القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية عن تراض الفصل الثالث والرابع بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)


رواية عن تراض الفصل الثالث والرابع بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)





رواية عن تراض الفصل الثالث والرابع بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)

الفصل الثالث 

#رواية_عن_تراضٍ

بقلم آيه شاكر 

وقفت سراب في شرفتها تتابع ما يقوله «عمرو»؛ ذاك الذي لا ينفك عن مضايقتها، فلو علم جدها بما فعلت بالأمس، سيبرحها ضـ ـربًا، وقد يطردها من البيت، هدرت بحدة:

-بس ياض... متصدقهوش يا جدو.

وأخذت تتمتم بغضب وتسب «نادر» لانه وشى بها، غمز لها عمرو متخابثًا، وأكمل حديثه مع كارم:

-طيب حتى اسأل نادر يا عمي كارم، مش إنت يابني مسـ ـدسك ضاع في الـ...

قال جملته الأخيره مخاطبًا نادر، وبوثبة واسعة كان نادر يقف جوار عمرو ويطبق يده على فمه ليحجب باقي كلماته، نطق نادر بابتسامة مرتعشة:

-كفايه هزار بقا يا عمرو...


وهمس بأُذن عمرو:

-هديك ٢٠٠ جنيه واتكتم...

-٢٠٠ جنيه بجد! 

قالها عمرو بهمس، فقال نادر بضجر:

-بجد والله.


حمحم عمرو واعتدل في وقفته وهو يحك أنفه، ثم قال:

-كنت بهزر يا عمي كارم معقوله سراب العاقله تعمل حاجه من غير إذنك! مستحيل طبعًا.


قالها عمرو ونظر لسراب التي ترشقه بوعيد وأشارت إليه بيدها تهدده فضحك، تزامنًا مع قول عامر:

-إيه يا جماعه هتفضلوا واقفين في الشارع؟ يلا اتفضلوا متقلقوش المعمل بس اللي اتحـ ـرق.


جحظت عيني عمرو وقال:

-المعمل! قصدك أوضتنا اتفحمت تاني، صح؟ 


اومأ عامر مغضنًا حاجبيه بأسف، فأمسكه عمرو من تلابيبه وقال:

-حرام عليك! ولعـ ـت في الأوضه تاني! والله ما هنضف معاك حاجه.


تركه عمرو واتجه لوالده يخاطبه بنبرة مرتفعة:

-أنا مستحيل أعيش مع الواد ده في أوضه واحده بعد النهارده، ما البيت مليان أوض افتحولي واحده منهم...


لكزه والده بذراعه وهو يقول:

-اخرس إنت كمان... إنت بتعلي صوتك عليا في قلب الشارع.


التفت عمرو حوله وآثر الصمت.


همس نادر لأخته:

-يلا يا نداء نمشي أنا مش هدخل البيت ده تاني.


-متقلقش يا نادر احنا متعودين على كده أصلًا.

قالتها نداء، فرمقها نادر رافعًا حاجبيه وهو يقول بذهول:

-متعودين! 

قالت:

-أيوه ومتمشيش ساعد عامر.


قالتها نداء ورفعت بصرها تُطالع سراب المبتسمة ببرود لتستفز  عمرو الذي يرميها بنظرة حادة، ورمقته هي متهكمة تزامنًا مع استيقاظ «تقى» المستلقية على فراشها، وضعت يدها أمام عينها لتحجب عنها الضوء المتسلل من الشرفة المفتوحة على مسرعيها، وصاحت بحدة:

-سراب! يا بت فاتحه الستاير ليه دلوقتي؟


التفتت سراب وهي تقول بحمـ ـاس:

-بتفرج، تعالي بسرعه شوفي اللي بيحصل، إنتِ إزاي مسمعتيش صوت الانفجار ده؟ دا زلزل الشارع كله.

-انفجار ايه؟

-الواد عامر واختراعاته اللي متعودين عليها...

قالتها سراب وهي تغلق الشرفة بعدما دخلت، بينما اعتدلت تقى جالسة، وقالت:

-طيب إيه رأيك بقا إني متأكده إن عامر ده هيبهرنا في يوم من الأيام باختراع ما...

-يا سلام على الثقة! دا عيل أهبـ ـل.


قالتها سراب، وردت تقى بثقة:

-بكره تشوفي اللي بتقولي عليه أهبـ ـل ده هيعمل ايه.

-طيب هستنى أشوف أنا مش بمل من الانتظار خالص.

قالتها «سراب» وهي تقف على الميزان لترى وزنها اليومي قبل أن تبدأ جولتها الرياضية، قالت تقى ساخرة:

-ها كام كيلو؟ 

-٤٩ الحمد لله.

-يا نهار أزرق! حرام عليكِ نفسك يا سراب.

-اسكتِ يا فيل إنتِ.


وثبت تقى من سريرها ووقفت على الميزان وقالت:

-فيل ايه! أنا مش فيل أنا وزني مثالي.


نزلت تقى من فوق الميزان الرقمي ورددت سراب الرقم المكتوب بضحك: 

-«٦٠ كيلو جرام»  يعني فيل صغير.


تقى بتبرم:

-إنتِ مريضه نفسيه! وهتتحولي لهيكل عظمي قريب.


خرجت سراب من الغرفة وهي تمسك أدوات الرياضة الخاصة بها، وتنطق:

-جاهله، وبطلي بقا تشتكيني للجيران يا تقى.


هزت تقى رأسها باستنكار بينما انغمست سراب بالتمارين الرياضية، تزامنًا مع دخول كارم للبيت...

هرولت إليه تقى وأخذت الأكياس من يده، وجلس هو يتابع سراب ووثباتها وحركاتها الرياضية ويغمغم بنزق:

-مش هنخلص بقا النهارده!


ابتسمت سراب وأكملت تمارينها، في حين وضعت تقى الإفطار على المائدة، وكان طبق من الفول وأخر من الطعمية وسلطات وخبز، قال كارم:

-يلا يا سراب تعالي افطري...


قالت لاهثة من التمارين:

-شكرًا يا جدو أنا مش هفطر لأني عامله صيام متقطع وباقيلي ساعتين...


قالتها ودخلت المرحاض، فسأل كارم تقى بقلق:

-ايه الصيام اللي بينتهي الضحى ده! هي البت دي غيرت دينها ولا ايه!


ضحكت تقى وقالت:

-لا متقلقش دي حاجه تبع الدايت بتاعها ملهوش علاقه بالدين.


-لا حول ولا قوة إلا بالله! البت دي هتجنني أنا تعبت منها... لازم تفوق لنفسها أنا مش هفضل معاكم العمر كله.

-متقولش كده يا بابا ان شاء الله تفضل جنبي العمر كله.


طالعها كارم بصمت وهو يمضغ طعامهزبشرود، بينما تذكرت «تقى» ما حكته لها سراب بالأمس عن الذين طاردوها هي ونادر، وقالت وهي تمضغ الطعام:

-ربنا يستر...


رن هاتف كارم برسالة ما، فحمله وهو يلوك الطعام بفمه، وجحظت عيناه واقشعر جسده من هول الصدمة، فقد كانت صورة لسراب، مرفقة برسالة أخرى محتواها:

«إنت قولتلي ملكش دعوه وإنك هتتكفل بيها! وأنا قولتلك لو شوفتها في يوم من الأيام أو اتعرضتلي مش هرحمها ولا هرحمك وأهي اتعرضتلي امبارح، وأنا بحذرك يا كارم، ابعد البت عني.»


-ســـــــراب، إنـــــتِ يا بــــنـــت.

قالها كارم بنبرة مرتفعة غاضبة أفزعت تقى قبل سراب...

خرجت سراب من المرحاض وهي تسأل بلهفة:

-في ايه يا جدو؟!


هدر بها:

-كنتِ فين امبارح؟


نظرت لتقى التي تفرك يديها من شدة الخوف:

-آآ... ما أنا قولت لحضرتك... قابلت صاحبتي وروحنا كافيه.


اقترب منها كارم حتى وقف قبالتها مباشرة وسأل مجددًا وهو يضغط على كلماته:

-كنتِ فين امبارح يا سراب؟


لم تعتد على الكذب أبدًا، أطرقت هنيهة في قلق وضغطت بأنامل يدها على راحة اليد الأخرى في اضطراب ثم قررت اختصار كل سبل الكذب وسلك طريق الحقيقة ولو شاق، قالت:

-جالي شغل وكان سعره مغري أوي وروحت لكن العروسه هربت و...


أنتفضت أثر صوت جدها المنفعل:

-شغل! تاني شغل يا سراب! كوافيره! ليه يا بنتي؟ هو أنا قصرت معاكِ في حاجه؟


صمتت لبرهة ثم رفعت رأسها تُطالع وجه جدها المحتقن بالغضب، وقالت بصوت خافت:

-عايزه أعمل الحاجه اللي بحبها يا جدو.


-وأنا قولت لأ، الشغلانه دي لأ، عايزه تشتغلي كوافيره؟ 


خاطبته بانفعال:

-مسمهاش كوافيره اسمها ميكب ارتست وأنا كبرت وأقدر أختار طريقي، أنا حره بقا أعمل اللي أنا عايزاه.


أخرصتها صفعة قـ ـوية من جدها، وقفت لبرهة تبدل نظرها بين تقى وكارم بفمٍ متشنج، ثم قالت بانفعال شديد:

-طيب والله العظيم ما أنا قاعده في البيت ده.


دخلت غرفتها لترتدي حجابها وتلملم بعض حاجياتها في حقيبة ظهر وتقى تتوسلها أن تهدأ، لكنها لم تسمع وخرجت من غرفتها...


 خاطبت سراب كارم بقـ ـوة زائفة:

-أنا هروح أدور على أهل أبويا، أهل أبويا اللي إنت مش عايز تساعدني أوصل لهم، وحتى لو وحشين أنا عايزه أوصل لهم، ومش هاجي هنا تاني.


قالت أخر جملة صارخة قبل أن تخرج وتصفع الباب خلف ظهرها، فقال كارم بقلق وهو يضع يده على قلبه:

-الحقيها يا تقى... بسرعه يابنتي، هتودي نفسها في داهيه.


هوى كارم جالسًا على مقعد خلفه وردد بقلق:

-إيه اللي جابه هنا! وصلنا ازاي د! وعرفها ازاي، بعد كل السنين دي!


-تقصد مين؟

قالتها تقى، فهدر بها منفعلًا:

-وإنت مالك أقصد مين؟ روحي ورا أختك.


ابتعدت «تقى» عن والدها خطوتين ودموعها تنساب على وجنتيها، ظلت حائرة أتذهب وتتركه في تلك الحالة، أم تنتظر معه وتترك سراب؟ حتى أخذت قرارها ودنت منه مرددة:

-لأ أنا مش هسيبك يا بابا في الحاله دي.


هدر بها:

-روحي وراها... روحي هاتيها متسيبيهاش.


-مش هسيبك.

قالتها تقى يتصميم، وركضت صوب شرفتها تنادي سراب لتتوقف وتعود لكنها لم تلتفت لها، فهدرت:

-بطلي جنان واطلعي يا سراب... ســــراب.


تجاهلتها سراب وأكملت طريقها، فوقفت تقى تطالعها تبتعد وهي تطبق يدها على فمها، والتفتت تطالع والدها الجالس منكس الرأس، وسالت دموعها بقلة حيلة، فخرج عامر على صوتها وسألها:

-فيه حاجه ولا ايه يا تقى؟


مسحت وجهها لتزيل دموعها في سرعة، وقالت بصوت مختنق:

-سراب اتخانقت مع بابا وسابت البيت، وأنا مش عارفه أسيب بابا وأنزل وراها...

-اتخانقوا ليه؟ 

-بابا عرف إنها كانت في شغل امبارح و...


أمسكت عن الكلام ورددت بشدوه:

-هو عرف ازاي؟ 


اشرئب عامر برأسه ليرى سراب تبتعد، وقال:

-طيب سيبيلي الموضوع ده، أنا هروح وراها وأرجعها متقلقيش يا تقى.

-متشكره أوي يا عامر مش عارفه اقولك ايه والله.

-متقوليش حاجه يا تقى.

قالها عامر وهو يُطالع نظراتها المتلهفة على أختها، قبل أن ترميه بنظرة خاطفة وتركض للداخل، لا يدري لمَ تبتعد عنه هكذا! يشعر وكأنها تفر منه، وتتجنب لقاءه أما هو فيحب رؤيتها ويظلل عليها باهتمامه الدائم.


ابتسم عامر حين لاح في ذاكرته طيف ذكريات مضت، طفولتهما حين كانت تقرأ له الكثير من الكتب والروايات وكان ينسجم عند تلخيصها وتفسيرها لجملٍ كُتبت وهي ترتدي ثوب الجدية، ومرحها أحيانًا وهي تقرأ جملة أخرى ولازال صدى صوت ضحكاتها يجلب الربيع لقلبه، أما دموعها تلك فبمثابة رياح عاتيه دكت حصون قلبه...


لم يتحدثا منذ مدة طويلة، ولم يجلسا معًا تمنى لو تظل معه دائمًا، لكنها الأيام التي تغير ملامح كل شيء حتى وجهنا.


خرج عامر من خضم أفكاره حين سمع صوت دربكة خلفه، فاستدار ليجد ما تبقى من الفراش قد سقط بنادر حيث كان يجلس فوقه، بينما كان عمرو يستمع لحواره مع تقى، قال عمرو:

-خليك يا عامر نضف القرف اللي إنتِ عامله ده وهروح أنا وراها.


قالها وهو يشير للغرفة المقلوبة، وقال نادر:

-ما بلاش تروح إنت! 

-متقلقش عليا أنا بعرف أتعامل مع الأشكال دي كويس... وبعدين هروح عشان خاطر عمي كارم بس، إنما هي متستاهلش.


رمقه نادر بابتسامة متخابثة مرددًا:

-مفهوم طبعًا.


لوح عمرو بقبضة يده في ضجر بينما نظر عامر للغرفة المقلوبة، فراشه الذي دُك دكًا، وفراش عمرو الذي لم يتبقى سوى نصفه، نظر لمخدع الملابس وقال بعد تنهيدة ارتياح:

-الحمد لله الدولاب محصلهوش حاجه.


-نضف الأوضه دي يا عامر أنا عايز أرجع ألاقيها زي ما كانت.

قالها عمرو وهو يفتح مخدع الملابس فأخذ المخدع يترنح ويصدر صرير وكأنه ينفك وسيسقط، فجحظت أعينهم وقبل أنا يقع عليهم ركضوا جميعًا لخارج الغرفة، ودوى صوت انقلاب جديد بالغرفة...


 ركض دياب إليهم، نظر من الخارج لمنظر الغرفة ولم يعقب، بل قلب كفيه بحسرة واتجه صوب غرفته وهو يدعو لابنه بالهداية...


كان نادر يضحك بصخب، في حين خاطب عمرو أخيه بامتعاض:

-منك لله إنت واختراعاتك على الصبح.


أطرق عامر بحرج، فاستطرد عمرو:

-أيوه بص في الأرض واسكت مبناخدش منك غير كده.


دخل عمرو للغرفة وهو يلتفت حوله بترقب، خشية أن يسقط عليه سقفها فلم يتبقى شيء على وضعه، سحب قميص من على الأرض وأخذ يرتديه وهو يركض للخارج ليلحق بسراب وهو يتمتم نازقًا من أخيه.

استغفروا🌸

                      ★★★★★

جلست تقى جوار والدها، ترمقه بين فنية وأخرى وهو صامت، ثم قالت:

-عامر هيروح وراها.

-طيب.

قالها باقتضاب وهو مطأطأ الرأس منطفئ الملامح وكأنه هُزم الآن في معركة ما! 


سألته:

-هو حضرتك عرفت ازاي يا بابا إنها كانت في شغل؟


قال بانفعال:

-عرفت زي ما عرفت متشغليش بالك يا تقى... قومي اعمليلي كركديه حاسس إن الضغط علي عليا.


نهضت تقى واقفة وقالت بطاعة:

-حاضر.


وقفت في المطبخ تُعد المشروب وهي تتذكر عامر وتدعو له، تشعر بحنين جارف لطفولتهما، آنذاك لم تكن تتركه إلا عند نومه، أما الآن فحين تلتقي نظراتهما يبتسمان، وإن زادا يحي أحدهما الأخر بإماءةٍ خفيفةٍ رسميةٍ ورتيبةٍ، لكنها نلاحظ اهتمامه الدائم، ترى همساته الدائمة لأخته هيام لتركض إليها وتسألها عن حالها قبل أن تعود إليه وتخبره لكل شيء، تراه وتعلم ما بنظراته ولكن...


لم تضع حول نفسها سلوك شائكة بمحض إرادتها إنه والدها الذي يخشى عليهما من فتنة الدهر، ومحنة الدنيا، زرع فيها هي وأختها من الصغر مبادئ تسير عليها، مبادئ صارت تنفذها دون وعي منها، مبادئ دينية راسخة في عقلها ولن تحيد عنها...


الفتاة لابد أن تحذر الألفة ولا ترفع الكُلفه مع أي رجل لا يحل لها.


استغفروا🌸

                ★★★★★★

على الصعيد الأخر


كانت نداء تتابع ما يحدث، فهي تحب تحليل ما يجري حولها ولكن في صمتٍ، لديها فراسة في فهم كل من حولها، ولديها حكمة أيضًا لا تتحدث مع أحد بأي مما تفهمه وتحتفظ به لنفسها، فمثلًا هي تعلم علم اليقين أن تقى وعامر يكنان لبعضهما مشاعر خاصة، راقية ونبيلة.


وتدرك جيدًا أن سراب معجبة بشكل عمرو الجذاب؛ عضلاته وحفاظه على جسده الرياضي لكنها تمقت شخصيته العنيدة...

أما عمرو فيشفق عليها لأن والدتها توفت بيوم ولادتها، لكنه يمقت شخصيتها واندفاعها خلف أهوائها ويستمتع بإثارة حفيظتها.


وما أجمل أن تكون على دراية بكل ما يجري حولك وتتظاهر بالغـ ـباء، وما أبهاك حين تستمتع بالصمت، وتتجنب الكلام بما لا يعنيك!


-إيه روحتِ فين؟

قالها «رائد» الذي يخاطبها عبر الهاتف، فقالت:

-كنت بتفرج، سراب سابت البيت كالمعتاد وعمرو شكله طلع وراها... وبالمناسبة أخوك عامر ده مسيره هيخلص علينا وهيفـ ـجر بينا البيت.


ضحك رائد وقال:

-عامر واختراعاته تاني!!

-اختراعات وقرف فزعنا على الصبح... رائد صحيح أنا نسيت أقولك حاجه مهمه...

-ايه؟

قالت وهي تكبح ضحكتها:

-وئام أختك ولدت...


-مين دي اللي ولدت؟ هي كانت حامل؟


-كانت حامل ومكنتش تعرف.

قالتها نداء بضحك، فقال رائد:

-طيب وإنتِ؟

قالت:

-أنا إيه دا إنت مسافر بقالك سنه...

-خلاص يا حبيبي راجع وهستقر عندك كفايه غربه لحد كده انتوا بتوحشوني.


-والله وإنت كمان وحشتنا، مصر ضلمه من غيرك.


صمت هنيه، ثم قال:

-دودو هو إنت عامله أكل ايه النهارده؟

-لسه هعمل كشري مصري.

-كويس أوي أنا بحب الكشري.

-إيه أبعتلك شويه عبر الانترنت!

قالتها ضاحكة، وتبادلا أطراف الحديث لفترة ثم أغلق معها...


وبعد فترة قُرع جرس الباب فقالت:

-مـــــيــــن؟

لم يرد أحد فكررت السؤال، ورن هاتفها برقم رائد، فأجابت عن طريق سماعة الأذن وهي ترتدي حجابها، قالت:

-خليك معايا على ما ألبس الجرس بيرن.


-افتحي يا نداء، يلا الشنط هتخلص عليا.


-إنت اللي على الباب! 

قالتها بدهشة وركضت لتفتح الباب وتفاجئت برائد يقف قبالتها بابتسامة واسعة، قال بحنين:

-وحشتيني أوي.


ضمها وهو يقول:

-ايه رأيك في المفاجأة دي؟ وخلاص يا ستي إن شاء الله معدش سفر تاني قاعد على قلبك.


-قصدك قاعد في قلبي.

دخل للبيت وهو يمسك يدها، وكانت مضطربة ومرتبكة، سحبت يدها منه برفق، وهي تأنبه لأنه لم يخبرها عن قدومه، فضحك وأخذ هو يلتفت حوله قائلًا:

-فين الولاد؟


-تحت... آآ... أنا هلبس وأروح أناديلهم.


-لا أنا هنزل أفاجئهم... البسي وحصليني.

قالها وغمز لها، فابتسمت وكانت مشاعارها تتأرجح بين فرحة بقدومه وقلق من آرقها الجديد لتتأقلم على استقراره معهم، فقد بنى السفر حاجز شاهق الارتفاع بينهما ولن يختفي ذلك الحاجز بين ليلة وضحاها.


وضعت يدها على قلبها، لا تدري لمَ شعرت لوهلة بحياء منه، وكأنه أصبح غريب! لكنه زوجها وحبيبها، فحدثت حالها أنها قد تكون تفاجئت ليس إلا.

استغفروا ❤️ 

بقلم آيه شاكر 

                   ★★★★

وفي بيت دياب...

وقف عامر يُصلح ما يمكن إصلاحه بالغرفة، ونادر يساعده، أخرجوا كل ما بالغرفة من أخشاب متبقية ومخدع الملابس المتجزأ والفراش المهترأ، وفرغت الغرفة إلا من كومة ملابس لعمرو وعامر بركنٍ فيها، وبعض الكتب المتراصة على الأرض بركنٍ أخر، جلس عامر على الأرض، وجلس نادر جواره، قال عامر:

-ياخي مفيش أحلى من البساطة إنك تقعد على الأرض، وتاكل على الأرض وتنام على الأرض.


ضحك نادر وقال:

-وتكوم هدومك وكتبك على الأرض.


ضحك عامر هو الآخر، وران عليهما الصمت لفترة، يتأملان الغرفة الفارغة، حتى قال نادر فجأة:

-إنت خليت عمرو يروح وراها ومتخيل إنه هيرجعها دول مش بيطيقوا بعض! ولا ايه رأيك؟


-قصدك سراب! 

اومأ نادر، فقال عامر:

-مين قال إن عمرو مش بيطيق سراب! هيرجعها، مش هيسيبها.


نهض نادر ونفض يده وهو يقول:

-طيب أنا همشي عشان عندي تصوير.

-تمثيل تاني! يا بني هو إنت ليه مصمم تدخل مجال مش بتاعك! إنت مش مخلص معهد خدمه اجتماعيه! ايه علاقة ده بالتمثيل؟

-لو سمحت يا عامر ملكش دعوه بأحلامي وطموحاتي خليك إنت في اختراعاتك، وبعدين ما إنت مخلص كلية علوم ايه علاقة ده بالاختراعات!


-يا عم عام مشتقه من علوم...

قاطع كلامهما جرس الباب الذي صدح عاليًا، وكان دياب ينادي من المرحاض أن يفتح عامر، وأولاد رامي ورائد يلعبون في الردهة متجاهلين الجرس، فقال نادر وهو يعدو نحو الباب:

-خليك مرتاح يا حضرة العالم أنا هفتح تلاقيها نداء.


نفخ عامر الهواء من فمه وغمغم نازقًا:

-كل شويه حد يعايرني، والله لما أوصل ويسألوني ايه المعوقات اللي قابلتك هقول أهلي.


من ناحية أخرى ما أن فتح نادر الباب ردد بدهشة:

-أبيه رائد!


عانقه بشوق وخرج عامر على صوت رائد وعانقه هو الأخر، وركض الأولاد متهللين مبتهجين يعانقونه بفرحة، وابنته تبكي وهي تمسك يده وتقبلها وتقول:

-وحشتني أوي يا بابا...

-خلاص يا قلب بابا مش هسيبكم تاني أبدًا.

قالها رائد، وخرج دياب من المرحاض، تفاجأ  بوجود ابنه وعانقه بكل حب واشتياق، ثم جلسوا جميعًا، سأل رائد:

-ماما فين وحشتني أوي.


ضحك دياب وقال:

-ما هي أختك وئام ولدت وأمك قاعده عندها.


قال رائد بابتسامة:

-أيوه نداء لسه قيلالي، أومال فين عمرو؟


                 ★★★★★

ظل «عمرو» يتبعها في صمت حتى جلست على إحدى الطاولات في مقهى، استندت بمرفقها على الطاولة ووضعت يدها أسفل ذقنها وهي تتأمل الأفق، حتى ظهر عمرو....


ودون إذن سحب «عمرو» مقعد وجلس قبالتها، رمته «سراب» بنظرة سريعة خاطفة، وتجاهلت وجوده، فقال:

-مش ناويه تعقلي بقا؟


تجاهلته، فأضاف:

-قومي نرجع البيت... تعالي اقعدي عند نداء أو ريم لحد ما جدك يهدى.


تجاهلت قوله أيضًا ولم تعيره أي اهتمام، فرماها بنظرة ساخطة، صمت هنيهة هو يتخيل نفسه ينهض واقفًا ويغادر المكان برمته لكنه بدلًا عن ذلك أشار للعامل وطلب كوبين من القهوة، وخرجت هي عن صمتها، مخاطبة العامل:

-عايزه القهوه ساده لو سمحت.


-بتشربيها مُره ازاي؟

سألها عمرو، فرمقته بطرف عينها ولم تُعلق، تنهد بعمق ولزم الصمت، أخذ يُطالع المارة وينظر ناحيتها كل فترة فيجدها تُطالع الأفق بشرود، فيعود يتابع المارة، حتى شربا القهوة وهما على تلك الحالة...


نظرت «سراب» نحوه، ثم طالعت محل نظره فقد كان يتابع شاب وفتاة يعبران الطريق، جحظت عينيها وانتبهت جميع حواسها حين تبينت ملامح الفتاة، فهي نفسها عروس الأمس الهاربة «هند»، تخرج من إحدى المحلات تتأبط ذراع شاب يرتدي حلة سوداء أنيقة ويقتربان من سيارة فاخرة كانت تضحك بسعادة وكأن لا شيء قد حدث معها بالأمس، وباندفاع وثبت سراب من جلستها وهرولت نحوها، ونهض عمرو وهو يصيح:

-رايحه فين؟ سراب! بت...


-هـــــنـــــد! 

التفتت الفتاة أثر صوت سراب، وحين رأتها ابتلعت لعابها وتجلى الاضطراب على ملامحها لبرهة ثم انبسطت ملامحها ونظرت للشاب جوارها حين سألها:

-مين دي؟


خاطبت سراب هند متجاهلة سؤاله:

-إنتِ مش قولتِ هتروحي لخالك في المنصوره؟ إيه اللي حصل؟


-آآ... ازيك يا سراب؟ أنا اتجوزت قصدي النهارده فرحنا... تعرفي إني اتمنيت أشوفك، الحمد لله إننا اتقابلنا... إيه رأيك تعمليلي مكياج فرحي؟


نظرت سراب لعمرو، ثم للشاب الواقف جوار هند، وصمتت فقالت هند:

-لو سمحتِ وافقي وبضعف الثمن اللي اتفقنا عليه قبل كده.


قالت سراب بشرود:

-وبضعف الثمن!

ثم أضافت ببهجة:

-ماشي، طيب روح إنت يا عمرو وأنا هبقى آجي وراك... يلا سلام.


قالتها وهي تهم بالمغادرة، فقال عمرو:

-سلام فين؟ أنا رجلي على رجلك، والله ما هسيبك تتحركي من غيري.


خافت سراب أن يظهر أشخاص الأمس، أو أن يرجع عمرو فيخبر جدها لذا آثرت رفقته، خاطبت هند:

-هو ينفع يجي معايا؟ كأنه بودي جارد يعني.


ابتسمت هند ونظرت للشاب جوارها الذي أومأ موافقًا، ثم قالت:

-ينفع يا ستي، اتفضلوا اركبوا.


مال عمرو على أذن سراب وقال:

-هو احنا رايحين فين؟ 


ابتعدت سراب خطوتين عنه ونهرته قائلة:

-متقربش مني كده تاني! ورايحين شغل، وإنت قررت تيجي معايا يبقا تخرص بقا.


تجاهل ما قالته وقال هامسًا:

-بت يا سراب أنا مش مطمن!


-اسكت يا عمرو بعد إذنك... دي بتقول بضعف التمن.

قالتها سراب ببهجة، فنفخ عمرو متضجرًا وبدل نظره بينهما يتفحص لغة أجسادهما، يد الشاب وهو يمسك بيد هند وكأنه جاهد ليصل لهذه اللحظة، وتبادل النظرات والابتسامات التي تشي بما يكنه القلب من راحة وأمان.


أطلق عمرو تنهيدة عميقة وفي تلك اللحظة شعر بتحديق سراب به، زحف ببصره لينظر إليها فانتفضت وأشاحت بصرها للجهة الأخرى واعتدلت في جلستها حتى التصقت بالباب الأخر للسيارة والاضطراب يظهر عليها.


عاد عمرو ينظر أمامه، فلم تستطع سراب منع حالها من إعادة النظر إليه، التفت فجأة ليلتقط نظراتها تلك بالجُرم المشهود فابتسمت بلطف وبادلها الابتسام، ثم نظر من النافذة وهو يخلل شعره بأنامله.


خشيت سراب أن يأخذ ابتسامتها على نحو خاطئ، فارتدت ثوبها المعهود حين قالت باستفزاز:

-إنت لا تُطاق.


سمعها فدنا منها قليلًا وهمس:

-اللي أعرفه إن لو فيه حد مش بيطيق حد مش بيقعد يبص عليه! وبعدين يبتسمله.


رمته بنظرة متهكمة وهي تنطق:

-عادي ممكن يكون مستغرب إن كل السماجه دي اتجمعت في شخص واحد.


أطلق ضحكة كالزفرة وبنبرة هادئة، قال:

-إنتِ مستفزة جدًا.


-مش أكتر منك.

قالتها سراب وعادت تُطالع الطريق وآثر عمرو الصمت، حتى توقفت السيارة أمام بيت فاخر له بوابة كبيرة يشبه الڨيلا، يضم حديقة خلابة تنتشر الأشجار الخضراء بجوانب أسوارها...


وبالداخل يتولى بعض العمال تزين الحديقة ويضعون بها عدة طاولات...


 همس عمرو:

-ناس عايشه...


سمعته سراب، فحدقت به لبرهة ثم قالت:

-الموضوع ده هيفضل سر بيننا، اتفقنا؟

-اتفقنا بس الفلوس بالنص.

-النص! لا طبعًا مش هديك النص، انسى...


قال عمرو ببرود وهو يضع كلتا يديه بجيبي بنطاله:

-براحتك وأنا هروح أقول لجدك كل حاجه.


قالت بتبرم:

-إنت بجد إنسان لا تُطاق... طيب خلاص هديك النص.

-يبقا اتفقنا.

قالها بابتسامة، تزامنًا مع اقتراب الشاب «زوج هند» منهما وخاطبهما:

-الحفله هتكون العصر لأننا مسافرين، فاتفضلوا اقعدوا شويه على ما هند تجهز، وأنا بنفسي هاجي أنادي للأنسه سراب.

قالها وأشار لطاولة خلفهما فجلس عمرو قبالة سراب، ونظراته تجول بالمكان ودقات قلبه تشتد في قلق، قالت سراب:

-حقيقي جوزها دا راجل محترم أوي، سمعته بيقول الأنسه سراب! شايف الاحترام، مش زيك... بت يا سراب.

قالت أخر جملة تقلد صوته الخشن، فرأت ابتسامة صغيرة ترتسم على زاوية فمه قبل أن يصفعه القلق مجددًا فتزول ابتسامته، مال بجزعه العلوي نحوها وقال بجدية:

-يا سراب أنا قلبي مش مطمن قومي نمشي.


-بقولك ايه لو قلقان امشي إنت.


-مش همشي وأسيبك.


قالت ساخرة:

-قصدك مش هتمشي وتسيب الفلوس ،صح؟


وعلى غير ما اعتادت سراب، أطلت من عيني عمرو نظرة اهتمام وهو يُطالعها ويقول:

-لا مش هسيبك إنتِ، فلوس ايه اللي هدور عليها، قومي يا سراب نمشي وأنا هديكِ الفلوس اللي إنت عايزاها.

قال عرضه وهو ينهض من مكانه، لكنها لم تحرك ساكنًا وكأنها تمثال من خشب كالمقعد الذي تجلس عليه، فعاد يقول بإصرار:

-قومي نمشي.


عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بإصرار أشد:

-مش همشي يا عمرو امشي إنت.


عاد يجلس قبالتها رشقها بنظرة مبهمة ثم التفت يُطالع المكان من حوله وردد:

-ربنا يستر.


وبعد فترة خرج زوج هند ونادى سراب لتدخل لهند  وظل عمرو يتبعها حتى دخلت غرفة هند وأُغلق الباب، ووقف يراقب المكان بقلق شديد لا يعلم مصدره!


وفي غرفة العروس

وقفت سراب تجهز أدواتها، وهي تتحدث مع هند:

-إنتِ مش قولتِ هتسافري لخالك؟

قالت هند:

-أنا قولتلك كده عشان لو حد مسكك تقوليلهم كده، بجد يا سراب أنا مش عارفه أشكرك ازاي.


رمقتها سراب بنظرة سريعة ثم قالت:

-هو إنتِ حكايتك ايه؟!


أطلقت هند تنهيدة طويلة وقالت:

-حكايتي طويله، هقولك جزء منها وهي إني أعتبر بنت يتيمه، أهل أبويا كانوا حبسيني في المكان اللي إنتِ قابلتيني فيه، وكانوا عاوزين يجوزوني واحد في سن أبويا عشان ياخدوا فلوسي وفي نفس الوقت فلوسه ويوسعوا تجارتهم وكده، فاهمه حاجه؟


-فاهمه طبعًا، أنا تقريبًا سمعت المسلسل ده قبل كده... طبعًا فاهماكي، اخص هي الفلوس تعمل في الناس كده! ملعونه الفلوس بس مطلوبه برده. 


قالت هند بابتسامة:

-صحيح ملعونه بس مطلوبه.

ران عليهما صمتٌ طفيف، يتبادلان نظرات صامته وكانت سراب تشعر تألف ملامح هند وكأن طرقهما تقاطعت من قبل، ولكن أين؟ لا تدري! 


قطعت هند الصمت قائلة وهي تعبث بخصلات شعرها الأسود المشذب، الامع:

-أنا اتجوزت باسل انسان محترم، بنحب بعض من زمان، النهارده فرحنا وعاوزاكِ بقا تظبطيني.


-عنيا يا قمر مع إنك مش محتاجه حاجه.


-دا من ذوقك يا سراب، يلا نبدأ...

قالتها هند وهي تلملم خصلات شعرها الناعمة بحجاب أبيض.


وقفت سراب خلفها تطالع انعكاس هند عبر المرآة، النمش الخفيف على وجهها وعينيها اللوزيتين ولون بؤبؤهما الأسود القاتم، بشرتها البيضاء المائلة للحمرة ثم رفعت بصرها قليلًا لتنظر لنفسها، واتسعت حدقتيها وهي تلمس وجهها، فهند تشبهها كثيرًا، ولكن لا، هند أجمل بقليل...


وقبل أن تبدأ سراب قالت:

-ممكن أسألك سؤال؟ 


أومات هند موافقة، فقالت سراب:

-هو إنتِ غنيه أوي؟ اقصد عيلتك أثرياء! والڤيلا دي بتاعتكم! ولا بتاعت جوزك ولا ايه؟


ضحكت هند وقالت:

-دا بيت عادي يا سراب، باسل مأجره نعمل فيه الحفلة، إنما احنا أصلًا مش من هنا، احنا من القاهرة.


-وجايين الدقهليه ليه؟


-مش جايين بإرادتنا يا سراب، هحكيلك كل حاجه لكن اصبري عليا، هنتواصل كتير بعد النهارده.


-يعني انتوا مش أثرياء! أنا قولت كده برده ما هو مفيش حد ثري هيخليني أنا أعمله مكياج.

قالتها سراب وهي تضحك، فضحكت هند وقالت:

-بتقللي من نفسك ليه، إنتِ باين عليكِ شاطره، يلا نبدأ عايزه أشوف شغلك بقا.


أومأت سراب وصمتت، كابحة فضولها الشديد لمعرفة المزيد وبدأت بوضع مساحيق التجميل على وجه هند، وهند تتأملها وتتابع حركاتها.


وبعد فترة انتهت سراب، فنظرت هند لانعكاسها بالمرآة وقالت:

-جميل أوي... إنتِ ليكِ مستقبل باهر يا سراب تسلم ايدك... انزلي بقا الجنينه ومتمشيش استني الحفله، وباسل هيجيب مامته وهيكون هنا كمان شويه يديكِ الفلوس.


-تمام هستناه... وعشان لو احتجتِ تظبطي مكياجك تاني.


نزلت سراب للأسفل وكانت تنظر حولها معجبة بالبيت وموقعه، وكلما قابلت أحد العمال قالت بزهو:

-أنا الميكب ارتست...


خرجت للحديقة واستقبلها عمرو بلهفة، قال:

-خلصتِ؟ هنمشي؟


اومأت رأسها بابتسامة، فقال:

-طيب يلا نمشي من هنا.


-نمشي فين؟ لسه مأخدتش فلوسي.


جلست سراب على المقعد بأريحية مسترسلة:

-وبعدين حد يسيب المكان المنعش ده ويرجع للشارع الكئيب اللي عايشين فيه.


جلس عمرو قبالتها وقلبه يدق بعنـ ـف وكأنه يشعر بالخطر الذي سيداهمهم بعد قليل...


نهضت سراب تتمشى بالحديقة وتبعها عمرو، حتى وقفا تحت ظل شجرة بالحديقة، وقد فرغت الحديقة من العمال فجأة...


 قال عمرو:

-هنفضل هنا لحد امته؟


-لو مستعجل تقدر تمشي وهجيبلك فلوسك متقلقش... أنا أصلًا مطلبتش منك تيجي إنت اللي صممت.


كاد أن يرد عليها لولا صوت أحد ينادي هند بصوت مرتفع تبعه اقتحام للبيت برجال طوال شداد...


 أجفلت سراب حين رأت نفس الرجل الذي رأته بالأمس، أطبقت يدها على فمها واختبأت خلف الشجره وأشارت لعمرو أن صه، وهو يسألها هامسًا ما الذي يجري هنا؟

ووقفا يراقبان أصوات الصراخ والضـ ـرب، فقد كان الرجال يضـ ـربون كل من يعترض طريقهم...


قالت سراب:

-اطلب الشرطه يا عمرو، هند في خطر.


قال عمرو:

-شرطة ايه! احنا لازم نمشي من هنا.


-نمشي ازاي بقولك البنت في خطر... أعمل حاجه يا عمرو...


لم يعقب عمرو وظل يتابع ما يحدث باضطراب، فخرجت سراب من خلف الشجرة راكضة، ووقف عمرو لبرهة يغمغم نازقًا، ويهمس باسمها دون أن يحرك ساكنًا...


من ناحية أخرى سمعت سراب صوت الرجل يتحدث عبر الهاتف ويقول:

-متقلقش يا باشا كل حاجه تحت السيطره.


خرج رجل أخر يحمل جسد هند المرتخي، فصاحت سراب:

-قــــــتـــــلـ ـتوهــــا؟


اندهش الرجال من صوتها، وفي سرعة اقتربت سراب من هند وهي تحمل بيدها عصا تضـ ـرب بها من يحمل هند بكامل قوتها عله يترك هند، لكنها لم تؤثر به ولم يتحرك قيد أنمله، بل ضحك وكأنها تدغدغه...


 وقال رجل أخر بابتسامة ساخرة:

-إنتِ تاني؟ دا إنتِ مصممه بقا! إحنا يا بنتي مش سيبناكِ امبارح بمزاجنا!


نظر لباقي الرجال وقال وهو يشير لسراب:

-هاتوها.


وكان عمرو يراقب ما يحدث، يمسك هاتفه ليطلب رقم أخيه، فأتاه صوت:

-عفوًا لقد نفذ رصيدكم.


تشنجت ملامح عمرو وأضناه الندم، ما كان عليه أن يسمح لها بالقدوم إلى هنا! ولكن ما العمل الآن؟ وما الذي عليه فعله؟


استيقظ من خضم تساؤلاته حين سمع صرخاتها وهي تحاول الإفلات من الرجل، وتركض وتقفز والرجال يركضون خلفها، حتى صدحت صوت طلقة نارية تلاها صيحة مرتفعة، أدرك عمرو أنها لسراب فخرج من مخبأه غير عابئًا بكل نداءات العقل والمنطق.

يتبع 

#سدفة٢

«اللهم لا تجعل كلماتي تلك فتنة لأحد ولا تفتني بما يخطه قلمي، وإن كان خيرًا فيسر لي طريقي وإن لم يكن فاصرفني عنه.» 



الفصل الرابع 

#رواية_عن_تراضٍ 

بقلم آيه شاكر


أجفل «عمرو» حين صدح صوت طلقة أخرى وهرع نحوهم وهو يصيح:

-ســـــــراب، محدش يقربلها.


التفت الرجال جميعًا يطالعونه لبرهة قبل أن يقول أحدهم:

-هاتوه هو كمان.


سحبهما الرجال وظل الإثنان يقاومان ولكن الكثرة تغلب الشجاعة...

صلوا على خير الأنام ❤️


                      ★★★★★

حل المساء، وسجى الليل، ولم يظهر عمرو وسراب...


وفي بيت دياب

جلس «كارم» قبالة «دياب» مضطربًا يشكو لنفسه ألم فؤاده من تصرفات «سراب»، بينما كانت «تقى» في قمة ارتباكها تطلب رقم عامر كل فترة فيخبرها أن رقم أخيه لازال خارج النطاق ولم يتوصل لأي شيء، فتعود وتجلس بين نداء وريم التي تربت على يديها، تطالعها تقى في شدوه وتطرق في صمت...


رشق «دياب» «كارم» بنظرة مليئة بالشك فقد رفض كارم قطعيًا أن يبلغ الشرطة معللًا أنهما سيعودان فقط عليهم أن ينتظروا للصباح، وكلما حاول دياب إقناعه توسل إليه ألا يفعل، مما أثار ريب دياب وظل يرشقه بنظراتٍ متفرسه، فنهض كارم ووقف بالشرفة بمفرده، مسح دمعة سقطت من إحدى مقلتيه وهو ينظر للسماء ويقول:

-يارب إنت عالم بيا وعارف إني اتظلمت ودعوة المظلوم مُجابه، ساعدني يارب وخدلي حقي من اللي ظلموني أنا وأهلي...


لاح له طيف من شبح الماضي القاسي الذي يغلق عليه داخل حقيبة ذكرياته ويخفيه عن الجميح، تذكر حين كان شابًا أنيقًا وسيمًا يجلس بين عائلته في بيتٍ كبير يحاوطه حديقة واسعة تحفها الأشجار وتظلل عليها وكأنها تحرسها، وذكرى أخرى وهو يلعب مع طفلة في الخامسة وهي تصهل ضاحكة كخيل يستعد للإنطلاق فرحًا بالفارس الذي امتطاه.


كان بيت طُليت جدرانه بالحب وأدفئه نفحات الحنان، بيتٌ دُك بعد وفاة والديه، انتقل بذكرياته لابنته بعدما كبرت رآها وهي تبكي كل ليلة ثم يوم كانت تضع ابنتها سراب قبل أن تفارق الحياة تاركة بقلبه جرحًا لم ولن يندمل...


تمنى لو ينسى ماضيه، ليته وُلد هنا في هذا الشارع وفي تلك البلدة ولم يكن له أي ماضٍ يخشى أن  يخرج للنور في يومٍ ما، ماض كالكابوس المزعج، وليته كان كابوس يستيقظ منه ليتنفس من جديد، فيستعيذ بالله وينسى...


خرج من خضم أفكاره على صوت رنين هاتفه فأجاب مسرعًا، سمع صوتها المتحشرج وهي تقول:

-جـ... جدو.


-سراب... إنتِ فين يا بنتي؟ حرام عليكِ اللي بتعمليه فيا ده، إنتِ فين؟

قالها بانفعال شديد، وقبل أن يُكمل تأنيبها، نطقت:

-مـ... مخطـ ـوفه.

قالتها بصوت مختنق باكٍ وبنبرة مرتعشة، ثم كُتم الصوت للحظات، وظل كارم يصيح باسمها ويناشدها ألا تقلق، حتى سمع صوت رجل يعرفه جيدًا:

-مش قولتلك يا كارم ابعد البت دي عني! 


تلجم لسان كارم عن النطق، واشتدت دقات قلبه، وبالإتجاه الأخر قال الرجل:

-ايه يا كارم مش عارفني ولا ايه!


-إنت تاني! عملت فيها ايه يا شيـ ـطان!


قال الرجل ببرود: 

-قولتلك إبعدها عننا يا كارم وإلا هخلص عليها ولا يهمني.


انفعل كارم:

-هو إنت مش هتتغير، ياخي دي بنتكم، حسبي الله ونعم الوكيل فيك.


صاح الرجل بانفعال وبنبرة مرتفعة:

-مش بنتنا، متقولش بنتنا، وحتى لو واخده اسمنا برده مش بنتنا، وأقولك على حاجه إحنا نخلص الموضوع ده دلوقتي ونخلص من الجدال ده للأبد.


قال كارم بلهفة:

-هتعمل ايه! لو قربت منها يا حسين هقتـ ـلك، والله هخلص عليك.


صمت حسين لبرهة ثم نطق بهدوء:

-مش هقرب منها يا كارم ومش خوف منك لكن اعتبر دا أخر تحذير عشان خاطر المرحومه بنتك.


-البت فين يا حسين؟ 

قالها كارم، فرد حسين:

-هترجعلك يا كارم.


أغلق حسين الهاتف، فنطق كارم بغضب:

-شيـ ـطان... 


التفت جميع من بالبيت لصوت زمجرته بعدما أُغلق الخط، فنهضت تقى للشرفة، وسألته بلهفة:

-ايه يا بابا! فيه أخبار؟


دخل كارم من الشرفة وقد ادلهمت نظراته أكثر، هوى جالسًا على الأريكة وهو يقول:

-هترجع ان شاء الله.


زفر دياب متضجرًا وقال بانفعال:

-هنفضل كده!! لازم نبلغ الشرطة؟


-اصبر يا دياب.

قالها كارم، فانفعل دياب أكثر وهو يقول:

-أصبر ازاي؟ إنت مش عايز تبلغ الشرطه ليه؟


-خايف على العيال... خايف... اصبروا شويه.

قالها كارم وأطرق هنيهة في صمت، فلم ولن يغادر بيت دياب، يتبعه وكأنه يقيده كي لا يخبر الشرطة... 


نهض كارم وقال:

-قوم يا دياب خلينا نصلي سوا وندعي، نلجأ لمن لا ملجأ إلا إليه. 


نهض ديام وهو يردد:

-يا الله...


استغفروا ❤️ 

بقلم آيه شاكر 


********

وفي مكان أخر


دقت الساعة الحادية عشر ليلًا


وقف «عامر» جوار «رائد» الذي يستند على السيارة،  وملامحهما المتجهمة والمحبطة تشي بمدى قلة حيلتهما وقلقها إزاء اختفاء عمرو وسراب، قال رائد:

-وبعدين! دورنا في المستشفيات والأقسام وبنلف في الشوارع بقالنا ساعتين ايه العمل؟


صمت «عامر» وأطرق للحظات وهو يحبس أنفاسه و يفكر في حل ما، تنفس فجأة وانتبهت جميع حواسه حين تذكر أمرًا كان قد تناساه تمامًا، قال:

-افتكرت حاجه مهمه امبارح نادر وسراب كان فيه عصابه طاردوهم، أيوه... أنا إزاي نسيت الموضوع ده!!

لا يعلم كيف غفل عن هذا، أخرج هاتفه وطلب رقم نادر، بينما كان رائد يسأله:

-عصابة ايه؟ أنا مش فاهم حاجه! فهمني الأول.


أخذ عامر يحكي لأخيه ما رواه نادر بالإمس أثناء طلبه لرقمه حتى أجاب نادر، فقال عامر:

-إنت فين؟!

                    

                   ★★★★★

بعدما أنهت «سراب» المكالمة وقفت تبكي وتنادي جدها، وهناك رجل يجذبها من ذراعها حتى دفعها الرجل داخل الغرفة حيث كان عمرو يركل الباب بقدمه حتى فُتح ودخلت سراب، وقف مذعورًا مترقبًا  يُطالعها بأنفاس مرتفعة، وقد شعث شعره واحتقن وجهه من شدة الغضب، فقبل دقائق كان يصيح من خلف الباب الذي يحجبها عن نظره، ألا يمسها أحد...


كانا بغرفةٍ تشبه مخزن واسع، أخذ يحدق بدموعها التي تفيض بغزارة، وصوت نشيجها الذي يرتفع، قال عمرو بلهفة:

-إنتِ كويسه؟ 


لم ترد عليه وظلت تشهق وتبكي وهو يقف قبالتها مكتف اليدين لا يقدر على شيء سوى قول:

-ايه؟ عملولك ايه؟ إنتِ كويسه؟


وبعد فترة من البكاء المرير، وهو يقف قبالتها يكرر سؤاله عما بها، نطقت:

-أنا كويسه.

قالتها بقـ ـوة زائفة وهي تمسح دموعها، تتظاهر بالقـ ـوة علها تقنع حالها أنها ثابتة كالطود ولن يهزها ريح مهما كانت عاتية، جلست أرضًا فسألها عمرو:

-كانوا عايزين منك ايه؟


تشنج فمها وبرقت عيناها بالدموع مجددًا، لكنها لم تطلق سراحها، بل حاولت اخفاء حالتها خلف نبرتها الثابتة، حين قالت:

-مفيش، خلوني أكلم جدو.

-وهما يعرفوا جدك منين!؟

-معرفش...

قالتها باقتضاب وشعرت بدوار طفيف فوضعت يدها على رأسها وأغلقت عينها، قال:

-مالك؟!

-مش عارفه دوخت ليه يمكن لأني مأكلتش من الصبح.

قالتها سراب وهي تحاوط رأسها بيدها، فانحنى عمرو لمستواها وقال:

-متقلقيش ان شاء الله هنخرج من هنا، عُمر الشقي بقي وأنا وإنتِ مفيش أشقى مننا، ولا ايه؟


كان يحاول مداعبتها لتخرج من صومعة يأسها وحزنها، علها تطمئن أنه هنا فتهدأ، كان يشعر باختلاج قلبها ذعرًا، وقد ابيضت شفتيها وشحب وجهها، زفر وهو يشيح بصره عنها، رمته هي بنظرة فارغة ثم قالت ساخرة:

-هنخرج ازاي؟ شكلنا هنمـ ـوت هنا! 


ردد بشدوه:

-نموت! لـ... لأ... أكيد هنخرج.


عاد «عمرو» يحاول فتح الباب يصيح عليهم أن يفتحوا، لكنه كان مؤصدًا من الخارج فركله بقدمه عدة مرات بغضب عارم، والتفت ينظر لسراب التي استقلت على الأرض وتشرنقت على نفسها كفراشة تقبض جناحيها باحثة عن الأمان.


ظل عمرو يحوم بالغرفة غدوًا ورواحًا، ويحاول فتح الباب، ينادي عليهم ليطلقوا سراحهما ولكن لا مجيب، رمقها عمرو بنظرة سريعة وتركها زاعمًا أن الكرى قد غشيها، جلس قبالتها بقلة حيلة يتأمل أهداب جفونها الطويلة الكثيفة والتي لازال أثر الدموع عالقًا بها، أمعن النظر بملامحها التي لم تفشل في جذبه إليها رغم وقاحة شخصيتها التي يكرهها.


تذكر كيف كان يدافع عنها دائمًا في الصغر لكن من وراء حجاب، كان يتابع دروسها ورفاقها من بعيد، كان دائمًا يراها تجلس بمفردها في الشارع تحمل دميتها وتضع لها مساحيق التجميل وهي تبتسم، فيبتسم لابتسامتها قبل أن يرنو إليها ويستمتع بإثارة حفيظتها...


تذكر أيضًا ذات يوم وسراب في مرحلة الثانوية حين رأى شاب يضايقها وهي تخرج من درسها، اقتفى أثره حتى نال منه ولقنه درسًا وحذره ألا يرمق سراب بطرف عينه ولو على سبيل الخطأ، فهو لم ولن يقبل بأن يضايقها أي أحد غيره هو، اتسعت ابتسامته وهو يحدق بها، انتفض فجأة حيت دوى بأذنه صوت يحيى:

-غض بصرك يا لطخ.


سرعان ما تدارك حاله فهو يمعن النظر بما لا يحل له، تذكر يحيى ودروسه المعتادة عن غض البصر، يحيى زوج أخته ومعلمه الذي يضغط دوما على زر ضميره الخامد ليشعله، فقد حفظ القرآن كاملًا على يده قبل خمسة أعوام لكن أين ما حفظه؟ فقد تطاير من صدره مع الأيام بعدما انشغل بالدنيا وبأحلامه التي يركض خلفها...


ظل يستغفر الله، ويدعوه أن ينقذه من ذلك الموقف العصيب، تذكر جملة يحيى:

«إذا اشتد عليك أمر في الدنيا، تذكر موقت تعاملت فيه بتقوى، يعني موقف عملته ابتغاء وجه الله ومرضاته بعيد عن الرياء والتفاخر والتظاهر.»


أخذ يتذكر أي موقف، يعصر رأسه بيديه عله يتذكر لكنه لم يستطع، فهو يصلي ولكن لم يخبت لله يومًا، كثيرًا ما تشغله الدنيا فيجمع صلوات اليوم كامله ويؤديها دون خشوع، كما يعاند والديه ويناكف أخوته دائمًا...


ما هذا؟ ألم يفعل شيئا خالصًا لوجه الله! وأخيرًا تذكر موقف فعله قبل يومين، حين رأى رجلًا كبير السن يتحسس الطريق بعصاه فساعده حتى بيته، رفع وجهه لأعلى، جال في رأسه صوت مواء، تذكر تلك الهرة المسكينة التي تتجول بشارعهم وهو يضع لها الطعام كل ليلة، فيراها تنادي رفاقها ليأكلوا، ابتلع ريقه وقال بلسان قلبه في تذلل:

-اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا لوجهك فساعدني أخرج من هنا.


مر الوقت على تلك الوتيرة...

سراب مستلقية وعمرو يوليها ظهره ويحملق بالفراغ أمامه شاردًا، ربما كان يحتاج محنة ليفيق لنفسه ويستيقظ من غفلته، فقد تخرج من كلية العلاج الطبيعي بالعام الماضي ولا يفعل أي شيء يُذكر بجانب عمله بمركز خاص للعلاج الطبيعي...


أخرجه من خضم أفكاره صفارة ساعته معلنة عن الثانية عشر منتصف الليل فنهض من جلسته ليحاول مرة أخرى علهم يفتحون الباب، طرق الباب بقبضة يده في هدوء، وهو يقول:

-أنا عايز أروح الحمام افتحوا...


لم يجبه أحد، فنفخ بضجر وعندما حرك مقبض الباب فُتح، فاستبشر وتهلل وجهه وابتسم، وهو يحمد الله، ركض يوقظ سراب...

-سراب... بت... قومي الباب اتفتح، قومي خلينا نمشي قبل ما يرجعوا في كلامهم... سراب... 


لم ترد عليه فمد يده ليهزها لكنه قبضها قبل أن تصل إليها، فلو مسها واستيقظت ستصرخ عليه فمنذ نعومة أظافرها لا تقبل أبدًا أن يمسها أي ذكر.


وقف يناديها، التفت حوله وأمسك عصًا رفيعة وأخذ يلكزها بها برفق، لكنها لم تستجب، استرجع عقله أخر كلمات قالتها قبل أن تغلق جفونها بقليل:

«مش عارفه دوخت ليه يمكن لأني مأكلتش من الصبح.»

اختلج قلبه، ناداها بنبرة مرتعشة:

-سراب!! بت يا سراب! ردي يا بنتي!

أطبق يده على فمه وأخذ يهزها بيده الأخرى، حاول افاقتها لكنها لم تستجب بتاتًا، فحص تنفسها ونبضها فاطمأن أنها لازالت على قيد الحياة، ركض لخارج الغرفة فوجد هاتفيهما وحاجيات سراب على منضدة صغيرة، فتح هاتفه وطلب رقم عامر في سرعة، توأمه الذ رغم ضيقه من اختراعاته تلك إلا أنه سنده ورفيقه الذي لا يتخيل دنياه دونه...

اشتغل غضبه حين سمع:

«عفوًا لقد نفذ رصيدكم...»


-أنا عارف حظي!

قالها حين أطلق هاتفه صفير يخبره أن شحنه على وشك النفاذ...


ومن فرط اضطرابه غفل عن فتح هاتفها، فيجب أن يخرجا من هنا...


حمل حقيبة سراب على ظهره وعاد يحمل سراب ثم ركض بها للخارج يقطع شارع ثم أخر ثم وقف يلتقط أنفاسه ويلتفت حوله بحثًا عن أي وسيلة مواصلات تقلهما، بينما كان جسدها مرتخي بين يديه، طالعها وجثى على ركبتيه فقد أرهقه الركض...


وضع جسدها على الأرض وردد من خلف أنفاسه المرتفعة، بقلة حيلته:

-قومي يا سراب... قومي ومش هضايقك تاني...


ضغط زر فتح هاتفها الذي كان مغلق بكلمة مرور، زمجر غاضبًا ونهض واقفًا يلتفت حوله يطالع الشارع المعتم ويقول بنبرة مرتفعة:

-احنا فين؟! ازاي مفيش ولا عربيه هنا!


تفاجأ بصوت أبواق سيارة، وقف يلوح لها لتقف، وتفاجأ حين خرج منها عامر ثم رائد فنادر الذي قال:

-أنا كده اتأكدت إن هما العصابه بتوع امبارح...


اقترب عامر يتفحص عمرو ويقول:

-كنت حاسس إنك هنا، قلبي حس بيك وقولتلهم هو ده الشارع...


ضمه عامر بلهفة وأخذ يسأله:

-إيه اللي حصل؟ إنت كويس!


أومأ عمرو ولكن وجهه كان شاحبًا، فضمه رائد بشوق وقلق وهو يسأله عما حدث، فأشار عمرو لجسد سراب المُلقى على الأرض، فركض رائد إليها وجذب نادر عمرو من يده وأجلسه بالمقعد الخلفي للسيارة، بينما حمل رائد سراب، وجلس بالمنتصف بينهما ثم قبّل رأس عمرو وهو يسأله بلهفة.:

-إنت كويس يا حبيبي؟


أومأ عمرو في صمت، وأخذ رائد يسأله عما حل بسراب؟ في حين انطلق عامر بالسيارة لأقرب مستشفى، وعمرو لم ينطق سوى بقوله:

-سراب مأكلتش من الصبح، أغمى عليها وكنت بحسبها نايمه.


قال نادر:

-العصابه خطـ ـفتكم صح؟


وقال رائد:

-ايه اللي حصل يا عمرو؟


وقال عامر:

-انطق يا عمرو؟


صمت عمرو هنيهة، حاوط رأسه بكلتا يديه وقال بلسان ثقيل:

-أنا دايخ...


وبمجرد انهاءه الكلمة أغلق جفونه وغاب عن الوعي، بينما نطق اسمه الثلاثة في آن واحد، وبصدمة وقلق تفقده رائد وهو يلمس وجهه برفق....


-سوق بسرعه شويه يا عامر.

قالها رائد باضطراب، وهو يحدق بوجه أخيه الشاحب، ويهزه ثم نظر لسراب الغائبة عن الوعي هي الأخرى، وصاح:

-بسرعه يا عامر.

-طيب.

قالها عامر وهو يلتفت خلفه ويطالع أخيه، ارتعشت يداه وكاد يصطدم بسيارة أخرى، فصاح نادر:

-اقف... اقف وانزل أنا اللي هسوق.


ضغط عامر مكابح السيارة فجأة فدوى صوت احتكاكها، وارتجل من السياره هو ونادر يتبادلان الأماكن.

استغفروا🌸

                   ★★★★★

وبينما كانت تقى تفكر في سراب واختفائها المباغت غشيها النعاس وهي تجلس ساندة رأسها براحة يدها ومرفقها مثبت على ذراع الأريكة، انتفضت فجأة من نومها وفتحت جفونها ونبضها مرتفع، ودقات قلبها تتسارع وجبينها يتفصد عرقًا، أخذت تلتفت حولها يمنة ويسرة في فزع ولا أحد جوارها، فقد رأت نفس الحلم الذي مر بها قبل عدة أعوام وبعد فترة منه فقدت والدتها للأبد...


وضعت يدها على صدرها وهي تتذكر سراب،  وتخشى أن يكون مكروهًا قد أصابها، نهضت واقفة لتجد نداء وكارم بالشرفة يتابعان الشارع الفارغ في صمت مطبق، بينما كان دياب بغرفة مجاورة لازال يجلس على سجادة الصلاة يدعو الله أن يعود ابنه سالمًا...


وفي الشرفة

سألتهما تقى بلهفة:

-مفيش أخبار؟

-أنا برن على رائد أهوه... يارب يرد ويطمننا بأي أخبار.

قالتها نداء وهي تمسك هاتفها تزامنًا مع اجابة زوجها رائد عليها...


*********

على نحوٍ أخر في بيت وئام 


كلما حاولت «شيرين» النوم شعرت بخفقة غريبة في قلبها وانقباضة في صدرها، فاعتدلت جالسة ووضعت يدها على قلبها وهي تتنفس وأخذت تلهج بالدعوات...

وكانت مريم تحمل أخيها الصغير «عبدُ الله» تتأمله بابتسامة وحبور، فابتسمت شيرين ودعت لها ثم حملت هاتفها لتطلب رقم زوجها دياب، فأجاب في سرعة وكأنه كان يمسك الهاتف بيده، قالت بابتسامة:

-ايه ده إنت لسه صاحي؟ للدرجه دي مش عارف تنام من غيري؟

-آآ... آه... أيوه، طبعًا.


-اومال عمرو فين يا دياب برن عليه من الصبح مش بيرد، تلاقيه بيلعب كوره أكيــــد.


-آآ... آه... أيوه.


-وإنت إيه اللي مسهرك ياخويا لدلوقتي؟ عندك أرق زيي ولا ايه!


-آآ... آه... أيوه.


ضحكت وقالت:

-هو ايه اللي آه أيوه! هو فيه حاجه يا دياب؟


قالتها تزامنًا مع سماعها صوت نداء:

-يا بابا، لقوا عمرو وسراب بس رائد بيقول إنهم في المستشفى.


قالت شيرين بصدمة:

-فيه ايه يا دياب؟ إنت مخبي عني ايه؟ مستشفى ايه!


-مفيش يا شيرين أصل رائد جه من السفر و... 


صمت دياب، فقالت بذهول:

-رائد جه! ازاي محدش يقولي!


تنهد دياب بعمق ولم يجد بُدًا من إخبارها بالحقيقة، فقال:

-هحكيلك اللي حصل.


وبعد فترة وجيزة


كان يحيى نائمًا على الأريكة، فهزته شيرين برفق وحين فتح عينه أبصر وجه شيرين ومريم يحملقان به فانتفض جالسًا وهو يسأل:

-فيه ايه؟!


-يحيى، قوم وصلني يا يحيى، قـــــوم.

قالتها بقلق شديد، فمسح وجهه وهو يقول:

-فيه ايه يا طنط؟


-قوم بس يا يحيى هحكيلك في الطريق؟

قالتها شيرين بنبرة مرتبكة، فنهض يحيى وأخذ يسألها عما بها؟ وهي تحثه على غسل وجهه اولًا، وأخذت توصي مريم:

-هقولك تعملي ايه بالظبط لحد ما أرجع... ومتصحيش أمك، فاهمه؟


قالت مريم بقلق:

-حـ... حاضر يا تيته بس طمنيني، خالو كويس؟

فقد كانت مريم تستمع لمكالمة دياب كاملة، تجاهلت شيرين سؤالها وقالت:

-بصي يامريم لو أمك صحيت وسألت عني قوليلها خالو رائد رجع من السفر وتيته راحت تشوفه، ماشي؟


-حاضر... بس ابقي طمنيني.


خرجت شيرين تتأبط ذراع يحيى، الذي كان خامل الملامح ولازال أثر النوم عالقًا بجفونه، سألها عما حدث وأخذت تحكي له ما قاله دياب عن سراب وعمرو، وانتهت بقولها:

-بسرعه عشان أروح المستشفى معاهم، أنا كان قلبي حاسس عمك دياب صوته مخنوق أنا عارفاه كويس.


قاطعها يحيى بقوله:

-إن شاء الله خير متقلقيش.


ابتسمت شيرين بحزن وربتت على يد يحيى بحنو، فقال:

-ربنا يطمننا يارب.

استغفروا❤️

بقلم آيه شاكر 

                    ★★★★★★

وفي المستشفى

استيقظت سراب من سُباتها أو غيبوبتها تلك، وجدت نفسها بمكانٍ أخر، بغرفة مستشفى وعلى فراش المرضى، أخذت تتذكر كيف وصلت هنا؟ كانت كطفلٍ سرقه النوم وحين فتح جفونه وجد أنه بمكانٍ أخر...


أبصرت تقى المستلقية على فراش قبالتها، فلم تود إيقاظها، وحين تذكرت هند وما حدث، قالت بهمس:

-هند! يا ترى عملوا فيها ايه؟ وعمرو! فين عمرو؟


أخذت تبكي بنشيج مكبوح حتي لا توقظ تقى، وتمسح عبراتها بيدها، ثم تحاملت على حالها لتخرج من الغرفة وتسأل عن عمرو...


من ناحية أخرى 

في غرفة أخرى على فراش للمرضى يجلس عمرو على طرفه...

أخذ «كارم» يوصي عمرو للمرة الثالثة ألا يخبر أحد بما حدث كي لا يعرض حياته وحياة سراب لخطر هما في غنى عنه، قال عمرو بعناد:

-يا عمي كارم احنا لازم نبلغ الشرطة.

-لا لا يابني أنا طول عمري ماشي جنب الحيط، بلاش شرطه، لو بلغت الشرطه مش هيسيبوا سراب في حالها.

-مين اللي مش هيسيب سراب في حالها؟ أنا مش فاهم حاجه!!


-مش مهم تفهم دلوقتي أنا هحكيلك كل حاجه بس بعد ما أطمن على سراب، وإنت متحكيش لحد حاجه يا عمرو بالله عليك عشان خاطري يابني.


أطلق عمرو تنهيدة وقال:

-ماشي يا عمي كارم مش هقول حاجه إلا لما أفهم...


وبالخارج كانت باقي العائلة تقف حين خرج عمرو من الغرفة يسير على قدميه وبحالٍ جيده.


ضمه والده «دياب» وقال:

-حمد الله على السلامه يابني، ايه اللي حصلك ده؟

-مش وقته يا بابا.

قالها بوهن ونظر لوالدته «شيرين» التي حثته أن يجلس جوارها، ففعل وسند رأسه على كتفها، ثم قال:

-أنا بحبك أوي يا ماما.

-وأنا كمان يا قلب ماما...

قالتها شيرين بدموع وحاوطت كتفيه بذراعها وأخذت تلهج بدعوات أمٍ وبقلبٍ صادق نقي لن يجد الإنسان أصدق منه مهما قابل في حياته.


دلف كارم لغرفة سراب فوجدها تقف قبالته، أغلق الباب ورنى إليها عانقها فبكت، ورفعت رأسها في سرعة لتسأله عن عمرو، طمئنها أنه بخير، فتنهدت بارتياح وقالت:

-وهند؟ لقيتوها؟

قال:

-إنتِ لازم تنسي اليوم ده، متتكلميش فيه بينك وبين نفسك، هند مع أهلها احنا ملناش دعوه بحد، مش هننقذ العالم.


ارتفعت شهقات سراب، وهي تردد:

-ازاي يعني يا جدو؟ إنت مربتناش على كده، مش إنت قولتلنا نساعد اللي محتاجنا!


عانقها كارم وربت على ظهرها قائلًا:

-عشان خاطري يابنتي انسي اليوم ده، انسي الناس اللي إنتِ قابلتيهم دول! إحنا ملناش دعوه... ملناش دعوه.

                  ★★★★★

وبعد مرور أسبوع...


لم تخرج خلاله «سراب» من غرفتها إلا قليل وانصاعت لأوامر جدها بعدما حذرها ألا تخبر أحد بأي شيء مما حدث، ولم يفسر لها أي شيء، فلاذت بالصمت، حتى حديثها مع تقى كان مقتضبًا، لكنها تتسائل دومًا أين باقي عائلتها؟ أين عائلة والدها؟ ولمَ يتهرب جدها من إخبارها عنهم ويضطرب حين تذكرهم أمامه! 


وبصعوبة بالغة قررت أخيرًا أن تنسى ذلك اليوم وتنسى أنها قابلت هند، لابد وأن تركز في حياتها وعلى أحلامها، حلمها الذي لا تستطع نسيانه ولا تجاهله، لذا عادت تروج لنفسها على تطبيقات التواصل الإجتماعي علها تجد أي عمل أخر كخبيرة تجميل، فلن تُقلع عن حلمها مهما كلفها الأمر.


كان اليوم هو يوم الجمعه وقد أوشك الآذان أن يُرفع وصدح صوت مكبرات الصوت من المساجد بالقرآن الكريم...

خرجت سراب من المرحاض فقابلتها تقى بابتسامة، وقالت:

-إيه يا سراب هتفضلي مكتئبه كده كتير؟

-أنا مش مكتئبه!

قالتها سراب بنبرة جامدة، فزفرت تقى ضاحكة وهي تقول:

-واضح... طيب مبقتيش تلعبي رياضه ليه هتحسن مزاجك.

افتر ثغر سراب معلنًا عن ابتسامة باهتة، وقالت:

-ياريت أقدر أرجع زي زمان... مع إني قررت أنسى لكن ضميري بيأنبني... لو هند حصلها حاجه حاسه إن ذنبها في رقبتي أنا.

-خلاص يا سراب انسي الموضوع ده، مفيش في ايدك حاجه غير انك تدعيلها، بصي عشان تنسي  اسمعي كلامي وارجعي العبي رياضه.


أطلقت سراب تنهيدة حارة، وقالت:

-بفكر أشترك في چيم عشان أعمل عضلات وكده، ويا سلام لو أنا في يوم من الأيام أفتح چيم باسمي بعد ما أتخرج وأساعد بقا البنات تعمل فورمه.


ضحكت تقى وقالت:

-چيم! أنا أول مره أسمع عن حد في كلية دراسات اسلاميه وفتح چيم، سراب يا حبيبتي إنتِ أصلًا مش عارفه إنتِ عايزه إيه، عايزه تبقي ميكب أرتست ولا ايه بالظبط!


-أنا فعلًا مش عارفه أنا عايزه إيه عشان كده دخلت معاكِ الكليه اللي إنتِ اختارتيها والقسم اللي اختارتيه وأنا أصلًا مش بحبه.


جلست سراب على طرف فراشها، وأضافت وهي تُطالع وجه تقى:

-نفسي أعمل حاجه في حياتي مش عايزه يكون أكبر إنجاز في حياتي إني أتجوز وأخلف وبس، عايزه أسيب أثر.


-أثر!

قالتها تقي مستنكرة، وأكملت:

-وأنا نفسي تفوقي لنفسك وتعرفي إنتِ عايزه إيه بالظبط متمشيش مع التيار وخلاص.


وقفت سراب وقالت بإصرار:

-تمام وأنا عايزه أروح چيم وأعمل فورمه.


-هنشوف الموضوع ده بعد ما نحضر سبوع النونو... يلا عشان تيجي معايا.


زفرت سراب وقالت:

-مليش مزاج هتلاقي عمرو هناك وهيضايقني وأنا مش ناقصه بصراحه.


قالت تقى:

-يلا بس وإحنا مش هنقعد في المكان اللي هو فيه، هنقعد شويه مع أبله هيام وأبله وئام وأبله نداء وأبله ريم حبيبتك...


ابتسمت سراب وقالت:

-تمام بس متنسيش موضوع الچيم لازم نشوف مكان كويس.


على نحو أخر


كان كارم يستمع لحديثهما، تنفس الصعداء وقد أدرك أنه اتخذ قرار صحيح، وسينفذه، فتح الباب بهدوء وخرج من البيت ليؤدي صلاة الجمعه...


وبعده بفترة وجيزة خرجتا سراب وتقى من البيت قاصدين بيت وئام...


★★★★

وبعد انقضاء الصلاة


خرج كارم من المسجد ووقف ينتظر عمرو فقد تهرب منه لإسبوع كامل كي لا يضطر أن يفشي سر أخفاه لأعوام، أشار كارم لعمرو، فأسرع إليه ظانًا أن كارم سيخبرة بعلة اخفاءه الأمر عن الشرطة، رآهما دياب عند خروجه من باب المسجد وهما يسيران معًا، فأسرع ليلحق بهما، فمؤخرًا بدأ يشعر أن كارم وراءه أمر ما، خاصة حين أصر ألا يخبروا الشرطة حين اختفت سراب وعمرو، ورغم أنه علل ذلك بأنه خشى أن تصاب سراب بأي سوء لأن الخـ ـاطف طلب منه فدية ولكن لازال هناك الكثير والكثير غامض في هذا الأمر...


من ناحية أخرى، بعد عدة خطوات نطق كارم:

-هو إنت مش كنت عايز تفتح چيم يا عمرو؟

-أيوه بس... بس لسه الفلوس... دعواتك.


حمحم كارم، وسعل عدة مرات قبل أن يقول:

-طيب أنا مستعد أساعدك بمبلغ وكمان بالمكان، والتراخيص وكل حاجه بس ليا عندك طلب.


ابتهج عمرو وقال:

-حضرتك بتتكلم بجد؟ 


أومأ كارم بابتسامة فاترة، فقال عمرو بحمـ ـاس:

-طيب طلب ايه؟ دا إنت تأمر يا عمي كارم.


صمت كارم هنيهة ثم قال:

-سراب هتكون معاك... هي بتحب الرياضه وأنا عايزها تتشغل.


سقط جزء من حمـ ـاس عمرو، فهو وسراب لا يتوافقان أبدًا، ولكنه على أعتاب تحقيق حلمه لذا لا مانع من التأقلم مع عناد تلك الفتاة، سأل:

-اه عشان تبطل شغل الكوافيره ده، صح؟


-مش بس كده عشان حاجه تانيه مش مهم تعرفها دلوقتي.


ران عليهم الصمت وهما يسيران في هدوء ظاهري، كان عمرو مشوش يفكر في عرضه بينما هناك سؤال أخر يُلح عليه لطرحه، مما دفعه لقول:

-هو حضرتك ليه مخلتناش نبلغ الشرطه عن الناس اللي خطفونا؟


-مينفعش يا عمرو.


-هو إيه اللي مينفعش؟!


انفعل كارم قائلًا:

-يعني مينفعش أقول حاجه مش عايزك تدخل في الدايره السوده دي!


-أنا مش فاهم حاجه!

قالها عمرو، فرد كارم:

-وأنا مش عايزك تفهم لأن الأحسن انك متفهمش.


قال عمرو بإصرار:

-بس أنا عايز أفهم بعد إذنك.


توقف كارم ونظر بعيني عمرو ثم ربت على كتفه وأطلق تنهيدة طويلة، قبل أن ينطق:

-سراب هتكون شريكه معاك في الچيم.... وعلى المغرب تعالى خد الفلوس ونتكلم في التفاصيل... ومتسألنيش عن أي حاجه تانيه عشان أنا مش هقول حاجه.


قالها كارم ونظر خلفه فوجد دياب قد لحق بهما فسار معهما وأخذا يتبادلان الحديث، وثقلت خطى عمرو فلحق به عامر ورائد الذي سأله:

-عمك كارم كان عايز ايه؟


-هيساعدني أفتح چيم.


-مش عارف ليه حاسس الراجل ده مريب!

قالها رائد فزفر عامر ضاحكًا وقال:

-مريب ولا عجيب المهم هيساعده ويسانده... عقبال ما حد يساعدني ويكتشفني أنا واختراعاتي.


لكزه رائد بذراعه وقال:

-اختراعات ما يعلم بها إلا الله.


ضحك الإثنان بينما كان عمرو شاردًا، يفكر في كلام كارم تزامنًا مع لحاق يحيى ومحمد بهم، وقول يحيى بابتسامة مرحه:

-هتتغدوا عندي النهارده.


قال محمد ضاحكًا:

-ما أنا قولتلك امسك الميكرڤون في الجامع وعرف الناس إنك هتغدينا النهارده دي المره العاشره تقولنا الجمله دي.


قال عامر:

-أهم حاجه تدوني سبوع أصل أنا بحب الفشار والشوكولاته والحاجات دي.


قال يحيى:

-متقلقش هنوزع على الكل ونفرح العيال كلها...


ضحكوا وقال رائد: 

-عارفين اليوم الحلو ده ناقصه ايه؟


قال محمد:

-الواد رامي.


دخلوا لشارع مجاور إلا عمرو الذي شرد وسار صوب بيته، فعاد إليه عامر، سأله:

-مش جاي معانا ولا ايه؟

-هغير هدومي وآجي.

فقد كان يرتدي عباءة بيضاء اعتاد أن يصلي بها الجمعة، أومأ عامر ولحق بالبقية في حين ذهب عمرو لبيته...

استغفروا ❤️ 

                  ★★★★★

وبعد فترة في بيت وئام الذي يفصل بينه وبين بيت والدها شارع واحد...


اجتمعت العائلة، كان السيدات يجهزن مائدة الغداء، بعدما وصل الرجال، فقد كان حفلًا عائليًا...


وضعت شيرين طبق على المائدة ثم سألت عامر:

-هو الواد عمرو مجاش يتغدى ليه؟


قال عامر:

-قالي هيغير هدومه ويجي ورانا.


سألت شيرين دياب:

-وإنت مجيبتش الحاج كارم ليه يابو رامي؟


-والله ما وافق أبدًا فسيبته براحته.


ومن ناحية أخرى

بحث عامر بنظراته عن تقى فلاحظ اضطرابها كانت تحمل هاتفها وتزفر بقلق، فمال عامر على هيام وقال:

-روحي شوفي كده تقى مالها!

-ماتروح تسألها إنت هو أنا هفضل كده مرسال بينكم لإمته؟!

-لحد ما ربنا يفرجها يلا روحي خليكِ جدعه بقا...


رمقته هيام بلطف، وابتسمت فهي تعلم بمشاعره نحوها وتتعمد الحديث عنه أمام تقى كي تجذبها إليه، لا تعلم أن تقى لا تحتاج لأي حديث!


وقفت جوار تقى تسألها عما بها، فقالت تقى:

-برن على بابا مش بيرد... أنا قلقانه عليه وعايزه أمشي.


كان عامر يقف خلفهما ويرهف السمع، ظهر فجأة وقال:

-لا متمشيش، آآ... متقلقيش يا تقى آآ... أنا هرن على عمرو وأخليه يشوفه، عمرو لسه في البيت.


لم ينتظر ردها وحمل هاتفه يطلب أخيه الذي أجاب عليه على الفور، سأله عامر عن كارم وأوصاه أن يذهب إليه ويطمئنهم، ثم نظر لتقى وقال:

-دقيقتين بس عمرو هيلبس ويروحله... متقلقيش.


وكانت نداء تقف جوار رائد، يتابعان عامر ونظراته وكلامه لتقى ثم نظرا لبعضهما وابتسما، فقد حملتهما تلك النظرات لماضيهما بسرعة الريح، نظرت نداء ليد زوجها التي امتدت وأمسكت بيدها، خاطبته بهمس:

-شامم؟

-أيوه الأكل ريحته جميلة...

-أكل ايه! دي ريحة الحب بتهفهف في المكان على رأي عمرو.


قالتها نداء وضحكت، فضحك رائد وقال:

-أكيد دي ريحة حبي أنا يا دودو.


ابتسمت نداء ونظرات الحب تطل من عينيها، ليحتضنها رائد بعينيه قبل أن يضيف:

-ربنا يرزق الجميع العفه.

                    ★★★★★

وأمام بناية شقة كارم

من سيارة فخمه ارتجل رجل في عقده الخامس يرتدي حُلة أنيقة وساعة يد ذهبية وربما ثمينه، رآه عمرو من شرفة منزله، فأخذ يتابعه بترقب حتى اختفى داخل البناية، ظل مترقبًا لأي طابق سيدخل حتى رأي طيفه من خلف ستار رقيق أمام شرفة كارم، رآه يرفع سبابته في وجه كارم وكأنه يهدده أو يصرخ عليه فأخذ عمرو يعدو متوجهًا لبيت كارم.


وما أن اقترب عمرو من الشقة سمع حوارهما لكنه كان باللغة الإنجليزية فلم يفهم عمرو جُل ما يقولان إلا جملة باللغة العربية نطق بها الرجل:

-إنت السبب في دمار حياتنا كلنا.


ثم جملة بالأنجليزية:

-لابد وأن ينتهي كل شيء في أقرب وقت.


ثم عاد يتحدثان بالإنجليزية، واحتدم النقاش بينهما، وعمرو يلتقط كلمات متقطعة مثل:

"قتـ ـل، الكثير من المال، سراب، وتقى.." ثم لا يفهم أي شيء، ولأول مرة يعرف أن كارم يتحدث الإنجليزية بطلاقة...


وحين لاحظ عمرو انتهاء الحوار ودنو الرجل من باب المنزل ركض للأعلى ليختبئ، حتى اطمئن لنزول الرجل....


نظر عمرو من إحدى نوافذ الدرج على ذلك الرجل الغريب، وهو يأمر سائقه بإشارة من يده لينطلق...


نزل الدرج والتساؤلات تمور برأسه، يسأل نفسه من هذا الرجل؟ وعمَ تحدثا؟ ولمَ لم يتركه كارم ليخبر الشرطة بما حدث معه هو وسراب ذلك اليوم؟ لاشك أن ذلك العجوز يخفي عنهم أمر جلل! ولكن ماذا يخفي؟


أفاق عمرو من تساؤلاته تلك، قبالة شقة كارم وقبل أن يدق الباب لاحظ أنه مفتوح، ففتح بهدوء ودخل ولازال التفكير يقتات على عقله، كان سينادي كارم لكن تلجم لسانه وجحظت عيناه بصدمة وهو ينظر لما هو أمامه، وما لم يتخيل قط أنه قد يراه...


ارتبك كارم حين التفت خلفه فرأى عمرو، وهب واقفًا...

يتبع 


تكملة الرواية من هناااااا

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا



تعليقات

التنقل السريع