رواية عن تراض الفصل التاسع 9 بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية عن تراض الفصل التاسع 9 بقلم آيه شاكر (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
(٩)
#رواية_عن_تراضٍ
-تعرفه منين؟
قال بدر:
-دا أخويا...
-أخوك!
قالها عمرو مذهولًا وهو يحملق بوجه بدر الذي أومأ مؤيدًا، قبل أن ينشغل بالحديث مع سعيدة، بينما انشغل عمرو بأفكاره وتساؤلاته، ولقاءه هو وسراب مع باسل وهند!
قالت سعيدة:
-شوفت المتكبر زقني ازاي!
-معلش يا حجه الحمد لله جت سليمه.
قالها «بدر» قبل أن يجذبه عمرو من ذراعه ليبتعدا كي يتسنى له التحدث بحرية بعيدًا عن مسمع تلك السيدة التي تتدخل فيما لا يُعنيها...
وبعدما انصرفا وقفت سعيده تمسك ذراعها بألم وتصيح:
-آه يا دراعي، آه يا شوية متكبرين!
من ناحية أخرى
-إيه يا عمرو بتشدني كدا ليه؟!
قالها «بدر» وهو يجذب ذراعه من قبضة «عمرو» الذي وقف قبالته ثم التفت حوله بتوجس قبل أن ينطق بخفوت:
-قولي يا بشمهندس بدر، هي مرات أخوك باسل حصلها إيه؟
-مرات مين! باسل أصلًا مش متجوز!
-مش متجوز ازي يعني؟
قالها عمرو بصدمة، فأطلق بدر ضحكة كالزفرة ثم وضع كلتا يديه بجيبي بنطاله وقال:
-قصدك عشان شكله كبير، هو فعلًا عنده ٣٢ سنه بس رافض الجواز، أصل أنا إخواتي دول آ...
شعر «عمرو» بشيء مريب فبتر حديثه هادرًا:
-أنا مالي بالكلام ده يا! يعني أخوك مش متجوز واحده اسمها هند؟!
هز بدر عنقه نافيًا وقال:
-هند!! لا، أنا معرفش حد بالاسم ده.
حدق عمرو بالفراغ هنيهة ثم قال بشرود:
-يعني لو افترضنا إنه تشابه أشكال! هيكون تشابه أسماء برده!
-أنا مش فاهمك!
قالها بدر وهو يتفحص نظرات عمرو المتخبطة، فزم عمرو شفتيه مفكرًا ثم سأل:
-هو أخوك بيعمل ايه هنا! مش انتوا من القاهره؟
أرسل بدر تنهيدة حارة وقال:
-تلاقيه عرف بالمهمه اللي جدي كلفني بيها وجاي يراقبني! ما هو من مصلحته إني موصلش لعمي وعمتي عشان الورث.
حرك «عمرو» كلتا يديه بوجه بدر هادرًا بنفاذ صبر:
-أنا قابلت أخوك من فتره وكان هو ومراته وكان اسمها هند.
-هند مين؟ بقولك باسل مش متجوز أكيد تشابه بقا مش أكتر.
ارتبك عمرو حين تذكر ذلك اليوم ونطق دون أن يرتب عباراته:
-لأ لأ مش معقوله يكون تشابه، دا يومها حصل هجـ ـوم على البيت وفيه عصابه خطـ ـفوني أنا وسراب، أصلًا هند دي كانت عروسه سراب رايحه تعملها مكياج وكانت بتعيط ومش عايزه تتجوز، بنت يتيمه كانوا عاوزين يجوزوها واحد كبير في السن عشان ياخدوا فلوسها قامت سراب هربتها والعصابه طاردوا سراب بس هربت منهم، وتاني يوم أنا وسراب قابلنا هند وباسل أخوك اللي كان جوزها و...
قاطعه بدر الذي زفر ضاحكًا وقال:
-إيه اللي إنت بتقوله ده؟ دا فيلم أكشن صح؟
ظنه بدر يمزح، ولكن حين دقق بملامحه الحائرة ونظراته الجادة، قال بجدية:
-يمكن تشابه يا عمرو! أنا أخويا مش متجوز.
-مش يمكن يكون متجوز من وراكم؟!
قالها عمرو، فهز بدر كتفيه قائلًا:
-وليه هيعمل كده؟ مفيش مبرر، أخويا لو عايز يتجوز هيصرح بكده مفيش حاجه يخاف منها...
وقف «عمرو» مكانه للحظات يمسد لحيته يخلق ألف تبرير وتحليل كان أخرهم أنه ربما مجرد تشابه! ثم رشق بدر بنظرة يقتر منها الشك، تسائل ماذا لو كان بدر شخص سيء يحوم حولهم! ولكن لو كان كذلك لماذا أخبره بأخيه! انتشله من تحليلاته وحيرته تلك بدر الذي جذبه من يده ليُكملا طرقهما، وهو يقول:
-صدقني تلاقيه مجرد تشابه أخويا أصلا ملهوش شغل في الدقهلية هو أكيد جاي ورايا...
هز عمرو عنقه ينفض الأفكار من رأسه، ثم أومأ لبدر بابتسامة مغتـ ـصبة، وقد قرر أن يأخذ حذره منه حتى يتأكد!
سار «عمرو» جوار «بدر» صامتًا شاردًا، حتى وصل بيته ودخل دون أن يرد على بدر السلام، نظر بدر لأثره متعجبًا وخشى أن يؤثر ظهور باسل هنا على علاقته مع تلك العائلة التي أحبها، فدائمًا يبتر أخوته علاقاته مع من حوله...
دخل بدر للبيت وهو يصر على أسنانه غاضبًا وعزم أن يتحدث مع والدته ويخبرها بما يفعله أخوه، ويخبرها بأنه لن يتراجع حتى يجد عمه وعمته مهما كلفه ذلك من وقت...
صلوا على خير الأنام ❤️
بقلم آيه شاكر
★★★★★★
في صمتٍ مهيب جلسوا مترقبين لحديث دياب، وكانت شيرين تحذره بنظراتها ألا يتحدث الآن، ففهم ما ترنو إليه، وتزامن ذلك مع دخول عمرو للبيت، ألقى السلام وجلس بعدما رمق سراب فرأى الاضطراب يتجول بين ملامحها، بدل نظره بينهم وسأل:
-مالكم؟
تنهد «دياب» ثم نهض واقفًا، وقال لينهي الحوار:
-إحنا هنتغدى الأول وبعدين نتكلم... يلا يا بنات قوموا مع طنط جهزوا الغدا...
قالها ثم دخل غرفته فنهضن لتجهيز الغداء، فقد سألتا دياب وألحتا عليه لكنه لم ينبث ببنت شفه، أخبرهما أن تنتظرا حتى تناول الغداء...
بدل عمرو نظراته بين رائد وعامر، وسألهما بفضول:
-هو بابا عايز يقولهم ايه؟
نهض رائد واقفًا وقال:
-أنا طالع أتغدى وأجي.
قال عامر:
-خليك أتغدى معانا!
-ما احنا نعتبر هنا كل يوم يا عموره، مره تانيه بقا...
قالها رائد ثم انصرف بعدما عبث بشعر عمرو الذي غمغم متضجرًا من فعلته ثم خاطب عامر:
-هو محدش بيرد عليا ليه؟
-اسكت عشان أنا مش طايقك.
قالها «عامر» بضيق واستلقى متمددًا على الأريكة، فنهض عمرو وتحسس جبهته بظهر يده، ثم ابتسم وهو يربت على كتفه، سأله عامر بفضول:
-مالك؟
-مفيش حاجه كويس...
قالها عمرو واتجه للشرفة، كان عقله يضج بالتساؤلات، والأفكار تدور برأسه كرحى الطاحون، حاوط رأسه بيديه قبل أن يندفع ويدخل مسرعًا متوجهًا للمطبخ حيث كانت سراب تقف والفضول يُطل من عينيها، بينما كان قلب تقى يختلج قلقًا، تخشى أن يكون والدها شخص سيء أو أن يكون ثمة خبر سيء عنه...
وقفن يعددن الطعام في صمت حتى نطقت سراب:
-هو الموضوع بخصوص ايه يا طنط؟
تنهدت شيرين وقالت بحسم:
-أنا معرفش حاجه عمكم دياب هيقولكم.
وثبت سراب ووقفت قبالة شيرين، نظرت بعمق في عينيها وداعبتها:
-طيب عيني في عينك كده!
أشاحت شيرين وجهها وكبحت ابتسامتها وهي تقول:
-بت يا سراب متبقيش لحوحه زي عمرو كده!
قالت سراب بضجر:
-متشبهنيش بابنك ده يا طنط.
مصمصت شيرين بشفتيها وقالت:
-هو إنتِ تطولي أصلًا! دا عمرو إبني حتة سُكره.
-يا طنط سكرة إيه إحنا هنضحك على بعض، ابنك دا بايظ، بس الشهاده لله فيه ميزه واحده... عضلاته بجد ما شاء الله اللهم بارك ابنك عامل فورمه كده آآ...
ابتلعت باقي كلماتها حين لكزتها تقى لكزةً أيقظتها مما كانت ستخوض به، وما هي إلا لحظة وسمعت حمحمة عمرو عند باب المطبخ، فاتسعت حدقتيها وخاطبت تقى بخفوت:
-هو سمع؟!
هزت تقى كتفيها بجهل، فغمغمت سراب:
-ما يسمع عادي هو أنا هخاف منه!
زفرت تقى بقـ ـوة متضجرة من سراب، فكيف تستطيع المزاح في ظل تلك الظروف وهذا الضغط النفسي العنيـ ـف؟ غريبة هي أحيانًا!
-أساعد في حاجه يا ماما؟
قالها عمرو من خلف الستار، فقالت شيرين:
-لا يا عمرو روح شوف عامر.
-عامر كويس متقلقيش.
قالها ثم صمت هنيهة ورفع الستار قبل أن ينطق بنبرة جادة:
-يا سراب!
التفتت له حين نطق باسمها وترقبت، فقال:
-عايز أتكلم معاكِ.
أخذت تُقطع سلطة الخضروات، وهي تقول:
-وإنت شايفني فاضيه؟ وبعدين ما تتكلم! قول عايز ايه!
-دي حاجه بخصوص الشغل وضروري يا سراب... أنا في البلكونه عايزه تيجي تعالي مش عايزه براحتك.
كانت تقى تبدل نظراتها بينهما، وما أن انصرف عمرو وقفت سراب دقيقة تكمل عملها وكأنها لا تُبالي ثم بدلت نظرها بين تقى وشيرين وغسلت يدها قبل أن تهرول إليه، فضحكت شيرين وهي تقول:
-اللي يسمعها بتقوله مش فاضيه يقول البت مش مهتمه، أختك دي فضوليه بزياده مش زيك خالص.
اغتصـ ـبت تقى ابتسامة ثم حمحمت وسألت:
-طنط! هو عمو دياب عايزنا ليه؟ يعني بخصوص ايه؟
ضحكت شيرين وقالت:
-الظاهر كده إن كلكوا عينه واحده.
ضحكت تقى وقد فهمت ما تُلمح له، أيعني أنها أيضًا فضولية؟ ولا ريب أن بعض الفضول قد يفيد! رغم أن جُله يضر.
استغفروا ❤️
بقلم آيه شاكر
★★★★★
وصل «باسل» للبناية التي تسكن بها «هند» ارتجل عن دراجته النارية، فقد استأجرها بدلًا من السيارة زاعمًا أنها أيسر له، ليته ذهب بالسيارة ما كان ليحدث ما حدث!
طرق باب هند وقرع الجرس عدة مرات متلهفًا ومضطربًا قبل أن تفتح له، وما أن أبصرته أمامها ابتسمت بمكر فكانت تعلم أنه سيعود، أفسحت له ليدخل وأغلقت الباب، فهوى جالسًا ثم ابتلع ريقه، كان متجهم الوجه مضطرب الحواس، صامت ومتهدل الأكتاف، قال:
-حصل كارثه يا نيمو!
-إيه!!
قالتها وهي تجلس جواره مفزوعة، فأرسل تنهيدة طويلة ثم قال:
-أنا روحت الشارع بتاع سراب و...
شخص بصرها وشهقت بفزع، ثم قالت:
-إيه اللي وداك؟ وحد شافك؟
أومأ، فانتفضت واقفة وقالت صارخة:
-مين اللي شافك؟
مسح وجهه، ثم قال بنظراتٍ زائغة ومتخبطة:
-بصي هفهمك، لما روحت أنا وإنتِ لفت نظري الشاب اللي كان ماشي مع عمرو وعامر فروحت أتأكد هل هو أخويا ولا لأ!
هدرت بانفعال:
-وإيه اللي هيجيب أخوك هنا يا باسل؟
هب واقفًا وقال:
-طلع أخويا يا نيمو! أنا لما شوفته كنت همشي والله والدنيا كانت تمام لكن فيه ست مسكتني وهي السبب...
رشقته بنظراتٍ حادة ولم تُعقب، فمسح وجهه بغضب ثم قال:
-أنا مش عارف أخويا شافني ولا لأ! بس شكله شافني...
تنهدت بعمق ثم قالت:
-طيب تمام، لو على أخوك وشافك قوله عندك شغل ولا أي سبب.
لم يُرد اخبارها بالباقي، لكن لا مفر، فنطق:
-المشكله مش هنا! المشكله الأكبر إن عمرو كمان كان معاه...
صاحت بانفعالٍ شديد:
-بتستعبط يا باسل؟ إنت عارف لو ده حصل يبقا بتسلمني ليهم، إنت كده بتهد كل حاجه فوق دماغي.
صمت وأخذ يقطع المكان ذهابًا وإيابًا، ثم توقف وقال:
-احنا لازم نرجع القاهره حالًا.
-مينفعش أنا لسه موصلتش للحاجه!
قالتها بحدة فهدر بها:
-حاجة ايه اللي بتدوري عليها؟
قاطعهما دوي هاتفه، فرماها بنظرة ثاقبة قبل أن يرد على والدته التي ألقت عليه السلام ثم قالت:
-اسمع يا باسل أنا عرفت من أخوك إنه بيدور على ولاد جدك من طليقته الأولى ودول لو عايشين هيشاركوكم في كل حاجه يابني! صارحني بابني إنت رايح وراه وبتراقبه صح؟
أطبق باسل شفتيه لبرهة ثم نطق:
-آآ... أيوه فعلًا رايح وراه.
-طيب اقنع أخوك يرجع يا باسل، ميبقاش غـ ـبي أخوك الكبير لو عرف هيحصل مشاكل يابني.
-متقلقيش يا ماما! حاضر...
-صحيح إنت تعرف واحده اسمها هند؟!
-لـ... لأ مش عارف يا ماما، مـ... معرفش حد بالاسم ده!
-أخوك مخترع حكايه كده سيبك منه المهم اقنعه وطمنني.
أغلقت والدته، وكان جبينه يتفصد عرقًا فالآن أدرك أن بدر تعرف عليه وعمرو أيضًا شرح له كل شيء، نظر لتلك الواقفه تحدق به، وقال:
-للأسف شافوني يا نيمو...
ثم أضاف منفعلًا:
-إنتِ السبب في الورطه دي! إنتِ اللي قولتِ اسمي الحقيقي قدام سراب وعمرو اللي أنا أصلًا مش عارف بينك وبينهم إيه!
-ما أنا ساعتها اتفاجئت لما لقيتهم قدامي! وبعدين إنت مالك أصلًا بيني وبينهم إيه!
قالتها صارخة بوجهه، تشاحنا واحتدم الصراع بينهما كل منهما يلقي اللوم على الأخر، حتى خرج باسل وصك الباب خلف ظهره بغضب وتركها تجلس مكانها تحدق بالفراغ، وتطرق إحدى قدميها بالأرض بتوتر بليغ.
استغفروا🌸
بقلم آيه شاكر
★★★★★
أقبلت «سراب» نحو الشرفة حيث يقف عمرو بانتظارها وكان «دياب» قد خرج من غرفته ويجلس على مقربة منهما يقرأ كتابًا بينما اعتدل عامر من رقدته فور وصولها فشعرت بالحرج، وقفت جوار عمرو وقالت بحدة ودون سابق إنذار:
-عايز ايه؟
التفت «عمرو» خلفه ولاحظ نظرات والده حيث كان يحذره أن يتشاجر معها، سألها بصوت منخفض:
-هو إنتِ معرفتيش أي أخبار تانيه عن هند!
ارتبكت وشعرت وكأن دلو من الماء البارد سُكب فوقها على حين غرة، ابتلعت ريقها ورددت:
-هـ... هند! آآ... آه، قصدي لأ معرفش، بتسأل ليه؟
تجاهل سؤالها وقال وهو يوقع كلماته:
-جاوبيني يا سراب! قابلتها أو عرفتِ أي حاجه عنها؟
هزت عنقها نافية ولم تنبث ببنت شفه، بل أطرقت شاردة، فقال:
-تمام.
-ليه هو فيه ايه؟
سألته بنبرة مرتعشة، فقال:
-لما اتأكد هبقا أقولك.
-طيب ما تقولي وبعدين اتأكد وقولي تاني.
-لأ اصبري لما أتأكد عشان متقلقيش على الفاضي.
-مش هقلق بس قولي.
قال منفعلًا:
-لأ مش هقول إلا لما أتأكد، خلاص بقا بطلي إلحاح.
وقفا صامتين، أرادت أن تحكي له عما حدث بالأمس، عله يخبرها بما يخفي ويساعدهما أيضًا، فداخلها يختلج قلقًا وإن حاولت إظهار عكس ما تبطن! نظرت له وقالت:
-عمرو!
التفت لها منتبهًا وقد شعر من نبرتها بجدية الأمر، خاصة حين أكملت:
-بصراحه أنا عايزه أقولك حاجه بس مش عارفه هو أنا المفروض أقولك ولا أسكت...
-قولي الأول وأنا أقولك المفروض تقولي ولا تسكتِ.
أطرقت وصمتت هنيهة، فحثها على البوح:
-هااا قولي متفكريش.
أرادت أن تتمهل حتى تأخذ رأى تقى، فحاولت مراوغته بقولها:
-كنت عايزه أسألك هو... هو إنت هتفضل تستفزني دايمًا كده! يعني امته هتعاملني كويس؟
نظر خلفه فرآى نظرات والده الثاقبة تحاصره، فقال بخفوت ودون أن ينظر إليها:
-لأ يا سراب مش ده اللي كنتِ عايزه تقوليه.
-يا سلام وإنت كنت دخلت جوه دماغي؟!
قالتها بتهكم، وقابلها بلهجته الهادئة:
-سراب! أنا بكلمك كويس متخليش صوتنا يعلى.
صمتت وعقدت ذراعيها أمام صدرها، كانت تتهيأ لتخبره، قالت بتلعثم:
-أنا وتقى امبارح لما انتوا خبطتوا علينا، مش بدر قالكم إنه سمع صوت صراخنا؟
انتبه لها بجميع حواسه، ابتلعت ريقها في اضطراب وهي تتسائل تخبره أم تتريث أم تخبره أم....
حثها على الحديث بإماءة من رأسه وكأنه قرأ ترددها، فكت ذراعيها ونظرت بعينيه، تشابكت نظراتهما لبرهة وقرأ خوفها وحيرتها، سرعان ما أسقط بصره عنها، وانتبه حين صاحت والدته:
-يلا يا سراب، يلا يا عمرو الأكل جاهز...
لم يرد على والدته، بل خاطب سراب وهو يضغط على كل حرف:
-حصل ايه؟
قالت بنبرة مرتعشة:
-هند... آآ...
بتر حديثهما صوت والده:
-يلا يا عمرو، الله!
صاح عمرو:
-حاضر... ثواني يا بابا...
ثم نظر لها وقال:
-قولي يا سراب، هند حاولت تقابلك أو تتواصل معاكِ؟
طال صمتها فهدر بها:
-يا بت يا سراب انطقي متعصبنيش.
أثارت حفيظتها كلمة «بت» جحظت عيناها وهدرت به بانفعال:
-ولزمتها إيه سراب بقا ما تقول يا بت وخلاص! إنت أصلًا مش مؤدب وأنا غلطانه إني واقفه بتكلم معاك.
قالتها وهرولت للداخل، فغمغم:
-آه يا مجنـ ـونه!
-يا عمرو... إنت يابني.
قالها دياب بضجر بعدما دخلت سراب فسارع عمرو بالدخول من الشرفة وأغلق الباب.
تناولوا الغداء في صمت وقبل أن تُرفع المائدة، قالت تقى:
-عمو أنا أعصابي تعبت وأنا بفرض احتمالات للموضوع اللي حضرتك عايزنا فيه، لو سمحت قول بقا... هو فيه خبر وحش عن بابا؟
انتبه الجميع وترقبوا لدياب الذي طاف بنظراته على وجوه الجميع قبل أن ينطق:
-رائد أول ما صحي من النوم الصبح حاول يفتح باب شقتكم و... وتقريبًا كده كان فيه حرامي فيها لأن...
أمسك دياب عن الكلام، فتبادلتا تقى وسراب النظرات، وأكمل دياب:
-لقى الشقه مقلوبه مفيش حاجه في مكانها.
تنفست تقى بارتياح وطالعت سراب بنظرة ذات معنى، فقال دياب:
-شكلكوا كنتوا سايبين الباب مفتوح ولا ايه؟
-لأ الحكايه مش كده يا عمو أنا هحكي لحضرتك...
قالتها سراب، فقبضت تقى على يدها لتكف عن ذلك، ونطقت تقى باستغراب زائف:
-يعني فيه حرامي دخل! احنا كنا سايبين الشقه كويسه؟ و... وأنا متأكده إني قفلت الباب.
نظرت لها «سراب» بحدقتين واسعتين، فتخبطت نظرات تقى وطافت على وجوههم جميعًا تتفرس أثر وقع كلماتها عليهم، واطمنت حين لمست اقتناعهم، وهمست لسراب:
-عشان خاطري اسكتِ.
أرادت تقى أن تتحرى بنفسها وتكتشف أمر هند لعلها تصل لوالدها، وإن تبين أنه شخص سيء ستكتم أمره عن الجميع، لن تسمح لأحد أن يتطلع على تلك السوءة بل ستواريها عن الجميع إن استطاعت...
فإن تكشفت، وستروها، سيبقى في نفوسهم أثرًا لذا؛ ستحبس سرها في نفسها.
وبعد فترة خرجوا جميعًا للشقة المقلوبة رأسًا على عقب، تظاهر كل من تقى وسراب بالذهول...
ظل السيدات يرتبن ما تبعثر، أما الرجال فعادوا للبيت، بعدما حاول عمرو الحديث مع سراب حول هند لكنها لم تعطه فرصة وأغلقت عليه كل الأبواب فقصد الصالة الرياضية خاصته ليمارس تمارينه، تقاطع طريقه مع بدر فحدثه بجمود وعبوس، وتحفظ في الكلام لم يعهده منه بدر فخشى أن تكون علاقتهما قد تصدعت بظهور باسل أخيه...
★★★★★
مر اليوم بهدوء...
أسفر الصبح، وأشرقت شمس يومٍ جديد...
استيقظت «هند» من نومها على صوت طرقات الباب، كانت تعلم بهوية الطارق فلا أحد سيطرق بابها غيره، وكان الإرهاق يتجلى على وجهها فلم تنم طوال الليل، لتفكر في حلٍ ما!
فتحت الباب ورأته يقف أمامها ولته ظهرها وعقدت ذراعيها بوجوم، فدخل وأغلق الباب، ألقى السلام فردته باقتضاب وجلست، جلس قبالتها، كان يرمقها بنظرة حانية محبة وترشقه هي بنظراتٍ حادة وثاقبة، حتى قال:
-ساكته ليه؟ قولي حاجه... هنعمل ايه في المصـ ـيبه دي؟
-معرفش يا باسل، اللي حضر العفريت يتصرف ويصرفه، عشان تبقى تروح تعمل حاجه من غير ما تقولي.
-تمام! يبقا الحل إننا نرجع القاهره.
-وأنا قولتلك مينفعش أرجع.
-وأنا معنديش حل تاني يا نيمو.
قالها بانفعال وهو ينهض واقفًا، فصمتت هنيهة ثم رمته بنظرة فارغة و قالت بجمود:
-بس أنا عندي حل.
طالعها بترقب حين نهضت واقفة، ثم اقتربت منه وألصقت سـ ـلاحها بصدره، فقبض على يدها ليضغط بفوهة السلاح على صدره هادرًا:
-براڤو... يلا خلصي عليا! هو ده الحل فعلًا!
غرس عينيه بعينيها واستطرد بنبرة ضغطت على زر أنوثتها:
-بس قبل ما تعملي كده لازم أقولك حاجه مخبيها في قلبي... مش إنتِ سألتيني قبل كده بعمل معاكِ كدا ليه! وبساعدك ليه! وقولتلك مش عارف.
وبابتسامة ساخرة لاحت على زاوية فمه أضاف:
-كنت غـ ـبي! كنت مستنيكِ تعرفي معنى أفعالي، أصلهم بيقولو الحب مش مجرد كلمه، الحب أفعال، بس إنتِ محستيش بيا يا نرمين؟ ولا أقول يا هند! إنتِ مش بتحسي أصلًا؟ إنتِ بارده معندكيش مشاعر، قلبك متجمد، قــــلبــــك حــــجــر!
قال أخر كلمتين هادرًا بنبرة مرتفعة فانتفضت وارتعشت يدها، ظلت تحدق به من خلف غشاوة دموعها التي تبرق داخل سحب مقلتيها، وكان يتجول بنظراته بين ملامحها بوجل، ولأول مرة يلمس ضعفها من نظراتها تلك، ضعفها الذي تتعمد إخفاءه، غضن حاجبيه وأطلت من عينيه نظرة زلـ ـزلت قلبها وهو يقول:
-عارفه لو تراجعتِ عن اللي هتعمليه مش هسامحك أبدًا يا نيمو بعد اللحظه دي، وهبعد عنك، إنتِ بتستغليني وأنا فهمت ده متأخر أوي.
شهقت باكية، انهـ ـارت حصونها وأخذت تصيح:
-عايزني أكون عامله ازاي! بنت يتيمه فتحت عنيها لقت نفسها في بيت عمها القاسـ ـي، اللي مش بيتعامل معاها إلا بالكـ ـرباج، انسان ميعرفش إلا القسـ ـوة ومبيجريش إلا ورا الفلوس والنفوذ، مبيبقاش حنين معايا إلا لما أنفذ اللي يطلبه حتى لو أنا مش مقتنعه بيه، كان لازم أكون كده، وحتى لما جيت أنتقم منه لفيت الحبل حولين رقبتي من غير ما أحس...
رمق مسـ ـدسها الذي شرعت تحركه وهي تتحدث، ثم قال بنبرة هادئة:
-اللي عايز يبقا إنسان نضيف هيبقا إنسان نضيف ملكيش عذر...
صرخت به:
-ازاي الإنسان هيبقا نضيف وهو عايش جوه سلة زبالة مهما يستحمى هيفضل ريحته وحشه.
-يطلع من السله خالص يا نيرمين ساعتها هينضف.
-الكلام سهل أوي! إنت بتقول كده عشان معشتش اللي أنا عيشته!
وضعت سـ ـلاحها على جبهته، فأغلق عينيه وانتفض داخله فزعًا، خاصة حين سمع صوت السـ ـلاح يستعد بين يديها ليحرر روحه بضغطة واحدة، قال بصوت مرتعش أظهر خوفه:
-مكنتش أتخيل إن نهايتي هتكون على إيد أكتر شخص حبيته، للأسف أنا حبيتك من قلبي.
تشنجت عضلات وجهها، وتسارعت الدموع تنفر من مقلتيها بغزارة وهي على أهبة الإستعداد للضغط على زر إطلاق الرصاص، أغلقت جفونها وقالت بحشرجة:
-سامحني يا باسل.
ثم ضغطت على زر إطلاق الرصاص، فانتفض باسل قبل أن يفتح عينيه فلم يحدث شيء كان فارغًا، ألقته نرمين أرضًا وجلست، كفكفت عبراتها الحارقة، ثم رفعت بصرها لتنظر إليه، فمازالت الصدمة مسيطرة عليه، قالت بابتسامة باهتة شقت ثغرها:
-إنت متخيل إني ممكن أعمل فيك كده؟ إنت عمرك ما هتتخيل إنت بالنسبالي إيه! إنت لو حصلك حاجه يا باسل أنا همـ ـوت وراك...
تنفس بعمق، مسح وجهه وجلس جوارها، طأطأت رأسها وهطلت الدموع من مقلتيها وهي تقول بأنفاسٍ متحشرجة:
-أنا تعبت أوي يا باسل، والله تعبت... لما عرفت عن سراب بالصدفة قولت يمكن تكون كارت أضغط بيه على عمي وقعدت أبحث عنها لحد ما وصلتلها، كنت بقول هضغط عليه عشان يديني فلوسي ويسيبني في حالي، عملت فيلم عليها عشان أقابلها ولما عرف قالي هسامحك بشرط ترجعيلي الحاجه اللي جدها أخدها وساعتها هيسيبني في حالي وهاخد فلوسي وأتحرر من سجنه.
-حاجه ايه اللي أخدها جد سراب؟ ومين سراب أصلًا علاقتكم بيها إيه؟ أنا مازلت مش فاهم برده افتحي قلبك واحكيلي!
جففت دموعها وهبت واقفة وكأنها تنفض عن نفسها تلك الطاقة السلبية التي أثقلت جسدها وصكت غمامة حزنها فأمطرت مقلتيها، قالت بنبرة ثابتة:
-انا معرفش يا باسل معرفش، معرفش... ومينفعش أحكي أرجوك افهمني!
ران عليهما صمت طويل، قطعه باسل بقوله:
-ماشي يا نيمو براحتك والمطلوب مني إيه دلوقتي؟
-ارجع إنت القاهره وأنا لو احتجت حاجه هكلمك.
-هرجع وأسيبك ازاي؟
-ملكش دعوه بيا أنا هتصرف... وآه... الفيلم بتاع نادر هيتلغي، وأي قرار أخدته عشان نادر لغيته، ملهوش لزمه أصلًا.
طالعها بتعجب مغضنًا حاجبيه، فأضافت:
-أنا هخلي نادر يساعدني... متقلقش عليا.
وبعد إصرار من نرمين وجدال من باسل دام لدقائق انصرف بعدما رماها بنظرة طويلة نظرة تتشبث بها رغم عضها ليديه، رحل وترك أخر كلماته تمور برأسها:
-أنا همشي عشان عارف إن وجودي هيعملك مشكله وإلا مكنتش هسيبك لوحدك أبدًا.
في تلك اللحظة انهـ ـارت قواها، كانتا يداها ترتجفان، قلقًا وخوفًا، لا تعلم شيئًا عن خطوتها التاليه، لكن يجب أن تتصلب فالمعركة لم تبدأ بعد!
حملت هاتفها وأخذت تهزه للحظات في ارتباكٍ بليغ وهي تفكر، ثم زمجرت غاضبة واستلقت على الأريكة منكمشة على نفسها وارتفع نشيجها...
★★★★★
ومرت الأيام تتطاير دون جديد...
تقى وسراب تنتظران وتترقبان ما تخبئه الأيام، فلم تظهر هند مجددًا...
حذر باسل بدر وطلب منه أن يعود، ولم يزد ذلك بدر إلا عنادًا فكان يتجول بين القرى باحثًا عن عمه وعمته ولكنه لم يصل لأي جديد، فقرر أن يستلم عمله بمصنع الملابس كما عرض عليه عامر إلى أن يطرأ طارئ أو يأخذ قرار الرحيل...
وكان عمرو يشك ببدر ويرشقه دومًا بنظرات متفرسة تقتر شكًا، وفهمها بدر فحزن لذلك...
أما عامر فلازال عاكفًا على اختراعه دون أي جديد...
★★★★★
في الحادية عشرة صباحًا استيقظ «نادر» من نومه أثر رنين هاتفه، كان يسكن بمفرده، فقد ترك بيته وأهله بعدما نهاه والداه عن ذلك الطريق المظلم وحذراه من اتباع خطوات الشيطان، وكان رده عليهما «أنه سيأخذ حذره».
كان رأسه يؤلمه، فبالأمس كان ثملًا! بعدما أسرف في تناول المشروب المسكر «الخـ ـمر»...
وها قد انخرط بواحدة أخرى من كبائر الذنوب بعد عقوق والديه...
-﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
وكان صوت المذياع يصدح من شقة الجيران، نهض من فراشه وركض للخارج ليجيب على هاتفه متجاهلًا إشارة أخرى تنكزه عله يفيق لكنه مغيب...
كان صوته متحشرج أثر النوم فحمحم عدة مرات ليخرج طبيعيًا، قبل أن يجيب برسمية:
-أستاذه نرمين صباح الخير!
قالت برسمية وبوتيرة سريعة:
-صباح النور، إزيك يا نادر؟ عايزه أقابلك.
أغلق معها بعدما حدد الميعاد والزمان ليقابلها ثم دخل المرحاض ليغتسل بالماء البارد عله يستيقظ من غفلته...
كان قد قرر بالأمس أن يذهب للجمعية الخيرية «سدفة» ليتبرع ببعض المال، فارتدى ثيابه متعجلًا، وقصدها قبل أن يلتقي بنرمين...
وبعد فترة
ارتجل من سيارته قرأ اسم الجمعية عدة مرات «سدفة» تلك الجمعية الخيرية التي تطوع رائد ومجموعة أخرى في إعطاء دروس مجانية لتعليم النطق لفاقدي السمع، وتعديل بعض الكتب على طريقة برايل لفاقدي البصر...
تنهد نادر بعمق ثم ازدرد لعابه باضطراب وهو يشعر بقشعرية تجتاح جسده كلما خطى خطوة صوبها، دلف للداخل آملًا ألا يلتقي برائد الآن، فلا يريد سماع أي نصيحة!
وما أن خطى خطوة للداخل، وكاد أن يتحدث مع السكيرتيرة باغته صوت رائد:
-أهلًا بالممثل المشهور... لسه فاكرنا يا باشا؟!
ارتعشت شفتي نادر بابتسامة مضطربه، والتفت له قائلًا:
-مـ... مقدرش أنساكم طبعًا.
أطلق رائد تنهيدة حارة وقال باقتضاب:
-نعم! جاي هنا تعمل إيه؟
قال نادر بانفعال:
-هو حضرتك بتكلمني كدا ليه؟ أنا مش عارف إنتوا بتعملوا معايا ليه كدا! أنا بعمل الحاجه اللي بحبها ونفسي أنجح فيها، أظن أنا مبعملش حاجه حرام أنا مقتنع بكده.
زم رائد شفتيه لبرهة وهو يومئ باستهزاء ثم حدق بوجه نادر المكفهر وتجلى الإنفعال على قسمات وجهه وهو يقول:
-مقتنع بإيه! إنك تحضن واحده مش حلالك ولا من محارمك مش حرام! إنك تنشر موسيقى وتطلع ترقص وتعمل الهلث ده، دا يرضي ربنا بالله عليك؟
أغلق نادر جفونه وزفر ممتعضًا، ثم نطق ببرود:
-لو سمحت يا أستاذ رائد دا هدفي وحلمي وهجري وراه وبالنسبه للي عملته إنت مش هتحاسبني ربنا اللي هيحاسبني، وربنا غفور رحيم.
أومأ رائد عدة مرات وهو يردد:
-صحيح ربنا غفور رحيم ولكنه شديد العقاب أيضًا.
تنهد رائد بعمق وأضاف:
-جاي هنا ليه يا نادر؟
تجاهل نادر سؤاله، وقال برجفة:
-آآ... أوعدك إني هتوب عن كل ده لكن لما أحقق حلمي وأتعرف في المجال.
نظر رائد في عمق عينيه وقال:
-هتتوب! وإنت فاكر بقا إن التوبه سهله! إنت في غفله يابني، ابعد ياحبيبي عن الطريق ده، اتركه لله، توب دلوقتي متأجلش، واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرًا منه.
ولاه نادر ظهرة، صمت هنيهة ثم قال:
-باب التوبه مفتوح في أي وقت دلوقتي أو بعدين، على العموم ملهوش لزمه الكلام ده.
خشى نادر أن تسيطر عليه كلمات رائد فيضعف ويترك حلمه الذي سعى إليه طويلاً وأوشك أن يصعد أخر درجاته، التفت إليه ورفع ذقنه لأعلى بغرور بعدما أخرج من جيبه مظروف وأضاف:
-آآ... أنا كنت جاي أتبرع بدول.
لم يمد رائد يديه وقال:
-مش واخد منك حاجه يا نادر.
-هو أنا بدفعهم لك أنا دافعهم للجمعية!
قالها نادر بانفعال قابله رائد بهدوء شديد:
-طريقك بقا غير طريقنا... انت اخترت تمشي في الظلمه، اخترت تكون أعمي عن الحق وأصم مبتسمعش إلا صوت نفسك... امشي يا نادر ربنا يهديك، والله الغني عن فلوسك.
أصر نادر على أسنانه، وهدر منفعلًا:
-إنتوا محبطين! محدش واقف جنبي أنا لوحدي محدش بيساعدني... أنا همشي بس مش راجع تاني.
ولاه ظهره وسار خطوتين لكنه توقف فجأة حين ناداه رائد ثم قال:
-متنساش يا نادر ربنا سبحانه وتعالى قال: ﴿ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا﴾ ، ربنا يعينك على نفسك وعلى أيامك الجاية، ويديك طول العمر عشان تتوب وإلا...
ابتلع رائد باقي كلماته، فأجفل نادر تصنم مكانه للحظة وأخذت كلمات رائد تدور في رأسه ثم انطلق للخارج وقلبه يختلج، لازال بداخله نقطة ضوء تصارع لتبقى ويحاول بكل جهده اخمادها.
ما أقبح أن تكون على دراية أن قدميك تنغرس بوحل الذنوب وتقنع نفسك أنك ستتوب يومًا ما! وكأنك تضمن أن الغد سيأتيك! فربما هي الآن ساعتك، لا أحد يدري متى سيحين أجله.
أراد نادر أن يتصدق عل ضميره يرتاح لكن رائد أغلق عليه الباب وزاد من أرقه...
خرج متجهم الوجه يصر على أسنانه، يزمجر وهو يحرك قبضة يده في الهواء بضجر، فرأته فتاة تتجه نحو الجمعية تحتضن كُتبها وتعض على شفتيها وهي تتابعه، مرت من جواره فلم يتعرف عليها ولم يلتفت لها لكنها تعرفه جيدًا، ومن طفولتها...
كانت فتاة بعمر الزهور بالكاد تبلغ الخامس عشر من عمرها لكن لديها عقل يفوق سِنها بسنوات، لمَ لا وقد رباها جدها «ضياء» وأخيه جدها «دياب» الذي تتردد على بيته باستمرار بعدما انفصل والديها «ريناد وصالح» وشق كل منهما طريقه تاركين إياها هي وأختها تلعقان مرارة الشوق لبيت مستقر دافئ بأنفاس والديهما...
كانت تعمل بالجمعية وتعمل معهم بمصنع الملابس في أوقات فراغها فقد أحبت التصميم والتفصيل منذ نعومة أظافرها، إنها «رحمه» ولها من اسمها نصيب وفير فهي رحمه من الله تسير بين الناس...
ظلت تتابع «نادر» حتى استقل سيارته وغادر لم يرها ولم يتعرف عليها، رغم أنه كان يحبها في الصغر ويحنو عليها، وكانت ابتسامته العذبة تشق سحابة أفكارها كل ليلة قبل نومها بعدما تغمض عينيها...
لكنه تغير وتغير كثيرًا، تنفست بعمق ثم دخلت للجمعية وهي ترسم ابتسامتها الدائمة على محياها، أقنعت حالها أنها لازالت صغيرة وقد تكون مرحلة مراهقة وستمضي وتمضي معها تلك المشاعر المشتعله.
صلوا على خير الأنام 🌸
★★★★★
وبعد فترة في إحدى المطاعم
كان يجلس قبالتها، طلبت مشروبًا ساخنًا لكليهما، ثم قالت:
-بص يا نادر! عندي ليك خبرين واحد حلو وواحد وحش! تحب تسمع ايه الأول؟
صمت هنيهة ثم قال متلعثمًا:
-آآ... أسمع الوحش الأول.
-تمام! الخبر الوحش إن الفيلم مش هيتعمل! المنتج اعتذر والمخرج كذلك.
صُعق من وقع الكلمات عليه، لكنه تماسك وقال:
-والخبر الحلو؟
-أنا هخليك تمضي فيلم تاني ومع النجم اللي تختاره بس الأول عايزاك تساعدني في حاجه.
-أكيد أنا تحت أمرك.
تنفست الصعداء وزفرت أثناء سؤالها:
-تعرف بنت اسمها سراب؟
اعتدل في جلسته وارتكز بمرفقيه على الطاولة وهو يقول باستفهام مغلف بالذهول:
-سراب اللبان؟
أومأت مؤكدة، فسألها:
-مالها؟
صمتت هنيهة ثم قالت:
-هقولك أنا عايزه منك إيه بالظبط...
بقلم آيه شاكر
★★★★★★★
فتحت «سراب» الشرفات والنوافذ أجمع، كانت تشم رائحة الحزن تنبعث من جدران البيت، وربما هي رائحة حيرتها وخوفها وقلقها، كادت تختنق تمنت أن يحمل الهواء تلك الطاقة السلبية التي تدور بكل ركن في البيت ويطردها للخارج، فتقى قد خرجت لعملها باكرًا أما هي فكان الكسل يجثم فوق ظهرها من طليعة الصباح، تخشى أن تخرج لعملها فتقابل هند، باغتها مرور فكرة بخاطرها، ماذا لو اختفت تقى كما اختفى جدها وبقيت وحدها؟ بل ماذا لو تهجـ ـمت عليها هند وعصابتها الآن؟
انتفضت فزعًا وهزت رأسها بعنـ ـف لتنفض تلك الأفكار عنها....
أثار انتباهها عمرو الذي يحمل ابن أخته_ طفل بعُمر العام_ ويجلس بالشرفة المقابلة لها يداعبه ويلاعبه، كان يراها لكنه تظاهر بتجاهلها، تنهدت بارتياح لوجوده ثم خاطبته دون سلام:
-هي طنط شيرين عندك؟
رمقها ثم قال:
-خرجت مع وئام، وعلى فكره ريم هتسافر لرامي، هتمشي بكره الفجر وأخواتي كلهم هيكونوا هنا النهارده عشان يسلموا عليها، ابقوا تعالوا.
أومأت وصمتت، فريم تسافر لزوجها كل فترة، وكلما غادرت شعرت سراب بوحشة شديدة، فهي تحبها...
لم ينزل زوج ريم من سفره منذ قرابة الخمس سنوات، كم تشفق عليها فحياتها مغلغلة بالصعاب تتنقل كثيرًا، فإن تزوجت هي وسافرت يومًا لن تأتي لتلك البلدة مجددًا، هكذا فكرت، انتشلها من خضم أفكارها قهقهات الطفل، فابتسمت وعادت تسأل عمرو:
-عامر عندك؟
-لأ خرج راح الشغل، عايزاه ليه؟
قالها دون أن ينظر إليها، فسألته:
-إنت قاعد لوحدك؟
-لأ... قاعد مع عبوده.
قالها وهو يشير للصغير ويبتسم له، صمتت هنيهة كانت تفكر بأمرها وتفكر أن تخبره، نادته:
-وَلَه يا عمرو بقولك اي...
رماها بنظرة ثاقبة وهو يقول:
-وَلَه! ولزمتها ايه عمرو بقا؟
ابتسمت وقالت ساخرة:
-زي ما إنت بتقولي...
ثم أضافت بجدية:
-تيجي نخرج مع بعض؟
-لأ.
قالها باقتضاب استفزها، فهدرت:
-تصدق بالله أنا اللي غلطانه معلش افتكرتك عاقل وهتكلم معاك... فاكرني دايبه فيك وعايزه أخرج معاك؟ إنت لا تُطاق!
صمتت وهي تُصر على أسنانها، فقال ببرود:
-سكتتِ ليه كملي، نسيتِ تقولي أنا بكرهك!
لم تعقب وصفعت باب الشرفة بعنـ ـف، ناداها فلم تُجبه، لاحظ أن صوته يرن بالشارع فصمت، وكانت سعيده تتابعه من شرفتها العالية، لوحت له بابتسامة، فلوح لها بابتسامة مصطنعة، صاحت بصوت مرتفع:
-معلش مشغوله عنكم فرح ابني أخر الإسبوع!
غمغم عمرو:
-ربنا يشغلك دائمًا يارب.
ثم أومأ لها بابتسامة زائفة....
*******
أرادت سراب أن تخبره بما يجيش به صدرها لكن وكلما أوشكت على إفراغ ما يعتمل به يصفعها بكلماته فتعود لعقلها...
ارتدت ملابسها في سرعة لتذهب لأختها بالمصنع، وما أن فتحت الباب رأت بدر أمامها ينزل الدرج، فألقى عليها السلام، وبعدما خرجا من البناية سألته بعفويه:
-رايح فين؟
حمحم وقال:
-أنا رايح المصنع هستلم شغل هناك!
نظرت بساعتها وقالت بسخرية لطيفة:
-رايح تستلم شغل الساعه ١٢!
افتر ثغره بابتسامة أظهرت غمازات وجهه التي رأتها للمرة الأولى فقالت بإعجاب وتلقائية:
-الله عندك غمازه حلوه أوي! أنا كان نفسي يكون عندي غمازه.
شعر بالحرج وارتعشت شفتيه بابتسامة، لم يرفع نظره بها، وشعرت هي أيضاً بالخجل! تبًا لتلك التلقائية، هرولت من أمامه وكاد يتبعها لكن اوقفه صوت عمرو الذي كان يتابعهما وشرارة الغضب تُطل من عينيه، رفع بدر بصره فسأله عمرو:
-رايح فين كده؟
-آآ... رايح المصنع.
-طيب استناني لحظتين جاي معاك.
نزل عمرو من البيت يحمل الصغير وحقيبة يضع بها احتياجاته، فابتسم بدر وحمل الحقيبة عنه سارا في صمت، حتى سأل عمرو باقتضاب:
-كنت بتقول لسراب ايه؟
-هه! أبدًا كنت بقولها رايح المصنع...
قالها بدر بارتباك، فأومأ عمرو وقال بوجوم:
-طيب تمام ياريت بقا ملكش دعوه بسراب ولا تقى ولا تحاول تقرب منهم أصلًا.
-إيه يا عمرو بتتكلم كدا ليه؟
-بحذرك عشان منزعلش من بعض يا بشمهندس بدر.
صمت بدر هنيهة ثم تنهد وقال:
-بلاش اللهجه دي يا عمرو أنا لا بتاع بنات ولا عيني زايغه ولا ليا في الحوارات دي.
-أممممم، أومال ليك في ايه؟
قالها عمرو ساخرًا، فبلل بدر شفتيه ثم قال بحزم:
-عمرو! لو سمحت بلاش الطريقه دي!
قال عمرو ببرود:
-احنا منعرفكش يا بدر، فاعذرني وخاصة بعدما شوفت باسل أخوك!
-هو لو أخويا دا شخص وحش أنا مالي وماله يا عمرو.
قذفه عمرو بنظرة متفحصة وران عليهم الصمت حتى وصلا للمصنع...
ظل عمرو يتابع سراب، وبدر ونظراته التي لم يرفعها بأي فتاة ولكن ظل الشك ينخر داخله، ولم يغب عن باله لحظة باسل وهند!
وبعد فترة اقترب من سراب وقال:
-ما تيجي نخرج مع بعض!
رفعت ذقنها لأعلى وقالت بكبرياء أنثى:
-لأ.
ثم تركته يحدق بأثرها وراحت تتحدث مع تقى، بينما كانت ترمقه خلسة فيلتقط نظراتها ويبتسم...
استغفروا 🌸
★★★★★★
غطى الشفق الأحمر صفحة السماء، كان بيت دياب يعبق برائحة الأُنس، والطمأنينة وهو يرى أولاده وأحفاده يطوفون حوله، يتحاورون ويضحكون...
دق جرس الباب فهرول عمرو يفتحه وكان عمه ضياء والد ريم وزوجته وحفيدتيه «رحمة ورغدة»
حياهما بابتسامة عذبة ودخلوا....
جلس ضياء جوار أخيه «دياب» وكانت زوجته تحثه أن يتحدث مع دياب بأمر اتفقا عليه مسبقًا، فالتفت ضياء حوله ثم اقترب من أذن أخيه وهمس:
-عايزك في موضوع مهم.
أخذه دياب واتجه لغرفته، فقال ضياء:
-نادي لعمرو وعامر بالمره.
نفذ دياب ما طلب، وجلسوا الأربعة في صمتٍ مطبق حتى نطق ضياء:
-اسمعوا يا ولاد... انتوا عارفين إن رغدة ورحمه يعتبروا يتامى رغم إن أهلهم على قيد الحياة، وأنا شايل همهم، لو حصلي حاجه البنتين دول هيتبهدلوا من بعدي، عشان كده آآ...
صمت هنيهة وكان عامر يفهم ما يرنو إليه ويصيح في سريرته لا تنطقها أرجوك! إلا أن ضياء أكمل:
-المثل بيقول أخطب لبنتك ولا تخطب لابنك، وأنا عايز عمرو وعامر لرغدة ورحمه، حتى نعمل خطوبه وكتب كتاب صوري كده دلوقتي وبعدين الفرح لما يبلغوا السن القانوني ونوثق كتب الكتاب...
تبادلا عمرو وعامر النظرات، وقال عامر بحسم:
-ربنا يديك طول العمر يا عمو، رغده ورحمه بنتين زي القمر يعني إن شاء الله يجيلهم أحسن مني ومن عمرو، وألف شخص يتمناهم، أنا مش عارف عمرو رأيه إيه لكن أنا.... أوعدك يا عمي هما زي إخواتي ودايمًا أنا موجود جنبهم بس جواز... أنا آسف...
وقال عمرو:
-أنا كمان رأيي من رأي عامر دا غير إن رغده ورحمه لسه صغيرين على الخطوبه والكلام ده...
-مكنتش متخيل إنكم تحرجوني كدا!
قالها ضياء ونهض واقفًا فحثه دياب على الانتظار وشرع عمرو وعامر يشرحان له وجهة نظرهما حتى انتهى الأمر بأن ينتظر فترة للتفكير في الأمر ولكن دون أن يخبر رغدة ورحمه عن الأمر شيء...
رددوا
لا حول ولا قوة إلا بالله
★★★★★
غشى الليل صفحة السماء فأظلمت، وتبعثرت بها النجوم تزينها...
قُرع جرس باب «بدر» فنهض يفتح، تمنى لو كان عمرو، فقد تغير معه كثيرًا بعدما أنس به وبعائلته بنى ظهور باسل حاجز بينهم...
فتح الباب فرأى عامر ويحيى، رحب بهما بحبور وقدم لهما الشاي الساخن ثم جلس قبالتهما، سأله عامر:
-مالك؟ حاسس إنك مش كويس؟
قال بدر بابتسامة باهتة:
-لأ كويس الحمد لله، نورتوني.
-أستاذ يحيى كان عايز يتعرف عليك ويثبت معاك مواعيد للحفظ.
قالها عامر بابتسامة، فرد بدر بسرور:
-والله الشقه نورت يا أستاذ يحيى.
قال يحيى بابتسامة عذبة:
-منوره بيك يا غالي... لقيتك اتأخرت على الحفظ قولت أجيلك أنا.
ابتسم بدر بسرور وقال:
-حقيقي متشكر جدًا لاهتمامك.
شرع «بدر» يُعرف يحيى عن نفسه ودراسته، حتى سأله يحيى:
-هو إنت ملكش أخوات زيي ولا ايه؟
أطل الحزن من عيني بدر وهو يقول:
-لا ليا اخوات بس دائمًا كنت بحس إني غريب وسطهم، كلهم بيحبوا الفلوس أوي لكن أنا كنت بحب الدراسه والقراءه والفلوس دي أخر حاجه... مكنتش بعرف أصاحب حد بسببهم، تخيلوا أخويا كان بيراقبني خايف أوصل لعمي وعمتي ويظهرلنا ورثه بعد ما جدي يمـ ـوت!
قالها وابتسم بسخرية، فساله عامر:
-وإنت لسه موصلتش لحاجه برده؟
هز رأسه نافيًا، وقال بيأس:
-أنا أسبوع كمان وهرجع لجدي ياما يديني معلومه مفيده يإما ينسى الموضوع ده! دا حتى مش فاكر اسم عياله!
تنهد بعمق واغتصـ ـب ابتسامة ثم قال:
-المهم خلينا في المواعيد يا أستاذ يحيى.
قال يحيى مغضنًا جبينه:
-مواعيد ازاي بقا وإنت بتقول إسبوع وهتمشي؟
-النت موجود يا أستاذي الفاضل هنروح من بعض فين!
قالها بدر مازحًا، وتحدثوا كثيرًا وأحب يحيى ذلك الشاب الذي رأى منه عذوبة كلمات تشي بطيبة قلبه ونقاء سريرته.
************
كادت الليلة تمر بهدوء إلى أن وقف «نادر» بسيارته أمام بيت دياب وارتجل منها نظر لبيت دياب مطولًا وهو يفكر فيما طلبته «نيرمين»، ثم دخل إليه...
خرجت رحمه من شقة دياب قاصدة شقة ريم فتقاطعت طرقهما وحين رآها حدق بوجها لبرهة، فقالت بابتسامة مرتبكة:
-إزيك يا أبيه؟
-تمام! إنتِ مين؟
قالها عاقدًا جبينه، فقالت بابتسامة مضطربة:
-آآ... أنا رحمه!
زم جفونه يتذكر صاحبة الإسم، ثم تهلل وجهه، تفحصها من أعلى لأسفل وقال بذهول مغلف بالإعجاب:
-رحمه! ازيك يا رحمه ما شاء الله كبرتِ مشوفتكيش بقالي فترة! عامله ايه وأختك عامله ايه؟
-تـ... تمام الحمد لله.
قالتها ثم ابتلعت ريقها وكادت تصعد الدرج فخطر له فكرة، ناداها وقال:
-احنا لازم نتكلم عايز أطمن عليكِ.
قالت بتخبط:
-آآ... أكيد ان شاء الله.
همت أن تصعد فقال:
-طيب ثواني مستعجله ليه؟ هاتيلي رقمك.
أملته رقمها وكأنها مغيبه، ثم صعدت الدرج وهي في قمة اضطرابها، وتنهد هو بارتياح قبل أن يقرع جرس الباب، ففتح له رائد وقابله بنفور شديد، سلم نادر على الجميع ولم يلبث إلا قليلًا، وانصرف قبل أن تُفتح في وجهه نافورة النصائح التي يبغضها، غادر مبتهجًا كمن عثر على كنز ثمين، وهي رحمه!
قصد تلك الحانة التى أضحى زبونًا مميزًا فيها هو وسارا صديقته وحبيبته، وكالليلة السابقة قدم له أحد الأصدقاء مشروب الأمس وقبل الأمس، فلم يفكر أخذ يشرب ويشرب...
بقلم آيه شاكر
★★★★★
عادتا لشقتهما بعد أن سلمتا على ريم، فتحت تقى ألبوم صورها مع والدها وأخذت تطالعه من خلف دموعها وتناشده في سريرتها ألا يكون شخص سيء، رأتها سراب، فجذبته من يدها وقالت بضجر:
-هو إنتِ بقا مردتيش تسيبينا نقعد معاهم عشان تجيبينا تنكدي علينا هنا! ما كنا بنضحك هناك وكويسين!
تنهدت تقى بحرارة وقالت:
-لما بشوف عيلة عمو دياب بتمنى يكونوا عيلتي، إحنا ملناش حد خالص يا سراب، نفسي أغمض عيني وأفتح ألاقي ظهر لينا عيله يعني مثلًا خال، عم، أخ، أي حاجه....
أرسلت سراب تنهيدة عميقة وسحبت صورة جدها من الألبوم وأخذت تحركها في الهواء وهي تقول:
-إحنا لازم ننساه ونعتبره مات! خلاص صفحه واتفقلت.
هدرت بها تقى:
-ازاي يعني صفحه واتقفلت! إنتِ مقتنعه باللي بتقوليه!
هبت تقى واقفة لتأخذ الصورة من يدها، فركضت سراب أمامها، وهي تقهقه بشقاوة، أرادت أن تُخرجها من بؤرة حزنها فقالت بابتسامة:
-لو قدرتي تمسكيني خديها وفوقها بوسه.
أخذت سراب تركض وتثب بأرجاء الشقة، حتى فتحت الشرفة ودخلتها وأغلقت الباب عليها وسحبته بكامل قوتها بينما ظلت تقى تحاول فتح الباب حتى فُتح، وقالت بحـ ـماس وابتسامة نقلتها لها سراب:
-هتروحي مني فين؟ نطي بقا من البلكونه لو تقدري!
مدت سراب يدها من سور الشرفة وقالت:
-لو قربتِ خطوة هرمي الصوره وانزلي بقا هاتيها.
كانت «تقى» تعلم أنه تهديد فارغ، فاقتربت خطوة، حذرتها سراب وهي تحرك الصورة بين أناملها، وفجأة سقطت الصورة من يدها، فشهقت بصدمة وهي تُطالع الصورة تهوى وتستقر أسفل قدمي بدر الذي خرج من البناية للتو مع يحيى وعامر...
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا