القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية الحصان والبيدق(الجزء الثاني من رواية" بكِ أحيا") الفصل 22-23-24-25الاخير بقلم ناهد خالد

 

رواية الحصان والبيدق(الجزء الثاني من رواية" بكِ أحيا") الفصل 22-23-24-25الاخير بقلم ناهد خالد




رواية الحصان والبيدق(الجزء الثاني من رواية" بكِ أحيا") الفصل 22-23-24-25الاخير بقلم ناهد خالد






-25الاخير 22-23-24



الفصل الثاني والعشرين "نكبة أخرى"


الحصان والبيدق


ناهد خالد


" لا يهمني اسمك، نسبك، أصلك، دمك! فجلَ ما يهمني.. قلبك و روحك و كونك أنتِ من أحببت، بغض النظر عن نكبات القدر و.... أي تداعيات أخرى"


ورغم حيرته والأفكار التي تعصف برأسه لفِهم الحقيقة، لكنه لم يحبذ الضغط عليها أكثر، وهو يرى خوفها وحالتها النفسية السيئة، أحاطها بذراعيهِ يرفعها لطوله بين أحضانه وهمس في أذنها:


_ ميهمنيش اسمك ولا حقيقتك... المهم إنك حبيبتي اللي قلبي مغلطش فيها وعرفها من أول نظرة، ميهمنيش غير إنك حبيبة عيوني وكل ما ليا، مش مهم أي حاجة تانية. 


وما زادها حديثه إلا بكاءً وهي تشدد من احتضانه كأنها ولأول مرة تريد أن تدلف لداخله لو تستطيع...! 


هدأ بكائها فانزلها برفق ورفع كفه يربط فوق رأسها بحنو قبل أن يوجه حديثه ل "حسن" الواقف يطالعهما بغيظ ومقت لرد فعل "مراد" الذي لم يتوقعه، هتف وهو ينظر لها لم يكلف نفسه عناء النظر إليهِ حتى:


_ تمام يا بابا، عرفتني الحقيقة وعملت اللي عليك... 


حول نظره له وهو يكمل بابتسامة باردة:


_ تقدر تمشي أنتِ بقى عشان في أمور حابب اتناقش فيها مع مراتي... لوحدنا! 


ضغط على حروف كلمته الأخيرة، ليجز "حسن" على أسنانه وهو يدرك معنى حديثه، "مراد" لن يتخذ أي رد فعل سلبي تجاه ما علمه، والأمر لم يشكل فارق معه، لن يثور عليها، ولن يتهمها بخداعه، لم يفلح في التوقيع ونشب النيران بينهما كما ظن، رسالة واضحة وصريحة من الثعلب الصغير للثعلب الكبير... رسالة فهمها فورًا فهز رأسه وهو يقول بغل واضح:


_ ماشي يابن وهدان... بس خد بالك بدأت تخيب، أدتك على قفاك مرة وده رد فعلك، استنى بقى القلم الجاي منها. 


ورغم برود "مراد" وهو يستقبل ما يسمعه، وعدم تغير ملامحه ولو بلمحة واحدة، لكنها لم تهدأ، أدركت أن "حسن" لن يهدأ ابدًا حتى يفتعل الوقيعة بينهما ويطردها من حياة ابنه للأبد، وهذا ما جعلها تشتعل غضبًا ويظهر جانبها الخفي.. جانبها الذي دومًا رفض أن تتعرض للظلم أو التهديد بأي شكلاً كان، ظهر الآن محتميًا ومتقويًا بالواقف بجوارها، لتحتد ملامحها وهي تراه يرحل، فتوقفه بصوتها الثابت:


_ على فين يا حمايا، مش تستنى لما اقول اللي عندي! 


وقف "حسن" ينظر لها بشرار يتطاير من نظراته، لكنها حقًا غير آبهة، ونظرته المحذرة، لم تفرق معها، وابتسمت بسخرية وهي تقول وعيناها مسلطة عليهِ:


_ مش زي ما قولت حقيقتي واللي تعرفه، اقول أنا كمان اللي اعرفة واللي أنتَ عملته.. 


_ أنتِ بتخرفي تقولي ايه؟ متحاوليش تهربي من عملتك بكلام فارغ... 


في محاولة منه للتغطية على ما تريد قوله وإرهابها، وهي أدركت... فابتسمت بهدوء وهي تخاطبه:


_ أنتَ عارف انه مش كلام فارغ، مين طلب مني زمان ابعد عن هنا... مين طلب مني اهرب عشان لو فضلتِ " مراد هيقتلك زي ما قتل اختك"... " مراد عنده مشاكل نفسية، يمكن متفهميش الكلمة عشان لسه صغيرة، بس هو ممكن يقتلك عادي ومن غير ما يحس".... " لو عاوزه تعيشي يبقى لازم تهربي من هنا وإلا أنا مش مسؤول عن اللي هيحصلك"... 


رددت الثلاث جمل وهي تحاول تقليد صوته، مستدعيه ذكرياتها القديمة المقيتة، اقتربت خطوات منه، وهدر صوتها عاليًا ودموعها تنزل بغزارة، كالغيث بعد الجفاف:


_ انا كنت طفلة، ٨ سنين... مش طبيعي افتكر كلامك، لكني منستش لحظة كل حرف قولته، عارف ليه عشان المواقف اللي بتعلم فينا عمرنا ما بننساها... 


اتسعت عيناها فجأة بادراك، وفغر فاهها بشكل مريب، وصمتت... لثواني، قبل أن تصرخ بهِ:


_ أنتَ... أنتَ السبب الحقيقي في معناتي.. أنتَ الكابوس اللي كان بيطاردني كل السنين اللي فاتت، أنتَ اللي اقنعت طفلة انه قاتل ومريض، أنتَ اللي كرهتني فيه وخليته زي الشبح في ذاكرتي، أنا... أنا مخوفتش منه غير بعد كلامك... أنا يمكن كنت خايفة طبيعي بعد اللي حصل وكانت حالتي مش كويسة بس.. بس مكرهتوش، انا كنت شايفه انه مش قاصد، كنت شايفه اننا غلطانين مش هو بس، لكن بعد كلامك دخلت عقلي انه كان قاصد وانه هو بس المذنب، كلامك حسسني بالذنب اكتر اني عرضت اختي لمريض زيه بجملة عفوية مني له وانا بشتكيله انها بتضربني... انا كنت طفلة عمري ما افكر اهرب ولا افكر انه ممكن يقتلني.. لاني ببساطة كنت مقتنعة انه مكانش قاصد... 


نظرت خلفها ل "مراد" الصامت، والهادئ بشكل مريب، عيناه ثابتة عليهما فقط، لم يتفوه بحرف، ولم يظهر على ملامحه أي رد فعل... كالعادة! حركت رأسها يمينًا وهي تبكي بشهقات تعالت في اللحظة:


_ مكنتش أنتَ سبب تعبي وهلاوسي، لو كنت فضلت معاك ومسمعتش كلامه وهربت مكنتش هبقى كده، مكنتش هبقى مريضة نفسية بتعالج، ولا كنت هكرهك واشوفك عدوي... انا دلوقتي بس فهمت جملة الدكتور لما قالي مرة دوري على السبب الحقيقي لكل اللي أنتِ فيه... دوري على الشخص اللي أذاكي فعلاً مش مجرد شماعة بتعلقي عليها اللي حصلك... هو... 


التفت تنظر ل "حسن" مرة أخرى وهي تصرخ بهِ:


_ أنتَ اللي أذتني... أنت المؤذي الحقيقي في حكايتي.. 


شعرت بذراعه يحاوط كتفها يرجعها برفق للخلف لتبتعد اكثر عن "حسن"، ووقف هو أمامه بجمود ملامحه ونبرته حتى نظرته وببطء قال:


- شوف وراك ايه يا بابا متعطلش نفسك. 


والواقفة خلفه اتسعت عيناها ذهولاً وهي تسمع حديثه، ألم يصدقها، ورددتها بصوتٍ عالٍ متسائلة:


_ أنتَ... أنتَ مصدقتنيش؟ 


التف برأسه فقط لينظر لها من فوق كتفه وقال بهدوء:


_ أيًا كان اللي حصل زمان فهو حصل، المهم إنك معايا دلوقتي... ومعتقدش في داعي انكوا تفتحوا في القديم.. 


قال جملته الأخيرة وهو يعاود النظر ل "حسن" الذي طالعه بشك وعدم ثقة في موقفه، لكنه وعلى مضض هز رأسه ونظر لها مرة أخيرة بكره واضح، قبل أن يقرر الانسحاب.. وقبلها مالَ عليهِ "مراد" برأسه يهمس له:


_ مخلصتش.... 


فقط وعاد لوقفته يبتسم بهدوء، حتى ظن "حسن" لوهلة أنه اخطأ السمع... لكن نظرت الأخير أكدت له صحة ما سمع... فقد كانت هادئة هدوئة المخيف.. 


__________________


وصلوا لشقة "باهر" الخاصة... 


وبعد تناول عشاء خفيف أحضره "باهر" في طريقه، اتجه كلاً منهم لغرفته ليستريح من عناء اليوم، وكان من الطبيعي أن يكون الوضع ل"باهر" و "جاسمين" على النحو التالي، كلاً منهما سيبيت ليلته في غرفة منفردة، حتى يتوصلا لحل أخير... إما البعد إما... 


استمع لدقات خافتة فوق باب غرفته والتي يبيت فيها لأول مرة تاركًا غرفتهما الرئيسية، فحتى بعد انفصالهما المؤقت لم يبرحها أبدًا شاعرًا بوجود رائحتها وروحها فيها، علم من دقاتها أنها هي.. فمن سيأتيه غيرها بعد أن خلد الجميع للنوم! 


أخذ نفسًا عميقًا... عميقًا جدًا، قبل أن يرتدي قميصه العلوي ويتجه لفتح الباب، فتحه ليجدها أمامه، كما توقع تمامًا، كانت نظراتها هادئة وطبيعية وهي تطلب منه برفق:


_ ممكن نتكلم؟ أنا مش هعرف اقضي الليلة عادي كده قبل ما نتكلم.. مش هرتاح!!


_ تمام تعالي نتكلم في الصالة.. 


وكان تنبيهًا منه لعدم أحقيتهما للمكوث سويًا في غرفة مغلقة، ولكنها تجاهلت تنبيهه، ودفعته ليبتعد عن طريقها وهي تدلف للغرفة متجهة للأريكة الموجودة بها وجلست فوقها براحة تحت نظراته المندهشة! 


وببراءة بررت:


_ نقعد في الصالة ونزعج النايمين بصوتنا! الناس جاية ترتاح عندنا يومين نقلقهم؟ 


تنهد وهو يتجه لها يشاركها الأريكة بصمت، ظلت تنظر له لدقائق لا تعرف كيف تبدأ بالحديث، وفجأة اختنق صوتها وهي تقول كأنها لا تحدثه هو بالعنية:


_ أنتَ حبتني؟ ولا حبك اللي كنت بتتغنى بيه كدب؟ أصل لو حبتني مكنتش سبتني بالسهولة دي! 


ابتسمت بألم ساخر وهي تكمل:


_ ده ناناة كانت بتحكيلي عن عمي، وقد ايه حارب الدنيا عشان حبيبته، لدرجة انه خسر اهله عشانها! أنتَ خسرت ايه عشاني؟ 


نظر لها بجانب عيناه يخبرها بكلمة واحدة تعني الكثير:


_ خسرتك. 


نظرت له بدموع عينيها:


_ مين طلب منك تخسرني؟ ولو خسرتني، فأنت متحدتش حد عشاني.. حاربت مين؟ حاربت نفسك يا باهر؟ اللي وزتك تبوظ حياتنا! حتى دي محاربتهاش. 


سألها بنبرة لائمة:


_ وأنتِ؟ حاربتي نفسك؟ اللي خلتك تفكري في... 


_ فكرت.. أنتَ قولتها، مجرد تفكير.. مش من حقي؟ مش من حقي افكر واشوف هرتب حياتي ازاي!؟ 


زفرت انفاسها المختنقة:


_ أنتَ حتى مسبتليش فرصة اثبتلك فيها إذا كنت بحبك ومتمسكة بيك تحت أي ظرف ولا لا، مفيش ست في الدنيا هتعرف إن موضوع الإنجاب صعب للدرجة اللي الدكتور قالي عليها ومتفكرش، مهما كان غلاوة جوزها عندها، أنا كنت بفكر عشان ماظلمكش معايا قبل ما اظلم نفسي.. عشان معملش فيها بطلة وبعد كام شهر اقولك مش قادرة اكمل واسحب البساط من تحت رجلك.. أنا مغلطش ولا اذنبت إني فكرت... اقولك حاجة كمان... حتى لو كنت قررت ابعد، كان ده هيبقى من حقي ومش دليل ابدًا على عدم حبي ليك.. لما واحدة مننا بتحب واحد وتتعلق بيه واهلها يرفضوا اوقات بتقف قدامهم وتخسرهم عشانه، هل ده معناه أنها مبتحبش أهلها!! مستحيل.. بس كل الحكاية انها اتمسكت في حقها انها تحب شخص وتختاره ويكون ليها... كل ست مننا جواها غريزة الأمومة.. حب بيتولد لطفل لسه متزرعش جوانا حتى، وبنتمسك بوجوده قبل ما يكون موجود، متقدرش تلوم راجل ساب ست عشان يخلف او العكس.. لأنك لو حطيت نفسك مكانه هتفكر.. وهتتردد تكمل.. ومش مقياس ابدًا للحب، هو مقياس إنك هتقدر تتنازل ولا لأ.. والتنازل في حاجة فطرية وضرورية مش رفهيات! 


أتى صوته كأنه من بعيد رغم قرب المسافة بينهما، وكأنه خارج من اعماق افكاره وهو يقول:


_ محبتش احيرك، ولا احطك في موقف تحسي فيه إنك بعتيني، من قبل ما سمع كلامك وأنا كنت ناوي اعمل كده. 


جحظت عيناها غير مصدقة اعتراف هذا، لتسأله بصدمة:


_ يعني كنت هطلقني حتى لو مسمعتش!!؟ اومال ليه عيشتني الأيام اللي فاتت بذنب إني السبب في اللي وصلناله! كنت اقول لنفسي إن لولا الكلام اللي ما لوش لازمه اللي قلته لخديجه في التليفون وإنك سمعتني اكيد ما كناش هنوصل للمرحله دي! اكيد كنا هنقعد ونتفاهم ونوصل لحل يرضينا احنا الاثنين!! 


طفرت الدموع لعيناه رغمًا عنه وهو يقول باختناق:


_ الدكتور قالك إن الإنجاب صعب، بس اللي ما قالهوش لكِ انه مستحيل، جاسمين انا حالتي حالة عقم كامل. 


لم ينظر لها طوال حديثه، فقط يستند بمرفقيه على فخذيه ورأسه منحنيه كظهره، يطالع الأرضيه الرخامية اللامعة بين قدميهِ... 


جمدتها جملته لثواني لم تنكر صدمتها هي الأخرى من معرفة حقيقة حالته، كانت عائده مُحمله بالحلول والأطباء المشهورين فهذا المجال والذين بحثت عنهم في الآونة الأخيره، مقرره خوض كل الطرق لعلهم يحققان أملهما في نهاية أحدهم، والآن الوضع اختلف تمامًا هل تتراجع؟؟ 


_ باهر... 


قاطعها ناهضًا بشبح ابتسامة ونظر لها يقول:


_ أرجوكِ، بلاش تقولي حاجة دلوقتي... فكري، فكري تاني يا جاسمين.. عشان زي ما قولتي، متاخديش قرار وبعدين تتراجعي فيه.. انا ممكن اتحمل إنك من دلوقتي تقرري الانفصال، لكن اللي مش هتحمله إنك تقبلي تكملي وبعدها ترجعي تطلبي البُعد، عشان خاطري لو بتحبيني فكري كويس بعيد عن اي مشاعر وبعيد عن حبك ليا وعن أي اعتبارات تانيه.. زي ما هتحكمي قلبك حكمي عقلك. 


نهضت بدموعها تتساقط فوق وجهها، ونظرت لجانب وجهه المقابل لها لثواني بصمت قبل أن تنسحب في هدوء ويلقي هو بثقل جسده على الاريكة مرة أخرى وهو يشعر نفسه في دوامة لا تنتهي... 


________________


في فيلا مراد وهدان... 


انتهت من تبديل فستانها بالكاد، بعد أن ساعدها في فتح سحابه من الخلف، ارتدت منامة حريرية من اللون النبيذي بنصف أكمام ملائمة تمامًا لجسدها، خرجت تبحث عنه بعينيها لتجده يخرج فجأة من غرفة تبديل الملابس ويبدو أنه استخدم حمام آخر للاستحمام، وبدل ثيابه لبنطال وقميص بيتي بنفس اللون الرمادي، ابتسم لها ابتسامة خاطفة وهو يشير لها بالاقتراب واتجه للجلوس على الأريكة الوثيرة الموجودة في أحد جوانب الغرفة.. 


جلس وأصبحت أمامه الآن وما كادت تجلس على كرسي مجاور للأريكة حتى أشار لها لتجلس جواره، ففعلت، لتتفاجئ بهِ بعدها يوجه جسدها تحت استغرابها ليجعلها تتمدد فوق الأريكة ورأسها وضعه عنوة فوق فخذه وشعرها فرده خلفها لتكن أكثر راحة، لكنها قالت بتوتر بالغ:


_ انا مش حابة انام كدة... 


_ ليه؟ 


سألها وهو يحرك أصابعه بوتيرة هادئة ومريحة بين خصلات شعرها المفرود، ابتلعت ريقها بارتباك وأجابته:


_ مش.. مش مرتاحة يعني. 


ابتسم لشعوره بتوترها من وضع جديد عليها كهذا، لكنه تجاهل رغبتها وهو مستمر فيما يفعله وقال:


_ دلوقتي هترتاحي. 


يبدو أنه أمر مفروغ منه! 


استسلمت وصمتت رغم تخشب جسدها، واستطاع أن يجذب انتباهها وصرفه عن وضعها وهو يسألها:


_ حابة تتكلمي؟ 


رفعت نظرها له وكم بدت جميلة وهو يناظرها من علو هكذا، فابتسم تلقائيًا وهو يغرق في عينيها للمرة التي لا يعلم عددها... وقد شبهت كوب قهوة صُنع بمزاج رائق... 


_ ولو مش حابة؟ 


سألته تستشف رد فعله، ليقول بصدق:


_ متقوليش.. ووقت ما تحبي ابقي اتكلمي. 


_ يعني حتى لو متلكمتش دلوقتي خالص مش هتتضايق؟ 


حرك رأسه مصدرًا صوتًا نافيًا بحنجرته، لتتنهد بهدوء وهي تقول:


_ صدقني مش عارفة... اللي اعرفه مش هيرضي فضولك زي ماهو مرضيش فضولي. 


_ سامعك. 


قالها وهو يمسد بكفه على خصلاتها لتغمض عينيها محاولة عدم البكاء قدر الاستطاعة.. 


_ أنا... بابا لما عمل حادثة ودخل المستشفى كانوا طالبين له نقل دم.. وأنا قررت اتبرع، وقتها عملوا تحاليل ليا ولمصطفى وقبلوا مصطفى بس، فسألت الدكتور بعد ما مصطفى دخل يتبرع.. قالي انه نفس فصيلة دم بابا، وقالي لو له ابن تاني ممكن يكون نفس الفصلية فاكلمه ييجي.. وقتها استغربت، وقولتله ان ملوش ولاد غيري انا ومصطفى، لاقيته بصلي باستغراب وهو بيسألني أنتِ بنته؟ فقولتله ايوه، سكت ومتكلمش وفضل باصصلي.. حسيت ان في حاجة غلط فسألته لاقيته بيقولي أنتِ بتعتبري نفسك زي بنته يعني؟ وقتها اتضايقت وقولتله لا أنا بنته ومش فاهمه ايه الاستغراب في كده... فصيلة دم بابا مستحيل تخلف ابن فصيلة دمه زي فصيلتي... مفهمتش اوي الحوار اللي قاله وقتها.. بس فهمت ان في حاجة غلط وانه اكتشف ده من الفصايل... 


بابا تاني يوم كان فاق شوية، لما دخلت اشوفه فضلت ابصله وأنا متردده مش عاوزه اسأله عشان حاسة ان ده مش وقته وفي نفس الوقت كنت خايفة.. لأني سمعت من الدكاتره ان حالته صعبة.. 


تهاوت دموعها وهي تكمل بنبرة متحشرجة:


_  خوفت يمشي قبل ما افهم، قبل ما يقولي لو في حاجة مخبيها عني... هو حس إني عاوزه اسأله في حاجة.. قالي اتكلم.. من وسط تعبه رغم انه مكانش قادر يشوفني كويس حتى.. وأنا اتكلمت وسألته، قولتله الدكتور بيقولي اني صعب اكون بنتك.. سألته لو في حاجة مخبيها عليا وإني من حقي افهم.. 


شعرت بكفه يمسح وجهها من الدموع برفق، لتغمض عيناها وهي تكمل بألم:


_ لقيته بدأ يعيط.. ووقتها حسيت ان خنجر ادب في قلبي، عرفت اني في حاجه غلط وان كلام الدكتور صح، وبعد ما هدي شوية... قالي جملة واحدة مفهمتهاش قالي " خديجة اللي في ورق الحكومة ماتت وهي عندها شهر واحد، لكن أنتِ خديجة بنتي اللي ربيتها"... مقالش غير كده..


نهضت عن نومتها، وجلست بجواره تنظر له بينما تقول ببكاء من بين شهقاتها ونظراتها الحزينة له تقتله:


_  مقالش غير كده... معرفتش هو جابني منين، مين أهلي وليه مسألوش عني ولا مرة... بس... بس عرفت.... عرفت حاجات... تانية.. عرفت ليه ماما مكانتش بتعاملني زي سارة.. هي عمرها ما عاملتني زيها... لما سارة.. لما سارة ماتت...قالتلي هي ليه تموت وأنتِ تعيشي... أنا وقتها مفهمتش والله ما فهمت.. فكرت انها زعلانة ومقهورة.. بس حتى بعد كده كانت بتعامل مصطفى أحسن مني بكتير.. بس.. بس هو كان كويس...ازاي مش ابويا.. انا كن...


أحمر وجهها كأنها تختنق، ليقترب الخطوة الفاصلة في جلستهما يلتقط وجهها ويدسه في أحضانه وضعه على صدره وهو يقبل رأسها مرارًا وتكرارًا كأنه يعتذر بالنيابة عن كل شيء، يعتذر عن أذيتها إن كان له دخل بها أو لم يكن، يعتذر عن قسوة الحياة عليها وهي مازالت مجرد طفلة في ريعان شبابها، يعتذر عن من أذوها وأولهم والده ووالدتها... حتى شقيقتها الكبرى التي تنوح عليها لطالما أرادت أذيتها رغم صغر سنها حينها، أغمض عيناه بألم يفتك بخلايا جسده، وسؤال واحد يتردد بذهنه، ماذا فعلت هذه الصغيرة لتستحق كل هذا العناء؟؟ أنها مُدمرة بالكامل... والبقية تأتي!!


_ هششش.. بس عشان خاطري اهدي، بس يا حبيبتي خلاص اهدي... كفاية كلام متفتحيش الموضوع ده تاني ابدًا. 


خرجت من حضنه تنظر له بملامحها الباكية وهي تخبره:


_ بس أنا عاوزه اعرف.. عاوزه اعرف أنا مين.. أنا مش هعيش كده.. بهوية واحدة تانية، عاوزه اعرف هو جبني من ميتم ولا لاقاني في الشارع... يعرف أهلي؟ كان يعرفهم ولا لأ؟ عاوزه اعرف أنا بنت حلال ولا.... 


قاطعها ناظرًا لعينيها بصدق وهو يخبرها بوعد قاطع:


_ اوعدك إنك تعرفي كل حاجة، اوعدك إني هجبلك تاريخ عيلتك كلها، وده وعد مني.. وأنا لما اوعد مستحيل ماوفيش بوعدي.. ما بالك معاكِ؟! 


نظرت له بامتنان جم، وحركت رأسها واثقة بهِ، ليخبرها بابتسامة حانية:


_ ننزل ناكل بقى.. أنتِ ماكلتيش من الصبح. 


هزت رأسها نافية وهي تخبره:


_ أنا محتاجه انام بس... تعبانة أوي ودماغي مصدعة. 


نظر في ساعة الحائط المعلقة خلفه ليقول:


_ الساعة لسة ١١ .. خلينا ناكل بعدين... 


_ كل أنتَ انا بجد مش قادرة، اليوم كان متعب أوي، غير الطريق كمان... واللي حصل من شوية. 


_ خلاص يا حبيبي زي ما تحبي، أنا بس مش عاوزك تتعبي من قلة الأكل. 


اتجهت للفراش وهي تخبره:


_ لما اصحى هبقى أكل.. هيروح فين يعني الأكل. 


اتجه لأنوار الغرفة يطفأها، ظنته سيخرج، لتتفاجئ بهِ يجاورها فوق الفراش وهو يردد بمرح:


_ خديني جنبك بقى، لأحسن أنا كمان عضمي مفشفش. 


ضحكت بصدق وهي تعقب:


_ اومال عامل فيها جامد وناكل الأول وبتاع! 


_ عشانك.. أنا اصلاً مبيفرقش معايا الأكل. 


مد ذراعه يجذبها برفق لتنام فوقه ورأسها قريب من صدره بينما استند برأسه على رأسها، ليسمعها تناغشه:


_ ليه بتخزن الأكل زي الجمل؟! 


ابتسم بخفة يجيبها:


_ بتقولي فيها؟ على فكرة انا عندي بنيان قوي ولما فضل فترة مباكلش جسمي بياخد طاقته من مخزون العضلات، لكن أنتِ مش هتلاقي عندك مخزون عضلات أصلاً. 


ابتسامة صغيرة نبتت على شفتيها قبل أن تغمض عيناها مستسلمة لسلطان النوم... وبعد دقائق كان يلحقها هو الآخر.. 


_____________


اليوم التالي.... 


العاشرة صباحًا.. 


استيقظ منذ ساعتين، تسلل من جوارها بهدوء كي لا يزعجها، وأخذ حمامه وغير ثيابه لثياب رياضية أكثر ونزل لاسفل، قابل "ليلى" ليلقي عليها تحية الصباح، وسألته بقلق عن أحداث أمس ليطمئنها بكلمات مقتضبه، فهمت منها أنه لن يخوض في تفاصيل، جلس معها قليلاً ليجد "مصطفى" ينزل ومعه حقيبته فقد كان موعد مدرسته، تحدث معه قليلاً ثم سمح له بالانصراف، وبعدها ذهب للركض حول فناء الفيلا الواسع، يخرج شحنة غضبه الكامنة فيهِ منذ أمس ولم يستطع إخراجها.. 


وبعد ساعة توقف أخيرًا عائدًا للمنزل، ليصعد للغرفة مرة أخرى ليستحم ويغير ثيابه التي بللها العرق من فرط المجهود.. وبعدما فعل، خرج يقف في شرفة الغرفة ملتقطًا هاتفه يحدث شخص بعينه... 


_ غسان... 


أتاه الرد على الجهة الأخرى من شخص ذو نبرة خشِنة، وجادة لحد كبير:


_ أؤمر يا بوص... 


زفر "مراد" حانقًا:


_ قولتلك مية مرة بلاش بوص دي! بتحسسني إني زعيم عصابة ولا قتال قتلة! 


أتاه رد الأخير المتسرع بلهفة:


_ متقولش كده يا باشا احنا وش ذلك برضو! 


ضرب سور الشرفة بقبضته عدة مرات في وتيرة منتظمة يحاول الهدوء، فغسان دومًا يثير اعصابة، لكن لن ينكر انه أفضل رجاله، حتى أفضل من "طارق حربي" لكن عيبه الوحيد انه متهور، والتهور في عملهم لا يفلح دائمًا... 


_ أنتَ طبعًا كنت مسؤول طول السنين اللي فاتت بانك تدور على مراتي. 


_ طبعًا يا باشا، طارق بيه كان أمرني ادور عليها وأنا عملت كده من وقت ما بلغني، لحد ما لاقيناها أخيرًا. 


_ حلو، عاوزك بقى ترجع تعيد من الأول.. 


قاطعه يسأله باستغراب:


_ هي تاهت تاني ولا إيه؟ 


هدر بهِ معنفًا:


_ ده انا اللي هتوهك في الدنيا لو مخرستش وسمعت للآخر... 


_ تمام يا باشا، معاك. 


اسودت عيناه وهو يوضح له:


_ عاوزك ترجع تدور في نفس الموضوع، بس المره دي مش هتدور عليها... هتدور على حاجتين.. اولاً عاوزك تعرفلي لو كان ابويا له أي علاقة او عنده أي معلومة عن مكانها قبل ما نوصلها.. لو في يوم اتكلم عنها او ذكر اسمها بالغلط حتى عاوز اعرف.. فاهمني يا غسان؟ 


اتاه صوت الأخير الحائر:


_ ايوه بس... ودي هعرفها ازاي يا باشا، ده حسن بيه حويط وكل اللي حواليه زيه. 


التوى فمه بابتسامة ماكرة يجيبه بكلمتين فقط:


_ متولي مثلاً! 


"متولي" الرجل الأقرب ل "حسن" والذي ينفذ له جميع اعماله، همهم "غسان" على الجهة الأخرى، ليكمل "مراد" :


_ متولي بيقلق منك عشان عارفك غشيم، لو اضطريت تستعمل معاه عنف يا اهلاً، عرفت تخلع بالمعلومات بهدوء يا سهلاً... 


رد "غسان" بثقة:


_ تم يا باشا اعتبر لسان متولي تحت جزمة سعادتك، والسبب الثاني. 


تنهيدة قوية خرجت منه قبل أن يخبره:


_ عاوز اعرف أصل مراتي ايه، وعشان تبقى عارف بتنبش على ايه، هي مش من العيلة دي.. عاوز اعرف محمود ومراته وصلولها ازاي ومنين وامتى... فاهمني؟ 


_ تمام يا باشا فهمتك. 


اغلق المكالمة ونظر أمامه بشرود، ولم يشعر بها خلفه.. 


تقف هنا منذُ بدأ مكالمته لكنها لم تحب أن تتحدث خوفًا من أن يكون شيء يخص العمل، لتتفاجئ أنه يخصها، ابتسمت ولمعت عيناها وهي تسمع ما طلبه، لم يمرر فعلت "حسن" كما ظنت أمس، فتقريبًا قرر أن يجمع كل اخطائه ليكن الحساب دفعة واحدة، وكما وعدها بدأ البحث فيما يخص نسبها... 


اقتربت بخطواتها دالفة للشرفة ليشعر بها، فالتفت ينظر لها ليبتسم فورًا بحنو، وقبل أن ينطق اقتربت تندس في حضنه برفق ولفت ذراعيها حوله وهي تقول بصوت مسموع دافئ:


_ صباح الخير يا... مراد. 


_ صبا.... 


كان قد لفَ ذراعيهِ حولها فورًا، وابتسم براحة وسعادة لقربها المرغوب من جهتها، ليتجمد جسده واسمه يضرب في أذنيهِ، أبعدها فورًا ينظر لها بعدم تصديق، هل نطقت اسمه؟ هل تخلت عن "زين" وباتت تناديه بكنيته الحقيقية! 


_ أنتِ... أنتِ قولتي ايه؟؟؟ 


ابتسمت عيناها قبل شفتيها وهي تهمس له بصوتها:


_ صباح الخير يا مراد... 


_______________


في عيادة الطبيب.... 


طالعها بأسف وهو يخبرها:


_ للأسف شكي في محله، حضرتك حامل. 


تسمرت وصُدمت بحقيقة حملها، وبنفس الوقت جملته غريبة، لتسأله:


_ هو... هو ليه للأسف؟! 


هو كل الأسف لها هي، لكن للطبيب لِمَ؟؟! 


اجابها بعملية:


_ الحمل ده في خطر على حياتك. 


أسرعت تقول بلهفة:


_ خلاص انزله. 


هي بالأساس لا تريده، لا تريد حملاً أتى بالإجبار، وبغير رضاها، ولا تريد رابط جديد بينهما. 


_ مهو للأسف برضو مش هينفع تنزليه. 


قطبت ما بين حاجبيها جاهلة، وسألته باستنكار:


_ يعني ايه؟ خطر ومش هينفع انزله! 


_ يعني الحمل ده في خطر على حياتك سواء نزلتيه او كملتيه.. 


وهل يخبرها أنها في كلا الحالتين هالكة!!! 


____________


وعلى طاولة الفطار... 


"باهر" و "رباح" و "فريال" بينما "جاسمين" مازالت نائمة... او هكذا يظن!!! 


_ باهر. 


نظر لها بانتباه:


_ نعم يا فريال. 


_ مش كان واجب نصحي جاسمين تفطر ويانا... 


_ وهي نايمة مبتحبش حد يصحيها، غير انها مبتفطرش أول ما تصحى. 


هزت رأسها بعدم اهتمام، لينظر لها متفحصًا قبل أن يقول:


_ في حاجة تانية عاوزه تقوليها، قولي سامعك. 


نظرت له بأعين دامعة، لثواني بصمت، قبل أن تقول بتعب:


_ ممكن... ممكن تحدت ابراهيم. 


تصلبت ملامحه، وهكذا "رباح"، قبل أن يسألها بجمود:


_ خير؟ 


نظرت لهما، مرتبكة، متوترة، وقالت أخيرًا:


_ جوله... جوله يردني.. وأنا موافجة اتنازله عن ورثي... بس انا مجدراش اعيش أكده. 


جحظت عيناهما، الأول غضبًا، والأخرى ذهولاً، قبل أن يهتف بحدة مستنكرة:


_ أنتِ مفيش فايدة فيكِ!!!! 


______________________


_ هتموت.. 


نظر لتلك الدخيلة وكأنها مجنونة، وابتعد عن طريقها، لتركض خلفه وهي تصر:


_ صدقني هتموت، لو ركبت العربية دي هتنفجر اول ما تركبها، اسمعني ارجوك... بلاش تركبها... اسمعني وصدقني. 


كان شخصية مهمة، نائب وزير المالية، عرفته منذ رأته في حلمها، وعلمت موقعه من الحلم والمبنى المميز الذي ظهر بهِ.. 


لم يستمع لها، ووقف حراسه يمنعوها بقوة من المرور ومواصلة السير خلفه... وهي تصرخ، وتتملص، على شفا الجنون وهي تراه يفتح باب السيارة وسائقة يبدأ في تشغيلها.....!!! 


........ انتهى الفصل.... 



الفصل الثالث والعشرون " في خطر!" 

الحصان والبيدق 

بكِ أحيا 2 

ناهد خالد 


نظرت له بأعين دامعة، لثواني بصمت، قبل أن تقول بتعب:


_ ممكن... ممكن تحدت ابراهيم. 


تصلبت ملامحه، وهكذا "رباح"، قبل أن يسألها بجمود:


_ خير؟ 


نظرت لهما، مرتبكة، متوترة، وقالت أخيرًا:


_ جوله... جوله يردني.. وأنا موافجة اتنازله عن ورثي... بس انا مجدراش اعيش أكده. 


جحظت عيناهما، الأول غضبًا، والأخرى ذهولاً، قبل أن يهتف بحدة مستنكرة:


_ أنتِ مفيش فايدة فيكِ!!!! 


هربت من نظراتهما الحارقة لها، وقالت بتوتر:


_ انا... أنا فكرت ولاجيت ان خراب البيوت مش بالساهل، يمكن الشيطان لعب في راسه عشان أكده اتسرع وطلجني.. لازمن يكون حد فينا عاجل عشان البيت يعمر من تاني. 


_ بيتك عمره ما هيعمر يا فريال، أنتِ بتحلمي، ابراهيم عمره ما هيتغير، وطول ماهو اناني وغشيم وقلبه جامد عمره ما هيعمر بيتك. 


قالها بانفعال وهو ينهض عن طاولة الطعام غاضبًا من قرارها، ما بها هذه الآبلة؟ بأي عقل تفكر كي ترغب في العودة لشخض كأخيه!؟ ألا يكفيها ما لاقته من مرار على يده؟ ألا يكفيها أنه طلقها لمجرد رفضها التنازل عن حقها؟ ماذا تنتظر منه بعد!!؟ 


_ يا بتي فكري زين الله يرضى عنك، هو صوح ولدي وصوح اتجهرت لما طلجك بس أنا خايفة عليكِ، اللي يرميكِ في لحظة عشان بيت ومصنع وميترددش جادر يعمل أي حاجة تانية، للأسف ابراهيم جاسي وجلبه حجر وأنا خايفة عليكِ يأذيكِ أكتر من أكده، يا عالم لو مكنتش لحجتك المرة الأخيرة كان سوى فيكِ ايه لاجل ما تتنازلي.


كان هذا حديث "رباح" الذي خرج منها بكل أسى فهي بالأخير تتحدث عن ولدها للأسف، لكنها خائفة من نتيجة عودتها له، لا تأمن شر "إبراهيم"، فهي باتت تتفاجئ بأفعاله في الآونة الأخيرة، وتخشى أن يؤذي الفتاة ذات مرة والعاقبة ستقع على الجميع. 


نهضت واقفة تقول باصرار واضح:


_ أنا قررت بعد تفكير كتير، وخابرة كل اللي هتجلوه، بس بردك خابرة ان معنديش حل تاني، أمي مهتجبلش ارجع الدار وأنا مطلجة، هروح فين، وهتلطم على مين اجعد عنده. 


اجابها ساخرًا:


_ ليه نسيتي البيت اللي ابويا كتبلك حق فيه؟ الشرك بيني أنا وأنتِ وخديجة، ما تروحي تقعدي فيه.. 


_ واصرف منين، ولا هستنى الحسنة اللي هتبعتهالي أنتَ ولا غيرك؟ 


ردد ذاهلاً:


_ حسنة! أنتِ يابنتي مجنونة ولا مغيبة؟ أنتِ مش مدركة اللي أبويا كتبهولك؟ ابويا كتب مصنع العلف بالنص بيني وبينك، مصنع العلف اللي يعيشك ملكة من دخله كل شهر.. ده ميدخلش أقل من ١٠ آلاف جنية في الشهر ليكِ لوحدك غير نصيبي وغير مرتبات العمال، المصنع كبير وشغله ماشاء الله واسع، ده أنا مرتبي في المستشفى ٣ آلاف بالعافية، يعني هتعيشي أحسن مني دلوقتي! 


اهتزت ملامحها ورمشت بأهدابها بتوتر ثم عادت تقول:


_ مش كل حاجة البيت والفلوس، العيشة لحالك مش سهلة بردك، وانا متعودتش اعيش لحالي، غير إن أمي هتجسى عليا اكتر و... 


_ لوحدك كيف يا فريال، مانا وياكِ يا بتي ومش هسيبك، لو عوزاني ابجى اجي اجعد معاكِ يومين ولا حاجة في البيت الكبير هاجي.. وكل يوم هتشوفيني، ومعاكِ باهر وخديجة دايمًا هتتحدتوا وهتتواصلوا سوا......


فركت كفيها بتوتر وابتلعت ريقها باضطراب بعد أن أصبحت كل حججها واهية:


_ ماهو... أصل أنا... 


قاطعها "باهر" ساخرًا:


_ أصل وحشك قلة القيمة... 


_باهر!! 


هتفت بها "رباح" موبخة حين تمادى في حديثه، ليغمض عينيهِ بضيق فعلى أي حال ما كان عليهِ قول ما قاله، فتحهما وهو يقول دون النظر لها:


_ خلاص ياماما سبيها الكلام ممنوش فايدة، هي حرة، دي حياتها وهي حرة فيها... أنا هكلمه كمان شوية واعرفه قرارك. 


وانسحب من بينهما في غضب. 


وهي تحركت للنافذة الموجودة في الصالة تنظر منها للخارج تتابع حركت تلك الطائرة التي حلقت في السماء مصدرة صوتًا عاليًا، وماجت عيناها بالكثير... 


____________


كان شخصية مهمة، نائب وزير المالية، عرفته منذ رأته في حلمها، وعلمت موقعه من الحلم والمبنى المميز الذي ظهر بهِ.. 


لم يستمع لها، ووقف حراسه يمنعوها بقوة من المرور ومواصلة السير خلفه... وهي تصرخ، وتتملص، على شفا الجنون وهي تراه يفتح باب السيارة وسائقة يبدأ في تشغيلها.....!!! 


اغمضت عيناها وهي تنتظر سماع صوت الانفجار لكنه لم يحدث! بل سمعت صوت تحرك السيارة وبعدها صوت الحارس الذي يحجبها عن التحرك يقول ساخرًا:


_ منفجرتش يعني! عارفه لولا إني حاسك مش طبيعية كنت حبستك على الازعاج اللي عملتيه. 


تراجعت للخلف فاتحة عيناها على مصرعيهما، ورأسها يدور بألف سؤال و سؤال.. لأول مرة حلمها يخيب! لأول مرة لا يموت الضحية كما رأت! ما معنى هذا؟ 


لكنها سعيدة، وقلبها يتراقص فرحًا فهذه المرة لم تحمل ذنب شخص آخر... 


صباحًا حلمت بهِ وقامت من نومها كالملسوعة تركض لترتدي ثيابها وتلحق بالضحية قبل فوات الأوان، بدايًة كانت مفاجأة لها أنها لحقت.. فدومًا تأتي بعد وقوع الحدث، وارتاح قلبها لوصولها باكرًا عكس المعتاد، ولكن ما إن رفض تصديق كلامها حتى شعرت بالاسوء.. أن ترى وقوع الحادث بعينيها ولا تستطيع إنقاذه.. لكن ماذا الآن؟؟ 


رفعت ذراعيها كاستسلام وهي تقول بخوف للحارس:


- معلش.. معلش أنا اعصابي تعبانة شوية..


عقب ساخرًا:


_ لا مهو واضح.. يلا بقى اتكلي من هنا احسنلك ومتجيش هنا تاني.. 


اومأت برأسها سريعًا وفرت هاربة وهي تحمد ربها أنها لم تقع في مشكلة بسبب ما قالته.. فالأمر مختلف هذه المرة لانه رجل ذو مكانة كبيرة، وكان يمكنهم على أقل تقدير سجنها كما هددها. 


___________


اقتربت بخطواتها دالفة للشرفة ليشعر بها، فالتفت ينظر لها ليبتسم فورًا بحنو، وقبل أن ينطق اقتربت تندس في حضنه برفق ولفت ذراعيها حوله وهي تقول بصوت مسموع دافئ:


_ صباح الخير يا... مراد. 


_ صبا.... 


كان قد لفَ ذراعيهِ حولها فورًا، وابتسم براحة وسعادة لقربها المرغوب من جهتها، ليتجمد جسده واسمه يضرب في أذنيهِ، أبعدها فورًا ينظر لها بعدم تصديق، هل نطقت اسمه؟ هل تخلت عن "زين" وباتت تناديه بكنيته الحقيقية! 


_ أنتِ... أنتِ قولتي ايه؟؟؟ 


ابتسمت عيناها قبل شفتيها وهي تهمس له بصوتها:


_ صباح الخير يا مراد... 


تنهد بقوة وزاد من ضمها أكثر لثواني، ثم ابتعد قليلاً ليستطيع رؤية وجهها وسألها برجاء خفي وعيناه تركض فوق وجهها بشغف لامع:


_ أنتِ قولتي مراد صح؟ يعني اخيرًا اتخلصنا من زين! اخيرًا اتقبلتي وجودي في حياتك؟! 


اومأت برأسها مبتسمة بهدوء وسعادة لسعادته الظاهرة أمامها بمبالغة لمجرد أنها نطقت اسمه! 


_ طيب ممكن تقوليها تاني؟ 


ضحكت بخفة وهي تسأله:


_ هي أغنية؟ ولا أنتَ أول مرة تسمع اسمك؟ 


اجابها بلوعة:


_ أول مرة اسمعه منك، ودي تفرق.. تفرق كتير أوي يا ديجا.. أنا كنت فاكر لسه قدامي الطريق طويل عشاني تتقبليني كمراد مش كزين، بس بما إنك ناديتي بأسمي يبقى اتقبلتيني صح؟ 


جملته الأخيرة أو بالادق سؤاله خرج متوترًا وقلقًا، بشكل أحزنها حقًا.. هل كل هذا يعتمر دواخله لمجرد عدم نطقها لأسمه؟ هل لهذه الدرجة تمنى أن يسمع اسمه منها؟ وهي التي لم تتخيل الموضوع بهذه الأهمية أبداً وتمادت في مناداته ب "زين" كاعتياد منها ولم تكلف نفسها محاولة مناداته بأسمه، حتى الآن قالته لشعورها بأنها واخيرًا تستطيع نطقه بعد كل ما صدر منه في الفترة السابقة واخرهم مكالمته التي استمعت لها منذ قليل، قالته ولم تتوقع أن يتوقف عنده لهذه الدرجة! 


اومأت برأسها بهدوء وهي تجيبه مبتسمة:


_ ايوه... اتقبلتك يا مراد، زين شخص حبيته واتعلقت بيه في فترة بس كأسم ملوش وجود، لكن مراد هو  صديق طفولتي و.... وجوزي. 


قالت الأخيرة بخجل فطري لنطقها لقب كهذا لأول مرة، ليبتسم بشدة كما لم يبتسم من قبل.. واقترب برأسه منها حتى استند بجبهته على جبهتها فاغمضت عيناها بتوتر بالغ، تنفس بعمق كأنه يدخل رائحتها في رئتيهِ وهمس بعشق:


_ بعشقك يا ضيّ، بحبك أكتر من أي حد وأي حاجة في حياتي، مبتمناش حاجة من الدنيا غير وجودك جنب قلبي. 


هي أنثى... بالأخير، هي أنثى تتلذذ بسماع كلمات معسولة كهذه، التي تداعب أوتار قلبها، وتزغزغ مشاعرها، تسعد لوجود شخص يحبها بهذا الشكل، وترضي غرورها الأنثوي كلما أخبرها بمدى أهميتها في حياته، تذوب من كلمة.. وتستسلم من فعل! 


كاستسلامها الآن... 


حين شعر بهدوئها وسكونها في حضنه، وعيناها المغمضتان بسلام، نفسها العالي بتوتر وخجل، ووجهها المتلون بحمرة فطرية محببة، كل هذا اخبره بمدى تأثير قربه وحديثه عليها، فتجرأ للخطوة التالية...فاقترب أكثر طامعًا في خطف قبلته الأولى منها... 


وبعد ثواني كان يبتعد ببطئ وقد شعر بجسده يحلق في العنان من حلاوة شعوره بها، مازالت متمسكة بقميصه البيتي بقوة منذُ فعلت أول ما بدأت قبلتهما كأنها تتلقى منه الدعم، فتح عيناه أولاً ينظر لوجهها بترقب قلِق، رغم سعادته العارمة، ومشاعره الجياشة التي ظهرت في مقلتيهِ، لكن هذا لم يمنع قلقه من رد فعلها.. ينتظر أن تفتح عيناها وتنظر له والتالي لا يتوقعه لكن يتمنى أن يكون لصالحه.. 


منذ أن اقترب منها حتى شعرت بماس كهربائي يضرب جسدها لتتمسك في ثيابه فورًا بتلقائية وخضة، فلم تتوقع فعلته، وبعدها لا تعلم ماذا أصابها، كل ما تعلمه أنها أحبت تلك اللحظات القصيرة!! أحبت ما شعرت بهِ، لم تغضب ولم ترفض.. 


فتحت عيناها ببطئ خجِله من مواجهته بعدم استسلامها الواضح له حتى وإن لم تبادله لكنها استسلمت... 


نظرت له لتجد عيناه لا تفارقها فأخفضت نظرها فورًا وتركت قميصه في الحال بتوتر بالغ، وهي تردد بتلعثم واضح:


_ ااا.. انا... انا هروح.. اشوف الفطار.. 


رد فعلها لم يرضي فضوله لذا وقبل أن تتحرك خطوة كان يمسك بها مرة أخرى، محتضنًا خصرها بذراعيهِ وهو يقول بعبث بينما تتجنب النظر له:


_ طيب ما تيجي ندخل نريح شوية كمان. 


نظرت له مستفهمة رغم خجلها:


_ أنتَ عاوز تنام تاني؟ 


ابتسم لها بمكر يخبرها:


_ مهو مش كل الراحه نوم يا ديجا. 


قطبت ما بين حاجبيها بعدم فهم:


_ أنا مش فاهمة. 


ضحك بخفة معقبًا براحة وقد تأكد أنها ليست غاضبة من قربه منها:


_ ولا عمرك هتفهمي يا روحي. 


نهرته بضيق وهي تبعد ذراعيهِ عنها:


_ ليه بقى هو أنا غبية؟! 


نفى برأسه بنفس الابتسامة:


_ لا يا حبيبتي بس في حاجات مش هتفهميها غير لما أنا اللي افهمهالك. 


_ طيب ماتفهمني. 


_اعتقد إنك مش مستعدة تفهمي دلوقتي. 


استفزها حديثه وكأنها لا تفهم بالفعل! فوضعت كفها في خصرها وتهز رجلها بضيق:


_ لا معلش فهمني. 


ضحك بخفوت على افعالها الطفولية التي يراها لأول مرة، ليبتسم وهو يسألها:


_ مصممة يعني؟ 


اومأت برأسها وعيناها تلمع باصرار، فلمعت عيناه خبثًا وهو يخبرها:


_ تمام يا ستي، أنا قصدي ان مش النوم بس اللي هيجمع بينا في السرير.. يعني في حاجات تانية متأجلة، زي إننا نكون زوجين فعلاً مش مجرد ورقة وخلاص... 


اعتدلت في وقفتها فورًا وفغر فاهها بصدمة، وقد أدركت معنى حديثه، وفجأة شهقت بخفة وهي تدور بعيناها في أي مكان عدا مكان وقوفه، ووجهها أصبح كالطماطم الناضجة، سعلت عدة مرات بخفة وهي تحاول الحديث، تحت نظراته العابثة وضحكته التي يكتمها بصعوبة، فقال محاولاً عدم إظهار ضحكه:


_ مكنتش عاوز اكسفك، بس أنتِ أصريتي تفهمي. 


تلعثمت كعادتها حين تتوتر:


_ لا... عا... عادي.. قصدي.. هو طبيعي. 


_ هو ايه اللي طبيعي؟ 


قالها وقد ظهرت ضحكته في سؤاله، لتفرك كفيها بتوتر بالغ، وتعطيه جنبها كي تستطيع الحديث، نظرت للجهة الأخرى تقول:


_ قصدي... قصدي إنك لو عاوز ده.. طبيعي... معنديش مانع.. قصدي عادي. 


اندثرت ضحكته وقطب ما بين حاجبيهِ مندهشـاً من حديثها، تحرك ليصبح أمامها ونظر لها باستغراب جلي:


_ خديجة، أنتِ فاهمه أنا قصدي ايه؟ 


اومأت برأسها وهي تضع وجهها في الأرض خجلاً، رفع وجهها بكفه وهو يسألها مرة أخرى:


_ وأنتِ معندكيش مانع؟ 


نفت برأسها دون أن تنظر له، ليرتفع حاجبيهِ دهشة وهو موقن بوجود شيء خطأ، سألها مرة أخرى مضيقًا عيناه بتفحص:


_ هو أنتِ عارفه يعني ايه نكون متجوزين فعلاً؟ 


قضمت شفتها السفلى بتوتر بلغ العنان، واجابته بانفاس متسارعة من خجلها وتوترها:


_ اا.. ايوه.. انك يعني... انك تقرب مني وكده. 


وبنفس الوضعية سألها:


_ أقرب منك ازاي؟؟ 


رفعت نظرها له هذه المرة بدهشة، وطالعته بصدمة وهي تسأله هذه المرة:


_ أنت عاوزني اقولك ازاي؟؟ 


اتسعت عيناه بصدمة لفهمها لسؤاله، ونفى برأسه سريعًا يوضح قصده:


_ لا طبعًا، أنا بس اشك إنك فاهمة حقيقة الوضع.. 


_ طنط ليلى قالتلي شوية حاجات كده.. 


طالعها باستغراب متفاجئًا:


_ أمي! ده امتى؟ 


اجابته بخجل:


_ من يومين.. هي عارفة ان... إني يعني مش هيكون عندي علم بحاجة زي كده.. ومحدش من أهلي موجود عشان يفهمني فقالتلي شوية حاجات... و... وكمان يعني.. 


ابتسم لها يسألها يحثها للحديث:


_ وكمان ايه؟ 


اشاحت بنظرها عنه وهي تجيبه:


_ فريال... فريال كانت اتكلمت معايا شوية. 


تأكد الآن من فهمها الأمر حتى وإن لم يكن بأكمله كما قالت، لكنها على الأقل لديها خلفية واضحة عنه، فسألها عابثًا:


_ وأنتِ بقى معندكيش مانع ان ده يحصل بينا؟ 


نظرت له وهي تخبره بتعقل:


_ أنتَ كنت تقدر تعمل ده من أول يوم جيت بيتك، لكن استنيت وصبرت عليا، وكتب كتابنا تاني عشان تطمني ويكون مؤكد انه حلال، وعملتلي فرح رغم اني مطلبتش، حتى امبارح ملمحتش بأي حاجه تخص الموضوع وكأنه ميهمكش اصلاً، يعني صبرت عليا بما فيه الكفاية رغم ان ده حقك، فهتصبر ليه تاني؟ مبقاش في كتب كتاب تكتبه ولا فرح تستناه حتى أني قولتلك دلوقتي إني اتقبلتك كمراد، فاعتقد الطبيعي انك متستناش اكتر. 


والآن فهم...هي ترى الأمر بعقلانية، تفكر فيه بعقلها، منطقيًا ليس هناك ما يمنعه من القرب، لذا تشجعت وأعربت عن عدم ممانعتها للقرب، ولكن رغبتها... قلبها.. لم يتدخلا في قرارها.. لذا وإن فعل الان سيكن الأمر مجرد حق وواجب، وهذا أكثر ما سيبغضه، قربهما لن يكن بهذا الشكل ابداً. 


ابتسم لها بهدوء:


- معتقدش انه الوقت المناسب، ومش شرط عشان اتجوزنا امبارح ده يحصل طبيعي، في حاجات أهم يا خديجة.


_ زي ايه؟ 


_ لما تحصل منك هبقى اقولك عليها.


أشارت لنفسها باستغراب:


_ مني انا؟ طيب هتحصل ازاي وانا مش فاهمه هي ايه؟ 


حرك رأسه بيأس:


_ مهو مينفعش حد يوجهك ليها، أنتِ بتلقائية هتعمليها ووقتها هقولك ان ده الوقت المناسب عشان نقرب فيه من بعض. 


وقبل أن تستفسر أكثر، رن هاتفها لتدخل للغرفة ملتقطة اياها و "مراد" خلفها يتابع بفضول ليعرف من يحدثها باكرًا هكذا، تهجمت ملامحه حين هتفت باستغراب وهي تطالع شاشة هاتفها:


_ ده باهر! 


هتف نازقًا بغيرة:


_ هو أنتِ ادتيله رقمك ليه أصلاً! مش قولتلك الرقم ده ميكونش مع حد غيري... 


نظرت له مبتسمة بيأس من تحسن علاقته بباهر فيبدو الأمر مستحيلاً:


_ مراد ده ابن عمي وزي اخويا الكبير.. آخر حد ممكن تفكر تغير منه هو باهر. 


_ ليه مش راجل؟  انا بردو شاكك فيه.. 


رفعت حاجبيها نازقة هذه المرة:


_ الله! بلاش غلط بقى... 


انهت جملتها وفتحت الخط قبل أن تنقطع المكالمة.. 


_ باهر ازيك؟ 


استمعت لرده تحت نظرات "مراد" المغتاظة، لتقول بقلق بعدها:


_ مالها فريال؟ 


جحظت عيناها وهي تصرخ بهِ بعدم تصديق:


_ نعـــم؟؟ هي اتجننت البت دي، ترجعله ازاي يعني!!! 

لا يا باهر متسمعش كلامها دي شكلها مش واعية للي بتعمله. 


" يعني ايه هتكلمه؟" 


" خلاص انا هكلمها، مهو مش هينفع نقول هي حره، ابراهيم هيقضي عليها بجد وهي غبية مش فاهمة اللي ممكن توصله معاه" 


" خلاص يا باهر، خلاص انا هشوف الموضوع ده" 


اغلقت المكالمة وقذفت الهاتف فوق الفراش بضيق واضح، ليسألها "مراد" بهدوء:


- ايه اللي حصل؟ 


_ الغبية عاوزه ترجع لجوزها، هي فاكره انها لو اتنازلت عن حقها حياتها هتبقى حلوه، وهيعيشوا في سلام، ابراهيم مش كل مشكلته معاها الفلوس.. من قبل الورث وهو مطلع عينها، هي بتعمل كده ليه؟ وازاي قادره تتقبله!! 


اقترب منها يهدأ انفعالها، فمسك كفيها يضغط عليهما برفق وهو يسألها:


_ عاوزه رأيي؟ 


اومأت برأسها مستمعة له بتمعن، ليقول:


_ بصي يا حبيبتي، فريال بتحبه، وللاسف مش قارده تاخد رد فعل سلبي تجاهه، مش قادره تقسى وتتحكم في قلبها اللي عاوز يروحله، وفي الحالة دي، الوحيد اللي قادر يحول حبها لكره، ورغبتها في القرب لنفور هو ابراهيم.. هو نفسه اللي قادر يوصلها للحالة دي، ووقتها بس هتعرف تاخد رد فعل تجاهه، وقتها هتفوق وتبعد وتشتري كرامتها... لكن لو الف واحد اقنعها دلوقتي انها تعمل العكس عمرها ما هتسمعله.. فمفيش داعي تكلميها.. صدقيني.. سبيها تعمل اللي عوزاه وتجرب ترجعله، سبيها تدرك بنفسها انه علاقة سامة هيقضي عليها.... 


_ هي أصلاً مش هتسمعلي.. هي دايمًا في اي حاجة تخصه مبتسمعش. 


قالتها بجبين مقتضب، وأعين حزينة، لا تعرف كيف تقبل فريال كل هذا الذل والهوان؟ 


_ شوفتي، يبقى متكلميهاش، سبيها تعيش الحياة الوردية اللي فاكره انها مستنياها.. عشان تفوق. 


اومأت برأسها موافقة، وتنهدت قلقة من القادم فيما يخص صديقتها.. 


_____________


_ أنتِ كنتِ فين؟ 


تسائل بها "باهر" ما إن رأي "جاسمين" تدخل من الباب، لتنظر له بأعين دامعة دون رد، اقترب منها وهو يقول مستغربًا:


_ فكرتك لسه نايمة، أنتِ خرجتي امتى؟؟ 


_ الصبح بدري. 


قالتها بنبرة متحشىرجة أثر بكائها طوال طريق العودة، وقف أمامها وسألها بقلق:


_ مالك؟ أنتِ كنتِ فين ومعيطة ليه؟ 


استجمعت ذاتها وقالت:


_ حلمت بحد.. وروحت انقذه.. 


اتسعت عيناه بعدم تصديق، لقد عادت تفعل ما نهاها عنه؟؟ ظهر الضيق والغضب على ملامحه وهو يقول:


_ تاني؟ تاني يا جاسمين؟ احنا مش قولنا هنبطل نجري ورا الحكاية دي، مش قولنا مادام كل مرة مبتلحقيش الشخص يبقى مفيش داعي تعذبي نفسك وتجري تروحي المكان اللي شوفتيه.. تشوفيه ميت وتفضلي تأنبي نفسك إنك ملحقتيهوش، رجعتِ تاني تجري ورا احلامك؟ وده طبعًا من أول ما طلقتك ومشيتِ من البيت صح؟ 


نكست رأسها بصمت، فهو محق، كانت قد وعدته ألا تركض وراء احلامها مرة أخرى، لكن ما إن ابتعدت عنه ورغمًا عنها لم تستطع منع نفسها.. 


_ وطبعًا مات.. وطبعًا طول الطريق راجعة مفتورة من العياط عشان ملحقتيهوش.. مش كده؟ 


رفعت رأسها له هذه المرة وهي تجيبه:


_ لأ... المره دي حصلت المعجزة.. مماتش يا باهر، شوفته بيركب العربية وبعدها بتنفجر بيه، بس ده محصلش.. ركب العربية ومشي ومحصلوش حاجة...


فغر فاهه دهشًة وسألها مضيقًا عيناه بعدم تصديق:


_ بتتكلمي جد؟! 


اومأت وقد عادت دموعها تسيل فوق وجنتيها مرة أخرى.. 


_ وده معناه ايه؟؟ 


رفعت منكبيها بجهل تقول بتأثر:


_ مش عارفة، بس اكيد حاجة كويسة.. على الأقل لو اتكرر تاني هبقى بحلم وأنا عارفة ان الشخص مش هيحصله حاجة فمش هحط الحلم في بالي أصلا. 


_ بس ليه ده حصل فجأة؟؟ 


_ مش فجأة.. 


زادت دموعها وهي تخبره:


_ لما كنت عند ناناة قولتلها إني بحلم أحلام وحشة وبصحى متضايقة وتعبانة.. قالتلي اقرأي كل يوم الرقية الشرعية او اسمعيها وسورة البقرة حتى لو جزء منها والاذكار.. ده قبل ما تنامي، وحطي المصحف على الكومود القريب من رأسك وادعي ربنا يصرف عنك الكوابيس الوحشة.. وفعلاً بقالي اسبوعين بعمل كده.. بحس براحة رهيبة وأنا نايمة، وأول مرة اقعد اسبوعين محلمش بحاجة.. وأول حلم يطلع عكس اللي حلمت بيه والشخص ميحصلوش حاجه... أنا واثقة لو واظبت على كده مش هحلم تاني ابدًا.. انا كنت بدعي واقول يارب أنا تعبت ومبقتش قد الحمل اللي أنا فيه.. واستجاب يا باهر شوفت... 


قالت جملتها الأخيرة وانخرطت في بكاء عنيف، فرحًا بما وصلت إليه، وتأثرًا بقدرة الله التي ظهرت في أيام قليلة.. هي التي بقت سنوات تحلم بالاحلام السيئة ولم تتخلص منها سوى بالتقرب من الله.. 


ادمعت عيناه هو الآخر تأثرًا وقال:


_ محدش عنده شك في قدرة ربنا، احنا بس اللي هموم الدنيا بتلهينا وبننسى ان الحل كله عنده. 


اومأت برأسها عدة مرات تأكيدًا، وأخيرًا قالت بشهقة بكاء:


_ أنتَ مش هتردني بقى؟ 


ضحك من قلبه ما إن استمع لجملتها بهذه النبرة التي تذكره بإحدى الفتيات في أحد الأفلام العربية الشهيرة، هز رأسه بضحك ثم قال:


_ لما نتفاهم الأول وتفكري. 


أسرعت تقول:


_ انا فكرت يا باهر، أنا اصلاً مكنتش محتاجة وقت افكر بس فكرت عشان اريحك.. ردني الأول وأنا اتفاهم معاك... 


تنهد بقوة يخبرها:


_ أنا نفسي اعمل ده قبلك، بس لازم نتكلم الاول يا جاسمين الموضوع مش لعبة ولا تهور. 


_ هنتكلم امتى؟ 


_ اشوف بس الهانم اللي عاوزه ترجع لجوزها دي الأول بعدين نتكلم.. 


_ مين دي؟ 


_ فريال. 


_ ترجعله ازاي؟ تسافرله؟


_ لا يردها، مهو كمان طلقها. 


شهقت بصدمة ونظرت له تقول بتفاجئ:


_ طلقها؟ هو انتوا دماغكوا فوتت أنتَ واخوك!! 


_ فوتت؟ أنتِ عرفتِ الكلمة دي منين؟ 


سألها باندهاش، لتجيبه بتقرير:


_ خديجة قالتها مرة قدامي.. 


_ أنتِ متخطلتيش بخديجة دي تاني، دي هتبوظ اخلاقك. 


_ ليه دي عسولة اوي والله. 


هز رأسه يائسًا فيبدو أنها وجدت صحبتها المفضلة.. 


____________


عصرًا... 


لم تذهب للعمل اليوم، وجلست تنعي حظها البائس، تدور رأسها بغير هدى، لا تعرف حل مشكلتها المعضلة، والحقيقة أنه لا يوجد حل.. فقد اغلق الطبيب أي مخرج أمامها.. وضعها في منتصف الدرج لا هي قادرة على الصعود ولا الهبوط.. والآن ما يشغلها حقًا "عُمر".. صغيرها.. هل ستتركه لوالده؟ هل ستتركه والخطر يحوط بهِ هكذا؟ ولدها في خطر ويجب عليها تأمين حياته قبل أن يصيبها شيء.. لن تتركه لظلمات والده.. لن تترك ما خشت حدوثه أن يحدث. 


_ مروحتيش الشغل ليه؟ 


رفعت رأسها على سؤال "دياب" الذي أتى للتو من الخارج، في موعد غداءه، نظرت له صامتة، واجمة، حتى عاد سؤاله، فتنهدت بهدوء تجيبه:


_ تعبانة. 


جلس على الكرسي أمامها وسألها بقلق:


_ ليه؟ مالك؟ اجبلك دكتور؟ 


نظرت له لعدة ثواني بصمت، تنظر لملامحه فقط.. أحبته بصدق، وكان أول وآخر من أحبته، ليتها لم تكتشف حقيقته، ليتها ظلت مغفلة فكان أهون عليها مما تعيشه الآن ... صراع دائم بداخلها، بين حبه الذي ما زال يحتل قلبها وبين رفضها لحياته وحقيقته المرة، أين الخلاص في هذه الحالة إذًا!؟ 


_ فيكِ ايه يا رنا؟ 


_ أنا حامل. 


قالتها بملامح واجمة، جامدة، ولم تنتظر رده، نهضت مبتعدة عنه صاعدة للأعلى.. دون أن تخبره بالخطر الذي يحوم حولها! 


وهو بالخلف ارتسمت ابتسامة واسعة تزين ثغره، وعيناه تلمع بشغف، قبل أن يسمع لصوت رنين هاتفه ويجيب.. 


_ تمام اوي كده... برافو عليك. 


واغلق الهاتف يتنهد براحة.. راحة كبيرة.. فاليوم يوم سعده من كل جهة. 


أخيرًا "رنا" ستجلب له طفل آخر، طفل يربطها بهِ أكثر ويقيدها، طفل سيزيد من عدد أفراد امبراطوريته، طفل سيعيش معه كل ما حُرم منه في طفله الاول، سيراه حين يولد، سيحمله أول شخص، سيشهد كل مراحل نموه، الطفل الذي تمناه منذُ عادت إليه... 


و "مراد" الذي ضربه في مقتل الان مستغلاً انشغاله هذه الفترة... والان فقط رد له الضربة، هو اقصاه عن عمله حين خسر صفقة بملايين الدولارات، وأصدر زعيم المنظمة أمر بوقف تعامله في مثل هذه الصفقات، والآن لقى "مراد" المثل، فقد ضربه في صفقة بالغة الأهمية كان هو المسؤول عن تأمينها، ولينتظر رد فعل المنظمه على خسارة غريمه.. 


ضحك بسعادة وهو يتخيل وجه غريمه حين يصله الخبر.. 


___________


كان يتابع عمله في شركته المشتركة بينه وبين والده، حين رن هاتفه وكان "ضرغام"... 


_ ها؟ 


_ باشا متولي مجاش معايا سكة، فشحنته على المخزن عندنا. 


_ تمام خليه هناك لحد ماجي استجوبه انا بنفسي. 


_ متتعبش نفسك يا باشا أنا هجيبلك قراره. 


نفس دخان سيجارته بهدوء وهو يقول:


_ لا لا أنا حابب استجوبه بنفسي.


_ تمام يا باشا اللي تؤمر بيه سعادتك.


اغلق معه المكالمة، وقبل أن يضع الهاتف مكانه، أتاه اتصال آخر من احد رجاله..


_ أنتَ بتقول ايه؟؟


صرخ بها منتفضًا من جلسته بعنف حتى أن الكرسي المتحرك ابتعد عدة سنتيمترات خلفه، استمع للجهة الأخرى يقول:


_ يا باشا زي ما قولت لسعادتك، البضاعة اللي كانت في المخزن اتسرقت.. احنا كنا هننقلها بعد ساعة بس الرجالة كلموني قالوا ان في حد سرق البضاعة وقتل الرجالة اللي كانوا بيأمنوها.


اتقدت عيناه بشرارات الغضب وهو يردد بفحيح مرعب:


_بضاعة تمنها يعدي العشرين مليون دولار تتسرق ومن مين.. من مخزن مراد وهدان، مين اتجرأ يسرق مخزني ويقتل رجالتي!!!.


_ هنعرف يا باشا، انا مش هسكت غير لما اعرفه لسعادتك.


_ ده يكون احسنلك.


قالها بنبرة جامدة مهددة أثارت الذعر في نفس الآخر، واغلق المكالمة..


ظل يدور في مكتبه كالأسد الثائر، لايفرق معه سرقة الشحنة ولا مبلغها، كل ما يفرق معه هو أن تجرأ أحدهم عليه، لم يحدث من قبل أن تجرأ أحد ووضع نفسه في خانة اليك معه، الجميع يخشاه ويضع له ألف حساب.. عدا....


عدوه اللدود...


_ دياب...


رددها من بين أسنانه وعيناه متوحشة كالجحيم، يتوعده بأقسى رد كي يعرف مع من يلعب، حتى رن هاتفه مرة أخرى وكان زعيم المنظمة يطلب لقاءه..


إذًا الأمر قد وصل له، وسيخضع للتعنيف...! ويبدو أن مكانته في المنظمة أصبحت في خطر! 


_______________


_أنا كلمت إبراهيم.


قالها "باهر" بجمود وهو يقف أمام "فريال" الجالسة فوق أحد الكراسي تتابع التلفاز بشرود وبجوارها "رباح" و "جاسمين" التي تتحدث في الهاتف بعيدًا قليلاً، نظرت له "فريال" بابتسامة واسعة تسأله:


_ وقالك ايه؟


ابتسم ساخرًا يجيبها:


_ قالي لما ترجع تيجي البيت وانا هردها، بس قبلها هيكون مجهز الورق عشان التنازل، يعني حتى مش هييجي ياخدك.


لم تضع بالاً لحديثه، ونهضت تقول ل "رباح" :


_ هدخل البس عشان نلحق قطر الساعه ٦..


ودلفت لغرفتها تحت نظراتهم المستنكرة، ضرب "باهر" كفًا بآخر يقول:


_ دي مشمتش ريحة الكرامة.


_ سيبها بكيفها، وانا هكون وياها.


بالداخل...


انتهت من ارتداء ملابسها ووقفت أمام المرآة تلف حجابها وما إن انتهت حتى نظرت لذاتها في المرآة، وملامحها جامدة بشكل غريب... وفجأة توحشت عيناها وهي تقول محدثة صورتها المنعكسة:


_ مستحجش اعيش لو ماخدتش حجي من حبابي عنيه، حجي مش ورث ولا بيت... حج بهدلتي وذلي وضربه ليا كل ساعة والتانية، وفي الآخر طلاجه ورميه ليا من غير ما يفكر... حج كل ليلة نمت فيها دمعتي على خدي وجلبي بيتكوي كوي، حج حبي الي ذله وهانه ومسح بيه الأرض.. حج حرماني من العلام وحديته اللي محسسني دايمًا إني مليش جيمة ولا لزمة، حج جهرتي ووجعي في الليلة اللي كل بنت بتستناها عشان تكون ذكرى حلوة، هرجع يا ابراهيم.. هرجع عشان لسه مخدتش حجي منك يا... يابن خالي..


ويبدو من حديثها أن "ابراهيم" بدى في خطر...


ولكن هل الأمر كما يبدو أم سيتبدل الحال ويحوم الخطر حولها هي؟!!


........ انتهى الفصل.....



الفصل الرابع والعشرون "رد الضربة" 

الحصان والبيدق

بكِ أحيا 2

ناهد خالد


الأول من يوليو لعام ٢٠٢٠...


مرَ أسبوع على آخر أحداث عاصرتموها.. 


والوضع في غاية التعقيد.. 


"مراد" تأكد من أن" دياب" هو من سرق مخزنه، ورغم هذا لم يأخذ رد فعل!.. على الأقل للآن! وأمر   " غسان" أن يحتفظ ب" متولي" في المخزن طوال المدة المنصرمة، اولاً لانه لم يكن متفرغ له بعد سرقة مخزنه، وبعد لقاءة بزعيم المنظمة في مصر الذي وبخه بطريقة غير مباشرة والقى المسؤوليه جميعها أمام المنظمة على عاتقه، وطوال الاسبوع المنصرم يسعى جاهدًا لاستعادة ما سُرق منه قبل أن يصل الخبر لباقي اعضاء المنظمة في الخارج... ووعد ذاته أن اليوم سيصل له خاصًة مع كون اليوم مميز له، وتمييزه جاء من كونه اليوم الذي وُلدت فيه توأم روحه... ابنته، ورفيقته، وزوجته.. واليوم يحضر لها مفاجأة لن تتوقعها.. 


خرجت من عند الطبيب متمسكة بيده وابتسامة رائقة تزين ثغرها، وصلا لسيارته فاستقلت مقعدها ثم تنهدت براحة وهي تريح رأسها على ظهر المقعد، وجدته يمسك كفها بعد أن ركب جوارها لتفتح عيناها مبتسمة له، فبادلها الابتسامة يقول:


_ مبسوط من كلام الدكتور. 


اومأت رأسها مؤكدة:


_ وأنا، ارتحت أوي لما قالي ان هجيله مرتين بس في الشهر بدل ٤ مرات، وقللي العلاج.. رغم ان فكرة استمراري عليه لمدة ٨ شهور صعبة شوية. 


_ معلش يا حبيبتي بس لازم، الدكتور عاوز يوصلك للشفا بنسبة كبير ويكون ضامن بنسبة ٩٠٪ زي ما قالك ان ميحصلش انتكاسه، وطبعًا مع أننا نمشي على التعليمات اللي قالها. 


هزت رأسها متفهمة:


_ فكرة إني قربت اتعالج خلاص حاسة إني مش مصدقاها، أنا بقالي ٦ سنين تقريبا مع الدكتور، ومكانش فيه أي نتيجة، وفجأة في ظرف شهرين اعمل اللي معملتوش في ٦ سنين!


_ عشان الظروف اتغيرت في الشهرين دول، اتقبلتِ وجودي وقربنا من بعض، وانتظمتي على العلاج وواظبتي على مواعيد جلساتك. 


نظرت له بامتنان بالغ، فعلاً لولاه لِمَ وصلت لهذه النقطة في علاجها، لولاه لِمَ استطاعت أن تصبح بخير صحيًا رغم إصابتها بالسكري، فقبلاً كانت دائمًا تمر بوعكات صحية أثر مرضها، ولكن الآن الوضع مستقر بفضل مراقبته لها وحرصه الدائم على تحسن صحتها، ابتسم ثغرها بخجل وقالت له:


_شكرًا، أنا مهما شكرتك على اللي عملته معايا الفترة اللي فاتت مش.... 


قاطعها وهو يهمس:


_ ششش.. بطلي هبل، هو في شكر بينا؟ بعدين أنا أي حاجة بعملها بعملها لنفسي ولمصلحتي في الآخر. 


قطبت ما بين حاجبيها مستفهمة:


_ يعني ايه لمصلحتك؟ 


اجابها بهدوء:


_ يعني لما أنتِ تكوني بخير أنا هكون بخير، ولما يكون في حاجة تعباكِ اكيد انا كمان مش هكون كويس ابدًا وهكون تعبان اكتر منك كمان. 


اشاحت بنظرها للطريق أمامها بخجل، لا تستطيع مجاراة حديثه ابدًا، ولكن ما لبثت أن عادت تنظر له مرة أخرى وهي تسأله بتردد وحرج:


_ ممكن اطلب طلب؟ 


اومأ برأسه مؤكدًا:


_ طبعًا، قولي يا حبيبتي. 


انخفضت نبرة صوتها وهي تخبره:


_ ممكن تجبلي شيكولاته، بقالي كتير مكلتهاش ونفسي فيها. 


اختفت ابتسامته وتصلب وجهه لثواني قبل أن يقول بضيق لحرمانها من شيء بسيط كهذا:


_ ايوه بس أنتِ عارفه انها ممكن تتعبك. 


نظرت له ببراءة تخبره:


_ مش هاكل كتير، وكمان هاخد الدوا لو النسبة رفعت. 


تنهد باختناق، لو بيده لسمح لها بكل شيء وأي شيء تريده، لكن الوضع خارج عن ارادته. 


ولم يستطع أن يرفض لها طلب، والآن يجلس أمامها كالاستاذ وهي الطالب! زفرت انفاسها بضيق وهي تقول:


_ مانا مش هعرف أكل كده! 


رفع منكبيهِ بينما يريح ظهره على الكرسي خلفه والطاولة بينهما رد بتكاسل:


_ هو أنا ماسكك، ما تاكلي.


ضيقت ما بين حاجبيهِ بضيق:


_ مهو أنتَ باصصلي كده موترني، وبعدين قاعدلي كده ليه؟! 


أجابها بهدوء:


_ عشان أنتِ هتسرحي يا حبيبتي، يعني ماستبعدش تاكلي الكيلو ده وأنتِ قاعدة. 


رغم الوجوم الذي احتل وجهها إلا أنها قالت:


_ لا متقلقش احنا اتفقنا هم ٣ بس. 


رفع حاجبه الأيسر فبدى خطيرًا لحد ما، وقال بسخرية:


_ بس احنا اتفقنا على ٢ يا خديجة!


_ بجد؟ مش فاكرة.. 


قالتها ببراءة زائفة فنظر لها بتحدي قبل أن يسحب علبة الشيكولاته ناحيته ويلتقط منها قطعتان يضعهما أمامها، وأغلق العلبة وازاحها جانبًا ثم قال:


_ كده اقدر اقوم لو حابه. 


بدى التذمر على وجهها جليًا، والتقطت القطعتان وتناولتهما على مضض، لكن لصغر حجمهما شعرت أنها لم تسد شهوتها بعد، فحزنت حقًا، وظهر حزنها على ملامحها واضحًا وقد القت بالورق الفارغ على الطاولة واستندت عليها تنظر من خلال الزجاج لحمام السباحة المرئي لها، تنهد بقوة حزينًا على حالتها، يؤلمه حرمانها من شيء، لكنه يخاف عليها، لو يستطع لأخذ مرضها عنها، نهض والتف حول الطاولة ليصبح خلفها مال على كرسيها واحتضن كتفيها بذراعيهِ واسند رأسه على رأسها يقول بدعابة:


_ سيبك من الشيكولاته والكلام الفارغ ده، قوليلي تاكلي ايه على الغدا عشان ابلغ هدى تجهزه. 


حاولت الابتسام رغم اقتضابها:


_ أي حاجة. 


_ لا بقى أي حاجه ازاي! قولي نفسك في ايه؟؟ 


أتى على عقلها شيء لتبتسم بحماس وهي تقول:


_ لو قولت أي حاجة هيعملوها؟ 


_ ايوه طبعًا، اؤمري. 


_ نفسي في عدس. 


قطب ما بين حاجبيهِ وابتعد برأسه عن رأسها يسألها بعدم فهم:


_ هو ايه العدس ده؟ 


جحظت عيناها بصدمة تسأله بعدم تصديق:


_ مش عارف العدس!!؟ معقول؟ أنا عارفه انكوا مرفهين بس مش للدرجادي!. 


_ يعني هو ايه؟ 


نهضت ليستقيم واقفًا معها وأخذت تشرح له:


_ عدس ده بروتين الغلابة، زي اللحمة كده لهم، وله كذا طريقة وكلهم احلى من بعض.. لا لازم تجربه، ده تحفة ده، ويدفي في الشتا. 


_ بس احنا مش في الشتا! 


_ عادي بيتاكل في الصيف بردو، بس في الشتا بيكون امتع لأنه بيدفي.


_ مدام هدى...


رفعت صوتها تنادي، ليعقب بيأس وضيق:


_ بردو! مدام!


نظرت له تخبره باصرار:


_ الست قد والدتي مستحيل اناديها باسمها، لكن ندى و مها بقولهم باسمهم عشان اكبر مني بحاجة بسيطة.


أتت المدعوة "هدى" وقد كانت سيدة في منتصف الأربعينات، أنيقة ويبدو على ملامحها الجدية والصرامة، ترتدي زي رسمي، كنزة بيضاء، و تنورة كحلية اللون، وحذاء أبيض بكعب بسيط، وحجاب كحلي اللون، فقد اشترطت "خديجة" أن يكن جميع الفتيات محجبات، وبناء على رغبتها أتى "مراد" بثلاث فتيات محجبات كما أرادت.


_ نعم يا هانم.


_ تعرفي تعملي عدس؟


نظرت لها باستغراب جلي وكأنها سبتها؟! ثم قالت بتردد:


_  أه، بس اصل بقالي سنين معملتوش.. من وقت ما اشتغلت كل اللي بشتغل عندهم محدش طلب مني اعمله قبل كده. 


_ لا بصي بقى، سبيك من كل اللي اشتغلتي عندهم، واستعيديلي قاموس الأكلات الشعبي، عشان هتعمليها كتير الفترة الجاية. 


اومأت برأسها بطاعة:


_ أمرك يا هانم، تحبي نعمل العدس ازاي؟ 


ابتسمت بحماس وشغف وهي تجيبها بشهية كأنها تتخيل الأكل أمامها:


_ شوربة عدس، وفتة، وجنبها بقى ليمون وبصل وجرجير وظبطينا..بس..


نظرت ل "مراد" حائرة:


_ انتوا هتاكلوا ايه؟ 


كان مبتسم وهي تشرح لها وجبتها المشتهية لها بكل حماس، بدت كطفلة صغيرة ترغب في أكلة ما، حرك رأسه بلامبالاة:


_ أنا تمام.. هجرب معاكِ. 


رفعت حاجبيها بشك وسألته:


_ متأكد؟ 


اومأ مؤكدًا، فعادت تسأله:


_ طيب و طنط ليلى؟ 


نظر" مراد" ل "هدى" :


_ أنا والهانم اعملي زي ما قالت، واسألي ليلى هانم ومصطفى بيه يحبوا ياكلوا ايه. 


_ أمرك يا باشا. 


قالتها وهي تنسحب بهدوء من بينهما، لتقول "خديجة" بعدها:


_ هطلع اغير هدومي واخد شاور. 


_ تمام. 


انسحبت من أمامه لينادي على "هدى" مرة أخرى، فأتت مسرعة فقال:


_ خدي العلبة دي وزعي اللي فيها عليكوا. 


أخذتها على الفور ودلفت للداخل ليفتح هاتفه ويطلب رقم "غسان" ليجيبه الاخر بعد ثواني، فقال:


_ انا جايلك اسبقني على المخزن. 


______________


"دياب" طوال الاسبوع المنصرم وهو يشعر بالخطر، فهدوء "مراد" غير طبيعي أبدًا، لم يرد ضربته بعد، والأمر في هذه الحالة أسوء.. 


_ يا ترى بتدبر لأيه يابن وهدان؟ 


قالها بحيرة وعقله لا يكاد ينفك عن التفكير في عدوه اللدود، قطع تفكيره حين حاول صغيره الصعود فوق الطاولة الزجاجية الموضوعة في منتصف الصالة، فهتف قلقًا:


_ عُمر.. انزل يابابا هتتعور. 


واستمع الصغير لحديثه فورًا، وركض تجاهه مرتميًا على قدميهِ، ليرفعه لحضنه ويجلسه فوق فخذه يداعبه بحب كبير، وضحكات الصغير تعلو.. 


ترجلت الدرج تنظر لهما ورغمًا عنها سعدت للمشهد الذي أمامها، بدى مشهدًا رائعًا ودافئًا لأب وابنه، اتجهت لهما بخطوات بطيئة، انتبه لها "دياب" فرفعه رأسه ينظر لها لثواني قبل أن يقول بسخرية مبطنة:


_ اخيرًا شرفتينا بطلتك. 


فهمت إلامَ يرمي بحديثه، فهي منذ اخبرته بحملها من أسبوع، ولم تظهر في الارجاء، تعمدت عدم التواجه معه، فلم يكن يراها في وقت الغداء مدعية أنها لديها عمل ولم تستطع القدوم، ومساءً يأتي ليجدها خالدة للنوم باكرًا على غير العادة، جلست أمامه على أحد الكراسي، وقالت بهدوء تام:


_ وعاوز تشوفني ليه؟ مش حققته اللي عاوزه؟ 


_ محسساني إني شاقطك! أنتِ مراتي لو ناسية، وكونك حامل ده طبيعي جدًا.. 


نظرت له باشمئزاز وهي تقول:


_ بس أنا مكنتش عاوزه الحمل ده، ولا عاوزه العلاقة دي من أصله. 


_ مهو كده الإنسان مبيبقاش عارف مصلحته فين. 


ضغط على اسنانها بغيظ، سيجلطها إن استمرت في الحديث معه، فلم تعقب، حتى قال هو مرة أخرى:


_ قوليلي.. مبتتوحميش على حاجة؟ 


نهضت بعنف واققة وهي تجيبه بحدة:


_ مش عاوزه حاجه منك. 


قالت جملتها وذهبت تطوي الأرض غضبًا، بينما نظر لأثرها بتنهيده يائسة، لا يعلم متى ستستقر الأمور بينهما عامان وبضعة أشهر مروا عليهما ولم يتغير شيء، لم يستطيع كسب لينها ولم يهدأ الوضع بينهما.. والنهاية مجهولة بالنسبة له. 


ركض الصغير يجلب هاتف والده الموضوع فوق الطاولة حين على رنينه، ليأخذه "دياب" منه بعدما قبل وجنته بحب، وما إن رأى رقم المتصل حتى أخبره:


_ روح يا حبيبي العب في الجنينه ماري هناك. 


اومأ الصغير برأسه ليركض ناحية الحديقة، فتح المكالمة لينتفض واقفًا وهو يردد بصدمة:


_ بتقول اييييييه؟؟؟؟؟ مخزن ايه اللي ولع!!! 


وهل أتى الرد من ابن وهدان أخيرًا!! 

_____________


في أحد المخازن التابعة ل" مراد وهدان"... 


وقف بشموخه المهيب، يضع كفه في جيب بنطاله، والكف الآخر تقبع بين اصابعه سيجارة فاخرة ينفث دخنها بهدوء تام، وكأنه في مكان آخر غير الذي فيه.. وكأن ليس أمامه مشهد دموي لشخص لم تعد تتبين ملامحه من كثرة الجروح في وجهه، وجسده مقيد بحبال غليظة وقواه خائرة، دلف للمكان "غسان البلطاجي" شاب بجسد ضخم قليلاً يساعده طوله الفارع الذي يتعدى طول "مراد" عدة سنتيمترات، بشرة حنطية، وشعر بني كعيناه، ملامح حادة، ولحية خفيفة، في الثامن والعشرين من عمره، وقف لجوار "مراد" يقول بجدية:


_ زي ما حضرتك شايف يا باشا مبقاش فيه حتة سليمة، بس شكله مخلص اوي لحسن بيه. 


أزال لفافة التبغ من بين شفتيهِ وهو يقول ببسمة مخيفة:


_ أصيل متولي، أصل بقاله سنين طويلة مع البيه، من بعد ما تولدت على طول تقريبا، بس أنتَ جربت ضرب بس!؟ 


التمعت أعين "غسان" بالشر وهو يجيبه:


- مهو حضرتك قولت منزودش العيار عليه، لحد ما تيجي بنفسك. 


نظر له بجانب عيناه يبرر:


_ مانا عارفك يا غسان، لو زودت العيار هتخلص عليه وانا عاوز أخد منه اللي عاوزه. 


والمتابع لحديثهما مات رعبًا، وعيناه تركض بينهما في فزع، وشحب لونه حين وجه "مراد" انظاره له، وهو يقول ل "غسان" :


_ احنا ممكن نقطع ايد... نقطع رجل.. مش هيموت فيها دي صح؟ 


_ طبعًا صح يا باشا.. 


واتجه فورا لآداة مخيفة توجد في أحد الجوانب، حملها فبدى أكثر اجرامًا، واتجه ليقف خلف المقيد ويضع سلاح الاداه الطويل فوق كتفه، ليصرخ بفزع وهو يقول:


_ لااا... لا يا باشا بلاش دراعي... لاااا. 


_ مانتَ اللي مش عاوز تنقذ نفسك يا متولي! 


قالها "مراد" ببراءة، ليقول "غسان" بنفاذ صبر:


_ اخلص يا باشا؟


اجابه "مراد":


_ اهدى يا غسان، هو عاقل وهيتكلم. 


قال "متولي" بفزع:


_ يا باشا اقول ايه بس.. 


_ قولي حسن بيه طول السنين اللي فاتت كلفك بأي حاجة تخص خديجة، كلفك تدور عليها أو حتى عرفت مكانها؟؟ 


توتر وزاغت عيناه وهو يقول بتلعثم:


_ مانا... مانا قولت ل.. لغسان انه محصلش.. معرفش مين خديجة أصلاً. 


صدح صوت "غسان" يسأل ثانيًة:


_ اخلص يا باشا؟


لم يجيبه هذه المرة وهو ينظر ل "متولى":


_ أنا متأكد إنك كداب، والكدب هيأذيك بطريقة مش هتتوقعها. 


_ يا باشا لو أنت مأذتنيش حسن بيه هيموتني. 


هدر "غسان" بضيق:


_ باشا اخلص؟


حدقه "مراد" بنظرة نارية قبل أن يصرخ بهِ:


_ ماتهدى بدل ما اخلص أنا عليك! 


ونظر ل "متولي" يخبره:


_ شايف التور الهايج ده؟ مش أنا اللي هقولك على غشومية غسان، وأنا صبري قليل، يعني الحق نفسك وآخر مره هسألك... 


ليس هناك بدًا من الاستسلام:


_ هقول يا باشا... 


_ ابعد يا غسان.. 


قالها "مراد" ليبتعد "غسان" بنزق مرددًا:


_ يعني مش هنقطع حاجة! 


هز" مراد" رأسه يائسًا من ذلك الهمجي المحب للدماء، و نظر ل "متولي" يحثه بنظراته على الحديث، فابتلع الآخر ريقه بخوف قبل أن يقول:


_ حسن بيه من وقت ما بدأت تدور عليها وهو أمرني ابعت حد عنوانهم اللي في البلد اتأكد إن كانوا لسه موجودين فيه ولا لأ، الكلام ده كان من ٨ سنين تقريبا، وقتها كنت طلبت من طارق أول ما بقالك رجالة وناس تحت طوعك أنه يدور عليها، بعت حد لبلدهم ولاقاهم هناك ومن وقتها وحسن بيه أمرني احط عين عليهم دايما عشان لو وصلتلهم يعرف.. رغم انه كان عارف انك مش هتوصل. 


ملامحه كانت جامدة، ومخيفة، وعيناه تموج بها عدة مشاعر مبهمة، وسأل بحذر:


_ ليه كان عارف إني مش هوصلهم؟! عشان معرفش عنوانهم في البلد؟


نظر له بتردد وخوف وصمت، ليهدر بهِ مراد بغضب:


_ ما تخلص يا روح أمك أنتَ هتنقطني! 


قال "متولي" سريعًا:


_ حا.. حاضر يا باشا.. هو.. اصل يعني حسن بيه كان موصي جامد انك متوصلهاش، عشان كده كان طول الوقت بيضلل الرجالة اللي بتدور.. وكان كل ما يقربوا يوصلوا لحاجة يدخل في الموضوع ويرجعوا لنقطة الصفر.. هي دي كل الحكاية.. ولما رجالتك وصلولها عشان الفترة دي كان مشغول جامد بصفقة والرجالة قصروا لما لقوا ان بقالهم سنين وكده كده مبتوصلهاش وكمان مكنش في مراقبة وقتها مني ولا من حسن بيه.. فحصل الغلط ده.. حتى بعدها فجأة مبقناش نعرف عنها حاجه لما بطلت تروح تشتغل عن الدكتور في العيادة.. وعرفنا انها شغالة في مطعم في المنطقة، فقلناله المعلومة دي وسكتنا مكانش حد يعرف ان سعادتك اللي في المطعم معاها.. ويوم كتب الكتاب جه الخبر فجأة، عشان كده أمرني ابعتلها جواب معرفش جواه ايه، بس انا بعته وخلاص.. 


_ غسان خليه يروح.. 


هدر بها "مراد" قبل أن يخرج كمن يلاحقه شبح، خرج من المخزن ووقف بالخارج ساندًا على مقدمة سيارته، ينظر لقدميهِ، والصمت حليفه، خرج "غسان" ليقف أمامه يسأله:


_ باشا حضرتك كويس؟ 


اومأ برأسه، ليتابع الأخير:


_ طيب الرجالة رجعوا البضاعة، وولعوا في مخزن دياب بالبضاعة بتاعته اللي كانت فيه، كمان صفقة شركته مع الشركة اللبنانية اتلغت وكده هيكون عنده خسارة كبيرة لأنه كان داخل بتقله في الصفقة دي. 


_ تمام يا غسان. 


ولم يضف المزيد، لينسحب "غسان" وهو يدرك سوء مزاج رئيسه. 


وها هو "مراد" قد رد الضربة مضاعفة.. والآن الطير يحلق فوق رأس "دياب"... 


____________


رنت على هاتفها ثلاث مرات حتى ردت أخيرًا، لتقول بتوبيخ:


_ كده يا فريال قلقتيني عليكِ، كل يوم كده ارن كام مرة لحد ما تردي. 


وفي منزل فريال... بسوهاج، تحديدًا منزل والدتها... 


كانت متقوقعه حول ذاتها، تجلس ضامة ركبتيها لصدرها، ورأسها فوقهما، ووجهها شاحب ويظهر عليه الإرهاق واضحًا، أخذت نفسًا عميقًا واجابت بنبرة متحشرجة:


_ معلش... أنتِ خابرة إني مببجاش عاوزه اتحدت.. 


_ ولحد امتى بس! أنتِ بقالك ٥ ايام على وضعك ده، وكده هتتعبي، فوقي يا فريال بقى كفاية ضعف. 


وجملة "خديجة" الأخيرة كانت حادة لعلّها تفوق لنفسها، لتجري دموعها فوق وجنتيها وهي تبدأ في البكاء:


_ مش جادرة، حاسة إني هموت من الجهرة، حاسة جلبي بيوجعني جوي يا خديجة جوي... 


لانت نبرة "خديجة" وهي تقول:


_ يا حبيبتي من الأول قولتلك الانتقام مبيجبش غير وجع القلب، من وقت ما كلمتك وقولتيلي إنك عاوزه ترجعيله عشان تنتقمي للي عمله فيكِ، قولتك بلاش يا فريال.. الانتقام مؤذي للطرفين، وممكن أنتِ اللي تنضري، قولتلك انتقامك الحقيقي انه يشوفك ناجحه، وقوية، واحسن من غيره، بس أنتِ اللي مسمعتيش يا قلبي.. ودلوقتي هتسبيه برضو يتشفى فيكِ؟ وأنتِ محبوسة في بيتكوا من يومها، واكيد بيوصله اخبارك. 


استمعت لصوت يقترب من غرفتها وفجأة فتحت "سُرية" الباب وهي تنظر لها، ثم سألتها:


_ بتتحدتي ويا مين؟ 


قالت "خديجة" من الجهة الأخرى:


_ يييي، بقولك انا هقفل مش ناقصة حرقة دم. 


أنزلت "فريال" الهاتف بعد إعلان غلق المكالمة لتقول "سُرية" بسخرية:


_ تبجى خديجة، مادام جفلت اول ما سمعت صوتي بحدتك. 


اومأت برأسها صامتة، لتقترب الاخيرة تقف أمام فراشها تهدر فيها بغيظ وداخلها يغلي:


_ بعدهالك يا بت أنتِ؟ هتبجي على وضعك ده لميتى؟ 


_ اعمل ايه ياما! اجوم اولع في حالي عشان ترتاحي، ولا اروح احب ع يده عشان يرجعني؟ 


قالتها بهياج وهي تقف بعصبية، لتجيبها والدتها:


_ لا يا خيبه يا بنت الخيبة، مجولتلكيش من الاول تروحي تتنازلي عن ورثك وحجك عشان يرجعك، اول ما عرفت انك رجعتي البلد وروحتيله عشان يردك وتتنازلي عن ورثك جريت الحجك، ولولا وجودي كان زمانك لا طايلة ابيض ولا اسود، بعد ما ضحك عليكي وطلجك تاني. 


تذكرت ذلك اليوم حين طعنها طعنته الأخيرة، كانت تخطط للانتقام منه، لكن ما لم تضع له حسبان ان خطته سبقت خطتها، فبعد أن حضر المحامي لتتنازل عن ورثها ومضت الاوراق، فاجئها يخبر المحامي أن يناولها أوراق الطلاق لتمضي عليها، وفي اللحظة كان يطلق كلمته القاتلة للمرة الثانية "أنتِ طالق" جملة اصابتها في مقتل، وشعرت بهدم الدنيا فوق رأسها، ولولا والدتها التي أتت كالطلقة النارية تخطف أوراق التنازل وتمزقها إربًا لكانت خسرت كل شيء.. 


وحينها هي من طلبت منها أن تمضي أوراق الطلاق، وصرخت ب "ابراهيم"


" من اللحظة دي لا ليك علاجة بيها ولا بيا، يا خسارة تربيتي فيك لما تنهش لحمك ولحمي، الطمع عمى جلبك وخلاك تجور على حج بت عمتك اللي ربتك وطول عمرها بتعتبرك ولدها، اخص عليك وعلى تربيتك اللي هي تربيتي"


وكانت النهاية في علاقة عمتها ب "ابراهيم" فهو لم يتراجع بل وقف يتبجح ويهدد بأنه لن يترك حقه..


نظرت لوالدتها بصمت منكسر، لتتجه" سُريه" للخروج ووقفت على باب الغرفة تنظر لها بجمود وقالت:


_ اعملي حسابك السنة الدراسية باجي عليها ٣ شهور.. هجدملك في الجامعة عشان تكملي تعليمك وهترجعي تجعدي في القاهرة.. بس المرادي هتروحي تجعدي مع بت خالك، باهر مفاضيش تجعدي وياه وحاله الملغبط مع مرته، غير إني خابره مهترتاحيش غير ويا خديجة.


وخرجت، تاركة "فريال" شاخصة ببصرها ذهولاً خلفها..


_____________


_ تخيل يكون شايف ابنه حياته متنكدة وتايه بسبب انه مش لاقي البنت اللي بيحبها، ويكون عارف مكانها لا وكمان بيبعدها عنه! بيقطع كل طريق يوصله ليها! أنا كنت عارف انه كان عارف مكانها بس متخيلتش انه كان بيضللني..


قالها "مراد" وهو ما زال جالسًا على مقدمة سيارته، يتحدث في هاتفه مع "طارق" الذي هاتفه ليعرف منه آخر الأخبار، ليقول الأخير:


_ مش مستغرب.. حسن بيه طول عمره اهم حاجة مصلحته، هو كان شايف ان وجودها هيضعفك او هيحنن قلبك فممكن تنشغل عن شغلك او حتى تقنعك تبعد عن الشغل، وطبعا ده مش لصالحه ابدا، عشان كده عمل اللي عمله، رغم اني متخيلتش بردو، بس مش مستغرب حقيقي...


غامت عيناه بنظرة حزن ممزوجة بألم، وتنهد بحرقة وهو يقول:


_ أنا بقى مستغرب... ومش مصدق انه قدر يعمل ده، ده كويس انه مأذهاش.. أنا كل ما اتخيل انه كان ممكن يأذيها او يخلص منها ااا....


صمت وهو لا يستطيع التكملة، مجرد تخيله للأمر يقتله، لقد كان يضع يده عليها طوال السنوات التي كانت غائبة عنه فيها...


_ وهتعمل ايه؟


سأله "طارق" ليجيبه:


_ اخلص بس من النهاردة، عشان عيد ميلاد خديجة، وبكره هتحصل مفاجأة للكل محدش يتوقعها...عشان اللي يجي على حاجة تخصني يبقى كتب نهايته حتى لو كان...... ابويا..


       ~~~~~~~انتهــى الفصــل~~~~~~~~


يتبع

#الحصان_البيدق

#ناهد_خالد



 

الفصل الخامس والعشرون "ليلة مميزة"

الحصان والبيدق

بكِ أحيا 2

ناهد خالد


" ليلة واحدة يمكن أن تبقى في ذاكرتك أمدًا، ليلة واحدة يمكنها أن تكن ليلة مميزة بما تحويه من أحداث، والتميز ليس بالضروري أن يكون للجميل فالمميز ربما يكون للأسوء أيضًا، بالنهاية كلاهما ستكن ليلة مميزة!!" 


تحسست درجات السلم بقدميها بقلق وارتباك، من عصبة العينين التي تمنعها من الرؤية، ورغم أنه يقودها لحيثما يريد، إلا أن الإنسان بطبعه لا يثق، استمعت لصوته يسألها ضاحكًا:


_ أنا مش فاهم مخشبة نفسك ليه؟ أنتِ مش شايفة بس أنا شايف مش هوقعك يعني! 


ردت بقلق:


_ مش مخشبة نفسي ولا حاجة. 


_ مهو واضح اهو.. 


قالها ساخرًا وهو يوجه خطواتها لجناحهما، فتح الباب ودلف أولاً ثم جذبها للداخل واغلق الباب خلفهما، أزال عصبة عينيها بعد أن تنحى جانبًا قليلاً لتستطيع رؤية المكان، فتحت عيناها ببطء تعتاد ضوء الغرفة الخافت، والذي اكتشفت ان مصدره الوحيد هو الشموع الكثيرة التي تزين المكان، تجمدت ملامحها بصدمة وهي تنظر لِمَ تراه، هي للآن لم تفهم سبب كل هذا، لكن الأمر... رائع، الغرفة الواسعة بسخاء قد اكتظت بالورود المنثورة في كل شبر بأرضيتها وفوق الفراش بشكل منسق، رائع، والشموع التي تزين المكان مع رائحة عطرة زكية، ولم تغفل عن البلونات الملونة التي زينت سطح الغرفة، وفي أحد الجوانب وُضعت طاولة بيضاء وكرسيان من نفس اللون، وزُينت الطاولة بالورود وشمعة مضيئة تزين منتصفها، وأطباق مُغطاة يبدو أنها للطعام، وكأسان وُضع فيهما قدر من المياة الغازية، نظرت له بعدم فهم تسأله:


_ ليه كل ده؟؟ أنا مش فاهمة.. 


اقترب الخطوة الفاصلة ليصبح أمامها تمامًا، جذب خصرها بكفيهِ القويتان، لتتوتر من قربهما المبالغ بهِ، فتقريبًا لا يفصل بينهما سوى الهواء الذي يمر، رفعت رأسها لتنظر له بينما يقول:


_ عشان النهاردة اليوم اللي اتولدت فيه روحي، النهاردة اليوم اللي جت فيه حياتي للدنيا. 


رفعت حاجبيها باندهاش وهي تسأله:


_ النهاردة عيد ميلادك؟ 


ثم أسرعت تقول تحت نظراته المندهشة:


_ أنا أسفة والله بس محدش قال قدامي، ومعرفش هو امتى. 


قهقه تاليًا وهو يحرك رأسه غير مصدقًا ردها، توقع ان تخجل وتتوتر كالعادة حين تسمع حديثه مدركة أنه يتحدث عنها، ولكنها فاجأته كالعادة... 


_ حبيبتي أنا عيد ميلادي الشهر الجاي، مبتكلمش عن عيدي ميلادي. 


قطبت بين حاجبيها باستغراب تسأله:


_ الله! اومال ايه؟ أنتَ بتقول عيد ميلاد روحك واليوم اللي جت فيه حياتك.. مش فاهمة.. 


رفع حاجبه الأيسر مستنكرًا:


_ بردو! 


أخذ نفسه وهو يسألها بهدوء:


_ ديجا أنتِ عيد ميلادك امتى!؟ 


رفعت منكبيها جاهلًة:


_ مش فاكرة والله، اصل عمري ما ركزت في حاجة زي دي، خصوصا أن محدش عندنا كان بيهتم باعياد الميلاد. 


سألها مدهوشًا:


_ يعني عمرك ما بصيتي في شهادة ميلادك ولا بطاقتك؟ 


_ وابص فيهم ليه؟ وحتى لو مش هبص في تاريخ ميلادي يعني.. انا كل اللي اعرفه إني مواليد ٢٠٠٠، واني دلوقتي عندي ٢٠ سنة. 


رفع أحد كفيهِ ليضعه على وجنتها اليمنى برفق قائلاً بحب واضح:


- أنتِ النهاردة عندك ٢٠ سنة، النهاردة اليوم اللي اتولدت فيه روحي وجت فيه حياتي للدنيا، وروحي وحياتي هم أنتِ يا ديجا. 


ظلت لثواني قليلة غير مستوعبة حديثه، هل كان يتحدث عنها من البداية؟؟ وحين استوعبت ادمعت عيناها غير مصدقة كم الحب الذي يكنه لها، يهتم بكل تفصيلة تخصها، حتى عيد مولدها الذي لم تكلف نفسها معرفته يومًا ولم يهتم أحد له، وكل هذا فعله لأجلها، ابتسمت ابتسامة هادئة متوترة وهي تقول:


_ أنا... يعني كل ده عشاني؟ 


هز رأسه نافيًا:


_ ده ولا حاجة، استني... 


قالها واصطحبها بعدها يجلسها على أحد كراسي الطاولة ثم غاب في غرفة تبديل الملابس، غاب لثواني ثم عاد حاملاً أربع صناديق ضخمة لدرجة أن وجهه لم يظهر من حجمهما، نهضت سريعًا تحاول التقاط أحدهما منه وبالفعل أخذت أعلاهم تحت دهشتها مستحيل أن تكن هذه هداياها، وضعهم فوق الفراش وأخذ الذي حملته منه يضعه جواره، سألته فورًا غير قادرة على كبح فضولها:


_ ايه كل ده؟؟ 


زفر زفرة طويله كأنه كان يركض طريق طويل وأخيرًا وصل، وقال وعيناه مثبتة على الصناديق:


_ دي هدايا ١٢ سنة فاتوا... مهما حكيتلك مش هتتخيلي أنا اتمنيت اللحظة دي قد ايه، اللحظة اللي اطلعهم كلهم قدامك وتشوفيهم،  كل هدية من دول كانت في نفس اليوم ده من كل سنة، يوم ميلادك، هتلاقي الهدايا متقسمة في شنط وكل شنطة عليها تاريخ السنة اللي جت فيها... 


لمعت الدموع بعينيهِ رغمًا عنه، يقول بنبرة تحمل ألم و تعب كبيران بينما ينظر لها الآن:


_ كان كل خوفي ان اليوم ده ميجيش، وان الهدايا دي يتحكم عليها تفضل تزيد سنة ورا سنة وفي الآخر متخرجش من الصناديق، رغم إن قلبي كان دايمًا عنده أمل إن اللحظة دي هتيجي وهتشوفي بنفسك الهدايا دي، بس عقلي اوقات كتير كان بييأس ويعارض.


أخرج من جيب سترته الكلاسيكية السواء علبة

صغيرة لم تنتبه لها، ومدها إليها يقول:


_ ودي كمان هحب إنك تشوفيها، اللاب بتاعي عندك على المكتب، اعتقد عرفتي ازاي تشغليه؟


اومأت برأسها ودموعها تتساقط في صمت، فقد آثار مشاعرها وتعاطفها بحديثه، تتذكر حين علمها كيف تتعامل مع الهاتف والحاسب المحمول وكل ما له علاقة بالتكنولوجيا الحديثة، قلبت العلبة في يدها وفتحتها ليظهر لها مجموعة من أجهزة التخزين الصغيرة "فلاشات" ليوقفها وهو يقول:


_ الحقيقة مش هحب تشوفيهم وأنا موجود ولا حتى الهدايا، فهخرج اعمل كام مكالمة شغل وارجعلك.


ولم يعطيها فرصة للاعتراض، فقد تحرك فورًا خارجًا من الغرفة، وهي لم تكن ستعترض، فهو محق، في هذه اللحظات التي ستكتشف فيها اسراره، وترى فيها ما خُزن على هذه الأجهزة الصغيرة لا تحبذ أن يكون موجودًا، لتكن براحة أكثر..


وأول ما فعلته أنها توجهت للحاسب فتحته وبعد قليل كانت تضع الجهاز الصغير به، ليظهر لها "مراد" بشكل بدى أصغر كثيرًا من الآن.. وقد اختارت هذا الجهاز لانه ايضًا وُضع لاصق فوقه وكُتب " ٢٠١٢" وقد كان هذا أقدم تاريخ من بين البقية، أعادت ظهرها للوراء تستمع لحديثه وقد بدأ يقول:


_ ازيك يا ديجا... وحشتيني اوي، النهاردة تميتي ١٢ سنة، وتميتي كمان ٣ سنين وخمس شهور بعيدة عني،  أنا كمان الشهر الجاي هتم ١٧ سنة، وهيكون عيد ميلادي الثالث وأنتِ مش معايا، على فكرة أنا بطلت اعمل عيد ميلاد من يوم ما سبتيني، مكانش ينفع اعمله وأنتِ مش معايا، أنا... أنا في حاجات كتير اوي وقفت في حياتي مش عارف اكملها في غيابك، حتى التمرين مبقتش أحب اروحه، عشان كنتِ دايمًا بتشجعيني اروح، لكن دلوقتي، مش حابب اروح، بس بروح وهكمل عشان أنا عارف إنك كنتِ بتحبي إني اتعلم البوكس، كنتِ تقوليلي عشان لما حد يضايقني او يضايقك اضربه، بس أنا دلوقتي بقيت كويس اوي فيه لكن أنتِ مش موجوده، طب لو حد ضايقك دلوقتي هضربه ازاي وانا معرفش عنك حاجة.. أنتِ عارفة من يومين......


وبدأت حكايته لها، ساعة ونصف كاملة مرت دون أن تشعر بها، وهي تتنقل بين السنوات.. بداية من "٢٠١٢" حتى وصلت الآن ل "٢٠١٩" العام الماضي، وكم أعرب عن قلقه إن علمت حقيقته، ووضح لِمَ اضطر لانتحال شخصية زين... انتهى العرض، وبقت هي صامتة، رغم بكاء عينيها، وكأنها تستوعب كل ما سمعته، وفجأة قامت تتجه للصناديق، لتجد أحدهم كُتب فوقه " من ٢٠٠٩ ل ٢٠١١" والآخر" من ٢٠١٢ ل ٢٠١٤" والثالث" من ٢٠١٥ ل ٢٠١٧" والأخير " من ٢٠١٨ ل ٢٠..." ولم يكمل تاريخ السنة وكأنه لا يعلم هل سيقف عند ٢٠١٩ أم ستنضم هدية ٢٠٢٠ للصندوق!؟ وبدأت بالاقدم...


دلف للغرفة بعد ساعتين وبعض دقائق، وقد ملَ الانتظار، وجدها جالسة أرضًا والهدايا تحيط بها من كل جانب، وقف على بُعد قريب، لم يصدر صوتًا أو فعلاً، وقف ينظر لها وقد قبع بين أصابعها سلسال تدلى منه قلب من الذهب، مفتوح بين أصابعها ليظهر صورتها وهي طفلة في جهة وصورته بنفس الزمن في الجهة الأخرى، وضع كفيهِ في جيبي بنطاله، يطالعها بهدوء، حتى رفعت رأسها له، ونهضت ببطء، تقترب منه متخطية الهدايا، ووقفت أخيرًا أمامه، ينظران لبعضهما بصمت تام، لم تتحدث ولم يفعل، وظل الوضع هكذا لبضع دقائق، حتى قالت هي أخيرًا بصوت خافت:


_ ازاي بتحبني كل الحب ده؟؟


ابتسامة صغيرة جدًا زينت ثغره يجيبها بصدق:


_ أنا نفسي مش عارف، معنديش إجابة...


وصدقت الصدق الذي نضح من عينيهِ، فيبدو أنه بالفعل لا يمتلك جوابًا، ابتسمت باتساع رغم دموعها وهي تخبره:


_ أنا... أنا حبيت أوي .. حبيت كل ده أوي...


_ بس لسه هديتك بتاعت السنادي.


قالها وهو يتجه لأحد أدراج مكتبه وأخرج بعض الأوراق ثم عاد إليها ليمدها له، أخذتهم منه بتعجب وهي تتفحصهم، ثواني فقط وجحظت عيناها وفغر فاهها وهي ترفع رأسها لتنظر له، ليضحك عليها وهو يغلق فمها بكفه:


_ شكلك مضحك..


سألته وشفتيها تهتز منبأة عن نوبة بكاء آتية:


_ ايه ده؟


ابتسم لها بحنو:


_ ورقك... ورق تقديمك في الجامعة، السنادي هتكون رسميًا طالبة لكلية طب الأسنان جامعة القاهرة. 


نظرت تسأله بعدم فهم:


_ بس أنا مجموعي قليل، أنا كنت جايبة ٧٠٪ يعني مجموعي ميجبش ابدا الكلية دي. 


_ مهي طب أسنان خاص يا حبيبتي. 


شهقت بخفة وهي تقول:


_ يا خبر! أنا اسمع انهم بيدفعوا فيها كتير أوي، طب ليه قدمتلي فيها، كان كفاية ادخل كلية بمجموعي المهم إني اكمل تعليمي. 


_ اولا مفيش حاجة تغلى عليكِ، وأي حاجة اعملهالك او نفسك تعمليها اوعي تفكري في الفلوس.. ثانيا بقى من زمان وانا عارف ان كان نفسك تطلعي دكتورة أسنان.


استدارت تتجه ناحية الفراش تجلس فوق بعدما وضعت الأوراق جانبًا واحنت رأسها في صمت، اقترب واقفًا أمامها يسألها باستغراب لحالتها:


_ مالك يا ديجا؟ أنتِ مش فرحانة. 


رفعت رأسها تنظر له بأعين دامعة:


_ حاسة إني تايهه، بحلم، عقلي مش مستوعب كل اللي بيحصل ده، أنا أسفة بس أنا والله فرحانة بكل اللي بتعمله بس.. 


جلس القرفصاء أمامها محتضنًا كفيها بكفيهِ، ونظر لها مبتسمًا يقول:


_ خدي وقتك، أنا فاهمك يا حبيبتي.. 


نظرت حولها في الارجاء ثم قالت بتنهيدة تعب:


_ أنا... أنا عاوزه انام، ممكن؟ 


رغم شعوره بالضيق من رد فعلها بعد كل ما قدمه، هو يفهمها ويقدر موقفها، لكن هو أيضًا كان يمني نفسه برد فعل غير هذا، هز رأسه موافقًا وهو ينهض معها ينظمان الفراش، ثم قالت:


_ هدخل اغير هدومي.


_ تمام، وانا هطفي الشموع واخليهم ييجوا ياخدوا الأكل. 


اومأت برأسها دون حديث واتجهت لغرفة تبديل الملابس، وقف في منتصف الغرفة ينظر لكل ما فعله لأجل ليلة مميزة بسخرية، فجرت الأمور عكس ما تمنى تماما، اتجه يطفئ الشموع ويضيئ انوار الغرفة.


بعد فترة كانت تنام فوق الفراش تنظر للسقف بشرود، وهو بالداخل يغير ثيابه، انتبهت لخروجه، فنظرت له لتجده يتجه نحو الانوار يطفئها ثم يأخذ مكانه جوارها في صمت، ولأول مرة تجرأت بعد ثواني وهي تناديه:


- مراد. 


همهمة خافتة صدرت منه يحثها على الحديث، اتى صوتها ثانيًة يقول:


_ ممكن طلب؟ 


_ قولي. 


صمتت لثواني تستجمع شجاعتها قبل أن تخبره:


_ أنا.. أنا عاوزه انام جنبك. 


اتاها نبرته المستغربة:


_ ما نتِ جنبي! 


وضحت بتوتر:


- لا.. قصدي يعني.. عاوزه أنام اقرب من كده. 


فهم الآن قصدها، ليسألها بعبث يلعب على اوتار توترها وخجلها:


_ قصدك عاوزه تنامي في حضني؟ 


_ يعني.. 


اكتفت بقولها، ويقسم الآن ان وجهها كالطماطم الحمراء، زينت ابتسامة واسعة شفتيهِ قبل أن يقول فاتحًا ذراعه:


_ تعالي... 


اقتربت في خجل تحت الانوار المتسللة من زجاج الشرفة، لتستقر بين احضانة، ويحيطها بذراعيهِ وقد نسى بحق ضيقه من موقفها.. 


________________


اليوم التالي... 


الساعة السابعة مساءً... 


في شركة " آل وهدان"... 


كان يتابع بعض اعماله حين وجد المكتب يُقتحم عليهِ فجأة، ودخل رجل في المقدمة يرتدي ثياب عسكرية وخلفه ثلاث آخرين، لينتفض واقفًا يقول بملامح يحاول اخفاء قلقه:


_-  خير يا حضرة الضابط ايه اللي يخليك تقتحم عليا مكتبي بالشكل ده؟


وقف أمامه الضابط يخبره بعملية:


_ اتفضل معانا يا حسن بيه مطلوب القبض عليك.


اتسعت عيناه دهشًة وسريعا ما كان يقول بغضب:


-  يتقبض عليا أنا؟ أنتَ اتجننت! أنتَ مش عارف أنا مين وممكن اعمل ايه؟


وبحدة محذره كان يجيبه الضابط:


-  الزم حدودك وأنتَ بتتكلم معايا, أنا مقدر موقفك, بس أنا موظف بيأدي عمله, وأي تجاوز هعملك محضر بيه, فياريت تتفضل من غير شوشرة.


أطاح ببعض التحف التي كانت فوق المكتب وهو يقول بعصبية حارقة:


-  هتفضل, بس مش هقضي ساعة واحدة في الحبس, وبعدها أنا هعرفك مين هو حسن وهدان.

التوى فم الضابط ساخرًا:


-  لما تخرج ابقى عرفني, هاتوا يا بني.


-  أنا همشي من غير ما حد يجرني, أنا مش مجرم.


هدر بها في غضب, ليقول الضابط بسخرية:


-  سيبه, أما حوار مجرم ولا لا دي هتعرفها في القسم.


خرج بينهم بشموخه المعتاد, وقال للسكرتيرة الخاصة به قبل ذهابه:


-  كلمي المحامي, خليه يحصلني.


_____________


-  أنا عاوزه افهم مالك بقى؟ بتكلمنا بالعافية وطول اليوم داخل خارج زعيق و خبط, حتى الطفل الصغير بتزعقله عشان وقع كوباية! ايه يعني ما يوقعها ده طفل لسه ووقعت منه غصب عنه.


هدرت بها "رنا" وهي تقف أمامه تشيح بيدها معترضة على تصرفاته طوال اليوم, وأخرها صراخه على الصغير "عُمر" حين أسقط الكوب البلاستيكي دون قصد. حدقها بجانب عينيهِ بغيظ:


-  أنا النهاردة مش طايق نفسي, عندي مشاكل في الشغل, فالأحسن تتجنبوني.


حدقته شزرًا وهي تعقب:


-  هو حد كلمك؟ بعدين ما يخصناش مشاكل شغل ولا غيره مطلعش مشاكلك وخنقتك فينا.


اغاظه موقفها لينتفض واقفًا أمامها, وبدوا ندًا لند, وهو يصيح بها:


-  ليه ميخصكيش؟ أنتِ مش مراتي؟ مش المفروض تسأليني مالك لما تشوفيني متعصب, تتحمليني لما يكون خلقي ضيق ومضغوط, هو ايه اللي ميخصكيش؟!


نفت برأسها بعند:


-  لا ميخصنيش, لاني بقوم بدوري كزوجة غصب عني, فمتتوقعش مني اقدملك كل الخدمات اللي سعادتك محتاجها.


انتفخت عروقه غضبًا وهو بالأساس لا يحتمل أن يحك أنفه أحد, وهدر بها:


-  أنتِ امتى هتصفي بقى وتتقبلي الوضع؟


رفعت جانب فمها ساخرة تجيبه:


-  لما أنتَ تنضف وتطلع من الو**** اللي موقع نفسك فيها.


رجعت خطوتين للوراء أثر كفه الذى هوى صافعًا وجهها بقوة, ولولا الكرسي خلفها لسقطت أرضًا, وضعت كف يدها فوق وجنتها بألم عاصف, ونظرت له بعدم تصديق مرددة:


-  أنتَ بتضربني؟


وقبل أن يأخذ رد فعل كانت تنتفض مستقيمة وهي تصرخ بهياج:


-  قطع ايدك لو فكرت تمدها عليا, ودي أخرتها يا دياب, وابقى قابلني لو قعدتلك فيها.

وتحركت فورًا تجاه الدرج, ليوقفها حين أمسك معصمها يصرخ بها:


-  أنتِ فاكرة نفسك رايحة فين؟ تبقي بتحلمي لو فاكرة إنك ممكن تخرجي من هنا... ولو ناسية أنتِ حامل في ابني, يعني خروجك من هنا مستحيل.


ضربته بكفها في صدره وتحركت بعنف تحاول تحرير نفسها منه:


-  هخرج غصب عنك, أنتَ مش حابسني هنا, أنا ليا حق أطلق واعيش بعيد عنك, طلقني , طلقــني بقولك.


أمسك كفها الآخر وهزها بين ذراعيهِ بعنف:


-  قولتلك قبل كده طلاقك يعني ابنك ده مش هتشوفيه تاني.


-  ملكش حق تحرمني منه!!


-  أنا ليا حق اعمل أي حاجة أنا عاوزها, محدش يقدر يرجعني عن قرار باخده.


توقفت فجأة وهدأت حركاتها, ظنها استسلمت وفهمت انها أمامه لا تزن شيئًا, ليتفاجأ بتقلص ملامحها رويدًا قبل أن تصدر صرخة خافتة وهي تسقطت بين ذراعيهِ ليتفاجأ بدمائها تسال من بين قدميها..


------ 

في قسم الشرطة ......


جلس المحامي أمامه بعد أن انهى حديثه مع الضابط المسؤول عن قضيته ليخبره بقلة حيلة:


-  للأسف يا حسن بيه, ده حد مظبطلك الليلة دي عشان متخرجش منها, مقدم كل ما هو يدينك للنيابة, القضية أصلاً اتحولت للنيابة ع طول وبكرة هتترحل من هنا, لأن الأدلة كلها ضدك فأي انكار منك مش هيفيد.


تعرق وجهه, وشحب, وتاهت نظراته وهو يسأله:


-  يعني ايه؟ وايه الأدلة دي؟


-  أوراق صفقات سلاح ومخدرات بينك وبين اطراف تانية مش هيعرفوا يوصلولهم لأنهم أجانب وبره البلد, لكن هيبلغوا الحكومة الدولية بأسمائهم.. المهم واوراق كتير بتثبت تورطك في صفقات مشبوهة, وآخرهم انهم اقتحموا المخازن الخاصة بيك واللي محدش يعرف عنها حاجه, وطبعًا لقوا البضاعة المتشونة, مين كان يعرف أماكن المخازن دي غيرك؟


حرك رأسه بتيه وهو يجيبه:


-  محدش... مش عارف, بس... حتى ابني مكانش يعرف, مكانش غير متولي ..!!!


انتبه لذِكره فنظر للمحامي فورًا:


-  متولي بقاله أسبوع مختفي .. قلبت عليه الدنيا معرفتش اوصله, اكيد حد استغله ضدي.


-  والورق؟ مين يقدر يوصله؟


-  الورق ده كان في بيتي, في خزنة سرية...


صمت لبعض الوقت ثم قال في نفسه:


-  محدش يعرف مكانها غير مراد..


رفع صوته يقول للمحامي:


-  انا عاوز مراد.. عاوز اشوفه.


اومأ برأسه:


-  حاضر هجبهولك.


-  والقضية؟


اكتفى المحامي بقول:


-  هحاول اجبلك اقل عقوبة.


ضحك ساخرًا وعيناه بها كسرة واضحة, وظهره منحني قليلا كأنه وُضع فوقه أطنان:


-  أقل عقوبة! يعني بدل الأعدام... مؤبد!

احنى المحامي رأسه صامتًا ولم يجد ما يقوله.. فحتى المؤبد لن يستطيع الوصول إليهِ, بكل الأدلة التي رآها الإعدام هو الحكم الوحيد والذي لن يكن قابل للطعن..!


-------- 

في فيلا مراد....


-  خير يا حبيبي بقالك شوية مقعدني قدامك, عاوز تقول ايه يا مراد؟


نظر لها متنهدًا وقال:


-  في حاجة تخص بابا عاوز ابلغك بيها.


تغيرت معالمها وهي تقول بضيق:


-  رجوع مش هرجع , أنا خلاص حكايتي معاه خلصت لكده.


نفى برأسه موضحًا:


-  الموضوع مش كده, بابا اتقبض عليه.

ولم تسأل عن السبب, رغم صدمتها, وتصلب ملامحها لقليل من الوقت, لكنها أدركت السبب دون أن تسأل, فكانت موقنة أن اعماله السيئة لن تمر دون عقاب, حتمًا سيأتي اليوم الذي ينكشف فيه المستور ويُعاقب أشد عقاب, وللعجب لم تشعر بالحزن عليه, وكأنه قد نجح في تحطيم حبها له شر تحطيم ...


-  اتحكم عليه؟


سألته بهدوء, ليجيبها:


-  لسه, بس أنتِ مش زعلانة عليه؟


أجابته بعقلانية:


-  محدش بيعمل شر وبينجى يا مراد, كل واحد عمل حاجه غلط لازم ييجي يوم ويتحاسب عليها, ومتسألنيش عن الغلط اللي عمله لأني مش هقول, بس يكفي اقولك أنه للأسف نجح السنين اللي فاتت يمحي حبه من قلبي.


-  مش هسألك لأني عرفت من المحامي...


هي لا تعلم أنه منذُ أمد يعلم بأفعال والده, وبالطبع لن يكشف نفسه أمامها, نهض يحرك كرسيها للداخل يسألها:


-  هتقعدي في الليفنج ولا هتطلعي اوضتك؟ 


-  لا هطلع اوضتي أصلي العشا لأحسن فاتتني, واعقد اتفرج على التلفزيون شوية وانام.


-  اتعشيتي؟


-  اه يا حبيبي اتعشيت من ساعة أنتَ عارف مبحبش اتأخر في العشا.


أوقف كرسيها أمام المصعد الكهربائي وانحنى أمامها يستند على ركبتيها بكفيهِ لتمد كفها تمسد على خصلاته بحب وتلقائية, لتسمعه يقول:


-  عندي ليكِ خبر حلو.


اتسعت عيناها فورا تسأله بلهفة:


-  خديجة حامل؟


صدحت ضحكته عاليًة, قبل أن يهدأ وهو يقول:


-  يعني مفيش خبر مفرح غير ده!؟


اجابته بتمني وعين لامعة:


-  لا, بس ده اكتر خبر مفرح مستنيه اسمعه.


-  لا معلش مش هو المرادي, أنا كلمت دكاترة كتير الفترة اللي فاتت عشان حالتك, وعرفت إن دلوقتي نسبة نجاح العمليات دي بقت كبيرة اوي اكتر من زمان.


أخبرته بيأس:


-  يا حبيبي ما أنتَ من 3 سنين كلمت مستشفى في إنجلترا وعرضت عليهم الوضع وقالولك إن نسبة نجاح العملية 40% وأنا وقتها قولتلك إني مش هعملها ونسبة نجاحها قليلة كده, بعدين أنا خدت على وضعي كده واتعودت.


-  بس دلوقتي في دكتور كبير اتواصلت معاه هو مدير مستشفى كبيرة في اسبانيا, وعرضت عليه الوضع, قالي انك هتحتاجي تعملي اشعة جديدة عشان لو في تغير في الحالة, بس مبدئيا نسبة نجاحها اكتر من 80% خصوصًا عندهم في المستشفى.


بدت الحيرة على وجهها, ليعاود اقناعها:


-  أنتِ مش خسرانة حاجة, هنعمل الأشعة ونبعتها ونشوف كلامه الأخير ايه, خلينا نجرب يمكن تنجح.


اومأت برأسها موافقة باستسلام وهي تقول:


-  اللي تشوفه يا حبيبي.


نهض واقفًا بعدما ضغط زر المصعد لينفتح الباب:


-  يلا يا لولة يا سكر تصبحي على خير.


قالها وهو يدفع كرسيها للداخل, لتسأله:


-  أنتَ مش طالع؟


-  لا عندي شوية شغل في المكتب هنا.


-  ربنا معاك يا حبيبي, تصبح علي خير.


بعد قليل كان يقف في مكتبه يتحدث بالهاتف ليقول:


-  خلاص يا غسان سيبه يمشي واديله المبلغ اللي اتفقنا عليه, متولي طلع ذكي ومضللناش في أماكن المخازن.


اتاه الصوت على الجهة الأخرى:


-  بس يا باشا مليون جنية كتير.


-  هو أنتَ اللي دافع!


قالها بحدة, ليقول الاخر فورا:


-  حاضر يا باشا, اسف... هعمل اللي حضرتك تؤمر بيه.


----------- 


انتبه لفتح باب غرفة العمليات, ليسرع تجاه الطبيب الذي خرج للتو يسأله بلهفة وقلق خفي:


-  خير يا دكتور. 


أزال الطبيب قناع الوجهة وهو يخبره:


-  للأسف الحالة مش مستقرة.


شحب وجهه وشعر بالخطر ليسأله بعدم فهم:


-  هو ايه اللي حصل؟


أجابه الطبيب موضحًا:


-  بص حضرتك, المدام حملها كان خارج الرحم, وفي الحالة دي الحمل بيبقى خطر على الأم وبننصح تنزله, مش عارف ليه لحد الآن محصلش اجهاض رغم معرفتكوا بالحمل, بس هنعمل التحاليل اللازمة يمكن يكون في مانع للاجهاض.


اجابه "دياب" بحزن ظهر في نبرته:


-  مكناش نعرف الحاله دي.


اومأ الطبيب متفهمًا وقال:


-  لازم يتم الإجهاض, لان الحمل في منطقة خطر, ولو كبر هيعمل انفجار في قناة فالوب لأنه واخد جزء كبير منها, ووقتها هيبقى خطر على الأم ولو قدرنا نتداركه هيبقى الحمل بعد كده مش طبيعي ولازم تلجئوا لأطفال الانابيب.


مسد اعلى انفه بأصبعيهِ بتعب وقال:


-  شوف الصح واعمله يا دكتور المهم تكون بخير.


-  تمام عن اذنك.


على رنين هاتفه ليجيب على المكالمة بعدما جلس فوق المقعد الجانبي بتعب, فاستمع للطرف الآخر يقول:


-  باشا هنعمل ايه في المخازن اللي اتحرقت, وهنرد ازاي على مراد وهدان في اللي عمله؟


قال بحدة رغم هدوء نبرته:


-  تولع المخازن على مراد زفت.. انا مش فايقلك سيب كل حاجه لحد مانا اكلمك.. وعرفهم في الشركة اني مش هاجي الأيام دي يحولوا الشغل على المدير لحد ما ابقى ارجع.


واغلق المكالمة فور أن رأى السرير المتحرك يخرج من غرفة العمليات وهي نائمة بسلام فوقه..


__________


الثانية عشر مساء...


في فيلا مراد وهدان..


صعد الدرج يحرك رأسه يمينًا ويسارًا بتعب بعد ثلاث ساعات عمل متواصلين, سترته يمسكها بكفه وازرار قميصه العلوية مفتوحة, قميصه الذى بدى عشوائيًا غير مرتب من كثرة تحركه أثناء العمل, ينتابه الفضول نحوها, لم تظهر منذ أن أتى, لم يلمح لها ظلاً, ووالدته اخبرته أنها لم تظهر من مغرب اليوم, وعلى الأغلب نائمة! 


فتح باب الغرفة ببطء حريصا ألا يصدر صوت علّها نائمة حقًا, دلف واغلق الباب خلفه بنفس الحرص, ليستدير محاولاً تفحص الغرفة, تصلبت قدماه في أرضه حين صدح صوتها من بين الظلام يصرخ به:


-  استنى.. غمض عينك.


لم يستطع رؤيتها في وسط الظلام الحالك, ليسألها:


-  أنتِ فين؟ واغمض عيني ليه؟ وقاعدة في الضلمة ليه؟


-  بطل أسئلة وغمض عينك لو سمحت.


-  غمضت.


قالها بنفاذ صبر بعد أن اغمض عيناه, شعر بصوت تحركها في الغرفة, وصوت قداحة! هل تنوي حرقه؟ 


شعر باقترابها منه, وجذبته من كفه ليتحرك معها ليقول بضحكة صغيرة:


-  أنتِ بتردي اللي عملته امبارح ولا ايه؟ 


لم تجيبه, توقفت بهِ في بقعة معينة, والتفت لتصبح خلفه, وقالت هامسة من خلف ظهره:


-  فتح....


فتح عيناه ليبصر طاولة لطيفة مزينة بالشموع والورود, تشبه طاولة أمس, وتقريبًا نفس الأطباق المغطاة, التف لها يقول بمرح:


-  مش قولتلك بتعيدي اليو...


ابتلع باقي حديثه, واختفت ابتسامته وهو يبصرها بهيئتها هذه, ترتدي قميص حريري أسود اللون يصل لركبتيها, وبدون اكمام, مقدمته تكشف مفاتنها بسخاء! وتركت لشعرها الحرية, ثغرها مزين بحمرة خفيفة لكنها رائعة, احتبست أنفاسه لثواني, حتى استوعب اختناقه, فزفرها بمهل وهو يبتلع ريقه بعدم تصديق لِمَ يراه, فهي ابدا لم تتخلى عن المنامات المحتشمة! 

كانت تنصهر خجلاً, وتشعر ببركان من الحرارة التي تضرب جسدها ووجهها أثر خجلها, فقالت تحاول تخطي نظراته:


-  العشا هيبرد.


وتخطته تجلس فوق الطاولة, وبنظراتها الخجلة تدعوه للجلوس...


مرَ العشاء ثقيلاً عليهما, فلا هو قادر على تجاهل مشاعره ناحيتها, ولا هي قادرة على تخطي خجلها وارتباكها من خطوتها القادمة..


نهضت واقفة تتجه لمنتصف الغرفة بلا هدف, ليلحق بها واقفًا بالقرب منها بصمت, وبعد دقائق قليلة من التشجع, كانت تلتف له, تخطو ناحيته.. لا يفصل بينهما الآن سوى مقدار شبر... ترفع نفسها لتلف ذراعيها حول رقبته, وتتعلق بها واقفة على أطراف أصابع قدميها بصعوبة, مريحة رأسها على كتفه وشفتيها قريبة جدًا من أذنيهِ, وفجأة همست بصوت خافت سمعه بوضوح:


-  أنا.... أنا ... أنا بحـبك... اوي.


وكان بين كل كلمة والثانية لحظات, شعرت بتصلب عضلاته الملامسة لجسدها, أغمضت عيناها والتوتر يفتك بها, ابعدها عنه برفق, ليراها تضغط على جفنيها بقوة, فخرج صوته أخيرًا:


-  بصيلي..


وفعلت رغم اضطراب مقلتيها, سألها وعيناه تغوص في عينيها:


-  أنتِ قولتي ايه؟


أخذت نفس عميق, تستجمع شجاعتها وقالت:


-  قولت بحبك.. 


أكملت بنظرات محبة, والهة, لامعة, لأول مرة يراها:


-  ازاي محبكش بعد كل ده! أنا من زمان وانا بحبك بس كل اللي حصل قلب حياتنا.. بس دلوقتي انا رجعت احبك من جديد... حبيتك وانتَ مراد الطفل الصغير, وحبيتك وأنتَ زين الشخص اللي ظهر في حياتي فجأة, وحبيتك وأنتَ مراد الشاب اللي بقيت مراته غصب عني.. حبيت كل حاجه عملتها وبتعملها عشاني, حبيت حنيتك وطيبتك و حبك اللي مشوفتهمش في حد.. انا بقالي فترة حاسة بمشاعر حلوة ناحيتك... بس النهاردة , وبعد ما اعترفت لنفسي بمشاعري ناحيتك امبارح... اقدر اقولك إني ...


عادت تحيط رقبته وتقترب بوجهها منه وهي تقول ببطء:


-  اقدر اقولك.. اني بحــــبك يا مراد وهدان.. بحـــبك وعاوزه اكمل حياتي معاك وبرضايا.


واللحظة التالية كانت تسجل ثاني قبلة لهما, ولكن هذه المرة مختلفة, فالحب, والاحتياج, والشوق, واللهفة... متبادلون...


وتسجل الليلة إن "خديجة الدالي" أصبحت زوجة ل "مراد وهدان" قولاً وفعلاً....

 الليلة ليلة فوز العشق الفريد لطفل وصبي وشاب ورجل تمسك بعشقه, ليلة فوز قلبه بحبها وقربها... ولتكن ليلة مميزة لن ينساها ابدا....


   ّّّّّّ انتهى الفـــــــصل  ّّّّّّّّّّ


انتهى الجزء الثاني "الحصان والبيدق "♥️



لمتابعة  الروايه الجديده زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله الجزء الاول1 من هناااااااااا

الرواية كامله الجزء الثاني2 من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع