القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية عن تراض الفصل السابع 7بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)

 رواية عن تراض الفصل السابع 7بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)




رواية عن تراض الفصل السابع 7بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)


(٧) #رواية_عن_تراضٍ

جلست «سراب» ودموعها تنهمر تراقب «تقى» التي تنتفض من الحمى، رمقتها شيرين وقالت: 

-بطلي عياط بقا يا سراب، اهدي شويه.

-قلقانه عليها أوي يا طنط شيرين... دي عمرها ما تعبت، هي اللي دائمًا تقعد جنبي لما أتعب، وهي الحاجه الوحيده اللي باقيه ليا.


نطقت تقى بنبرة مرتعشة واهنة:

-أنا كويسه يا سراب.


ربتت شيرين على يد تقى وقالت بحنو:

-أيوه يا حبيبتي إنتِ كويسه، وعامر زمانه جاي بالدواء...

ثم نظرت لسراب وسألتها:

-معقوله معندكوش هنا أي خافض حراره يا سراب؟


-معرفش حاجه... هي اللي عارفه...

قالتها «سراب» وهي تشير لتقى، حاولت شيرين انتشال سراب من تلك البؤرة، فقالت:

-قومي يا سراب، قومي دوري هنا ولا هنا على خافض حراره.


نطقت «تقى» التي كانت تنصت إليهما مغمضة العينين في تعب شديد:

-هتلاقيه في درج من الأدراج يا سراب، ومتعيطيش أنا كويسه.


أومأت «سراب» ونهضت بأوصالٍ ترتجف قلقًا، حتى قلبها كان يختلج خلف أضلعها، أخذت تبحث بالأدراج بأيدٍ مرتعشة، لم تجد شيئًا، فعادت لشيرين وقالت:

-ملقتش! أنزل أجيب من الصيدليه لو عامر هيتأخر!


قالت شيرين:

-لأ متنزليش أنا هتصرف.


أمسكت شيرين هاتفها وطلب رقم عامر فلم يجب، فطلبت رقم عمرو وسرعان ما أجابها...


وبعد فترة 


قُرع جرس الباب فهرعت سراب تفتحه، ظهر خلفه عمرو، اقتنص نظرة سريعة لوجهها فأبصر أثر الدموع عالق بأهداب جفونها، مد يده بكيس وحمحم قبل أن ينطق:

-اديه لماما...


قالت باقتضاب:

-ادخل اديهولها.


دلف للداخل ينادي والدته بينما كانت «تقى» ممددة على فراشها تأن ألمًا، وقف أمام الغرفه فنادته شيرين أن يدخل بعد أن دثرت تقى جيدًا وألبستها حجابها، غض بصره عنها وطالع وجه والدته وهو يقول: 

-أنا... أنا جيبتلك الترمومتر يا ماما وخافض حراره... هي تعبانه أوي ولا ايه؟


-مش عارفه يا عمرو شكلنا هنحتاج نوديها مستشفى ولا ايه!


نطقت تقى بوهن وبكلمات مرتعشة:

-لا مستشفى لا...


رمقها عمرو سريعًا ثم نظر لوالدته وقال بجدية:

-بصي يا ماما... إديها خافض الحراره، تمام؟ وبعدين حطوها تحت المايه، علاج ارتفاع الحراره مايه...


نطقت تقى:

-مايه لأ، لأ أنا بردانه...


أخذته والدته من يده واتجهت لتقى وهي تقول:

-معلش يا تقى، قومي يا حبيبتي خدي الدوا، الحراره دي لازم تنزل.


وقفت سراب تطبق يدها على فمها وتتابعهما، فخاطبها عمرو باقتضاب:

-هاتي مايه...


قالت سراب باضطراب:

-مايه لإيه؟ هنقعدها فيها؟


لم يستطع عمرو كبح ضحكة باغتته، ثم قال وهو يكظمها:

-مايه للشرب عشان تاخد العلاج.


قالها عمرو وخرج من الغرفة بينما هرولت سراب للمطبخ وسرعان ما عادت بكوب الماء بيد ترتعش، أشفق عليها عمرو، فاعترض طريقها، قال دون أن ينظر إليها:

-اهدي، تقى مفهاش حاجه، دي شويه حراره.


طافت بنظراتها على ملامحه في صمت، رفع بصره فجأة فغُرست عينيه بعينيها، ارتبكت وتصاعدت الد**ماء لوجنتيها، أطرقت لبرهة فقد شعرت بالحياء وأفزعها ذلك الشعور، ضغطت على أسنانها، وخاطبته بانفعال:

-آآ... أنا مش بحبك... أنا بكرهك...


هرولت للغرفة تتعثر في خطاها، بينما وقف عمرو يخلل شعره بأنامله والإرتباك باديًا عليه، نفخ بقـ ـوة وهوى جالسًا وهو يقول:

-حاجه تقرف.


وفي الغرفة 

أعطت «سراب» الماء لشيرين، وقالت ممتعضة:

-طنط شيرين، إنتِ كنتِ بترضعي عمرو دا ايه؟ ابنك سمج أوي ومستفز.


أخذت شيرين الماء من يدها وقالت بابتسامة:

-والله يابنتي ابني طيب ومحترم، وعيالي كلهم مش زي شباب الأيام دي... يعني ولا واحد فيهم حط سيجاره في بوقه، وبيحترموا الصغير قبل الكبير بس هو بس اللي بيحب ينكشك يا بت دي معزه على فكره...


زحفت «سراب» ببصرها تُطالع وجه «تقى»، وكأنها تخشى رؤية تلك النظرة المتفهمة، فرمتها تقى بابتسامة ماكرة وهي ترتشف الماء ثم استلقت وأغلقت جفونها...


قُرع جرس الباب مجددًا فهرول عمرو ليفتح وكانت «نداء» برفقة «ريم» التي قالت:

-عمو دياب قالنا إن تقى تعبانه فجينا نجري.

-طيب ادخلوا...

قالها عمرو وعاد يجلس مكانه في صمت بينما دخلتا للغرفة...

تحسست «نداء» جبهة «تقى» وقالت:

-قومي لازم تاخدي دش ينزل الحراره دي.


جذبت تقى الغطاء عليها وكأنها تلوذ به، وهي تقول:

-لأ لا مش هينفع أنا بردانه جدًا.


وبعد حوار دار لدقائق وانتهى بأن حملتا نداء وريم تقى عنوة حتى المرحاض وصبوا عليها الماء، وهي تنتفض وتصرخ بهما:

-الهدوم اتبلت.... الهدوم...


قالت ريم بضحك:

-ما تتبل يا تقى هو إنتِ ليه محسساني إن معندكيش إلا الهدوم دي!


وقالت نداء:

-خليكِ قاعده في المايه شويه وإن شاء الله الحراره تنزل بسرعه.

وكانت سراب تتابعهن وقلبها ينبض بقـ ـوة قلقًا عليها...


لم يغادر عمرو بل جلس يحملق بالفراغ، يراقب سراب التي تركض بالشقة لتلبي طلباتهن وهي مضطربة ومرتبكة حتى قُرع جرس الباب، التفتت سراب إليه وهدرت به:

-ما تقوم تفتح الباب بدل ما إنت قاعد ملكش لزمه كده...


زفر متضجرًا ونهض مسرعًا ليفتح الباب، فها قد وصل عامر الذي يُطل القلق من عينيه...


وبعد فترة...


انخفضت حرارة «تقى» وجلست بينهن تسكن فراشها وتتدثر جيدًا، أخبرتهن أنها بخير ولكن ظللن جوارها يتسامرن وينتظرون أن تهدأ «سراب» قبل رحيلهن. 


وبالردهة كان عامر يقطعها جيئة وذهابًا في قلقٍ شديد حتى أخذ قراره وطرق باب الغرفة، فتحت نداء، فقال لها:

-ممكن أشوفها بقا ولا ايه؟


قالت نداء بابتسامة:

-ولا ايه! خد عمرو وامشوا هي بقت كويسه.


صاح عامر:

-إنتِ كويسه يا تقى؟


ردت تقى بخفوت وعلى استحياء:

-الحمد لله.


لم يسمعها، فقال لنداء:

-عايز أدخل أشوفها ربنا يباركلك في عيالك يارب.


ابتسمت نداء من طريقته، والتفتت تستأذن تقى المستلقية، فاعتدلت تقى جالسة وأومأت موافقة أن يدخل...


أطل عامر بوجهه من خلف الباب قبل أن يدخل بجسده كله، رمقها ثم شبك أنامل يديه ونظر لهم وهو يقول بابتسامة:

-حمد الله على السلامه آآ... مش متعودين نشوفك كده آآ... اجمدي.


افتر ثغرها عن ابتسامة وهي تبدل نظرها بين الجميع وتقول ببشاشة:

-شكرًا يا جماعه... أنا بجد بقيت كويسه.


تنهد عامر بارتياح وقال:

-طيب الحمد لله.


قالها ثم أشار لسراب قائلًا:

-تعالي عايزك يا سراب.


خرجت سراب معه فرمقها عمرو الذي لازال جالسًا لم يتحرك من موضعه وعاد يحدق أمامه عاقدًا ذراعيه، أشاحت وجهها عنه حين قال عامر:

-بما إن الشقه اللي فوق فاضيه، فيه شاب محترم عايز يأجرها كام يوم...


كان «عمرو» ينصت لحديثهما بترقب دون النظر إليهما، هب واقفًا حين سمع قول عامر، وسأله بحدة:

-إنت عايز تسكن شاب مين فوق؟ احنا قولنا هنخليها لفتيات مغتربات!


-يا عمرو شاب قابلته في الطريق و... وباين عليه الاحترام، دا مستني تحت من بدري.


-لا مش هينفع...

قالها عمرو باقتضاب، فحاول عامر اقناعه:

-يابني والله شكله محترم.


-اتنيل إنت عندك الناس كلها محترمه أصلًا.

قالها عمرو ونظر لسراب التي كانت تبدل نظرها بينهما، خاطبها:

-سيبك منه... روحي إنتِ لتقى.


لم تتحرك سراب، ولم تبدي أي رد فعل، بل ظلت تبدل نظرها بينهما وهما يتجاذبان الحديث، قال عامر:

-الراجل واقف تحت يا عمرو.


قال عمرو بحزم وهو يوقع كلماته:

-روح قوله مفيش مكان.


قال عامر راجيًا موافقته:

-طيب تعالى شوفه بنفسك والله شاب محترم... أنا اتعرفت عليه في الطريق وعلى الأقل الليله يبات هنا وبكره نقوله يمشي.


زفر عمرو قائلًا:

-لأ يا عامر... قولت لأ... 


تحركت سراب من أمامهما، فتحت أحد الأدراج، ووقفت قبالة عامر قائله بعناد:

-خد يا عامر المفتاح وطلعه...


خطـ ـف عمرو المفتاح من يدها وقال بحدة:

-أنا قولت لأ...


هدرت به:

-وإنت مالك أصلًا... أنا موافقه وخليه يقعد زي ما هو عايز يا عامر طلما هيدفع فلوس.


طالعها عمرو رافعًا إحدى حاجبيه فمدت يدها في محاولة فاشلة لجذب المفتاح من يده ولم تفلح فقد خبئه خلف ظهره، فقالت بانفعال:

-والله لو ما جيبت المفتاح هروح أقول لعمو دياب.


أصر «عمرو» على أسنانه بغيظ، ثم ألقى المفتاح أرضًا بعصبية وهو يقول:

-امسكِ ياختي...


رمقت سراب المفتاح الذي انحنى عامر وأخذه وانفعلت على عمرو:

-إنت مستفز... 


غمغم عمرو:

-أبو شكلك، غلسه.


حركت سبابتها في الهواء، وهي تصيح بنبرة مرتفعة:

-لو سمحت الزم حدودك.


كان صوتهما مرتفعًا فصاحت شيرين من داخل الغرفة:

-إيه يا عمرو!! بتتخانقوا تاني؟


رد عامر:

-مفيش حاجه يا ماما متقلقيش.


جذب عامر أخاه من ذراعه، فسحب عمرو ذراعه بعصبية، وبأعين تشع غضبًا ووجهٍ مكفهر طالع سراب، وأشار لنفسه وهو يقول:

-أنا غلطان إني خايف عليكوا...


أجفلت سراب وعادت للخلف خطوتين، بينما نطق عمرو بنبرة حادة زلزلت قلبها ودكت مشاعرها:

-أنا بكرهك...


هملج عمرو للخارج وشرارة الغضب تتطاير فوق رأسه، حسنًا! سيذيقها مرارة وقع تلك الكلمة على فؤاده، تبعه عامر بعدما قال لسراب:

-متزعليش منه هو عصبي بس طيب والله...


تصنمت سراب مكانها لبرهة وأخذت تُطالع مكان عمرو الفارغ تجتر حوارهما وجملة «أنا بكرهك» تتلجلج في رأسها، انفـ ـجرت باكية فهرولت إليها ريم أثر نشيجها المرتفع، وهي تقول:

-بتعيطي ليه؟ دا عمرو يعني المفروض متعوده...


ارتمت سراب بين ذراعيها وانهـ ـارت بالبكاء، وهي تردد:

-عمرو ده أنا بكرهه... بــــكـــــــرهــــه.


ربتت ريم على ظهرها حتى هدأت وخرجت من أحضانها، طالعتها ريم لبرهة وهي تمسح وجنتيها بأنامل مرتعشة، ثم حاوطت كتفيها بذراعها وقالت:

-والله عمرو خايف عليكوا وبيحبكوا زي أخواته...


-متقوليش بيحبني!

قالتها سراب وعلامات الحزن تدور بين قسمات وجهها، فضحكت ريم وقالت: 

-طيب تعالي يا متعبه نعمل لتقى أكل.


تبعتها سراب، نظرت ريم لعلبة مفتوحة، حملتها وشمت رائحتها ثم قالت:

-دي سناميكى! 


أومأت سراب وهي تردد:

-آآ... أيوه ساعات بشربها...


ضحكت ريم وقالت:

-هو إنتِ من نوعية نداء ولا ايه! 

تفحصت ريم  هيئتهامن أعلى لأسفل، تتأمل جسدها الهزيل وقالت:

-بت يا سراب! إوعي تكوني لسه بتحاولي تخسي؟ وبعدين السينامكى دي كُترها بيضعف الجسم...


-مش بشربها و... يعني أحيانًا على مدى بعيد.

ثم أخذت العلبة من يدها لتغلقها وتركنها جانبًا...

بقلم آيه شاكر 

استغفروا🌸

★★★★★

في اليوم التالي 

في هدوء مهيب خيم على الأجواء، ولازال الناس نيام وقفت «هند» وحدها في شرفة منزلها بمحافظة القاهرة كانت تراقب الأفق وتنتظر مشرق الشمس، فهذا الوقت يذكرها بنفسها، فهناك صراع دائم يدور داخلها، ما بين الخير والشر، كذالك الذي يحدث كل صباح بين الليل وعتمته والنهار وشمسه، يتنازعان داخلها فينتصر الليل في كل مرة، على أمل أن تشرق شمس النهار على قلبها يومًا ما...


طاف بعقلها التقاءها بـ «سراب» تلك الفتاة التي لازال مجرد تذكر اسمها يوقع شيئًا في نفسها، ليتها لم تسمع عنها، وليتها لم تبحث عنها وياليتها لم تقابلها أبدًا، ماذا ظنت نفسها فاعله! أظنت أنها داخل فيلم كذاك الذي تكتب أحداثه، وستكتب نهاية القصة بنفسها...


أرسلت تنهيدة عميقة، كانت هيئتها تختلف كثيرًا عن السابق، لديها نظرة واثقة، تمتلك عينين نابهتين تدلان على شخصيتها القوية والمراوغة أيضًا، حتى مشيتها تختلف كثيرًا عن الفتيات، وتشير إلى قـ ـوة بأسها...


فتحت مخدع ملابسها والذي كان يحوي ملابس كثيرة متراصة باللون الأسود، إلا فستانين أحدهما أحمر والأخر أزرق...

شرعت بإرتداء ملابسها بنطال من الجلد أسود وضيق وفوقه سترة سوداء قصيرة من نفس خامته، لها قلنسوة تلبسها دائمًا لتخفي نصف وجهها، رفعت شعرها برباط لأعلى، ثم أغلقت سترتها...


خرجت من الغرفة مهرولة حين قُرع جرس الباب، وكان «باسل» بانتظارها، ذلك الشاب الذي يساعدها دائمًا أو كما تسميه ذراعها اليمين.


قابلته بابتسامة صغيرة، فقال:

-صباح الخير أقول يا هند ولا يا نرمين؟


ردت بابتسامة باردة:

-في الدقهلية هند أما دلوقتي نيمو طبعًا...


-طيب جاهزه عشان ننطلق للدقهلية يا نيمو؟


استدارت متجهة صوب مطبخها وهي تقول:

-ادخل بس نشرب قهوتنا ونرتب أفكارنا...


دخل «باسل» وأغلق الباب خلفه وهو يقول:

-تمام... وأنا اللي هجهز القهوة على ما تجهزي شطنتك وترتبي أفكارك.


وبعد فترة جلسا متجاورين وبيد «هند» ورقة بها أسماء في دوائر «كارم، سراب، تقى، عمرو، عامر، نادر».


انتبهت لباسل الذي قطع المسافه بينهما ليرى ما خطته بالورقة، نظرت للمسافه التي لا تُذكر بينهما، وقالت متضجرة:

-لا يا راجل ما تيجي تقعد على رجلي أحسن! إوعى تكون صدقت يا باسل إننا متجوزين!


أطلق ضحكة كالزفرة ونهض من جوارها في صمت، بينما أشارت هند لاسم نادر وقالت بابتسامة خبيثة:

-الممثل القدير ده هنركنه شوية أصلًا هو يُعتبر في جيبنا... مضى عقد الفيلم زي العبـ ـيط.

قالتها بابتسامة خبيثة، ثم أشارت لإسم سراب وتقى  وقالت:

-اما دول محتاجين نراقبهم كويس قبل ما نعمل أي خطوة.


-مع إني مش فاهم إنتِ عايزه توصلي لإيه، بس ماشي...


وبابتسامة صغيرة قالت:

-متقلقش طول ما إنت معايا هتتسلى أوي.


غمز لها قائلًا:

-هنتسلى يا روحي...


ثم أردف يسألها:

-هنروح نقابل حسين باشا قبل ما نمشي؟


أطلقت تنهيدة طويلة وقالت:

-عمي حسين! لأ... ملهوش لزمة مش عايزه أسمع نفس الكلمتين بتوع كل مره، يلا...

قالتها وهي تنهض وتثني الورقة، فسألها باسل:

-إيه مش هتلبسي فستان وحجاب؟

-متقلقش سراب حتى لو شافتني مش هتعرفني... يلا بينا.

ارتدت نظارتها السواداء، وأنزلت القلنسوة على وجهها، وكان باسل يطالعها بحـ ـماس وبابتسامة، قبل أن ينطلقوا وكان كل منهما يرتدي حقيبة ظهر...

بقلم آيه شاكر 🌸

صلوا على خير الأنام ❤️ 

                       ★★★★★★

بعد عدة أيام قضاها «بدر» يسير بالطرقات يتأمل الصورة الباهتة بضيق، لم يفعل أي شيء، حتى الآن لم يسأل أحد، ولا يدري من أين عليه أن يبدأ! أين يسأل وعمَ يسأل؟ كثيرًا ما راودته رغبة في العودة من حيث أتى ولكن كلما تخيل انكسـ ـار جده تراجع مرة أخرى وأخذ يدور بالطرقات بلا هدف يتأمل وجوه الناس عله يجد أحد يشبه «صفيه» طليقة جده...


وذات يوم عندما عاد من تجوله عند أذان المغرب دخل مسجد مجاور فرأى عمرو وعامر يصليان، أُعجب بهما، ابتسم وحياهما وصافحهما بحبور، وكان بداخله رغبة ملحة ليتعرف عليهما...


وبعد أداء صلاة المغرب

خرج ثلاثتهم ودعاهما بدر لشقته ليتعارفوا فرافقاه...


 وكان هناك أعين من سيارة مروا جوارها تتابعهما بحرص شديد، غطى باسل وجهه بيديه كي لا ينتبه له عمرو، وكذلك فعلت هند بالقلنسوة...


حاول باسل أن يرى وجه بدر فلم يستطع إلا رؤية ظهره ومشيته، شعر أنه يعرفة، وأوجس في نفسه خيفه أن يكون هو من يفكر به! وانتشله من شروده صوت هند:

-مين اللي معاهم ده؟ معرفتش أشوف شكله!


-هه! ولا أنا! تلاقيه واحد من الجيران! هنعمل ايه دلوقتي؟

قالها باسل ببعض الارتباك، فردت هند:

-هنمشي... يلا شغل العربيه عشان نلحق حفلة نادر...


استجاب لها باسل وانطلق بالسيارة لخارج الشارع، بينما كانت «سعيدة» تتابعهما وهي تحك ذقنها متسائلة، من هذان الغريبان اللذان يراقبان الشارع منذ فترة، وكأنهما مخبرين من الشرطة! 


رفعت هاتفها في سرعة وأخذت تُطالع شاشته بتركيز حتى التقطت لهما صورة، تلو الأخرى ولسيارتهما من جميع الاتجاهات، وكان وجه هند ظاهرًا عند التدقيق بالصور، أما باسل فمهما دققت لن ترى ملامحه...


غمغمت سعيدة نازقة وقررت أن تتابع هذا الموضوع فإن أتيا للشارع مرة أخرى ستنزل وتتحدث معهما مباشرة...


وأخيرًا قررت «سعيده» أن ترفع الصورة على تطبيق الواتساب في جروب خاص بسكان الشارع...

                      ********

وفي شقة «بدر» سألهما عن اسم «صفية» طليقة جده وأن لها ابن وابنة، وحكى لهما قصته وأنه يبحث عنها، حدق عمرو بالصورة التي بهتت ملامحها وقال ساخرًا:

-إنت عامل زي اللي بيدور على إبره معينه في كوم قش، يعني مش أي إبره هي إبره معينه...


زفر عمرو ضاحكًا وأضاف:

-لأ واللي يضحك إنك مش عارف مواصفات الإبره! أنا رأيي تقوم تلم هدومك وترجع بلدك يا غالي...


تنهد «بدر» بعمق وقال:

-بس أنا متعودتش أستسلم بسهوله كده، أنا أصلًا لسه مبدأتش بحث...


قال عامر:

-أيوه وهتبحث إزاي حضرتك؟ إنت عارف مساحة الدقهلية أد ايه؟


بدل نظراته الفارغة بينهما، ثم نطق:

-هتساعدوني؟


ضحك عامر وقال:

-يا عم كان القرد نفع نفسه.


وقال عمرو:

-دا إحنا بقالنا سنه بندور على حد اختفى فجأة وموصلناش لأي حاجه.


قال بدر بحمـ ـاس:

-طيب ما احنا ممكن ندور مع بعض... أنا أساعدكم وانتوا تساعدوني!


-ربنا يسهل.

قالها عامر الذي كان يعبث بهاتفه وران عليهما صمت طويل، وكأنهما لم يكترثا لعرضه، وأخذا يعبثان بهاتفيهما وبدر ينقل نظراته بينهما بخيبة أمل...


خيم عليهم الصمت إلى أن اتسعت حدقتا عامر فجأة وهو يحدق بالشاشة ويصيح:

-يا نهار ازرق... إلحق يا عمرو...


أخذ عمرو الهاتف من يده، وكانت صورة لنادر يحاوط خصر فتاة «سارا»، صمتا لبرهة ثم نطق بعصبية:

-مش ممكن! نادر دا اتجنن رسمي...


وقال عامر:

-أنا بجد مبقتش أطيقه بقا إنسان متعجرف ومغرور وبيعمل اي حاجه عشان يتشهر!


كلماتهما تلك دفعت بدر للسؤال:

-مـ... مين نادر؟ مش فاهم حاجه!


نظر الأثنان له ثم لبعضهما، يتسائلا بنظراتهمة هل يخبراه عما يفعله صديقهما «نادر» أم لا....


انفلت لسان عامر وشرع يحكي لـ بدر كل شيء عن نادر الذي كان يبحث عن الشهره ولم يبرح حتى نالها، فقال «بدر» بابتسامة عذبة ولسان بليغ:

-ليت لي إرادة كهذه فلا أبرح القرآن حتى أتسلق سلم الحافظين المتدبرين.


قال عامر بابتسامة:

-إنت شاب محترم أوي يا بشمهندس بدر تصدق بالله؟


رد بدر في سرعة وبابتسامة:

-بالله ورسوله.


فقال عامر بود صادق:

-والله إني أحببتك في الله.


ابتسم بدر وأطرق هنيهة وهو يدعو:

-أحبك الله الذي أحببتني فيه يا عامر، ربنا يرزقنا حبه وحب من يحبه.


كان عمرو يتابعهما بابتسامة، فقال:

-إنت بتفكرني بأستاذ يحيى زوج أختي، حتى صوتك يشبهه وخاصة وهو بيقول...


قاطعه عامر ضاحكًا ومقلدًا نبرة يحيى:

-غض بصرك يا لطخ.


ضحك الثلاثة وكاد عامر يكمل سخريته من نادر ولكن رشقه عمرو بنظراتٍ حادة فطن عامر لها، فلازلا لا يعرفان بدر! قال بدر:

-شوقتوني أتعرف على أستاذ يحيى.


قال عمرو:

-في أقرب فرصه هعرفك عليه.


قال عامر:

-احكيلي بقا تعرف إيه عن صاحبة الصورة غير إن اسمها صفية!


قال بدر بضحك ونبرة يشوبها السخرية:

-طليقة جدي البدري.


نهض عمرو واقفًا وهو يقول بجدية زائفة:

-يبقا نأجر عربيه بكره ونمشي في الشوارع نقول من بدر إلى الحاجه صفيه طليقة الحاج البدري لو عايشه كلمينا على رقم كذا كذا....


ضحك بدر وقال:

-الله يجازيك يا عمرو...


بينما كان «عامر» شارد الذهن محدقًا بهاتفه ينتظر ظهور «نادر» على الشاشة في بث مباشر كما وعد قبل قليل، وصلت رسالة من «سعيدة» على تطبيق الواتساب ففتحها عامر في سرعة ثم مرر الهاتف لعمرو وقال وهو يضحك:

-شوفت خالتك سعيده منزله صورة وبتقول انتبهوا من المخبرين لو حد بيعمل حاجه غلط ياخد باله.


وحين طالع عمرو الصورة اتسعت حدقتيه، أخذ يُكبر الصورة، وارتفعت حرارة جسده فجأة وهو يقول:

-معقوله هي! ولا مجرد تشابه!


سأله عامر:

-هي مين؟ 


هز عمرو عنقه نافيًا وقال:

-لأ لا مفيش.

                        ★★★★★★

في مكانٍ أخر ببناية ما...


وبالتحديد بالطابق الخامس، خرج «نادر» من المصعد متوجهًا لإحدى الشقق، قرع الجرس ووقف ينتظر هنيهة وهو يلتفت حوله حتى فتحت «سارا» بابتسامتها المعهودة كانت تقابله وهي في كامل زينتها ترتدي فستان أسود مطرز ولامع يبرز مفاتن جسدها، ويتنافى مع ما تغطي به خصلات شعرها من حجاب قصير، تفحصها بنظراته بأريحية وجذبته هي من يده للداخل بحمـ ـاس حيث كانت الشقة مزينة، تصخب بالأغاني والموسيقى احتفالًا بيوم مولدها...


لا يعلم لمَ كان داخله يرتجف تلك المرة، فقد اعتاد أن يأتي إليها دائمًا، وأسرتها يعلمون أنه حبيبها، لا يفعل شيئا في الظلام لكنه يشعر بعدم راحة، يراها تستغله لتتسلق سلم الشهره، ولكن لا يهم فالآن يجب أن يبتسم لأجل التصوير...


فقد تساقطت منه الكثير من المبادئ بعدما نجح فيلمه الأول ووقع عقد فيلمه الثاني، تسائل كثيرًا هل يسير بطريق خاطئ؟ لكنه سريعًا ما ينفض الأفكار من رأسه بعدما يقنع حاله أنها حياة واحدة ينبغي أن يعيشها كما يريد هو لا كما يريد من حوله...


أمسك بيد «سارا» وفتح بث مباشرًا على إحدى تطبيقات التواصل الإجتماعي، أعطى أحدهم الهاتف ليصور كل لحظة بينما كان يتفحص سارا بنظراته، يتغزل بها أمام الجميع، ثم أخذ يتراقص معها والجميع يصفق لهما بحرارة، يحملها ويدور بها وهم يصورون ويصيحون بحمـ ـاس، كان يجاهر بحبها حتى تمنى من يشاهده أن يعيش قصة حب كهذه، بتفاصيلها...

يُخيل للمشاهد أنهما يحملان لبعضهما مشاعر نقية عفيفة ولكن ما خُفى أعظم وأطم.


وكانت هند تجلس على مقعد بعيد بيدها مشروب تستمع بمشاهدة ما يحدث لكن بعيدًا عن التصوير، تفكر كثيرًا وتنطق قليلًا، حتى أشارت سارا نحوها هي وباسل وقالت:

-المؤلفه والمنتج بتاع فيلمك هنا تعالى نسلم عليهم...

                        ★★★★★

وبمكان أخر في كافيه مغلق جلس «رائد» قبالة «يحيى» كان متجهم الوجه ألقى هاتفه وهو يهز رأسه مستنكرًا ما يرى من أخو زوجته «نادر» فقد تمادى كثيرًا، قال يحيى:

-اهدى يا رائد إنت نصحته وهو مسمعش خلاص بقا سيبك منه بكره يندم ويرجع.


مال رائد بجزعه العلوي للأمام وقال بانفعال:

-بكره امته؟ دا بقاله سنه وأكتر على الوضع ده... أمه وابوه زهقوا منه ومن البت اللي ماشي معاها دي... حُب الشهره دا مرض لو مسك في واحد مش بيسيبه قبل ما يخلص عليه.


-قصدك حب الفلوس!


قالها يحيى، فهز رائد عنقه نافيًا وقال:

-لأ نادر عايز الشهره مش الفلوس.

ثم تنهد رائد وصمت هنيهة قبل أن يستأنف:

-الناس دي مش شبهنا يا يحيى، البنت دي و... والناس اللي حواليها و... وحتى نادر مبقاش هو نفسه اللي أنا أعرفه... نداء مراتي لو شافت العبث دا ممكن تروح فيها.


عاد يحيى يستند للخلف وقال:

-يبقى قوم روح لمراتك عشان تلحقها... وحاول إنها متشوفش الفيديو ده لحد ما نتكلم أنا وإنت مع نادر.


أومأ رائد ونهض من فوره، حمل مفاتيح سيارته وهرول وخلفه يحيى يحوقل ويدعو الله أن يعود نادر لرشده قبل فوات الأوان...


                     ★★★★★ 

انبلج الفجر نهضتا «تقى وسراب» نشيطتين على غير العادة، وبعد الصلاة، قالت سراب:

-أنا مش هنام، هروح أفتح الچيم وأعمل رياضه.


-لسه بدري أوي!! 

قالتها تقى، فردت سراب:

-أحسن حاجه عشان محدش يشوفني، ماتيجي معايا...


قالت تقى بنشاط:

-يلا أنا كمان عايزه أعمل رياضه...


خرجتا من البيت، فرأتهما سعيدة من شرفتها، صاحت:

-ازيكوا يا متواضعين؟


همست سراب لتقى:

-هي الست دي مبتنامش!!


ضحكت تقى، فقالت سعيدة:

-شوفتوا الصورة اللي نزلتها امبارح في الجروب!


تجاهلت سراب ما قالته فلم ترَ شيئًا، حاولت رسم ابتسامة صفراء على وجهها وهي ترد:

-ازيك يا خالتي سعيده... ادعيلنا يا بركه، ادعيلنا وشيلي عينك من علينا الله يكرمك.


نطقت سعيدة بنزق:

-شوف البت بتكلمني من تحت ضرسها ازاي! أيوه ما انتوا أبوكوا سايبلكوا فلوس أد كده مش هتتكبروا على خلق الله ليه!


تمتمت سراب:

-لا حول ولا قوة الا بالله... امشي يا تقى ربنا يسترها علينا النهارده...


وبعد هروله وصلتا أمام الصالة الرياضية فتحت سراب بمفتاحها وتفاجئت من وجود «عمرو وعامر» أمامها، فهمست لتقى:

-سبحان الله اللي في دماغك في دماغ غيرك...


رمقهما «عمرو» وأزاح بصره في صمت فقد شغله وجود هند وباسل! 


في حين دنى منهما عامر وقال:

-جايين بدري كدا ليه؟!

-انتوا اللي جايين بدري ليه؟

قالتها سراب، فرد عامر:

-احنا بقالنا سنه كل يوم بعد الفجر بنيجي.

نظرت سراب لعمرو الذي لم يلتفت نحوها، وقالت بتبرم:

-طيب ماشي يلا يا تقى...


قال عامر:

-استني يابنتي... خليكوا.


قالت «تقى» بنزق:

-يا سلام احنا الاربعه في مكان مغلق ازاي يعني!!


قال عامر بابتسامة:

-احنا اللي هنمشي يا تقى.. يلا يا عمرو...


كانت نبرته تخترق شغاف قلبها، أطرقت في صمت وسراب تبدل نظرها بينهما شزرًا، همست لها:

-الحب وسنينه!


رشقتها تقى بنظرة حادة، وقالت بوجوم:

-اتلمي مفيش حاجه من اللي في دماغك 


من ناحية أخرى ترك عمرو ما بيده وشرب المياه ثم قال برتابة وبرود:

-شويه بس جسمي يبرد لأني عرقان والجو بره هوا.


قالت تقى وهي تجذب يد سراب:

-طيب هنستنى بره.


وقفوا أمام الصالة الرياضية وسراب تضحك وتقول:

-يا بركاتك يا حجه سعيده الله أعلم هيحصلنا ايه تاني النهارده.


لكزتها تقى وقالت:

-بطلي تشاؤم.


وبعد فترة وجيزة 

خرج عمرو مع عامر الذي وضع يديه بجيبي معطفه، وكان قلب عمرو ينتفض قلقًا عليهما، فخاطب تقى:

-لو سمحتِ يا تقى اقفلي الباب عليكم من جوه.

-ليه هنتخـ ـطف؟!

قالتها سراب ساخرة وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها، فتجاهلها عمرو وقال ليستفزها:

-خلي بالك من نفسك يا تقى...


دلفت سراب للداخل بعصبية بينما جذبه عامر من ذراعه وهمس له:

-مالك إنت ومال تقى؟


قال عمرو بضجر:

-بالله عليك يا عامر أنا مش ناقص...


-مالك يا عمرو؟

سأله عامر فصمت «عمرو» حتى ظنه عامر لن يتحدث لكنه نطق بعدما سارا عدة خطوات:

-فيه مشكله كده... إن شاء الله هحلها...


                         ★★★★★

مر اليوم في هدوء لم يحدث لسراب وتقى شيء كما اعتقدت سراب اللهم إلا انقلاب «تقى» على ظهرها والتواء إحدى قدميها عند عودتها من العمل فتلطخت ملابسها بالطين وأُصيبت بعرجة بسيطة، كما وقعت صورة معلقة بالصالة الرياضية على رأس سراب فجُـ ـرح وخيطته غرزتين...


وعند عودتهما للبيت معًا مرت سيارة مسرعة فنثرت المياه وبعض الطين على وجههما، نظرتا لبعضهما وقالت سراب:

-مش قولتلك اليوم مش هيعدي، دا عين سعيده دي المفروض كانوا سموها حسوده.


رأتهما «سعيدة» من شرفتها فصاحت:

-الله! مالكم يا متواضعين؟ 


لم تردا عليها وهرولتا لبيتهما؛ تقى بعرجتها الخفيفة وسراب باللاصقة الطبية التي وضعت على مقدمة جبهتها فضلًا عن ملابسها المتسخة! 


صاحت سعيدة بحنق:

-إنتوا مبتردوش عليا ليه؟ آه يا شوية متكبرين! أيوه ما انتوا معاكم فلوس أد كده مش هتتكبروا على ست غلبانه زيي ليه! منكم لله.

رفعت صوتها بأخر كلمتين فركضتا علهما تحتميان من نظراتها تلك التي تطلق لهب لا يُرى إلا أثره.


عسعس الليل وأقبل بظلمته، هبت رياح قوية اهتزت لها أغصان الأشجار المتراصة على جانبي الشارع ثم فجأة انقطع الضوء...


انتفضتا «سراب وتقى»، فتحتا الشرفة وكانت الرياح قوية فعادتا تغلقانها، أضاءت تقى هاتفها وأمسكت يد سراب، ثم جلستا على الأريكة، قالت بضحك وهي تغني وتفرقع أصابعها ملحنة، لتخفف عن سراب وحشتها:

-الشمع خلصان والمصباح عطلان، الواحد زهقان والدماغ نعسان.


ضحكت سراب وقالت:

-فايقه ورايقه ياختي... هنعمل ايه بقا لو مجاش؟ منك لله يا سعيده هي عينيها صدقيني.


ضحكت تقى وقالت:

-هيجي يا ستي ان شاء الله، أبشري... بطلي تشاؤم شويه.


أرسلت «سراب» تنهيدة حارة علها تُهدأ ما يجيش به صدرها من اضطراب، ثم قالت بملامح حزينة:

-قبلت البشرى، بس أنا بخاف من صوت الرعد يا تقى.


تنهدت تقى بعمق وقالت:

-وأنا والله... لكن لا تخافي ولا تحزني الله معنا.


طُرق بابهم فجأة فانتفضتا ونهضتا تهتديان بضوء الهاتف توجهتا بتوجس نحو الباب وتقى تسأل بنبرة مرتعشة:

-مـ... مين؟


-أنا عامر يا تقى... البسي إنت وسراب وتعالوا.

وضعت تقى يدها على قلبها وتنهدت بارتياح ثم فتحت الباب فقد كانتا ترتديان ثياب فضفاضة بالفعل...


قال عامر:

-يلا بس إوعوا تنسوا المفتاح أهم حاجه...

-معايا...

قالتها تقى، سار عامر أمامهما وتبعتاه وكلتاهما تمسك بيد الأخرى، وكان عمرو يقف بالشرفة ينتظرهما في قلق فهو من أوصى عامر أن يحضرهما...


وصلتا للبيت، رحبت بهما شيرين وجلسوا جميعًا في مكان واحد مُضاء بمصباح واحد...

لم تتفوه اي منهما ببنت شفه، وكانت سراب تتحدث مع دياب متجاهلة عمرو الذي يجلس جوار شيرين يحدق بهاتفه، بينما كانت تقى ترمق عامر بطرف خفي...


طُرق جرس الباب فجاة، فقال دياب:

-هو انت سيبت البوابه مفتوحه ولا ايه يا عامر؟

-مش فاكر والله يا بابا!


قالها عامر، فقالت شيرين:

-يمكن يكون رائد ولا حاجه!


نهض عمرو في صمت وفتح الباب وتفاجأ ببدر الذي قال:

-تعالوا اقعدوا معايا الواحد خايف يقعد لوحده في الجو ده.


حياه «عمرو» بابتسامة، وأصر أن يدخل، فدخل «بدر» في حرج، جلس برفقتهم ودارت بينهم الأحاديث.

أخذ بدر يحكي عن نفسه وعن جامعته وعمن يبحث عنهم وكذلك عمرو؛ الذي تجاهل وجود سراب تمامًا فلم يرمقها بطرف عينه ولو على سبيل الخطأ مما أثار غيظها، فتدخلت في الحوار مخاطبة بدر:

-تعرف إن إنت تشبهني يا بشمهندس، بتدور على عمك وعمتك! وأنا كمان بدور على جدي وعلى أعمامي أهل أبويا.


قالت جملتها الأخيرة لتستفز عمرو وبالفعل نظر لها عاقدًا جبينه وقال وهو يوقع كلماته بنبرة حادة:

-جدك كلنا بندور عليه، أهل ابوك دول ممكن توصليلهم في حالة واحده...


ترقب الجميع ما سينطق به، فأردف عمرو وهو يضغط على كل حرف:

-على جثـ ـتي.


ردت شيرين:

-بعد الشر عليك يابني إيه اللي إنت بتقوله ده؟


هدرت به سراب لتستمتع باستفزازه:

-وإنت مالك أصلًا حد كان عينك وصي عليا! 


قال بانفعال:

-آه أنا وصي عليك يا سراب... جدك وصاني وأظن قرأتِ الرساله.


رشقه دياب بنظرة حادة ليصمت، فأطرق عمرو، وران عليهم الصمت، وكان بدر يتابع الحوار...


وعلى ذكر رسالة كارم، نطقت تقى وكأنها فهمت شيئًا للتو:

-عمرو! هو ليه بابا قال في أول الرسالة إنه عارف إنك هتدور هناك...


ارتبك عمرو وأخذ يحك أرنبة أنفه، فلم يخبر أحد عن الغريب الذي زار كارم، لم يرد إقحامهم في الأمر، قد يكون هناك خطرًا ما!

فقد حذره كارم أن يخبر أحد تحت أي ظرف، وقد صان السر ولم يبح لأحد، لكنه كان يبحث في الأمر بطريقته...


تلعثم وأخذ ينتقى كلماته وهو يقول:

-عشان... عشان أنا... أيوه... كان أداني فلوس حاطيتها هناك.


أرعدت السماء وبرقت فجأة فأجفلوا، وأخذوا يتبادلون أطراف الحديث ويحتسون مشروب الشاي الساخن بينما كانت الأمطار تتساقط بغزارة، حمدت تقى ربها أنها أتت ولو لم تعجبها الجلسة، فلا تحب الاختلاط لكنها أيضًا تهاب تلك الأجواء...


وكلما اشتد الرعد تسارعت دقات قلب تقى، كانت تتمنى أن يعود والدها لتخبئ بين أضلعه...


كان عامر يجلس بعيدًا عنها، رأى مقعد شاغر جوارها، فنهض متظاهرًا أنه يجلب الماء للشرب، ثم جلس جوارها دون أن ينتبه له أحد أو هكذا ظن!

ربط طرف الشريط الأحمر على يده، انتبهت له وهو يلقى بطرفه الأخر لها، هزت رأسها نافية ودار بين نظراتهما حوار صامت يحثها عامر أن تعقده حول يدها وهي ترفض...


خشيت أن ينتبه لهما أحد طافت بنظراتها على وجوه الجميع ثم عقدت الطرف الأخر على يدها قبل أن ينتبه لهما أحد.


ابتسم «بدر» فقد كان يتابع ذلك من البداية، ثم بدل نظره بين سراب وعمرو فكانا يرمقان بعضهما بتحدٍ، فهناك خطب ما يدور هنا! ابتسم وانتشله مش شروده قول عمرو:

-طيب بما إنك عاطل عن العمل، إيه رأيك تشتغل معانا؟


-هشتغل معاكم ايه؟ أنا خريج هندسه!

زفر عمرو ضاحكًا وقال:

-طيب ما أنا خريج علاج طبيعي وبشتغل معاهم عادي بجانب الچيم، وعامر خريج كلية علوم وبيشتغل معانا برده بجانب شويه دروس خصوصيه... وأخواتي كلهم برده تعليمهم ملهوش علاقه بالشغل...


تدخل عامر في الكلام قائلًا:

-احم، عايز أضيف نقطه مهمه لكلام عمرو أنا بشتغل معاهم عشان أقدر أصرف على اختراعي اللي إن شاء الله أول ما يخرج للنور هكون عالم مشهور وهسيب الشغل ده لأنه مش هيبقا من مقامي.


أطبق عمرو شفتيه كي لا تنفلت منه أي ضحكة ساخرة، بينما رمقه الجميع في صمت وهناك ابتسامة ساخرة ترتسم على وجوههم....


قال بدر بحـ ـماس:

-ما شاء الله وإنت بقا بتخترع ايه يا عامر؟


شهق عامر وقال بصدمة زائفة:

-ازاي يا محترم تتجرأ وتسألني سؤال زي ده! دا أخويا التوأم نفسه معملهاش.


شعر بدر ببعض الحرج، بينما انفـ ـجر الجميع بالضحك، فقال دياب ساخرًا:

-عامر إبني هيخترعلنا قنـ ـبلة تنسف البيت في لمح البصر دون ضجيج ودون نار أو أثار.


ضحكوا جميعًا بينما خاطب عامر بدر وهو يحرك سبابته في الهواء:

-طريق النجاح كله معرقلات وأنا اللي معرقلني عيلتي، لما أوصل ويستضيفوني في التلفزيون، هقف قدام الناس كلها وأقول من المعوقات اللي قابلتني عيلتي.


قال عمرو:

-سيبك منه يا بشمهندس بدر، متركزش مع عامر أوي.


رمقه عامر وزفر ضاحكًا وهو يقول متهكمًا:

-ليه ماله عامر عبـ ـيط ولا ايه!!


قال عمرو بابتسامة:

-لأ عامر ده أحسن واحد في الدنيا.


ران عليهم صمت طفيف، قطعه بدر بقوله:

-طيب أنا موافق.


سأله عامر:

-موافق على إيه؟


-موافق أشتغل معاكم لحد ما أشوف هعمل ايه في طليقة جدي وعمي وعمتي اللي معرفش اسمهم...


ثم نهض «بدر» واقفًا وهو يقول:

-طيب أنا همشي بقا النور شكله هيطول... والمطر وقف هلحق قبل ما تبدأ من جديد...


قالت شيرين:

-طيب إديله يا عامر الكشاف الصغير اللي في المطبخ...


-ياريت والله لو مفيهاش رخامه.

قالها بدر فنهض عامر فجأة وهم أن يغادر وهو يقول:

-لحظه واحده هـ...


توقف عن الكلام، واشتدت دقات قلبه فكيف تناسي ذلك الرباط المعقود بينه وبين تقى...


 ارتفعت يد تقى لأعلى ورآها الجميع وهي تفك الرباط بارتباك بليغ، في حين حمحم عامر وابتلع ريقه باضطراب وهو يفك الرباط عن يده ثم يضعه بجيبه، ونظرات الجميع تتابع ما يجري بترقب وفي صمت ثقيل.


-هـ... هجيب الكشاف...

قالها «عامر» وهرول يجلب المصباح ثم خرج مسرعًا وهو يدفع بدر أمامه بلطف، ليهرب من أمام والديه بينما كانت شيرين تصيح:

-اشرب مايه يا عامر عشان متاخدش برد...


لكنه لم يلتفت من شدة ارتباكه، وكان بدر يكبح ضحكاته حتى خرجا من بوابة البيت فانفـ ـجر بدر ضاحكًا وقال لعامر يمازحه:

-ممكن اقولك حاجه؟


التفت عامر ينظر خلفه حين سمع صوت عمرو الذي قال وهو يضحك:

-غـ ـبي... والله غبـ ـي والله.


ضحك عامر بحرج وأضاف بدر:

-معلش، معلش بتحصل يا حبيبي... 


قال عمرو:

-البت كان هيغمى عليها من الإحراج.


سأله عامر بلهفة:

-هي كويسه؟

-متقلقش يا روميو...

قالها عمرو ضاحكًا بينما قال بدر:

-متتجوزها يا عامر واضح إنها بنت محترمه.


تخيلها عامر أمامه، حركاتها أجمع، حيائها، وأخلاقها ورقتها، نطق بهُيام:

-جدًا محترمه جدًا، لكن المشكله فيا أنا لسه مش جاهز للجواز.


-ليه يابني مش إنت شغال في سنتر دروس وعندكم مصنع ملابس ومحلات ما شاء الله مشهوره وحالتكوا حلوه ماديًا.


زفر عامر بقـ ـوة والتفت حوله قبل أن يقترب من بدر ويقول هامسًا:

-أصل أنا عندي اختراع شغال عليه...


كان عمرو يبدل نظره بينهما، أومأ عامر بفخر في حين أضاء الشارع بأكمله فجأة، فقال عامر بابتسامة:

-بشرة خير ان شاء الله اختراعي يخرج للنور قريب...


فتعالت ضحكات عمرو، شاركه عامر فضحك بدر على ضحكهما، بالطبع لم يرَ بعدُ انفـ ـجارات اختراع عامر...


دخل بدر لشقتة في حين قال عامر:

-أنا هتمشي شويه...

-تتمشى ايه في البرد ده!

قالها عمرو، ورد عامر:

-والله ما أنا طالع يا عمرو، أبوك لو لمحني هيمرجحني.


انفـ ـجر عمرو ضاحكًا وتبعه وهو يقول:

-طيب استنى مش هسيبك لوحدك...


كان عمرو يرتدي معطفه بينما كان عامر يرتدي ثوب خفيفًا ويضع يديه بجيبي بنطاله والبرودة تتمشى بين أوصاله، قال:

-واد يا عمرو أنا بردان أوي.

-أولًا أنا أخوك فمتستناش إني أخلعلك الجاكت بشكل رومانسي ثانيًا أنا بردان أكتر منك... يلا نرجع للبيت.


-ياباشا أنا لو اتجمدت وأنا واقف مش هرجع قبل ما أبوك ينام.


وعلى نحو أخر كانت تتوشح بالسواد تختبئ وتراقبهما من بعيد، ثم التفتت حولها بترقب واتجهت صوب منزل سراب...


من ناحية أخرى 

وفي بيت شيرين

حاولت التخفيف عن تقى بإلقاء الدعابات وكانت تقى تغتـ ـصب الابتسامة وقد اشتد وجهها احمرارًا، واشتدت دقات قلبها، نهضت واقفة وقالت:

-طيب احنا هنمشي بقا يا طنط... تصبحوا على خير.

-وإنتوا من أهل الخير يا حبايبي...


أوصلتهما شيرين للباب ثم عادت لزوجها وقالت بضجر:

-شايف عامر ابنك وعمايله! الواد معلق البت ازاي! هي بنات الناس لعبة يا دياب؟!


-لما يجي بس يا شيرين وأنا هتصرف معاه، أصله محتاج يتربى من أول وجديد.


وبمجرد أن دخلتا تقى وسراب للبيت وأغلقتا الباب قُرع جرس الباب، ففتحته تقى ووقفت سراب ترى من القادم، كانت توليهم ظهرها تقف بهيئتها الجديدة_ترتدي بنطالها الأسود وسترتها الجلد السوداء وتخبئ نصف وجهها بالقلنسوة، التفتت فجأة وأزاحت القلنسوة عن وجهها وهي تنطق بابتسامة خبيثة:

-مساء الخير...

حملقت سراب بوجهها قليلًا قبل أن تنطق في صدمة:

-هند!!

استغفروا🌸

بقلم آيه شاكر 

                          ★★★★

وعلى الصعيد الأخر في شقة «بدر» حدق بالصورة ممحوة الملامح فها قد سُد الطريق عليه قبل أن يشرع في السير به، فكر جديًا لو يستأجر سيارة وينادي على «صفية» زوجة جده البدري، ولكنه عدل عن تلك الفكرة وجلس يفكر ماذا عليه أن يفعل؟!


اعتدل في جلسته، أخذ يفكر من أين سيبدأ، هل يبدأ من هذا الشارع، يطرق الأبواب ويسأل عن «صفية التي طلقها جده بعدما أنجب منها ولد وفتاة»، هز رأسه ينفض الفكره من رأسه وقد غشيه اليأس، حتى سمع صوت صرخات تصدر من الأسفل، ارتدى معطفه ونزل مسرعًا بعدما أخد معه عصًا غليظة ليدافع عن نفسه إن لزم الأمر، تتبع صوت الصراخ حتى وصل أمام شقة تقى وسراب، وضع أذنه على الباب فلم يسمع اي شيء، قرع جرس الباب في تردد، سمع صرخة أخرى، فقرع الجرس مرة أخرى وطرق الباب عدة مرات وهو ينادي بنبرة مرتبكة:

-آآ... أنسه تقى! يا... يا أنسه سراب.


تكملة الرواية من هنااااااا


لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع