القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية عن تراض الفصل الثامن 8بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)

 

رواية عن تراض الفصل الثامن 8بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)




رواية عن تراض الفصل الثامن 8بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)



(٨)

#رواية_عن_تراضٍ

-آآ... أنسه تقى! يا... يا أنسه سراب!

لم يلبي أحدهما طرقاته فوقف «بدر» حائر، لا يدري أيُعاود الكرة أم يقرع الجرس أم ينصرف، حدق بباب الشقة هنيهة ثم أبَّ للصعود لشقته لكنه وبعد خطوتين توقف والتفت يحملق بالباب المغلق، ابتلع لعابه باضطراب وعاد إليه مرة أخرى، هم أن يطرق الباب وقبل أن تلمسه قبضة يده تراجع وطلب رقم عمرو ليحكي له...

صلوا على خير الأنام ♥️ 

                        ★★★★★ 

من ناحية أخرى

كانت «هند» تشهر سلاحها نحوهما تهددهما وتحذرهما من الحركة، فقبل دقائق دفعتهما للداخل وأغلقت الباب خلفها فصرختا، مما دفعها لإستخدام سلاحها هادرة بهما أن تصمتان وإلا ستقتـ ـلهما....


دارت «هند» حولهما وهي تحرك سـ ـلاحها، فصرختا بهلع، وحذرتهما من تكرار ذلك، إلى أن قُرع جرس الباب، جذبت «هند» «سراب» من ذراعها بعنـ ـف وصوبت السـ ـلاح لظهرها وهي تخاطب «تقى» بنبرة خافتة وحازمة:

-متتحركيش من مكانك ومش عايزه نفس وإلا والله أخلص عليها.


أجفلت «تقى»، وحركت كلتا يديها باستستلام وهي تقول برجفة:

-طيب... طيب خلاص مش هفتح ومش هتكلم بس سيبيها ونقعد نتكلم، إنتِ مين؟ وعايزه إيه؟


نطقت «سراب» بوجل:

-دي العروسه اللي هربتها، دي هند!


قالت هند وهي تُصر على أسنانها:

-قولت مش عايزه صوت.


وقفن في صمت يسمعن طرقات الباب ولا تحرك إحداهن ساكنًا وكأن على رؤوسهن الطير، وكانت هند تصوب سـ ـلاحها لجبهة سراب التي تتواثب دقات قلبها وجلًا وهي تتسائل ما الذي يحدث!! بينما كانت تقى تتفرس ملامح هند ونظراتها الحادة وتبتلع لعابها في اضطراب، راجية أن يمر الأمر، وفجأة توقفت طرقات الباب، فقالت تقى بحدقتين واسعتين:

-خلاص مشي... آآ، إنتِ عايزه مننا إيه؟!


وبقـ ـوة وثبات ونظرات أحد من السيف رشقتهما هند، قبل أن تجلس وتضع ساق فوق الأخرى، ثم نطقت بنبرة جامدة:

-عايزه مايه، هاتيلي أشرب...


لم تتحرك «تقى» فصرخت بها هند أن تفعل، وصوبت مسـ ـدسها نحو سراب مجددًا، فأخذت تقى تعدو نحو المطبخ لتجلب المياه، كانت مضطربة ترتعد فرائصها خوفًا، ولا تستطيع التفكير أو اتخاذ أي قرار، أعطتها قنينة المياه، فأشارت لهما هند أن تجلسان أرضًا وتضعان أيديهما فوق رأسيهما، ففعلتا...


ارتشفت «هند» الماء بينما كانت علامات الخوف تتمشى على وجهي سراب وتقى، تتبادلان النظرات الحائرة وقلبهما يكاد يثب من خلف أضلعهما من فرط خفقاته...


بدلت «هند» نظرها بينهما، ثم أطلقت عدة ضحكات ساخرة وقالت:

-أنا جايه أحذركم...


طالعاها بترقب، فصمتت هنيهة وأردفت:

-من عيلتي.


نطقت تقى بتوجس:

-دا مش منظر حد جاي يحذر حد إنتِ جايه تتهجمي علينا! 


انحنت هند وغرست عينيها بعيني تقى، ونطقت وهي تضغط على كلمات جملتها: 

-مبحبش حد يقاطعني وأنا بتكلم... وارفعي ايدك إنتِ وهي.


رفعتا أيديهما، وحملقت سراب بهيئة هند المختلفة عن سابقيها، ببنطالها وسترتها تلك، وأخذت تتسائل هل هي هند؟ أو قد تكون أختها التوأم؟ أم ماذا! وأخيرًا نطقت سراب:

-جايه عايزه إيه بشكلك المريب ده! مش ممكن تكوني نفسها هند البنت البريئة اللي شوفتها وساعدتها وكنت قلقانه عليها آآ... إنتِ شبه اللصوص، لا، شبه الناس اللي شغاله في عصابات، ولا إنتوا أصلًا عصابه! إنتِ عايزه مني إيه! 


-فين الحاجه بتاعتنا؟

قالتها هند وهي تحك ذقنها بإحدى أناملها، متجاهلة كلمات سراب الساخطة، تبادلا سراب وتقى النظرات الحائرة ولم تعقبا، فكررت هند سؤالها، قالت سراب:

-أنا مأخدتش منكم حاجه حتى فلوس مأخدتش!


جذبتها هند من حجابها، وهدرت بها:

-إنتِ هتستعبطي؟ فين الحاجه يا بت؟


صرختا مجددًا مما دفع هند لرفع سلاحها في وجههما مرة أخرى، فأطبقتا شفتيهما لتكتمان شهقاتهما، وأخذت هند تكرر سؤالها:

-فين الحاجه، انطقوا؟


-حـ.... حاجة إيه؟

قالتها تقى بذعر، فقالت هند بانفعال:

-أنا جايه أحذركم لو مسلمتونيش الحاجه بهدوء هستخدم العنـ ـف، وما أدراكم ما العنـ ـف بتاعي!


قالت سراب:

-مش لما نعرف بتتكلمي عن ايه!!


زمجرت هند وهي تقول:

-أنا اللي ورطت نفسي الورطه دي، أنا اللي وصلتكوا لعمي ومش هسكت والله العظيم ما هسكت...


وجهت تقى كلامها لسراب:

-إنتِ أخدتِ منها إيه؟!


هزت سراب عنقها يمنة ويسرة في هلع وهي تردد:

-والله ما أخدت حاجه!!


دوى هاتف هند برقم باسل فأجابت، قال:

-خلي بالك عمرو وعامر طالعين؟


لم تعقب ووضعت الهاتف بجيبها ثم خاطبت تقى وهي تحرك سبابتها بوجههما:

-الجرس هيرن، إنتِ هتفتحي وتتصرفي طبيعي...


ووجهت سلاحها لسراب قائلة:

-أما إنتِ فمعايا...

استغفروا♥️

                     ★★★★

ومن ناحية أخرى


وصل «عمرو وعامر» ووقفا يلهثان وقابلهما بدر بلهفة، قال:

-أنا سمعت صوت صراخهم أكتر من مرة...


وبلهفة وقلب يرتعد قلقًا قرع عمرو جرس الباب، وسرعان ما فتحت تقى الباب، قالت:

-أيوه؟


وكانت هند تقف خلف الباب مصوبة سلاحها لرأس سراب وتحذر تقى بنظراتها ألا تتصرف أي تصرف يشي بوجودها، بينما كانت عينا تقى تجوسان في خوف وتخبط، سألها عامر عاقدًا جبينه:

-إنتوا كويسين؟! بتصرخوا ليه؟!


قالت:

-آآ... أيوه الحمد لله، مفيش حاجه؟


كان «عمرو» يزم جفونه، وهو يتأمل ارتباك تقى الواضح، وفركها ليديها، قال:

-بدر بيقول إنه سمع صوت صراخكم!


-صراخنا! آآ... لأ... 

قالتها تقى ثم ازدردت لعابها وهي ترمق هند، فأشارت لها أن تُكمل حديثها، استطردت تقى:

-آه، كـ... كنت بتخانق مع سراب...


صمتوا هنيه وتبادلوا النظرات للحظة قبل أن يسأل عمرو:

-وفين سراب؟


-سراب! فـ... في الحمام، آآ انتوا عاوزين حاجه؟


قلبت عمرو عينيه بالشقة من فتحة الباب ثم قال:

-إنتوا بخير؟!


-آآ... اه بخير... عن إذنكم هـ... هقفل.

قالتها تقى وأغلقت الباب...


نظروا لبعضهم وقال بدر:

-شكلها كان مرتبك! الظاهر إننا أحرجناها!

قال عامر:

-أيوه، تلت شباب بيخبطوا على بنتين في الوقت ده! عيب علينا...

قال بدر:

-معلش بقا أنا السبب! قلقتكم بدون داعي... طيب اتفضلوا معايا نقعد شويه فوق.


وكان عمرو شاردًا يتذكر الصورة التي أرسلتها سعيدة، وجال برأسه ألف مشهد ومشهد كل منهم أسوء من الأخر...

وضع عمرو أذنه على باب الشقة للحظات فجذبه عامر وهو يقول بضجر:

-بتعمل ايه يا عم إنت...


هز عمرو عنقه نافيًا وصمت، وبعد حوار طفيف صعد «بدر» لشقته بينما أصر عمرو على عامر أن يعودان للبيت فالجو قارص البرودة، فوافق عامر على مضض وهو يتمنى أن يكون والده قد خلد للنوم.


رمى عمرو باب الشقة بنظرة أخرى، ووضع أذنه عليه فسحبه عامر وهو يقول:

-امشي يا عم...


وعلى الصعيد الأخر

 ابتسمت هند بمكر فور أغلق الباب، وجلسن في صمتٍ مهيب ثقيل يتبادلن النظرات، إلى أن رن هاتف هند فنهضت وقالت وهي تحرك سبابتها:

-لو مجيبتوش الحاجه هـ...


قاطعتها سراب بانفعال:

-حـ... حاجة ايه اللي إنتِ عايزاها! أنا مأخدتش منك حاجه!


شهرت هند سلاحها في وجه سراب، وهي تصيح بانفعال:

-برده بتسأليني حاجة إيه! إنتِ ليه مصممه تستعبطي، وجدك ده راح فين؟ أكيد الحاجه معاه...


وتلقائيًا وقفت تقى أمام سراب تحميها، متظاهرة بالقـ ـوة والثبات....


هددتهما هند كثيرًا وهي تطلب شيئًا لا تفهمان كنهه، وتحت تهديد السلاح أجبرتهما أن تقيدان أنفسهما ثم فتشت كل ركن وكل زواية بالشقة، بعثرت كل شيء وقلبت الأثاث والمقاعد والفُرش حتى رن هاتفها فأجابته قائلة بانفعال شديد:

-ملقتش حاجه! الطريق أمان؟ طيب نازله...


نظرت لهما وقالت:

-التحذير الأخير، إياكم تقولوا لحد إني كنت هنا.

ثم فكت قيد يدي تقى وخرجت من الشقة راكضة،  فكت تقى يديها ثم يد سراب، كانتا مبهوتتان ومذعورتان، نظرتا لبعضهما في صمت، ثم حررتا أنفسهما من قيد قدمهيما.


نهضت سراب واقفة وهي تراجع ما حدث بأنفاس متسارعة وقلب يختلج، تجتر لقائها الأول والثاني مع هند! فلم تأخذ منها شيء، ودون سابق إنذار ركضت للأسفل حافية القدمين، وتبعتها تقى وهي تقول بانفعال:

-يا بنتي اصبري... رايحه فين؟ بطلي تهور...


ظلت «تقى» تتبعها إلى أن توقفت أمام بوابة بيت دياب وأخذت تقرع الجرس وتطرق البوابه بقبضة يدها وأنفاسها تتصارع وشهقاتها ترتفع، وتقى تحاول تهدئتها لتصبر وتعود لتفكران بهدوء فيما حدث، ولكن تذكرت أنها نسيت مفتاحها بالداخل وقد أُغلق الباب، فأخذت تطرق معها البوابة...

                        ★★★★

من ناحية أخرى 

جلس رائد قبالة زوجته «نداء» يُطالعها وهي تُحاول إقناع ابنتها بملابس وضعتها على الفراش، كان حائرًا خائفًا، لا يدري أيخبرها بأخر خبر عن أخيها أم يبتلع ما حدث وكأنه لم يكن، لكنها قد تتوصل إليه! فأن ترى ذلك الفيديو في وجوده خير من أن تراه في غيابه، انتشله من خضم أفكاره قول ابنته:

-لأ يا ماما مش هلبس دا... الهدوم دي مش عجباني!

-لـــــيـــــه الهدوم جميله يا أروى.

-يا ماما دي هدوم مستعمله! أنا مش عايزه ألبس مكان حد!

-دي هدوم مريم بنت عمتك وجديده، إنتِ ليه محسساني إنك هتلبسي هدوم مقطعه!

-يووووه مش بحب ألبس مكان حد يا ماما!


نفخت نداء متضجرة، ونظرت لزوجها تلتمس منه العون ليقنع ابنته، فقال رائد:

-خلاص يا نداء سيبيها أنا هاخد الهدوم دي لأي حد محتاج طلما هي مش عايزاها.


ابتسمت الابنة وقبلت والدها من وجنتيه وقالت:

-إنت أحلى بابا في الدنيا.


اتسعت ابتسامته وهو يقول:

-ماشي يا بكاشه ادخلي بقا نامي الوقت اتأخر وسهرتِ كتير النهارده.


نفذت أروى ما طلبه والدها على الفور، فقالت نداء:

-مش شايف إنك مدلعهم بزياده! 

-لأ مش شايف، لكن شايف حاجه تانيه!

قالها بسخرية لطيفة فترقبت بنظراتها ما يرنو إليه، فاستطرد:

-شايف إنك بتعملي مع بنتك نفس اللي والدتك كانت بتعمله معاكي وكان بيضايقك... فاكره؟


ازدردت لعابها وهي تتذكر كيف كانت والدتها تجبرها على استعمال ملابس بنات خالتها، فتجهمت قليلًا قبل أن تزفر ضاحكة وتقول:

-تصدق بالله مفيش حاجه عيبت على أمي فيها إلا ولقيتني بعملها من غير ما أحس.


ثم تنهدت وقالت:

-بس أنا كنت بوافق مكنتش بعرف أقول لأهلي لأ على عكس بنتك تمامًا...


قال بابتسامة عذبة:

-ربنا يباركلنا فيها يا نداء... 


ران عليهما صمتٌ طفيف قطعه حمحمة رائد، ثم فرك أنفه وحك عنقه وأطرق قليلًا، وهي تتابعه مضيقة جفونها، قالت:

-مخبي عليا ايه يا رائد؟ نادر عمل حاجه، صح؟


رمقها وأطبق شفتيه مفكرًا، فحثته على البوح قائلة:

-قولي مش هزعل أنا اتعودت خلاص، نادر ضاع واللي كان كان.


نهض وجلس جوارها ثم فتح هاتفه وقال:

-شوفي الفيديو ده قدامي بدل ما تشوفيه في عدم وجودي...


أخذت نداء الهاتف من يده، وفي صدمة طالعت ما يفعله أخوها، رقص وغناء وأفعال لا تليق بحامل لكتاب الله في صدره، أغلقت جفونها وأشاحت وجهها للجهة الأخرى وهي تعطي زوجها الهاتف فلم تستطع اكمال الفيديو لأخره...


مد يده ليعيد وجهها إليه، لينظر لعينيها اللتان تبرقان بدموع الحسرة والحيرة، وليقرأ ما يعتمل في صدرها من نظراتها...


أصبحت تخجل من أفعال أخيها؛ الذي سعت جاهدة لتعليمه ولتحفيظه كتاب الله...

ولأن نادر كان أصم وأبكم في طفولته تعلمت لغة الإشارة لأجله إلى أن ظهر رائد وسعى لعلاجه وزراعة قوقعة بأذنه، كيف أصبح هكذا؟ كيف تعثر وهوى في ديچور الذنوب؟ تسارعت العبرات تفر من مخادعها وهي تقول:

-ياريته ما اتعالج يا رائد، ياريته فضل أصم ولا إني أشوفه كده.


لم يقدر على التفوه بكلمة، خاصة حين شهقت باكية وهي تقول:

-يا خساره... يا خسارة...


حاوطها رائد بذراعيه وقال:

-عشان خاطري متعيطيش إن شاء الله هيرجع لعقله.


كان ينطق بكلماتٍ لا منطق لها، ولا يصدق أنه سيعود يومًا، وفجأة سمع طرقًا على بوابة البيت فنهض مسرعًا ليفتح، وهو يقول:

-مين جاي دلوقتي؟


وجلست نداء تفكر في أخيها وفي حسرة والديها عليه!


بينما كان نادر في مكان أخر يرقص مع سارا على حلبة الرقص، لا يفكر بشيء إلا حلمه وشهرته يضحك ملئ شدقيه فهو كل يوم بحفلة ما! 


قدم إليه أحدهم مشروبًا مُسكرًا وأخذ يُلح عليه ليتذوقه فقط، رفض نادر في البداية لكنه وافق في النهاية، وعند أول رشفة تشنجت عضلات وجهه ورشفة تلو الأخرى اعتاد مذاقه...


وهكذا الذنب حين يفعله صاحبه في البداية ستتشنج روحك وتثور رافضة ومرة تلو الأخرى ستعتاده ولن تجد سعادتك إلا حين تفعله، بمعنى أدق سيظلم فؤادك...

                      ★★★★★★★

وعند عمرو وعامر فمنذ دلوفهما للبيت ودياب ينهر عامر عما يفعله، وعامر يخلق تبرير تلو الأخر ليخرج من دائرة العتاب، فهو بحب تقى ولكن لن يبوح بمكنون صدره حتى يصل لهدفه أولًا، ثم يستقر ويتزوجها...

قال «دياب» وهو يوقع كلماته:

-بص يا عامر أنا عندي بنتين ومقبلش على بنات الناس اللي مقبلهوش على بناتي...


-يا بابا تقى زي اختي وأنا عمري ما آذيها...


قال دياب بانفعال:

-متقولش أختك، لو أختك كنت هتمسك إيديها مش هتحتاج لحلقة وصل زي الحبل اللي حاطه في جيبك ده! إنت بتأذيها باللي بتعمله ده أنا حاسس بالبنت ومراقب كويس نظراتها وإنها بتجاهد نفسها عشان تحصن قلبها منك وإنت...


أمسك دياب عن الكلام، تنهد بعمق، فنطق عامر:

-أعمل ايه يعني يا بابا؟ ما هي صعبانه عليا وعايز أساعدها ومش عارف، بقرب منها بحدود مبمسكش ايدها ولا بقولها كلام أتكسف حد يسمعه مثلًا، كل الحكايه إني بساعدها وبطمنها إني جنبها.


وقف عمرو يبدل نظره بينهما يسمع تبريرات عامر وحزم والده واحتد الحوار بينهما، فقال عامر بعناد:

-أنا مش هعرف أبعد عنها يا بابا...


-يبقا تتجوزها...


هز عامر عنقه معترضًا وهو يقول:

-مش هينفع دلوقتي، مش قبل ما أخلص إختراعي.


صرخ والده في وجهه:

-هو إنت ياد عايز تجنني اختراع إيه ده! 


وبانفعال جذبه دياب لداخل غرفته وقال وهو يشير لمكتبه:

-ورينا اختراعك، إن شاء الله هتقعد عمرك كله فاشل، مفيش حاجه واحده ناجح فيها! لا ممكن تنجح مره وتفـ ـجر البيت كله.


أطبق عامر شفته وأطرق، ثم تنهد وقال بإرادة قوية:

-هنجح يا بابا، وساعتها حضرتك هتزعل من نفسك أوي عشان موقفتش جنبي، أنا مش هحطـ ـم نفسي عشان إنتوا عايزين تشوفوني إنسان تقليدي، أنا واثق إن ربنا محطش في قلبي الحلم ده ولا في عقلي العلم ده إلا عشان يتحقق، سيبوني أجرب وأفشل وأجرب تاني وتالت وعاشر لحد ما أنجح، وبالنسبه للإنفجـ ـارات فهي مجرد أصوات عاليه زي الصواريخ الصوت يعني مش هتفـ ـجر البيت اطمنوا.


دفعه دياب بعنـ ـف، وكأن كلام ابنه آلمه، لوهلة خشى أن يكون من هؤلاء المحبطـ ـين لأبنائهم، لكن ابنه لم يصرح يومًا عن ماهية اختراعه لم يُرى منه سوى تلك الإفجـ ـارات المتكررة، استجمع دياب شتات نفسه وقال:

-تبعد عن تقى، فاهم؟


قال عامر بانفعال:

-يا بابا أنا مبعملش حاجه غلط يعني أنا مش زي رامي اللي كان بيقايل ريم وبيقولها كلام حب من غير ما يكون بينهم حاجه غير انها بنت عمه، ولا رائد اللي كان بيكلم نداء، يا بابا أنا بعمل كل حاجه في النور.


هدر به دياب وهو يوقع كلماته:

-فعلًا أنا معرفتش أربي...


ووقف «عمرو» بينهما يُهدأ من إنفعال والده حتى قطع كلامهما صوت طرقات مرتفعة على بوابة البيت، وصوت الجرس يدوي، حتى استيقظت شيرين أثر ذلك، قال دياب موجهًا حديثه لعمرو:

-مين اللي بيخبط كده؟ أنزل شوف مين؟


نظر عامر من الشرفة فرأى حالة سراب، ظن أنهما تشاجرتا، فصاح:

-حاضر نازل يا تقى ثواني...


ركض «عمرو» للأسفل في حين رمق «عامر» والده وأسقط بصرة بحرج وهو يقول بهدوء:

-أنا آسف متزعلش مني يا بابا... تقى هتفضل زي أختي هساعدها وأقف جنبها ومش هتجاوز حدودي أوعدك.


ثم ركض للأسفل بينما قلب دياب كفيه ثم خاطب شيرين قائلًا:

-عيالك تعبتوني... 


تنهدت شيرين وصمتت وهي تمسح وجهها أثر النوم...

استغفروا🌸

                 *********

خرج رائد من شقته تزامنًا مع فتح عمرو بوابة البيت، قالت سراب بأنفاس متسارعة:

-عمرو الحقني فيه... 

وأمسكت عن الكلام فجأة حين تذكرت استفزازه المستمر لها وقوله «أنا بكرهك»

حثها عمرو على الكلام بقوله:

-في ايه يا سراب؟

مسحت دموعها ونطقت بثبات زائف وباقتضاب:

-مفيش حاجه... طنط فين؟


أشار «عمرو» للأعلى فركضت سراب، وقابلت رائد الذي سألها عما حدث فلم تجبه، فدخل خلفها لشقة والديه.


سأل عامر تقى:

-في ايه يا تقى، مالكم؟


ترقب عمرو اجابتها، فازدردت تقى لعابها وقالت:

-آآ... أصلنا... أصلنا اتخانقنا...


سألها عمرو بكياسة:

-إنتِ مخبيه حاجه يا تقى؟


حاصرها بنظراته، أخذ يتابع لغة جسدها، قبضة يدها المرتعشة، ولمستها لأنفها وهي تقول:

-هـ... هخبي ايه يعني! اتخانقنا و... وبس.


أفسح لها عمرو الطريق لتدخل، وحين دلفت للبيت كانت سراب تختبئ بين ذراعي شيرين، وكأنها تبحث عن الأمان، وقفت تقى تفرك يديها وتفكر هل تنطق بما حدث أم تتمهل! وقررت ألا تتسرع فلن تندفع...


أمطروها بوابل من الأسئلة، ماذا حدث؟ ولمَ تبكي سراب هكذا؟ فقالت تقى:

-اتخـ ـانقنا...


رمتها سراب بنظرة تعجب، وقرأت في نظراتها أن تتريث فلاذت بالصمت، ولم تنطلي على عمرو تلك الحكاية، فسراب وتقى لم يتشاجرا بل هناك أمر أخر وسيعرفه...


وبعد فترة هدأت سراب، والجميع يترقبون ويطالعون وجه تقى الذي يشي بمدى وجلها، كانت شاردة تُحدق بالفراغ حتى ربتت شيرين على كتفها تزامنًا مع قول عامر:

-تقى!


فانتفضت تقى فجأة، قالت شيرين:

-بسم الله الرحمن الرحيم، إيه يا حبيبتي؟


وكأنهما ضغطا على زر دموعها فأجهشت بالبكاء، تريد والدها، تريد أمانها وسندها، إلى متى ستظل الحياة ترميهما بمصائب ومفاجآت لم تكن بالحُسبان، لكنها سنة الحياة...


بكت كثيرًا واختلط صوت نشيجها مع صوت سراب، التي نهضت وضمتها، بينما قالت شيرين:

-دا شيطان ودخل بينكم استعيذو بالله منه...


سأل دياب:

-إيه بس يا بنات؟ لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.


وكان رائد يتابعهما بترقب وفي صمت...


وبعد فترة ليست بالقليلة، عم الهدوء، خاطبت تقى رائد:

-إحنا نسينا المفتاح جوه يا أبيه!


قال رائد:

-خلاص انتوا اطلعوا ناموا مع نداء فوق والصبح ان شاء الله نشوف هنعمل ايه.


-لأ

قالتها سراب بوجل وأضافت:

-أنا مش همشي أنا هبات هنا... بالله عليكِ يا طنط عايزه أنام هنا.

قالتها موجهة كلامها لشيرين، فقالت تقى بضجر:

-سراب بطلي شغل العيال ده! هنا فين؟ تعالي فوق عند أبله نداء.


حاولت تقى جذب سراب من يدها ولكن تشبثت سراب بذراع شيرين، وكان الخوف يُطل من عينيها، فقال عامر:

-خلاص يا تقى خليكوا هنا وأنا وعمرو هنروح نبات عند بدر.


-لأ...

قالتها سراب بذعر، ثم أضافت:

-خليكوا هنا الشقه واسعه، صح يا طنط؟

قالتها وهي تُطالع شيرين التي تفرست ملامح سراب هنيهة ثم نطقت:

-أيوه خليكوا يا ولاد... 

-وياريت أبيه رائد كمان يبات هنا.

قالتها سراب بتوجس، فقال رائد:

-ليه؟ 

-عشان لو حد... لو حد خبط تاني.

قالتها سراب بتلعثم، فتحسست شيرين جبين سراب وقالت:

-الله مش سخنه! افتكرتك بتخترفي والله!

وبابتسامة مغتصـ ـبة، قالت سراب:

-لا كنت بهزر.


جالت تقى بنظراتها تتأمل الشقة الواسعة فكانت تحتوى على ثلاث غرف ومطبخ وردهة مكتنزة بمنتصفها درجات سلم يؤدي إلى ردهة واسعة تضم ثلاث غرف أخريات وبكل غرفة مرحاض خاص بها.


تبادلوا الكلمات، وأصرت سراب ألا يغادر عامر وعمرو لأي مكان! فقد كانت تخشى هند وعصابتها تلك!


قرأ عمرو نظراتها الوجله، واستقر الأمر بأن تم إسدال الستائر أمام درجات السلم بعدما صعدتا تقى وسراب لإحدى الغرف...


استلقى عمرو على فراشه، وجلس عامر على مكتبه يكتب ليُكمل اختراعه، فابتسم عمرو وقال:

-عامر! 

التفت عامر يُطالعه بترقب، فأكمل عمرو:

-استمر يا عامر، إنت بطل وأنا واثق إنك هتنجح ولو فـ ـجرت الأوضه بتاعتنا مية مره أنا مش هزعل.


ابتسم عامر وعاد يكمل عمله دون أن يعقب، فأضاف عمرو:

-اللي عاجبني فيك إن كلامنا السلبي والمحبـ ـط مأثرش فيك بالعكس دا بيزيدك عنـ ـفوان، وقـ ـوة وتصميم إنك تكمل... عشان كده أنا متأكد إنك هتنجح.


تنهد عامر بارتياح وعدل نظارته وهو يقول بابتسامة عذبة:

-شكرًا يا عمرو على تشجيعك.


-مش محتاج أقولك إنك لو احتاجت حاجه أنا موجوده.

ألقى عامر قبلة لأخيه في الهواء وقال:

-نام بقا عشان محتاج أركز.


وعاد يُكمل عمله بتركيز، وهو يعطس بين فينة وأخرى وعمرو يشمته، ثم انقلب عمرو على جانبه الأيمن وأخذ يفكر في كل شيء، كارم وهند وسراب وتقى، ويتسائل تُرى ما الذي يحدث مع هاتان الفتاتان؟


من ناحية أخرى

استلقت تقى جوار سراب في غرفة بها فراش ومخدع ملابس...

قالت سراب:

-ليه مقولتلهمش اللي حصل؟


التفتت لها تقى وقالت:

-مش هند حذرتنا نقول؟ يبقى لازم نفكر كويس قبل أي خطوه.


اعتدلت سراب من رقدتها وقالت:

-أنا مأخدتش منهم حاجه يا تقي والله.


قالت تقى بفطنة:

-يمكن بابا اللي أخد منهم!


-جدو! أخد منهم إيه؟ وهو يعرفهم منين أصلًا؟


أطلقت تقى تنهيدة حارة وقالت:

-مش فاكره لما اتخـ ـطفتِ! خلوكي تكلمي بابا؟ أكيد فيه حاجه غامضه! أنا حاسه إن هند دي هي مفتاح لغز اختفاء بابا.

صمتت سراب تفكر في كلام تقى وتربط الأحداث ببعضها، رشقتها تقى بنظرة مطولة ثم تنهدت واستدارت توليها ظهرها وران عليهما الصمت...


مرت الليلة والتفكير يقتات على العقول، ولتهرب تقى من أفكارٍ كادت تطيح برأسها نهضت وتوضأت ثم شرعت تصلي وتدعو الله ألا تُفجع في والدها فيكون شخصًا سيئًا، إن مات ستصبر لكن إن كان سيئًا سيظل وسمه عالقًا بها أبدًا ما حييت.

                      ★★★★★

في مكان أخر كانت «هند» تقطع الغرفة ذهابًا وإيابًا وشرارة الغضب تتطاير بالمكان، وباسل يجلس على المقعد يحرك عينيه معها حتى صاحت به:

-إنت ساكت ليه ما تقول حاجه؟

-أقول ايه! الصراحه أنا مش عارف، فهميني وأنا أقولك، يعني بتدوري على إيه معاهم؟ ساعتها ممكن أفكر معاكِ وأساعدك.


قالها بهدوء أثار غضبها فصاحت:

-إنت أصلًا ملكش لزمه أنا اللي بعمل كل حاجه!


انفعل عليها:

-هو إنتِ ليه محسساني إني شغال عندك يا نيمو! أنا بساعدك عشان... 


ابتلع باقي كلماته وأسقط بصره، كيف يخبرها أنه يساعدها لأنه يحبها ويخاف عليها، فقد تعرف عليها صدفة قبل أعوام كانا بمطعم، كل منهما يجلس وحده، وكانت تقرأ نفس الكتاب الذي يقرأه مما أثار انتباهه، تابعها لأيام وهي تجلس في نفس الميعاد ونفس المكان وكأنها تسطر وقتها بالمسطرة، وما أن انتبهت أيضًا ابتسمت له وظلا يتبادلان النظرات والابتسامات لشهرين، حتى نهض وجلس قبالتها وتعارفا...


رأى في قلبها طيبة تجلت في نظراتها، كانت تؤلف وتكتب وأخذت تقص عليه ما تخطه بقلمها، وما هو مرآة تعكس داخلها والصراع الذي يدور فيه، ومن وقتها تكرر لقائهما وساعدها كثيرًا حتى أنه أنتج لها فيلمين وها هو في طريقه لإنتاج الثالث فقط لأجلها، يغامر بكل شيء حتى نفسه، لكنها لا تشعر به والآن ها هي تسعى خلف شيء لازال يجهله، وكلما سألها عنه تتهرب من الإجابة...


هب واقفًا، زفر بقـ ـوة ثم قال:

-تصدقي أنا غلطان إني بسيب شغلي وحالي وأجري وراكِ... خليكِ يا نيمو ماشيه ورا عمك لحد ما إن شاء الله هينتهي بيكِ المطاف في السجن.


رمقته بطرف عينيها وقالت باستعطاف:

-إنت زعلت! 


لم يرد عليها بل فتح الباب وغادر فهرولت خلفه تنادي:

-استني... يا... يا باسل... 

لم يرد عليها فأغلقت الباب خلفه وجلست مكانها تنفخ بضجر، وهي تقول:

-كنت نقصاك إنت كمان.


وكان هناك أمر أخر يشعل اللهب داخل رأس باسل، فلم يرَ وجه بدر وأراد أن يتأكد من هويته بنفسه وبأي وسيلة...


خرج وكان شاردًا، تجول بسيارته لفترة ثم عاد لغرفته بالفندق عازمًا أن يحل الأمر في الصباح...

بقلم آيه شاكر 

استغفروا ♥️ 

                     ★★★★★★

انجلى سواد الدجى وأشرقت شمس يوم الجمعة، ذلك اليوم الذي له رائحة خاصة ومشاعر روحانية لا يحس بها إلا قلة قليلة، ففي هذا اليوم خُلق آدم عليه السلام وفيه أُدخل الجنة وفيه أُخرج منها ولا تقوم الساعة إلا في يوم جمعة، فتنتبه جميع الخلائق ترقبًا لقيامها...


تسللت «سراب» من جوار «تقى» كي لا توقظها فقد رأتها مستيقظة طوال الليل تصلي تارة وتبكي تارة حتى أذن الفجر...

خرجت من الغرفة تلتفت يمنة ويسرة خشية أن تلتقي بعمرو من بكرة الصباح اطمئنت حين تذكرت أنه يذهب يوميًا بعد صلاة الفجر للصالة الرياضية، فتنهدت بعمق وأكملت طريقها للمطبخ...


ألقت التحية على شيرين، التي حدقت بوجهها وقالت:

-أهلًا بالشقيه اللي متخانقه مع أختها.


-هه! آآ... ما هو....

صمتت سراب وكانت الحيرة تُطل من عينيها أرادت أن تُخبر شيرين بما حدث من هند بالأمس، ولكن تعثرت الكلمات عن الخروج، وقُيد لسانها...


قالت شيرين:

-إنتِ شقيه أوي يا سراب!


ابتلعت سراب كلماتها وتبريراتها وصمتت، أطرقت بحزن، فقالت شيرين:

-هسيبك تحمري البطاطس وتسلقي البيض ده على ما آجي ونتكلم بعدين يا شقيه.


لاحت على شفتيها ابتسامة باهتة ووقفت تُقلب البطاطس، وتضع البيض بوعاء به ماء ثم وضعته على النار...

                   ★★★★★★

كانت تقى تبحر في عالم أخر، عالمٌ تغوص فيه الروح رُغمًا عنها، تتقلب وتحلق وترى بينما الجسد ساكن لم يفارق فراشه، عالم أخر لا نعرف ماهيته، أحيانًا يعرض لنا حقائق ليحذرنا من واقعنا، وأحيانًا يتدخل الشيـ ـطان، فتتشوش الرؤية. 


-اتجوزها يا عامر!

-مش هينفع دلوقتي.

-لـــــــيــــــــه؟ إنت لازم تتجوز تقى.

-لأ مش هتجوزها، مش هينفع، مش هتجوزها...


تردد صدى صوت «عامر» بأخر كلمتين مرة تلو الأخرى، فاندفع نحو قلبها كسهامٍ من لهب، فقد كان والد عامر يناشده أن يتزوج منها وها هو يصر على رفضها! تسائلت لماذا؟


اختفى الصوت وسكن كل شيء إلا قلبها الذي كان ينبض بقـ ـوة ليدس الحزن بكل خلية بجسدها...


لم تكن ترى شيئًا، فالضباب يغشى المكان وحين انقشع لم تبصر سوى ظلام دامس حتى ظنت أنها فقدت بصرها، كما شعرت بشيء خفي يجثم فوق صدرها، صارت تُصارع لتتنفس وكأن الأكسجين اختفى من الهواء بغتة، كادت تخنتق لكنها ذرات الأكسجين عادت مرة أخرى حين لاح لها صورة تشق الظلام، كانت «سراب» في صغرها تصافح والدها «كارم»، ابتسمت «تقى» وهي تقول بحمـ ـاس غطى على حزنها:

-بابا! إنت رجعت؟


لم يلتفت لها ولم يلحظها وكأنها كانت تراهما على شاشة تلفاز مكتومة الصوت فلم تسمع شيء مما يتحدثان به! فقط ترى حركة شدقيهما...


وأجفلت «تقى» حين رأت رأس والدها يتحول لكرة من نار ويتصاعد لهيبها، وفجأة أُلقي بسهم من لهب تجاه يديهما، فشعرت وكأن السم قُذف لقلبها مباشرة فصرخت صرخةً متألمة، وصاحت: 

-سيبي إيده يا سراب، ابعدي عنه دا مش بابا، دا شيـ ـطان...


لم تلتفت لها سراب، فركضت «تقى» نحوها بأقصى سرعة علها تُخلصها ولكن لم تجدهما، اختفى كل شيء وقفت تلتفت يمنة ويسرة، أعلى وأسفل علها تجد طاقة من نور بعدما أظلم المكان مرة أخرى، صرخت وصرخت بأعلى صوتها، وأخذت تصيح:

-يا بــــــــابــــــا! يا ســـــــــــراب يا عـــــــامر... يا طنط شـــــيـــــريـــن...

ثم انتبهت من نومها فجأة، وتنفست....


كانت «شيرين» قد فتحت باب الغرفة لتوها، اقتربت منها وقالت بلهفة:

-بسم الله عليكِ، صوتك كان عالي أوي سمعتك وأنا معديه من قدام الأوضه بتنادي عليا...


أخذت تقى تردد الإستعاذة بينما كانت قطرات العرق تبرق على جبينها رغم برودة الجو، حاولت اظهار التماسك، فتنفست مرة تلو الأخرى، وقالت:

-أنا كويسه يا طنط، أومال سراب راحت فين؟


-تحت سيباها بتجهز الفطار، يلا قومي كدا وتعالي ورايا...

قالتها شيرين وهي تربت على كتف تقى ثم خرجت من الغرفة وتركتها تغوص في بحر أفكارها المدلهم، فما حدث بالأمس بث الرعب في نفسها! خشيت أن يكون والدها شخص سيء! ربما هو كذلك، وهو السبب بكل ما يحدث معهما....


انتشلها من خضم أفكارها صرخة ميزت صاحبتها جيدًا، فانتفضت ووثبت من فراشها وهي تصيح بوجل:

-ســـــــــــــــــراب.


فتحت غرفتها وركضت لأسفل وهي تسمع صوت عمرو المنفعل، وصلت المطبخ ووقفت تلهث وهي  تبدل نظرها بين عمرو وسراب...


وعلى الجانب الأخر، أطبقت سراب يدها على فمها ووقفت مبهوتة، تتابع عمرو وهو يمطرها بوابل من التوبيخات، ويلومها على ما فعلت...


فقبل لحظات...

كانت سراب شاردة، تحمل وعاء يحوي البيض المسلوق والماء المغلي لتُفرغ ما به من مياه بالحوض، في حين وقف عمرو خلفها مباشرة لم يدرك أن عقلها ضالًا سجينًا يركض داخل دهاليز أفكارها المظلمة عله يجد شعاع ضوء فيهتدي به.


أراد فتح حديث معها، أراد تسوية علاقتهما لتطمئن له وتحكي له ما تخفي، ليخبرها بما يجيش به صدره حول كارم وتخبره بما يعتمل به صدرها ليصلا لحل معًا، وحين نطق عمرو:

-صباح الخير!

أفزعها فألقت المياه المغلية عليه وهي تصرخ، بل ظلت تصرخ بعدما أبصرته ينتفض ويزيح ثيابه عن جسده قبل أن تحـ ـرقه، لا تعلم لمَ ظنته أحد أفراد العصابه! ولكن كيف سيصل أفراد العصابة هنا!! 

حاولت تدارك الموقف فأفرغت عليه قنينة مياه، غضب عمرو منها وارتفع صوته بينما شيرين وتقى تسألانه عما حدث، أطرقت سراب وترقرقت عيناها بالدموع.


وحين رفع عمرو بصره ورأى عينيها الدامعتين رق لها، فخرج مسرعًا من المطبخ، زاعمًا أنه لا مجال للحديث مع تلك الفتاة.


تركها تدمدم بدموع وبصوت سمعه تقى وشيرين: 

-مأخدتش بالي... آسفه... بكرهك يا عمرو.

كالعادة تنطق بلسانها تلك الكلمة الأخيرة لتقنع نفسها بما لا يتلجلج به صدها...


على نحوٍ أخر 

دخل عمرو غرفته، نظر لانعكاسه بالمرآة ولاحمرار صدره ونفخ بضجر، أخذ يبحث بين الأدراج عن كريم موضعي لتخفيف الألم حتى وجده ووضعه...


سمع آنات أخيه، ولاحظ تكوره على نفسه، فاقترب منه وناداه، فقد حاول إيقاذه لصلاة الفجر فأخبره أنه سيلحق به ولم يفعل...


فتح «عامر» عينيه بخمول وقال بصوت متحشرج:

-هي الساعه كام دلوقتي؟

-الساعه٨، قوم بقا صحيتك كتير عشان تصلي الفجر.


-مش قادر!

قالها عامر، فمد عمرو يده يتحسس جبهته، وقال بصدمة:

-إنت مولـ ـع نـ ـار يابني.


قال عامر بأنفاس مرتفعة:

-والله كنت حاسس دا أنا مشوفتش النوم من كتر التعب.

-طيب قوم، قوم أساعدك تاخدلك دش ننزل الحراره دي ونشوف هنعمل ايه.


ساعده عمرو على النهوض ليعمم جسده بالمياه الفاتر قبل أن يخرج ليخبر والدته...


حمحم «عمرو» وهو يتجه للمطبخ لينذرهن بقدومه، وكانت «تقى» تجلس وجوارها سراب تمسك المصحف وتقرآ سورة الكهف معًا، وكانت تقى خاشعة تتأمل كل كلمة تقع على مسمعها أو تنطق بها، فهذه السورة بمقاصدها تُربت على قلبها وكأنها تُعلمها أن تركن إلى الله وأن ترضى بقدرها خيره وشره، فهناك حكمة من كل شيء وإن لم يفهمها عقلها محدود الإدراك...


وكانت شيرين تُعد إفطار أخر لعمرو وعامر وهي تستمع إليهما...


سمع عمرو صوت سراب تتتعتع في قراءة:

-﴿وتحسبهم أيقاظًا وهم رقود...﴾

قرأتها بفتح الباء بأول كلمة، فصحح لها قائلًا:

-ضُمي الباء واهمسي الحاء.


رمقته سراب شزرًا وصمتت لحين خروجه، فهز رأسه مستنكرًا ثم تنحنح، وقال لوالدته:

-ماما عامر سخن.

شهقت شيرين بصدمة وقالت:

-سخن! أنا كان قلبي حاسس إنه هيتعب امبارح خارج بتيشرت صيفي بالليل وقولتله اشرب مايه قبل ما تخرج مسمعش كلامي.


هرولت شيرين نحو الغرفة وتبعها عمرو وجلست تقى تحدق بالفراغ وقد ترددت فجأة تلك الجملة التي سمعتها في منامها: 

-«مش هتجوزها» 

أخذ صوت عامر يتردد في أذنها بينما ظلت سراب تكمل قراءة، وخرجت من شرودها حين لكزتها سراب لتكمل قراءة، فنهضت تقى واقفة وقالت:

-اقرئي إنتِ أنا شويه وراجعه.


وقفت تقى أمام باب الغرفة المفتوح، ترهف السمع حتى قات شيرين:

-هجيبلك الفطار وتاخد الدوا وان شاء الله تبقى زي الفل.


خرجت شيرين من الغرفة فرأت تقى تقف تقرض أظافرها فابتسمت لها وأخذتها من يدها للمطبخ...


حملت تقى الافطار إليه بنفسها وشيرين تسير جوارها ووقفت تقى تتابعه وشيرين تطعمه بيدها، لاح شبح ابتسامة على وجه عامر وهو يقتنص نظرة من تقى، واتسعت البسمة حين قالت تقى بصوتها الرقيق:

-الف سلامه عليك يا عامر.

-الله يسلمك يا تقى.

قالها عامر، فخرجت تقى من الغرفة إلى المطبخ، وظل عامر يحملق بمكانها الفارغ والإبتسامة لا تفارق عينيه.


مر الوقت وتقى وسراب ماكثتان ببيت دياب، فاليوم عطله وقد أصرت شيرين أن تتناولان معهم الغداء ثم سيأخذهما رائد ويفتح بابهما بعد الصلاة، وكان هناك سبب أخر لذلك.


وافقت تقى على الفور فكانت قلقة على عامر وحالته تلك، فقد كان يتقيأ أي ما يدخل لمعدته...


ظلت تقى جالسة بالمطبخ تتابع الطعام حتى ينضج وهي شاردة في ذلك الكابوس الذي شق غيمة أحلامها بينما صعدت سراب لشقة ريم لتتحدث معها علها تستطيع البوح بما يشغلها...

                    ★★★★

وبغرفة عامر ...

كانوا يحاوطون عامر، قال دياب:

-أنا شايف إنه لازم ياخد حقنه، هتجيب معاه من الأخر، أصل طلما بيرجع يبقا مش نافع معاه الحبوب.


وقالت شيرين:

-أيوه معاك حق... عمرو يروح يجيبله حقنه ويجي.


قال عامر بوهن:

-حقنة ايه! لأ، مين هيديهالي؟


أشار عمرو لنفسه بزهو وهو يقول:

-أنا... إنت ناسي إني دكتور ولا ايه؟!


قال عامر:

-وإيه دخل دكتور التدليك في الحقن! دي بقت بطاطا خالص، كله بقى بيدي حقن اليومين دول.


ضحك عمرو وقال:

-مش عارف إنت مش واثق فيا ليه!


ربت دياب على كتف عامر وقال:

-اسمع كلام أخوك يا عامر خليك تقوم على رجلك يابني.


قال عمرو:

-بص عشان أطمنك هوريك التجربة عمليًا على برتقانه.


رفع عامر رأسه بتعب وردد بذهول:

-برتقانه!! 


قال دياب:

-طيب أسيبكم أنا بقا عشان عندي كام حاجه كده هعملها قبل الصلاة.


خرج دياب وتبعته شيرين التي همست له:

-هنقول لتقى وسراب على اللي حصل ولا ايه؟


همس دياب:

-لأ متقوليش حاجه إلا بعد الغداء أنا هقعد أتكلم معاهم!


لم يلحظا وجود عمرو وتنصته لما يقولان إلا حين سأل:

-هو إيه اللي حصل ومخبينه عن تقى وسراب؟


وضع والديه سبابتهما على فمهما أن صه! ثم قال دياب:

-هقولك بعدين بس روح هات لأخوك الحقنه واديهاله عشان يقدر يروح يصلي، خلاص معدش إلا نص ساعه.


أومأ عمرو على مضض، ولأن الفضول كان يشتعل بداخله فور أن خرج والده، سأل عمرو والدته عما حدث، فغمغمت متضجرة وتركته...


                        ******

وبعد فترة في غرفة عامر

وقف عمرو ومعه برتقالة قام بحقنها ثم وضع قطنة وهو يقول:

-بالشفا أن شاء الله.


زفر عامر ضاحكًا وقال ساخرًا:

-إنت شكلك عايز تتدرب فيا يله! لأ أنا مش واخد حقن.


أطلق عمرو تنهيدة وهو يجلس جوار أخيه وقشر البرتقالة ثم أكل منها ووضع قطعة بفم عامر، فقال عامر وهو يلوكها:

-هي البرتقاله دي مش لسه واخده حقنه؟ 


-شوفت أهي خدت الحقنه وقامت بالسلامه وبتتاكل كمان وإنت لسه تعبان.

قالها عمرو ضاحكًا ثم حرك أمبول الحقن بيده وهو يقول بابتسامة عابثة: 

-يا حبيبي الحقنه دي فيها الخلاصه.


اعتدل عامر جالسًا وعقد ذراعيه أمام صدره مصرحًا بنبرة مرهقة:

-أيوه ما هي أكيد فيها الخلاصه، عاوز تخلص عليا عشان تاخد الأوضه لوحدك.


حاول عمرو طمئنته فقال:

-طيب إنت عمرك سمعت عن حد مات بسبب حقنه عضل؟

-مسمعتش بس ممكن أكون أول واحد.

-يا سيدي محدش بيموت إنت أخرك هتتشل.

قالها عمرو، فرشقه عامر بنظرة ثاقبة وهو يقول متعجبًا:

-هتشل!! إنت كده طمنتني يعني!


أكل عمرو أخر ما تبقى من البرتقاله، ثم قال:

-يابني والله اتدربت كويس على البرتقاله، هنقسم أربع إربع وهديك في الربع الأول لفوق... يلا بس قوم وريني... 

-أوريك إيه! قولتلك مش واخد حقن.

قالها عامر رافعًا نبرة صوته، فقال عمرو:

-والله ما تقلق هو أنا هضرك يابني، دا إنت أخويا...


اقتنع عامر ونهض بوهن، فصاح عمرو:

-ناوليني قلم ومسطره يا ماما.


التفت له عامر يُطالعه بحدقين واسعتين، فضحك عمرو وقال:

-يا عم بهزر فك كده ومتقلقش إنت في إيد أمينه.


من ناحية أخرى

كانت تقى تجلس قبالة شيرين، تفرك في جلستها وكانت تُقلب نظراتها في أرجاء البيت عله يظهر فتطمئن بينما كانت شيرين تحكي لها عن الماضي وحياتها مع أبنائها عندما كانوا صغار، وتقى تبتسم مجاملة لها، طال انتظارها فلم يظهر عامر مما دفعها للسؤال:

-هو... احم، يعني عامر... عامل ايه دلوقتي؟


ابتسمت شيرين بكياسة، فهي تعلم ما ترنو إليه تقى ونظراتها التي تتقلب كثيرًا بحثًا عن عامر، صمتت شيرين هنيهة ثم قالت:

-عمرو بيديه حقنه، دلوقتي يخرج عشان يصلي...


تنهدت شيرين بعمق وأضافت:

-هو عامر ابني كده مناعته ضعيفه وحالته حاله.


أومات تقى بتفهم وقالت:

-إن شاء الله هيبقى كويس.


وعلى نحو أخر

وقف «عامر» وخلفه «عمرو» الذي نظر لمكان الإبرة المنتفخة وقال:

-مش عارف هي عملت كدا ليه، مش أنا يابني إديت للبرتقاله قدامك ومعملتش كده؟


تحسس عامر المكان وقال بتبرم:

-هي كلكعت كده ليه! قولتلك بلاش! 


ارتفع أذان الظهر فقال عامر:

-هروح أصلي ازاي دلوقتي؟!


-متقلقش بس شيل ايدك عشان متتلوثش وأنا هسأل دكتور جوجل أكيد عنده حل.

قالها عمرو، وبعدما بحث خرج من الغرفة راكضًا وحين رأته شيرين سألته:

-في ايه؟ 

-مفيش يا ماما متقلقيش.


نظرت تقى صوب الغرفة وهي تسمع صيحات عامر على أخيه، وقوله: 

-منك لله يا عمرو هتعمل خُراج... 


-جايلك يا عامر هجيب الميه السخنه وجايلك.

قالها وهو يملئ قدر بالمياه الساخنة، فسألته تقى:

-هو فيه ايه يا عمرو؟

-لـ... لأ مفيش هعمله كمادات.

-كمادات بميه سخنه! المفروض مايه فاتره.

-آآ.... احنا متعودين على كده من واحنا صغيرين حتى اسألي ماما لما نسخن بنعمل كمادات بميه سخنه فنصحى علطول.


صاح عامر من الداخل:

-يا عمرو هنتأخر على الصلاة؟


-جايلك يا حبيب أخوك... عن اذنكم ومتقلقوش ابدًا.

قالها عمرو وخرج من المطبخ راكضًا والماء يتلجلج داخل القدر ويتساقط على سجاد البيت، فهدرت به شيرين:

-براحه يابني...


وبمجرد أن وصل عمرو لباب الغرفة انكب على وجهه وتساقط الماء على الأرض، فهز عامر رأسه باستنكار، قال عمرو دون أن ينهض:

-مش عارف إنت قلقان ليه في أسوء الحالات هتعمل خراج وهنفتحه وانتهى الموضوع يعني الحمد لله مش هتمـ ـوت ولا حاجه.

-ياخي حسبي الله ونعم الوكيل في أمثالك.


نهض عمرو وقال بابتسامة:

-أمثالي يعني مش أنا، كم أنك أخ حُنين، اللـــــــه! عامر يابني أنا عرفت أربي.


صاح عامر:

-بره مش عايز أشوف خلقتك طول اليوم.


قال عمرو:

-اللــــــــه! كم إنك أخ عظيم طول اليوم يعني يوم واحد عشان أنا عارف إني هوحشك، أنا حقيقي بحبك إنت إنسان راقي وجميل ولـ...


-بـــــــــــــره.

هدر بها عامر، فركض عمرو يفتح الباب ويخرج، وهو يقول:

-مش عارف إنت متعصب كدا ليه، الحق عليا! طيب ابقى امسح المايه بقا اللي وقعت على الأرض وحصلني على الجامع.


-ياخي منك لله.

قالها عامر وصفع الباب بوجهه، فخرجت شيرين من المطبخ وهي تسأل:

-هو في ايه يا عمرو؟


دنى منهما وقال وهو يحك عنقه:

-مفيش يا ماما الحقنه كلكعت شويه، قصدي شويتين.

صكت شيرين صدرها وقالت:

-يا نهار أبيض! الحقنه اللي إنت اديتهاله؟


أومأ عمرو وقال وهو يمسد لحيته:

-مع إني والله يا ماما إديت للبرتقاله معملتش كده... 


رمق تقى وقال بابتسامة:

-منوره يا تقى، اومال فين سراب؟

-فوق عند أبله ريم.


تنهد وقال بارتياح:

-طيب الحمد لله.


-يا ماما الحقيني...

قالها عامر وهو يخرج من غرفته، يضع يده مكان الحقن وعضلات وجهه تتشنج، وحين أبصر تقى أمسك عن الكلام، واعتدل واقفًا، فقد ظنها رحلت، نهضت شيرين وقالت:

-وريني كده مكان الحقنه دي!


-هه!

قالها عامر باستغراب وهو يرمق تقى بحرج، نهضت تقى وقالت باضطراب:

-طيب ألف سلامه عليك يا عامر... أنا هروح عند أبله ريم كانت عايزاني وسراب فوق.


هرولت نحو الباب وهي تلتفت خلفها كل خطوة في اضطراب، قالت:

-آآ... أنا هفتح لنفسي... سلام.


صك عامر أسنانه وخاطب والدته بحسرة:

-بتقولولي كده قدامها يا ماما!


-وهي تقى غريبه يابني!

انفـ ـجر عمرو ضاحكًا، فصرخ عامر في وجهه:

-منك لله.


-طيب أروح أنا بقا أصلي وابقى حصلني يا غالي.

قالها عمرو وركض للخارج، ووقف عامر يزمجر غاضبًا..

                       ★★★★★

وبعد انتهاء صلاة الجمعة

خرج «عمرو» من الصلاة يسير جوار عامر، وكان عمرو يسأل أخاه كل دقيقة هل تؤلمه الحقنة؟! كان قلقًا عليه ويؤنب حاله بينما كانت علامات التعب ظاهرة على وجه «عامر» يهز رأسه نافيًا ليطمئن عمرو، وحين رآهما بدر اقترب منهما، سأل عامر عن حاله، قال عامر:

-دور برد بس شكله شديد شويه.


قال بدر:

-لا ألف لا بأس عليك يا غالي، طهور إن شاء الله.


قال عمرو بابتسامة:

-والله العظيم إنت نفس طريقة يحيى جوز أختى، سبحان الله.


ابتسم بدر بينما التفت عمرو خلفه يبحث عن يحيى بين الناس وقال:

-طيب استنى هعرفك عليه.


قال عامر:

-أنا همشي أنا لأني مرهق مش قادر أقف.

غارهما عامر مع دياب الذي لحق به للتو...


وقف بدر يتعرف على يحيى، وعرض عليه يحيى أن يُحفظه القرآن فتهلل واستبشر ووافق على الفور، بل ضم يحيى عدة مرات في سعادة...


عاد عمرو مع بدر لشارعهما فنادتهما سعيدة التي خرجت من صلاة الجمعة لتوها، سألت بدر:

-ازيك يا متواضع؟ هااا إنت حكايتك ايه بقا؟ قاعد معانا في الشارع كتير؟


نظر بدر لعمرو الذي لاح على وجهه شبح ابتسامة وهو يقول بجدية مغلفة بالسخرية:

-اسأل خالتك سعيده على اللي بتدور عليه لأنها تعرف الشارع ده وشارعين بعده وهتساعدك.


تعجب بدر، ونظر لعمرو مغضنًا حاجبيه، فحثه على مجاراتها في الحديث عله يصل لأهله، شرع بدر يحكي لها، وتقى وسراب تتابعانهم من الشرفة، قالت سراب:

-الحقي دول واقفين مع خالتك حسوده! ربنا يسترها عليهم...

-اسكتي يا سراب.


قالتها تقى، فقد كانتا تنتظران رائد الذي يتهرب من فتح باب شقتهما من الصباح، وما أن رأته يدخل من باب البيت ركضتا لأسفل ليفتحه لهما، فأطبق شفتيه، وقال:

-بصوا قبل ما نروح نفتحه لازم تقعدوا مع بابا عشان في حاجه حصلت لازم تعرفوها...

-حاجة ايه؟!


نطقتا بها سراب وتقى في نفس الوقت، وأخذهما دياب ليخبرهما بشيء في غاية الأهمية لكن يجب أن تتماسكا، احتقن وجه تقى بالدمـ ـاء وضغطت على يد سراب ودقات قلبها تتسارع، خشيت أن يكون خبرًا عن والدها، أغلقت جفونها راجية ألا يكون شخصًا سيئًا... 


ومن ناحية أخرى  

بعدما حكى بدر لـ سعيدة عمن يبحث عنهم، قالت:

-بص يا مهندس لو هي هنا في المدينه أنا هوصلها متقلقش... 


-دا عشمنا برده يا خالتي سعيده.

قالها عمرو بابتسامة فربتت على صدرها باعتزاز والتفتت تتحدث مع فتاة مرت جوارهم، كانت تحمل عدة أكياس، فقالت سعيدة:

-دا إنت شاطره أوي ياخي لحقتي تشتري كل ده!


ابتسمت الفتاة وسارت خطوتين فقُطعت الأكياس من يدها وتبعثر ما بهم أرضًا، فحمحمت سعيده وعادت تبدل نظرها بين بدر وعمرو اللذان استأذناها وغادرا على الفور، فقالت:

-آه يا شوية متكبرين!


التفتت «سعيدة» حولها، فالتقط بصرها شاب  متخفي بقلنسوة، جحظت عيناها وهمست:

-المخبر!


هرولت إليه وحاولت التحدث معه فهم أن يغادر،  لكنها تشبثت بذراعه وهي تصيح بنبرة مرتفعة التفت أثرها بدر وعمرو:

-والله ما هسيبك إلا لما أعرف إنت مين!!

-باسل!!

نطق بها بدر متعجبًا فور التقط ملامحه، وركض هو وعمرو نحوهما...


لم يستطع باسل الإفلات من قبضة سعيده، رمق بدر وأخفى وجهه وهو يحاول التفلت من قبضتها لكنها لم تتركه بسهولة، وحين رأى بدر يقترب منه جذب ذراعه من سعيدة بعنـ ـف فأوقعها أرضًا، واستقل دراجته النارية وفر مسرعًا، انحنى بدر وساعد سعيده على النهوض، وكانت تمسك ذراعها متألمة وهي تردد:

-آه يا شوية متكبرين!


سأله عمرو الذي تعرف على باسل أيضًا:

-تعرفه منين؟

قال بدر:

-دا أخويا...

تكملة الرواية من هنااااااا


لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع