رواية بحر ثائر الفصل السابع عشر 17بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية بحر ثائر الفصل السابع عشر 17بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)
الفصل السابع عشر
يعجبه عنادي
ويعجبه اكثر..
أن يكسر عنادي...
يعجبه أن يكون شَعري مكبلا
ويعجبه أكثر..
أن يحرر خصلاتي
يعجبه أن أكون لا متوقعة
ويعجبه أكثر..
أن يكون الوحيد من يتوقعني...
يعجبه ان يتحداني...
ويعجبه أكثر...
أن أخسر كلما تحداني....
( بقلم فيروزة )
❈-❈-❈
مر أسبوع وهي تفكر
تفكر في كل شيء والأهم صغيريها .
عرضه أصبح على طاولة تفاوض عقلها خاصةً بعد القضية التي رفعها المحامي عليها والتي تم تحديد الجلسة الأولى لها بعد أسبوعٍ من الآن .
يحاولون تكميم فمها ومنع صوتها من الانطلاق ؟ لماذا ؟ هذه أول مظلمة تتعرض لها في بلدها التي تعشق ترابها .
يتهمونها بما ليس فيها وما لم تسعَ له على الإطلاق ، لقد ساءت الأمور كثيرًا بالقدر الذي جعلها لم تعد تحتمل .
ولكنها صامدة بل أنها اتخذت قرارًا لا تعلم وقعه على مستقبلها وهو ألا تتخلى عن قلمها قط ، لن تتوقف عن الكتابة مهما حدث ، لن تكتم صوت مشاعرها مهما كانت النتائج لذا كان عرض ثائر رهن تفكيرها .
بالرغم من رفض داغر
بالرغم من قلق منال
بالرغم من تأقلم حياة صغيريها
وبالرغم من خوفها من التجربة إلا أنها تراها الآن بوضوح فرصة لن تعوض ، حرية فكرية وربما هذه الميزة التي تعترف بها في الدول الأوربية .
جلست تتحدث مع ليان عبر مكالمة صوتية تخبرها بالأمر والأخرى تشجعها على القبول والحماس في نبرتها وصل ذروته حيث قالت :
- لازم توافقين ديما ، حقيقي هذا عرض ما ينرفض، أنا فاهمة خوفج وخصوصًا على العيال بس إنتِ قوية و قدها ، إهي مغامرة بس تستحق انج تجربين عشانها .
ازدردت ريقها وأردفت موضحة تسرد مخاوفها :
- المشكلة إني خايفة ، حياتي هناك هتبقى عاملة ازاي وهعرف اشتغل ازاي واولادي ؟ هعيش لوحدي إزاي ؟ حاجات كتير أوي يا ليان شغلاني .
تنهدت ليان بعمق ثم شردت لثوانٍ وعادت تستطرد :
- زين ليش ماتسافرين بروحج الأول يا ديما ! تشوفين الوضع شلون و تظبطين أمورج وبعدين ترجعين تاخدين العيال .
باستنكار تام وقلبٍ منفطر أردفت :
- لا طبعًا ، أسيب ولادي ازاي مستحيل .
تعلم ليان مدى صعوبة الأمر لذا زفرت وعادت تسترسل بترقب :
- زين إنتِ عندج رقم ثائر ذو الفقار ؟ ليش ما تكلمينه وتسألينه عن كل شي قالقج ؟ أنا من رأيي إن هذي فرصة لا تعوض ولازم توافقين و تتركين عيالج اهني مع عيلتج لين ما تظبطين أمورج ، لفترة بسيطة يا ديما لين تشوفين الدنيا ايش صاير فيها .
هي ليست كليان ، نعم تحبها وتقربت منها كثيرًا ولكنها لا تشبهها في تبسيط الأمور ، لا تتخيل أبداً الابتعاد عن صغيريها ، لقد قضت الأيام القليلة في الشارقة بدونهما في اشتياق وقلقٍ نهش سعادتها بالنجاح فكيف تتركهما وتسافر للجهة الأخرى من العالم ؟
تنهدت بعمق واسترسلت :
- صعب ، صعب جدًا عليا أعمل كدة ، أصلا داغر رافض تمامًا وماما قلقانة جدًا ، أنا هكلمه وأبلغه إنه يشوف حد غيري ، مش هقدر للاسف .
- غلطانة جدًا يا ديما ، فكري زين واستخيري ربنا .
تستخير ربها ؟ تستخير ربها ؟ كيف لم تفكر في الأمر ؟
ترددت تلك الجملة على عقلها لتجد أنها الحل لذا أومأت تردف بشرود :
- تمام ، هصلي استخارة فعلًا .
أغلقت معها ونظرت في ساعتها لتجدها الواحدة ظهرًا ، نهضت تتجه إلى الخارج لترى والدتها تجلس مع مالك ورؤية تذاكر لهما دروسهما .
جلست أمامهم تتطلع نحوهم وهما شبه منتبهان مع شرح منال وبين فنية والأخرى يعانقها مالك وتقبلها رؤية ، يبدو أن وحدة منال تتلاشى بهما .
ابتسمت ديما وتنهدت براحة ثم تساءلت وهي تستند على ذراعها :
- بتذاكروا إيه ؟
التفت الصغيران لها ثم ركضت رؤية تحمل دفترها وتعرضه عليها قائلة بحماس :
- بصي يا ماما أنا بعلف أقول سورة الملك ، تيتة علمتني أقولها .
انفرجت ملامح ديما وفتحت ذراعيها لصغيرتها تعانقها وتردف بسعادة :
- برافو يا رؤية برافو ، تيتة منال مافيش زيها .
نظرت منال نحو مالك الذي يريد التملص وبنبرة صارمة قالت :
- مش هتقوم غير لما تسمع يا مالك ، يالا ابدأ بسم الله .
عبس الصغير ولكنه أردف باحترام :
- حاضر ، بسم الله الرحمن الرحيم .
بدأ يُسمّع ما حفظه وديما تستمع له وتطالعهما بعيون ثاقبة وعقلها سافر إلى رحلةٍ لا تعلم هل تسلكها أم لا ؟
❈-❈-❈
في استراحة الغداء هاتفت بسمة داغر كي يتقابلا ويتناولا غدائهما ورحب كثيرًا بالأمر حيث أنه يريد رؤيتها .
جلست معه في مطعمٍ قريب من المصنع وقد سرد لها العرض الذي قُدم لشقيقته والذي يرفضه رفضًا قاطعًا ولكنه يلاحظ شرود شقيقته ويدرك أنها تفكر فيه خاصةً بعد قضيتها لذا قرر استشارة بسمة علها نصحته كيف يقنع شقيقته ولكنها خالفت ظنه حيث عارضته تردف بنبرة عملية :
- أولًا مش من حقك ترفض ، مش يمكن هي موافقة وبسبب رفضك ده خايفة ؟ وبعدين دي فعلًا فرصة حلوة جدًا ، هنا للأسف محدش هيقَدر قلم ديما ورسالتها وهيعتبروها بتهاجم المجتمع زي ما شوفت ، إنما الوضع برا غير ، خلينا واقعيين يا داغر ، هسألك سؤال إنت واثق في أختك ولا لاء .
بملامح متحفزة أجابها بثقة تامة :
- واثق فيها طبعًا ، بس خايف عليها .
حاولت شرح الأمر له بروية لذا استرسلت :
- يا داغر هي مش رايحة تعيش في غابة ، وبعدين إنت سكت وصبرت على حياتها مع كمال اللي شافت منه كتير وكانت ساكنة قصاد عينك ، اتعرضت لضغط نفسي اتسبب إنها كانت على وشك تتجلط وكان بينك وبينها شارعين ، مش يمكن ربنا حب يبعتلها فرصة زي دي ، مش يمكن تقدر تقنع شباب كتير هناك برسالتها ؟
زفرت بقوة وتابعت حينما لاحظت صمته واستماعه :
- أنا لما قرأت كتاب ديما اتأكدت إن عندها رسالة عن دينها ووطنها وعن المرأة العربية ، سيبها تاخد من الحياة تجارب وانت كل اللي عليك تدعمها وتشجعها ، ديما ماشاء الله عليها زكية ومن الناس اللي صوتها مسموع وأفكارها عبارة عن راحة نفسية للي قدامها ، خليها تجرب على الأقل فترة صغيرة نجحت يبقى خير جدًا ولو ماقدرتش ترجع علطول .
هز رأسه رفضًا يردف بقلق ينهش فؤاده عليها برغم أنه يفكر في كلماتها :
- لاء يا بسمة صعب ، تروح تعيش هناك إزاي لواحدها هي وعيلين صغيرين ؟
- طيب خلي الولاد معاكم ! خلوها تسافر تجرب الأول وتشوف الوضع هناك هيبقى عامل إزاي ؟
تعمق في عينيها لثوانٍ كأنه مشتت وحينما رفض عقله الاقتناع أردف برفضٍ :
- لاء الموضوع ده مش نافع بأي شكل ، رسالتها توصلها وهي جنبنا هنا ومع ولادها والقضية هتكسبها إن شاء الله وهتكمل ، إنما سفر والكلام ده لاء .
صمتت تحت إصراره تميل برأسها ليومئ يحاول أن يؤكد لنفسه صحة حديثه ولكنه شرد يفكر في الأمر .
أنهيا طعامهما بعد دقائق ونهض كلٍ منهما يتجه إلى عمله وهو ينوي مهاتفة ثائر ذو الفقار ورفض عرضه ، ربما سيتدخل في شؤون شقيقته البالغة والتي تكبره سنًا ولكن هذا نابعًا من خوفه عليها لذا التقط هاتفه وضغط على رقم ديما بعدما غادرت بسمة فأجابت تردف بترقب :
- أيوا يا داغر ؟
أجابها وهو في طريقه إلى المصنع :
- ديما ابعتي لي رقم ثائر ذو الفقار على الواتساب .
تساءلت بتوجس :
- ليه يا داغر ؟
- ابعتي بس يا ديما ماتقلقيش ، هتكلم معاه .
لا يعلم أيسايرها بهذا الحديث أم يخدعها أم حقًا سيتحدث معه عن الأمر ولكنه لن يجلس هكذا مكتوف اليدين ، يجب إنهاء هذا الأمر واتخاذ قرار فيه .
أغلق معها ودلف المصنع يخطو بين العمال وقد استمع إلى رسالتها حيث أرسلت له الرقم بكل ثقة وهي تعلم أنه لن يخذلها .
❈-❈-❈
عائدٌ من عمله وقد صف سيارته أسفل المبنى الذي يقطن به وترجل ينوي الدخول ولكنه توقف حينما استمع إلى نداء اسمه لذا التفت نحو الصوت ليجد رحمة تجلس في الحديقة المتصلة بالمبنى وتحمل بين يديها صغيرها فزفر بضيق حيث وجدها تلوح له مبتسمة فتعجب ولكنه لم يعتد تجاهل نداء أحد لذا تحرك نحوها حتى وقف أمامها يضع كفيه في جيبيه ويتساءل بجدية :
- خير ؟
نبرته أحبطت ابتسامتها لتزفر وتحزن ملامحها وتتساءل :
- هو إنتوا زعلانين مني في حاجة ؟ يسرا بعدت عني خالص وإنت بتكلمني بأسلوب قاسي أوي ، أنا عارفة إن انتوا اللي وقفتوا جنبي وساعدتوني وماتخليتوش عني أبدًا بس ليه أول ما ولدت بعدتوا ؟
أحاد بصره عنها يستغفر سرًا حيث أنه لا يفضل الحديث هذا ولا يحبه فتابعت بنبرة حزينة وهي تنهض وتشير له بالصغير :
- طيب على الأقل علشان خاطر قصي ، مش عايز تشوفه ؟
التفت ينظر له بنظرة حنونة برغم انزعاجه من أفعالها وتمالك نفسه من أخذه منها ليردف موضحًا بجدية :
- ده ابنك إنتِ ، هشوفه ليه ؟ وعامةً ربنا يباركلك فيه ، بس زي ما بعدتيه عن يسرا ياريت تتعاملي معايا بنفس المبدأ .
استنكرت ما يقوله لذا استطردت باندفاع :
- لا أبدًا أنا مابعدتوش عن يسرا خالص ، أنا بس علشان عارفة أد إيه هي متعلقة بالأطفال ونفسها فيهم قلت بلاش أضايقها و ـــــــــ .
رفع كفه يوقفها عن تكملة ما تبصقه من كلمات وتجلت الصرامة على ملامحه وهو يوضح بنبرة حادة :
- استني بس ماتعكيش في الكلام ، أنا ويسرا زي بعض بالضبط ، اللي يزعلها يزعلني واللي يفرحها يفرحني وموضوع الأطفال ده ماحدش ليه الحق يتكلم فيه معانا نهائي ، ممنوع منعًا باتًا تحكي في السيرة دي ، إنتِ واحدة كان عندها مشكلة ولجأتِ لينا وإحنا اتنين عندنا ضمير قدمنا مساعدة ومش منتظرين أي مقابل ، ده ابنك وحقك تخافي عليه من أي حد ، علشان كدة الأفضل من هنا ورايح تعطيه اهتمامك كله وتبعدي عننا ، عن اذنك .
تحرك بعدها ينزع نفسه من أمامها ويتجه نحو مدخل البناية ليتركها تقف تطالعه بملامح حزينة على وشك البكاء وقد بدأت تشعر أنها منبوذة ، كلماته قاسية لم تكن تتوقعها منه خاصةً وأن يسرا أخبرتها كم هو مراعٍ وحنون .
بكى الصغير بين يديها فاحتضنته بقوة تهدهده وقد قررت أن تتمشى في الأرجاء وتفكر في حلٍ يمكنها به نفض هذا الغبار من على عينيه تجاهها .
أما هو فقد صعد شقته حيث فتحت له يسرا تستقبله بحبٍ كبير ، عانقته ترحب به كعادتها ولكنها لاحظت تجهم ملامحه لذا ما إن دلف وجلس يستريح حتى اتجهت تجلس أمامه وتتساءل بقلقٍ :
- مالك يا دياب حصل حاجة ؟
زفر بقوة ونظر لها نظرة عميقة يفكر هل يخبرها أم لا ، إن أخبرها ستحزن خاصةً وأنه يدرك جيدًا حساسية الأمر بالنسبة لها لذا زفر بقوة ومد ذراعه يسحبها إليها ويعانقها بحنانٍ لتبادله بحب ولكن القلق نهش جدران قلبها لينتزعه بقبلة على رأسها أتبعها بجملة طيبة جابرة للقلب :
- مهما كنت زعلان حضنك قادر يمحي أي زعل جوايا ، ربنا يخليكي ليا ، إنتِ كل حاجة في حياتي يا يسرا ، بنتي واختي وصاحبتي وامي ومراتي ، إنتِ قيمتك عندي غالية أوي .
تعلقت في عناقه بقوة وشعرت أنها على وشك البكاء من فرط فرحتها واحتواءه لذا أردفت بنبرة مماثلة تفشى الحب في ثناياها :
- ما إنت كمان أهلي وعزوتي وناسي كلهم ، أنا بحبك جدًا بطريقة أنانية أوي بس مش زعلانة لإنك تستاهل حبي ده ، تستاهل كل حاجة وأي حاجة أعملها علشانك .
بكت سعادة واخترق سعادتها شيئًا من الحزن خاصةً وهي تتذكر خوف تلك الرحمة منها على ابنها فتابعت بنبرة مختنقة :
- علشان كدة نفسي ربنا يرزقنا بطفل علشانك إنت مش علشاني ، نفسي ــ
- هشششششش .
قطع حديثها يبعدها عنه ويمسك بكتفيها محدقًا بها بقوة يوضح مسترسلًا :
- بقولك إنتِ بنتي ، مش عايز بقى الكلام يحود ويروح في حتة تانية ، أنا راجع تعبان وعايزك تحتويني بحضن وأكلة دافية ، ها طابخة إيه ؟
تساءل ونهض يتحرك نحو المطبخ ونهضت تتبعه وتبتسم براحة وتجفف دموعها مجيبة بترقب :
- طاجن ورق عنب بالكوارع .
- أيوا بقى هو ده المطلوب للأداء المرغوب .
نطقها بعبثية وهو يقبض على كفه بحماس فضحكت عاليًا واتجهت تجاوره يحضران الطعام سويًا .
❈-❈-❈
تركها أسبوعًا تفكر ولم تعطهِ ردًا ، لم يعد يرسل لها مرارًا كالسابق حين شعر برفضها ، هل تخاف من تجربة الارتباط به ؟ من المؤكد الأمر ليس سهلًا خاصة وأن عالماهما مختلفان ، هو من بلدٍ آسيوي بعيدة وهي من هنا .
طباعه وعاداته وأسلوب حياته لا يشبهها ولكنه لديه استعدادًا للتأقلم خاصةً وأن عمله هنا ولفترة طويلة ، لمَ لا يرتبطان لفترة ويجرب كلٍ منهما الآخر ، هو يؤمن بأن الحب يصنع المعجزات خاصة وأن ديانة واحدة تجمعهما .
أما هي تجلس في مكتبها تؤدي عملها بشرود ، لم تنسَ عرضه أو تهمله ، تفكر به طوال الأسبوع من اتجاهات عدة أهمها ردة فعل عائلتها ، من المؤكد أن الأمر سيلقى رفضًا خاصةً من داغر ولكنها بدأت ترى إيجابيات الموضوع .
شاب غني من عالمٍ آخر بعقلٍ آخر وفكرٍ متطور وناضج وهذا واضحًا كالشمس من خلال عمله ، من المؤكد لا يشبه والدها على الإطلاق ، وكذلك لا يشبه كمال ، ولكنه أيضًا لا يشبه داغر .
ومن يشبه داغر ؟ هكذا فكرت وابتسمت على أثر مرور شقيقها على عقلها ، شقيقها المميز الحنون الذي يغمرها بالدفء والذي تمنت لو حظيت بزوجٍ يكون مثله .
أما لو تشو فهو بارد بعض الشيء ، المشاعر لدى الآسيويين متجمدة قليلًا ، فهل هي أولوياتها ؟
الحياة تتطلب منها أوليات أخرى كالمال مثلًا ، كالتوافق الفكري أو العقلية العملية وهي تشبهه في هذه النقطة ، كلاهما يحب العمل كثيرًا لذا ربما هذا تحديدًا ما سيجعلها تقبل عرضه ولكن لتترك أمر عائلتها على عاتقه أولًا ثم ستساعده في إقناعهم .
زفرت بقوة وقد قررت أخذ قرار ولكن لن تخبره به اليوم ولا الغد ، ستنتظر إلى أن ترى ماذا ستفعل ديما في مسألتها حتى تهدأ الأمور قليلًا .
كل هذه الأفكار تتصارع داخل عقلها أمام عيون فرح وشريف اللذان ينظران لها تارةً ولبعضهما تارةً أخرى .
❈-❈-❈
بعد ساعة
تحرك داغر خارج نطاق المصنع ليتسنى له الحديث مع ثائر .
وقف في مكانٍ هادئ وقام بالاتصال به وانتظر إجابته .
على الطرف الآخر رن هاتف ثائر فالتطقته وعلم أنه رقم مصري لذا أجاب بترقب ولهجة مصرية :
- ألو ؟!
أجابه داغر :
- أيوة ، معاك داغر الصابر ، أخو ديما الصابر .
زفر ثائر وأدرك ماذا يريد ليرحب به بهدوء قائلًا :
- أهلًا وسهلًا ، اتفضل سامعك .
تشتت عقل داغر بين رفضٍ وقبول وخوفٍ من الرفض وخوفٍ من القبول لذا أردف بحيرة ملحوظة :
- أنا كنت بكلمك علشان أبلغك برفض عرضك لأختي بس دلوقتي عايز أعرف منك ليه ديما ؟ اشمعنى هي اللي تقدملها عرض زي ده ؟
أجابه ثائر بتركيز تام :
- يفترض إنك تكون عارف إن أختك أول مرة تنشر عمل ورقي ليها وبرغم كدة قدرت تعمل اللي كُتاب كتير بيحاولوا يعملوه في سنين ، أختك قدرت تخاطب شريحة كبيرة جدًا من الناس جوة مصر وبرا كمان وعرفت تعمل ده بقلمها ، ده معناه إنها مميزة وتستحق فرصة مميزة .
صمت داغر يعترف بصحة كلماته ليسترسل ثائر موضحًا :
- ديما دلوقتي من الناس اللي شايلة أمانة ولازم توصلها ودي مهمتها ، هي بتدافع عن حاجة مؤمنة بيها وانت لازم تساعدها تعمل ده بدون ضغوطات أو خوف أو تقييد ، ولو حدسي سليم فأنا أظن إنك بتدعمها في قرارات كتير ، ليه خايف من قرار زي ده ؟
تنهد داغر بعمق وأردف موضحًا ما يعتليه :
- طبيعي أخاف عليها ، دول مش مجرد يوم أو يومين ده سفر وشغل وغربة وحياة تانية بعيدة عننا ، وديما أم ومسؤولة عن طفلين صغيرين ، الموضوع صعب جدًا ومقلق جدًا ، أنا أصغر من ديما أيوة بس هي مسؤولة مني وحمايتها هي وولادها عهد عليا ، أنا مش عايز غير إنها تكون بخير وبس ومسألة السفر لدولة أوروبية زي فرنسا مسألة صعبة جدًا .
أيده ثائر بتفهم مردفًا :
- طبعًا صعبة ، محتاجة تفكير ومغامرة ومثابرة وللأسف أنا ماعنديش كلام ضامن أقولهولك لإنك ماتعرفنيش ومش صح تثق في كلامي لكن لازم تثق في قدرات أختك كويس وتشجعها على الفرص اللي زي دي لإن بعدها ديما هتثبت للعالم كله إنها اختارت الفرصة الصح .
تعجب داغر من ثقته في ديما ، من إيمانه بموهبتها ، من رغبته في شهرتها وإظهارها للعالم لذا قابل كلماته بصمتٍ دام لثوان ثم أردف بتوتر :
- مش عارف أقولك إيه ؟
- ماتقولش حاجة ، فكر كويس وقرارك عرفه لديما وسيبها تختار بنفسها وماتقلقش عندي هنا في المجلة بنات من مصر ومن بلاد عربية ، والسكن المجلة هتوفرهولها وهيكون في منطقة أمان تمامًا ، يمكن دي حاجة تطمنك .
- تمام .
قالها داغر بعد ثوانٍ وأغلق معه وتحرك عائدًا للمصنع بعقلٍ حائر لا يعلم ماذا يقرر ولكن ربما كلمات ثائر تحمل على متنها الاقتناع .
❈-❈-❈
ابتاعت كتابها وقرأت بدايته .
قرأته ولم يتوغلها حقدٌ كهذا من قبل وتساءلت بعقلٍ كاد أن يصاب بالجنون .
كيف لتلك الديما التي كانت زوجة كمال لسنوات أن تكتب هذا الكتاب ؟ من المؤكد هناك خللًا ما وهناك أيادٍ خفية ساعدتها ، هي لن تستطيع كتابة مثل هذا الكتاب بمفردها قط ، الأمر يفوق مستوى ذكاءها .
ولكنها لن تعترف بذلك أبدًا بل ستقتص منه ما يشوه صورتها في عين زوجها خاصةً وأنها باتت تشعر به يعيش على أطلالها .
لم تصبر إلى أن يعود بل ارتدت عباءتها السمراء التي أخفت ملامح حملها واتجهت لتراه في محل عمله .
لم يكن ينتظر مجيئها لذا كان يتصفح صفحة ديما بأريحية وهو منفردًا على مقعده لينتفض فجأة ويسقط الهاتف من يده حينما اخترق صوتها أذنه وهي متجهة نحوه تتساءل بصياح :
- بتعمل إيه يا كمال ؟
طالعها بصدمة ونهرها سرًا ثم أردف يتساءل بتذمر :
- هكون بعمل إيه ؟ إنتِ إيه اللي جابك ؟
لوحت بالكتاب أمام عينيه تسترسل بنبرة عالية وهي ترتد على المقعد وقد حمد ربه أنها لم تلاحظ تصفحه لصفحة ديما :
- الهانم اللي كنت متجوزها مخلية صورتك زي الزفت ، مخرجة أسرار بيتها وكاتبة عنك فضايح .
نظر حوله ليجد أن العمال قد اعتادوا على أفعالهما الهوجاء لذا لم يعقبوا على الأمر فعاد يحدق بها وتساءل بملامح متجهمة حانقة حيث تأهب :
- قايلة إيه عني بنت محسن الصابر الحرامي ؟
لوحت بيدها تجيبه بطريقة نمطية :
- يااااختي على اللي قيلاه ، قايلة فيك وفيك وفيك ، دي مطلعاك مريض نفسي وقال إيه ياخويا نرجسي .
أشار نحوه وبتعالى ونرجسية مفرطة قال مستنكرًا :
- أنا نرجسي ؟ كمال الوراق بعد كل اللي عمله يطلع في الآخر نرجسي ؟!
وهنا تذكر ما كان يشتريه لها ولطفليها من هدايا ثمينة وشعر أنه يُظلم لذا هز رأسه بأسف ولعن عقله الذي كان يتابع أخبارها منذ قليل والذي أوهمه أنها ربما حنت له ، ولكن خطر على عقله سؤالًا وأراد أن يصدقه لذا تساءل :
- طب واش عرفك يا زينة إن الكلام ده عني ؟ مش يمكن على أبوها ؟
لعنت غباءه أو غروره المفرط الذي غلف عقله عن تصديق الحقيقة فأجابته بنزق :
- وهي أمها كانت خلعت أبوها بردو ؟
هز رأسه مرارًا ثم سلط أنظاره للبعيد واسترسل بتوعد :
- حلو أوي ، سبيها بقى وأنا هعرفها مين هو كمال الوراق ، وبإذن الله ربنا يجيب حقي وكتابها يتوقف ، وتبقى توريني شطارتها بنت محسن النصاب .
هذا ما جاءت لتسمعه لذا استراحت على مقعدها تتحسس معدتها وتنظر حولها بتفحص ثم عادت تتساءل بتلاعب :
- يعني هتعمل إيه يا كمولتي ؟
أجابها بغمزة وهو يشبك كفيه ويستند عليها بذقنه :
- هتشوفي ، بس يالا قومي روحي علشان ماتتعبيش وهقولك بليل هعمل إيه وابقي جهزيلنا ليلة حلوة .
نهضت تزفر بقوة ثم تغنجت في وقفتها تجيبه بمغزى لتصل لغايتها :
- عنيا يا نن عنيا ، قال نرجسي قال ، فشرت بنت محسن الشحات .
تحركت تغادر والانتصار يعم ملامحها وتركته ينفش كتفيه بتباهٍ حقنته به ليرى نفسه لا مثيل له ولكنه تذكر هاتفه لذا انحنى يلتقطه أرضًا فظهرت صورة ديما أمامه لذا ضغط يحذفها ويحذف قائمة بحثه ويردد من بين أسنانه :
- بقى أنا نرجسي ؟ دا لو لفيتي الدنيا كلها مش هتلاقي زيي .
بعد أسبوع .
جلس يتحدث مع والدته من مكتبه في المجلة .
يراها أمامه وتراه لتتساءل والاشتياق ينهمر من عينيها :
- شغلك عامل إيه يا ثائر ؟
أجابها بثقل وهو يدخن سيجارته :
- الأمور كلها تمام .
- طب ومارتينا ؟ مافيش جديد في قضيتها ؟
تساءلت بترقب وقلق حيث أنه حذرها من الحديث في هذا الأمر لذا حدق بها بنظرة معاتبة ولم يتفوه لتوضح مقصدها :
- يا حبيبي أنا بقول يمكن التاني ده بيتبلى عليها علشان ضربته ، صدقني أنا بحاول أقنع نفسي بكدة مش علشانها بس علشان خاطر معاذ ، وبعدين مش مستوعبة إزاي تعمل حاجة زي دي وهي هتتجنن عليك وعايزة ترجعلك بأي طريقة ، الموضوع في إن أكيد .
لم يرد أن يتحدثا عن هذه المرأة لذا أردف يغير دفة الحديث متجاهلًا كلام والدته تجاهلًا ظاهريًا :
- عندي ليكي مفاجأة هتعجبك جدًا .
تناست أمر مارتينا التي لا تحبها أساسًا واهتمت بما سيخبرها به لذا تساءلت بلهفة كأنها تنتظر مجيئه :
- إيه هي يا ثائر ؟
علم أنها ظنت عودته لذا زفر وقرر إخبارها بأمرٍ يريح فؤادها فقال :
- احتمال كبير أبعتلك معاذ يقضي معاكي الأجازة دي .
برغم إحباط فرحتها باحتمالية عودته إلا أن هناك فرحة جديدة توغلت إليها وهي رؤية حفيدها لذا انفرجت ملامحها وبكت تجيبه بسعادة تراقصت في عينيها :
- بجد يا ثائر ؟ صحيح ولا بتضحك عليا ؟
زفر بقوة فهو ليس الشخص المندفع في أقواله ولكنه قالها لهدفٍ لذا استرسل يوضح وهو يفرد ظهره على مقعده :
- أكيد مش بضحك عليكي يا أمي بس الكلام ده بعد امتحاناته ، يعني لسة شوية بس أنا قلتلك علشان نقفل تمامًا موضوع مارتينا ده ، لو سمحتِ ماتفتحيهوش معايا تاني ومعاذ كويس ولما ينزل مصر هيبقى أفضل ، فهماني يا أمي ؟
تفهمه وتدرك أنه لا يريدها أن تذكرها مجددًا لا أمامه ولا أمام ابنه الغالي لذا أومأت بتفهم ثم زفرت بقوة يلمح في عينيها أسئلة أخرى لذا أردف يشير بيده في حركة متتالية :
- قولي يا علياء هانم سامعك .
ابتسمت عليه لذا زفرت براحة وتساءلت :
- بمَ إن موضوع مارتينا اتقفل مش ناوي تفرح قلبي بيك بقى ؟ هتفضل كدة من غير جواز ؟
رفع حاجبيه كأنه اندهش برغم علمه المسبق بحديثها ليطرق بسبابته مكتبه مسترسلًا :
- تاني ؟ جواز تاني ؟ مش إنتِ نصحتيني أبعد عن الفرنسيات بعد عمايل مارتينا !
أومأت تجيبه بتأكيد يتوغله المرح :
- أيوا نصحتك تبعد عن الفرنسيات مش الستات ، الدنيا برد مش عايز تدفى ؟ هتفضل كدة سايب قلبك في مهب الريح ؟
التوى ثغره بابتسامة خافتة وهبت نسمات ديمية دافئة على قلبٍ اخترقه الصقيع لذا أجابها بغموض بالفرنسية :
- الفصول تتغير يا أمي ، دومًا بعد الشتاء يأتي الربيع .
❈-❈-❈
اتجهت مع المحامي وشقيقها إلى المحكمة لحضور الجلسة الأولى .
كانت مجهدة بالنسبة لها ، مخيفة .
حيث أن المحامي المدعي استطاع إقناع القاضي بثغرات لم تتخيل أن تقع فيها ، كلمات ترجمتها بمشاعرها وترجمها هو بخبثه وتلاعبه لينجح في إدانتها حتى لو أمام الناس وكما يُقال العيار الذي لم يصِب يدوش .
باتت مقيدة عن حرية التعبير عن رأيها ومعاناتها وكسروا قلمها وهي مازالت في سطرها الأول .
حتى أن محاميها لم يفلح في تبرأتها مما قيل عنها في قاعة المحكمة حيث أن الآخر عُرف بدهائه وتلاعبه بنصوص القوانين ليثبت حجته .
قدم أدلة عجزت أمامه عن استيعاب فهمها برغم من بحثها خلف صحة كل معلومة ذكرتها في كتابها .
أولم يرى ذلك المحامي كتبًا عديدة لا تُقرأ ولا تُفهم ؟ ولكن ربما الضجة التي أحدثتها روايتها هي السبب في ذلك ، وليكن هذا هو الوجه الآخر للشهرة .
خرجت من المحكمة بملامح حزينة بعدما تم تحديد الجلسة الثانية ، خرجت منكسرة تتذكر خروجها من ذلك المنزل الكريه آنذاك .
يتعمدون كسرها دومًا هؤلاء الذكور ، يقصدونها هي ونجاحها وسعادتها .
استقلت سيارة شقيقها الذي قاد بضيق وأراد أن يخفف من وطأة الضغط عليها لذا قال :
- ماتقلقيش يا ديما إن شاءلله أستاذ وليد طمني والحكم في صالحنا ، سيبك من الكلام الهايف اللي المحامي ده قاله جوة .
مسحت على وجهها تستغفر ثم ابتلعت لعابها وأردفت متجاهلة المناقشة في هذا الأمر حيث تعلم أن كلماته للتخفيف فقط :
- داغر وقفني جنب محل **** ، عايزة اشتري منه حاجة .
أومأ لها واستطرد وهو ينعطف وقد احترم رغبتها في عدم الحديث :
- تمام ، بس ماتتأخريش علشان أنا اتأخرت على المصنع .
- لا روح إنت أنا هتمشى شوية بعدها .
التفت يحدق بها فوجدها تنظر للأمام بقناعٍ من الصمتٍ والهدوء يرى ما خلفه بوضوح لذا زفر وقرر ألا يعترض وقاد إلى أن أوقفها أمام المحل المنشود وودعها وغادر إلى عمله بينما هي توجهت نحو المحل تبتاع لصغيريها ملابس جديدة .
دلفت تلقي السلام واتجهت إلى القسم المخصص لملابس الأطفال تنتقي بعض المعاطف لهما وخطت بين الأرفف والمعلقات لتجد على مرمى بصرها حاملًا معدنيًا مرصوصًا عليه عددًا هائلًا من الأحجبة الموضوعة بشكلٍ أنيق .
اتجهت نحوه ووقفت أمامه تتأملهم وتملس عليهم وتوغلها الحنين للتجربة وشردت تفكر .
منذ أن صلت الاستخارة آنذاك وجُل ما يمر على عقلها عرضه ومنشوراته عن المرأة العربية المحجبة ، أخبرها أنه يريدها أن تبثت له أنه مخطئ ، تتحداه ؟
لم تنسَ نظراته حول خصلاتها حينما كان يودعها ، ولم تنسَ التذكار الذي انتشله من فوق رأسها ، ولم تنسَ منشوره الغامض عن خصلات الخيل الذي فهمته وحلت شفرته .
هل يرسل الله لها إشارات لتتحجب ؟ هل هذه الخطوة الأولى قبل أن تسافر ؟ هل هي رسالة حقًا ؟ أم أنها .... رسالة ؟
لا يمكن أن يكون كل ما طرأ على عقلها منذ أن استخارت ربها هو شيئًا عابرًا ، الراحة التي تشعر بها والحنين لارتداء الحجاب يجبرانها على اتخاذ القرار وإن كانت ستسافر حقًا فيجب أن تسافر محجبة وتتحداه محجبة وتثبت رسالتها بالأدلة وأهم وأول دليل هو حجابها .
لم تتردد بعدها في انتشال حجابين بلونين مختلفين ثم اتجهت نحو المرآة ورفعت إحداهما تضعه حول وجهها وتنظر لنفسها بعمق ، تتأمل ملامحها به وهيأتها فيه .
ترى نفسها وهي تصلي ولكن الوضع هنا مختلف ، الملامح مختلفة ، العقل تآلف مع قلبها واتحدا يقنعانها بارتدائه .
انتفضت حينما جاءت البائعة من خلفها تردف مادحة :
- حلو أوي أوي اللون ده عليكِ .
التفتت تبتسم لها وأجابتها بهدوء :
- شكرًا .
ابتعدت تلتقط المعطفين مع الحجابين واسترسلت تطالعها :
- تمام هاخد دول .
أومأت لها البائعة بابتسامة ودودة واتجهت معها لتدفع حسابهم وتغادر .
وليتها لم تخرج من المحل حيث وجدت أمامها آخر شخصان تود رؤيتهما ، كمال وزينة التي أجبرته على الذهاب لشراء ملابس لطفلهما الذي لم يأتِ بعد .
وقف متجمدًا يحدق بها كما فعلت زوجته ، نظراته كانت محملة بحزمة مشاعر مختلطة بين الإعجاب والضيق والذكريات .
ليعي على زوجته التي نزعت نفسها من يده حينما لمحتها تغادر بعدما حاولت تجاهلهما ولكنها أوقفتها تردف بضيق وغيرة حاقدة :
- عملتي كتاب ونجحتي على حساب سمعة جوزي بس ربنا بالمرصاد وهيجيبله حقه منك ، وبكرة تشوفي إن شاء الله كتابك ده هيتمنع نشره وهتتحاسبي .
وقف عاجزًا عن إسكاتها بل أنها أثارت غيظه وتذكر أمر الرواية التي عبرت فيها عنه لذا أردف وهو يسحب زينة إليه :
- خلاص يا زينة سيبك منها .
وقفت تطالعهما باشمئزاز وكره لتردف الأخرى بغيظٍ وقهر من قوة ديما التي تراها في عينيها ووقفتها وتجاهلها لهما :
- سيبني بس يا كمال علشان أعرفها إن العيب مش منك ، وإنك راجل زي الفل واهو زي مانتِ شايفة جايين نشتري هدوم ابننا اللي جاي في السكة ، علشان تعرفي إن انتِ اللي ماكنتيش نافعة تبقي زوجة صح لراجل زيه .
قالتها وهي تتحسس بيدها جنينها وباليد الأخرى تتحسس ظهر كمال الذي نفش ريشه متباهيًا وعقب وهو يسحبها نحو المحل خاصةً وأن ديما وقفت على قارعة الطريق تشير إلى سيارة أجرة كأنها لا تسمعهما :
- خلاص بقى يا زينة هتتعبي ، ادخلي يالا .
- ماشي يا حبيبي يالا الحمد لله إن ربنا نجدك منها .
قالتها وتحركت معه داخل المحل لتتنفس ديما بقوة بعدما غادرا كأنهما قيدا الهواء عنها .
حينما اقتربت منها سيارة أجرة أسرعت تستقلها وتتنفس مجددًا وهي تخبر السائق عن وجهتها .
لم تؤثر بها كلماتهما ولو بمقدار ذرة ولكنها لم تكن تريد أن تراهما أمامهما ، لم تكن بحاجة للتذكر كل ما مرت به ، لم تكن تتمنى رؤية التشفي في عينيهما مما يحدث معها الآن لذا ...
دست يدها تستل هاتفها من حقيبتها وطلبت رقمه ، هاتفته لتخبره بموافقتها ليس قرارًا متهورًا منها ولكنها اتخذت لقائهما حافزًا لتقرر ، هذه هي الرسالة التي أرادها الله أن تفهمها ، هذا هو القرار الذي سيغير حياتها ويبدلها 180 درجة .
❈-❈-❈
مهما كانت درجة انشغاله مرتفعة إلا أن هذا الاتصال انتظره منذ أن عاد إلى فرنسا لذا فإنه انسحب من بين الحضور حيث كان يقف بينهم يخبرهم بتقارير المجلة الأسبوعية واتجه نحو مكتبه يغلق الباب ويغلق مكالمتها ويعاود الاتصال بها هو لتفتح الخط فيجيب بحماس يخفيه بنبرة جدية :
- بيتهيألي ده اتصال الموافقة ، مش كدة ؟
تنهيدة قوية مرت على صدرها فحملت معها الهموم التي تجلت في نبرتها وهي تخبره بتصميم :
- أيوة ، أنا موافقة .
نبرتها لمست شيئًا داخله ، كأنها نزحت من أسفل الأنقاض لتوها لذا لم يمنع نفسه من سؤالها :
- إنتِ كويسة ؟
هزت رأسها بلا والتمعت مقلتيها بدموعٍ حارقة جعلاها تعتصر شفتيها بقوة وتردف بنبرة جاهدت لتبدو شامخة :
- كويسة جدًا ، اديني بس وقت اظبط أموري وربنا يسهل .
لم يقتنع بأنها في حالة جيدة جدًا كما قالت ، بل أنه يجزم أنها تبكي ولكنه أردف بنبرة رصينة :
- من جهة تكاليف السفر والأوراق ماتقلقيش كل ده المجلة هتتكفل بيه ، مستنيكي يا ديما .
يتبع...
تكملة الرواية من هناااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا