رواية عن تراض الفصل الخامس 5بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية عن تراض الفصل الخامس 5بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية عن تراض الفصل الخامس 5بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
الفصل الخامس
#رواية_عن_تراضٍ
بقلم آيه شاكر
فتح «عمرو» بهدوء ودخل ولازال التفكير يقتات على عقله، كان سينادي «كارم» ولكن تلجم لسانه وجحظت عيناه بصدمة وهو ينظر لما هو أمامه، وما لم يتخيل قط أنه قد يراه....
ارتبك كارم حين التفت خلفه فرأى عمرو، وهب واقفًا وخلف ظهره تظهر حقيبة سوداء معبئة بعملات ذهبية، وليخفي كارم ارتباكه صاح بانفعال:
-إنت يابني إزاي تدخل كده من غير ما تخبط!
-آآ... آسف... أنا آسف الـ... الباب كان مفتوح.
قالها عمرو وعيناه لازالتا مسلطتان على النقود...
ازدرد لعابه في اضطراب فأغلق كارم الحقيبة بعصبية، وقال باضطراب لم يزُل:
-دا... دي مش فلوسي.
أومأ عمرو، وسأل:
-هو مين الراجل اللي كان هنا ده؟
-وإنت مالك! بتتدخل ليه!
قالها كارم بانفعال، ثم أضاف بهدوء:
-إنت فاهم غلط... الفلوس دي مش بتاعتي، فاهم؟
-آآ... فاهم.
زفر كارم بقـ ـوة وعاد يفتح الحقيبة ويشير للنقود وهو يقول بانفعالٍ عارم وبأنفاسٍ مرتفعه وقلبٍ يختلج:
-الفلوس دي أمانه هشيلها عندي فتره، فاهم؟
-تمام... بس ممكن تهدى شويه.
نفخ كارم بضجر وهوى جالسًا، وهو يطلب من عمرو أن يخرج ويتركه وحده...
هم عمرو أن ينصرف ولكن أوقفه قول كارم بنبرة مرتعشة:
-استنى... ساعدني أخبي الفلوس دي، عشان نخرج عايز أوريك مكان الچيم عشان هنبدأ نجهزه من بكره.
رمق عمرو حقيبة النقود بنظرة أخيرة ثم قال بشدوه:
-تمام.
رافق عمرو كارم للخارج بعدما ساعده في وضع النقود أسفل فراشه، ساارا بالشارع في هدوء ظاهري وكان عمرو ينظر لكارم نظرات شك وهو على يقين أن هذا العجوز يخفي سرًا خطيرًا، ويتسائل من أين له كل هذا الذهب؟ هل هو رجل مافيا ويختبئ بينهم أم يتاجر بالممنوعات! أم ماذا؟ ماذا يجري؟
-هو مين البيه اللي كان عندك ده يا أستاذ كارم؟
خرج عمرو من شروده على صوت تلك السيدة الخمسينية، توقف كارم لبرهة ينظر إليها بصدمة، تلك السيدة التي تنتبه لكل شاردة وواردة تحدث بهذا الشارع وتستمتع بالجلوس مع نساء الشارع أجمع لتجمع الأخبار ورغم أن شيرين تتجنبها وكذلك تقى وسراب، إلا أنها لا تتجنب أحد، الجميع وتتدخل فيما لا يُعنيها، بلل كارم شفتيه وقال بارتباك:
-دا واحد غلطان في العنوان.
-بس دا حلو أوي، ألا هو متجوز؟
-معرفهوش يا ستي.
قالها كارم بضجر، فضحكت السيدة وهي تقول:
-طيب يخويا متتعصبش عليا، الله! دا انتوا عالم متكبره... إيه ده!
انصرفت السيدة من أمامهما منزعجة، فشوح كارم بيده وهو ينطق:
-الله يسهلك يا ستي...
غمغمت السيدة:
-شوية متكبرين...
رمقه عمرو بنظرة فارغة، وأكملا طريقهما، سارا متجاورين وكل منهما مستغرق في أفكاره، كارم يخشى أن يُكشف أمره، فيضطر أن يفتح حقيبة ذكريات مؤلمة أوصدها منذ سنوات بل ودفنها وردم عليها، وكان يرمق عمرو بريب بين وهلة وأخرى، وعمرو يفكر كيف سيكتشف أمر كارم وما يخفيه.
قال كارم بنبرة مضطربة وراجية:
-عمرو! ممكن يفضل موضوع الفلوس ده سر بيننا!
-آآ... أكيد يا عمي كارم متقلقش أنا مش هقول حاجه.
-إنت شخص أمين يا عمرو ولأجل أمانتك أنا هفتحلك الچيم ومش عايز منك أي حاجه كفايه أننا هنرخصه باسمك وهكتبه باسمك إنت وسراب تعملوا فيه اللي إنتوا عاوزينه.
صمت عمرو هنيهة مفكرًا، هل يرشيه ليصمت؟ ثم قال:
-لـ... لأ أنا هدفع اللي أقدر عليه ان شاء الله.
-وأنا مش هاخد منك حاجه، المكان موجوده هيكون باسم سراب وهيترخص باسمك وأنا هجهزه...
قالها كارم بإصرار، وأسرع الخطى بعدما رمقه عمرو بنظرة سريعة متفرسة لكنها ليست كافية لمعرفة ما يواري...
ران عليهما الصمت وهما يسيران مسافة شارعين بعد شارعهما، توقف كارم فجأة وحدق بعيني عمرو قائلًا بانفعال:
-اسمع أنا بعمل كل ده عشان خاطر سراب وعشان عارف ومتأكد إن محدش هيساعدها غيرك...
صمت لوهلة ثم استطرد:
-إنت وعيلتك يا عمرو ناس قلوبكم نضيفه في زمن قلوب الناس بقت مرعبه، انتوا ناس تعرفوا ربنا وعشان كده لو تلاحظ إحنا مش بنكلم أي جيران في الشارع غيركم، ولا لينا علاقه بأي حد إلا أنتوا.
كان عمرو ينظر له مضيقًا جفونه بتركيز ولم يعقب سوى بإماءة خفيفة وابتسامة باردة ونظراتٍ شاردة، فربت كارم على كتفه بابتسامة وأكملا الطريق حتى وصلا لمكان حيوي اختاره كارم ليكون للصالة الرياضية، فتح كارم الباب ودخلا...
وقبل أن يخطو عمرو للداخل ذكر اسم الله الرحمن الرحيم وتمنى أن يتحقق حلمه أخذ يتفحص المكان بنظراته ويتخيله بعدما ينتهي...
أخرجه من شروده رنين هاتفه برقم عامر، فتذكر عائلته والغداء وحفل المولود الجديد كما أن تقى تريد الإطمئنان على والدها أجاب وأخبر عامر أنه ثمة أمر طارئ ولن يأتي ثم أعطى كارم الهاتف وهو يقول:
-تقى عاوزه تتطمن على حضرتك.
ثم أخذ عمرو يتجول بالمكان ويتخيله بعدما ينتهى، وحين وقع بصره على كارم الذي يتحدث عبر الهاتف شرد يفكر في كلماته وأفعاله وكيف كان يتحدث الإنجليزية بطلاقة، ثم أطلق تنهيدة طويلة وأكمل جولته بالمكان...
استغفروا🌸
بقلم آيه شاكر
★★★★
من ناحية أخرى في بيت وئام
وقف «عامر» جوار «تقى» بالشرفة وهي تتحدث مع والدها، رمقها بنظرة سارع لغضها لكنها التقطتها فابتسمت له ثم أعطته الهاتف وهي تشكره، فقال بنبرة تشي بمكنون قلبه:
-مفيش بيننا شكر! أنا دايما هنا يا تقى، ودايمًا جنبك... إنتِ غاليه عليا أوي يا تقى.
حدقا ببعضهما لبرهة، غاص كل منهما بنظرات الأخر، توقف الزمان والمكان فترة حتى انتفض كلاهما وهو يشيح وجهه عن الأخر، اشتدت دقات قلب تقى وارتبكت...
دخلت من الشرفة مسرعة ونادت سراب ليرحلا، سألتها سراب:
-فيه ايه؟ إنت كويسه؟ طيب حصل إيه؟
-مـ... مصدعه و... نسيت المايه في الـ... على الـ...
-ماية ايه؟!
قالتها سراب هامسة فقرصتها تقى بذراعها وقالت:
-يلا نمشي...
ظهرت وئام التي تستند على أختها بتعب، فلازال جرحها حديثًا، قالت:
-مينفعش تمشوا والأكل محطوط.
ورغم محاولة الجميع أن تتناولا الغداء معهم لكنها رفضت وغادرت وهي تنطق كلمات مبعثرة غير مفهومة وتتعذر بأعذار غير محبوكة، وبعد خروجهما من البيت، سألت شيرين:
-البت دي مالها؟ هو أبوها حصله حاجه ولا ايه؟!
نظرت هيام لعامر الذي كان يقف في الشرفة مرتبكًا، يلوم نفسه، فكان يجب أن يغض بصره عنها كما يفعل دائمًا، وبمَ نطق أيضًا؟ ألم يحذر نفسه أن يصبر ويتعفف إلى أن يكون عالمًا مشهورًا ثم يتزوجها...
زفر بقـ ـوة وأخذ يقرض أظافره باضطراب، وانتبه حين سألته هيام:
-إنت قولتلها حاجه؟
-لـ... لأ.
-أومال مالها؟
-معرفش يا هيام...
قالها عامر بنزق ودخل من الشرفة، رفض تناول الغداء هو الأخر وغادر فأيقنت هيام أن هناك أمر بينهما.
ومر اليوم دون أي جديد كلٌ يفكر في شأن....
★★★★★
أطل الصباح وأشرقت شمس اليوم التالي، وقد أسفرت أخبار الجو عن موجة حارة ستدوم ثلاثة أيام...
استيقظ عمرو من نومه وهو ينفج متضجرًا من حرارة الجو، خاصةً حين وجد المروحة مُطفأة، فزفر قائلًا:
-مش عارف والله مين اللي طفى المروحه على الصبح؟
كانا ينامان أرضًا بعدما رفض والده قطعيًا أن يشتري لهما أثاث أخر غير الذي دمـ ـره عامر بآخر اختراع له، أو يفتح لهما أي غرفة أخرى، انقلب على ظهره فرأى عامر قبالته يتوسد ذراعه مستغرقًا في النوم.
تذكر ليلة الأمس مع كارم ولوهلة شعر أنه كان حلم جميل، لكنه انتبه لواقعه الذي سيتغير بالطبع، شرع يفكر في أمر كارم، هل يكتم أمره ويلزمه كظله، يستغله حتى يأخذ ما يريده ويحقق ما يتمنى، أم يحكي لوالده أولًا كل شيء، ووالده يقرر عنه!
سمع صوت عامر يهذي:
-أيوه أنا عامر دياب العالم... أنا عالم... خلاص هتجوز بقا... أنا عالم...
ضحك عمرو، فقد اعتاد على هذيان أخيه بهذا، قال ساخرًا وهو ينهض:
-عالم! يفترش الأرض ويلحس الثرى...
تناهى لسمعه صوت والدته من الخارج:
-صحي يا دياب جوز الفاشلين دول، ابتلاءنا في الدنيا.
قال دياب:
-طفيت عليهم المروحه هتلاقيهم صاحين دلوقتي.
تأوه عمرو وهو يتحسس ظهره الذي آلمه لنومه على الأرض لإسبوع كامل، ثم ابتسم وهو يُطالع أوداته الرياضية _أثقال باختلاف أوزانها_ القابعة في ركن بالغرفة وخاطب حاله بصوت مسموع:
-حلمي هيتحقق...
لمس أدواته البسيطة بابتسامة ثم دخل المرحاض ليتوضأ ويصلي الصبح بعدما فاتته صلاة الفجر عن غير عمد فقد أصبح مواظبًا عليها، كان قد قرر اصلاح صلاته أولًا لتضيء حياته، ولعل عرض كارم هو توفيق من الله وفضل بسبب مواظبته على صلاة الجماعة في أوقاتها ودعواته دبر كل صلاة.
وبعدما أدى الصلاة....
نظر لأخيه الذي لازال يهذي ولكزة بقـ ـوة فانتفض عامر جالسًا، أشار عمرو للغرفة الفارغة وقال:
-عاجبك كده يا حضرة العالم! أدينا نايمين على الأرض...
-ايه يا عم!! حد بيصحي حد من النوم كده؟
-أومال أصحيك ازاي... يلا ياخويا قوم بقا قــــــوم...
قالها عمرو وهو يعبث بوجه عامر ثم نهض ونفخ متضجرًا قبل أن يبدأ تمارينه الرياضية...
اعتدل عامر جالسًا بخمول وهو يتذكر تقى وما قاله لها بالأمس، أنب حاله لنظره لها هكذا ثم رمق عمرو بنظرة مطولة قبل أن ينهض ويدخل المرحاض...
صلوا على خير الأنام ♥️
********
عواء صاخب يخترق أذنها، ثم ترى خروفًا يقف داخل شقة، يُفتح بابها فجأة فيدخل منه مجموعة ذئاب يجذب أحدهم الخروف وكأنه مغناطيس يجره جرًا للخارج والخروف مستسلم تمامًا ثم يُغلق الباب، ويصدر صوت عواء صاخب مجددًا...
استيقظت «تقى» من نومها لاهثة، فقد تكرر ذلك الكابوس للمرة الثالثة خلال إسبوع، رأته قبل أعوام قبل مـ ـوت والدتها كانت طفلة آنذاك في عمر الثانية عشر، وها هو يتكرر! فهل ستفقد أحدًا!!
لم تفكر في أي شيء قبل نومها سوى بعامر وما قاله لها وكلماته المباغتة التي هزت شيئًا بداخلها، هزت رأسها بعنـ ـف لتنفض الأفكار من رأسها ونهضت وهي تستعيذ بالله وتردد دعاء:
-الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور.
وبعد فترة حول المائدة
جلست «سراب» تتناول الإفطار معهما على غير عادتها، فقال كارم بمرح:
-هو النهارده العيد ولا إيه يا بت يا تقى؟
قالت تقى بشرود:
-لا النهارده السبت يا بابا.
ضحك كارم وقال ساخرًا:
-أصل سراب مش بتفطر معانا إلا يوم العيد.
كانت سراب تبدل نظراتها بينهما وهي تأكل، ثم قالت:
-طيب يا جدو بالمناسبه السعيده دي ممكن أسألك سؤال؟
تجهم كارم وتنهد بعمق فهو يعلم جدالها المتكرر وسؤالها عن عائلة والدها، تردد أن يوافق على سؤالها لكنه أومأ موافقًا بقلة حيلة، فقالت:
-هو الله يرحمه بابا كان مقطوع من شجره؟ يعني مفيش قريب كده ولا كده...
أجاب بهدوء:
-لا كان ليه أخوات بس كل واحد مشغول في دنيته وناس مش شبهنا، مش كويسين، أحسنلك متعرفهمش.
-طيب يعني اسمهم ايه وعايشين فين؟ أعمام ولا عمات ولا أعمام وعمات، يعني من باب صلة الرحم يعني... ولا ايه يا تقى؟
قالتها سراب وهي تنظر لتقى الشاردة كانت تفكر بكابوس الأمس وكلمات عامر أيضًا، نادتها سراب مجددًا، فنطقت:
-هه... آه... أيوه صح.
سأل كارم تقى:
-مالك يا تقى سرحانه كده ومش على بعضك من امبارح؟
هزت تقى رأسها وقالت:
-لا لا مفيش حاجه، آآ... أنا بس جاتلي فكرة تصميم جديد.
تجاهلها سراب وخاطبت كارك:
-متغيرش الموضوع يا جدو... ليه كل ما أسألك تهرب مني، قولي اسم أعمامي.
-معرفش يا سراب، معرفش حاجه عنهم ولا اسمهم واقفلي بقا على الموضوع ده... احنا عيلتك وبس... خلص الكلام.
قالها كارم وترك الطعام ونهض ليدخل غرفته، فخاطبت سراب تقى:
-هو ماله جدو بيتعصب كدا ليه كل ما أسأله عن أعمامي؟
كانت تقى شاردة فلم ترد، نادتها سراب:
-تقى!
-هه، نعم؟
-أنعم الله عليكِ ياختي... إنتِ مش طبيعية!
قالتها سراب محدقة بتقى التي تجاهلتها ونهضت فتحت درج مكتبها، سحبت دفترها وقلمها لترسم تصميم جديد، وهي تقول:
-معلش يا سراب ابقي شيلي الأكل.
فعلت سراب ثم ارتدت حجابها ووقفت في شرفتها تفكر في عائلتها، بالطبع هناك أمر جلل وراء عائلة والدها، وستعلم ماهيته عاجلًا أم آجل، ما ضاع أمر وراءه باحث، وستعلم أين عائلتها يومًا ما.
أخرجها من دوامة أفكارها وثبات عمرو بالشرفة قبالتها، اشرئبت قليلًا ليلتقطه بصرها وهو يلعب التمارين الرياضية، ابتسمت وأخذت تراقبه وتحاول تقليد حركاته الرياضية، ووثباته لكنها لم تفلح في أي محاولة فنادته، وقد اشتاقت لاستفزازه، قالت بسماجة:
-لم يعجبني.
رمقها بنظرة خاطفة وتجاهل قولها وهو يكمل تمارينه فضحكت وقالت:
-قرد ياخواتي.
قال وهو يثب، ويلهث:
-ادخلي جوه يا سراب.
قالت باستفزاز:
-أنا واقفه في بلكونتنا...
نفخ بضجر وأسدل ستائر الشرفة وعاد يُكمل تمارينه، وهي ترى طيفه من خلف الستار وتبتسم وتحدث حالها:
-مفتول العضلات لكن للأسف إنسان لا يُطاق، جتك القرف في حلاوتك على الصبح...
لا تعلم لمَ أضحى يعاملها برسمية ولا يتعمد اثارة غيظها كالسابق؟ فقد أصبحت حياتها مملة كثيرًا حتى عمرو تغير معها...
وفي زاوية ما بإحدى الشرفات العالية وقفت نفس السيدة الخمسينية تتابع ما يجري بين عمرو وسراب بابتسامة ماكرة، أومأت رأسها عدة مرات بتفهم، ستستخدم هذا الموضوع في مجلسها القادم مع نساء الشارع...
عادت سراب للداخل، فرأت جدها يرتدي ثياب للخروج، ويجلس جوار تقى يتابع رسمها، وتقى في وادٍ أخر تصب كل تركيزها في رسم التصميم علها تنتشل نفسها من التفكير في هذا الكابوس وأيضًا نظرات عامر البارحة، منامٌ مؤرق وواقع مرهق...
نظرت سراب لفستان الزفاف الذي ترسمه تقى، ثم طالعت جدها لبرهة قبل أن تفصح عما تفكر به:
-أنا عايزه أقولك حاجه يا حجوج بس بالله عليك توعدني إنك تقف جنبي.
نهض الجد ووقف جوارها، فعادت للخلف خطوتين خشية أن يمد يده عليها، لكنه عقد ذراعيه أمام صدره ووقف صامتًا ومبتسمًا، فسألته بتوجس:
-إيه يا جدو؟!
قال مازحًا:
-وقفت جنبك أهوه...
ضحكت تقى بصخب وقالت:
-سكر، بابا كارم ده حتة سكره والله.
عدل كارم ياقته وهو يقول:
-بجد يا بت يا تقى دمي خفيف.
-شربات يا بابا شربات.
ضحك كارم وكذالك تقى جلجلت ضحكاتها وهي تدخل غرفتها لترتدي ثيابها وتخرج للعمل، فطالع كارم وجه سراب التي تبدل نظرها بينهما بملامح جامدة، وحمحم قائلًا بجدية:
-ها يا سراب عاوزه ايه يا قلب جدك؟
حاولت استعطافه بنبرتها الحزينة وهي تقول:
-جايلي شغل وفلوسه حلوه اوي يا جدو.
صاح بحزم:
-يوووه... كوافيره لأ يا سراب انسي.
حاولت مرواغته فقالت بوداعة:
-ليه بس يا حبيبي هاخدك معايا، أو بص مش هتأخر، دي فرصه حلوه اوي يا حجوج وهتجيبلنا فلوس حلوه.
اتجه كارم نحو باب الشقة متجاهلًا كلامها، فقالت:
-رايح فين يا جدو؟
-خارج... وإنتِ انسى وركزي في دراستك.
فتح الباب فنادته تقى أن ينتظرها، بينما صاحت سراب:
-يا جدو احنا في الأجازه.
-يبقا ركزي في الأجازة وإن شاء الله نشوفلك عريس قريب.
دبدبت بقدميها في الأرض وهي تصيح:
-يوه بقا...
-لما تتجوزي ابقي اشتغلي يا سراب ان شالله تشتغلي رقاصه.
قالها الجد وصفع الباب خلف ظهره بعدما خرجت تقى، وجلست سراب على المقعد متجهمة الوجه بائسة...
بقلم آيه شاكر
استغفروا 🌸
★★★★★
في مصنع للملابس أو بالأحرى شقة واسعة تضم أربعة غرف الأولى غرفة لقسم سيدات والثانية لقسم أطفال والثالثة لقسم رجال والأخيره قسم فساتين الزفاف، جلست هيام على المكتب وهي تمسك ورقة وقلم ترسم تصميم جديد وفريد لملابس الأطفال، حتى سمعت صوت تقى تدخل مع كارم الذي أخذ يتجول في المكان ويقلب نظراته بين الملابس المُفصلة بإعجاب، ثم قال:
-والله شغل عالي، إنتوا مكانكم مش هنا إنتوا دافنين نفسكم ليه! انتوا لازم تكبروا.
-ما احنا بنعمل اعلانات في كل مكان بس للأسف عشان نكبر محتاجين تمويل وفلوس كتير يا عمي كارم.
-وأنا مستعد أساعدكم بالفلوس والأفكار والمكان والعمال كمان، لكن ليا شرط واحد.
وكان شرطه أن تكون تقى شريكة معهم، فرحبت هيام بالفكرة لكن أخبرته أن يتنظرها حتى تأخذ رأي محمد زوجها....
★★★★★
تطايرت الأيام كعادتها، ومرت الأشهر تباعًا...
ظل «عمرو» يخفي ما يخفيه داخل قلبه، وانشغل بتجهيز الصالة الرياضية، ولم يغفل عن التفكير في شأن كارم، لطلما تسائل كثيرًا ما طبيعة شغل هذا الرجل وما سره، حتى والده «دياب» أخبره أن قلبه غير مطمئن لهذا الرجل، لكن الشك وحده لا يكفي للحكم على أحد، وإن بعض الظن إثم.
★ساعد «كارم» عمرو حتى أتم تجهيز الصالة على أكمل وجه، وكتب كل شيء بالمناصفه بينه وبين سراب، وأعطى المكان اسم «عن تراضٍ» ولم يدرِ عمرو لمَ فعل ذلك؟ لكن كثيرًا ما كان يوصيه كارم على سراب وتقى، وأن ما فعله له مقابله أن يأخذ بأيديهما في المستقبل، وأن يساعدهما إن حدث له شيء...
★تطور شغل هيام وساعدهم كارم أيضًا بأفكارٍ جديدة وكأنه ذا خبرة مسبقة بهذا المجال! فتحوا محلات لعرض بضائعهم وتصاميمهم كما فتحوا محل للأقمشة وأطلق كارم على كل المحلات اسم «عن تراضٍ»
وكان كل شيء مقابل أن تكون تقى الشريكة الأكثر حصة في كل شيء، كما ساعد رائد وعامر في فتح سنتر للدروس الخصوصية وبه مكان شاغر ينتظر سراب وتقى يومًا ما كما أنهما لهما حصة من الأموال بنهاية كل شهر...
تعجب الجميع وصاروا يتسائلون من أين له كل هذه الأموال؟ فقرر الإجابة قبل أن يسأله أحد، موضحًا أنه ميراث والدته من خاله المتوفى وقد وصل إليه، اقتنعوا جميعًا إلا عمرو الذي ظل الشك ينهش داخله...
★تولى نادر أمر الترويج لبضائعهم بعدما لقى فيلمه الأول شهرة واسعة في فترة بسيطة وتخطى متابعيه على تطبيقات التواصل الإجتماعي المليون...
صلوا على خير الأنام ❤️
★★★★
في منتصف يناير...
دوى آذان الظهر في الأرجاء بينما غطى الغمام أشعة الشمس، وحجبها أن تصل للأرض، ران السكون على الشارع، وقطرات المطر تلمس الأرض كالدمع...
وقفت سراب ترتدي منامتها الشتوية وتمسك بيدها منديلًا ورقيًا تمسح أنفها كل فترة، وتعطس وتسعل بينما كانت تحاول إقناع جدها بأمر ما، قالت:
-يا جدو أنا جايلي شغل حلو أوي بالله عليك مش عايزه أروح من وراك اسمحلي أروح.
-قولت لأ... وبعدين هو أنا مش فتحتلك چيم روحي شغلك.
-احنا مقسمين اليوم فترتين، فتره مسائيه للرجاله وفتره صباحية للستات.
-واحنا في الفتره الصباحيه روحي شغلك وتابعي.
-بصراحه بقا يا جدو أنا مش فاهمه حاجه في شغل الچيم ده، ومش بطيق الواد عمرو كمان... اسمعني بس يا حبيبي هما ساعتين أروح للعروسه وأرجعلك.
-قومي من قدامي يا سراب.
-بص بقا يا جدو قدامك خيارين يا تقولي أهل أبويا فين، يا تسيبني بقا أروح أشوف حالي ومحتالي.
ظنت أنها أحرزت هدفها ولكنه قذفها بوسادة جواره، فتأوهت ونهضت وهي تقول:
-أنا زهقت بقا اشمعنا تقى تشتغل الحاجه اللي بتحبها وأنا لأ... دا بدل ما تساعدني وتفتحلي صالون تجميل بتكسـ ـر معنوياتي...
-عايزاني أفتحلك كوافير دا على جثـ ـتي يا سراب.
دبدبت سراب بقدميها وهي تنفخ بضجر ثم ركضت صوب غرفتها ارتدت ثيابها، حجاب أسود ومعطف طويل باللون الأبيض، وحذاء أسود وحقيبة سوداء، وكأنها فعلت لتلائم الجو الشتوي، وقبل أن تخرج سألها:
-على فين؟!
-على الزفت الچيم.
قالتها بضجر، وفتحت الباب فأوقفها صوته:
-لو سمعت إنك روحتِ الشغل إياه يا سراب وكسرتِ كلمتي هزعلك مني جامد.
-مش هروح يا جدو... بس هروح أصور ورق خاص بالكليه.
قالتها بنبرة هادئة منكسـ ـرة، وخرجت، التقت مع عمرو الذي خرج من بيته يسير في هدوء وتؤدة تُعجبها أحيانًا، لكنها رمقته بازدراء زائف ورفعت ذقنها لأعلى بغرور وهي تسير، فاقترب منها وهو يقول:
-الناس بتقول صباح الخير، سلام عليكم...
قاطعته متضجرة:
-عايزه ايه إنت كمان!
صمت هنيهة وسار جوارها يحذو حذو خطواتها وهو يقول:
-اتكلمي عدل يا سراب أعتقد عيب أوي كده احنا في الشارع...
-عايز ايه يا عمرو على الصبح أنا مش طايقه نفسي أصلًا!
-مالك؟
-متتدخلش فيما لا يُعنيك.
-طيب رايحه فين؟
رمته بنظرة ثاقبة، فقال بابتسامة:
-طيب خلاص أنا بطمن عليكِ يا ستي مش أكتر.
-ولاه! مالك كده مش طبيعي ليه! ما تتكلم عدل وارجع لطبيعتك.
-أي طبيعة دي؟
قالها عمرو بابتسامة هادئة، فتأففت سراب وأسرعت خطاها، وقف هو لبرهة يبتسم ثم أكمل طريقه، يعلم أنها متبرمة من تغيره ولكنه أدرك أن هدوءه يستفزها أكثر من حديثه فغير أسلوبه معها.
وصلت سراب أمام الصالة الرياضية ووقف تُطالع اسمها لبرهة «عن تراضٍ»، لا تدري لمَ أصر جدها على هذا الاسم!
دلفت للداخل فرأت نداء تساعد تلاث من الفتيات للتدرب على الآلات الرياضية، فابتسمت لها وحيتها بإماءة خفيفة وردت عليها نداء بإماءه وابتسامة واسعة...
جلست سراب تتابعها لدقائق ثم خرجت من المكان...
نظرت نداء لمكان سراب الفارغ وشردت تفكر في حال هذه الفتاة غريبة الأطوار، وتتسائل ما الذي حل بها مجددًا، وهل تفكر في مصيبة أخرى؟!
جالت نظرات نداء بالمكان، تنهدت بعمق وهي تتذكر كيف عرض عليها عمرو ذلك العمل فتقبلته بحبور وترحاب، ودربها عليه لأسبوع وها هي تكرس جزء من وقتها للعمل لكنها خائفة، وتخشي أن تقصر في بيتها...
مر الوقت وانتهت ساعات عملها، عادت نداء لبيتها فقابلتها رائحة دجاج مشوي يعبق بها البيت، لا ريب أن رائد أعده بنفسه، فقد عمل بمطعم خاله في لندن لأعوام وأصبح طباخ ماهرًا، كان واقفًا يكشف الوعاء ليتذوق ما أعده وهو شارد يفكر كيف يقنع نداء أن تترك هذا العمل وتتفرغ لبيتها...
دخلت المطبخ وهي تقول:
-أحلى شيف في المجرة...
هش وابتسم وهو يقول:
-حمد الله على السلامه يا حبيبتي.
-الله يسلمك، معلش بقا تعبناك معانا...
-لا تعب ولا حاجه أنا بحب كده... يارب يعجبكم.
شعرت بتغير نظراته لها، فقالت على استحياء:
-احم... لو مضايق من شغلي يا رائد قولي وأنا أتصرف يعني...
قاطعها بابتسامة مصطنعة:
-وإيه اللي هيضايقني يا بنت الناس... اعملي الحاجه اللي بتحبها يا نداء، وأنا هنا جنبك... يعني اللي يقدر على حاجه يعملها...
لا يعلم كيف نطق بهذا! ألم يكن يرتب كيف سيقنعها بالعدول عن هذا العمل! ربما شعر بحزن نبرتها وهي تحدثه فلم يرد أن يطفأ حمـ ـاسها...
وقفت جواره شارة تُطالع الفراغ أمامها فأطعمها قطعة من اللحم بفمها، مضغتها وقالت بلتذذ:
-حلوه جدًا، عايزه أعرف إيه سر الحلاوة دي؟
غطى الوعاء وهو يقول بغرور زائف:
-الطبيخ دا نفس يابنتي... وإنتِ تعرفي تعملي زيي أصلًا!
ضحكت وقالت:
-ماشي...
★★★★
وعند سراب أخذت تتجول بالمدينة وحدها، انتهت من تصوير أوراق خاصة بدراستها ثم سارت بمفردها تتأمل الطرقات وتفكر، ترى الدنيا من منظورها الضيق، لا تدري لمَ يضيقها عليها جدها بتلك الطريقة!
جلست على مقعد حجري بمفردها تتأمل الأفق وتزفر بقلة حيلة، هي عنيدة جدًا تفعل ما تريد ولن تقلع عن حلمها بتلك السهولة....
الحلم كباللون إن أمسكت بحباله حلق فوقك ولك، وظل بين يديك وإن أفلتت حبل البالون سيحلق بعيدًا عنك وقد لا يصل ليدك مجددًا والنجاح يحتاج إلى صبر واجتهاد وعليها أن تتسلح بالصبر وتكمل طريقها ولكن إن كان طريقها من البداية، ألم تعلم أن بعض الأحلام والأماني إن تحققت، لن تكون سوى ابتلاء وبلاء؟!
التفتت جوارها فوجدت فتاة في مثل عمرها، ترتدي حجاب قصير وتضع على وجهها مساحيق تجميل تُظهر فتنة ملامحها ويصورها شاب، شعرت أنها تعرفه وما أن التفت وتبينت ملامحه وهو يبتسم ويحدق بشاشة الهاتف، زفرت ضحكة ساخرة وأصرخت السمع حين قالت الفتاة:
-اظبط الصوره دي بقا يا نادر عشان هنزلها على صفحتي، نفسي أتشهر بقا زيك...
رد نادر:
-حاضر يا قلب نادر.
قال قلب نادر! أيعني هذا أن بينهما قصة حب! تغير كثيرًا بعدما ذاق الشُهرة، نظرت سراب أمامها وجملة الفتاة تتردد برأسها فأعطتها فكرة، خاطبت نفسها بصوت مسموع وبحمـ ـاس:
-فكره حلوه جدًا أنا لازم أحط صورتي على البيدج عشان يعرفوا إني ميكب أرتست شاطره.
أخرجت من حقيبتها مرآة ثم أدوات التجميل خاصتها وقبل أن تشرع في تزيين بشرتها حانت منها التفاتة نحوهما، وأبصرت سعادة الفتاة برفقة نادر، حقًا ما لا يعجبك قد يكون كنز ثمين لغيرك!
أخذت تتابع ابتسامتهما ونظراتهما وحركاتهما المرحة، لكنها أنكرت ذلك فرغم ما بحياتها من تساهلات إلا أن جدها رسخ في عقلها مبادئ ثابته، بأنه لا تصح علاقة حب بين شاب وفتاة إلا برباطٍ عفيف، ونقى؛ ليدوم ولا ينقطع بمنتصف الطريق، ذكرتها ملامح الفتاة بـ هند فتلاشت ابتسامتها لكنها انسجمت معهما وظلت تتابعهما حتى لاحظت إشارة الفتاة لنادر نحو سراب التي تحملق بهما فتجلت الصدمة على ملامح نادر وولتهم سراب ظهرها، وهي تلملم حاجياتها بارتباك لتغادر المكان ولكن سمعت صوت ناعم:
-ازيك؟... لقيتك بتبصيلي أوي! إنتِ تعرفيني؟
ابتلعت سراب لعابها وقالت بتوتر:
-لـ... لأ... ملامحك مألوفة فكنت بشبه عليكِ...
قالت الفتاة:
-وإنتِ كمان انا حاسه إني أعرفك، أنا سارا، وإنتِ؟
صافحتها سراب وقالت بابتسامة لطيفة:
-وأنا سراب.
تعارفا فتبين أنهم بنفس العمر وقد تكونا تقابلتا في إحدى الدروس يومًا ما، وحاولت كثيرًا أن تأخذ سراب في نزهة معهما لكنها أصرت على الرفض وانتهى اللقاء بتبادل أرقام الهواتف ثم رحلت الفتاة وأخذت سراب ترمق نادر بابتسامة واسعة متخابثة، بينما كانت نظرات نادر تتقلب بارتباك بالطبع يخشى أن تخبر سراب أخته نداء...
لوحت لها سارا من بعيد حتى ركبا سيارتهما.
انشغلت سراب بأدوات التجميل، طفقت تضع على وجهها المساحيق التي يمنعها جدها من وضعها، وبعدما انتهت، طالعت انعكاس صورتها في المرآة برضى، ثم التقطت لنفسها صورة ولأول مرة بحياتها قررت أن ترفعها على تطبيقات التواصل الإجتماعي غير آبهة لأي عواقب ومطمئنة أن جدها لا يفهم بتطبيقات التواصل الاجتماعي فلن يراها ولكن...
-إوعي تعملي كده متبقيش حماره!
التفتت خلفها تنظر لصاحب هذا الصوت المألوف، هو نفسه الرجل صاحب جملة:
«متروحيش يا حماره»
حدقت بالأفق بصدمة وهي تسمع قوله:
-لو عملتِ كده هتجيبي لنفسك وجع الدماغ وإنتِ مش ناقصه!
فغرت فاها وظلت تستمع لباقي حديثه وهو يقول:
-امسحي وشك واستعيذي بالله من الشيطان.
أخرجت منديلًا ورقيًا وأخذت تمسح وجهها وهي تستعيذ بالله سبحانه، وقالت:
-أكيد إشارة، أنا فهمت.
نهضت واقفة واقتربت من الرجل الذي يتحدث عبر الهاتف وقالت:
-أنا بقتنع برأيك جدًا، عشان كده المره دي هسمع الكلام من غير عناد المره اللي فاتت مسمعتش الكلام وحصلتلي مشاكل.
نظر الرجل خلفه ثم عاد ينظر إليها وقال وهو يشير لنفسه:
-بتكلميني أنا؟ هو إنتِ تعرفيني؟
-هو إنت مش فاكرني؟ أنا البنت اللي قولتلها... متروحيش يا حماره...
قالت الجمله الأخيرة وهي تقلد نبرة صوته الغاضبة آنذاك، ففتح الرجل فمه وهو يحدق بها باستغراب! بالطبع يشعر أنها مجنونة!
رمقها الرجل من أعلى لأسفل وتحدث عبر الهاتف:
-لأ لا معاكِ يا حبيبتي دي واحده فاكراني حد تاني...
تركها تحك رأسها من فوق حجابها وهي تخاطب نفسها:
-ايه الهـ ـبل اللي أنا عملته ده!
رفعت يدها لتناديه وتعتذر منه لتخبره أنها عاقلة لكنها اندفعت ليس إلا، لكنها تراجعت وقررت العودة لبيتها...
استغفروا🌸
«لا تنسوا الدعاء لإخواننا في فلسـ ـطين🌸
★★★★★
وفي مصنع للملابس يحمل اسم «عن تراضٍ» جلست تقى على مكتبها كان رأسها يؤلمها، تشعر بوخزات عنيـ ـفة داخله، فقد أضناها الأرق، تخشى أن تنام فترى ذلك المنام الذي يتكرر كثيرًا وما يرهقها أن والدها يسعى جاهدًا ليؤمن لهم المستقبل وكأنه سيرحل في وقت قريب، باغتتها الدموع، تنفر من مقلتيها فالتقطت منديلًا ورقيًا تجفف به وجهها ثم تنفست بعمق، ونهضت لتذهب لبيتها وترتاح قليلًا، لترى والدها وتعانقه، تغوص بين أضلعه علها تطمئن وتنام على صدره.
عادت تقى من العمل بعد صلاة العصر، قرعت جرس الباب مرة تلو الأخرى فلم يفتح أحد، طلبت رقم والدها كثيرًا لكن الهاتف خارج النطاق، طلبت رقم سراب فأخبرتها أنها نسيت مفتاحها بالبيت هي الأخرى وأنها ستأتي فقط مسافة الطريق، وحين سألتها تقى عن كارم أجابت بأنها لا تدري فقد تركته في البيت قبل أن تخرج...
تنفست «تقى» بعمق وداخلها يختلج، وأنفاسها ثقلت فجأة وهي تتذكر الكابوس المتكرر، طلبت رقم والدها مجددًا لكنه خارج النطاق! تشنجت ملامحها وانهمرت دموعها، ومن حلقها تخرج عدة شهقات لا إرادية، هدأت حالها وتنفست بعمق وهي تمسح وجهها....
حاولت انتشال نفسها من بؤرة تلك الأفكار السلبية التي طغت عليها فتواجهت لبيت دياب قاصدة شقة ريم، فلن تذهب لنداء حياء من وجود رائد كما أنها تتجنب لقاء عامر منذ فترة طويلة، وإن رأته تتظاهر بلامبالاة ولا ترمقه ولو بطرف عينها...
وعند بوابة البيت كان عامر سيخرج في حين كانت ستدخل فاصطدمت نظراتهما وتلاقت فأزاحت بصرها عنه على استحياء، ابتسم عامر وحياها ثم سألها:
-جايه عندنا؟
-آآ... أيوه لأ آآ قصدي طالعه عند أبله ريم.
قالتها بسرعة، فابتسم وقال:
-أبله ريم راحت عند عمتي فاطمه مامتها بيقولوا تعبانه.
-آآ... ألف سلامه عليها... طيب... آآ... أنا هرجع البيت بقا.
تذكرت أن والدها ليس بالبيت والمفتاح ليس معها فعادت لتجده واقف في مكانه يمسح زجاج نظارته، قالت:
-بابا مش هنا ولا سراب وأنا معيش مفتاح فهطلع بقا أقعد شويه مع طنط شيرين.
-يا نهار أبيض دا إنتِ تنوري البيت يا تقى...آآ... اتفضلي...
قالها وهو يرتدي نظارته بيد ويشير بالأخرى نحو باب بيتهم، فتنفست تقى بعمق ودخلت للبيت، في حين نظر عامر لأثرها والإبتسامة عالقة على شفتيه ثم توجه لعمله بسنتر الدروس...
★★★★★
ركبت سراب سيارة أجرة «ميكروباص» وجلست جوار النافذة تتأمل الطريق والمارة فلم تنطلق السيارة بعد...
رأت شابًا يسند والدته بلهفة وحب، وأخر غاضب من فتاة تسير جواره، ومُسن يحمل أكياس وأخر يحمل أوراق تحاليل وأشعة وأخرون، كلٌ يلهى في ناديه، وكلٌ له رواية وحكاية...
انتبهت من خضم أفكارها على صوت:
-ألاه!! هو إنتِ! المتكبره بنفسها راكبه جنبي! اللي بتبقي ماشيه في الشارع باصه قدامها ومش طايقه حد والسلام بتقوله من تحت ضرسها... راكبه جنبي أني!
التفتت لها سراب وسألتها:
-هو حضرتك تعرفيني؟!
وكانت نفس السيدة الخمسينية التي تسكن في شارعهم وتتابعهم منذ فترة، قالت:
-أنا جارتك اللي ساكنه على أول الشارع إنتِ مش عارفاني! دا أنا بتكلم عليكِ كل يوم مع ستات الشارع.
ظنتها تمازحها، فضحكت وهي تقول:
-بالخير طبعًا!! بتتكلمي عني بالخير؟
-خير ايه! دا إنتِ محدش بيطيقك في الشارع كله! ما إنتِ برده غلطانه لا بتقعدي معانا ولا بتحكيلنا عن خصوصياتك هنتكلم عنك بالخير ازاي!!!
تنحنحت سراب بخفوت وقالت بابتسامة وهي تصر على أسنانها بغيظ:
-عجباني أوي صراحتك... على العموم أهلًا بيكِ فرصه سعيده أوي أوي.
اتسعت ابتسامة السيدة كما اتسعت حدقتيها وهي تقول بذهول:
-إنتِ بتقولي أهلًا بيكِ! وفرصه سعيده! ما إنتِ بتتكلمي عادي زينا أهوه... دا إنتي طلعتي متواضعه أوي، أنا مبهوره...
نظرت سراب للجهة الأخرى وهمست لنفسها:
-يارب الطريق يعدي بسرعه...
قالت السيدة وهي تربت على كتف سراب:
-منوره يا متواضعه.
قالت سراب بابتسامة باردة:
-حقيقي حضرتك اللي منوره العربيه كلها...
-ألاه!!! إيه ده التواضع دا كله! اللـــه أكــــبــر...
قالتها السيدة وهي ترفع يديها لأعلى مما أثار انتباه الرُكاب، رمتها سراب بنظرة متعجبة وكانت السيدة تضع إحدى أصابعها في وعاء به عسل نحل، مدت إصبعها لسراب وهي تقول:
-بما إنك طلعتِ متواضعه ومش شايفه نفسك لازم تدوقي العسل ده من ايدي.
عادت سراب برأسها للخلف بذهول مغلف بالقلق وهي تردد بانفعال:
-لا لا استني أنا فعلًا شايفه نفسي حضرتك اللي فهمتي غلط.
غضنت السيده حاجبيها وهي تقول بتبرم:
-دا كلام!!! لا والله لتدوقي العسل دا من ايدي يلا متتكسفيش...
هدرت بها سراب:
-إيه يا ستي!! إنتِ هتدخلي إيدك في بوقي.
قالت السيده بإصرار:
-دوقي بس يا متواضعه.
-يا ستي مش عايزه...
-افتحي بوقك يا متواضعه وإلا هأكلك بالعافيه!
-يا ستي أنا لا متواضعه ولا نيله... ابعدي ايدك دي...
قالتها سراب وهي تدفع يد السيدة بعدما سقط من اصبعها قطرة عسل على ملابسها، لعقت السيده إصبعها ثم قالت:
-إياكِ تقولي على نفسك كده.
-يا حجه نفسي وأنا حره أقول اللي أنا عايزاه...
قالتها سراب وتأففت وهي تقلب نظرها بالسيارة، ونظرات الرُكاب وهمساتهم جذبت انتباهها...
طالعت سراب الطريق وكلما نظرت للسيده وجدتها تحدق بها بابتسامة واسعة، فعدلت من حقيبتها وهي تقول بضجر:
-لا إله إلا الله.
-محمد رسول الله.
قالتها السيده بابتسامة، وانشغلتا تفتح وعاء العسل تضع اصبعها به وتلعقه وتكرر فطالعتها سراب بتقزز، وصاحت:
-على جنب ياسطي... نزلني.
توقف السائق ونهضت سراب، قالت للسيدة:
-عديني يا ست الكل.
تظاهرت السيده بأنها لم تسمع ونظرت أمامها، فكررت سراب:
-يا ست الكل عديني.
لم تلتفت لها السيدة، فهزتها سراب من كتفها برفق وهي تضغط على كلماتها قائلة:
-عايزه أنزل.
هدرت السيدة منفعله:
-هو ايه ديه! أنا مش هتحرك من مكاني إلا لما أوصل.
قال السائق:
-يلا يا جماعه حد هينزل ولا أتحرك.
-لأ محدش نازل اطلع يا سواق.
قالتها السيدة، فصاحت سراب:
-إيه ده! استنى أنا هنزل ياسطا... يا ست إنت عديني...
-أنا مش هتحرك ركبي وجعاني لو مصممه ممكن تنطي من الشباك.
قالتها السيدة فتدخل راكب بالجوار:
-يا ستي عديها مينفعش كده.
هدرت به السيدة:
-لو سمحت متتدخلش بيننا يا أستاذ.
نطقت سراب بتبرم:
-لا إله إلا الله.
ردت السيدة بابتسامة:
-محمد رسول الله...
سأل السائق مرة أخرى متضجرًا:
-حد نازل؟!
-أيووووه.
قالتها سراب وحاولت الوثب، وتخطي السيدة دون أن تُحركها، وأخذت السيدة تعاندها وتسد الطريق، وسراب تهدر بها أن تفسح الطريق لكن أبت السيدة أن تفعل...
ندت من سراب صرخة خافتة، أجفلت على إثرها السيدة وبخاصة حين طالعتها سراب بأعين متسعة وهي تزم شفتيها...
#يتبع
ست مستفزه جدًا أنا عارفه بس ليها دور
تكملة الرواية من هنااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا