قائمه الفواحش.. من شرب الخمر، للسهر في اماكن الشبهات، لاقامة علاقات مع الفتيات والكثير من المشابهات.. وان تخلف شخص عن احدهم يصير في دائره الشك! وكانه بهذا لديهِ ميول للخروج عن ملتهم! 


لذا فهو يرغم على القدوم اليها مقنعناً الجميع بانه على علاقه بها، فقط ليريح باله ويخرج ذاته من تلك الدائره، التي لم يسمح ان يُوضع فيها وتصبح الاعين تحاوطه من كل اتجاه، فحتى "طارق" يظن ما يظنه الجميع، وان قدومه من وقت لآخر لهذه البنايه ما هو الا لتعديل مزاجه!! 


__________________________


وفي منطقة أخرى..


الشركة الخاصة ب "دياب"، طال العمل اليوم حتى بدأت تشعر بالتعب، فقالت وهي تراه يدون توقيعه على اخر ورقه تخص العمل:


_ مش كفايه كده يا باشا النهارده؟


نظر لها بجانب عينه ثم اردف ساخراً:


_مالك الفتره دي؟ حاسس بقيتِ بتفرهدي بسرعه، انا مش متعود عليكِ كده! ده انتِ كنتِ بتشتغلي باليومين ورا بعض وما كنتيش بتشتكي! جرالك ايه ولا كبرتي؟


توترت وخشت ان يشك بها، فيبدأ بالبحث خلفها، لذا حاولت الثبات وهي تجيبه بمرح:


_ كبرت ايه بس، هو كل الحكايه مش نايمه النهارده كويس و حاسه بصداع رهيب.


تجمدت مكانها وتحول وجهها للون الشاحب وهي تسمعه يقول:


_ لا بقولك ايه روحي بقى اتصرفي خدي حبايه صداع ولا اشربي فنجان قهوة، عشان في طالعه كمان شويه.


ابتلعت ريقها الجاف وهي تسأله باستغراب جلي:


_ طالعه! فجأه كده! بس يعني كنت دايمًا بتعرفني قبلها ب٣ او ٤ ساعات على الاقل! 


ابتسامة  صغيرة متهكمه زينت جانب ثغره وهو يجيبها:


_ مهو اصل انا لقيتك اخر طلعتين كده مش مظبوطه، وكل ما اجي اقولك تطلعي ب 100 الف حجه، فقلت ما فيش داعي اعرفك قبلها ولا انتِ عندك حجه مجهزاها؟! خدي بالك انتِ مش مظبوطة الفتره دي و بتعملي حاجات كتير غريبه، فياريت ترجعي تظبطي نفسك عشان ما تضطرنيش ادور وراكي.. ماشي يا هاجر؟


التقطت انفسها بصعوبه ورسمت ابتسامة مصطنعة على وجهها بينما تجيبه:


_ تمام يا باشا، هروح اعمل فنجان قهوه بس عشان حضرتك عارف تقريبًا كل اللي في الشركه مشيوا. 


اومأ برأسه دون حديث، لتتجه بخطوات مضطربه الى الخارج وقلبها يدق بعنف حتى كاد يخترق صدرها وعقلها لا يفكر الا في شيء واحد فقط أين سبيلها للهرب الآن ؟! فإن لم تهرب ستخسر طفلها و حياتها بعد ان يعلموا بالحقيقة... وهي تعلم يقينًا أن الهرب أمر مستحيل... 


____________


عاده لمنزله بعدما اوصله طارق والسائق الخاص به، فامر سائقه بأن يصل طارق إلى منزله ثم يعود مرة اخرى، دلف للمنزل ليجد الهدوء يعمه فالساعه قد تعدت الواحدة صباحًا وبالطبع والدته قد خلدت للنوم وكذلك شقيق زوجته الذي يذهب لمدرسته صباحًا باكراً، ولكنه يبحث الآن عنها هي، هل خلدت للنوم هي الأخرى؟ ام مشغوله في عمل شيء ما؟ 

واتاه الجواب حين استمع لصوت خافض لاغاني تنبعث من اتجاه الحديقة الخلفية، فذهب بخطواته لهناك ليراها تجلس بالقرب من حمام السباحة واسفل شجره مزهرة بالزهور الجميلة متدلية فروعها وتعطيها شكل خيمي رائع، وهي اسفلها مستنده إلى الشجره تستمتع بصوت الأغنيه المنبعثة باسترخاء تام، وعيناها ناظره للسماء، اقترب وهو يستمع لصوت الاغنيه الذي يصدح ليقول:


طول عمري بقول

لا أنا قد الشوق وليالي الشوق

لا أنا قد الشوق وليالي الشوق

ولا قلبي قد عذابه، عذابه

طول عمري بقول

لا أنا قد الشوق وليالي الشوق

لا أنا قد الشوق وليالي الشوق

ولا قلبي قد عذابه، عذابه

وقابلتك إنت لقيتك بتغير كل حياتي

ما عرفش إزاي حبيتك

ما عرفش إزاي يا حياتي

وقابلتك إنت لقيتك بتغير كل حياتي

ما عرفش إزاي حبيتك

ما عرفش إزاي يا حياتي

من همسة حب لقيتني بحب 


كانت تنظر للسماء شاردة في كلمات الأغنية، ولا تعرف لِمَ أتى في مخيلتها كل شيء يفعله معها، منذُ خطبتهما وليس فقط الآونة الأخيرة، حتى لمحات الطفولة اللذيذة والتي كان يحاوطها فيها بعنايته وحبه واهتمامه، أتت هي الآخرى تزين حقيبة ذكرياتها... وفجأة لا تعرف كيف أتى ومتى، لكنها وجدت رأسه فوق فخذها حتى أنها شهقت بفزع تحول لتوتر بالغ حين ابصرته هو، لتقول بارتباك:


_ اي... ايه.. ده.. في ايه؟ 


كان مغمض العينان وملامحه مسترخية لأبعد حد، ليقول بهمس:


_ هششش، اسمعي الأغنية.. 


وقابلتك إنت لقيتك بتغير كل حياتي

ما عرفش إزاي حبيتك

ما عرفش إزاي يا حياتي

وقابلتك إنت لقيتك بتغير كل حياتي

ما عرفش إزاي حبيتك

ما عرفش إزاي يا حياتي

من همسة حب لقيتني بحب

لقيتني بحب وأذوب في الحب

من همسة حب لقيتني بحب

لقيتني بحب وأذوب في الحب

وأذوب في الحب وصبح وليل.... 


فتح عيناه الخضراء الداكنة الآن، ونظر لها بوله قرأته في نظراته وهمس بدندنة مع صوت الأغنية:


_ ياما عيون شاغلوني، شاغلوني لكن ولا شغلوني

إلا عُيونك إنت دول بس اللي خذوني، خذوني

وبحُبك أمروني

إلا عُيونك إنت دول بس اللي خذوني، خذوني

وبحُبك أمروني

أمروني أحب لقيتني بحب

لقيتني بحب وأذوب في الحب

أمروني أحب لقيتني بحب

لقيتني بحب وأذوب في الحب

وأذوب في الحب وصبح وليل، وليل على بابه... 


وانهى كلماته وهو يقول لها بصدق حقيقي:


_ متعرفيش انتِ عيون اهلك دول بيعملوا فيا ايه، من اول مرة فتحتيهم ليا وانتِ لسه طفلة عندها شهرين. 


_ عيون اهلك!! 


لم يهتم باندهاشها وانما عاد يهمس مع الأغنية:


_ أما الحب، أما الحب يا روحي عليه، يا روحي عليه

في الدنيا ما فيش أبدا، أبدا أحلى من الحب

نتعب، نغلب، نشتكي منه لكن بنحب

في الدنيا ما فيش أبدا، أبدا أحلى من الحب

نتعب آه نغلب آه نشتكي منه لكن بنحب

في الدنيا ما فيش أبدا، أبدا أحلى من الحب

نتعب، نغلب، نشتكي منه لكن بنحب.. 


وعاد مرة اخرى يعقب:


- نشتكي ايه بس ده احنا اتنفخنا.. 


تنهد بثقل، مغلقًا عيناه لثانية، ثم فتحهما وهو يجذب كفها ليضعه على شعره ويقول بضيق:


_ خلي عندك دم.. عمال اغنيلك واقولك عينك وودنك وأنتِ مش هاين عليكي حتى تعملي اللي المفروض يتعمل في الموقف ده. 


قطبت ما بين حاجبيها متسائلة بغيظ:


 _ اللي هو ايه يعني؟ 


ابتسم باتساع يخبرها:


_ تلعبيلي في شعري.. ده حتى راسي اللي فوق رجلك دي مغرية جداً لأنك تعملي كده. 


ابتسمت رغمًا عنها وهزت رأسها بيأس منه، وبالفعل رغم خجلها وتوترها، إلا أنها مررت اصابعها النحيلة بين خصلات شعره بحركات رتيبة جعلته يغمض عيناه كطفل صغير... 


وصوت أغنية أخرى يصدح في الانحاء.. 


يا حبيبي ياله نعيش في عيون الليل

ياله نعيش في عيون الليل

ونقول للشمس تعالي، تعالي

بعد سنة، مش قبل سنة

تعالي، تعالي، تعالي، تعالي

بعد سنة، مش قبل سنة

دي ليلة حب حلوة

بألف ليلة وليلة، ألف ليلة وليلة، ألف ليلة وليلة

ألف ليلة وليلة، ألف ليلة وليلة، ألف ليلة وليلة

بكل العمر هو العمر إيه غير ليلة

زي الليلة، زي الليلة، الليلة زي الليلة.... 


وهل له أن يعترف الآن انها ليلة من أسعد ليالي عمره على الإطلاق!!!؟ 

_________


منذُ أتت من عند الطبيب عصرًا... وهي تجلس بحالة لا تُحسد عليها.. وحمدًا لله ان "باهر" سيتأخر في عمله اليوم ليأتي صباحًا.. دموعها لم تجف، وقلبها يؤلمها بأن القادم ليس خيراً.. مسحت دموعها بظهر يدها وقد تورمت عيناها من البكاء.. وسكنت ثانية واحدة فقط قبل أن تنهار في بكاء اعنف من سابقه وهي تتذكر جملة الطبيب وهو يقول.. 


" للأسف ظاهر عندي في تحليل دكتور باهر انه عنده نسبة عقم عالية، ورغم ان في أمل في العلاج، إلا أنه هياخد مدة طويلة اوي.. والاغلب هتكون سنين، والنتيجة يا عالم.." 


كيف لها ان تخبره بالحقيقة؟ وكيف لهما ان يتقبلاها، هي من ستجن على أن يكون لها طفلاً، وهو من يتمنى هذا بالطبع، والسؤال الأهم، كيف لها أن تتقبل تنازلها عن كونها قد تكون أم يومًا ما؟ فالطبيب أخبرها صراحة أن يتوقعوا عدم نجاح العلاج بالشكل المطلوب.. والآن عليها الاختيار.. إما "باهر" إما غريزتها وحلمها!!!؟ 


والآن انتهت فصول "فتيات بائسات" فأخبرني عزيزي القارئ بعد ما قرأته في الفصول الست السابقة من هي الفتاة الأكثر بؤسًا؟ "فريال" أم "خديجة"، "هاجر" أو ربما "جاسمين"؟ 


........ انتهى الفصل...... 

تكملة الرواية من هنااااااا


لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله الجزء الاول1 من هناااااااااا

الرواية كامله الجزء الثاني2 من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع