القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية عن تراض الفصل الأول والثاني بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)


رواية عن تراض الفصل الأول والثاني بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)



رواية عن تراض الفصل الأول والثاني بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)


الفصل الأول

لن تكون الحياة مثالية، لابد من صُعوبات ربما لنا وربما حولنا، فما المصاعب والمصائب إلا مطبات تعرقلنا لنُهدأ من سرعة ركضنا خلف الدنيا وأهوائها، لنقف مع أنفسنا وننظر خلفنا لتطاير الأيام ومُضيها وكأنها تؤكد لنا أنها فانية، وأن هناك أخرى باقية، ويجب أن نستقيم ونعود إلى الله ولا نلتهي بكثرة الفتن التي تجول حولنا.


قبل البداية🌸صلوا على خير الأنام🌸


(١)

في يومٍ من أيام صيف يوليو، قبيل المغرب وقد أوشكت الشمس أن تودع السماء معلنة عن انتهاء هذا النهار، بينما كان الأطفال يركضون ويلعبون بالشارع وتتعالى ضحكاتهم وتتناغم، طالعتهم «شيرين» من شرفتة منزلها بابتسامة وحنين لماضيها وهي تتذكر طفولة أبنائها الستة (رائد ورامي ووئام وهيام وعمرو وعامر).


وبعد فترةٍ من التأمل 

جلست على المقعد بالشرفة تتأمل ابنها «عمرو» الجالس قبالتها، تذكرت كيف كان يحدج تلك الفتاة التي تُدعى «سراب» بابتسامة عابثة وهي الأخرى ترشقه بنظراتٍ حادة، ولا تدري لمَ يُبغضان بعضهما لتلك الدرجة ومن الصغر!


أغلقت «شيرين» جفونها وأخذت تجتر ما سلف من ذكرياتها، وما آلت إليه حياتها فقد مرت الأعوام وأصبحت جدة، وها هو زوجها قد اشتعل رأسه شيبًا، وانشغل أولادها عنها، فمنذ أن تزوجت ابنتيها «وئام وهيام» وانشغلتا بحياتهما، وكذلك «رامي ورائد» سافرا لخالهما للعمل معه تاركين زوجاتهما وأبنائهما ليملؤا البيت حياة وسعادة، وقد كان.


وكفطرة أي أم ستظل «شيرين» تتحمل هم أبنائها وأحفادها ولازالت بالفعل تتحمل عبئ التوأمان «عمرو وعامر» اللذان لم يتزوجا بعدُ، ويسكننان معها تحت سقف بيت واحد.


فتحت ستارة عينيها فأبصرت «عمرو» الذي مازال يجلس قبالتها على المقعد ويعبث بهاتفه مبتهجًا بعدما فعل ما فعله بسراب وسكب المياه فوقها من الشرفة، خاطبته شيرين حانقة:

-عارف لو مكنتش طلعت في الوقت المناسب وعملت إن أنا اللي كبيت المايه! كانت سراب فرجت عليك الشارع كله! 


رفعت سبابتها بوجهه تُحذره:

-أخر مره يا عمرو تعمل حركه زي دي... أنا مش عارفه بينك وبين البت دي ايه!


وفي سرعة أمسك سبابة والدته وهو يقول بابتسامة عابثة:

-لعلمك بقا البت سراب دي ولا تقدر تعملي حاجه... دا أنا كنت هقولك كل ما تلاقيها خارجه تدلقي عليها مايه إنتِ كمان... 


وأضاف بانفعال وهو يتذكر حدثًا أزعجه:

-من يومين كنت واقف تحت بلكونتهم كسرت على دماغي بيضتين... يعني هي اللي بدأت.

قال جملته الأخيرة وعلامات التحدي تجول بين خلجات وجهه، بينما كانت والدته نازقة مما يقول، هدرت به:

-هو إنت هتكبر امته! دي تصرفات أطفال مش واحد عنده ٢٢ سنه! اللي يشوف شكلك شاب طول بعرض عنده دقن وشنب وعقل أطفال.

ضحك عمرو وهو يتحسس ذقنه، وبتر حديثهما دوي هاتف شيرين فراحت تبحث عنه حتى التقطته، وأجابت على الفور:

-أيوه يا وئام.


أتاها صوت ابنتها المتحشرج:

-الحقيني يا ماما مغص صعب أوي ويحيى مش هنا ومش بيرد على التلفون.


اعتدلت شيرين في جلستها وهي تقول بقلق:

-طيب اهدي يا حبيبتي أنا هجيب عمرو وجيالك... مسافة السكه.


كان «عمرو» على الجانب الأخر يطالعها بحدقتين واسعتين محركًا عنقه بالنفي والإعتراض، وما أن أنهت المكالمة، خاطبها بتبرم:

-عمرو مين يا ماما أنا رايح ألعب كوره!


تجاهلت قوله ونهضت وهي تقول بحزم:

-أختك تعبانه هلبس وتوصلني، يلا...


طالعها عمرو عاقدًا جبينه، فاستطردت بضجر:

-إنت هتتنح قوم البس ولا هتنزل معايا بالشورت...


نهض عمرو واقفًا وهو ينفخ بضجر، واتجه صوب غرفته وهو يغمغم:

-هو مفيش غير عمرو في البيت ده! أنا لازم أسافر مع رائد ورامي المكان دا مش مكاني.

قالها وهو يُصر على أسنانه في غيظ شديد، فقلبت شيرين كفيها وصاحت:

-أختك تعبانه يابني آدم!! طيب والله ما فيه لعب كوره النهارده يا عمرو يا دياب.


قالتها ودخلت ترتدي ثياب الخروج وهي ترفل طرف عبائتها في غيظ من تصرفات ولدها...

وبعد دقائق وجيزة خرجت من غرفتها تناديه، فاتجه إليها بتكاسل وبخطواتٍ باردة، هدرت به وهي تحرك يدها بانفعال:

-مالك بارد كده ليه يَله أختك كانت بتصرخ وتعيط في التلفون...


صك كفيه، ونطق بلامبالاة:

-مش فاهم يعني أعمل ايه ما أنا جاي معاكِ أهوه يا ماما!!


رمقته والدته شزرًا وهي تنطق بغيظ:

-إنت إزاي قلبك قاسي كده! دا أنا مش شايفه أي لهفه في عينك.


قال بابتسامة جليدية:

-لهفه ليه! هتلاقيها أصلًا زي المره اللي فاتت شوية غازات محبوسين في القولون وعلى ما نوصل هيكونوا طلعوا... وهتعملنا عصير مانجا نشربه ونيجي.


لكزته والدته بضيق وهي تدفعه ليسير أمامها مرددة:

-امشي، امشي قدامي... تصدق بالله إنت الوحيد اللي معرفتش أربيك...


ضحك، فقد اعتاد على سماع تلك الكلمات بين حين وأخر، قال من خلف ضحكاته:

-على فكره إنتِ بتقولي لعامر برده الجمله دي.


رشقته بنظرة حادة فتظاهر بالجدية وقال:

-يلا نلحق وئام... يلا...


استغفروا ♥️ 

بقلم آيه شاكر 

                      **********

في بيت وئام، حيث أصبحت هي سيدته بعد وفاة والدي زوجها يحيى قبل سبعة أعوام، فقد عاشت معهما أعوام قليلة وكانت تعاملهما بمودة ورأفة ولين قلب، كما تتمنى أن يُعامَل والديها، وكانت تساعد زوجها على برهما رغم أنها كانت تتضرر أحيانًا وتتمنى لو كان بيتها مملكةً خاصة لها هي وزوجها فقط، لكنها لم تُظهر ذلك ولو مثقال ذرة، فقد وافقت وارتضت الأمر ولم يُغصبها عليه أحد، ابتلعت كل الضجر والضيق ومرت بها الأعوام حتى ذلك اليوم.


أخذت وئام تتذكر حياتها كاملة وهي تكتم صرخاتها وآهاتها، وكلما انتابتها الآلام أطلقت صرخة مكتومة كي لا تُقلق ابنتها التي تتابعها في اضطراب وقلق...

وقفت «مريم» قبالتها؛ هي ابنتها البكريه التي لم تبلغ الثانية عشرة عامًا، وقالت بقلق:

-أروح أنادي لـ أدم يا ماما؟!


قالت وئام وهي تُصر على أسنانها من شدة الألم: 

-لأ جدتك وخالك في الطريق...

-طيب أعملك ينسون تاني؟

قالتها مريم بصوتها الرقيق المغلف ببراءة الطفولة، بينما كانت تُقلب مقلتيها السوداويتين في توتر بالغ، وحينما اشتد ألم وئام نطقت من خلف دموعها:

-مش عايزه حاجه، امشي يا مريم من قدامي.


أطبقت «مريم» يدها على فمها، وترقرقت عيناها بالدموع، جلست جوار والدتها وقالت بلهفة ونبرة مختنقة بالدموع:

-طيب أروح أنادي لـ أدم؟


صمتت وئام لبرهة وحين انتابها الألم صرخت قائلة:

-ناديله بسرعه أنا مش قادره يا مريم... 


ركضت مريم لباب الشقة لتنادي آدم، وبمجرد أن فتحته وجدت جدتها «شيرين» أمامها، فقالت بدموع ولهفة ودون سلام:

-تيته!!! دا ماما تعبانه أوي...


حاوط «عمرو» كتفي مريم بذراعه وهو يقول مطمئنًا:

-متقلقيش يا مريوم! متخافيش يا حبيبتي.


أومأت مريم وأمسكت بيد عمرو، وحين رأى عمرو حالة أخته قال:

-إنتِ تعبانه بجد! يعني مفيش عصير مانجا ولا ايه!


تأوهت وئام وقالت:

-مش قادره، القولون مبهدلني أوي.


قال عمرو بجدية:

-أكيد غازات محبوسه... ما تحاولي كده تطلعيها...


صرخت وئام بألم، فلمست شيرين بطن ابنتها وقالت:

-بطنك محجره كدا ليه يابنتي! 


قالت وئام بدموع:

-القولون مبهدلني دا بقاله فتره بيتحرك يا ماما!!

-بيتحرك! هو فيه قولون بيتحرك! لأ إحنا لازم نروح مستشفى أنزل يا عمرو شغل العربيه على ما نيجي...

قالتها شيرين فعلق عمرو:

-تلاقي يا ماما الغازات اللي جواه بتتحرك فهي حاسه إنه بيتحرك.


أصرت شيرين على الإنطلاق للمستشفى فنزل عمرو من البيت بخطواتٍ سريعة بينما وقفت مريم تبدل نظراتها بين جدتها ووالدتها وهما يستعدان للخروج، وقالت:

-أنا هاجي معاكم.


صاحت وئام:

-لأ خليكِ مع أخوكي... 

-عبد الرحمن فوق مع آدم.

-اطلعي عندهم يا مريم متزهقنيش.


وبعد دقائق 

خرجت وئام مع والدتها وهي تكتم آهاتها، بينما كان عمرو في المقلى يشترى اللب وكأنه لا يكترث لحالة أخته، قالت وئام وهي تُصر على أسنانها بغيظ:

-هو ده وقت لب! ناديله يا ماما.


أشارت له والدته وهي ترشقه بنظراتٍ حادة كادت تخترقه، فأومأ عمرو وخرج راكضًا من المقلى وهو يضع حبات اللب في فمه، فأطلقت وئام صرخة وصاحت:

-إنتِ جبتِ الواد ده معاكِ ليه يا ماما؟ فين عامر!


ربتت والدتها على ظهرها وقالت:

-معلش يا بنتي ملقتش غيره والله.


فتح عمرو السيارة وركبوا وهو يأكل اللب وقبل أن ينطلق قام بتشغيل الراديو فصدع صوت أغنية:

-سوق على مهلك سوق بكره الدنيا تروق...


قالت وئام بنفاذ صبر:

-سكتوا البتاع ده.


قالت الأم بانفعال:

-اقفل يا عمرو الزفت ده وسوق بسرعه.


قال عمرو ببرود:

-براحه على مهلنا يمكن الغازات تطلع ونرتاح كلنا ولا نروح ولا نيجي.


التفت عمرو يُطالع وئام وخاطبها:

-متتكسفيش مننا يا وئام لو فيه أي غازات طلبت الخروج في أي لحظه أوعي تترددي إنك تطلقي سراحها...

قال جملته الأخيرة وابتسم، فصرخت وئام من شدة ألمها، فأجفل عمرو ودعس بنزين حتى كاد يطير بالسيارة ليصل للمستشفى فمن الواضح أن الأمر جلل!


سألتها والدتها: 

-الالم ده فجأه كده!


-لأ نداء قالتلي إني ألعب رياضة بطن لأن كرشي كبير زي ما إنتِ شايفه... فأنا بقالي يومين بلعب وتجاهلت الألم لحد ما زاد مره واحده! 


ضحك عمرو حين سمع كلماتها، فصرخت وئام وقالت:

-مش قادره يا ماما دا أنا كأني بولد!


-ربنا يستر.

قالتها الأم بتوجس.

صلوا على خير الأنام ♥️ 

                 ★★★★★★

                     «سراب»

عدلت حقيبة أدواتها التي تحملها على ظهرها ثم ربتت عليها بحمـ ـاس فهذا أول عمل تستلمه، ورغم أن كل الإشارات تخبرها ألا تذهب إلا أنها تجاهلتها وأكملت.


وصلت «سراب» لبيتٍ كبير وفخم محاط بالمصابيح التي تدل على أن هناك عروس ستُزف لعريسها الليلة، تنهدت بارتياح فهذا أول عمل لها كخبيرة تجميل «ميكب أرتست» رغم تحذير تقى لها ورفض جدها القاطع، لكنها لم تبالِ معللة لنفسها بأنه لا يوجد أحد يعرف مصلحتها إلا هي، قلقها الوحيد كان في تنائي هذا البيت وانفراده عن غيره من المساكن في مكان غريب وصلته بصعوبة بالغة لابتعاده عن المدينة نوعًا ما.


دلفت للبيت، وأجفلت حين ظهر لها رجل ضخم مفتول العضلات حاد النظرات، ابتلعت لعابها وأخبرته عن هويتها فأوصلها لغرفة العروس، كانت ملامحه الجامدة ونظراته الحادة تشي بمدى شدة بأسه، نبه عليها بصوت خشن:

-قدامك ساعه واحده تجهزي العروسه قبل ما المأذون يوصل، فاهمه؟


أومأت سراب رأسها عدة مرات في ارتباك ورددت:

-مش هحتاج أكتر من كده إن شاء الله... بس ياريت تجهزولي الحساب.


قالتها بابتسامة وهي تفرك أناملها إشارة إلى النقود، فأخرج الرجل حزمة من النقود وقال:

-اتفضلي اللي اتفقنا عليه، بس عايز العروسه تبقى قمر ١٤.


-من عنيا.

قالتها سراب ببهجة وهي تشير لعينيها، وبعدما خرج الرجل تنفست بارتياح واسنتشقت رائحة النقود بحمـ ـاس، ثم ضمتها لصدرها واستدارت تُطالع العروس التي تجلس على طرف فراشها متجهمة الوجه، أقبلت إليها وقالت بابتسامة:

-مالك يا عروسه؟ فيه حد يكون قمر كده وزعلان يوم فرحه.


أجهشت العروس بالبكاء فتجهم وجه سراب، جلست سراب جوارها في احباط، سألتها بنبرة مضطربة وهي تعلم إجابة سؤالها:

-إوعي يكونوا غصبينك على الجوازه؟!


أومأت الفتاة ودموعها تفر خارج أسوار عينيها، فوثبت سراب من جوارها وعادت للخلف خطوتين، وأخذت تقرض أظافرها وهي تتذكر جملة الرجل:

«متروحيش يا حماره»


-قالي متروحيش يا حماره وأنا اللي تجاهلت الإشاره.

قالتها سراب بفم متشنج، وسرعان ما استعادت رباطة جأشها ورفعت سبابتها في وجه الفتاة هادرةً:

-بصي يا بطه أنا مليش دعوه أنا همكيجك وأمشي وإنتِ بقا ربنا معاكِ.


أومأت الفتاة وجففت دموعها وشرعت سراب في وضع مساحيق التجميل على بشرتها، وهناك غصة تتلوى بحلقها وبخاصةٍ كلما رأت قلة حيلة تلك الفتاة، ونظراتها المنكسـ ـرة ومحاولاتها الفاشلة في سد قنوات مدامعها...


                     

ألقى الليل وشاحه ليغطي الأفق...


مازالت العروس تبكي، قالت العروس لسراب برجاء:

-بالله عليكِ ساعديني أهرب عايزه أروح لخالي في المنصوره.

-اهربك إزاي!! آآ... أ... أنا مش هعرف.

-هقولك ازاي بس ساعديني ابوس إيدك أنا مش هينفع اتجوز، دول عاوزين يجوزوني راجل كبير عشان الفلوس، أنا لازم أهرب.


اضطرت سراب للموافقة فقد أشفقت عليها فلم تتوقف الفتاة عن البكاء لساعتين متواصلتين، أومأت رأسها واستطاعت أن تساعدها للخروج من البيت وهي تتسلق حبل يتدلى من شرفتة غرفتها ثم نزلت سراب بنفس الطريقة وركضتا معًا بعيد عن البيت...


وبعد مسافة 

أخرجت سراب النقود وقالت:

-خدي فلوسكوا أهيه يمكن ينفعوكي...

-أنا مش عارفه أشكرك ازاي!

قالتها العروس بعدما أخذت النقود من يدها، فألقت سراب نظرة متحسرة على النقود بيد الفتاة واغتـ ـصبت ابتسامة وهي تردد بقلة حيلة:

-خلي بالك من نفسك... إنتِ اسمك ايه؟

-هند، وإنتِ؟

-اسمك حلو يا هند، أنا سراب.

-اسمك غريب أول مره أسمعه.

-وأنا كمان.

قالتها سراب فضمتها الفتاة وسلكت طريقها أما سراب فلوحت لها لكنها كانت تلوح للنقود وتشيعها وليس للعروس...

 نظرت يمنة ويسرة ولأعلى ولأسفل، ثم طالعت ظهر الفتاة التي تهرول مبتعدة وقالت بحسرة:

-يا فرحه ما تمت خدتها العروسه وطارت...

تظاهرت بالبكاء، فقد تناثرت آمالها وأموالها، ركلت حجرًا صغيرًا أمامها ثم أخذت تعدو في اضطراب، وهي تتمنى أن تصل للبيت بأقصى سرعة، فالمكان حولها يخلو من البشر...


سارت تنظر خلفها بين فنية وأخرى في توتر بالغ وكأن قلبها يشعر بالخـ ـطر الذي يداهمها، فباغتها سيارة قطعت طريقها، ارتجل منها رجل عظيم البنية عرفته من النظرة الأولى، فقد استقبلها قبل عدة ساعات، وقف قبالتها وحدجها بنظراتٍ حادة قبل أن يقول:

-هربتيها، صح؟!


بلعت ريقها في اضطرابٍ ولاذت بالصمت، فصاح:

-انطقي يا بت العروسه راحت فين؟


-عروسة ايه يا باشا!!... أوعى يكون قصدك على ميمي.

قالت الجملة الأخيرة وهي تُحرك ميدالية مفاتيح شقتها التي تضم عروسة صغيرة تُسميها «ميمي»


هدر بها بنبرة مرتفعة أرعبتها:

-ميمي مين!! أنا بتكلم عن العروسه اللي كنتِ بتمكيجيها... العروسه راحت فين يا بــــت؟!


ازدردت ريقها بهلع وهي تُطالعه بطرف عينيها، فصاح بها:

-انطــقــــي.


هزت رأسها بالنفي قائلة بتلعثم:

-مـ... مـ... معرفش.


صفعها بقـ.وة فتأوهت ووضعت يدها مكان الصفعة ثم قالت: 

-راحت لخالها في المنصورة يا باشا.


فهذا هو الإعتراف من الصفعة الأولى! نفث الرجل دخان التبغ بوجهها، وقال:

-يعني إنتِ ساعدتيها تهرب!!


سعلت من دخان التبغ الذي التف حول أنفها وأخذت تهش الدخان بيدها بينما كانت أعصابها ترتجف خوفًا، فصك الرجل أسنانه وقال:

-يبقا تتجوزي إنتِ مكانها يا حلوه.


جحظت عيناها بصدمة مما تفوه به لتوه، وكادت تتحدث إلا أنه أشار لثلاث رجال يقفون بالجوار وقال بأمر:

-هاتوها.


استدار الرجل وركب سيارته وأخذ يُدخن التبغ بشراهة.


حاصرها الثلاث رجال أحدهم عن يمينها والثاني عن يسارها أما الثالث فوقف أمامها يحثها على التوجه نحو السيارة.


سارت معهم عدة خطوات نحو السيارة بدون مقاومة وفجأة وقفت وهي تتمتم:

-أتجوز إيه! إيه شغل الروايات ده!! ويا ترى بقا هيطلع مشلول ولا أعمى ولا غني ووسيم ويحبني ونعيش في ثبات ونبات ونخلف صبيان وبنات...


قالتها بابتسامة حالمة فهدر بها أحدهم بصوت غليظ:

-مش عاوز كلام... امشي وإنتِ ساكته.

انتبهت لنفسها ونظرت لأعلى برجاء ثم التفتت حولها تبحث عن أي منفذٍ تهرب إليه، فدفعها أحد الرجال لتسير لكنها تعثرت وهوت أرضًا، وسرعان ما اعتدلت واقفة، رفعت سبابتها بوجه من دفعها وقالت بثقة وبنبرة مرتفعة:

-لعلمك بقا أنا مش خايفه منكوا لأن في كل الروايات البطل بيجي ينقذ البطله ودلوقتي يجيلك مفتول العضلات خارق القوى أبو عيون تشبه القهوة ويردلك الصاع صاعين.


لكمها بوجهها فتأوهت وتحسست خدها وفمها الذي تساقط منه نقطة من الد***ماء، كادت أن تبكي وهي تغمغم:

-يارب يكون ده كابوس من بتوع العصر وأصحى.


هدر بها أحدهم:

-يلا يا بت قدامــي.


تشنجت ملامحها بحسرة، وقالت بقلة حيلة:

-حـ... حاضر.


حدقت أمامها لبرهة شاخصةً في رعب، وهي تتمنى أن ينجدها أحدهم...

بقلم آيه شاكر

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم 🌸 

                  ★★★★★★

وفي مكانٍ أخر في مصنع للملابس وبالتحديد داخل غرفة واسعة تضم عدة طاولات أعلاها آلات للخياطة، كان المكان فارغ إلا من «عامر» الذي يقف عاقدًا ذراعيه جوار أخته «هيام» بينما زوجها «محمد» ويحيى «زوج وئام» يباشران عملهما في صيانه بعض آلات الخياطة... 


وكان هناك فتاة أخرى تجلس في نهاية الغرفة أمام آلة الحياكة تعمل بجدٍ واجتهاد وبتركيز شديد، وعزم أن تُنهي ذلك التصميم قبل الغد، قاطعها دوي هاتفها برقم والدها، أجابت عليه، فقال:

-سراب وصلت عندك؟

-لأ يا بابا لسه.

-أومال راحت فين؟ دي قالتلي جيالك المصنع!

صمتت لبرهة وهي تتسائل أين ذهبت تلك السراب التي لا تجلب سوى المصائب! حاولت أن تغطي عليها فقالت بتلعثم:

-آآ.... آه... صح هي اتصلت عليا وقالت إنها هتتأخر شويه لأنها قابلت واحده صاحبتها في الطريق، متقلقش زمانها جايه.


أغلقت مع والدها وطلبت رقم سراب لكن هاتفها خارج نطاق الخدمة، أخذت تفكر وتتوقع اين ذهبت؟ وأخرجها من صخب أفكارها قول هيام:

-إيه يا تقى!! لسه قدامك كتير؟!


رفعت الفتاة رأسها تُطالع هيام ببندقيتيها الرائقتين وقالت:

-نص ساعه يا أبله هيام إن شاء الله وأخلص الفستان ده.


قالتها وهي تشير لفستان زفاف، صممته بنفسها فربتت هيام على كتفها وقالت:

-إنتِ بتتعبي أوي يا تقى!


افتر ثغر تقى بابتسامة عذبة أماطت اللثام عن أسنانها البيضاء المتراصه بعناية كالآلئ الامعة، ونطقت:

-طول ما أنا بعمل الحاجه اللي بحبها مش بتعب.


قالتها وأخذت تُكمل عملها، فقالت هيام:

-ربنا يوفقك يا حبيبتي.


رفعت تقى رأسها قليلًا لتقتنص نظرة نحو «عامر» الذي كان يرمقها هو الأخر بنظراتٍ حذرة كي لا يجذب الأنظار إليه، فلولاها لما أتى إلى هنا! تلك الفتاة التي فتنته من الصغر، وترعرعت أمام عينه لكنها أضحت تضع حولها خيوطًا شائكه لتمنع أي رجل من الاقتراب منها.


أفاق عامر من شروده على صوت زوج هيام «محمد»:

-شوف كده يا عامر السلك ده مش واصله كهربا ليه!


عدّل عامر من عويناته وقال متضجرًا:

-يا جماعه انتوا هتقتنعوا إمته إني عالم مش مهندس كهربا، وقريبًا هكتشف اختراع هيبهركم وهبقا عالم كبير تفتخروا بيا...


لكزه «محمد» بكتفه وقال:

-انجر يا هندسه خلينا نخلص في الليله البيضا دي! وبعدين ما يحيى قدامك أهو مهندس ديكور الصبح وبعد الظهر مهندس كهربا.


-قصدك بعد العشا! العشا أذنت يا معلم محمد واحنا لسه محشورين في المصنع!

قالها يحيى بسخط، بينما ارتفع رنين هاتفه للمرة التي لا حصر لها فقال ممتعضًا:

-أكيد مراتي وئام! خلصوا عشان أنا مرجعتش البيت من الصبح... وصل يا عم الكهربا...

قال يحيى جملته الأخيرة مخاطبًا عامر بنفاذ صبر، وكان عامر يقتنص النظرات نحو تقى بينما حثه محمد أن يضع سلك الآله في مصدر الكهرباء...


وبشرود وضع عامر طرف سلك آلة الخياطة المكشوف في الكهرباء وهو يمسك طرفه الأخر وفجأة صُعق وصار يهتز كأنه يُصرع حين أمسكت به الكهرباء...


أجفلت« تقى» ووثبت من جلستها وألقت هيام الهاتف من يدها في فزع، وحاولت سحب أخيها فأمسكتها الكهرباء هي الأخرى وأصبحا يختلجان وأصواتهما ترتعش وتتداخل وأعينهما جاحظة، وقف محمد مكانه مشدوه وقد اتسعت حدقتاه بصدمة، بينما ركض يحيى ليفصل الكهرباء عن المصنع بالكامل لحظات مرت وسقط الإثنان أرضًا، وكل واحد في جهة...


أضائت تقى مصباح هاتفها لتطمئن عليهما، وعاد يحيى يلهث وهو يقول:

-إنتوا كويسين؟!


انحنى محمد يفحص زوجته «هيام» التي طفقت تبكي وهو يعاتبها:

-مسوفتش في ذكائك هو بيتكهرب رايحه تمسكيه ليه؟ 


قال يحيى:

-هو ده وقت عتاب يا محمد!!


كان عامر يرقد أرضًا ودقات قلبه تتواثب، أخذ يلمس شعره ثم جسده ليطمئن أنه على قيد الحياة، وقال بلسان ثقيل:

-قولتلكم أنا عالم مش مهندس كهربائي افهموا بقا...


وبعدما اطمئنوا عليهما عاد يحيى يضيء المكان وضحك الجميع...

بقلم آيه شاكر 

استغفروا❤️ 


                  ★★★★★

-حضرتك أنا مينفعش أتجوز! آآ... أنا لسه مبلغتش سن الرشد.


قالتها «سراب» مخاطبة الرجل الذي يجلس بالسيارة ناظراً أمامه وهو يدخن التبغ، لكزها رجل ضعف وزنها لكزةً أفزعتها وقال بنبرة مرتفعة هزت قلبها:

-اخرسي يا بت.


لازالت تظن أنها داخل حلم وستفتح جفونها في أي لحظة وتستيقظ، ضغطت شفتيها معًا علها تكتم أنفاسها كي لا تُزعج ذلك الضخم الذي يقف خلفها، ثم قلبت نظراتها بين الرجال وأجسامهم العريضة، حدثت حالها؛ لا جرم أنهم حُراس شخصيون لهذا البغيض الذي يدخن سيجاره الفخم بلا توقف، هدر بها أحدهم:

-اركبي...


أطلقت عقدة لسانها علها تكسب بعض الوقت، قالت بتوجس:

-حاضر يا باشا... طيب انتوا هتجوزوني واحد وسيم وكده ولا مشـ ـلول ولا أعمـ ـى ولا غني... يعني إيه نظامه! 


-قلت اخرسي يا بت... ويلا اركبي.

قالها الرجل وهو يوقع كلماته وباغتها أخر بتصويب سلاحه لظهرها، فقلبت «سراب» عينيها في المكان بتوجس، وحين أدركت خطورة الموقف، طفقت تصك وجهها بكلتا يديها وهي تصيح وتكرر جملة:

-ما هو قالي متروحيش يا حماره أنا اللي مفهمتش الإشاره...

يتبع 

ـــــــــــــــــــــــــــــ

إيه رأيكم في البداية؟ 

المواعيد الاثنين والخميس الساعه ٩ ولو التفاعل كويس أوعدكم أزود يوم أو اتنين وأطول الحلقات.


وأخيرًا👇🏼

«اللهم لا تجعل كلماتي تلك فتنة لأحد ولا تفتني بما يخطه قلمي، وإن كان خيرًا فيسر لي طريقي وإن لم يكن فاصرفني عنه



الفصل الثاني 


#عن_تراضٍ 

بقلم آيه شاكر 

«أحيانًا تدفعنا أهوائنا إلى التهلكة، ورغم أننا نوقن بأن الطريق ليس لنا نُعاند ونمضي للأمام، وحين تنجرف قدمنا ونوشك أن نسقط في الهاوية نستمر زاعمين أننا سنحلق ونطير، ولكن كيف بلا أجنحة.»

(٢)

-حاضر يا باشا... طيب انتوا هتجوزوني واحد وسيم وكده ولا مشـ ـلول ولا أعمـ ـى ولا غني... إيه نظامه!


-قلت اخرسي يا بت... ويلا اركبي.


قالها الرجل وهو يوقع كلماته وباغتها أخر بتصويب سـ ـلاح لظهرها، فشخص بصرها لبرهة ثم قلبت عينيها في المكان بتوجس، وما أن أدركت خطـ ـورة الموقف، طفقت تصك وجهها بكلتا يديها وهي تصيح:

-ما هو قالي متروحيش يا حماره أنا اللي مفهمتش الإشاره... حد يلحقني يا ناس...


قالت جملتها الأخيرة وهي تثب في هلع، جذبها رجل أخر من ذراعها لتصعد للسيارة وظلت هي تصرخ بذعر دون اكتراث للسلاح المصوب لظهرها، اشتدت دقات قلبها، وارتعدت فرائصها، وهي تُخاطب نفسها ليس حُلمًا هي الآن بواقعٍ مرير، ولا تدري ما الذي ينتظرها بعد هذه اللحظة العصيبة وما الذي يجب أن تفعله؟


لم تكن تلحظ ذلك الشاب الذي يتواري خلف جدار ويتابع ما يجري في قلقٍ وفزع، كانت أوصاله ترتعد وقدميه التصقتا بالأرض من هول صدمته، حائرٌ لا يدري أمن الصواب أن يركض إليها ويلقي بنفسه فيهلك، أم يأخذ حذره ويطلب العون أولًا، وفي سرعة وتهور أخذ قراره وكبطلٍ شجاع ركض إليها...


أما سراب فحين لاح لها طيف شاب يركض صوبهم من بعيد مشهرًا سلاحه وهو ينادي اسمها تهللت أساريرها، وانفرجت شفتيها بابتسامة وهي تردد ببهجة:

-مفتول العضلات وصل... وصل، وصل أحلى واحد في الكون.


وتبددت سعادتها حين تبينت هويته كان شاب نحيل، ضئيل الوزن، متوسط القامة، ترتعش يداه وهو يمسك سـ ـلاحه، سُرعان ما أطلق عدة طلقات في الهواء، وهو يرنو إليها ويصيح:

-ابعدوا عنها... متقلقيش الشرطه جايه حالًا يا سراب... ابعــــــدوا عنها.


قالت سراب بنبرة محبطة:

-نادر! ليه نادر، ليه نادر؟ ليـــــه!

خاب أملها فقد كانت تنتظر ظهور مفتول العضلات الذي سيخطف قلبها من النظرة الأولى.


من ناحية أخرى أجفل الرجال خشية قدوم الشرطة، وقال رئيسهم:

-هاتوها واركبوا بسرعه...


صعد الرجال للسيارة في سرعة، بينما حاول أحدهم جذب سراب لتصعد معهم لكنها ركلته أسفل بطنه وركضت صوب «نادر» الذي أطلق قدميه مع الريح، وأسرع الإثنان بالفرار والابتعاد.


وأمر الرجل حراسه أن يتبعوهما ويحضروهما


********

وبعد فترة من الركض


وقفا في ظل أحد البيوت في مكان أشبه بالخرابه.


طالعت سراب نادر بامتنان وقالت:

-أنا كنت متأكده إن فيه حد هينقذني، مع إني تخيلت إنه هيكون مفتول العضلات وعيونه تشبه الـ.....


ابتلعت سراب باقي كلامها ورمقته شزرًا وهي تقول:

-يلا مش مشكله كتير خيرك يا نادر، ربنا ما يوقعك في ضيقه...


بتر نادر كلماتها بإشارة من يده أن صه، وجحظت عيناه فجأة وهو ينظر خلفها مرددًا بذعر:

-اجري يا سراب!

-نجري ليه تاني أنا نفسي اتقطع!!

-طيب بصي وراكي كده...


نظرت خلفها وحين أبصرت الحراس يتجهون صوبهما شهقت وعندما أعادت نظرها لنادى وجدته فر راكضًا، فأطلقت ساقيها مع الريح وهي تناديه:

-نـــــادر... استنى يا نــــادر... 


-أستنى إيه أنا مش مستغني عن عمري، دول لو لحقونا هيعملونا بانيه!

قالها وهو يلهث ويركض، فضحكت  وهي تُسرع من وتيرة ركضها تتبعه، قالت من خلف أنفاسها المتسارعة:

-والله نفسي أكل بانيه، هخلي البت تقى تعمله بكره بس بطريقة صحيه عشان الدايت، وهجيبك تتغدى معانا.

رشقها نادر بنظرة ثاقبة سريعة وهز عنقه باستهانة ثم أكمل ركض دون تعليق.


ركضا كثيرًا طفقا يدلفان لشارع ويخرجان من أخر، فيلاحظا أنهما عادا لنفس النقطه وكأنهما داخل متاهة ما!


وأخيرًا وقف نادر يلتقط أنفاسه، سألها منفعلًا ولاهثًا:

-إنتِ كنتِ فين يا سراب؟ إيه اللي جابك في المكان المقطوع ده!! ومين دول؟

-كان عندي شغل...

قالتها من خلف أنفاسها المرتفعة وهي تنحني وتلمس ساقيها لشدة ألمها أثر الركض، فاستفهم ساخرًا:

-شغل إيه ده يا سراب اللي في المكان ده!


-معذور يابني ما إنت متعرفش إن أنا ميكب أرتست مشهوره، المشكله اللي حصلت إن العروسه اللي كنت بمكيجها اللي اسمها هند دي، مكانتش عايزه تتجوز فساعدتها تهرب ودول بقا شكلهم أهلها.


هدر بها:

-هربتِ العروسه؟ إنتِ إيه يابنتي متخـ ـلفه عقليًا!


-احترم نفسك مش معنى إنك أنقذتني إني هسيبك تغلط فيا... وحضرتك بقا  كنت بتعمل إيه هنا يا أستاذ نادر؟

قالت سؤالها ساخرة، فرفع ذقنه لأعلى وقال بزهو:

-شغل كان عندي شغل... جالي عرض فيلم رعب كنا بنصوره هنا...


انفجـ ـرت ضاحكة وهي تردد:

-ثمثيل تاني! يابني وهي دي خلقه ينفع تمثل! إنت مينفعش تشتغل إلا مُبيض محاره لايقه أوي عليك الشغلانه دي.


لم يعلق على كلامها وانتظرها تنتهي من سخريتها ثم قال بخُيلاء:

-لعلمك المره دي أنا صاحب البطل...


ضحكت وقالت باستهزاء:

-يا نادر يا جامد... طيب هستنى بقا لما تبقى البطل عشان أشاور عليك وأقول أنا عارفه الواد ده، كان مبيض محاره قد الدنيا.


-واد!!

قالها بذهول وامتعاض، فحمحمت بحرج، هكذا هي تلقائية للغاية ومندفعة، ودومًا تتعمد احراج من حولها، وتسخر منهم، قالت:

-لا مؤاخذه يا نادر متزعلش مني أصل أنا عفوية شويه وبعتبرك زي أخويا... 


أطلق نادر تنهيدة وهو يلتفت يمنة ويسرة يتفقد المكان من حوله، بينما أضافت هي بحمـ ـاس:

-المهم لما توصل بقا وتبقى نجم متنسانيش... يعني خدني معاك أعملك مكياج وكده.


قال بنزق:

-مش لما نخرج من المتاهه دي الأول.

وقبل أن ينهي جملته شهقت سراب حين أبصرت رجلان يُقبلان نحوهما فصرخت واستأنفا الركض وكانت سراب تضحك وتسعل مع كل خطوة وكأن الأرض تدغدغ قدميها، قالت وهي تلهث:

-قال كنت بتصور فيلم رعب أدينا دخلنا جوه فيلم رعب بحق وحقيقي...


رمقها نادر بطرف عينه وضحك، فتوقفت بتعب تلتقط أنفاسها وهي تقول لاهثة:

-إيه المكان ده... إحنا توهنا ولا إيه!!! هو إحنا هنفضل نجري كده لحد امته؟!


التفت نادر حوله فرأى طريق عمومي تسير به السيارات، تنفس بارتياح وأشار صوبه قائلًا: 

-يلا خطوتين كمان وهنوصل... أبشري.


وقبل أن يخطو نادر خطوة أخرى وقف قبالتهما رجلان وخلفهما رجلان، فأجفلا ونظرا لبعضهما بذعر، وقالت سراب بنبرة مرتعشة وبخفوت:

-قبلت البشرى.

وكانت تلك هي جملة تقى التي علمتها إياها، لترد على كلمتها المعتادة «أبشري».


وقفا يحدقان بالرجلان أمامهما بأعين جاحظة في رعب شديد، ثم نظرا لبعضهما، قالت سراب:

-هنعمل ايه؟


ازدرد نادر لعابه ورفع يديه لأعلى وهو يقول:

-لا احنا مش هنعمل حاجه احنا نسيبها لله يدبرها ويرتبها.


رفع أحد الرجال هاتفه والتقط صورة لسراب،  فشهقت وصاحت بخوف:

-صوروني! الحق يا نادر صوروني وممكن يركبوا صورتي على جسم معزة أو...


قاطعها دوي ضحكات الرجل وقوله:

-الصوره دي للذكرى متقلقيش.


ازدرد نادر ريقه وقال:

-حضرتك أنا معرفهاش أنا فنان وليا اسمي وسمعتي لو سمحت خدها وسيبني.


رشقته سراب بنظرة اخترقته ورددت بحنق:

-أما إنك عديم الأصل!


ضحك الرجل وقال:

-متزعليش يا قطه دا هو جاي معانا قبلك... يلا من غير مقاومة ووجع دماغ...


أشار نادر للسيارة وخاطبها بانفعال:

-يلا يا سراب قدامي من غير مقاومه ولا وجع دماغ... اتفضلي قدامي لو سمحتِ.


قالت ساخرة:

-حاضر يا مفتول العضلات.

استغفروا🌸

بقلم آيه شاكر 


                      ★★★★★

وضع الطبيب جهاز السونار على بطن وئام، وقال بتعجب:

-الحبل السري لافف على رقبة الجنين!


سألته وئام من خلف ألمها:

-يعني ايه!! جنين ايه!! هو الكلام ده لمين؟

-لازم تولدي حالًا...

قالها الطبيب متجاهلًا صدمتها وسؤالها، في حين نظر عمرو لوالدته التي فغرت فاها بعدم استيعاب، سألت شيرين:

-ولاده ازاي! حضرتك هي مش حامل أصلًا!


قالت وئام بتعب:

-ده القولون يا دكتور دايمًا أشتكي منه.


-قولون ايه! بقولكوا دي حالة ولاده... 

قالها الطبيب فتحولت دهشة شيرين لبهجة وسألت:

-ولد ولا بنت يا دكتور؟

-ولد...


قالها الطبيب، فضحك عمرو، بينما خاطب الطبيب التمريض:

-جهزوا العمليات...


اختلطت ضحكات عمرو مع صرخات وئام التي صاحت:

-ايه اللي بيحصل ده يا ماما!!


قالت شيرين:

-مش عارفه والله يا بنتي!!


إزدادت آلام المخاض فصاحت وئام من خلف صرخاتها:

-منك لله يا يحيى دي كانت جوازه سوده!


وقف عمرو يضحك فضـ ـربته والدته بذراعه وهدرت به:

-انت بتضحك! كلم اخواتك وأبوك... وكلم يحيى...


أطبق عمرو يده على فمه وحاول التظاهر بالجدية، وركضت شيرين خلف ابنتها، فانفجـ ـر عمرو بالضحك مرة أخرى وهو يعبث بهاتفه طالبًا لارقام عائلته، ليقول جملة واحدة من خلف ضحكاته:

-وئام بتولد...


صلوا على خير الأنام ❤️ 

بقلم آيه شاكر 

                        ★★★★

أغلقت «نداء» هاتفها بعدما تحدثت مع زوجها المُسافر «رائد» فكم ترزح مشاعرها شوقًا إليه، ويأن فؤادها حنينًا، قضى معها ثلاثة أعوام يشاركها كل تفاصيلها ثم رحل عنها بعدما رفضت أن تسلك معه درب الغربة الوعر وتبتعد عن دفء العائلة، ولم تكن تلك سوى حماقة منها تندم عليها كل ليلة وتتمنى لو رافقته...


في خلال الأعوام السابقة


 كانت تهرب من الواقع بالقراءة والكتابه فكانت تكتب قصص تدور حولها أو من تأليفها لتُبحر بين كلماتها وتسافر مع أفكارها في أوقات فراغها لتتسلى وتُشغل تفكيرها عن الصبابة التي تلفح قلبها كما تذكرت زوجها...


نهضت لتقف بشرفتها، كانت ترتدي منامتها الصيفية ولازالت تحافظ على وزنها وتظهر أصغر من سنها الحقيقي...

وقفت تتأمل شارعها بعدما ألقى الظلام ستاره وأضائته مصابيح الأعمدة التي تنتشر بانتظام على الجانبين، ذلك الشارع الذي لم يزده مُضي الأعوام إلا جمالًا فقد نمت أشجار متفرقة جوار أعمدة الإضاءة قبالة البيوت، لازال الشارع يضم مباني على الجانبين يفتح أسفل كل مبنى محل أولهم للبقاله وأصبح مقابله مقهى بدلًا من محل الملابس ويجاوره مطعم للفول والفلافل ويقابله مكتبة لبيع أدوات الدراسة والكتب...


أخرجها من شرودها، رنين هاتفها فأجابت على عمرو الذي أخبرها أن وئام تضع مولودًا، قالت بصدمة:

-وهي وئام كانت حامل؟! طيب طيب... جايه حالًا.


انتبهت من شرودها على صوت ابنتها صاحبة الثمانية أعوام وابنها صاحب الست أعوام يتشاجران، فركضت إليهما، هدرت بهما:

-كفـــــايــــه... حرام عليكم تعبتوني.


أجفلا وتصنما مكانهما وأخذا يحدجان بعضهما بخوف، وترقب لخطوة والدتهما التالية.


صرخ ضمير نداء مجددًا وهي تبدل نظراتها بينهما، وتتأمل ملامحها الفزعه...

شردت لبرهة ألم تكن تسخر من والدتها حين تنفعل عليها هي وأخيها نادر! وقد أخبرت والدتها بأنها لم تربيهما تربية إيجابية لكنها ستأخذ حذرها ولن تفعل مع أولادها ذلك مطلقًا! أي لن ترفع صوتها.

أطرقت نداء للحظة، فلم تنكر على والدتها فعلًا أو سلوكًا إلا وفعلته دون وعي، قالت بهدوء:

-البسوا عشان تطلعوا عند طنط ريم على ما أرجع...


وقبلت رأسهما ثم دخلت ترتدي ثيابها.


وبعد فترة وجيزة 


وقفت نداء قبالة ريم «سلفتها»، وأخبرتها بحالة وئام فضحكت ريم وقالت:

-أنا كنت حاسه أصل بطنها كانت كبيرة و... وبتقول القولون بيتحرك...

-يلا عقبالك يا ريم.

قالتها نداء، فقالت ريم بانفعال:

-أهو إنت ياستي هو أنا ناقصه! كفايه عليا تلاته، رضا أوي.


أخذت نداء تمازح ريم بينما كان ابنها يسألها عن وجهتها وما حدث، فتجاهلت سؤاله وأشارت له بحزم ليدخل شقة ريم ثم لوحت لريم وغادرت...

في حين نظر كل من ابنها وابنتها لبعضهما وأطرقا بحزن، فأمهما سريعة الغضب، حازمةٌ صارمةٌ لا تقبل الخطأ، ورغم أنها حنونة محبة لكنها  تقسو عليهما أحيانًا...


هما طفلان ويصعب عليهما تفهم الضغط النفسي والعصبي اللذان تنزح تحتهما، فهي تقوم بدور الأم والأب معًا بعدما تركها زوجها «رائد» وسافر، سبعة أعوام تطايرت تطاير الدخان قضتها وحدها اللهم إلا شهرًا كل عام يقضيه زوجها بمصر وكضيف عابر...


اعتادت نداء غيابه وتأقلمت عليه، بل أصبحت تستثقل وجوده، لأنه يشغلها عما تأقلمت عليه في غيابه، حيث يملأ وجوده فراغها برغباته وأوامره...


*********

وصلت نداء للمستشفى

جلست جوار شيرين وكانت تحمل بين يديها المولود تُطالعه بحب، قالت:

-اللهم بارك قمر يا وئام... شبه رائد خالص.


قال عمرو:

-لا على فكره دا شبهي ولازم تسموه عمرو.


قالت شيرين:

-عمرو ايه! لأ طبعًا... مريم وعبد الرحمن و... 

صمتت تفكر فقال عمرو:

-وعمرو... صدقيني اسم عمرو حلو أنا بحبه.


خاطبته والدته بنزق:

-كفايه علينا عمرو واحد مطلع عنينا... احنا نسميه دياب على إسم جده أو عبد الوهاب على اسم أبويا.


-أمه اللي تسميه يا جماعه دي تعبت فيه.

قالتها نداء فسلطوا بصرهم على وئام التي لم تُعلق، كانت تطالع الفراغ بجمود، فلم تنتبه من صدمتها بعد! وكانت تتسائل هل هذا حُلم أم حقيقة! بل كيف كانت حامل ولم تدري؟!


قال عمرو:

-الحمد لله إنه محتاجش حضان...


أقبلت نداء ووضعت الطفل جوار وئام ثم مسدت  على شعرها مرددةً بابتسامة:

-عشان أقولك كرشك دا مش طبيعي تقوليلي من القولون...


رشقتها وئام بنظرة مدلهمة وأغلقت جفونها...

فقد زاد وزنها كثيرًا بعد ولادتها ابنها الثاني، ربما تجاوزت المائة كيلوغرام.


ارتفع بكاء المولود، فقالت شيرين:

-يلا يا بنتي رضعي ابنك.

-أرضع مين! هو مين ده يا جماعه؟!

قالتها وئام بذهول وصدمة فضحكوا، وساعدتها نداء لترضعه.


بعد دقائق اكتظت الغرفة بأفراد العائلة...

عامر وتقى وهيام وزوجها «محمد» و«يحيى» الذي رغم صدمته وتعجبه كان مبتهجًا وهو يرى طفله أمامه، قال بابتسامة:

-الله أكبر! طفل لا كان على البال ولا الخاطر.

أردف  يحيى بعد أن حمل المولود:

-أنا مش مصدق نفسي! امته وازي كنتِ حامل ومعرفناش؟ وازاي إنتِ معرفتيش؟


طُبعت بهجة يحيى بالمولود على جدران قلب زوجته، فانفرجت شفتيها بابتسامة واسعة لأول مرة، وقالت:

-مش عارفه كنت فاكراها لغبطة هرمونات فمكنتش بركز مع الأعرض!


قال يحيى وهو يتأمل صغيره:

-الحمد لله...


وأخذ يُكبر بأُذن المولود، ثم نظر لوئام حين قالت:

-هنسميه إيه يا يحيى؟


بدل يحيى نظراته بين الحضور وقال:

-مش عارف.


قالت وئام بابتسامة:

-إيه رأيك في عبدُ الله؟


طالعها يحيى بابتسامة وقال:

-يبقا نسميه عبدُ الله.


على نحوٍ أخر 

كانت «تقى» تقف في ركنٍ لحالها بعدما حدثت والدها عبر الهاتف لتطمئن إذا عادت سراب للمنزل، فأثار قلقها حين أخبرها أنها لازالت بالخارج، تلك الفتاة التي تدفع بنفسها دفعًا إلى المهالك.


لاحظ عامر انشغال تقى ونظراتها المضطربة فمال على أخته هيام وقال شيئًا، فوجهت هيام بصرها نحو تقى ثم أقبلت إليها، سألتها:

-إنتِ كويسه يا تقى؟!


أطلقت تقى تنهيدة عميقة وقالت:

-سراب مش بترد عليا وحضرتك عارفاها كارثة متحركه... وبابا بيقول إنها قالتله إنها جيالي المصنع من العصر ولسه مرجعتش البيت.


-طيب جربي ترني عليها تاني... تلاقيها بتلف هنا ولا هنا.


زمت تقى شفتيها وطلبت رقم سراب مجددًا ولازال خارج نطاق الخدمة، فقالت بتبرم:

-البنت دي تعبتني... يعني المفروض إني خالتها يعني هي بنت أختي و...


قاطعتها هيام:

-نفسي أفهم ازاي؟!


ابتسمت تقى، وقالت:

-الله يرحمها ماما وبنتها اللي هي أختي الله يرحمها برده، كانوا حامل في نفس الوقت وولدوا في نفس اليوم وأختي توفت فماما اللي هي جدة سراب رضعتها فأنا وسراب بقينا إخوات وفي نفس الوقت أنا خالتها وهي بنت أختي، فهمتي؟


رمقتها هيام بنظرة خاطفة ثم ضحكت،

وقالت بعدم استيعاب:

-مش مهم أفهم أهم حاجه إن إنتوا فاهمين... رني على سراب تاني... رني...


قالتها هيام وسارت نحو عامر ومالت على أذنه تخبره بما يشغل تقى، فقال:

-سراب! هتروح فين يعني! دلوقتي ترجع دي بنت متعبه.


سمعه عمرو وهو ينطق اسم سراب، فقال:

-مش أنا كبيت مايه على سراب الصبح؟ وكل ما تضايقني هضايقها.


رمقه عامر باستهانة وقال:

-تافه! هتفضل طول عمرك تافه.


ربت عمرو على كتفه بغلظة وهو يقول:

-سيبتلك إنت الرزانه يخويا.


فدفعه عامر بعيدًا عنه وهو يغمغم نازقًا...

استغفروا🌸

بقلم آيه شاكر 

                        ★★★★★

وقف نادر جوار سراب لفترة يحاوطهما الرجال من جميع الاتجاهات، في صمتٍ قاتم بينما ينظر رئيسهم بهاتفه، ثم يعود وينظر لهم ثم ينشغل بهاتفه، ومر الوقت حتى اقترب منه الرجل وقال:


-مسـ ـدسك فين؟!

-حـ... حضرتك دا مسـ ـدس صوت متقلقش منه!

بسط الرجل يده، ونظراته الحادة تخترق نادر، ودون كلمة فتح نادر حقيبته وأخرج السلاح وأعطاه له وهو يقول:

-اتفضل يافندم اتأكد بنفسك.


أخذه الرجل من يده تزامنًا مع رنين هاتفه فأجاب عليه وهو يحدجهما بنظرات مبهمة، ثم ولاهم ظهره ونادى الرجال وانشغلوا بالحديث، فاستجمع نادر قوته، وأشار لسراب وركضا، فقال الرجل لرجاله:

-سيبوهم.


ولم يتبعهما أحد من الرجال بل ركبوا سيارتهم وغادروا، وبعد مسافة توقف نادر فجأة وقال وهو ينظر خلفه:

-المسـ ـدس... مسـ ـدس الشـ ـغل راح.


نظر لسراب وهدر بها:

-حسبي الله ونعم الوكيل فيكِ يا شيخه إنتِ طلعتيلي منين؟


قالت سراب مبتهجة الملامح متهللة الأسارير:

-افرح يا نادر دول سابونا ومشيوا يلا نكمل جري قبل ما يرجعوا في كلامهم...


مسح نادر على شعره وهو يزمجر بغضب، فحثته على الحركة:

-يلا يا نادر.


قال:

-دول خدوا مني المسـ ـدس.


-يا عم هشتريلك واحد بس يلا...


-هتشتريلي واحد هو إنتِ حيلتك حاجه!


-هتصرف يا نادر بس يلا احنا ماصدقنا.


وبعد فترة ركبا معًا سيارة أجرة «ميكروباص»، كان نادر يجلس جوارها وحقيبته بينهما كان متجهم الوجه، ينظر أمامه في صمت، بينما طفقت سراب تُتابع الطريق من نافذة السيارة والإبتسامة لا تفارق محياها وهي تتذكر ماحدث وتنسج أحلامًا لن تتحقق تتخيل لو كان نادر شابًا أخر مفتول العضلات، وسيم يقع في غرامها من النظرة الأولى وتعيش معه مغامرة أخرى حتى تقع بحبه ثم يتزوجان في النهاية، خرجت من خضم أفكارها ونظرت إلى نادر، وكأنها تحاول إقناع قلبها يتقبله، فتلك الفتاة لم تتحرك مشاعرها لأي شاب مطلقًا...


حدقت بنادر وابتسمت فهو وسيم ولكن ينقصه بعض العضلات، لاحظ نادر تحديقها به فرمقها شزرًا وهو يحمحم، فارتبكت وعادت تنظرت أمامها على الفور وهي تقول:

-لأ مينفعش خالص.


قال:

-بتقولي ايه؟


-آآ... بفكر... هو يعني تفتكر الموضوع خلص على كده ولا هيعملوا ايه بصورتي! 


-معرفش.

قالها باقتضاب، فقالت:

-أعتقد إنه خلص... وأظن إنهم بعتوا صورتي للعريس ومعجبتهوش فقالهم يسيبونا.


رمقها بإزدراء وقال:

-عنده حق والله.

وأضاف بحسرة:

-دول أخدوا المسدس الصوت! هعمل ايه دلوقتي، منك لله يا سراب.


-يا عم قولتلك هشتريلك واحد خلاص بقا متقرفناش.


لم يرد عليها، فحكت أنفها وخاطبته بخفوت:

-معاك فلوس؟ حـ... حاسب إنت أصل باين وقعوا مني وأنا بجري.


زفر ضاحكًا بسخرية، ثم قال:

-وهتشتريلي مسـ ـدس تاني وبتتكلمي بثقة كأن شنطتك فيها دفتر شيكات وفي الأخر معكيش تدفعي الأُجره.


-بكره تُفرج ويبقى معايا دفتر شيكات بجد وأشغلك البودي جارد بتاعي يا مفتول العضلات.

قالتها ساخرة ثم ضحكت، فرمقها بنظرة سريعة ساخطة ثم عاد ينظر أمامه وعادت هي تتابع الطريق، حتى اقتربت من شارعها فقالت:

-على جنب ياسطى.

حدجها نادر بنظرة متهكمة، لأنه كان سينطق بما قالته لو انتظرت لبرهة، ابتسمت بحرج، فقد كانت شاردة وتناست وجوده.


ارتجل نادر من السيارة وتبعته ثم قالت له:

-الموضوع ده لازم يفضل سر بيننا يا نادر عشان جدو لو عرف هيعلقني.

-طيب.

قالها باقتضاب وأشار لها لتسير أمامه ففعلت دون جدال، وانتظر هو قليلًا ثم تنهد بعمق وتبعها فقد قرر مسبقًا أن يقضي الليلة مع أخته «نداء».


كانت «سراب» تمشي خطوتين ثم تلتفت إليه، فيشر لها لتنظر أمامها وهو مغضن حاجبيه بضجر.


هز رأسه مستنكرًا وغمغم لنفسه:

-مستفزة جدًا... منك لله يا شيخه.


وصل نادر أمام بيت نداء ودخلت سراب لبيتها بعدما لوحت له بابتسامة واسعة وكأنهما قد عادا من نزهة ما، فابتسم لها نادر بسماجة وضحكت هي، قال نادر:

-لا حول ولا قوة إلا بالله، مش طبيعية أبدًا...


وقبل أن يدلف نادر للبيت وقفت سيارة، ارتجلت منها نداء ثم عامر، فاقترب منهم وهو يسأل:

-الله! كنتوا فين؟


قال عامر:

-عقبال عندك وئام ولدت.


-اللهم بارك... هي أبله وئام كانت حامل!!


قال عمرو بضحك:

-والله كلنا اتفاجئنا زيك.

استغفروا ♥️ 


*********


وبعد فترة

جلس عمرو قبالة توأمه عامر، ورغم التشابه الكبير بين ملامحهما إلا أنهما مختلفان فقد اتفقا أن يترك عمرو ذقنه وشاربه وكان شعره طويل مشذب وناعم وأحيانًا يرفعه لأعلى برابطة شعر، أما عامر فكان يحلق شعره ولا يمتلك إلا لحية خفيفة جدًا كما كان يرتدي نظارة طبيه أما عمرو فلا، وكان عمرو يمتلك جسد رياضي يميزه عن توأمه.


جلس نادر جوار عمرو يأكل الفاكهة ويحكي ما حدث معه وسراب، أثارت ضحكات عمرو غيظه فقال:

-إنتِ بتضحك على إيه بقولك الراجل خد المسدس ومشي... أنا بفكر أروح أجيبه منه.


قال عمرو:

-ومالو روحله ياخويا برجلك... أنا مش عايز أخوفك بس بما إنه صوركم فأنا مش حاسس إن الموضوع خلص!


-متخوفنيش يا عمرو!

قالها نادر وهو يعتدل في جلسته، بينما كان عامر يستمع لحوارهما وهو ممدد على الأريكه، اعتدل عامر جالسًا وقال بجديه:

-متقلقش ان شاء الله مش هيعملوا حاجه...


وأردف عامر وهي يستلقي مجددًا:

-كويس يا نادر إنك شوفت سراب وإلا كان ممكن تتخـ ـطف بجد!


-دا أنا كنت مرعوب يا عامر دا إنت لو شوفت أشكالهم يابني عارف البودي جاردات اللي بيجوا في الأفلام طول بعرض بارتفاع...


قال عامر:

-أمممم... حمد الله على السلامة.


نهض نادر وهو يأخذ ثمرة فاكهة من الطبق ويقول:

-أنا طالع لأختي... وياريت الموضوع ده يفضل سر بيننا... سر يا عمرو فاهم؟


قال عمرو:

-طبعًا متقلقش سر يعني سر.

لا تغفلوا عن الدعاء لإخواننا في فلسـ ❤️ ـطين 

                        ★★★★★

في بكور اليوم التالي عند السادسة صباحاً...


استيقظ «نادر» أثر رجة قوية بالبيت، وأصوات صراخات فهرع من رقدته وركض لخارج الغرفة، سأل نداء التي كانت ترتدي اسدالها وبيدها نقابها:  

-ايه اللي بيحصل يا نداء؟

-مش عارفه دا شكله زلزال ولا ايه!!

قالتها بخوف وهي تسحب ابنتها وابنها ليخرجوا من البيت، فحمل نادر الطفل وركض للخارج وخلفه نداء وابنتها وتقابلا مع ريم وأولادها الذين يصرخون بهلع وينزلون السلم وخلفهما ريم، بينما كان صوت دياب مرتفعًا، وكأنه يتشاجر مع أحدهم.


وبعدما اجتمعت العائلة أمام شقة دياب رأوه يضـ ـرب ابنه عامر الذي يُعدل نظارته...


هدر دياب:

-يابن الـ.... هتهد البيت فوق دماغنا يولاه، اختراعات ايه ياض فاكر نفسك عالم ذره.


-يا بابا خطأ غير مقصود والرسول صلى الله عليه وسلم قال ايه؟...


بدل عامر نظره بين عائلته وأكمل:

-صلوا عليه يا جماعه... 


-صلى الله عليه وسلم.

رددها الجميع بشدوه وملامح ناعسة وملابس غير منسقة، ضـ ـربه والده مجددًا، فذلك المشهد يتكرر كل فترة، حين يجرب عامر اختراعاته التي لا تنتهي، حمحم عامر واستكمل متلعثمًا:

-قال صلى الله عليه وسلم: «رُفع عن أُمتي الخطأ والنسيان...» وأنا أخطات ونسيت يا بابا، وبعتذر جدًا جدًا يا جماعه أوعدكم المره الجايه هركز.


قال عامر أخر جملة بصوت مُقدم برامج أخطأ في كلمةٍ فاعتذر عنها، هدر به والده:

-مره جايه! هو لسه فيه مره جايه يا روح أمك؟

قالها تزامنًا مع صدوح صوت صفير يشبه قنبلة على وشك الإنفـ ـجار، فجحظت عيني عامر وصاح:

-اطلعوا بسرعه... بره بسرعه هتنفـ ـجر... 


قالها عامر وركض للداخل بينما ركض الجميع للخارج وأصوات صرخاتهم تملأ الشارع، واجتمع بعض الجيران أثر الصراخ...


تيت تيت تيت ثم صوت انفـ ـجار، فصاح دياب بلهفة وهلع:

-عامر فين؟ الواد راح فين؟ عـــــــامــــــر...


ظهر عامر يجر قدميه لخارج البيت، وراح يلوح لوالده بابتسامة، وقد شعُث شعره وظهر وجهه ملطخ ببعض السواد وحُرقت أجزاء من ملابسه، قال وهو يضع كلتا يديه بجيبي بنطاله:

-تم السيطره على الموضوع يا جماعه لا داعي للقلق... اتفضلوا ادخلوا.


قالها ثم انفـ ـجر شيئًا أخر بالداخل فابتسم وقال:

-دي بقا كانت أخر حاجه... أكـــــــيــــد.


قال ابن نداء بخوف:

-ماما أنا عايز أروح عند جدو رشدي وتيته دينا.


قال نادر:

-متخافش هنروح كلنا ياحبيبي.


سأل أحد الجيران وهو يكبح ضحكاته:

-فيه حاجه ولا كالعاده يا حاج دياب؟


قال دياب بنزق:

-كالعاده يا سيدي شكرًا لسؤالك.


-خير يا جماعه واقفين كده ليه؟

كان صوت جد سراب، «كارم» رجل في عقده السابع ولكن لم تتجعد بشرته كثيرًا، دائمًا يحلق شعر رأسه بالكامل فتظنه أصلعًا...


وقف  يُطالع هيئة العائلة وهو يحمل بيده أكياس تضم إفطار طازج، فقال دياب:

-مفيش يا حاج كارم دا عامر كان بيعمل تجربه جديده... والحمد لله جت سليمه.


كانت «سراب» تقف بالشرفة تتابع ما يحدث وهي تضحك، رفع عمرو رأسه وحين رأها، خاطبها بمكر:

-حمد الله على السلامه يا سراب كويس إنك عرفتِ تهربي من العصابه امبارح.


-عصابه! عصابة ايه دي؟

قالها كارم بقلق، بينما جحظت عيني سراب في فزع، فقد أقنعت جدها هي وتقى أنها قابلت إحدى صديقاتها فعطلتها عن الذهاب لتقى بالمصنع...


نظرت سراب لنادر، الذي أنزل ابن أخته من على كتفه وأخذ يتابع عمرو الذي يقول لكارم:

-هي سراب مقالتش لحضرتك إنها امبارح كانت رايحه شغل و....


قالها «عمرو» ورفع عينه يُطالع سراب بمكر فهو يعلم رد فعل جدها بالطبع سيبرحها ضـ ـربًا وسيسمع الشارع بأكمله صوت انفجـ ـار أخر من بيتها بعد قليل ويستمتع هو...


يتبع

المواعيد الاثنين والخميس ٩ مساء بتوقيت مصر 

انتظروا مزيد من التشويق في الحلقات القادمة...


وأخيرًا وليس آخرًا 👇🏼

«اللهم لا تجعل كلماتي تلك فتنة لأحد ولا تفتني بما يخطه قلمي، وإن كان خيرًا فيسر لي طريقي وإن لم يكن فاصرفني عنه.» 

تكملة الرواية من هناااااااا

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا




تعليقات

التنقل السريع