القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية الحصان والبيدق(الجزء الثاني من رواية" بكِ أحيا") الفصل الثالث 3بقلم ناهد خالد

 رواية الحصان والبيدق(الجزء الثاني من رواية" بكِ أحيا") الفصل الثالث 3بقلم ناهد خالد 




رواية الحصان والبيدق(الجزء الثاني من رواية" بكِ أحيا") الفصل الثالث 3بقلم ناهد خالد 


الفصل الرابع "بداية الإجبار"

الحصان والبيدق

الجزء الثاني من بكِ أحيـا


"ذُقت مرارة الاجبار، وسرتُ في طريقٍ مُظلمٍ، التهى عقلي في تلك المرارة ولم يفكر في الاهتداء للطريق، والسير بحِنكة.. فلقيت ما لاقيت.. وادركت بعدها أنه حين تجبرك الحياة على فعل ما لا ترضيه لا تلهي بالك بالتفكير في مدى الظلم الواقع عليك، بل فكِر في كيفية النجاة.."

" نــــساء الرواية" 


ترجل الجميع من السيارة بعد أن القى بقنبلته المدوية، عدا هي، فباهر أصر أن يكمل طريقه لمنزله دون ايصال مراد له، ومصطفى قرر تركهما يتحدثا سويًا وسبق شقيقته لأعلى.. أما هي فربما جمدتها الصدمة، وربما لديها ما تقوله! لا يعرف، لذا بقى ساكنًا حتى لم يكلف نفسه عبء الالتفات اليها، ينتظرها أن تبدأ..


والترجيح الأصوب كان أن حديثه جمدها من الصدمة، لم تستوعب أنه يخطط للمُضي قدمًا رغم رفضها المُعلن، ربما لم يأخذ عقلها الوقت الكافي بعد ليستوعب مجمل الأحداث، فكلها اتت تِباعًا، لو سنحت لها الفرصة بالاستيعاب لكانت بلا شك طريحة الفراش الآن، فمن يصدق أنها تجلس بنفس السيارة مع شبح أحلامها! بل وكانت تتحدث معه في الساعات الماضية! "مُراد" الذي كان مجرد ذِكر اسمه كفيل بارهابها ودفعها لحالة نفسية منحدرة، بالطبع هي لم تقدر حجم الكارثة بعد!


والآن بعد أن ايقنت بواقعية كل ما حدث، بعد أن رأته يدفعها قسرًا لطريق مُظلم معه، استوعبت الأمر، وأول رد فعل ظهر من جسدها هو التجمد، والارتعاش الداخلي، فبداخلها ينتفض وهي تنظر لجانب أخر، لكن فكرة انه بالامام.. معها.. تكاد تزهق روحها، تخفت انفاسها وتأبى الخروج، شحب وجهها بشكل مخيف، وكل هذا والجالس بالأمام لم يلاحظ!


وحين طال الصمت، سأم الوضع فقرر البدء هو، فليفتح لها الطريق لاخراج ما في جبعتها لا بئس، وبالفعل اجلى حنجرته قبل أن يغمغم بنبرته الخشِنة:


_هنفضل ساكتين كتير؟ أنا عارف إنك معترضه، وعارف إنك مش طايقاني كمان، بس احنا محتاجين فرصة يا خديجة، ولازم ناخدها، لأن اللي بنا يستحق.. الي جوايا ليكِ يست...


التف لها نصف التفاته وهو يقول جملته الأخيرة، ليتجمد هو الآخر على مظهرها، ما بها؟ لِمَ تبدو كالموتى هكذا؟ ضرب القلق حجرات قلبه، واشتعلت عيناه بالذعر وهو يهمس بخوف حقيقي:


_ خديجة! مالك؟ أنتِ كويسة؟


ولم تجيب، ليس رغبة منها، بل لأنها بالأساس لا تسمعه، فقد قررت أن تهرب من واقعها بأضغاث احلامها، قررت أن تنفصل عن الواقع وتسبح في بئر مظلم من ذكريات ماضيها، والتي جلبت لها ذكرى قديمة تجمعها بشقيقتها الراحلة..


يناير عام ٢٠٠٨...

كانت تستعد للنوم حين جاورتها شقيقتها "سارة" متأفأفه بحنق جلي، فاثار انتباه الصغيرة، التي سألتها بجهل:

_ مالك يا سارة؟


حدقت بها "سارة" بأعين تموج بالغيظ الدفين الموجه لهذه المسكينة، وقالت بنبرة ضائقة:


_ أنتِ لسه بتلعبي مع مراد ليه؟ مش قولتلك متلعبيش معاه تاني؟


تجعدت ملامحها حزنًا واردفت تبرر بشفتين مزمومتين:


_ اصل هو معملش حاجه وحشة، بعدين أنا بحب العب معاه، كمان لو ملعبتش معاه هيزعل.


عقبت بغضب:


_ما يزعل، يعني خايفة على زعله ومش خايفه على زعل اختك؟


سألتها بحيرة:


- انا مش عارفه أنتِ زعلانة منه ليه؟ وليه بتقوليلي ملعبش معاه؟


زفرت بملل وهي تخبرها:


_ قولتلك مية مرة هو مش كويس، وانا خايفة عليكِ منه.


والحت "خديجة" في الاستفسار أكثر وهي تقول:


_يعني ايه مش كويس؟ بعدين أنا بشوفك بتلعبي معاه وأنتِ الي بتروحي تكلميه، ليه بقى أنا لأ؟ وهو لو مش كويس بتكلميه ليه؟


تفاقم غضبها ويئست من ايصال مرادها للصغيرة وجعلها تنصاع لرغبتها، فرمتها بنظرة قاتمة، غاضبة، وهي تقول قبل أن توليها ظهرها لتنام:


_ براحتك، بس بكرة بقى تحصلك مصيبة بسببه وبسبب مشيك وراه، ده لو قالك تولعي فينا هتعمليها، غبية.. بتسمعي كل كلمة يقولهالك، براحتك انا نصحتك عشان أنتِ اختي برضو، وخايفة عليكِ.


"خديجة" لم تلقي لها بالاً وقتها، ببساطة لأنها اعتادت على سماع ما هو اكثر من هذا من شقيقتها، وكانت تنسبه الى أن شقيقتها لا تحب وجود مراد حولهما، وقربه منها، ربما لانها تراه يأخذ مكانًا هو حقها في حياة الأخرى، ولكن كانت تعود لتسأل ذاتها، أن كان الأمر هكذا، اذًا لِمَ تسعى دومًا للتقرب منه؟ الحديث معه واللعب؟ لِمَ لا تفعل هذا معها هي؟ أليست هي بالأحق؟!


عـــــودة.. 


ويبدو أن "سارة" كانت على صواب، فقد زج بها في مصيبة لم تستطع الخروج منها من يومها، ليتها استمعت لها وابتعدت عنه، لِمَ عانت كل ما عانته للآن. 


ترجل من سيارته حين زاد قلقه عليها وعلى صمتها وشحوبها هذا، والتف سريعًا ليفتح الباب المجاور لها، فتحه وطلَ برأسه عليها وهو يسألها بنبرة لهوفة:


_ خديجة؟ ردي عليَّ أنتِ كويسة؟ 


شهقت بقوة وهي تفيق من شرودها على صوته القريب جدًا منها، القريب حد الخطر! فنظرت له بأعين زائغة غير مدركة متى أصبح وجهه مقابل

لوجهها بهذا الشكل، انتفضت بجسدها تبتعد للجانب الآخر قدر استطاعتها وقد لمعت عيناها بخوف غير مبرر بالنسبة له، وهي تهتف بارتعاش:


_أنتَ عاوز ايه؟ أنتَ مقرب كده ليه؟ 


ضيق ما بين حاجبيهِ غاضبًا وهو لا يصدق مدى خوفها، ربما توقعه منها في أول الأمر، لكن بعد مرور ساعات من التعامل الذي كان أفضل من توقعاته بكثير ظن أن الأمر اهون مما توقعه، لكنها الآن تثبت العكس وكأنها لم تكن قد استوعبت حقيقته بعد، او لم يكن قد أخذ عقلها رد الفعل المناسبة! 


_ هكون عاوز ايه؟ أنا بقالي كتير بنادي عليكِ مبترديش شكلك قلقني.


لم تجيبه ولم تعطيه أي اهتمام فقط ترجلت من السيارة من الجهة الأخرى، واسرعت في خطواتها تجاه باب المنزل ولكنه كان أسرع، فأمسك بذراعها في مدخل المنزل وهو يديرها له بنزق مرددًا:


_ ده بجد؟ أنتِ بتهربي زي العيال؟ 


ارتعشت تحت قبضته وخيم الرعب على ملامحها أكثر وهي تحاول انتزاع ذراعها منه مرددة بارتعاش:


_ ابعد، سبني انا عاوزه اطلع. 


وتحت محاولتها للفرار ظهر اصراره وتعنته وهو يخبرها بقوة:


_ مش هسيبك، لازم تفهمي الاول، لازم نصلح علاقتنا ببعض.. خديجة في احلامك بس ممكن تحلمي إني ابعد عنك أو اطلقك، احنا عمرنا ما هنبعد، عشان كده لازم نصلح الأمور بينا. 


صرخت بهِ ولم تهتم لأي شيء آخر وهي تتملص من قبضته:


_  ابعد قولتلك، انا مش عاوزه ابقى كويسة مع حد.. ابعد ارجوك أنا مش طايقة اشوفك. 


_لييه؟ ليه كل ده؟ قولتلك مية مرة مقصدتش أأذيها، هفضل ابرر لامتى وأنتِ امتى هتفهمي؟ كفاية يا خديجة بقى كفـــــاية.. 


صرخ بها بسأم واضح، فلم يعد لديه ما يشرحه لها، وتبريراته لتلك الحادثة انتهت، وهي تصر على أفكارها ولم تتزحزح عن موقفها تجاهه، جحظت عيناه المظلمة مع صرخته الأخيرة، وتلون وجهه بحمرة الانفعال والغضب. 

فزاد رعبها، ولم تعد قدميها تحملها، لم تستطع التحمل اكثر، فكل ما لاقته اليوم اكثر من قوة تحملها، زاغت عيناها بغير هدى، وارتخت اعصابها واعلنت الاستسلام. 

فسقطت أمام عيناه التي جحظت أكثر ولكن بخوف هذه المرة، واسرع يحتضنها بذراعيهِ قبل أن تلامس الأرضية الصلبة، ردد اسمها اكثر من مرة ولكن لم تستجيب، فحملها بين ذراعيهِ متجهًا لسيارته، ووضعها في المقعد الأمامي برفق محيطًا اياها بحزام الأمان، وقبل أن يستقل مكانه ضرب السيارة بقبضته يسب بعنف فقد نسى شقيقها الماكث بالأعلى، أغلق الباب وركض بخطوات سريعة للمنزل صاعدًا درجاته بسرعة، حتى وصل لباب شقتها فدقه على عجالة، حتى فتح "مصطفى" الباب وعلى وجهه التعجب من قوة الدق، لم يمنحه فرصة للحديث فقط اخبره:


_ تعالى معايا. 


والرغبة في اصطحابه كانت آمانًا له إن فاقت "خديجة" في أي وقت فهو يعلم جيدًا أنها ستطمئن بوجود شقيقها.. 


❈-❈-❈


_ حرام عليكِ ياما، أنتِ هتعملي معايا اكده ليه؟ مش بتك أنا اياك! 


هتفت بها "فريال" بسأم ونفاذ صبر، فها هي منذُ ساعتان تجلس نفس الجلسة تحاول استمالة والدتها لتقف في صفها ضد ابراهيم لتكمل تعليمها، لكنها لا تُستمال، كالصخر الجامد لا تلين، تستمع لها بملامحها الجامدة دون رد فعل، حتى صرخت بها أخيرًا:


_ رُدي ياما متسكتيش اكده! رُدي الله يكرمك أنا اعصابي ممتحملاش. 


تخلت عن جمودها وقد نفذ صبرها هي الأخرى وأردفت بضيق واضح:


_ وه! ماخلصنا بجى،بكفياكِ لت وعجن، حديتك لا هيجدم ولا هيأخر، ابراهيم جوزك واللي هيجوله هيمشي، لاهو بحديتي ولا بحديت غيري، فريحي نفسك يابنت بطني. 


تهاوت دموعها أكثر وأكثر وهي تسألها بنبرة وجع:


_ أنتِ متوكده إني بنت بطنك؟ مابينش ياما. 


رفعت حاجبها ساخرة وسألتها بفظاظة:


_ واثبتلك كيف يا حلوة، بأني اجف جدام جوزك واعارضه، وياريت هعارضه في الغلط لا ده انا هعارضه في الصوح، وجتها ابجى امك! 


_ صوح! فين الصوح الي هتتحدتي عنه؟ مشيفاهوش ياما، كيف عاوزني اهمل علامي بعد سنتين، كيف يا عالم عاوزين تضيعوا سنتين من عمري اكده؟ 


قالتها بقهر حقيقي، وهي تشيح بذراعيها معبرة عن يأسها وقلة حيلتها، وانتفضت واقفة حين سمعت "سُرية" تقول بينما تحدقها بتحدي:


_ شكلك اتوحشك ضربي، وماله مانتي من زمان محدش جابك من شعرك. 


وقبل أن تذهب من أمامها هاربة لغرفتها حدقتها بنظرة أخيرة.. نظرة خيبة، ويأس، ويزينها سؤال لِمَ؟ سؤال لن تجد اجابته.. وتكملته هو لِمَ لا تعاملها

والدتها كأم تعامل ابنتها؟ لِمَ تشعر بأن والدتها تكمن لها كرهًا حقيقيًا غير مبررًا؟


والنظرة لم تؤثر بمقدار انشٍ واحدٍ بهذا الحجر الجامد، بل بالعكس رددت بخفوت بعدما ذهبت "فريال" من أمامها:


_ ياريتني خلصت منك كيف ما سويت في الي جبلك، كان زمان راسي ارتاحت.. جال خلفة بنات جال، مبيجلبوش غير الهم والغم. 


كسابقتها!!؟ 


❈-❈-❈


اقتربت منه ببطء تحيط عنقه بذراعيها وهي تهمس له بدلال:


_ وحشتني. 


لم تلين معالم وجهه، ولم يتخلى عن جموده، حتى أنه لم يكلف نفسه عناء احاطتها بذراعيهِ هو الآخر. 


تنهدت بهدوء وهي تخبره بضيق مصطنع:


_ مش معقول قساوة قلبك يا طارق، بقى بقولك وحشتني وأنتَ ولا اتهزيت حتى! مستكتر تقولي أنتِ كمان؟ 


ابتسم ابتسامة سمِجة وهو يخبرها بغير رضا:


_ وأنتِ كمان، كويس كده؟ 


قالها وازال زراعيها من حوله ليتجه لأحد الكراسي وجلس فوقها بهدوء ووجوم. 


زفرت بضيق بدأ يتسلل لها وهي تراه صلد الرأس هكذا، هي تعرفه، وتعرف أنه صعب الخصام، وحين يأخذ موقفًا يحتاج لوقت ومجهود كي يُصالح.. 


لذا اتجهت له بابتسامة صادقة قبل أن تجلس فوق قدميهِ عنوة وزادت ابتسامتها وهي تراه يشيح بوجهه للجانب رافضًا أي محاولة منها، وما يشفع له عندها أنها تعلم جيدًا أن رفضه ظاهري، وإلا لِمَ ألحت عليهِ لتراضيه.. 


_ طروقتي، طقطوقة..


التفت لها يحدقها باشمئزاز مرددًا بضيق:


_ طقطوقة! 


احاطت وجهه بكفها وهي تقرب رأسها له هامسة بابتسامة:


_ ممكن اعرف ليه الزعل ده كله؟ 


قرر انهاء الصمت ومواجهتها فعقب بغضب وعقله يستعيد تلك الدقائق السخيفة:


_ يعني مش عارفة! محتاجة تسألي؟ معتقدش ان شغلك معاه بيحتاجك تقربي كده. 


رفعت حاجبيها بدهشة وهي تجيبه:


_ طارق متكبرش الحكاية، كل ده عشان مال عليَّ يهمسلي بحاجة؟ 


انتفض واقفًا فسبقته واقفة بطبيعة الحال، وأردف بضيق بالغ:


_ ده بجد؟! ده انا مكنتش شايفك منه، عاوز يهمسلك بحاجة يميل عليكِ الميلة دي؟ ده كان كأنه حاضنك! 


عذرت غضبه وهي تتخيل كيف رأى الوضع من بعيد، لذا أخبرته بهدوء:


_ ده الي يبان من بعيد، لكن اقسملك يا طارق انه كان في space "فراغ" بيني وبينه، هو اه مش كبير بس مش زي مانت متخيل والله، اكيد مش هسمحله يقرب بالشكل ده، يمكن عشان هو بس اطول واعرض مني فلما وقف قدامي ومال شوية طلع الوضع بالشكل ده، ارجوك متكبرش الموضوع بقى. 


زفرة قوية صدرت منه قبل أن يبتعد وهو يهدر بها:


_ أنا تعبت.. تعـبت ومبقتش متحمل الوضع ده. 


اقتربت منه ووضعت كفها فوق كتفه تهدئة وهي تهتف برفق:


_ هانت يا طارق، هانت.. باقي شهرين بس وبعدها كل حاجة هتنتهي.


التف لها وهو يهتف بسخرية:


_ ولو غلطنا غلط واحد، احنا الي هننتهي. 


قطبت ما بين حاجبيها بضيق وهي تسأله:


_ في ايه يا طارق؟ أنتَ عمرك ما كنت متشائم كده، ده أنتَ الي كل مرة كنت بيأس او بمل فيها كنت بتهون عليَّ وتطمني! 


غامت عيناه بسحابة تعب حقيقي وهو يردف:


_ تعبت، مش من حقي اتعب؟ أنتِ عارفه بقالي كام سنة في الدوامة دي؟ وعارفة بقالنا قد ايه مخبيين علاقتنا بسبب الحوار ده. 


مدت ذراعيها تمسك كفيهِ بتشجيع وهي تجيبه:


_ عارفه، بس بعد الصبر نصر.. ايه مش كنت دايمًا تقولي الجملة دي! 


اومئ برأسه بارهاق حتى من الحديث، ليجدها تقترب اكثر وهي تغمز له بعيناها اليسرى تحاول اخراجه من حالة اليأس التي تلبسته وهي تقول بدلال:


_ بعدين قولتلك وحشتني، هو أنا موحشتكش بجد ولا ايه يا طقطوقة؟! 


حرك رأسه يائسًا منها وهو يخبرها بصدق:


_ وحشتيني يا عيون طقطوقة..! 


❈-❈-❈


وصل بها لمستشفى خاصة يعرفها، ترجل سريعًا والتف لجهتها حاملاً اياها بلطف وكأنها قطعة زجاج يخشى كسرها، ودلف بها للمستشفى، ليطلب من الممرض الذي قابله أن يسرع بجلب طبيب، ودلف بها لغرفة الطوارئ الذي يعلم مكانها، وضعها فوق الفراش ووقف جوارها محتفظًا بكفها في يده، يمسكه بقوة وكأنها ستهرب، هذا ما يبدو، لكن الحقيقة أنه يستمد الثبات منها، فقلبه ينتفض خوفًا عليها.. 


أتى الطبيب وهو لم يتحرك من موضعه، ليهتف الأول بهدوء:


_ لو سمحت تتفضل بعيد شوية عشان اكشف. 


نظر له بجمود وهو يردف بنبرة وقحة:


_ هو انا مضيق المكان؟ ماتكشف! 


من نظرته ورده ادرك ان الواقف امامه ربما وش إجرام! وهو رأى الكثير من الشخصيات المماثلة والتي يفضل تجنبها، لذا اكتفي برميه بنظرة ضائقة قبل أن يبدأ في الكشف، والأخير يقف كمن يقف على الجمر، رافضًا التلامس الطفيف الذي يحدث بين الطبيب وبينها، لكنه يكبح لجامه فقط كي يطمئن عليها، ثواني وانتهى الطبيب من الكشف، ليطلب من الممرضة أن تأتي بمحلول ملحي وحقنة ما. 


_ خير؟ 


أردف بها "مراد" باقتضاب واضح، لينظر له الطبيب بضيق من طريقته الفظة، لكنه اجاب بعملية:


_ غيبوبة سكر. 


رمش باهدابه غير مستوعبًا ما سمعه، ليسأله بملامح متأرجحه بين الخوف وعدم الاستيعاب:


_ ايه؟ 


وهنا صدح صوت "مصطفى" يسأل هو الآخر بخوف:


_ سكر ايه؟ هي معندهاش سكر! 


تعجب الطبيب من جهلهم بالأمر، ليهتف:


_ انتوا متعرفوش! لا عندها مرض السكري، وواضح انه بقاله فترة معاها. 


صدمة، لن ينكر انه صُدم بهذه المعلومة، فعامان كاملان قريبًا منها ولم يعلم باصابتها بمرض كهذا! خفتت انفاسه وهو يشعر بقرب فقد سيطرته على ذاته، لكن بضغطه واحده على كفها امدته بالسيطرة دون أن تعلم، فهدأ ذاته وسأل الطبيب بجمود واضح:


_ انا عاوز افهم اكتر. 


لم يفهم جملته فسأله هو الآخر:


_ تفهم عن ايه؟ 


اجابه باقتضاب:


_ عن المرض.. ليه جالها والمفروض اتعامل معاه ازاي؟ 


ضيق الطبيب عيناه باستغراب يسأله:


_ تتعامل؟ هو حضرتك الي هتتعامل مع المرض! المفروض المريض هو الي يفهم ويعرف خطورة المرض وازاي يتعامل معاه. 


اغمض عيناه بنفاذ صبر، ولازمها زفرة قوية منه، ثم فتحهما وهو يقول:


_ هي مش مهتمة بصحتها، فقررت اهتم انا، فيه مشكله؟ 


تنحنح الطبيب بحرج وهو يسأله:


_ حضرتك تقربلها ايه؟ 


اجابه بحنق:


_ جوزها، وياريت التحقيق يكون خلص، عشان صبري نفذ. 


جاءت الممرضة بما طلبه الطبيب فأسرع يعطيها حقنة الأنسولين ويدعم جسدها الذي يبدو انه لم يتغذى منذ وقت بالمحلول، وهو يجيبه:


_ حضرتك سبب المرض بيكون متعدد، ياسبب وراثي، او بسبب حمل وده بيكون مؤقت، او بسبب اضطرابات في وظائف الجسم، وممكن بسبب الحالة النفسية السيئة المستمرة لفترة طويلة او الاكتئاب و.. 


_كلمني اكتر عن السبب الأخير.. 


_ ده بيكون مرض من النوع الثاني، بيكون بسبب الحزن الشديد لفترة طويلة او مشاكل نفسية، بتسبب لغبطة في الجسم فممكن وقتها يصاب بالسكري، وعمومًا لازم تاخد بالها من صحتها اكتر، تنظم اكلها وتبعد عن النشويات والسكريات، ومتبذلش مجهود جامد، وكمان تلاحظ مستوى السكر باستمرار، لما تحس بأي بوادر لان مستوى السكر واطي او عالي لازم تاخد حقنة الانسولين قبل ما يحصلها إغماء، ويفضل تبعد عن الزعل والعصبية اهم حاجة، لانها بتلعب في مستوى السكر بسرعة فيسبب اغماء وميلحقش المريض ياخد الانسولين. 


طفق الحزن على ملامحه وهو يسأله بنبرة مهزومة خفية:


_ تعرف ازاي ان في مشكلة في مستوى السكر؟ 


_ هتحس باعراض زي الدوخة او الهبوط الشديد، او العرق الغزير، او الصداع الشديد الي بيصاحبه شعورها بالتقيئ، وممكن كمان تشتري جهاز قياس السكر، وده هيفيدها كتير اوي. 


_ ايه الجهاز ده؟ 


_ ده جهاز في منه انواع كتير بيبقى له سلكين وبلزق بيتلزق في البطن والجهاز نفسه، جهاز لوحي عادي قد كف الايد بيتحط في جيب المريض وبيقيس مستوى السكر باستمرار وفي حالة الارتفاع او الهبوط بيدي انزار. 


_ ايه افضل نوع له؟ 


_ هقولك على نوع كويس جدًا  لسه منزلش مصر تقدر تطلبه من المانيا، واسهل في الاستخدام، هو مجرد لاصق بيتحط على الدراع او في اي مكان والجهاز منفصل مش متصل بيه، بس غالي شوية، يعني ممكن يوصل ل.... 


قاطعه وهو يخبره بحزم:


_ ميهمنيش السعر، اطلبلي الجهاز ده فورًا، واطلب ييجي في اسرع وقت حتى لو هيكلف مصاريف مضاعفه. 


اومئ برأسه موافقًا وانسحب من امامه تاركًا اياه معها و"مصطفى" يقف بالقرب من الباب، عيناه ممتلئتان بالدموع، وهو ينظر لشقيقته بخوف حقيقي يشعر بهِ لأول مرة، يخشى أن تتركه يومًا كما فعل الجميع، فلم يعد لديه غيرها، ربما يتشاجران كثيرًا، لكنه يقسم انه يحبها أكثر مما تتخيل، وكيف لا وهي والدته التي اعتنت بهِ، ووالده الذي سعى ليحقق له مطالبه ويمنحه حياة مستقرة، وشقيقته التي تخشى عليهِ وتحاول دومًا أن تدفعه ليكن في حال أفضل، وصديقته التي تتفهمه حين يحكي لها عن مشاكله وازماته، هي كل شيء له، فكيف لا يفعل! 


_ متخافش يا مصطفى، هتكون كويسة. 


نظر له وقد سقطت دموعه تعبر عن عجزه، ليهتف بخوف:


_ هي مقالتش قبل كده، انا خايف تسيبني. 


اخبره بقوة ناهرًا اياه عن التفكير بهذا الشكل:


_ متقولش كده، مش هسمح يحصلها حاجه وحشة، كن متأكد انها هتكون بخير. 


حرك "مصطفى" رأسه بلا معنى وعيناه مسلطة عليها، كما فعل "مراد" الآن، حين نظر لها وقد نجح في كبح دموعه وحبسها في مقلتيهِ، وردد بسخرية لذاته "مصرة تعذبيني يا خديجة، حتى من غير ما تقصدي"! 


_________________


صباح اليوم التالي... 


نزلت درجات السلم الداخلي للفيلا بسرعة رهيبة كادت تسبب سقوطها عدة مرات، لكنها لم تهتم، فكل ما يهمها أن تلحق ذلك المجنون الذي يجالس صغيرها في حديقة الفيلا، كما طلب! فقد طلب منها في صباح اليوم ان يجالس صغيره بحرية دون وجودها، والآن ومن شرفة غرفتها رأته من بعيد يكاد يرتكب كارثة، اسرعت في ركضها لتصل للصغير تلتقطه من فوق قدمه بعنف وتعانقه بقوة لهوفة، جعلته يغضب وهو ينظر لها بسأم، ولم يمنع نفسه من التعقيب على فعلتها وهو يقول بسخرية:


_ ايه ناقص ايد ولا رجل!؟ 


نظرت له بشرار منبعث من عينيها وهتفت بغضب:


_ أنتَ كمان بتتريق! أنتَ كنت هتعمل مصيبة دلوقتي، عُمر عنده حساسيه من الشيكولاته الي حضرتك رايح تاكلهاله من غير ما تسألني. 


اختفت سخريته وقطب حاجبيهِ بقلق متسائلاً:


_ حساسية؟ 


_ ايوه حساسية، جسمه كل بيورم لو كل شيكولاته، فهمت ليه جيت جري وصرختلك من فوق. 


زفر انفاسه بضيق معقبًا:


_ ياريت تبقي تبلغيني بكل التفاصيل الي تخصه عشان منتحطش في موقف زي ده تاني. 


رفع صوته مناديًا على المربية الخاصة التي جلبها خصيصًا للاعتناء بهِ في صباح اليوم رغم رفض "رنا"

_ماري.


أتت الشمطاء المسماة بماري، لتنظر لها "رنا" بضيق وحنق، لِمَ عليها أن تكن جميلة ومقسمة بهذا الشكل، أي مربية هذه! أنها تشبه ممثلات هوليود بدون منازع. 


أخذت الطفل من بين ذراعيها تحت ملامحها الرافضة، وما إن ذهبت حتى قالت مبدية رفضها:


_ انا مش محتاجه مربية لابني، ده من كتر مشاغلي يعني! مانا فاضية ومش ورايا حاجة. 


ابتسم ابتسامة غير مفهومة وهو يسألها:


_ مين قالك إنك فاضية!؟ 


قطبت ما بين حاجبيها باستغراب:


_ يعني ايه؟ 


ابتسم لها وهو يقترب حتى اصبح على بُعد عدة خطوات قد يجتازها في خطوة واحده من قدميهِ الواسعتان، فزاغت عيناها رغمًا عنها وهي تشعر بهيمنته عليها، لطالما أسرتها طلته وهيمنته هذه قديمًا، والآن وبعد غياب وعودة زادت فيهم طلته وأصبحت تأسر أكثر، بدى الأمر مربكًا، فقد أصبح أكثر ضخامة وهيبة، وهي تضعف أمام هذه الهيبة... لكن ليس الآن.. ليس الآن.. 


رددتها اكثر من مرة وهي تشيح بنظرها عنه، ولكنه لم يغفل ابدًا عن نظراتها له، ولأنه اراد ان تأخذ حريتها في التعامل معه لم يعقب، بل قال بهدوء:


_ انا عملتلك اتيلية لفساتين الافراح والسهرة.. مش أنتِ كان دايمًا نفسك تعمليه؟ 


جحظت عيناها وهي ترفع رأسها له على الفور، وتجمدت ملامحها من الصدمة، بينما لسانها يسأل:


_ بس.. بس انتَ رفضت وقتها. 


اومئ برأسه وهو يخبرها بصدق:


_ خوفت حاجه تشغلك عني، ومكنتش عاوز الناس تشوفك.. مكنتش عاوزك تكوني فاضية لحد غيري، بس حاليًا، أنتِ اوردي انشغلتِ بسي عُمر، وانا كمان انشغلت اكتر ومبقتش موجود اغلب بالنهار وبرجع بليل متأخر، فأيه المانع تشغلي نفسك وتحققي حلم حياتك.. افتكر إنك قولتيلي على الاتيليه ده من اول ما اتجوزنا وقولتي كمان انه حلمك من زمان. 


نظرت له في حيرة، بين السعادة والجمود، فها هو حلم حياتها يتحقق ولكن.. والأزمة في ولكن! فهل تقبل أن يتحقق حلمها بماله الذي تعلم مصدره جيدًا، او هل تقبل أن يتحقق حلمها وهي تعلم يقينًا أنه يفعل هذا فقط ليجلبها لصفه مره أخرى ويكسب جانبها، نظرت له بنظرات حائرة ولكنها حسمت قرارها أخيرًا وهي تقول بينما عيناها لا تفارق عيناه... 


~يتبع~


تكملة الرواية من هناااااااا


لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله الجزء الاول1 من هناااااااااا

الرواية كامله الجزء الثاني2 من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع