رواية بين غياهب الأقدار الجزء الثاني من رواية( في قبضة الأقدار) الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم نورهان آل عشرى
رواية بين غياهب الأقدار الجزء الثاني من رواية( في قبضة الأقدار) الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم نورهان آل عشرى
🍓 السادس ج٢ 🍓
ساقني اليك قدر لا اعلم هل كان يُعاقبني أم أنه أراد أن يكُف عنى أذاه ، ولكني بِت مُتعبة للحد الذي جعلني لا أريد التفكير بأي شئ فقط اتمني أن اُغمِض عيني إما للأبد أو لجنة تخلو من شيطاين الفراق و الألم…
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
كانت تخطو الى داخل المشفى بأقدام هُلاميه تشعر بالرهبة والفزع فها هي اليوم تذهب للطبيب لتحديد موعد الفحوصات التي ستحدد حالتها و التي كانت تشعر بأنها ليست بتلك البساطة التي يتحدثون عنها. توقفت أمام غرفه الطبيب و أخذت نفسا قويا و أخرجته ببطئ قبل أن تتمتم بخفوت
" لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"
امتدت يد فرح الحانيه تربت بخفه علي كتفها وهي تقول مطمئنه
" أن شاء الله خير متقلقيش."
و تابع ياسين يحفزها
" اجمدي كدا مفيش حاجه تخوف. و بعدين كلنا جمبك متقلقيش"
اومأت برأسها واهدته ابتسامه ممتنه فقام بالطرق عدة طرقات علي باب الغرفة الذي قام بفتحه حين سمع صوت الطبيب يأمرهم بالدخول و لكن سرعان ما تجمد الثلاثة بارضهم حين شاهدا ذلك الذي يجلس علي المقعد أمام الطبيب و الذي لم يكن سوي سليم الوزان..
" أنت…"
هكذا تحدثت جنة التي لم تتوقع بخيالها أن تراه تحديدا هنا و صاحت فرح من خلفها حين رأته
" انت بتعمل ايه هنا؟؟"
لم يتفوه ياسين بحرف فقد بدأ يلاحظ كم يعشق ابنة عمه و لكنه لم يتواني عن جعله يتذوق الأمرين حتي يظفر بها
" بتعمل ايه هنا يا سليم ؟"
لم يبد عليه التأثر بصدمتهم أو بحديثهم و علي عكس طبيعته كان هادئا حين قال
" مستنيكوا.."
داخليا كانت الفراشات تطير بمعدتها من فرط السعادة لاهتمامه بما يخصها و خاصة هذا الأمر ولكنها خارجيا تظاهرت بالغضب الذي تجلي في نبرتها حين قالت
" انت بتستهبل صح ؟"
لم يجيبها إنما احتدت عينيه قليلا فتدخل الطبيب قائلا
" تعالي يا جنة اتفضلي اقعدي .."
جنة بعناد
" مش هقعد طول ماهو موجود هنا.."
احتدت نبرته حين قال
" يبقي هتفضلي واقفه طول النهار.."
كان الثلاثة يشاهدون لعبة القط والفأر التي تحدث بينهم و التي قرر الطبيب أخيرا فضها حين قال
" لو سمحت يا سليم بيه اتفضل بره و ياريت تاخد دكتور ياسين معاك و فرح كمان انا عايز جنة لوحدها.."
حين أوشك سليم علي الرفض تحدثت فرح بتوسل
" سليم احنا مش هنفضل طول النهار نتخانق.. ممكن تطلع بقي.."
أخيرا وافق علي مضض فتوجه الي الخارج برفقه ياسين الذي قال بغضب
" متزودهاش يا سليم عشان متضطرنيش اقف قدامك.."
اغتاظ سليم و قال بحدة
" بلاش تهديد عشان انت عارف كويس أنه مش هياكل معايا .."
ياسين بصرامه
" و أنا مبهددش. انا بس بنبهك. مش هسمحلك تضايقها. "
اقترب منه سليم حتي أصبح الإثنان وجها لوجه و ارتفع صوت أنفاسهم الثائرة و أجابه سليم بغضب
" انا بحبها و عايز اتجوزها و هتجوزها يا ياسين و لا انت ولا اي حد هيقدر يقف قدامي.."
ياسين بلهجة هادئه ولكن قويه
" معنديش مانع انك بتحبها و عايز تتجوزها بس لو هي رفضاك انا هقفلك و همنعك تقرب منها. إذا كنت ساكت فعشان اديها فرصتها انها تشوف انت متمسك بيها قد ايه.. جنة اختي و اتمنى انها تكون مرتاحه في حياتها خصوصا بعد الي شافته لكن مش معني كدا اني هسيبك تفرض نفسك عليها. دا تحذير مش هكرره تاني…"
اندفعت الدماء الثائرة الي رأسه حتي لونت حدقتاه التي صارت كبركه حمراء لونها الجحيم وحين أوشك على أخباره أن يذهب إلى الجحيم رن هاتفه و كان المتصل سالم فحاول سليم أسترداد أنفاسه قبل أن يجيب سالم الذي صرخ به
" انت فين؟؟"
" انا في المستشفي …"
قاطعه سالم الذي لأول مرة يكن في تلك الحالة هادرا بعنف
" عبد الحميد عمران خطف حلا!"
كان صوته حادا مرتفعا للحد الذي اخترقت جملته آذان ياسين الذي تجمدت الدماء باوردته حين سمع حديث سالم و الذي لم يستوعبه سليم الذي استفهم قائلا
" انت بتقول ايه و عبد الحميد مين…."
فطن الي الاسم و هو يرى ياسين الذي امتقع وجهه و قال بلاوعي
" جدي… عبد الحميد عمران جدي.. خطف حلا!"
شهقات متتاليه خرجت من جوف كلا من فرح و جنة التي شعرت بأن أقدامها تتلاشي من فرط الصدمة وهي ترى ملامح سليم الذي كان يناظرها بنظرات جحيميه فعلا وجيب قلبها من فرط الذعر وجاء صوت سالم الآمر
" دقيقه وتكون عندي .."
من البداية كنت أعلم بأن طرقنا ستفترق ولكن لم أكن أتوقع بأن تكون النهايه هكذا تخيلتها وردية بقدر عشقي لك ولكن بدا أنها ستكون مأساوية كحياتي قبل لقائي بك..
لا تعلم كيف وصلوا الي المزرعه فقد كان كلا من ياسين و سليم يأكلان الطريق حتي بدت السيارة و كأنها وحشا يأكل الطريق كما يأكل الذنب أحشاءها من الداخل فهي تعلم بأن كل هذا حدث بسبب شقيقتها التي كانت ترتجف بجانبها فقد كان هلاكها يلوح بالأفق فذلك الرجل الذي قبل بأن يخسر ولده لأجل حفنه من التراب ماذا سيفعل بمن خسرت شرفها بتلك الطريقة؟
ترجل الجميع من السيارة و تفاجئوا بكل هؤلاء الرجال المسلحين الذين يقفون بالخارج فبدأ الأمر وكأنه جيشا يتأهب للدخول الي معركه داميه !
لم يعلق أحد و توجهوا الي المنزل فوجدوا الجميع منعقدون حول أمينة التي كانت ترتجف من فرط الرعب و دقات قلبها تعلو و تهبط فجلست سما تحت اقدامها تحاول عمل تدليك لدورتها الدمويه و في الجهه الأخرى فعلت مروة مثلها أما همت فقد كانت تجلس بوجوم بجانب شيرين التي ما أن وقعت عينيها عليهم حتي هبت من مقعدها تقول بغضب
" انتوا كمان ليكوا عين تيجوا هنا بعد الي حصل ؟؟ "
لم يجيبها أحد و توجه الجميع الي سالم الذي كان يقف أمام النافذة ينفث النيران من أنفه و كانت ملامحه مريعه فبدا كالوحوش وهو يزوي ما بين حاجبيه بتلك الطريقه و عينيه التي تحول لونها الي الدماء فقد كان هذه اول مرة ترى هيئته هكذا و قد علمت حينها بأن هناك كارثه ستحدث لا محاله.
كان الألم الذي يشعر به يفوق طاقته علي التحمل فقد شعر بأن ضلوعه تتفتت بداخله وهو يتخيل أن يحدث لها مكروه فقد كان شبه متأكد بأن جده يخطط لفعل شئ و قد صحت ظنونه حين حدث إطلاق النار و قتل ذلك الحارس المسكين و الذي ذهب إلي زوجته وأسرته حتى يقدم واجب العزاء وترك لهم مبلغا من المال مع وعد بأن يتكلف جميع مصروفات أولاده الثلاث حتي ينهوا دراستهم. كان هذا اقل شئ يمكن تقديمه لهم ولكنه لم يحسب حساب بأنه يفعل كارثه مثل هذه و التي لم تصيب ضميره فقط بل نالت من قلبه للحد الذي شعر به يتفتت بداخله ذعرا عليها فكان أول من توجه إلي سالم قائلا بلهفه
" حصل ايه يا سالم ؟"
لم يكد ينهي جملته حتي تفاجئ بلكمه قويه سقطت علي فكه فشعر بأن عظامه تحطمت بفعل قبضة هذا الوحش الذي لم يرهبه شهقات النساء حوله و صرخ بأعلى صوته حتي اهتزت الجدران من صراخه
" مقولتليش ليه ؟؟؟؟"
شهقات و صرخات خرجت من فم الجميع جراء ما حدث فلم يكن يتوقع أحد أن تلك الكلمه القويه التي ما ان استعاد ياسين اتزانه بعد أن تخطى قوتها حتي تأهب للهجوم عليه فامتدت ذراع مروان تحاول ردعه و اقترب سليم يحكم قبضته علي جسد سالم الذي صرخ قائلا بغضب
" رد عليا "
" عشان مش هتقدر تعمل حاجه معاه و لا تقدر عليه لانت ولا بلدك حتي"
زمجر ياسين بوحشيه و هو يحاول الفرار من بين براثن مروان الذي قال مهدئا
" ما تهدوا بقي احنا في ايه ولا في ايه ؟؟"
صرخ سالم موبخا
" اقدر عليه و على مليون واحد زيه.. مفيش حد يقدر يقف قدام سالم الوزان.."
تدخلت شيرين وهي تتقدم من سالم قائلة بغل
" انتوا اتحدفتوا علينا من انهي داهيه.."
ساندتها همت التي أرادت إلقاء النار علي البنزين حين قالت بصراخ
" دمرتوا حياتنا و اتسببتوا في موت حازم و دلوقتي هتموتوا حلا الغلبانه.."
صرخ ياسين بغضب
" متقوليش كدا انا الي هرجع حلا و محدش هيقدر يمس شعره واحدة منها.."
صاحت شيرين بغل
" دا لو لحقت .."حلا مخطوفه من الصبح و يا عالم زمانهم عملوا فيها ايه "
للحظه شعرت برغبة في قتل تلك المخلوقة البشعة ولكنها تسمرت حين قالت جنة التي كانت ترتجف بمكانها
" كفايه بقي .. محدش هيأذي حلا انا عارفه جدي خطفها ليه .. خطفها عشان يجبني انا هو عايز يغسل عاره مني.. و أنا هروحله. خليه يموتني و يريحني.."
غرزت خنجرها بقلبه حين تفوهت بتلك العبرات التي بدا و أنها تحمل الكثير من الحقيقه فصرخ سليم باستهجان
" أنتِ بتقولي ايه ؟؟ الكلام دا مش هيحصل و حلا احنا هنعرف نرجعها احنا مش عيال صغيرة.."
أيدته أمينة التي قالت بانهيار
" سليم عنده حق يا جنة أنتِ كنتِ ضحيه و حلا كمان ملهاش ذنب مش عشان ننقذ واحدة نضيع التانيه.. "
تدخل ياسين قائلًا بصرامة
" انا هروح لجدي و هجيب حلا من غير تدخل من حد .. انا عارف هو عايز ايه ؟ "
جاء صوته الحاد الذي أرعدهم جميعا
" جنة بتتكلم صح…"
شهقه قويه شقت جوفها حين سمعت حديثه الحاد و الذي شابه نظراته الخاليه من كل معالم الشفقه فلم تستطع منع نفسها من الهمس باسمه بلوعة
" سالم.."
لم يجبها بل لم يلتفت على الرغم من أن قلبه لم يرى بوجوه الحاضرين سواها ولكن ذلك لم يكن جديدا عليه فهو باهر في إخفاء عشقه لها
" انت بتقول ايه يا سالم؟؟"
هنا تحدث سليم بصدمه كان لياسين نصيبا كبيرا منها و الذي صاح باستنكار
" قد كدا انت منزوع الضمير و الاحساس عايز تبعتله جنه عشان يقتلها.."
لم يجيب علي أيا منهما فاقتربت جنة منه قائلة بصوت نزعت من الروح فقد علمت منذ ذلك اليوم الذي استفاقت في المشفي ان الهلاك هو نهايتها الحتمية فلم يكن يفرق عندها اي طريقه ستقودها اليه
" انا موافقه اروح لجدي.. حلا ملهاش ذنب .. دا ذنبي و أنا بكفر عنه.."
امتدت يد سليم تمسك برسغها و قام بجرها إليه يوقفها أمامه وهو يقول بعنف
" اخرسي أنتِ كمان بتقولي ايه ؟؟"
اقترب ياسين من سالم حتي صار بينهم خطوتين وقال بهسيس مرعب
" الكلام دا عمره ما هيحصل الا على جثتي . و حلا انا الي مسئول ارجعها بسلام.."
تدخل مروان بغضب
" يا جماعه في حكومه في البلد انتوا بتقولوا ايه ؟!"
تشابه صوته مع ملامحه حين قال بجمود
" حلا متخصكش.. و لا انا عمرى هثق فيك.."
صاح ياسين بغضب
" ميهمنيش انك تثق فيا…."
قاطعه سالم قائلا بقسوة
" جدك عايز تاره.. عايز يغسل عاره! و العار ميغسلهوش الا الدم.."
لم تستطع الصمت أكثر فصرخت مستنكره
" سالم انت سامع بتقول ايه ؟"
لم يكلف نفسه عناء الإلتفات لها بل تابع بنفس لهجته
" يا اما يغسل عاره يا اما ميبقاش في عار اصلا.."
لم يفهم الجميع كلامه فعم الصمت للحظات قطعها ياسين الذي قال بغضب
" ما تفهمنا تقصد ايه ؟"
لم يجيبه إنما التفت إلي مروان قائلا بفظاظة
" اتصل بالمأذون.. هنكتب كتاب سليم و جنة .."
شهقات مستنكرة خرجت من أفواه الجميع فصاح بوحشية
" مش عايز ولا كلمه.. يا كدا يا هتبقى حرب عالكل "
أنهى كلماته و نظر إلي ياسين قائلا بعينين تقطران غضبا و لهجه متوعدة
" ورحمة ابويا وقتها ما هرحم حد.. و الي حضر العفريت يتحمل أذاه.."
لم يتأثر خارجيا ولكنه من الداخل علم بأن هذا الأمر لن يمر مرور الكرام و أن هناك حربا قد تنشب و ستكون عواقبها وخيمة ولكنه لن يستسلم أبدا و سيقاتل حتي لو كان هو أول من سيقع أمام طوفان الدماء
" وانا مش موافق.. وجنة مش هتتجوز غصب عنها حتي لو كنت أنا أول واحد هيقع ضحيه الحرب دي"
" بس انا موافقه.."
هكذا تحدثت جنة التي لن تتحمل أن يدفع ثمن اخطاءها شخصا آخر يكفي شقيقتها و طفلها . لن تتحمل اندلاع حروب هي السبب بها
" اعمل الي قولتلك عليه.."
هكذا قالها سالم موجها أنظاره لمروان الذي لم يكن بيده اي شئ فامتثل لأوامر سالم والذي لاحظ اقترابها منه حين قالت بلهجه مرتجفه
" عايزة اتكلم معاك.."
تدخلت شيرين مغلوله
" ابعدي عنه عايزة منه ايه تاني.."
زجرتها فرح بعنف
"متدخليش في الي ميخصكيش.."
اقتربت شيرين تمسك بيد سالم وهي تقول بتوسل
" سالم ارجوك قولها…."
لم ينتظر حتي يسمع باقي حديثها فنفض يدها متوجها للداخل وهو يقول بصرامة
"سليم جهز الرجالة بعد كتب الكتاب عندنا سفر طويل .."
اوشك ياسين علي الاعتراض فتفاجئ بيد أمينة التي امتدت تمسك بذراعه قائلة من بين عبراتها
" متضايقش يا ابني دا الي لازم يحصل . صدقني سالم بيرد اعتبار جنة و فرح. لما جنة تروح مع سليم علي انها مراته جدك مش هيقدر يأذيها. انا عارفه انك تقدر تحميهم بس كدا احسن للناس كلها. فكر في كلامي كويس .. بالله عليك تسمع كلامه انا عارفه هو بيفكر ازاي لو مش عشان خاطرى عشان خاطر حلا.. انا مش هتحمل وجع تاني .."
كانت محقة بحديثها فإن كانت زوجة لتلك العائلة فلن يكون هناك أي عار مُلتصِق بها و ستذهب مرفوعة الرأس و بنسبة كبيرة سيرضي هذا جده الذي لن يتوانى عن غسل عاره بإزهاق روح تلك المسكينة و لن يهتم بمقدار خطأها..
****************
" مش مضطرة توافقي عالي سالم قاله.."
هكذا تحدث وهو يقف خلف تلك التي لم تتحمل الهواء بالداخل فخرجت لتقف في الحديقه تنظر إلى السماء لا تعرف كيف تصيغ دعائها كل ما استطاعت أن تتفوه به
" يارب يكون دا كابوس و افوق منه.. "
أغمضت عينيها تتوسل الي الله أن يكون هذا كابوس تستفيق منه ولكن اتي حديثه الذي جعلها تتسمر بمكانها فقد باغتتها كلماته للحد الذي جعل الغضب يتصاعد الي أوردتها فالتفتت تقول بسخرية مريرة
" كنت متوقعه انك هتقول كده.. عايز اتجوزك يا جنة لكن وقت الجواز بقي فرض عليك جاي تقولي مش مضطرة تتجوزيني !"
اقترب منها أكثر وهو يقول بتصميم نابع من عينيه التي كانت ملونه بدماء الغضب
" انا لسه عند كلمتي و لسه عند وعدي و هتجوزك لو دي آخر حاجه هعملها قبل ما اموت احفظي كلامي دا كويس "
" اه ماهو واضح طبعا.."
قالتها بسخرية فتابع بلهجه أقل حدة
" عايز اتجوزك و أنتِ راضيه يا جنة مش وأنتِ مُجبرة. عايز افرحك و افرح بيكِ. "
لامست كلماته قلبها للحد الذي جعل عبراتها تنهمر على وجنتيها وهي تقول بألم
" تفرحني!! تبقى بتخدع نفسك؛ أنا واحدة الفرحه اتحرمت عليها. لو عايز تعيش حياتك دور عليها بعيد عني.. أنا وافقت علي اقتراح سالم اه بس جوازنا هيبقي عالورق و بس لحد ما الأمور تهدى و نطلق أو منطلقش مش فارقة . بس مش همنعك تعيش حياتك . "
ازدادت عبراتها وهي تنطق جملتها الأخيرة فسقطت علي قلبه الملتاع و الذي يعاني من أوجاع عديدة وآلام كثيرة كان أولها رعبا علي شقيقته و آخرها خوفا علي فقدانها حتي أنه لم يكن يعرف بماذا يجيبها فقط اكتفي بقول
" انتِ حياتي يا جنة.. "
*****************
كانت تتشاجر مع خطواتها وهي تتوجه الي المكتب خلفه وقامت بأغلاق الباب بقوة قبل أن تقترب منه وهي تمسك برسغه قائلة بغضب
" استني هنا بكلمك.."
بلمح البصر وجدته يلتفت ويقوم بجذبها من يدها الممسكه به حتي اصطدمت بسياج صدره الخافق بعنف وهو يزمجر بوحشية
" اوعى تفكري تستفزيني عشان أنا في أقصى درجات غضبى و مش مسئول عن الي هعمله.. فاهمه.."
لم ترعبها نظراته ولا حديثه حتي بالرغم من ألمها من قبضته الغير رحيمه علي يدها ولكنها تجاوزت كل شئ قائلة بنبرة خافته
" بس انا واثقه انك عمرك ما هتأذيني .."
افلتها بغتة فتراجعت إلي الخلف بقوة كادت أن توقعها بينما تابع قائلا ساخرا
" متتكيش عالثقة اوي عشان مبقلهاش وجود بينا.."
صاحت باعتراض
" ليه بتقول كدا؟"
" مقولتليش ليه أن هو ورا الي حصل ؟"
لأول مرة تشعر بالخوف منه بتلك الطريقة ملامحه كانت مُكفهرة بطريقة لم تعهدها و نبرته القاسية جعلتها تبتلع ريقها بصعوبة قبل أن تقول بشفاة مرتجفه
" خوفت يكون تخميني غلط!"
ارتسمت السخريه علي ملامحه وامتزجت مع لهجته المريرة حين قال
" خوفتي! ولا عشان كنتِ عايزة تمشي و مش لاقيه طريقه فقولتي فرصه بما أنه مش قادر يحمينا"
هبت تنفي مرارة اتهاماته
" لا طبعا أنا مقولتش كدا .."
زأر بغضب
" هو قال. و أنتِ معترضتيش و مشيتي!"
صرخت بلوعة
" و أنت ممسكتش فيا.."
قهقه ساخرا و هو يمسك بهاتفه ينوي إجراء اتصالا هاتفيا وهو يقول بتهكم
" فعلا كان مفروض اقولك لا والنبي متمشيش.. اقولك دي احسن حاجه صح أنتِ عملتيها…"
لم تستطيع أن تجيبه فقد نالت كلماته منها بشكل لا يوصف فشعرت بألم يطحن عظامها من الداخل وخاصة حين شاهدته ينخرط في محادثة هاتفية مع أحد رجال الشرطة فعادت أدراجها تنوى الخروج تود أن تنزوي بعيدا عن جميع الأعين حتي تستطيع أن تلعق كرامتها الجريحة وما أن أوشكت بالوصول الي باب الغرفة حتي تفاجئت من قبضته التي أمسكت رسغها بقوة وهو يواصل حديثه الهاتفي قائلا بخشونة
" هحاول انا بطريقتي و انت خليك جاهز عشان لو احتاجتك.."
التفتت بلهفه تنظر إلي عينيه التي كانت تنطق باعتذار لم يتجاوز حدود شفتيه فاخذت تناظره بعينين تحملان عتب قاسي تجاهله هو حين قال بفظاظة
" بعد كتب الكتاب هنطلع كلنا علي بلدكوا و أنتِ هتكوني موجودة.."
اومأت برأسها و بللت حلقها الجاف قبل أن تقول
" حاضر.."
ارتفع أحدي حاجبيه حين سمع منها تلك الكلمة التي ظن أنها لا تعرف طريق شفتيها فقال ساخرا
" غريبة اول مرة اسمعك بتقولى الكلمة دي.."
لم تستطيع منع نبرة الضعف التي تسللت الي قلبها و صوتها حين أجابته
" مبقاش فيا حيل اناهد خلاص.. الي انتوا شايفينه انا هعمله.."
لو كانت اجهزت عليه بسلاح ناري لم تكن لتؤلمه لهذه الدرجة فلأول مرة تعلن انهزامها بل و ترفع رايه التسليم أمامه ولدهشته كان هذا الأمر مؤلم كثيرا علي قلبه الذي لم يتحمل ضعفها فقال بنبرة خافته
" أخيرا نويني تسمعي الكلام."
اومأت برأسها فتدفق الدمع من عينيها فسقط كجمرات أحرقت قلبه الذي لم يتحمل عبراتها اكثر فغيب عقله حين امتدت يده تجذبها إليه لتستقر في منتصف أحضانه يعانقها بقوة و كأنه يريد إدخالها بين ضلوعه و أسكانها بجانب قلبه الذي يشتهي قربها كما يشتهى الناسك الجنة.
كانت كمن تاه في صحراء قاحله يرويها بدماء جراحه النافذة لا تعلم هل تبغي النجاة أو تتمني الموت فاختار هو بدلا عنها و نجت بين ذراعيه التي احتوت آلامها و ضعفها فصارت تبكي و ترتجف بين ضلوعه كيتيم تلقى أول عناق بحياته فصار يتمسك به وهو يشكي آلامه و أحزانه علي هيئة نهنهات متقطعه كانت تنحر قلبه بدون رحمه فصارت يداه تمسد خصلات شعرها برفق و يده الأخرى تشدد من عناقها كثيرا وكأنها تخبرها بأنه ملجأها الآمن.
كثيرا ما نتوه بين ما نحتاجه و ما نشعر به و كأننا لا نعرف أنفسنا. تتكالب علينا الأوجاع و تختلط علينا الأمور فلا نعد نعلم اي الطرق علينا أن نسلك نحتاج لأن يمد أحدهم يده إلينا أما لإرشادنا أو لاحتواء آلامنا
هدأت من ثورتها التي لا تعلم كيف اندلعت فقد شعرت للحظات بأن بكاء العالم يملؤها حتي فاضت به عيناها التي تلونت بحمرة الوجع الذي استكان للحظات غرقت بها بين ذراعيه التي تطوقها بقوة و كأنها تخشي سقوطها.
شعر بها تهدأ بين ذراعيه التي احتوت ألمها و غضبه فقد كان يحترق كمدا و رعبا علي شقيقته و علي هذا المأزق الذي يجب الخروج منه بأقل الخسائر.
شعر بها تتملص من ذراعيه فخفف من ضغطه عليها لتتراجع هي تنوى الابتعاد و عينيها تهرب من سطوة عينيه فلم تفتها يده بل امتدت تمسك ذقنها و تعيد عينيها إليه وهو يقول بخشونة
" بصيلى يا فرح .."
كان الهرب هو اول و اقوي حلولها الآن فحاولت سحب نفسها من بين يديه وهي تقول بشفاه مرتجفة
" هخرج اشوف جنة.."
أحكم قبضته فوق ذراعيها وهو يقول بصرامه
" بصيلي و بطلي تهربي.. "
لم تجد مفر من النظر إليه فشعرت بالخجل يغمرها فتجاهل خجلها وقال مشتتا انتباهها
" من هنا لحد ما نروح و نرجع مش عايزك تعارضيني. الي أقوله يتنفذ اتفقنا.."
أومأت برأسها دون اعتراض فقال بلهجه خشنه
" كل حاجه هتبقي كويسه. خليكِ واثقة فيا"
خرج صوتها مبحوحًا حين قالت
" انت ازاي مش خايف؟؟ يعني جدى ممكن يأذى حلا وقتها هتعمل ايه؟"
تحدث بصرامة
" حلا كويسه و محدش هيقدر ييجي جنبها. "
كان يتحدث بثقة لا تعلم من أين جاءته ولكنها لم تستطيع سوي ان تومئ برأسها فأتاها صوته الاجش حين قال
" بطلى تبني حواجز بيني و بينك يا فرح.."
حين أوشكت علي إجابته جاء الطرق القوي علي الباب و الذي لم يكن سوي لشيرين التي جاءت تناظرها بغل تجلى في نبرتها حين قالت
" المأذون بره…"
حانت منها نظرة متهكمه علي مظهر فرح المبعثر فجاءها صوته القاسي حين قال
" اختفى من وشي دلوقتي.."
تفاجئت من حديثه الذي كان قاسيا كعينيه فتراجعت إلي الخلف دون أي حديث فالتفتت فرح تناظره بسخط تجلى في نبرته حين قالت
" هو ينفع بردو تشخط في الحنينة الي كانت بتنشفلك عرقك!!"
لم تستطيع الصمت فقد تذكرت ذلك المشهد الذي سلب النوم من جفونها طوال الأسبوع المنصرم و خاصة حين جاء اليها ياسين قائلا بتعقل
"اوعي تسمحي للغيرة أنها تأذيكي لو سالم بيحبك بجد مش هيقبل بحد غيرك لمجرد انك مشيتي و هيجيلك بيتك. هيعززك و يقدرك.."
كانت الغيرة بداخل عينيها شئ ممتع بالرغم من كل شئ ولكنه لم يكن في مزاج لأى شىء فتمتم قاصدا أن تسمع كلماته وهو يغادر الي الخارج
" اه والله حنينة. ربنا يكتر من أمثالها ."
تم عقد القران في هدوء من جانب الجميع ولكنه لم يمر من داخلها فقد كانت تشعر بالخزى و الألم في آن واحد فها هي الزيجة الثانيه لها تتم بصورة اصعب من السابقه فهي مجبرة علي الزواج حتى تنقذ روحها من الهلاك. اي هلاك يمكن أن يكون أصعب مما عايشته ؟! فقد تذوقت شتي انواع الألم و أقصى درجات الوجه الذي لا تزال مرارته عالقة بجوفها. فللمرة الثانيه تتزوج رغما عن إرادتها حتي و إن كانت شرعية فلم يعد هناك فرق ولكن يبقي السؤال حائرًا بينها وبين عقلها فبعد أن مضت تلك الورقة العرفية صارت تعض أصابعها ندما و لكن هل ستندم تلك المرة أيضا ؟؟
زفرت بتعب وهي تنظر إلي نافذة السيارة فهي مذنبة و سوف تظل الباقي من عمرها تدفع ثمن هذا الذنب حتي و إن ادعى سليم أنه يحبها كما كان يقول فحتما سيمل منها حين يدرك بأن روحها أصبحت عاقر لن تستطيع ان تعقد بالعشق يوما ما فقد تشوه جزءا كبيرا بداخلها لن يفلح اي شئ في إصلاحه…
عند بشائر النهار صفت السيارات أمام إحدى البيوت الكبيرة والتي يظهر عليها الثراء و يغلب عليها الطابع الريفي قليلا فترجل الجميع و كان علي رأسهم سالم و بجانبه ياسين و خلفه سليم الذي يمسك بيد جنه التي تمشي بجانبها فرح و علي يمينها مروان و لدهشتهم فقد وجدوا عبد الحميد يقف أمام البيت ينتظرهم و يحيط به عدد لا بأس به من الرجال و الذين كانوا من الأقارب و الاعمام فتقدم سالم و وقف في مواجهته ندا بند وهو يقول بقسوة
" قبلت دعوتك يا حاج عبد الحميد و جيت اتمني تحسن الضيافة .."
ابتسم عبد الحميد وهو يمد يده يصافح سالم قائلا بصوت رنان و لكنه صعيدية
"نورت يا سالم يا وزان.. و متجلجش احنا مبنجصروش واصل مع حبايبنا ."
سالم بنبرة امتزجت بها القوة مع المكر
" حبايبكوا و اهلكوا ما احنا اهل و لا ايه؟؟"
اتسعت ابتسامه عبد الحميد وقال بتهكم
" طب يا راچل بما أن احنا اهل مكنش لازم تبعتلنا الحكومه تطمن علي بتكوا.. دي وسط أهلها ولا اي"
كانت لعبه و الطرفين يتسابقان من الاقوى لذا تحدث سالم بفظاظة
" دا لما تكون رايحه بمزاجها. و بعدين اوعى تكون فاكر اني بعت اللوا صفوت الوزان عشان هو مدير أمن المنيا لا طبعا أنا بعته عشان يشوف لو محتاجه حاجه نجبهالها معانا و احنا جايين.."
قهقه عبد الحميد علي حديث سالم الذي كان خصما لا يستهان به وقال بقوة
" كلام ايه ده .. دي في عنينا و جاعدة مع حريمنا. "
تدخل ياسين الذي كان غاضبا من سالم الذي لم يطمأنهم على حلا بالرغم من أنه يعلم أنها بخير و من جده الذي وضعه في هذا الموقف
" طب بمناسبة حريمكوا مش هتسلم علي بنات ابنك ولا ايه يا جدى ؟"
قست نظراته لثوان قبل أن يقول موجها حديثه لياسين
" كنك نسيت تجاليدنا يا ولدي.. مرعى.."
نادى علي أحد الحرس والذى تقدم و معه احدى النساء لتأخذ كلا من فرح و جنة للداخل فلم تستطيع جنة أن تترك يد سليم الذي قام بالضغط عليها بقوة فقد هلل قلبه فرحا من تمسكها به حين غزا الخوف قلبها فاقترب من رأسها واضعا قبلة خافتة ارتج لها قلبها و خاصة حين أردف بنبرة قوية رغم خفوتها
" متخافيش انا جمبك محدش يقدر يمسك بأي سوء .. أنتِ مرات سليم الوزان.."
شعرت ببعض الارتياح و حانت منها التفاته خاطفه الي جدها فوجدت عينيه جامدة وهي تتابع ما يحدث و لكنه لم يعلق و بعد أن دخلت الفتيات دعاهم عبد الحميد الي الداخل و بعدها تحدث بصوت رنان
" طلِع الضيوف جوضهم (أوضهم) يرتاحوا يا مرعي على ما الحريم يخلصوا الوكل"
قاطعه سالم الذي قال بصرامة
" حلا فين ؟؟ "
اجابه عبد الحميد بهدوء
" مستنياكوا فوج اول ما يشيعولها خبر انكوا چيتوا هتچيلكوا طوالى.. "
لم يطِل سالم بل توجه للأعلى و تبعه كلا من سليم و مروان بينما ياسين توجه خلف جده الذي دخل الي مكتبه وهو يعلم جيدا بأن ياسين خلفه و بعد أن سمع اغلاق الباب تحدث بقوة
" نورت بيتك يا ولدي. "
صاح ياسين بغضب
" ليه عملت كدا ؟"
استقر عبد الحميد على مقعده خلف المكتب قائلا بهدوء
" عملت الصوح الي استنيته منيك تعمله .. شغِل عجلك يا ضكتور.."
استنكر ياسين حديثه بشده فصاح بغضب
" الصح !! و الصح انك تخطف واحده بريئة ملهاش اي ذنب و تدخلها في لعبة مش لعبتها ؟"
لم تتأثر ملامح عبد الحميد الذي أجاب بتهكم
" وهي مش چنة بردو بريئة زي ما حكيت لأمك؟؟ اوعي تفكر أنها جالتلي انى عرفت بطريجتي.. و اوعى تفكر اني هسيب تارى لوما الكلب دا مات كنت جتلته بيدي."
سليم بسخرية
" و تارك خدته من أخته لما خطفتها ؟ عملت فيها ايه قولي!"
صاح عبد الحميد بغضب
" اجفل خشمك يا ولد.. من ميتا بناخده تارنا من حريم؟؟ الي بتقول علي خاطفها دي جاعدة وسط حريمنا متعززة . دي كانت الطعم الي حرك المية الراكدة.. هو انت فاكر إياك أن المأذون الي جه النهاردة عشان يكتب كتاب الست هانم كان هياجي لو محسوش أن بتهم في خطر؟؟ "
صُدِم سليم من حديثه وقال باندهاش
" انت عرفت منين ؟"
زمجر بقوة
" زي ما عرفت الي حوصول و الي الكلب ده عمله! هو انت فاكر اني كنت هسيبها عايشه لو اتوكدت أنها خاطيه ؟ لاه.. ولو انها غلطت بس عشان ابوها الله يرحمه اني بلعتها.. لكن مش هسمح أن راسنا تتحط في الطين ؛ لازمن بنات محمود عبد الحميد عمران تترفع راسهم وسط الخلج. چنة هتخرچ من هنه عروسة هيتعملها فرح البلد كلاتها تحكي و تتحاكي بيه و هيچيب أهله كلهم و ياچوا يطلبوها منينا. و الكلام دا هيحصول غصب عن عين التخيين.."
توقف للحظه عاجز كليا عن الحديث فقد ظن بجده أسوأ الاحتمالات و لم يضع ولا احتمال واحد بأن يكون تفكيره بهذه الطريقه
" كنك متفاچئ يا ياسين.. انى مش ظالم يا ولدي. ولو ظالم مكنتش جبلت انك تبعد و تعيش مع بوك و امك و أنت حفيدي الغالي. بس خليك فاكر أن الي له اول له آخر و انى مش هجبل اچف وحداني وسط الخلج بعد أكده "
ياسين باستفهام
" تقصد ايه ؟"
عبد الحميد بصرامه
" اعمل حسابك هترچع تعيش معاي من تاني و تمسك ارضك و ارض ابوك و عمك الله يرحمه. انت وحيد هناك يا ولدي و اديك شايف لولا أني أدخلت كانوا بنات عمك ضاعوا وسط الغيلان. سالم ده مش ساهل ده حويط و واعر جوي و عشان أكده انا أدخلت."
ضيق ياسين عينيه مفكرا في حديث جده و قال باستفسار
" طب و انت مش خايف لا يكونوا جوزوا جنة طمع في ارضها . و بعد ما ياخدوا كل حاجه يرموها.. عمايلك بتقول انك مش مآمنلهم. حتي لو جنة متفرقلكش الأرض تفرقلك.."
عبد الحميد بصرامه
" جنة بتي و من صلبي غلاوتها تفوق مليون ارض .. وبعدين دي متفوتنيش. البت اختهم دي هاخدها لعمار ابن عمك جعفر. و أكده روحهم في يدنا زي ما روحنا في يدهم.."
هاجت الدماء بعروقه حين سمع حديث جده وصاح بغضب
" كلام ايه دا لا طبعا. عمار مين حلا استحاله تتجوزه "
ضيق عبد الحميد عينيه وقال بغضب
" ياسين فوج .. كلامك مش مريحني . اوعاك تكون بتفكر.."
قاطعه ياسين بقوة
" لو عايزني ارجع اعيش معاك هنا و امسك الأرض و كل حاجه يبقي حلا تبقي من نصيبي.."
صاح باستنكار
"وه كلام ايه ده الي عتجوله. انت اجننت ولا اي؟؟ انت هتتچوز فرح .. فرح بت عمك انت اولى بيها من الغريب. "
ياسين بعناد
" فرح اختي و أنا بردو اخوها. و دا آخر كلام عندي عايزني ارجع هنا يبقي اتجوز حلا .."
زفر عبد الحميد بغضب و لكنه قال بأذعان
" ماشي.. يبجى فرح تتچوز عمار.."
ابتسم ياسين بمكر تجلى في نبرته حين قال امام جده
" ابقي عرف سالم التقسيمة دي لما ييجي .."
" تجسيمة ايه ؟"
هكذا تسائل عبد الحميد فأجابه ياسين مغيرا الأمر
" لا متاخدش في بالك .. قولي هنقنعهم ازاي بجوازي من حلا؟"
ابتسم عبد الحميد بمكر وقال بتخابث
" مش احنا الي هنجنعه .. دي هي .. "
يتبع….
🍓السابع ج٢🍓
لا أعلم ما الذي يجعل قلبي مُتورِط بكِ إلى هذا الحد؟ فأنا عِندما أُريد اعتزال العالم اجد كل الطُرق تأخذني إليكِ. حتى بات قلبى لا يعرِف وجهة غيرك و لا يبغى ملجأً سواكِ. لا أُدرِك كيف حدث هذا؟ و لكني استيقظت بيوم من الأيام لأجِدك بالمُنتصف بيني وبين روحي و هل يُمكِن لأحد أن يحى مِن دون روح ؟؟
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
كانت جنة تجلس علي حافة ذلك السرير الكبير و كل ذرة بها ترتجف أما خوفا أو ترقب لما هو آت فهي للآن لم تر جدها ولا حتي حلا. فقد جلبوها الى هذه الغرفة بعد أن أجبروا فرح علي تركها بحجة أن حلا تريد رؤيتها و بالرغم من هذا الذعر الذي يمتلئ داخلها به إلا أنها لم تقاوم أو تتمسك بوجود شقيقتها معها فقد أيقنت بأن جدها يريدها وحدها!
كانت ضربات قلبها تتقاذف بداخلها بعنف مما تحمله تلك الفكرة فهي بصدد خوض اكبر مواجهة بحياتها حتما سيقتلها أما بإنهاء حياتها أو إزهاق كرامتها.
منذ أن علمت بمرضها وهي تخشى من النهاية الحتمية له وهي الموت. ولكنها الآن تتمنى لو تداهمها سكراته حتى تريحها من ذلك العذاب الذي ستناله حتما على يده..
هبت من مكانها مذعورة لدي سماعها ذلك الطريق القوى علي باب الغرفه و بدأت ترى نهاية سوداء للباقى من حياتها علي يد هذا الطاغية ولكنها تفاجأت بالخادمة التي أخبرتها بأن تتجهز لأن جدها يريد الحديث معها..
أخذت عدة انفاس علها تهدأ من ضجيجها الداخلي وهي تخطو إلى الخارج مع أحد الحرس الذي أخرجها من باب خلفي للمنزل سالكا طريقا آخر غير هذا الذي جاءت منه فحاولت أن تهدئ من روعها و أخذت تردد بشفاه مرتجفة
" لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين."
كانت الخطوات تتعثر بها فمن يستطيع الثبات وهو يسلك طريق الموت و خاصة أن كانت بطريقة مروعه تشبه عينين ذلك العجوز الصلب الذي كان ينتظرها علي ضفة البحيرة الصافيه و التي تعلم بأن نهايتها ستكون مدفونه في أعماقها هذا إن كان رحيما بها..
توقفت أمام عبد الحميد الذي نظر إلي الغفير و سأله بنبرة قاسيه
" عملت الي جولتلك عليه؟"
الغفير باحترام
" حوصول يا حاچ"
عبد الحميد بتأكيد
" حد شافكوا و انتوا چايين اهنه؟؟"
الغفير بنفى
" لاه انى چبتها من الباب الوراني و محدش شافنا واصل.."
" طب روح انت.. و چهز الي چولتلك عليه .."
كان موتا بالبطئ تعلم بأن نهايتها بدأت بحرب الأعصاب تلك و ستنتهي نهاية مروعه تليق بجرمها فأخذ جسدها يرتجف و أغمضت عينيها بقوة تستجدي الموت أن يخطفها في تلك اللحظه حتي ينتشلها من عذابها المنتظر
" فتحي عنيكي و بصيلي يا بت محمود.."
كانت نبرته قويه يشوبها قسوة جعلت فرائصها تنتفض و تسارعت دقاتها أكثر حتي بدت تسمع طنينها بأذنيها و جاهدت أن تفتح عينيها التي غزتها خطوط حمراء تحكي مقدار الذعر الذي يجتاح أوردتها
" خايفه مني يا چنة؟"
كان أذنا لعبرات كانت كالفيضان الذي ضرب ثباتها الهش فحطمه في الحال و تدفقت مياه عينيها حتي أغرقت صدرها الذي كان ينتفض بقوة فاقترب منها عبد الحميد خطوة تراجعت علي إثرها خمس وهي تقول بنبرة متقطعه
" أر.. ارجوك.. مت.. متعملش.. فيا.. حا.. حاجه.. انا .. غل.. غلطت والله.. بس.. بس.. مفر.. مفرطتش.. في .. نفسي.. لو … لو هتمو..هتموتني .. ار.. ارميني.. في .. البحر.. مش.. مش عايزة..اتوجع.. وأنا.. بمووت.."
************
"ابيه سالم…"
قالتها حلا التي أطلت عليهم من باب الغرفه لترتمي بأحضان سالم الذي عانقها بقوة و كأنه لا يصدق بأنها آمنه بين ذراعيه فبالرغم من أنه خاطب عمه والذي لحسن حظهم هو لواء و مدير أمن محافظة المنيا و أخبره باختصار عن الأمر حتي يأتي بنفسه و يطمئن عليها و يطمئنهم و ايضا ليعرف ذلك الرجل بأنه لا يخيفهم و لا يشكل خطراً عليهم ولكنه الأن و أخيرا استطاع أن يتنفس بإرتياح فهو أن كان من الأشخاص الذين لا يظهرون مشاعرهم بكثرة ولكنه يحمل بقلبه حبا كبيرا لشقيقته الصغيرة التي تربت علي يديه فصار يعتبرها ابنته التي لا يحتمل أن يلامس الهواء خدها فيجرحه.
" أنتِ كويسه ؟"
هكذا سألها بصوته الخشن فأومأت بالإيجاب فتدخل سليم الذي اختطفها من بين يدي سالم و قال بلهفه غاضبه
"حد هنا ضايقك ؟"
هزت راسها بالسلب وهي تقول
" لا متخافش"
أطمئن قلبه لاجابتها وقام باحتضانها بقوة و يده تتحسس خصلات شعرها المسترسلة علي ظهرها و قام باحتواء وجنتيها يناظر ملامحها بشوق قبل أن يعيدها الي أحضانه مرة أخرى و داخله يحمد الله كثيرا بأن شقيقته عادت سالمه..
" اقعدي يا حلا عايزك تحكيلى الي حصل بالظبط "
هكذا أمرها سالم فخطت بأقدامها لتجلس بجانبه و أخذت تبلل حلقها الجاف قبل أن تقول بشفاه مرتجفه
" تقصد ايه؟"
تدخل سليم مستفهما
" الناس دي خطفتك ازاي و حصل ايه من ساعة ما وصلتي؟ عايزين نعرف كل حاجه بالتفصيل"
احتارت كيف تجيبه و بما تخبره فتفرقت نظراتها بين شقيقيها اللذان يناظرانها بنظرات ثاقبه تشعر بها تخترق أعماقها فابتلعت ريقها و تعالت دقات قلبها و طال صمتها الذي اضفي وقود علي نيران سليم الذي هب من مكانه قائلا بغضب
" ساكته ليه ما تردي علينا. حصل ايه و جيتي هنا ازاى؟"
" اهدي يا سليم… حلا يا حبيبتي اتكلمي و متخافيش من اي حاجه. "
ما أن انه سالم جملته حتي اخترق قلبه صوتها الملتاع وهي تصرخ في الخارج فهب من مكانه و هرول إلي حيث يأتي صوتها و تبعه كلا من سليم و حلا فتفاجئوا بفرح التي كانت تصرخ في أحدي الخادمات وهي تقول بغضب
" أنا سيباكِ معاها هنا راحت فين ؟"
تقدم منها سالم الذي قال باستفهام
" في ايه يا فرح ؟"
ما أن سمعت صوته حتي شعرت و كأنه الغوث بعد الضياع فاقتربت منه قائله بلوعه
" الحقني يا سالم. جنة سبتها في الاوضه هنا بعد ما قالولي أن حلا عيزاني و روحت قعدوني في اوضه ولا جابولي حلا ولا خلوني آجى لجنة و بعد ما زعقت سابوني جيت هنا اشوفها ملقتهاش. و محدش بيرد عليا "
" طب اهدي و متخافيش . محدش هيقدر يأذيها.."
هكذا تحدث سالم و التفت إلي الخادمة قائلا بصرامة
" حالا دلوقتي تقوليلي جنة فين والا متلوميش غير نفسك.."
الخادمة بذعر
" ممم معرفش.."
كان يشعر بأن أنياب حادة نهشت بقلبه بحوافر مشتعله بنيران الخوف من أن يحدث لها مكروه فاقترب مندفعا تجاه الخادمة يمسكها من خصلاتها وهو يهزها بعنف صارخا بصوت كان كالزئير
" جنة فين ؟ انطقي والا و شرف امي هكون دافنك مكانك.."
الخادمة بشفاه مرتعشة
" هه. هجولك.. انى والله ماليا ذنب.. ده مرعي هو الي جالي اعمل أكده.. و مجاليش حاچه تاني .. بس.. بس اني شوفته وهو واخد ست چنة و خارچ بيها من الباب الوراني ناحيه الترعة.."
فاق الألم حدود الوصف حتي شعر بأن روحه كادت أن تفارقه وعقله يرسم سيناريو مفزع لما قد يصيبها و لم يستطيع سوى أن يصرخ بعنف هز أرجاء القصر
" جنة…"
**************
كان مظهرها يدمي القلوب و يفتت العظام بدت كطفله صغيرة تائهة تساق قسرا الي المقصلة ناهيك عن حديثها الذي أجهز علي قلب ذلك العجوز الذي كان بكل ركن به يوجد جرح غائر و ألم عظيم فلأول مرة يفصح عن عذابه الذي تجلى في تسلل بعض العبرات الغادرة من عينيه وهو يقول
" ياه يا بتى قد كده شيفاني راچل ظالم و جاسي؟"
هالها ما تراه حتي أنها ظنت بأنها تتوهم ما يحدث فتعلقت نظراتها به تحمل مزيج من الخوف و عدم الفهم الي جانب ألمها الكبير فالتفت عبد الحميد الي البحيرة ينظر إلي مياهها بشجن تجلي في نبرته القويه
" بتلوميني عاللي حوصول زمان اني عارف.. الكل كان بيلومني بس و لا واحد منيهم شاف الي كت شايفه.. "
التفت يناظرها وهو يقول بتبرير
" كنت خايف عليكوا من غدر الزمن وظلم البشر . مكنتش عايز اظلمكوا و لا اظلم ابني. و الي جولت عليه زمان حوصول. لو كتوا وسطينا . وسط اهلكوا و ناسكوا. مكنش الكلب ده استجرأ يعمل الي عمله .. كنت عايز أحاچى عليكوا. "
تفاجأت من حديثه و تبريره لما حدث في الماضي والذي كانت تستنكره كثيرا فقالت مدافعه
" يعني حضرتك عشان تحمينا تجوزنا غصب عننا.."
انكمشت ملامحه باعتراض تجلى في نبرته
" مين الي جال أكده .. بوكي كان عنيد و طايش هو الي وجف قدامي و محترمش حديت أبوه. طول عمره متمرد و شارد. كان ودي يفضل بيناتنا. تعبت طول عمري و أنا أشده لأهله و ناسه و ادارى علي عمايله هو يبعد و يچرى. حتي لما راح أتچوز. ساب بت عمه و راح أتچوز من البندر . و صغرنا و كسر كلمتي لوما عمك وفيج اتجدم و أتچوز تهاني ام ياسين كان زمانا خسرنا هيبتنا جدام الخلج. طول عمره كان أكده لا بيحترم حد و لا بيجدر و بيختار يهروب و يسيب غيره يتحمل نتيچه عمايله.."
تفاجئت من حديث جدها عن والدها و الذي استنكرته عواطفها كثيرا فصاحت مدافعه
" ما يمكن مكنش بيحبها.. بابا الله يرحمه كان بيحب ماما اوي.."
أجابها بغضب
" يوبقي من الأول مكنش وافج… الراچل يا بتي كلمته واحدة. اهنه الكلمه بحساب. و الحاچات دي مش لعب عيال…"
اخفضت نظراتها فلم تجد ما تقوله فواصل بجفاء
" نرچع لموضوعنا.. "
تجعد وجهها خوفا حين سمعت جملته فتابع هو بتقريع
" أنتِ غلطي يا بتي… و غلطك كبير. لكنى هغفرهولك عشانك مفرطيش في نفسك و لو الكلب دا كان عايش كنت جتلته بيدي.. بس خلاص غار في داهيه وحسابه عند الي خلجك و خلجه.. "
لم تفهم ما يحدث فقالت باستفهام
" طب لما انت سامحتني ليه خطفت حلا ؟"
عبد الحميد بوقار
"مش معني اني سامحتك يبجى راضي عنك. و الناس دي كان لازمن يدوجوا الجهرة علي بتهم عشان يعرفوا الصوح و يعملوه. "
لونت الدهشه معالمها من حديث جدها و قالت بخفوت
" انا مش فاهمه.. "
" في حاچات في الدنيا دي اكبر من العواطف.. في كرامه لازمن الإنسان يحافظ عليها . وابوكي الله يرحمه ميستاهلش أن رأسه تتحط في الطين بسببك حتي لو كان غصب عنك.. أنتِ دلوجتي مرت ابن الوزان رسمي .و هيتعملك فرح كبير يليج بيكي و بعيلتك و هتخرجي من اهنه مرفوعه الراس ولما تروحي حداهم هتتعاملي اكده. الخوف الي في عنيكي دا تمحيه معيزش اشوفه واصل. انتِ مش جليله و لا احنا جليلين و ده الحاچة الوحيدة الي هتخليني ارضي عنك.."
احتارت هل تبكي متأثره بحديثه أن تصرخ فرحا. لم تكن تتخيل بعد ما حدث أنها سوف تستطيع أن ترفع رأسها مرة ثانيه فقد ظنت أنها ستقضي الباقي من عمرها منكثه الرأس منزوعه الكرامة حتي اشتهت الموت ولكنه الآن يهديها الحياة علي طبق من فضة ولكن يبقي هناك سؤال ينهش داخلها بدون رحمه و قد بدا ذلك علي وجهها و تجلي في نبرتها حين قالت
" انت بتعمل كل دا عشاني ولا عشان شكلك اقصد شكلكوا قدام الناس؟"
لم يكن شخصا لينا أو حنونا بطبعه بل كان جافا طوال حياته ولكنه الآن يقف أمام نسخة مصغرة من ابنه الراحل و ضحية لحربهم معا. و للحظه خالطت أفكاره صورة لطفله صغيرة بجسد ضئيل و عينين كبيرتين تشبهان بحرا اسودا يحاكي سواد شعرها الغزير الذي كان يصل لمنتصف طولها. كانت الوحيدة التي برغم صغرها لا تهابه و تهرول دائما حتي تفوز بالجلوس بين أحضانه و قد كانت قوته و جبروته تنصهر أمام برائتها و فتنتها. كانت الوحيدة التي تحظى بدلاله فلاحت ابتسامه خافته علي شفتيه حين تذكرها وهي تتعثر بخصلاتها تستقبله وهو يدخل من باب المنزل و قد كان هذا اروع استقبال يحظي به.
فبالرغم من كل شئ كانت تلك الطفلة الجميلة هي الوحيده التي استطاعت اختراق دوافعه و التربع علي عرش قلبه الذي اعتصره الألم ذلك اليوم وهي تغادر مع والديها و قد تذكر حين التفتت تناظره من نافذة السيارة تلوح له و تبتسم ببراءة للحد الذي جعل تلك الابتسامة تنطبع في قلبه..
" عمر الضفر ما يخرچ من اللحم يا بتي .. و مهما حوصول أنتِ بت ابني.. و يهمني مصلحتك.."
فاجأته حين اغرورقت عينيها بالدموع وقالت بتأثر
" علي فكرة أنا افتكرت آخر مرة شوفتك فيها قبل ما نسافر لما جيتلك جرى و حضنتك و قولتلي متسبيش جدك و تمشي.. انت فاكر صح"
ابتسم عبد الحميد وهو يقول بحزن
" صوح.."
تقاذذف الدمع من مقلتيها وهي تقول بألم
" ياريتك ما سبتنا نمشي…ياريتك خدتنا في حضنك وقتها مكنش زمان دا كله حصل.."
أنهت كلماتها دافنه وجهها بين كفوفها تنتحب بقوة علي حظها العاثر الذي انتزعهم سابقا من بين جذورهم و أهلهم ليلقي بهم بين فوهات الجحيم الذي كان ختامه فجيعتها التي لو مضي الف عام لن تستطيع تخطيها.
تفاجئت بقوله حين قال نادما
" حجك عليا يا بتي.. انا جعدت ادور عليكوا كتير جوي .. ربنا العالم متخليتش عنكوا واصل بس نصيبنا أكده.. حجك عليا."
كان شعورا متبادلا بالاحتياج من قبل كليهما جعله يفتح ذراعيه في دعوة شابها التوسل الذي لون عينيه و جعلها تهرول الي داخل ذراعيه تنشد الأمان الذي لم يلامس قلبها منذ فراق والدها الراحل و الذي كان أكثر ما تتمناه في هذه الحياة فأخذت تشدد من احتضانها له و فعل هو الآخر مثلما فعلت وقد كان بداخله يلعن كل تلك السنوات التي ابعدتهم عنه.
كان المشهد مروعا لهؤلاء الأربعة الذين كانوا يأكلوا خطواتهم حتي يصلوا الي تلك البحيرة و بداخلهم قلوب تتوسل بألا يكون قد حدث لها مكروه ليتفاجئوا بأنها آمنه لأول مرة منذ سنين بين أحضان جدها الذي كان يطوقها بذراعيه و هو يشير بعصاه الي البعيد وهي الأخرى تتحدث بحماس و كأنها طفلة صغيرة تستمع الي إحدى قصصها المفضلة.
تجمد الجميع بأرضه من صدمه المشهد الا هو فقد تحررت قدماه و ناداها بصوت مرعب
" جنة.."
التفتت جنة فوجدت سليم يقف علي بعد خطوات منها وخلفه كلا من سالم و حلا وفرح التي تخلصت من صدمتها و هرولت الي شقيقتها تحتضنها بلهفه وهي تحمد ربها علي رؤيتها سالمه
" اي يا فرح مش هتسلمي علي چدك ولا اي ؟"
هكذا تحدث عبد الحميد ناظرا اي فرح بعتب خفي أطل من عينيه مما جعل فرح تتراجع خطوتين و هي تناظره بصدمه جعلت الحروف تتعثر بفمها وهي تجيبه
" لا .. انا مقصدتش .. بس انا..كنت خايفه علي جنة أما ملقتهاش وو .."
لم تستطيع أن تصيغ حديثها فصمتت ليتابع هو بتقريع
" و تخافي علي چنة ليه وهي وسط أرضها و اهلها و ناسها.. "
تدخل سالم الذي فطن الي لعبه ذلك العجوز الداهية فقال بغضب ساخر
" يمكن عشان فجأة ملقتهاش في البيت و اختفت بشكل مريب !"
عبد الحميد ببراءة لا تشبه نظراته أبدا
" وه و اي المريب في انها چت تجعد شويه مع چدها؟"
سالم بفظاظة
" يمكن الطريقه الي خرجت بيها جنة من البيت كانت مريبة ولا اي يا حاج عبد الحميد ؟"
عبد الحميد باستنكار
" كنك بتحاسبني ولا اي ؟"
سالم بجفاء
" لا مش بحاسبك بس ايه الغرض انك تخوفنا بالشكل دا ؟"
اجابه عبد الحميد بهدوء مستفز
" ولا بخوفكوا و لا حاچه شيعت الخدامه تشوف چنة لو صاحيه تبعتهالي جولت افرچها علي أرضها على ما ترتاحوا من السفر.."
انكمشت ملامح فرح باستفهام انساب من بين شفتيها
" أرضها ؟"
ابتسم عبد الحميد قبل أن يقول بتأكيد
" أومال يا بتي.. كل الأرض الي حواليكِ دي ملكنا أبا عن چد. و انتوا ليكوا حج فيها مهينفعش تاچوا البلد من غير ما تعرفوا حجكوا فين . انا مش هعيشلكوا العمر كله ."
" طولة العمر ليك يا چدي.. حسك بالدنيا محاوطنا.."
انتبه الجميع لهذا الصوت القوي القادم من الخلف و الذي كان لرجل ثلاثيني فارع الطول متناسق الجسد يرتدي الجلباب الصعيدي ذو هيبه تشبه كثيرا الأرض التي يمتلكها يتميز بعنفوان و شموخ تجلي في أنفه المرتفع والذي يلائم كثيرا عينيه التي لونتها خضرة داكنه تشبه لون العشب المحيط بهم مع بشرة ذات سمرة مميزة اكتسبها من أشعة الشمس الحارقه التي كان يعمل تحتها دائما فجعلته رجل صلب قوى ينهزم أمامه أعتي الرجال كما أنه كان يملك ذكاء حاد يكلله بعض الدهاء الذي ورثه عن جده الذي التفت يناظره فتهللت أساريره قبل أن يقول بفخر
" هاه.. عمار وصل. اهلا يا ولدي جرب عشان تتعرف علي بنات عمك.. "
اقترب عمار منهم بخطوات وقوره تلائمه قبل أن يعرفه جده بجنة التي مازالت تحت حصار ذراعه والتي حيته بلطف و تحفظ الي أن آتي دور فرح فقال عمار بوقار
" أهلا يا ضكتورة.."
تجاوزت صدمتها حين رأته و لكنها لم تستطيع سوي ان تبتسم بعد أن سمعت هذا اللقب منه فمدت يدها تصافحه وهي تقول بشجن
"اذيك يا عمار .. ياااه لسه فاكر"
لاح شبح ابتسامه بسيطه علي فمه قبل أن يقول بخشونة
" و انسي ليه؟ و بعدين هي الذكريات الحلوة بتتنسي بردك يا فرح؟"
لم يتثني لها إجابته فقد اخترق مسامعها صوت كان كالزئير في قوته
" حاج عبد الحميد. عندنا كلام لسه مخلصش. أجلناه كتير وأظن جه وقته "
كانت الغيرة تتشعب بداخله كنبات شيطانى يتغزي علي دمائه التي أصبحت تغلى بداخله حتي جعلته ينفس الهواء ساخنا من أنفه وقد أشتدت ملامحه بطريقة مرعبة بعثت الرعب بداخلها حين التفتت إليه فهالها ما رأت فقد كان كأنه جمرة مشتعله بنيران الجحيم الذي كان يتنافى تمامًا مع كلمات عمار الهادئه حين قال
" و مستعچل ليه يا سالم بيه لسه جدامنا وجت طويل نتحدته براحتنا "
سالم بغضب لون ملامحه و امتزج بنبرة صوته الفظة
" مش مشكلتي انك فاضي و موراكش حاجه . انما انا وقتي غالي.. "
لم يجبه إنما انكمشت ملامحه بتعبير ساخر تزامنا مع نظرات لونها التهكم فشكل وجهه لوحه عنوانها الاستخفاف به و بحديثه و قد كانت هذه الإهانه ابلغ رد منه لغطرسة سالم الذي انتفضت عروق رقبته غضبا و تحفزت جميع دوافعه للهجوم علي ذلك الذئب الماكر الذي يناظره فصار الهواء من حولهم مغبرا مما جعل عبد الحميد يتدخل قائلا بصرامة
" نتغدى لول وبعدين نشوفوا المواضيع دي بعدين. لازمن تشوف كرم الضيافه حدانا يا سالم بيه.."
بعد عدة ساعات تناول الجميع الطعام و توجه الجد عبد الحميد الي مكتبه يليه سالم الذي تحدث بفظاظه قاصدا أن يصل الحديث الي مسامع الجميع
" عايز اتكلم معاك لوحدنا يا حاج عبد الحميد.."
" وماله.. اتفضل "
لم يحسب حساب لدهاء خصمه الذي لم يعير حديثه اي اهتمام بينما تحدث قاصدا أن يصيب أكثر نقاطه حساسيه حين قال
"يالا يا فرح عشان افرچك أنتِ كمان علي أرضك. و بالمرة نوكلك توت من الشچرة الي عالتورعة .لسانك بتحبيه؟"
كان الأمر كارثي للحد الذي جعله يأخذ قرارا بأن يرتدي حزامه الناسف و يخترق حدود العدو قاصدا الفتك به في عقر داره فالتفت ينوي إحراق هذا الرجل بنيران غضبه الجحيمي فتدخل مروان الذي فطن الي تلك الحرب الداميه التي علي وشك الحدوث وقال بلهفه
" اه والنبي خدوني معاكوا انا وحلا. اصل انا بحب الغيطان و الأراضي والحاجات دي اوي.."
لم تجيبه حلا التي كانت في واد آخر لا تشعر بما يحدث حولها فتدخل ياسين قائلا بغضب دفين
" ما تروح انت لوحدك هتجرجرها معاك ليه؟ "
اغتاظ مروان من حديث ياسين الذي كان مدركا لما يحدث ومع ذلك لا يبالي بالعواقب فقال مندفعا
" هترمح زي البهايم في الغيط تحب تيجي ترمح معانا.."
اغتاظ ياسين منه و أوشك بالرد عليه فجاء حديث عمار الصارم حين قال
" وماله سيبهم يا ولد عمي اهو نفرجهم علي البلد عشان يعرفوا هما مناسبين مين ؟"
كانت كلماته تحمل تحدي كبير لذلك الذي تألمت عظامه من فرط الغضب فأتي صوت عبد الحميد من خلفه قائلا
" مش يالا يا ولدي عشان نكملوا حديتنا . كنك رچعت في كلامك ولا اي ؟"
تخلص من الهواء الذي يحرق رئتيه دفعه واحده واعطى نظرة قويه لمروان الذي فطن الي ما يقصده فأعطاه غمزة خفيه سرعان ما انمحت حين سقط كف عمار القوي علي كتفه وهو يقول بسخريه خشنه
" مش يالا بينا يااا.. جولتلي اسمك اي؟"
التفت مروان بلهفه الي ذلك الرجل القوي وقال باندفاع
" مروان .. محسوبك مروان.. "
زفر سليم حانقا فكل ما يحدث و يحيط بهم لا يبشر بالخير فقد كانوا و كأنهم محاصرين في وادي مليئ بالذئاب التي ينبعث المكر و الغضب من بين نظراتهم لذا كان داخليا يهئ نفسه بخوض معركة داميه معهم أن لزم الأمر و قد حمد ربه داخليا أنه ألهم اخيه لتنفيذ فكرة زواجه منها وهذا هو الشئ الوحيد الذي يجعله قادر علي التنفس للآن
" تعالى معايا عايز اتكلم معاكِ "
هكذا وجه حديثه لجنة التي لأول مرة كان تنفسها هادئا و ملامحها مرتخيه فبالرغم من كل ما حدث فهي الآن تشعر بأن خلفها جدار صلب يمكن أن تتكئ عليه براحه.
" مش دلوقتي يا سليم . الكلام الي بين جدي و سالم يخصك ولازم تحضره.. يالا بينا "
للحظه كان يود لو يلكمه بقوة في أنفه ولكنه تراجع علي مضض متمتما بغضب
" أغتت إنسان علي وجه الأرض ."
*************
" و بعدين يا شيرين هنعمل ايه؟"
هكذا تحدثت همت مع شيرين التي كانت غاضبة حد الجحيم المستعر بقلبها وهي ترى تلك المرأة بجانبه فصاحت بانفعال
" ادينا مستنيين يا ماما أما نشوف هيحصل اي؟"
همت بانفعال
" انا مش فاهماكي أنتِ شويه مطمنه و شويه متعصبة في ايه؟"
زفرت بغضب و التفتت تقول بنفاذ صبر
" مطمنه عشان مخططه كويس لكن هطق من الزفته الي لازقه لسالم دي"
" اومال انا اعمل ايه بقى في خيبتي البيه اتجوزها.."
كان هذا صوت مروة التي جمعت حقائبها و وضعتهم بجانب الأريكه التي جلست عليها بإحباط و ألم فصاحت همت مستنكرة
" أي يا بنتي الشنط دي أنت راحه فين ؟'
" ماشيه هقعد اعمل ايه ؟"
شيرين بغضب
" تمشي فين يا هبله انت؟"
مروة بحزن
" هقعد اوجع قلبي عالفاضي و أنا شيفاه مع الست هانم . انا امشي احسن "
همت بتقريع
" يا هبله عايزة تمشي و تسيبي الجمل بما حمل كدا بحتة بت زي دي. دانتِ تستني و تحرقي دمها و أعصابها و تخطفيه ليكِ "
شيرين وهي تعبث بهاتفها
" اسمعي كلام ماما اتضح أنها عندها حق و كلامها صح "
" انا هطق ايه الحظ دا دانا ملحقتش اقعد كام يوم و لسه هبدأ اتعامل معاه يقوم يتجوز .."
شيرين بخبث
" متقلقيش هيطلق قريب.."
تحفزت مروة و التفتت تناظرها بعينين لامعه
" تقصدي إيه ؟"
و تدخلت همت قائلة
" يعني ايه هيطلق قريب دي ؟"
لم تتحدث انما قامت بتوجيه شاشة الهاتف أمام وجوههم فبرقت أعينهم عندما شاهدوا تلك الصورة أمامهم..
*************
كان القلب ئئن حزنا و الجسد يئن وجعا علي الرغم من كل تلك العقاقير التي تأخذها حتي تخفف من آلام جسدها الذي مزقته في نوبه انهيارها الا أنها كانت تشعر بوجع عظيم ربما كان مصدره ذلك الوجع القاطن علي يسارها حين تتذكر كل المآسي التي مرت بحياتها و أخيرا مأساتها الكبرى حين سمعت صوته وهو يتحدث عن علاقة مزعومه بينه وبينها الآن فقط علمت معني الظلم بل القهر. فقد اتهمها ذلك الجرذ و أيده عدى أثمن هديه أهداها بها القدر فقد كان دائما جزعها القوي حصنها المنيع كانت تستند عليه من كل شئ و لكنه خذلها حين صدق تلك الإفتراءات و تطاول علي جسدها ينوي انتزاع أثمن ما تملك في تلك الحياة . بكل ما تملك من ألم كانت تتمني أخباره بأنها لازالت شريفه الجسد علي الرغم من أن روحها تدنست بسبب أفعالها مع جنة و كرهها لها لا تعرف هل كان ذلك غيرة منها ام حنقا لإن الجميع دائما ما يفضلون عليها أشخاصا و احيانا اشياء. لا تعلم ولكنها تتألم و قد خرج صوتها جريحا حين قالت
" انا مش وحشه.. هما الي وحشين.. انا مفرطتش في نفسي يا عدى متصدقهوش.."
كان هزيانا من فرط الألم ولكنه لامس قلب ذلك الذي كان يجلس أمام سريرها يناظرها بعينين يملؤهما الألم و الندم الذي كاد أن يجعله يجن. اه لو يعود الزمن للخلف يقسم أنه سوف يقوم بترميم جراحها و يحاوطها باجنحته حتي تنعم بالأمان الذي افتقدته طوال حياتها. كان ليغدق عليها من بحور عشقه حتي تطيب جراحها و لن يدع اي شخص يؤذيها ولو كانت هي و لن يسمح لأحد بالإقتراب منها ولكن هذا الكبرياء اللعين هو ما جعله يفرط بها حين أخبرته أنها تحب صديقه!
امتدت يديه تمسك بيديها بقوة وهو يقول بألم يقطر من بين حروفه
" عارف.. عارف كل حاجه. انتِ اشرف بنت قابلتها في حياتي. انا عارف. سامحيني ..ارجوكِ سامحيني .."
" انت بتعمل ايه هنا يا حيوان؟"
لم يلتفت علي الفور انما قام بوضع قبله دافئة علي الجزء البسيط الذي يظهر من بين ضمادها ثم التفت ينظر إلي والدها وهو يقول بجمود
" المفروض انا الي أسألك السؤال دا .. سائب مشاغلك و مؤتمراتك و قاعد هنا ليه ؟"
صاح بغضب
" انت يا حيوان بتحاسبني بصفتك مين . دي بنتي"
عدى باستنكار
" بنتك! تصدق اول مرة آخد بالي . و ياترى لسه عارف الموضوع دا النهاردة و لا باين من كام يوم "
لكنه قويه من يده طالت فك عدى الذي تراجع خطوتين للخلف وهو يقول بوعيد
" انا ممكن ارد الضربه عشرة بس عشان خاطرها مش هعمل كدا.."
" انت بجح و قذر جاي بعد عملتك دي و مش مكسوف تقف قدامي "
عدى بجرأة
" لا مش مكسوف. و مستعد اقف قدامك و احط عيني في عينك و مش هاممني حد .. انا الي مفروض اكون جمبها مش انت .. هي محتجانب انا مش انت. و و لو انا غلط في حقها مرة فأنت غلطت ألف مرة. أنا إلي كنت واقف في ضهرها علي طول. و أنا إلي ساعدتها تنتقم من الكلب جوز خالتها الي كنتوا رامينها عندها و انا الي ساعدتها عشان تنتقم من حازم و أنا الي مستعد اموت عشان خاطرها. و ان كنت جرحتها فأنا هصلح غلطتي معاها و هتسامحني عشان ليا رصيد كبير عندها أما أنت عمرها ما هتسامحك عشان مفيش في قلبها ليك غير الوجع و الخذلان "
سقط علي الكرسي بألم انهك صدره فهذا الشاب محق فهو لم يكن أبا حقيقيا و لو لمرة واحدة حتي أنه تناسي أمرها في الآونه الأخيرة و هرول خلف نجاحاته و نقوده و مكانته العلمية التي لا تساوي شئ أمام ما حدث مع ابنته الوحيدة التي خسرها و خسر كل شئ بفقدانها.
" انا عايز اتجوز ساندي!"
*************
عرضك مرفوض يا حاج عبد الحميد.."
هذا كان صوت سالم القوي وهو يناظر عبد الحميد.بغضب لم يتعدي حدود شفتيه مما جعل عبد الحميد يقول باستفهام
" بترفض نسبنا يا سالم بيه ؟"
عند هذه الجملة انفتح باب الغرفة و أطل منه ياسين يتبعه سليم الذي قال باستفهام
" نسب ايه يا سالم ؟"
لم تهتز عينيه عن عبد الحميد وهو يجيب شقيقه قائلا
" الحاج عبد الحميد طلب ايد حلا ل ياسين و انا رفضت ."
تدخل ياسين غاضبا
" اقدر اعرف السبب؟"
سالم بفظاظة
" مش عاجبني"
علي نقيض شعوره ابتسم قبل أن يجلس أمام سالم وهو يقول ساخرا
" انا عارف انك مابتحبنيش. بس معقول هتظلم اختك عشان اهواءك.."
لم يتحرك جبل الجليد بل وضع قدما علي ساق وقال بنبرة هادئة ولكن قويه
" بلاش اللعبة دي معايا .."
انهي جملته و التفت إلي عبد الحميد قائلا بتهديد مبطن
" لو فاكر انك كدا بتضمن سلامه جنة تبقي غلطان. و ان كان حازم غلط فخد جزاءه ودلوقتي بين ايدين ربنا هو أولى بيه."
تحمحم عبد الحميد قبل أن يتحدث بوقار
" اسمعني يا ولدي.. احنا صعايدة و دمنا حامي واني راچل كبير شفت كتير و عشت كتير. يمكن لو كان الي حوصول ده من عشر سنين كان زمان الحرب جايمه و الدم للركب . انما دلوق اني بحل الأمور بعجلى و دايس علي غضبي عشان معيزش خساير بزيادة الي راحوا. لينا حج عنديكوا "
قاطعه سالم قائلا بصرامة
" خدتوه.. لو فاكر انك بالي بتعمله بتعزز جنة قدامنا فأنا عززتها قبلك. و جبتها تعيش وسطينا و ابنها اكتب باسمنا و في اليوم الي اتولد فيه حقه في أبوه اتسجل باسمه مع أن مش اي حد هيعمل كدا بس انا مش ظالم .. و دلوقتي جنة مرات سليم. و أنا واثق انك عارف أنه عمره ما هيأذيها ولا هيبهدلها."
عبد الحميد بتأييد
" عارف. بس الدم لسه بيغلي و النار لساتها شاعله . و عشان تنطفى لازمن العيلتين يبجوا بينهم دم واحد. يمنع المچازر الي ممكن تحصول . صدجني اني بعمل الي فيه الصالح للعيلتين. و بجتل الفتنة جبل ما تنتشر.."
سالم بخشونة
" محمود وجوده يمنع اي فتنه. و مش لوحدك الي خايف علي اهلك .انا كمان خايف و معنديش اغلى من أختى ولو علي رقبتي مش هجوزها غصب عنها "
ضيق عينيه بمكر قبل أن يقول بهدوء
" و مين جال أن احنا عايزينها غصب عنيها. ما يمكن هي رايده ياسين زي ما هو رايدها. اسألها.."
سالم بجفاء
" انت عايز توصل لأيه ؟ "
" عايز الحج و بس. لو بتكوا مش رايده ابننا يبجي خلاص علي هواها"
تشابهت لهجته مع ملامحه حين قال
" وماله. هسألها ."
ارتاح عبد الحميد و تجلى ذلك في نبرته حين قال
" تتكلموا في المهم. "
سالم بسخرية
" هو في اهم من كدا"
" طبعا اومال اي؟ هتاخدوا من حدانا عروسه أكده. من غير اي حاچه دي تبجي عيبه في حجنا و حجكوا. واحنا عروستنا تتاجل بالدهب "
منذ البدايه كان سليم صامتا لا يعلم أن كان غضبا أم حزنا فبالرغم من أن قلبه وجد طريق الحب معها ولكن الطريق كان متعبا بل مؤذيا للجميع و ها هو الأذي يصل الي شقيقته. فللحظه وضع نفسه مكان هذا الرجل فسيفعل مثلما فعل و أكثر وعلي الرغم من مقاومة أخاه الأكبر إلا أنه كان يدرك بأن ما فعله حازم وضع الجميع في منعطف خطر إن لم يتلطف بهم القدر فسيقعون جميعا في الهاوية .
" الي تطلبه كله مجاب يا حاج عبد الحميد. من غير نقاش… شوف انتوا سلوكوا اي و أنا رقبتي سداده"
هكذا تحدث سالم فأجابه عبد الحميد قائلا بخشونة
" اول حاجه بتنا لازمن يتعملها فرح الخلق كلاتها تحكي و تتحاكي بيه. "
غضب سالم بشدة وقال باستنكار
" الكلام دا مش هيحصل قبل سنويه حازم. والدتي مش هتتحمل الكلام دا دلوقتي."
" وماله نستني. علي ما تكون كمانى اطمنا عليها و عملت فحوصاتها و تحاليلها.."
" انت عرفت كل دا منين ؟"
هكذا استفهم سليم الذي كان يشعر بأن هناك شئ يحاك من خلفهم فأجابه عبد الحميد
" متشغلش بالك انت يا عريس. أهم حاچة دلوق نجعد و نتفج علي المهر و الدهب و الذي منه. "
شعر سالم بأن هذا الداهيه يخفي الكثير و لكنه لاذ بالصمت و داخله ينتوي كشف كل الأوراق و أن لزم الأمر حرقها..
***************
" موافقه يا أبيه."
هكذا أجابت حلا علي سؤال سليم حين اخبرها برغبة ياسين في الزواج منها و قد تفاجئ بقبولها الصريح الذي جعل ملامحه تنكمش بريبه تجلت في نبرته حين قال
" موافقه!! أنتِ في حاجه بينك و بينه يا حلا؟"
تراجعت خطوتين إلي الخلف وهي تقول بتلعثم
" لا .. والله . يا ابيه . حاجه ايه دي الي هتكون بيني و بينه ؟"
اقترب منها سليم و هو محتفظا بيديه داخل جيوب بنطاله قائلا باستفهام
" موافقتك السريعه دي مش مريحانى بصراحه.."
كان الضياع و الخوف يغلفان نظراتها إليه وهي تتذكر ما حدث البارحة
عودة إلى وقت سابق
كانت خطواتها تحمل الخوف و الرهبة وهي تمشي خلف الخادمة التي أخبرتها بأن هناك من يريد الحديث معها و لاذت بالصمت بعد ذلك فلم تعد تجيب علي أسئلتها فاجبرت نفسها علي المضي خلفها وهي تناظر المكان حولها بفضول الي أن وصلت إلي باب ضخم فتحته الخادمة و دخلت و تبعتها الي داخل تلك الغرفه العريقة فتفاجئت من وجود رجل عجوز ملامحه خشنه بل قاسية تحيط به هيبة بدائيه بثت رعبا قويا بداخلها زادت حين قال بصوته القوي
" واجفه عندك ليه .. جربي يا بتي"
بللت حلقها الجاف وهي تخطو بأقدام مرتعشه الي حيث يجلس و بشفاه مرتعشة سألته
" انا فين و انت مين ؟"
عبد الحميد بخشونه
" أنتِ في الصعيد .. تحديدا في المنيا.. و انى ابجى عبد الحميد عمران.. أنتِ متعرفنيش و متاخديش بالك من الاسم بس انا هعرفك..اني ابجي چد چنة و فرح.. اكيد تعرفيهم .."
تعاظم الخوف بقلبها من حديث ذلك الرجل و قالت بصدمه
" ايه ؟ ازاي ؟ احنا منعرفلهمش أهل.. يعني اقصد .."
قاطعها بخشونة
" فاهم جصدك.. و اديني بعرفك بنفسي اني ابجي جدهم. "
" وليه جبتني هنا ؟"
هكذا سألته بلهجه مرتعشه فأجابها بهدوء يتنافى مع خطورة كلماته و ما تحمله من معاني
" بصراحه جولت اخد رأيك وأشهدك عالي حوصول.. يرضيكِ يا بتي الي اخوكي عمله في بت ابني ؟"
سقط قلبها بين قدميها من فرط الرعب فابتلعت ريقها بصعوبه و لم تقوي علي الحديث فقط هزة بسيطه من رأسها بالسلب فصاح عبد الحميد بصوت قوي
" على صوتك . مش سامعك يرضيكِ؟"
صرخت بلهفه
" لا لا ميرضنيش."
" حلو .. طب يرضيكِ أن بت زي چنة تجضي عمرها كله موطيه راسها بسبب واحد خسيس زي اخوكي.. لاه طبعا ميرضكيش. اني بجي لازمن اخد حج بت ابني و حج شرفنا الي حطه اخوكي في الوحل."
اجابته بلهفه
" بس حازم مات.."
" ماني عارف . الله لا يرحمه ويحرجه في چهنم الحمرا. بس ده مش هيشفع لينا جدام الخلج و لا هيرفع راس بتنا.."
قفزت العبرات من مقلتيها قبل أن تقول برعب
" يعني هتعمل ايه؟"
عبد الحميد بتهديد
" مضطر اخد تاره من خواته.."
" لا اخواتي لا..ابوس ايدك إلا اخواتي.اقتلني انا بس هما لا. بالله عليك اخواتي لا . ادفني صاحيه بس اوعي تقرب منهم.."
قفزت الكلمات من بين شفتيها ممزوجه بعبرات غزيرة تابعه من قلب يحترق رعبا علي اشقائها الذين لا تقوي علي فراقهم فأجابها عبد الحميد بفظاظة
" للأسف يا بتي مبناخدوش تارنا من حريم. "
صرخت بذعر
" لا ابوس ايدك . انا اهوة معنديش مشكله اموت وهما يعيشوا طب اقولك انا هموت نفسي بإيدي و يبقي كدا انت خدت تارك بس اخواتي لا "
قالت جملتها الأخيرة بصوت مبحوح من فرط الألم فتابع عبد الحميد بلهجه هادئه
" فاچأتيني يا بتي. و صعبتي عليا و عشان أكده هريحك. و هجدملك فرصه تفديهم ماهم بردك ملهمش صالح بالي حوصول"
" فرصة ايه ؟ انا موافقه علي كل إلي تقوله"
عبد الحميد بلهجة منتصرة
" بالظبط.. هو ده الي عايزك تجوليه لخواتك لما ياچوا يتكلموا معاكِ"
" انا مش فاهمه يعني اي؟"
عبد الحميد بصرامه
" بكرة تفهمي.. و افتكري اني مبديش الفرصة مرتين يا بت الوزان.."
عودة إلى الوقت الحالي
الآن فهمت ما معني حديثه وبالرغم من كونها ارتاحت لهذا الطلب إلا أنها انثي حرة تربت على الكبرياء و العزة تأبى الخضوع حتي ولو اشتهاه قلبها . بالرغم من عشقها له إلا أن إجبارها بتلك الطريقه آلمها كثيرا و خاصة وهي تراه يتجاهلها و حتي لم يكلف نفسه عناء الإطمئنان عليها وهذا يعني بأنه مشترك بتمثيليه خطفها ولم يبالي بألمها و لا خوفها ولهذا السبب أقسمت بداخلها علي الانتقام منه ومن جبروت قلبه الذي لم يهتم لألمها فهي إن خضعت خارجيا لهذا الأمر فهي تنتوي أن تجعله يندم أشد الندم
" انا موافقه يا أبيه دكتور ياسين انسان محترم و اي حد يتمناه.. اتمني متكسفنيش اكتر من كدا.."
لم يراجع لتعابير وجهها ولا لنظراتها ولكنه اكتفي بالقول
" ماشي يا حلا الي تشوفيه.. انا هنزل اقول لسالم و نشوف رأيه ايه ؟"
و بالفعل خطى الي الخارج و بداخله العديد من الأسئلة التي لا يعلم اجابتها و قد شعر بأن العالم بأسره يضيق به فأخذت عينيه تبحث عنها و هو يتمني لو يلمح طيفها حتي يبدد هذا الشعور المقيت فأخذ يبحث عنها الي أن وجدها تقف بالحديقه تنظر إلي شبيهاتها من الورود و لأول مرة يرى ضحكتها التي لونت ملامحها فبدت فاتنه خاصة حين تعامد الغروب علي خصلات شعرها الذي بدا كليل طويل حالك السواد حول وجهها الذي كان قمرا ساطعا فاغمض عينيه للحظه يتخيله يتلمس تلك الملامح الفاتنه يشتم عبيرها الأخاذ حتي تمتلئ رئتيه يتمني أن تطرب آذانه بهمسها باسمه مرة ثانيه كما حدث ذلك اليوم بالمشفي وفجأة خرج من تخيلاته العاطفيه علي صوت عالي يخترق آذانه
" الحجونا. الحجونا عمار بيه بيتخانج مع الضيف و مجطعين بعض…"
يتبع…..
🍓الثامن ج٢🍓
لم أكن يوما شخصًا مهزوزًا لا يعرف ماذا يُريد.
كانت خطواتي دائمًا ثابتة و لكنه الخوف. منذ أن زارني ذلك الشعور حتى استوطن جميع خلايا جسدي فصِرت أتخبط بكل شئ حولي لا أدري اى طريق يجب عليا أن اسلُك. أرهب الوحدة بشدة و اخاف الفقد كثيرًا؛ أخشى أن أرسو بسفينتي على شاطئ السراب فـ تبتلعني دوامات الغدر مرة أخرى فتكون النجاة أمرًا مستحيل. كل ما أرجوه أن أجِد وِجهة امنه تُعيد لي ثباتي. تحتضن ثقوب روحي. وتُرمم ما فعلته عواصف الهوى بـ قلبى.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
كان عمار يسير بخطٍ ثابته يشوبها الفخر و هو يطالع أراضيهم الشاسعة تحيط به هالة من القوة و هيبة تليق كثيرا بملامحه التي كانت وسيمة بقدر خشونتها و كانت فرح تسير بجانبه تستمع إلى ما يقول بإهتمام و بقلب يرتجف تأثرا حين يمر به طيف الذكريات الجميلة التي جمعتها معه و مع أرضها و عائلتها و التي تبعث بداخلها مزيج من السرور و الشجن و لسان حالها يردد ياليت الزمان يعود يوماً..
" فاكره اهنه لما جعدتي تحاولي تطلعي عالشچرة و وجعتي و يدك اتكسرت؟"
قالها عمار بلهجته الخشنة و ابتسامته الهادئه و هو يناظرها بعينين تلمع من وهج الشمس التي كانت لانعكاسها أثرا كبيرا علي غاباتها الزيتونيه فجعلتها متعه للناظرين و خاصة حين اضفت عليها الابتسامه اشراقه جميلة
" مانت و ياسين مكنتوش موجودين و كان نفسي آكل توت جدا .."
افلتت من بين شفتيه ضحكة خشنه اتبعها قائلا
" طول عمرك عنيدة يا فرح. طالعه لعمى محمود الله يرحمه."
" و بعدين بقي في الي عاملنا فيها ذئاب الجبل دا؟"
كان هذا صوت مروان الخفيض و هو يتحدث الي حلا التي كانت تنظر حولها بضياع ولكنها تنبهت حين لكزها مروان في كتفها وهو يقول بغضب
" أنتِ يا عملى الأسود في الدنيا سرحانه في أي ؟"
حلا بغضب
" بتزوقني كدا ليه انت كمان ؟ هو أنا ناقصاك؟"
مروان بتهكم
" ليه ياختي مالك زرعتيها فجل طلعت جرجير؟ مش كفايه مشحططانا وراكِ من اسماعيليه لحد هنا. مين قالك تتخطفي بعيد كدا ما كنتِ اتخطفتي في أي حتة قريبه فاضيلك انا.."
حلا بنفاذ صبر
" هو في حد بيختار يتخطف فين يا بني آدم انت؟ وبعدين مش كفاية الستريس الي انا فيه ..كمان جاي تتريق عليا."
مروان بتهكم
" اس ايه يا عين خالتك استريس؟؟ الله يرحم الست الوالدة كانت بتسرحلك شعرك بالجاز كنتِ تدخلي علينا كدا تجيبيلنا إغماء جماعي.."
تلفتت حلا يمينا ويسارا خشية من أن يسمعها أحد ولكزته في كتفه قبل أن تقول بغضب
" اخرس يا حيوان. اياك تقول الكلام دا قدام حد . وبعدين دي كانت وصفات دادا نعمة المنيله قال ايه عشان شعري يبقي ناعم.."
حاول كبت ضحكته بصعوبة قبل أن يقول بتخابث
" عشان يبقي ناااعم. قولتيلي. شوف ياخي وانا الي كنت ظالمك و فكرت أنك مقملة ولا حاجه . صحيح أن بعض الظن إثم.."
ما أن نطق كلمته تلك حتي وجد حلا تطبق علي عنقه تحاول خنقه وهي تصيح بغضب
" مقملة يا جزمه يا واطي وربنا لهخلص عليك. "
أخذ مروان يحاول تسليك عنقه من يد حلا التي كان الغضب يأكلها من الداخل و في تلك اللحظة كانت تتخيل ياسين بدلا من مروان تريد أن تلقنه درسا قاسيا لما فعله معها و كأن أفكارها قد استدعته ليأتي في تلك اللحظة و يراها وهي بهذا القرب من مروان الذي كان يضحك علي محاولاتها الفاشلة في النيل منه حتي أنه أخذ يعبث بخصلات شعرها التي التفت حول قلبه التي نهشته غيرته القاتلة فقال بغضب
" مش كبرتوا علي حركات العيال الهايفه دي؟"
توقف الإثنان إثر كلمات ياسين الغاضبة و توجهت أنظارهم لتصطدم بعينيه التي ينبعث منها الشرر و الذي قابله التبلد و الاستفزاز من جانب مروان الذي قال
" لا مكبرناش لو مضايقينك اوي حركاتنا ولاد عمك هناك أهم روح افتكر ذكرياتكوا المهيبة سوي و سيبنا هنا نخلص احنا خناقاتنا "
كان وميض الخطر يغلف عينيه مما جعلها تضيق عينيها بخبث تجلي في نبرتها وهي تقول بدلال
" اه ياريت تفارقنا عشان احنا نوتي وانت متربي عشر مرات قبل كدا.."
نجحت في استفزازه و التعزيز من غضبه و الذي تجلي في ذلك العرق النافر في رقبته فعلا صوته حين قال حانقا
" والله لو أنتِ كبنت مبتخافيش علي شكلك يبقي انا مجبر أحافظ علي شكلنا قدام الناس وانتوا المفروض ضيوفنا.."
واصل مروان حمله الاستفزاز التي شنها عليه منذ البداية وقال ساخرا
" تقصد أننا هنعركوا يعني ؟ طب والله فكرة ما تيجي نعرهم العالم الي متعرفش ربنا دي .."
قال جملته الأخيرة وهو يطوق كتف حلا بذراعيه في حركة ودودة جعلت عيني ياسين تظلم غضبا فاقترب منه مكورا قبضته وهو يقول صارخا بغضب جارف
" شيل ايدك من عليها بدل ما أكسرهالك.."
تنحي المرح جانبا و تحول مروان من ذلك الشخص الساخر الي آخر مختلف تماما فقام التشديد من يديه حول كتف حلا بطريقه آلمتها زاويا ما بين حاجبيه بينما قست نظراته و شابهتها نبرته حين قال
" لو راجل تعالي وريني هتقدر تكسرها ازاي؟"
لم يتمهل ياسين ولو ثانية واحدة بل اقترب من مروان ينوي الإطاحه به ولكنه توقف علي بعد خطوة من تحقيق هدفه حين سمع صوت عمار القوي وهو يقول بصرامة
" وجف عندك يا ياسين .."
توقف ياسين علي مضض حين وجد عمار يقف أمامه ينهره بقوة
" خبر ايه عاد ايه الي عم هتعمله دا . دول ضيوفنا ولا نسيت.."
كانت عينيه متعلقة بذراع مروان التي مازالت تحيط بحلا التي كانت ترتعب فشددت من احتضان مروان أكثر من شدة خوفها فتعاظم الغضب بداخله وصاح بانفعال
" قول للحيوان دا يبعد عنها احسن ما ادفنه حي.."
تدخلت فرح محاولة تهدئه الموقف
" اهدي يا ياسين في اي؟"
صاح مروان منفعلا
" و أنت مالك أهلك و مالها؟"
جن جنونه من حديث مروان و أوشك بالهجوم عليه فتصدي له عمار الذي قال معنفا
" اهدي يا ياسين جولت."
تراجع ياسين بغضب إلي الخلف بينما التفت عمار ينظر إلي مروان بوعيد تجلي في نبرته حين قال
" أكده انت غلطت. و عندينا الغلط بحساب"
صاح مروان بقوة وهو يقف ندا بند بنظر إلي عمار
" الغلط بحساب عند الناس كلها مش عندكوا انتوا بس. وابن عمك غلط و مالوش دعوة بحلا ولا له كلمه عليها. ولا يفكر يقرب منها "
عمار بتخابث
" ايه جولك بجي أنه اتجدملها وهي وافجت. مش أكده يا عروسه؟"
قال عمار جملته وهو ينظر إلي حلا المرتعبة فقام مروان بلكزه في كتفه وهو يقول غاضبا
" طلعها هي من الموضوع و تكلمني انا.."
برقت عيني عمار حين شاهد يد مروان الممدودة علي كتفه و لمع وميض الخطر بهما حتي يظن أن من يراهم الآن يقسم بأن هناك شيطان تلبسه خاصة بعد أن نفرت عروق رقبته و وجهه وقال بلهجه مرعبة
" كتبت نهايتك بيدك يا كلب…"
انهي جملته و قام بتوجيه لكمة قويه الي وجه مروان الذي طار للخلف لبضع خطوات من قوه الضربة فتعالي صراخ الفتاتين و تدخلت فرح معنفه عمار
" انت اجننت يا عمار اي الي بتعمله دا."
لم تكد تنهي جملتها حتي فاجئها مروان الذي قام برد لكمه عمار بأخرى مساويه لها في القوة وهو يقول بصوت جهوري
" ماتخلقش الي يمد أيده على ابن الوزان لسه.."
صاحت حلا من بين انهيارها
" مروان ارجوك كفايه بقي. "
كان ياسين غاضبا بشدة ولكنه استطاع السيطرة علي غضبه وقال بصرامة
" خلاص يا عمار كفايه دا ميستاهلش توسخ ايدك بيه.."
لم يكن عمار في حاله تسمح له بالإستماع الي أحد فقام برفع قدمه و توجيه ضربه قويه إلي معدة مروان الذي تراجع صارخا من شدة الألم فصاح عمار قائلا بصراخ
" من ميتا واحنا بنسيب النساوين يعلوا صوتهم يا ولد عمي .."
" اومال انت بتعلي صوتك ليه؟"
تفاجئ الجميع من ذلك الصوت الآتي للخلف وما أن التف عمار لرؤيه المتحدث حتي قام سالم بتوجيه ضربة قويه كانت من نصيب أنف عمار الذي تقاذفت منه الدماء بكثرة فشهقت فرح برعب مما حدث و سقط قلبها بين قدميها حين رأت ياسين الذي اقبل ليرد الضربه لسالم دفاعا عن عمار ولكنه تفاجئ بذراع قويه تطوقه من الخلف و التي كانت لمروان الذي حاول تكتيف ياسين ولكن الأخير تبدلت دماءه بنيران مستعرة جعلته ينفض مروان و يقوم بإعطاءه لكمة قوية طرحته أرضا وانهال عليه باللكمات بينما احتدم الصراع بين عمار و سالم الذي لم يعطي الفرصه لخصمه بأن يأخذ أنفاسه بل كان يُكيل له اللكمات و يتلقي منه مثلها و أن كانت الغلبة لسالم الذي بدا وكأنه وحشا لا يرى أمامه سوى السنه الغضب التي كانت تتراقص أمام عينيه لتزيد من جنونه و كان كل ذلك وسط صرخات استغاثة من فرح و حلا التي تحلت بفضيلة الشجاعه واندفعت تقف أمام ياسين الذي كان يكيل اللكمات لمروان وهي تقول بصراخ
" ابعد ايدك عنه يا حيوان.."
توقف الزمن فجأة عند كلماتها و عينيها التي تطالعه بكره كبير سددته نظراتها كسهام مشتعله في قلبه الذي امتزج به الألم و الغضب معا فأصبح وجهه لوحه مرعبة ظنت أنها لأحد الوحوش الذي سيجهز عليها بأي لحظه و لكن فجأة تجمد الجميع بمكانه إثر تلك الطلقات النارية التي دوت حولهم مصدره أصوات اقشعرت لها الأبدان تلاها صوت عبد الحميد الذي قال بغضب جحيمي
" وجف المهزلة دي منك ليه.."
قبل أن ينهي كلماته كان جميع الغفر يطوقون الرجال يحاولون منعهم من إكمال تلك الملحمة التي ستكون أرواحهم ضحية لها في النهاية
" في ايه يا سالم ؟"
كان هذا صوت سليم الذي وصل لتوه و خلفه جنة فتفاجئوا من رؤيه تلك الدماء التي تغطي الوجوه و تفترش بها الأرض فكان المنظر مروعا و لكن الأكثر من ذلك هو حديث سالم الذي خرج صوته كالزئير حين صرخ موجها حديثه لعبدالحميد
" زيارتنا خلصت خلاص. ملكوش نسب عندنا يا حاج عبدالحميد وقول لابن ابنك لو شفته قريب من مزرعتها هدفنه فيها.."
صاح عبد الحميد بغضب
" الحديت ده مينفعش اهنه يا سالم. نعاودوا البيت و نتحددته براحتنا."
اجابه سالم بعنف
" الكلام ما بينا خلص و ردنا وصلكم. اما بالنسبه لجنة و سليم فاتفاقنا زي ماهو. والمرة الجايه لما نيجي ناخد عروستنا تكون ربيت أحفادك احسن ما اربيهملك انا .."
انهي جملته و التفت إلي سليم قائلا بأمر
" سلم علي مراتك و حصلنا عالعربيات…"
نظر إلى كلا من حلا و مروان وقال آمرا
" ورايا.."
أوقفه عبد الحميد قائلا بتهديد
" أكده أنت بتفتح على نفسك ابواب چهنم و انت مش جدها. "
واصل سالم طريقه دون أن يعيره نظرة واحده وهو يقول بصرامة
" الي بيعمل مابيقولش وأنا عايز اشوف آخركواا يا عمارنه..
***************
" الراچل دا لازمن يتأدب يا چدي.."
هذا كان صوت عمار الذي كان وجهه متورما جراء تلك المعركة الداميه التي كانت قبل قليل فصاح به عبد الحميد
" اجفل خشمك يا عمار و متسمعنيش صوتك واصل.. "
تدخل ياسين معترضا
" يعني ايه يا جدي يعني يقولك أدبهم و احنا نسكت كدا عادي.."
ناظره عبد الحميد بغضب تجلي في نبرته حين قال
" الدكتور بتاعنا كنه العشج لحس عجله و طيرله البرچ الي كان في نافوخه..دلوق متعصب و متضايج و موافج عالغلط الي حوصول و نسيت زمان لما فارجتنا جال عشان مش عاچبك طريجتنا دلوق ايه الي اتغير؟'
اعادت كلمات جده بعض من التعقل إليه ولكنه لم يجيبه فهو بالفعل انساق خلف غيرته الهوجاء التي جعلت المسافه بينهما كالسماء و الأرض و زادت من تلك العداوة اللعينة بين العائلتين
" عاچبكوا أكده. بعد ما كان خلاص كل حاچه خلصت و جدرت اضمن سلامه بتنا معاهم ضيعتوا كل حاچة بغباوتكم"
صاع عمار غاضبا
" كنك عايز تچنني . احنا الي لينا حچ عنديهم يا چدي . احنا الي مفروض نخلصوا عليهم جصاد الي عملوه مع چنة.."
صاح عبد الحميد بنفاذ صبر
" و لما تخلص عليهم فكرك الموضوع هيخلوص هياجي من عنديهم الي يخلص عليك و يبچى الدم للركب. و اخسرك انت و ابن عمك كيف ما خسرت راضي الله يرحمه. انت لسه ماعيزش تفهم. "
عمار بانفعال
" ماجدرش افهم. انت ليه عايز تچوز چنة عنديهم من الأساس؟. أن كان عالي حوصول انى اتچوزها و لا أنها تروح للكلاب دول"
عبد الحميد بقسوة
" كنك غبي ولا مفكرني اني الي غبي .. ماتجولي يا عمار هتجدر تجرب من چنة بعد الي حوصول ليها؟ ولا هتتچوزها و ترميها عندك و الاسم انك داريت عالفضيحه؟"
لم يستطيع التفوة بحرف فقد وضع جده سيف الحيرة الباتر علي رقبته فرجولته تأبى عليه أن يقترب منها بعد ما حدث و أن كان هناك ضميرا يوخزه و يذكره بأنها لم يكن لها ذنب ولكنها لعنة ذكورية خلقت به لا يستطيع التخلص منها
" عرفت ليه اني عايزها لابن الوزان ؟ تفتكر ليه عملت التمثيلية دي و خليته يتوهم اني ممكن أأذيها ؟؟ ده كلاته عشان اتوكد إذا كان بيحبها بچد ولا رايدها لجل ما يرضي ضميره عشان الي الكلب اخوه عمله.. "
تدخل ياسين منبهرا بتفكير جده
" طب ولو كان فعلا اتجوزها تأنيب ضمير كنت هتجوزهاله"
صاح عبدالحميد قائلا بصرامة
" الله في سماه ما كنت هخليها علي ذمته لحظه واحده.اني مش هظلم اليتيم كفايه الي حوصول زمان . و دلوق معايزش حد فيكوا يعارضني. الي هجوله يتسمع.."
***************
كان ينظر إلي الحزن الساكن بعينيها و قلبه يفكر الما ناهيك عن غضبه لما حدث فإن لم يتدخل عبد الحميد في الوقت المناسب لكان لقن هؤلاء الأوغاد درسًا لن ينسوه ولكنه القدر تلطف بهم و انتهت المعركة قبل وصوله حتي لا تزداد الأشواك بطريقه معها فيكفيه ما حدث سابقا
" طلقني يا سليم؟"
وقعت الكلمه علي مسامعه وقوع الصاعقة التي غيبته عن الوعي فلم يشعر بنفسه وهو يقبض بقوة علي رسغيها بأصابعه النحيلة التي كانت كالمقصله علي جلدها الرقيق بينما برقت عينيه و لونتها دماء الغضب الجحيمي الذي تجلي في نبرته حين قال
" أنتِ اتجننتِ ايه الي بتقوليه دا؟"
كان الألم داخلها يفوق الخوف بمراحل فلم تتأثر ملامحها ولكن تجمعت سحب الألم بعينيها فامطرت وجعا غزا نبرتها حين قالت
" كفايه لحد كدا.. مش مجبر تتحمل أخطاء غيرك و لا تشيل شيله مش شيلتك"
" مش شغلك . انا حر و اعرفي اني عمري اتجبرت اعمل حاجه في حياتي ولا حد يقدر يجبرني علي حاجه.."
هكذا تحدث بقلب فاض به الألم و الغضب معا لتجيبه بنبرة متألمه
" اعتبر نفسك مقابلتنيش و متخافش عليا عمر جدي ما هيأذيني بالعكس أنا لأول مرة احس اني في مكاني و في بيتي.."
قاطعها بغضب ممزوج بألم كبير كان يقطر من بين كلماته و نبرته الخشنه
"مكانك جمبي. انا بيتك . الي حصل دا كله براكي"
- " الي حصل دا كله بسببي"
صرخت بغضب وهي تحاول التملص من بين يديه التي لم تفلتها أبدا بل شددت عليها حتي آلمتها وهو يقول بهسيس مرعب قاصدا إقحام حديثه في عقلها
" دا قدر و مكتوب. و محدش يقدر يغير قدره. اسمعيني كويس يا جنة. جوازي منك دا أمر واقع و عمره ما هيتغير أبدا. حتي لو الدنيا كلها اتجمعت عشان تغيره مش هيحصل ."
ضاقت ذرعا بعناده فقالت بقلب ممزق و لهجة حانقه
" يعني هتجبرني و أنا مش عايزة ."
سليم بصرامه
" لو لزم الأمر اه هجبرك."
جنة بصراخ
" ليه ؟؟ ليه تتجوز واحدة اخوك ضحك عليها و اتفضحت و بقت في نظر الناس كلها خاطيه. فوق دا كله مريضه بالسرطان و عمرها ما هتخلف تاني ليه؟؟"
كان استفهام مؤلم بل مميت و خاصةً وهي تسرد عليه ما حدث لها من كوارث و مصاعب و تحديدا أمر مرضها والذي جعله يقول بثبات
" حتي لو حصلك اكتر من كدا هفضل متمسك بيكِ لآخر نفس فيا.."
واصلت الدهس علي جراحه قائلة باستفهام مؤلم
" و مش عايز تبقي أب؟؟ أنا بشوفك بتبص لمحمود ازاي؟ بشوف في عنيك لهفه وحب و حنان من ناحيته كبير اوي ازاي هتقدر تتنازل عن احساسك دا بسهوله"
خطت بأسلاك حديثها الشائكه فوق قلبه الذي تمزق من فرط الألم ولكنه تجاهل ذلك و أجابها بثبات
" بغض النظر انك مهولة موضوع مرضك دا بس هفترض معاكِ انك صح انا معنديش مشكله و كفايه عليا محمود.."
صرخت بغضب
" محمود مش ابنك . محمود ابن حازم …"
قاطعها وقد بلغ الغضب ذروته خاصةً حين نطقت اسمه فجن جنونه حتي أنه قام بهزها بعنف تجلى في نبرته وهو يقول
"اياكِ تنطقي اسمه تاني علي لسانك.. اقطعي الصفحة دي من حياتك و احرقيها بقي. "
تفاجئ بضعفها الذي جعلها ترتجف بين يديه وهي تقول بوجع من بين عبراتها الغزيرة
" بس انا لسه موجوعه منها اوي.. مش قادرة انسي. مش قادرة .. مش قادرة.."
صارت تردد جملتها الأخيرة بانهيار فتت قلبه و طحن عظامه من فرط الألم الذي جمع بينهم ولكنه للأسف لا يملك رفاهيه الإنهيار مثلها فإن كان يريد دعمها فعليه أن يكن جدارا قويا تتكئ بثقلها عليه فقام بجذبها من يدها ليغرسها بقوة بين أحضانه مغلقا ذراعيه عليها كالحصن المنيع يود لو ينتشلها من بؤرة الألم تلك حتي تصفو عينيها من ذلك الوجع الذي يلوث بحرها الأسود الذي غرق به ولا يعرف سبيل للنجاة فمن بين جميع النساء هي من احتلت قلبه الذي لأول مرة يعلن خضوعه مستسلما أمام طوفان العشق الجارف الذي اجتاحه بدون سابق إنذار.
كانت تنتحب بقوة تردد صداها في أرجاء تلك القاعة الكبيرة التي كانت بأحد أركان هذا المنزل الكبير الذي يود لو يختطفها منه و يهرب بها بعيدا عنه و عن كل شئ حتي يستطيع أن يجعلها تنسي كل هذا الألم الذي يجيش بصدرها ولكنه قبلا يجب أن يعيد لها كرامتها التي اهدرها ذلك الذي للأسف يحمل نفس دماءه.
قام بوضع قبله قوية فوق جبينها اودع بها الكثير من الحب و الاعتذار معا ولكن فجأة وجد صوت بكاءها قد هدأ و تجمد جسدها الذي يسكن ذراعيه و بلمح البصر وجدها تدفعه بكل قوتها وهي تناظره بعينين تقطران حقدا تجلي في نبرتها حين قالت
" ابعد عني.. انا بكرهك اياك تقرب مني تاني .."
ألقت جملتها علي مسامعه و هرولت للخارج دون أن تعطي له الفرصة لاستيعاب ما حدث…
****************
كان سالم ينتظر في السيارة أمام المقود و بالخلف كانت تجلس حلا التي كانت تضمد جراح مروان الذي صاح بها غاضبا
" بالراحه يا زفته ايدك التقيلة دي والله اطرمخلك معالم وشك.."
حلا بارتجاف
" وانا ذنبي اي هو انا الي ضربتك ؟"
التفت مروان غاضبا
" مين دا الي انضرب يا بت انتِ جتك ضربة في عينك.. مشوفتنيش لما اديته لوكاميه طبقتله وشه "
حلا باندفاع
" لا شوفته لما أداك شلوط وداك أسيوط.."
جذبها مروان من خصلات شعرها وهو يقول متوعدا
"أسيوط دي الي هدفنك فيها أن شاء الله أنتِ اوس البلاوي الي في الدنيا كلها لولاكِ مكنتش اتخانقت مع البغل دا .."
حلا وهي تحاول جذب خصلاتها منه و بالمقابل يدها الأخرى تمسك خصلاته
" انت الي عملتلي فيها سبع رجاله في بعض اشرب بقي يا حيوان.. سيب شعري"
مروان بغضب وهو يهزها من خصلات شعرها
" يالا يالي بتحطي جاز في شعرك يا معفنه .. صدقوا لما قالوا الجنازة حارة و الميت كلب.."
" بس انت وهي…"
هكذا صرخ بهم سالم الغاضب حد الجحيم الذي سيحرق الجميع أن أطلق له العنان فذلك الرجل نجح بجدارة في استثارة غضبه النفيس و لأول مرة بحياته يشعر بأنه علي وشك القتل لولا تدخل عبد الحميد لم يكن ليترك ذلك الرجل حيا أبدا. و لكن أنقذه القدر من بين براثنه .
انوار سيارات قادمة شتت تفكيره وخاصةً حين وجد ذلك الذي ترجل منها والذي لم يكن سوي صفوت ابن عم والده و مدير أمن المنيا الذي هاتفه عبد الحميد ليأتي و يصلح الأمور بينهم..
لم تدم المفاجأة كثيرا فقد فطن سالم لما حدث فزفر بحنق من دهاء ذلك العجوز
" بما انك كشرت كدا يبقي عرفت انا جاي ليه. انزل "
ترجل سالم من السيارة التي أوقفها علي أول البلد في انتظار قدوم سليم ولكن بدلا عن ذلك اتي صفوت الذي قال بهدوء
" معقول سالم الوزان يخرج عن شعوره بالطريقة دي؟"
سالم مغلولا
" سالم الوزان في اللحظة دي عنده استعداد يحرق البلد دي باللي فيها.."
ابتسم صفوت وقال مهدئا
" اهدي يا راجل.. المواضيع متتحلش بالطريقه دي.. ويالا تعالوا معايا ."
سالم بجمود
" احنا مستنيين سليم."
" سليم هييجي ورانا هو و عبد الحميد.."
سالم بغضب
" ودا جاي يعمل اي انا مش قولتله الي عندي."
صفوت مؤنبا
" احنا مش ظلمه يا سالم . انا حاسس بغضبك و انفعالك.بس احنا غلطنا في حق الناس دي. و عبدالحميد مش طيب زي مانتا فاهم عبد الحميد مش عايز يخسر أحفاده لكن غضبه وحش و مش عاوزين نوصل للمرحله دي معاه عشان حتي الانتصار له ضرايب احنا في غني عنها.."
زفر سالم حانقا فقد كان يعلم بأن عمه مصيب فالخطأ يلطخ صفحتهم البيضاء ولكنه حاول بكل الطرق تصحيحه و الخروج منه بأقل الخسائر فماذا بعد ؟؟
بعد مرور وقت لم يكن طويل وصل كلا من سليم و عبدا لحميد الي فيلا صفوت الوزان و اجتمع الرجال في جلسة منفردة لمحاولة ترميم ذلك الصدع الذي احدثه هذا الشجار الغبي
" حجك عليا يا سالم بيه. الي حوصول ده مكنلوش داعي من الأساس وانت مفروض مكنتش تشترك فيه لإنك راچل واعي انما هما شباب طايش كان واچبك تعجلهم.."
سالم بغضب
" مش دوري اعقلهم يا حاج عبد الحميد . لكن دوري لما الاقي حد بيتعرض لابن عمي مسكتش.."
عبد الحميد بوقار
" حجك .. وعشان أكده انا بجول نجفلو عالموضوع بكل غلطه ونبدؤا صفحه چديدة اني چيت اهه و بديت بالصلح. ايه جولك."س
سالم بجفاء
" ماشي قبلت الصلح بس رأيي مش هيتغير موضوع حلا منتهي.."
عبد الحميد بهدوء
"لا أكده يبجي متصالحناش. اتفاجنا انك تسألها لول. ليه بجي بتجدم الرفض."
سالم بفظاظة
" اصرارك اني اسألها دا مش مريحني يا حاج عبد الحميد.. حاسس كدا أنه وراه حاجه "
عبد الحميد بمراوغه
" يا ابني انت ليه عايز تعجد الأمور؟ اني بنحل و معايزش يبجي فيه بيناتنا غير كل خير.لكن اني صبري جرب يخلوص. لو عايزها شر يبجي شر معنديش مانع ولا اي يا سيادة اللوا؟"
تدخل صفوت بحكمه
" سالم. الراجل جه و مد أيده بالصلح يبق عايز اي تاني ؟"
زفر سالم بحنق تجلي في نبرته حين قال
" ماشي انا هسألها بس لو رفضت الموضوع دا ميتفتحش تاني.."
" وماله و أني موافج.."
نظر سالم الي سليم الذي نهض من مكانه متوجها إلي شقيقته في الخارج وقال بهدوء ينافي غضبه
" حلا لآخر مرة هسألك اذا كنتِ موافقه علي جوازك من ياسين ؟؟"
بالرغم من غضبها و حزنها وآلمها مما حدث فهي مجبرة علي الموافقه و خاصة بعد ما حدث فهي تنوي جعله يتذوق الجحيم الذي رماها به دون أن يرف له جفن من الرحمة
" موافقه يا أبيه…"
شهقة قويه خرجت من جوفها حين شاهدت سالم الذي كان يطالعها بعيون تتراقص بها ألسنه الغضب الذي تجلي في نبرته حين سألها
" متأكدة من قرارك دا؟؟"
لوهله شعرت بأن قدميها لم تعد قادرة علي حملها فهي ترتعب من نظرات سالم التي تحرقها بنيرانها ولكن الأصعب من ذلك هو خسارة أحد من اشقائها لذا قالت بنبرة مرتجفه
" مو. موافقه.."
تأكد ظنه فهو فطن الي أنها ستوافق ولكن رغما عن إرادتها فالآن هو شبه متأكد من أن شقيقته تعرضت للتهديد بطريقة أو بأخرى لذا لم يزيد من حديثه بل التفت عائدا إدراجه الى الغرفه وهو يقول بفظاظة
" حلا مش موافقه…"
هب عبد الحميد من مكانه وهو يقول بانفعال
" كلام اي ده الي عم تجوله ؟؟"
سالم بهدوء
" طلبت مني أسألها وهي قالت مش موافقه.. ايه الغريب في كدا.."
ناظره صفوت باندهاش فقد سمع موافقتها بأذنيه وقد علم بأن سالم فرض رأيه عليها لذلك تدخل قائلا بتعقل
" ممكن تكون مكسوفه منك يا سالم . انا هدخل اسألها.."
اغتاظ سالم من تدخل صفوت و قال بفظاظة
" مالوش لزوم يا عمي.."
صفوت بنبرة ذات مغزي
" معلش يا سالم .. حلا قريبة مني و هتصارحني."
زفر بحنق و توجه يجلس علي كرسيه بشموخ منتظرا قدوم صفوت الذي ما أن آتي حتى قال
" زي ما قولت كانت مكسوفه من سالم.. مبروك يا حاج عبد الحميد.."
ابتسم عبد الحميد وقال بوقار
" مبروك علينا كلنا يا صفوت بيه.. السبوع الجاي أن شاء الله هنندلي علي اسماعيلية و ناجوا نطلبوها منيكوا رسمي.."
لم يجيب سالم انما تولي صفوت المهمه قائلا
" تنورونا يا حاج عبد الحميد.. "
عبد الحميد بتعاطف
" كان نفسينا ناجوا نطلبوها منيك بس احنا عارفين الظروف .."
اومأ صفوت برأسه بحزن تجلى بوضوح في عينيه و نبرته حين قال
" ربنا يتمم بخير…."
*************
كان الليل طويلا في هذه البلدة الريفية التي و بالرغم من كآبتها ألا أنه ترك بها قلبه. يستطيع أن يجزم بأن روحه هي الأخرى غادرته و ظلت معها علي الرغم من غضبه و غيرته التي تملكته حين رأي ذلك الرجل بقربها ولكنه يشعر برغبة ملحه في رؤيتها يريد انتزاعها من بين براثن ذلك البيت. لأول مرة يكن ممزق هكذا بين واجبه تجاه عائلته و بين قلبه المصاب بعشقها. يعلم بأنه كان اليوم بصدد خسارتها كليا ولكنه لا يتحمل أن يجبره أحد علي فعل شئ. لم يحدث ذلك طوال سنوات عمره الأربعين . لطالما كان هو سيد قراراته و قرارات من يتبعه.و الآن يجد نفسه في معركة داميه بين كبرياءه الذي يأبى الإنصياع لما يحدث و قلبه المذعور من فكرة فقدانه لها..
اخرج الهواء المكبوت بصدره دفعة واحدة و خطى بأقدامه الي الشرفه يحاول استنشاق بعض الهواء النقي عله يطفئ نيرانه المتقدة ولكن دون جدوى فتلك النيران لا يخمدها سواها. نعم يريدها والآن يريد أن يقف معها علي أرض صلبة حتي يعلم ماذا عليه أن يفعل لاحقا..
تفاجئ حين رأي سليم الذي كان يتوجه ناحيه حظيرة الفرس الخاصة بعمه و دون أن يفكر قام باللحاق به فوجده يقوم بوضع السرج علي ظهر الفرس يهيئها حتي يمتطيها فصاح سالم مستفهما
" بتعمل اي يا سليم ؟"
جفل سليم حين سمع صوت سالم خلفه فصاح غاضبا
" انت لو قاصد تقطع خلفي مش هتعمل كدا!"
سالم بفظاظة
" مجاوبتش علي سؤالي.."
سليم بنفاذ صبر
" رايح اشوف جنة!"
" ازاي؟"
" كلمت فرح عشان اطمن عليها قالتلي أنهم قاعدين في الجنينة فقولتلها هاجي اشوفها حتي لو من بعيد.."
حين ذكر سليم اسمها تنبهت جميع حواسه و لمعت عينيه بوميض خاطف قبل أن يقول بصدر خافق
" و من بعيد ليه دي مراتك .."
سليم بحسرة
" مش عايزة تشوفني و عايزة تطلق.."
صمت لثوان قبل أن يقول
" دافع عن حبك . البنت دي اتظلمت متستاهلش الي حصلها دا كله.."
سليم بصرامه
" هعمل كدا.."
سالم بخشونة
" طب يالا عشان منتأخرش..'
التفت سليم بذهول
" منتأخرش ! هو انت جاي معايا ولا اي؟"
سالم وهو يمتطي حصانا آخر بعد ما قام بتجهيزه
" مش هسيبك تروح هناك لوحدك.."
سليم بتخابث
" مش هتسبني اروح لوحدى ولا وحشتك؟"
نفرت عروق رقبته و اشتدت ملامحه وقام بإطلاق زفرة قويه قبل أن يجيب من بين أسنانه
" هي مين دي الي وحشتي!"
ابتسم سليم علي عناد أخيه وقال متحمحما
" احنا فينا من الكذب.. "
سالم بفظاظة
" بطل كلام كتير و يالا بينا.."
بالفعل توجه الإثنان الي ذلك المنزل الكبير و قام سليم بالإلتفاف الي الباب الخلفي كما هو الإتفاق مع فرح التي قالت بخفوت
" سليم بالله عليك متعملناش مشاكل. هتشوفها من بعيد وتمشي.."
سليم بنفاذ صبر
" مش معقول هاجي المسافه دي كلها عشان اشوفها من بعيد يعني هقولها كلمتين و امشي علي طول..'
فرح بغضب
" انت هتستهبل.. افرض حد شافك "
سليم بحنق
" بقولك اي اسمعي الكلام أنتِ و ملكيش دعوة متقلقيش.."
تقاذفت ضربات قلبها حتي وصل طنينها إلي أذنيها لدي سماعها اسمه وتسارعت أنفاسها بصورة كبيرة حتي بعثرت الحروف علي شفتيها حين قالت
" و .. هو . اي الي جايبه معاك؟ مش . قولت انك هتيجي لوحدك.."
سليم بنفاذ صبر
" بقولك اي سيبك منه المهم عايزك تجيبي جنه عند اسطبل الخيل الي ورا هقولها كلمتين و همشي علي طول.."
فرح بغضب
" سليم.."
سليم برجاء
" وحياة اغلي حاجه عندك يا فرح.."
انصاعت لرجاءه علي مضض و نظرت إلي جنة التي كانت تنظر إلي البعيد بنظرات ضائعه و قد تألمت لأجلها كثيرا فتقدمت منها وهي تقول بمرح
" عارفه يا جنة مش طلع هنا في اسطبل خيل .."
لم تتغير ملامح جنة التي اومأت برأسها دون حديث فقامت فرح بجذبها من يدها لتجعلها تقف أمامها لتقول بصوت قوي
" جنة بطلي تعملي في نفسك كدا. كل حاجه هتتصلح و هتبقي كويسه بطلي تحملي نفسك فوق طاقتها أرجوكي.."
أوشكت جنة علي الجدال فقالت فرح بنبرة آمرة
" مش عايزة جدال في الفاضى و يالا بينا تعالي نروح نشوف الفرس واثقة أنها هتخلي ضحكتك الحلوة ترجع تاني "
اومأت جنة بانصياع و سارت خلف فرح التي كانت ترتعب من ظهور أي شخص من المنزل و قامت بالعبث بهاتفها قبل أن تصلها رساله نصيه فقامت بالنظر حولها فرأت سليم الذي كان يختبئ في أحد الحظائر فقالت لجنة
" بقولك اي روحي شوفي الفرس دي شكلها قمر اوي"
لم تجادل جنة بل سارت إلي حيث أشارت فرح التي قامت بإرسال رساله نصيه لسليم فحواها
" عشر دقايق بالظبط لو طولت وربنا لهنادي علي الغفر انا قولتلك اهو .."
ارسلت رسالتها و توجهت الي أحد الحظائر التي تحوي فرس بني ذو شعر كثيف و عينين بنيتين ذكرتها بذلك الذي احتل عالمها و قلبه رأسا علي عقب فقامت بمد يدها و ملامسه شعر الفرس بحنان زافره أشواقها و ألمها في آن واحد وهي تتذكر كل تلك العواقب و العراقيل التي تضعها الحياة بطرقهم. و فجأة و هي بخضم تخيلاتها وجدت يد قويه تقبض علي خصرها و تقوم بدفعها بداخل الحظيرة وما أن التفتت حتي تفاجأت بسالم الذي وضع إصبعه فوق فمها فقد كانت علي وشك الصراخ من صدمتها قائلا بخفوت
" هششش ."
بللت حلقها الجاف و أخذت أنفاسها تتقاذف بعنف حتي أوشكت علي تحطيم صدرها الذي كان يعلو و يهبط بقوة جراء تلك المفاجأة الغير متوقعه والتي ألجمت لسانها بينما عينيها وقعت أسيره لخاصته والتي كانت تطالعها بشوق ونهم و خاصة حين تحرك إصبعه علي شفتيها الوردية فأشعل ملمسها الحريري نيران الرغبه بقلبه الممزوجه بعشق جارف قد يغرقهما معا ولكن جاءت حركه الفرس لتعيد إليها توازنها فقامت بالتخلص من أصفاد ذراعيه قائله بغضب
" سيبني ."
لم تتحرك عينيه من فوقها انما تعمقت أكثر بالنظر إليها و اكتفى بالهمس
" تؤ مش هسيبك"
كان همسه مثير بدرجه كبيرة ولكنها حاولت الثبات قائلة
" أنت اي الي جابك هنا في وقت زي دا؟"
اكتفي بكلمه واحده أطاحت بكامل ثباتها و أودت بها الي الهاوية
" وحشتيني!"
شهقه خافته خرجت من جوفها اثر سماعها كلمته التي لم تكن تتوقعها أبدا فاقترب أكثر منها حتي لفحت أنفاسه الساخنه بشرتها الرقيقه قائلا بصوت أجش
" وحشتيني أوي يا فرح.."
لأول مرة تشعر بهذا الضعف الذي سرى كالمخدر في أوردتها و تجلى في نبرتها حين قالت
" سالم أرجوك.. بعد الي حصل النهاردة …"
سحب أكسجينها الدافئ بين رئتيه قبل أن يقول بنبرة رخيمة
" هصلح كل حاجه. "
ارتفعت عينيها تطالع عينيه التي أظلمت بنيران العشق و قالت بخفوت
" ليه؟"
امتدت يديه تتلمس ملامحها بحنان حتي استقرت علي خصلات شعرها التي قام بلفها حول إصبعه وهو يستنشق عبيرها الآخاذ قائلا بخفوت
" لسه بتسألي يا فرح؟؟"
انسابت حروف اسمه همسًا من بين شفتيها
" سالم .."
فجأة صدح صوت طلقات النار من حولهم وووو
يتبع
🍓التاسع ج٢🍓
يحدُث أن ينطِق كل شئ بك صارخًا أُحِبُك بينما أنت مُتسلِحًا بـ صمت مُطلق خوفًا من الوقوع بـ فخ عينين اختلط بهم العشق و الرفض معًا فتُصبِح كمن يقِف بمُنتصف جزيرة تتوسط بحرًا هائجًا أن بقي بها سيهلك من الوحده و أن جازف والقي بنفسه بين الأمواج الثائرة قد يموت غرقًا أو ربما عشقاً
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
كانت تسير بخطوات ثقيلة تكبلها أصفاد الألم الساكن بصدرها الذي بات التنفس صعبًا عليها. تشعر بأن زفيرها تبدلت ذراته من الهواء الي وجع قاتل يتغذى ببطء الي أشلاء روحها الممزقة التي أصبحت كسماء حالكه السواد تخلت عن ظواهرها الفيزيائية المتمثلة في قوس المطر الذي بهتت ألوانه و اندثر بريقه بين طيات عذابها متحولا إلي ظلمة ابتلعته كما ابتلعتها معه و تبدلت كل مبهجات الحياة في عينيها التي زهدت كل شئ فتساوى بنظرها القبح و الجمال و لم يعد يلفت انتباهها شئ حتي أن تلك الفرسة الجميلة التي كانت تصهل بقوة و كأنها تحاول جذب انتباه تلك اللوحة الحزينة لامرأة حتي حطامها لم ينجو من بطش القدر .
" وبعدين معاكٓ انا مصدعة بجد .. "
هكذا تحدثت جنة وهي تنظر إلي تلك الفرسة التي كانت تصهل بقوة مما جذب انتباهها أخيرا فتقدمت منها و قامت بإلتقاط إحدى حبات الجزر لتطعمها إياها و لكن الفرس تراجعت للخلف بطريقه مريبه فتحلت بفضيلة الشجاعة و فتحت باب الحظيرة وخطت إلى الداخل لمعرفة ما بها تلك المسكينة ولكنها سرعان ما تسمرت بمكانها وهي ترى ذلك الذي كان يختبئ بزاويه مظلمه في أحد الأركان و ما أن رآها حتى خرج من مخبأه بطلته الخاطفة ناصبا عوده الفارع حاملا بين شفتيه وردة حمراء اللون يناظرها بعينين امتزج بهما العشق و الحنان معا فشكلا توليفة رائعة من المشاعر التي أصابت عمودها الفقرى بدغدغات محببه توجتها لمساته حين اقترب منها محتضنا يدها بكفه الخشن و بالآخر جذب الوردة من بين شفتيه قبل أن يخفض رأسه ويضع قبلة دافئة في راحت يدها التي ارتجفت بيد يديه فقام بوضع وردته الرقيقة بنفس المكان الذي لثمته شفتيه ثم اغلق كفها بحنان تجلي في نبرته حين قال
" ممكن أخطفك؟"
كان مشهدا ملكيا الملك يجلب الورود لاميرته و يختطفها علي ظهر حصانه الابيض و من المفترض أن تكون الأميرة في أقصي درجات سعادتها ولكن اميرتنا قُدِمت روحها سابقا قربانا لشياطين الجحيم فلم يعد أي شئ قادر علي التغلب علي عذابها أو إنهاء ألمها!
لم تقطع وصال النظرات بين عينيهما ولكنها قالت بلهجه جافة
" وفر علي نفسك وعليا الوجع يا سليم وامشي.. "
أن تعشق يعني أن تتألم وهو اعتاد علي الألم منذ زمن فلم يعد يخشاه لذا شدد من احتضان يدها قائلا بتصميم
" امشي اروح فين إذا كنت معرفش طريق غيرك.."
عاندت بألم
" طريقنا عمره ما كان واحد.."
عاندها بحب
" واحد يا جنة. دا قدرنا و منقدرش نهرب منه. "
خشيت الضعف فتسلحت بالقسوة التي تجلت في نبرتها حين قالت
" بس انا رافضه اي قدر يجمعني بيك و الموت عندي أهون من وجودك في حياتي.."
تعلم بأنها تريد غرس اشواك الإهانة بصدره حتي تجبره علي الرحيل و يعلم بأن أشواكها قد آلمتها مسبقا لذا ابتلع ألمه و امتدت يده تضع الوردة بجانب أذنها فاكتملت صورة القمر هذه الليلة لترتسم ابتسامة اعجاب علي ملامحه قبل أن ينساب عشقه من بين شفتيه
" تعرفي أن الوردة كده بقت احلى.. "
قاطعته معانده
" سليم أرجوك…"
فقاطعها مؤكدا
" وحياة أمى ما هسيبك.."
كانت تعابيره تؤكد كلماته مما جعل الاندهاش يسيطر عليها كثير فهي امرأة فقدت الثقة بنفسها حين فقدت أثمن ما تملكه فكان إصراره عليها مدهشا مما جعلها تقول بإستنكار
"غريبة.. بقي سليم الوزان الي مكنش متحمل حتى يسمع صوتي من كام شهر بس دلوقتي هو اللي بيقول كدا؟؟ "
عرفت يداه الطريق الي خصرها الذي طوقه بإحكام ليجذبها إلى صدره بغتة وهو يناظرها بعينين تقطران عشقًا انساب من بين شفتيه حين قال بصوت اجش
"عايزك تعرفي أن سليم الوزان مصبرش على حد قدك و لا هيصبر علي حد زيك.."
كانت الحيرة تطل من عينيها الجميلة التي تعكس صراعها الداخلي المرير فتابع يُخدر اوجاعها ببلسم كلماته
" و لو كان طريقك شوك همشيه و لو آخره موتي بردو همشيه.."
لم تكد تستوعب كلماته التي انسابت كرخات المطر على جروح قلبها فرممتها إذا بالسماء ترعد رصاصات من كل حدب و صوب فخرجت منها شهقة قويه سرعان ما ابتلعتها ذراعه التي طوقتها بقوة وهو يقول مهدئا
" اهدي يا جنة…"
"انا خايفه يا سليم .. هو في ايه بيحصل ؟؟ "
شدد من عناقه لها محاولا تهدئتها بينما عينيه تطوف في المكان بأكمله بحثا عن مصدر تلك الطلقات التي سرعان ما هدأت فجأة كما بدأت فرفعت جنة رأسها تناظره بعينين مذعورة و تجلي ذعرها في نبرتها حين قالت
" يالهوي ليكونوا عرفوا انك هنا ؟؟"
تحولت نظراته الحانيه الي أخرى افزعتها كما افزعتها لهجته حين قال مشددا علي كل كلمه تخرج من فمه
" و اي يعني لو عرفوا.. انا مبعملش حاجه غلط أنتِ مراتي .."
تعالى صوت الرصاص مرة أخرى فانتفض جسدها بين يديه و أخذت تتلفت يمينا ويسارا وهي تقول بتوسل
" طب ارجوك عشان خاطرى امشي دلوقتي .."
سليم بصرامه
" مش همشي غير لما ضرب النار دا يهدي و اطمن عليكِ. "
تجمعت السحب بعينيها فامطرت ألما تجلى في نبرتها حين قالت بتوسل
" ارجوك تمشي .. مش هتحمل نظرة احتقار تانيه من اي حد .. لو بتحبني بجد امشي "
أن هوت علي قلبه بمطرقه حديديه لم تكن لتؤلمه بتلك الدرجة و خاصة ذلك التوسل الذي ينبعث من عينيها و الذي كان كأصفاد فولاذية طوقته و شلت حركته فجعلته يشعر بالقهر لأول مرة بحياته و كم كان هذا الشعور مؤلما للحد الذي جعله يتأذي كثيرا فلم يستطيع حتي اخراج الكلمات من بين شفتيه فقد كان رأسه علي وشك الإنفجار فأشفق جسده عليه إذ تساقطت بعض قطرات من الدماء من أنفه فخرج صوتها مرتعبا وهي تتحدث
" سليم في دم.. دم نازل منك.."
لم يجيبها فقط اكتفي بأن جذب أسفل عنقها بيده يقربها منه ثم وضع قبله حانيه فوق جبينها تتنافس مع نيران أنفاسه و عاود أدراجه للخلف متسلقا النافذة وقام بالقفز خارج الحظيرة ولكنه لم يجد أخاه الذي لم يستطيع أن يترك فرح التي كانت ترتجف رعبا حين سمعت طلقات الرصاص فوق رؤوسهم و سقط قلبها بين قدميها من احتمالية اكتشاف أمرهم فقام سالم بوضع يده أسفل ذقنها يديرها إليه وهو يقول بنبرة ثابته كملامحه
"اهدي و متخافيش من حاجه طول مانا جمبك.."
كانت ترتجف بشدة للحد الذي جعل الكلمات تخرج متقطعه من بين شفتيها
" جدي.. يا.. سالم.. لو .. لو . حد شافني.. و جنه .. سليم. انا.."
لم تستطيع اكمال حديثها فقد أتتها كلماته العاشقه يغلفها إصرار كبير
"متجننيش يا فرح. انا ممكن اخدك من ايدك دلوقتي و اكتب عليكِ ولا يهمني حد..'
كان الرعب مسيطرا عليها بشكل كبير فلم تنتبه لمغزي كلماته كل ما استطاعت قوله
" سالم امشي .. ارجوك امشي.. خليني اروح اشوف جنة.. "
زفر بغضب و أوشك علي الحديث فابتعدت عنه قائلة بغضب
" كفايه إلي حصل ميستاهلوش مني فضيحة تانيه.. امشي.."
لم يجادل انما تشابهت نبرته الفظه مع ملامحه حين قال
" كلامنا لسه مخلصش.. "
كانت عينيه توحي بالكثير و الكثير الذي تجاهلته فتابع هو آمرا
" روحي شوفي جنة. و أنا هفضل هنا لحد ما اطمن عليكِ"
انكمشت ملامحها رعبا عليه فهللت معانده
" لا طبعا…"
قاطعها بقسوة
" اسمعي الكلام يا فرح عشان مش ضامن نفسي لحظة واحده بعد كدا.."
لم تزد كلمه واحده بل تراجعت الي خارج الحظيرة و أخذت تتلفت يمينا و يسارا حتي وجدت جنة التي مازالت تقف داخل الحظيرة دون حراك فتوجهت إليها علي الفور …
خرج عمار مهرولا إلي الخارج إثر سماعه الطلقات الناريه التي دوت في الأجواء فوجد الغفر يتجمعون حول شخص ما يطلقون جميع أنواع السباب الذي يعرفونه فتوجه علي الفور الي مكانهم و تبعه ياسين الذي ايقظه صوت طلقات الرصاص المروع
" حوصول اي يا واد منك له؟"
تراجع الغفر حين سمعوا سوت عمار الذي تسابقت خطاه الي مكانهم و بجانبه ياسين الذي قال بغضب
" ما تنطق يا ابني انت وهو في ايه؟ و مين دا"
تحدث مرعي أحد الرجال قائلا بإحترام
" انى لجيت ولد الحرام ده بيحاول ينط من فوج سور البيت الكبير و حاولت اوجفه مسمعليش جومت ضارب عليه نار جام واجع علي الأرض و مش راضي يورينا وشه "
اقترب عمار من ذلك الشخص الهزيل البنيه الجالس علي الأرض يحتضن عمامته بيد لا تظهر من أكمام الجلباب الخاص به فهدر به عمار بقوة
" اخلع ياد العمامة دي وريني وشك العكر ده"
لم يستجيب ذلك الشخص لأوامر عمار الذي صرخ غاضبا
" كنك اطرش ياد ولا اي جولتلك اجلع المحروجة دي.."
ازداد ارتجاف الرجل فجن جنون عمار الذي اقترب خطوتين وبعنف قام بجذب العمامة من على رأس ذلك الرجل و الذي لم يكن سوي إمرأة جميلة بل صارخة الجمال شابهت عيني الريم في فتنتها و لونت سنابل القمح بشرتها بينما اندفعت شلالات شعرها البني تموج خلف ظهرها و حول وجهها لتشكل لوحة لإمرأة بنكهه أميرة هاربة من إحدي القصص الخيالية ..
" يا دين النبي إيه الجمال دا؟؟"
هذا كان صوت ياسين الذي تجمدت عينيه علي تلك الجميلة التي كانت تتنكر في ثياب رجل و تحاول اجتياز السور الخاص بقصرهم
" يا ليلة زرجا يا ولاد .. هي الچنية سابت التورعة و جت لحد أهنه.. يا وجعة مربربة.."
هذا كان حديث أكد الغفر و تعالت همهمات الآخرين بينما كان هو بعالم آخر مشدوها بتلك الجنية التي لا يعلم من اين ظهرت و هل هي حقيقة أم خيال؟ و لكن جاء صوت ياسين ليجعله يدرك بأنها حقيقة حين قال موجها حديثه إليها
" أنتِ مين ؟ و ايه الي ملبسك اللبس دا ؟"
ارتجفت الفتاة و خرجت الكلمات مذعورة من بين شفتيها حين قالت
" اني هجولك.. اص.. اصل.."
إعادته نبرتها الي صوابه فهب صارخا
" اصل أي و فصل اي يا بت أنتِ انطوجي أنتِ مين و ايه الي ملبسك اللبس ده و مطلعك عالسور أكده.."
لم يكد ينهي عمار كلامه حتي اجابه مرعي قائلا
" انطوجي يا بت .."
صرخت نجمة في وجه مرعي باندفاع
" بت لما تبتك يا بغل انت.. "
صرخ عمار بها
" اخرسي يا بت و كلميني اني .. أنتِ مين يا مخبلة أنتِ"
نظرت إليه نجمة بغضب دفين فلطالما كانت هيبته ترهبها ولكنها حاولت الثبات حين قالت
" أنى نچمة.."
تدخل ياسين بسخرية
" دا اسم ولا وصف؟"
تدخل عمار صائحا بنفاذ صبر
" أنتِ هتنجطينا. ما تخلصي بدل ما اطوخك عيارين "
هنا تلاشي ثباتها و صرخت باندفاع
" اني نچمة بت عبد المجصود ابو سويلم و خالتي هوانم بتشتغل اهنه و كت جيالها.."
واصل عمار استجوابها قائلا بنبرة حادة
" و ايه الي چايبك في الوجت المتأخر ده و لابسه أكده ليه؟"
" امي كانت تعبانه و كت جيالها عشان تاچي تديها الحجنة و انطريت البس چلابية ابوي عشان محدش يطمع في من كلاب السكك الي مالية الشوارع ."
كانت تتحدث و عينيه منصبه علي مرعى الذي كان يناظرها باشتهاء اغضب كلا من ياسين و عمار الذي صرخ به
" أمشي يا بغل انت و هو روحوا شوفوا شغلكوا "
إجابة مرعى بمراوغة فقد أعجبته الفتاه كثيرا
" طب و البت دي هنعملوا فيها اي يا عمار بيه؟"
زأر عمار بقوة
" و أنت مال ابوك يا بغل انت.. غور من وشي.."
بالفعل اطاعه مرعي و الغفر من حوله فالتفت عمار علي نجمة التي كانت تطالعه بحدقتيها الواسعتين والتي كان بهم تعابير براءه مفرطة للحد الذي جعلته يشك بأمرها فاقترب منها خطوة تراجعت علي إثرها اثنان وهو يقول بعينين تقطران خبثا
" معارفش ليه جلبي مش مصدجك يا بت انتِ. "
دب الذعر بقلبها وقالت بتلعثم
" و أني. هكذب ليه يعني؟؟"
واصل اقترابه منها وهو يقول بشك
ولما انتِ چاية عشان أكده مدجتيش عالباب ليه ؟؟ چايه متنكره و طالعه عالسور كيف الحراميه أكده. كلامك ممريحنيش. انطوجي يا بت وإلا"
لم تتحمل سماع المزيد من تهديداته فقد تلبستها نوبه هلع جعلتها تقول باندفاع
" وإلا اي؟ انت عايز مني اي؟ وربنا اشلفطلك الي باجي من خلجتك .. و معيهمنيش انك الكبير . اني بجولك إهوة…"
أنهت جملتها و فجأة بدأت بالصراخ الذي جعله يتجمد من فرط الصدمه
" الحجوناااي. يا خلج يا هوه .. الكبير عايز يموتني.. الحجوناي"
لم يستطيع ياسين أن يتجاوز صدمته من فعلتها علي عكس عمار الذي انقض فوقها و قام بتكميم فمها بيده وهو يقول بغضب
" وه. اجفلي خشمك يا بت المحروج أنتِ. هتجبيلي مصيبة إياك…"
كانت ترتجف بين يديه ولكن ذلك لم يشفع لها فقد كان الغضب يجعل دماءه تغلي فهسهس متوعدا
" طب و حياة ربي لهبيتك في الحچز النهاردة عشان تتربي.."
تدخل ياسين يخلصها من بين يديه وهو ينهره قائلا
" ايه يا عمار في اي؟ مش كده يا اخى. بعدين حجز ايه الي تبيتها فيه بتقولك ابوها تعبان.."
صاح عمار هادرا بعنف
" مسامعش الي عملته المچنونه دي.. ديه كانت هتچبلي مصيبة .."
ياسين بتعقل
" البت كانت خايفه منك و طبيعي تتصرف كدا. اهدي انت بس و سيبلي الموضوع دا ."
عمار بعناد
" يمين بعظيم أبدا..البت دي لزمن تبات في الحچز الليلادي .ديه حراميه باين عليها"
لا تعلم كيف واتتها الجرأة لتقول بتهكم
" مبجاش إلا انتوا عشان اسرجكوا.."
رفع ياسين أحدي حاجبيها علي حديثها و قال ساخرا
" كمان مش عاجبين جناب معاليكِ"
بينما تدخل عمار الذي أهتاج غضبه من حديثها
" شايف جليلة الرباية بتجول اي؟ طب ايه جولك بجي اني هجطع لسانك الي بينجط سم ده"
انهي كلماته متوجها إليها فحال ياسين بينه و بينها و حاول تهدئه هذا الوحش الثائر قائلا
" ما خلاص بقي يا عمار خلينا نفض القصة دي هتعمل عقلك بعقل واحدة زيها ؟"
" عنديك حج. بس يميني لازمن يمشي و هتبات الليلة في الحچز."
كانت تختبئ خلف ظهر ياسين العريض متخذه منه ملجأ لها و ما أن سمعت حديثه حتي أطلت برأسها قائلة باندفاع
" حچز اي الي ابات فيه و اني كنت جتلت و لا سرجت؟"
اهتاج عمار من حديثها و انقض يحاول الامساك بها فحال ياسين دون ذلك فصاح غاضبا
" اخرسي يا بت المركوب أنتِ . و إلا و ديني هجوم سافخك كف متففك سنانك "
ضاق ياسين ذرعا بما يحدث فنفض عمار بقوة وهو يقول لنجمه بصراخ
" ما تتكتمي الله يخربيتك أنتِ كمان.. و انت بقولك اي روح شوف حالك و أنا هتصرف معاها. "
صاح معاندا
" ياسين…"
قاطعه ياسين الذي نفذ صبره
" ورحمة امك تمشي بدل ما أطخك و اطخها كان يوم اسود يوم ما رجعت البلد دي."
أخيرا تراجع عمار الذي كان ينفس النيران من أنفه منشدة الغضب الذي لون عينيه و نظراته المصوبة تجاهها و تجلى غضبه في نبرته حين قال
" انى همرجها عشان خاطرك بس و مش هخلص عليها لكن جلة أدبها دي لازمن ليها عقاب .."
هتفت من خلف ياسين بذعر
" تجصد اي؟؟"
عمار بمكر
" هتعرفي. و هتتمني لو معرفتيش .."
ياسين بعد فهم
" يعني ايه الكلام دا ؟"
عمار بعينين متوعدة
" محتاچين بنته تاچي تنضف تحت البهايم و اهي چت برچليها ."
*************
كانت رحلة العودة هادئة خارجيا إنما كان كلا بداخله يمتلئ بضوضاء مرعبة تتسيدها العديد من الاسئله التي عجز العقل عن الإجابة عليها و خاصة من جانب سالم الذي يشعر بأن قدره يعانده مع تلك التي لم يشتهي سواها فبكل مرة ينوي التسلح بالشجاعة و الاعتراف بما يجيش بصدره يأتي حظه العاثر و يقطع الطريق عليه لا يعلم هل تلك إشارة بأنه علي طريق خاطئ أم أن القدر يتلاعب به و يسخر منه هو الذي لم يكن يؤمن بالعشق يوما..
زفرة قوية خرجت من فم سليم الذي كان الألم بصدره
فوق قدرته علي التحمل فلم يعد يستطيع كتمانه أكثر فأخرج الهواء المكبوت بصدره دفعه واحده عله يهدئ من تلك النيران المستعرة بداخله فأتاه حديث سالم الذي أخرجه من بؤرة عذابه
" ندمت انك روحتلها؟"
لم يكن سؤالا عابرا فله صداه الذي يتردد بعنف في صدره الخافق ولكنه أخذ يتطلع إلي اجابه اخاه بلهفه خفيه فلم يطيل سليم الصمت بل اجاب بألم
" ندمان اني مروحتش من زمان.. "
كانت اجابه و كأنها إشارة بالنسبة إليه فالتفت الى سليم قائلا بتوضيح
" تقصد قبل الي حصل؟"
تابع بلهجه متألمه تشبه نظراته تماما
" الي حصل كان ترتيب القدر عشان نتلاقى.. اقصد من اول يوم قلبي دقلها كان لازم اروح لها و اسمع منها. كان لازم أصدقها اصدق عنيها الي كانت بتتوسل قدامي عشان مظلمهاش ولا أزود جرحها."
كانت المعاني المستترة بين كلماته مؤلمه كثيرا كحال قلبه الذي يفطره الوجع فزفر بقوة قبل أن يقول بخشونة
" جنه مدبوحة يا سليم مش مجروحه وبس! "
سليم بضياع
" كلها مسميات النتيجه واحده أنها بتتألم و مش قادر اعملها حاجه.."
سالم بتعقل
" غلطان. النتيجه مش واحده عشان الألم مش واحد!"
التفت سليم يناظره باستفهام فتابع بنبرة جافة
" عارف لما يكون في واحد واقف بعيد و يقوم راميك بسكينه تيجي في قلبك؟ اهو دا الجرح؛ ويا يموتك يا يلم مع مرور الوقت و ممكن كمان ميسبش أثر. بس وجعه أخف بكتير من أن واحد كان قريب منك اوي و مسك نفس السكينة و قعد يحفر بيها في قلبك لحد ما شوه ملامحه دبح كل حاجه حلوة جواك. طيبتك حنيتك حتي سلامك النفسي. و وقتها الموت بيكون أسلم حل لإن مفيش حاجه ممكن تخفف الألم أو تمحي الأثر . ودا بالظبط الي حصل مع جنة "
تراشقت كلمات أخيه بصدره كالأسهم الناريه التي غرست معاناتها بداخل قلبه فهذا هو حالها الذي وصفه مزبوحه القلب مهترئة الروح.
تابع سالم حديثه قائلا
" عشان كدا لازم تعرف أن المشوار مش بس طويل دا كمان مليان شوك. لو مش هتقدر تتحمله يبقي متزودش الي عمله حازم و ابعد من أولها.."
جاء الصباح محملا برائحة الأمل الذي تعلقت به القلوب التي اضناها التعب و أهلكها الأنتظار و لكنها مازالت متمسكه بحبال الإيمان التي جعلت أمينة ترفع يدها وهي تقول بشفاة مرتجفه
" يااارب . ردلي ولادي سالمين لحضني و متضرنيش فيهم أبدا يارب ."
بدأت حديثها تناجي ربنا واختتمته تتوسل اليه و لإن الله لا يرد عبدا أتاه عبدا توسل و تضرع إليه فقد اصطفت السيارة أمام البيت الداخلي للمزرعه و ترجل منها الجميع فابتهج قلبها برؤيتهم سالمين و خرج صوتها مهللا
" وصلوا يا نعمه . الولاد وصلوا.."
اقتربت همت من النافذة فوجدت الجميع في الخارج بينما اندفعت شيرين و خلفها مروة و سما الي الخارج و كان أول من قابلهم هي حلا التي ارتمت بين احضان سما تبكي ولا تعرف لأي سبب تبكي احزنا علي قدرها أم تأثرا برجوعها الي بيتها و خلفها كان سالم الذي قابلته شيرين قائلة بلهفه
" سالم.. انت كويس؟"
تشابهت ملامحه مع لهجته الفظة حين سألها
" أنتِ شايفه اي؟ "
غزا الاحمرار وجنتيها و أجابته بحرج
" يعني أنا بسأل عشان الخطف الي حصل و كدا.."
بصق كلماته في وجهها قائلا بفظاظة
" الي كانت مخطوفة عندك أسأليها .."
القي بكلماته و اندفع الي مكتبه و لم يلتفت الي مروة التي تحدثت قائلة
" هو سليم مجاش معاكوا؟"
لم يجيبها أحد فحلا كانت مرتميه بأحضان امينه التي خرجت لتوها من الغرفة و مروان كان مشغولا باحتضان ريتال التي افتقدته كثيرا بينما اقتربت منه سما قائلة بلهفه
" ايه الي حصل و شلفطك كدا؟"
اغتاظ من سؤالها و من دقات قلبه التي تعثرت بداخله حين لمس اللهفه في نبرتها فنهرها غاضبا
" و أنتِ مال اهلك؟"
اغتاظت من وقاحته ولكن ما أثار حنقها أكثر هي مروة التي اقتربت في دلال قائله بغنج مفتعل
" ميرو الف سلامه عليك يا روحي .. حصلك اي؟"
ناظرها بسخريه تجلت في نبرته حين قال
" النمرة غلط يا مروة . سليم في الاسطبل روحيله قالي اقولك أنه عايزك "
تهللت أساريرها وقالت بفرح
" بجد؟ طب عن اذنكوا "
هرولت الي الاسطبل تاركه الجميع خلفها يتعجب فاقتربت منه حلا قائلة باستفهام
" انت بتقول ايه يا ابني؟ سليم قال عايزها ولا بيطيقها حتي ؟"
مروان بنفاذ صبر
" لا مقالش بس اكيد بيدور علي حد يطلع في غيظه و هي بنت حلال و تستاهل. "
زفر بحنق قبل أن يتابع
"انا طالع انام واياك حد يقلقني "
تنحي الجميع من أمامه بينما التفت إلي كلا من حلا و سما قائلا بحنق
" غوري من وشى انت وهي عيال ميجيش من وراكوا غير المصايب "
قالها و توجه إلى الاعلى بينما التفتت أمينة الي حلا وهي تقول بنبرة متلهفه
" طمنيني عليكِ يا بنتِ قلبي كان قايد نار و أنتِ بعيد عني يا ضنايا "
حلا بهدوء
" انا كويسه يا ماما.. ماتخافيش عليا"
احتضنتها امينه بقوة فقد كانت علي علم ببقاء جنة و فرح في بيت عمهما ولكنها كانت تجهل الباقي لذا أثارت ملامح حلا المتجهمة ريبتها فقالت بشك
" مالك يا حلا؟ حصل حاجه هناك ؟ الناس دي عملت فيكِ حاجه؟"
حلا بلهفه
" مفيش حاجه يا ماما انا بس تعبانه من المشوار .. "
تدخلت سما قائلة بخفوت
" خليني أخدها ترتاح شويه يا مرات خالي المشوار صعب و كمان الي حصل يعني .."
لم تكمل حديثها حين اومأت لها امنيه بالموافقه فأخذت حلا و توجهت الي الاعلى بينما تفرقت نظرات امينه بين شيرين و همت قبل أن تتوجه الي مكتب سالم تنوي معرفة ما حدث هناك
**************
كان يغلى من شدة الغضب يريد تحطيم كل شئ حوله لم يتسع صدره لكل ما يحمله بداخله من مشاعر غيرة و عشق و ألم و خوف فهو لأول مرة بحياته يتذوق شعور الخوف. و الذي بدأ يتعاظم بداخله منذ أن تركها البارحه كانت محطمة خائفة كل ما كانت ترجوه ذهابه! بينما هو يتمني لو يجمع طمأنينه العالم أجمع و يضعها بقلبها ولكنها رفضت وجوده . نيران تحرق أحشاؤه من الداخل ولا يستطيع اطفائها علي الرغم من أنه علم من فرح بأنهما في طريقهما الي الاسماعيليه لمنزل عمها الذي تدهورت حالته كثيرا فأضطر الجميع للمجئ لرؤيته و قد اراحه هذا و لو قليلا ولكنه مازال يحترق بنيرانه التي ستجهز عليه ذات يوم
" سليم.. "
كانت أكثر شخص يكره رؤيته خاصة في حالته تلك لذلك تعمد عدم الإلتفات و تظاهر بأنه لم يسمعها فقد كان مظهره مروعا ولا يتمني أن تكون هي الضحية ليس لغلائها علي قلبه بل قلة قيمتها أن طالها بطشة فتحسب عليه روح وهي مسخ مجرد من كل شئ ولذلك فهي كانت فاقدة للشعور فاقتربت منه واضعه يدها فوق كتفه وهي تقول بخفوت
" سليم انت مابتردش ليه؟"
قاطعتها يده التي قبضت علي خاصتها بقوة كادت أن تكون عظام يدها تحت قبضته فتألمت بقوة ولكنها تفاجئت و انتابها الذعر حين رأت مظهره المزري وعينيه التي كانت تحتقن بدماء الغضب فبدأ وحشا بشريا قادر علي إزهاق روحها في ثوان
" شوفتيني مردتش يبقي في دم. يبقي تمشي "
قال جملته الأخيرة وهو ينفض يدها بعنف مما جعل الخوف يتعاظم بقلبها بجانبه شعور قوى من الصدمه التي جعلتها تقول
" هو.. هو حصل اي؟ انت.. انت مالك ؟ فيك اي؟"
هسهس بغضب
" متدخليش في الي ملكيش فيه."
تغلبت مشاعرها التي فاقت رعبها منه فقالت بألم
" ليا فيه يا سليم.. علي الأقل زمان كان ليا فيه.."
قاطعها بنبرة قاطعه
" زمان انتهي . زمان لما اعتبرتك بني آدمه ممكن أأمنها علي بيتي و علي نفسي كنت غلطان. والحمد لله لحقت نفسي في الوقت المناسب."
هبت مدافعه عن نفسها
" حرام عليك تظلمني عشان غلطه واحده. انا كنت عايزة اعمل لنفسي كرير مكنتش جاهزة للارتباط و صارحتك بدا و مكذبتش عليك. كنت واضحه في كل شئ "
" و أنا بردو كنت واضح معاكِ لما قولتلك لو مشيتي مترجعيش عشان مش هتلاقي مكانك فاضي"
عاتبته بقهر
" يعني انت مبقتش تحبني يا سليم؟"
سليم بقسوة
" مش فاكر إذا كنت حبيتك زمان اصلا أو لا بس الي متأكد منه دلوقتي اني فعلا بحب و أنتِ ملكيش مكان في حياتي فاتفضلي اخرجي منها احسنلك..'
كان شعورا مريرا بالمهانة التي جعلتها تتراجع خطوتين للخلف ترتجف من شدة الغضب و الألم معًا و الذي خرج منها علي هيئة حروف مبعثرة
" انت.. أناني.. انا.. مشفقة.. على..الإنسانة..الي هتعاشرك.."
أنهت كلماتها و هرولت تاركه إياه ينفث نيرانه علي هيئة زفير مسموع غافلا عن ثلاث من الأعين التي تراقب ما يحدث باستمتاع كبير ..
*************
جاءت نهاية الأسبوع بعد أيام طويلة قضاها الجميع في صمت تام بينما كانت القلوب تعج بضوضاء صاخبة و العقول انهكتها كثرة الأسئلة ولكن كان الجميع صامت كلا يتحسن لتنفيذ مبتغاة.
كان جنة جالسة بمكانها علي أحد المقاعد في المقهي الجانبي للمشفي تحاول استيعاب كلمات الطبيب التي مازالت طنينها يرن بأذنيها
" تأكدي يا جنة انى مش هكذب عليكِ في أي حاجه . اولا كدا أنتِ محظوظة جدا أننا اكتشفنا المرض بدري و خصوصا أن النوع دا من الأورام دايما لما بنكتشف وجوده بيكون وصل لمرحلة خطيرة بيبقي حتي العلاج معاها صعب. انما الحمد لله احنا اكتشفناه يوم الولادة و دا طبعا من رحمة ربنا بيكِ . لكن أنتِ بالتأكيد هتحتاجي تخضعي لجلسات كيماوي هتكون قليلة متقلقيش بس كام بالظبط معرفش و دا عشان نتأكد أننا اتخلصنا منه نهائي "
خرج صوتها مبحوحًا باهتا كملامحها حين قالت
" يعني. هو انا . بعد ما . اخد يعني الجلسات و كدا. عادي ممكن.. "
لم تستطيع نطقها فوجدت يده يشد علي كتفها بقوة و كأنه يخبرها بوجوده بطريقة محسوسه و عينيه تتوسل الي الطبيب حتي يطمأنها
" تقصدي ممكن تخلفي تاني ؟ بصي يا بنتي دي حاجه في ايد ربنا طبعا . لكن لو هنتكلم علي المرض فا لا دا مش سبب يمنعك انك تخلفي اعرف حالات كتير بعد ما اتعافت منه خلفت عادي .."
لم تستطيع حتي أن تطلق أنفاسها ارتياحا ولكنه شعر بارتخاء عضلاتها أسفل كفيه فعلم بأنها ارتاحت ولو قليلا وتولى هو و فرح باقي الاستفسارات عن مواعيد الجلسات و جميع الأشياء المتعلقه بها
كانت فرح تجلس بالمنتصف بينهم مما جعلها تشعر بالحرج و ايضا أرادت ترك مساحه لهما فهي تعلم بأنه وحده الذي سيستطيع اخراج كل ما بجوف شقيقتها من عذاب لذا تظاهرت بالحديث في الهاتف وهي تغادر الي الخارج و ما أن خطت اول خطواتها خارج المقهي حتي وجدت هاتفها يدق و كان المتصل ياسين
" ايوا يا ياسين احنا لسه خارجين من عند الدكتور و الحمد لله طمنا.."
ياسين باستفهام
" احكيلي حصل اي؟"
قصت عليه ما حدث فزفر بارتياح قبل أن يقول
" طب بصي استنوني نص ساعه بالكتير انا لسه خارج من الجامعه و هاجي اخدكوا.. "
فرح بلهفه
"بلاش يا ياسين. سليم هنا مع جنة و هو هيوصلنا. و نتقابل عند البيت.."
غضب ياسين و صاح معنفا
" بردو يا فرح.. انا سكت الصبح لما قعدتي تقوليلي هو اكتر واحد محتجاه و الأفلام دي و كذبت علي جدي و قولتله اني معاكوا معنديش استعداد اكذب تاني.."
كانت تعلم بأنه أكثر من يفهمها لذا تابعت بتوسل خفي
" انا عارفه انك تعبت معانا بس ارجوك كمل جميلك للآخر . جنة فعلا محتجاله وبعدين سليم مش غريب دا جوزها يا ياسين . ارجوك تفهمني "
زفر بحنق قبل أن يقول مستسلما
" طيب يا فرح. اول ما تطلعوا من هناك عرفيني.."
اختتمت مكالمتها معه و وضعت الهاتف علي إحدي الطاولات التي كانت بالخارج و جلست بعد أن أخبرت النادل بأن يحضر إليها قدح من القهوة التي تحتاجها بقوة الآن فهي تشعر بأن عقلها لم يعد يعمل المثير و الكثير من الأحداث التي لم تستطيع أن تتقبلها أن تتعايش معها ناهيك عن مشاعرها و تحديدا اشواقها الضاريه له و التي أصبحت عبئا ثقيلا عليها هي تشتاقه بجنون ولا تملك ادني حق يمكنها من الإقتراب منه فهي تعيش علي ذكرياتهم منذ آخر مرة كانت معه . تتقاذف دقاتها بعنف داخلها وهي تسترجع كلماته حين اخبرها بأنه اتي شوقا لها و التي بكل مرة تمر علي بالها تجعل جسدها يرتجف من فرط التأثر الذي ينتهي بكل مرة بهذا الاستفهام المؤلم
" ألم يشتاق لي بعد؟؟"
كانت تغمض عينيها بقوة تمنع سيل العبرات الجارف الذي لن ينتظر إذنا بالهطول فحجبت عن عينيها رؤية عينيه التي كانت تلتهمان تفاصيلها شوقًا فقد علم من شقيقه بوجودها و لم يستطيع مقاومة رغبته الملحة في رؤيتها فبينهما حديث طويل لم ينتهي بعد و قد ترك كل شئ بيده و اتي جرا بأمر من قلبه الذي كانت دقاته تقرع كالطبول حين وقعت عينيه عليها
" شايفه ان دا مكان مناسب عشان تسرحي فيه ؟"
جفلت حين سمعت لهجته الساخرة بالقرب منها ففتحت عينيها بلهفه لتتفاجئ بتحقيقه وجوده أمامها يطالعها بنظراته الغامضة و التي بعثت رجفه قويه بداخلها محمله بالوخزات الموترة فلوهله لم تعد تدري ما هو شعورها هل فرحه لرؤيته أن غاضبة لهجره لها طوال الأسبوع المنصرم.
تحمحمت بخفوت قبل أن تقول بجفاء
" شايفه انك تخليك في نفسك.."
ابتسامه خطرة ظهرت علي محياه قبل أن يقوم بالعض علي شفتيه السفليه قائلا بهمس قاتل
" لسانك يا فرح.. "
غمرها الخجل و الارتباك معا مما جعلها تقول بغباء
" ماله؟"
باغتها حين قال بوعيد
" نفسي اقطعه.."
تراجعت للخلف بغضب جعلها تكز على أسنانها قبل أن تهمس بغل
" قطع رقبتك.."
سمع كلمتها بوضوح ولكنه تصنع غير ذلك حين قال باستفهام
" بتقولي حاجه يا فرح؟ "
أخذت نفسا قويا و عنفت نفسها مذكرة أياها بشخصيته الفظه و تحفزت بداخلها بألا تسمح له بالانتصار عليها ابدا لذا قالت بعينين تقطران تحدي
" بقول بعينك!"
ابتسم بتسلية علي تحديها السافر له و ود لو كان المكان مختلفا حتي يبرهن لها علي نواياه ولكنه اشتاق لخوض تحدي آخر معها فقال بفظاظة
" بخصوص العيون امال نضارتك فين؟ مش شايفها بقالي فترة "
اغتاظت من سخريته و فظاظته ولكنها تحاملت علي نفسها فقالت بابتسامه صفراء
" موجودة لو محتاجها ممكن ابعتهالك."
لم يتسني له الاجابه عليها فقد أتاه اتصال مهم فقام بالرد عليه بينما هي هبت من مكانها تقف أمام الزجاج العاكس للمقهي من الداخل و انشغلت بمراقبة شقيقتها التي كانت تتحدث بتيه و ضياع رق له قلبها كثيراً و أخذت تتضرع الي الله أن تنال ما تستحق من السعادة فهي عانت كثيرا بينما هو كان يطالعها بانتباه يريد تحطيم الحواجز التي تفصل بينهم ولكنه مكبل بواجباته تجاه عائلته اولا و من بينهم شقيقه وتلك المسكينه التي لا يعلم كيف ستجد الراحه طريقها إليها فتبعها إلي حيث تقف زافر بحدة و أخذت نظراته التي كانت مصوبه أمامه تتفرق بلامبالاة في وجوه المحيطين بهم بينما قلبه كان عالقا بها منتبه كليا لكل ما يصدر منها و تابع ممسكا بطرف حديث بينهم لا يريده أن ينقطع أبدا
" شايفه أن علاقتهم دي ممكن تنجح ؟"
عارضته مصححه
" هي أصلا لسه مبقتش علاقه عشان نفكر إذا كان ممكن تنجح أو لا؟"
ارتشف من الكوب الخاص به قبل أن يُغمغم ساخرًا
" كمان.. الله يعينك يا سليم !"
اغتاظت منه فحاولت رد سخريته بما يماثلها
" والله كل واحد بيزرع الي بيحصده.. و الي زرع شوك مش زي الي زرع ورد. "
علق ساخرا
" المبالغة و الستات!"
" مش مبالغة علي فكرة بس هو غلط في حقها و يستاهل"
صاح بنفاذ صبر
" ماهو بيعمل المستحيل عشان يصلح غلطه."
التفتت تناظره بغل اختلط مع نبرة صوتها حين قالت
" مش كفايه . مفروض يداوي الجرح الى جرحهولها الموضوع مش سهل و لا هيخلص بين يوم و ليلة.."
ضاق صدره من جدال عقيم كان هو بوادى و هي بآخر فقال بملل و نظرات حانقه
" طب و لو خلقه ضيق و عايز ينجز في الليله كلها يعمل ايه ؟"
كانت تهوي استفزازه سابقا اما الآن فهي غاضبه منه و من نفسها و من تلك القيود التي ستغرقها بأعماق المحيط دون القدرة علي التحرر أبدا
" هو سلق بيض ايه ينجز دي ؟ "
غلف الغضب نظراته حين قال بفظاظة
" ماهي الأفعال مش نافعه يعمل ايه تاني يموت نفسه !!"
خرجت الكلمات مندفعة من بين شفتيها حين أجابته
" يقولها.. وهي هتعرف منين هو بيعمل كدا ليه بتضرب الودع مثلا. "
رفع إحدى حاجبيه استنكارا تجلي بنبرته حين قال
" يقولها! على اساس انها كل دا مفهمتش؟!!"
تحلت بفضيلة الشجاعه وقالت مؤكدة
" ايوا طبعا. لازم يعرفها عشان تقف علي ارض صلبه.."
غلف المكر عينيه التي ضاقت حين قال بتخابث
"يعني أنتِ شايفه أنه لازم يقولها ؟ "
بشجاعه غير معهودة يغلفها توسل مبطن
" ايوا طبعا لازم"
تحدثت عينيه اولًا والتي كانت مسلطه بقوة علي خاصتها حين قال بنبرة قويه ولكن خافته
"طب لو واحد بيحب واحده الحب نفسه قليل عليها يعمل ايه؟ يوصلها إحساسه بيها ازاي ؟؟ "
شعرت بأنها مُهددة بالسقوط أمامه فنظراته حاوطتها بشكل لم تعهده سابقًا و كأنها تحصُرها بينه و بين كلماته التي جعلت نبضاتها تتعثر بقوة داخل صدرها ولكنها حاولت الحفاظ علي ثباتها حين قالت باستنكار
" دي مبالغه منه أو وسيله للهروب مفيش حد الحب قليل عليه "
عاندها قائلًا بعينين تقطران عشقًا
" في يا فرح.. زي مافي مشاعر بتتظلم لما نسجنها في كلمه حُب قليله اوي عليها.."
اجتاحتها زوبعة من المشاعر المتضاربة بقوة كان أولها الترقب و اللهفه وآخرها الخوف الذي لأول مرة تتجاهله قائله بشفاه مرتجفه
" يعمل الي عليه و يقول اي حاجه وهي اكيد هتفهم و تحس"
باغتها سؤاله الذي يشوبه اللهفه
" ولو كان خايف من رد فعلها؟"
اجابته باندفاع مستنكرة
" خايف!!! الي اعرفه عنه أنه مابيخافش "
لأول مرة يغزو قلبه الارتياح منذ أن وقع بعشقها ولكنه أراد الوصول لأقصي درجات الأمان معها فسألها بتخابث
" هو مين الي مبيخافش ؟"
" هاه.."
شعرت بوقوعها بالمصيدة التي نصبتها عينيه ولم تعد تستطيع الحديث للحظات فاقترب منها خطوة متجاهلا وجود الجميع حولهم وقال بلهجه مُلحه
" مين الي مبيخافش يا فرح ؟"
كانت كمن يحاول تحريك جبلًا شامخًا من مكانه . لا تعلم هل مخطئة ام مصيبه ولكنها شعرت بموجه من العبرات تجتاح مقلتيها مرورا بقلبها الذي ضاق ذرعا بما يحدث فانثاقت خلف لحظات جنونيه اغرتها بالتخلص من حمل هذه المشاعر التي ستُهلكها يومًا ما فقالت بانفعال
" أنتِ عايز ايه ؟ عايز تسمع مني ايه ؟ عايزني اقولك اني …."
قاطعها مجئ شيرين التي كانت تراقب ما يحدث من بعيد و ولم تستطيع الصمت أكثر و خاصة وهي تعلم عندما رأته يخرج بتلك الطريقه أن الأمر متعلق بها
" سالم.."
تفاجئ الإثنان من وجودها ولكنها اختارت أكثر توقيت خطأ لقدومها فقد نفذ صبره من كل شئ فلم يمهلها سالم الوقت للحديث بل قام بجذب يد فرح متجاهلا وجودها وهو يقول بصرامه
" تعالي معايا.."
لم تقدر علي مقاومته فبلمح البصر وجدت نفسها تستقل السيارة بجانبه بينما كان هو يقود بسرعة كبيرة لم تعهدها منه فقالت باندهاش
" احنا رايحين فين ؟"
أجابها باختصار
" هنقول الكلمتين الي مش مكتوبلنا نقولهم دول.."
سقط قلبها بين قدميها خوفا من القادم أو لنقل أنه الترقب الذي جعل جميع خلايا جسدها ترتجف فقدوم شيرين أنقذها من تلك السقطة التي كانت ستقع بها و هو اعترافها بمكنونات صدرها ولكن ما فعله الآن جعلها تتخبط قلقا و خوفا و ترقب
سرعان ما توقفت السيارة أمام شاطئ معزول ليترجل هو منه يقف أمام زجاج السيارة ناظرا إليها بتحدي تجلي في نبرته حين قال
" هتنزلي ولا اجى انزلك أنا ؟'
لم يكن أمامها مفر فلابد أن تنقذ كرامتها و كبرياءها و تجد عذرا مقبولا لما حدث منذ قليل لذا تحلت بالشجاعه و ترجلت من السيارة تتوجه اليه وهي تنوي مجابهته و نفس تلك التهمه التي الصقتها بنفسها نتيجه مشاعر هوجاء
" سالم انا.."
" انا بحبك .."
لم يمهلها الوقت للحديث بل قاطعها ملقيا قنبلته الموقوتة في وجهها الذي تجمدت ملامحها من فرط الصدمة وحدها عينيها التي برقت بطريقه مضحكه فاقترب منها ممسكا بيدها التي كانت متجمدة كباقي جسدها فقام برفع كفها الي يده و أخذ يفركه بحنان قبل أن يقربها منه لتصبح أمامه مباشرة ليعيد ما قاله ولكن بنبرة خافتة و صوتا أجش
"لو كانت تصرفاتي مقالتهاش فأنا بقولها دلوقتي. بحبك يا فرح.."
كانت تلك المرة الثانيه التي تقع علي مسامعها تلك الكلمة التي لم تكن تتخيل أن تسمعها منه بل وتراها بعينيه بذلك الوضوح . تستشعرها من كفيه اللذان يعانقان كفوفها المرتجفة بحنان جعل العبرات تتقاذف من مقلتيها تعبيرا عن تأثرها بينما خرجت الكلمات متلعثمة من علي شفتيها حين قالت
" انت. يعني . انا. ازاي . اقصد . امتي.."
لم يكد أن يجيبها حتي دق جرس الهاتف وكان المتصل سليم لذا أجابت بلهفه و تلعثم
" آلوو .. سليم.. في ايه. جنة . حصل ايه؟"
لم تكن لها القدرة في السيطرة علي نفسها ولا مشاعرها فارتسمت ابتسامه حانيه علي ملامحه جعلت الاحمرار يغزو خديها حين جذب الهاتف من بين يديها قائلا بخشونة
" اه يا سليم."
أخذ سالم يستمع إلي حديث سليم علي الجانب الآخر الي أن انهي المكالمه بإحباط لم يتجاوز حدود شفتيه بل التفت يناظرها بعينين تكشف عمق شعوره نحوها قائلا بنبرة رخيمة
" شكلي كده هضطر اخطفك عشان اعرف اتكلم معاكِ براحتي.."
كانت نظراتها الضائعة تظهر مدى صدمتها ولكنه لم يكن يملك الوقت للحديث أكثر فاكتفي بالقول
" استوعبي براحتك الي قولته بس اعرفي أن المرة الجاية مش هتفلتي من تحت ايدي.."
برقت عينيها بصدمة فأطلق ضحكة قوية لم تعهدها منه مسبقا ولكنه بدأ وسيما بشكل كبير و اصغر من عمره أيضا مما جعل الابتسامه تغزو ملامحها التي مازالت تحت تأثير الصدمه التي جعلتها تترك له نفسها يقودها إلى باب السيارة و يجلسها كأنها طفلة صغيرة بجانبه ثم انطلق بسيارته
*************
..استطاعت تجاوز صدمتها من اعترافه لها الذي لم تكن تتوقعه أبدا فقد كان اعترافا رائعا بالحب الذي كان يطل من عينيه التي لأول مرة تراها بهذا الصفاء. ولكنها بغبائها أخذت تتعثر بالكلمات كالبلهاء و أضاعت عليها الاستمتاع معه بتلك اللحظة الرائعة تشعر بقلبها يتضخم بين ضلوعها من فرط السعادة حتي أن جدران غرفتها لم تكن تتسعها فخرجت الي الحديقه تتمشي بها و تتشارك سعادتها مع ورودها تروي لها عشقا كانت تدفنه بصدرها خوفا من خيبة من شأنها ان تقضي عليها من دون رحمة والآن هي علي استعداد للصراخ به أمام العالم أجمع. رفعت رأسها تنظر إلي السماء بسعادة بينما انسابت العبرات من مقلتيها و قد نوت ان تخبره اليوم بعشقها له حين يذهبون لطلب يد حلا فهي قد تخطت آلام الماضي و ندباته و من كل قلبها تتمني أن تسعد بقربه
امتدت يدها تزيل خيط الدموع التي لأول مرة تنساب من عينيها من فرط السعادة و انتوت الذهاب الي غرفتها لتتجهز و ما أن التفتت حتي تفاجئت من يد قويه تهبط فوق خدها لتتراجع بقوة الي الخلف وووو
يتبع ….
🍓العاشر ج٢🍓
حنونًا، صادقًا، دافئًا، لا يبالي لـ شئ في العالم سواى ، حصني المنيع من تقلبات الزمن و ملجأى من ضربات القدر. تلك كانت إجابتي حين سألتني صديقتي المقربة ما هي مواصفات رجل أحلامك؟
و يا لـ دهشتها و دهشتي حين رأيت قهقهاتها الساخرة لمتطلباتي التي كانت على قدر بساطتها على قدر استحالتها. فأخذت تقنعني بأنه لم يخلق علي وجه الأرض رجل يحمل تلك الصفات أبدًا حتى اننِي و لأول مرة بحياتي يزورني اليأس للحد الذي جعلني أفقد شغفي في التمني و انعدمت رغبة قلبي في العشق. فما حاجتي إلى رجل لا يعطيني قدري و يكن هو و العالم في مواجهتي؟ ولكن الحياة أدهشتني هذه المرة حين قابلتك…
لا أعلم هل وجدتك أم وجدتني ولكني وجدت روحي تهتدي بقربك و جراحي تسكُن في حضرة وجودك فأيقنت حينها بأنك مكافأة القدر لقلب ارهقته معاركه مع الحياة ليستشعر أخيرًا حلاوة السلام بقربك…
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
تراجعت خطوتين إلي الخلف جراء تلك الصفعة المدوية التي سقطت علي خدها بعنف تزامنًا مع خروج شهقة قوية من جوفها كانت إذنًا لشلال من العبرات الذي انهمر على وجنتيها دون أن تشعر فقد كانت عينيها متعلقة بزهول علي ذلك الوحش الغاضب الذي يناظرها بغضب كبير شوه ملامحه الوسيمة التي بدت مكفهرة بدءً من عينيه التي تحول خضارها إلى بحيرة من الدماء الغاضبة التي كانت تحرق أوردته في تلك اللحظة فلم يبالي بمظهرها المزرى ولا صدمتها وقال بصوت يقطر غضبًا
" جالولي بت عمك مع ابن الوزان مصدجتش! جولت بت عمي عاجلة ومتربيه لكن طلعت حمار و بت عمى دايرة علي حل شعرها و معملاش اعتبار لحد واصل.."
كان حديثه صفعة أخرى تلقاها كبرياءها حين انهار أمام اتهامه المروع و كلماته المهينة التي جعلت الحروف تتعثر بين شفتيها حين قالت
" أنت. انت. بتقول ايه؟ مين دي الي دايره علي حل شعرها.."
قاطعها صوته الغاضب وهو يقول بقسوة
" كتِ مع ابن الوزان النهاردة بتعملي اي؟ و سبتي اختك في المستشفى وچريتي معاه ؟ "
جاء استفهامه في أشد مناطق الضعف بقلبها الذي انتفض حين أطلت نظرات الاحتقار من عينيه فنفضت مشاعر الصدمة و الألم جانبًا وقالت بغضب
" أنا حرة. ملكش الحق تسألني عن اي حاجه. "
قاطعها صوت «عمار» المخيف حين قال
" ليا الحق اسألك و أكسر دماغك كمان.."
ناطحته ضاربة بكل شئ عرض الحائط
" بأمارة اى؟ تكسر دماغي ليه؟ الكلام دا تقوله لما تكون مسئول عني أو في يوم من الأيام شلت همي أو خففت حملي! لانت ولا اي حد في البيت دا كله يملك الحق أنه يكلمني ولا حتي يسألني. انا طول عمري شايله كل حاجه و سانده الكل في وقت ما كنت بتتمتع انت بأراضينا كنت انا بجرى هنا و هنا و اشتغل عند دا و عند دا عشان اصرف علي امي العيانه و من بعدها ابويا.. ابويا اللي طفش منكوا ومن ظلمكوا.. لحد ما مات و بردو مشوفتش حد منكوا. اتخليت عن حلمي و سبت جامعتي و نسيت نفسي وبقيت زي الآلة الي كل وظيفتها انها تدي و متاخدش. ملقتش مرة حد منكوا اميل عليه ملقتش مرة كتف يسندني لما كنت بقع! عشان كدا بقولك ملكش حق تقولي اي حاجه ولا تسألني عن اي حاجه!"
أصاب حديثها منتصف قلب «عمار» الذي كان يعلم مقدار صدقه ولكنه كان يقف مكبلًا أمام أوامر جده الصارمة و التي لم تتزعزع سوي بعد أن علم بموت ولده ولكن كان الأوان قد فات.
" بتشيلينا شيلة مش شيلتنا ليه يا فرح.. محدش فينا كان يملك حاچة في نفسه. و أنتِ عارفه اننا كنا بندوروا عليكوا في كل مكان. لحد ما ياسين جدر يوصلكوا. و حتي لو احنا أكده ده مش مبرر لغلطك. بينك و بين ابن الوزان اي عشان تجفي جدامه و يدك اف يده بالشكل دا؟"
برقت عينيها حتى ان خضارها أصبح مشعًا حين أضاء الهاتف و وضعه نُصب عينيها لتجد صورتهما اليوم وهو يسكب اعترافه الرائع بالحب علي مسامعها فازدادت ضربات قلبها بشكل كبير وهي تفرق عينيها بينه وبين الهاتف حتى جف ريقها ولكنها لم تعتاد علي الانحناء أو الضعف فرفعت انظارها وهي تقول بجمود قاس كعينيها في تلك اللحظة
" بتراقبني يا عمار! طب كنت أطلع قدامنا و أسألنا واجهنا سوي بدل ما تصورنا عشان تيجي هنا تستفرد بيا و تمارس القهر عليا."
«عمار» بغضب ارعدها
" اخرسي و اجفلي خشمك يا فرح عشان صبرى عليكِ جرب يخلوص. اني لو كنت هناك كنت سيحت دم ابن الوزان جدام عنيكِ . من اللول وهو حكايته خالصه معاي. لكن الي مانعني عنه چدك."
تقاذفت دقات قلبها رعبًا حين سمعت حديثه و مقدار الأذى الذي قد يطاله علي يد من لا يعرفون الرحمة فصرخت غاضبة متألمه كحال قلبها
" ابن الوزان الي عايز تخلص عليه دا هو الي لم لحمكوا و حافظ علينا و علي كرامتنا و رحمنا من ألسنة الناس وعيونهم. الي انت زعلان اني واقفه معاه دا هو الوحيد الي وقف جنبي وجنب جنة في محنتنا. هو الي لحق جنة لما كانت عايزة تجهض محمود وخلى سليم يتبرع لها بدمه عشان تعيش. الي عايز تقتله دا مداينك بكتير اوى.."
هكذا صرخت بقهر نابع من قلبها الذي يتلوى من فرط الخوف علي مالكه ولكنها لم تحسب حساب لذلك الصوت القوى الذي أتي من خلفها فجمدها بمكانها
" كنك نسيتي أن الكلب اخوه هو الي عِمل عملته الوسخة مع بتنا يا فرح. "
كان لصوت «عبد الحميد» رهبة كبيرة داخل قلبها فللآن هي لم تقترب منه علي عكس «جنة» التي كانت تشعر تجاهه بشعور عميق من الارتياح و الأمان معًا. ولكنها تجاهلت رهبتها و هيبته التي طغت على المكان حولهم وقالت بنبرة اهدأ
" لا منسيتش . لكن هو عمل المستحيل عشان يصلح غلط هو مالوش يد فيه صاحب الغلط مات و حسابه عند ربنا وان جينا للحق أي حد في مكان سالم ممكن كان يقول وانا مالي و يدينا ضهره و خصوصًا أن ورث حازم كبير."
خطت بحديثها إلى منطقة ألغام تفجرت بعيون «عمار» الذي فطن الي ما ترميه و ما أن أوشك علي الحديث حتي أوقفته كلمات «عبد الحميد» الغاضبة حين شاهد تلك الأصابع المطبوعة علي وجنتها
" مين الي عِمل فيكِ أكده؟"
فطنت إلى ما يرمي و غزا قلبها احساس مفاجئ بالضعف و الألم و لأول مرة تشعر بالإشفاق علي حالها لتلك الدرجة و انفلتت عبراتها علي وجنتيها تحكي مقدار ألمها الذي نفته نبرتها حين قالت بجمود
" مفيش حاجه.."
ولكن أتي صوت غاضب من خلفها كان يشاهد كل شئ من شرفة أحد الغرف
" لا في . و عمار الي ضربها يا جدى.."
كان هذا صوت «جنة» الغاضب والتي كانت تشاهد ما يحدث من الاعلى فهرولت للدفاع عن شقيقتها فإذا بها تجد «عبد الحميد» الذي غضب من حديث «جنة» و التفت إلي «عمار» قائلا بنبرة مرعبة
" الكلام ده صوح يا عمار ؟ انت مديت يدك علي بت عمك؟"
لم يهتز و ظلت ملامحه علي حالها و خرجت نبرته جامدة ثابتة حين اجابه
" ايوا صح "
برقت عيني «عبد الحميد» من إجابة «عمار» وصرخ هادرًا بعنف
" كنك اتچنيت ازاي تعمل أكده ؟ دلوق تخبرني ايه الي خلاك تمد يدك عليها ؟"
دب الزعر بقلبها فهي إن كانت وقفت أمام «عمار» الند بالند حتمًا لن تستطيع أن تفعل ذلك مع جدها فهي تهابه كثيرًا و قد أيقنت في تلك اللحظة بأنها هالكة حالما رأت «عمار» ينظر إليها بغضب كبير و لكن سرعان ما تحولت نظراته إلي جده وهو يقول بنبرة ثابتة
" مانتا سامع يا چدي طويلة لسانها و حديتها الماسخ.. فرح نسيت أن ليها رچاله و چه الوجت اللي تعرف ده و تعرف كمان ان اي غلط مش مسموح بيه.."
قال جملته الأخيرة وهو ينظر إليها بنظرات ذات مغزى ففطنت إلى ما يقصده واحتارت هل تشكره أم تغضب منه ولكنها تفاجئت من جدها الذي قال بقسوة
" الحديت دا يمشي عليك وعليها اللي عملته غلط و يدك لو اتمدت عليها تاني هجطعهالك. "
اغتاظ «عمار» من حديثه فصاح غاضبًا
" وه . من ميتا يا چدي الحديت ده؟ "
«عبد الحميد» بصرامة
" من دلوق .. و قسمًا عظمًا لو اتكررت تاني هعيد النظر في موضوع چوازك منيها فاهم ولا لاه؟"
فجأة تجمدت الدماء بأوردتها و شعرت و كأن مطرقة قويه سقطت فوق رأسها حين سمعت جمله «عبد الحميد» الأخيرة فتدلي فكها من فرط الصدمة و كذلك «جنة» التي اقتربت أكثر من جدها و قالت بنبرة ضائعة
" جدي هو حضرتك قولت ايه؟ جواز مين ؟"
زفر «عبد الحميد» بغضب و وجه أنظاره ل«فرح» وهو يقول بصرامة
" چواز فرح وعمار.. "
تداركت صدمتها التي تحولت لدهشة كبيرة جعلتها تبتسم بسخرية تجلت في نبرتها حين قالت
" نعم!! فرح مين دي الي هتتجوز عمار؟ هو في حد تاني هنا في البيت اسمه فرح؟"
تغاضى «عبد الحميد» عن سخريتها وقال بثبات
" لاه مفيش حد تاني اسمه فرح غيرك. "
تحولت جميع مشاعرها الي شعور مقيت من الألم و الشفقة علي حالها فهي للمرة التي لا تعرف عددها تكن كبش الفداء و الأضحية لمن حولها فخرج صوتها مبحوحًا حين قالت
" قولي انك بتكذب عليا! قولي انك مش هتجبرني اعمل اللي ابويا رفضه و هرب منه زمان.. ولا خلاص ابويا مات و محدش هيقدر يقف قصادك"
قالت جملتها الأخيرة بنبرة حادة و صوت عالي نسبيًا فـ انكمشت ملامح عبد الحميد غضبًا ولكنه تحكم بنفسه إلا من نبرة صوته التي خرجت قاسية بعض الشئ حين قال
" همرجلك صوتك اللي علي دلوق عشان عارف انك مصدومه ومش في وعيك لكن بعد كدا هتتحاسبي يا فرح. خدي وجتك و فكري زين في الي سمعتيه و بعدين نتحدت.."
سقطت كلماته كالجمرات علي قلبها المشتعل بنيران القهر و الألم فلم تكد تجيبه حين ألتفت ناظرًا إلى «عمار» قائلًا بقسوة
" جهز حالك هنطلعو علي المستشفي نشوف عمك اللول و بعدين نطلعو علي جصر الوزان خلونا نخلوص من الحكاية دي .."
انهى كلماته و اندفع إلى وجهته وخلفه «عمار» تاركين «فرح» التي لأول مرة في حياتها يغزوها كل هذا الضعف فلم تتحمل ما يحدث و سقطت تفترش الأرض بدموعها قبل جسدها فهرولت «جنة» تجاهها تحتضنها بقوة وهي تردد بألم
" اهدي يا فرح . كل حاجه هتبقى كويسه. والله كل حاجه كويسه متقلقيش.."
غمرها الحزن للحد الذي عزلها عن كل شئ حولها فاخذت عبراتها تنهمر تسقي العشب المحتضن جسدها المرتجف الذي توسط تلك الحديقة المليئة بالزهور الجميلة التي كانت هي أجملهم و على قدر جمالها كان حزنها فصدق من قال مثلما هناك زهور بلا رائحة هناك أيضًا جميلات بلا حظ. و قد كانت هي على رأسهن .
*****************
كانت تدور بغرفتها كـ ضائع ضل طريقه في هذه الحياة و بوصلته الوحيدة مُلطخه بدمائه التي كلما رآها تتجدد جراحه من جديد ليجد نفسه يقف أمام مفترق طرق دُون على لافتة إحداهما العذاب والآخر الضياع و القلب مُمزق عاجز كليًا على خوض رحلة العذاب حتى ولو كان نهايتها راحته و مرتعب من أن يجرفه عجزه في طريق يظل شريدًا به طوال حياته فالأول مؤلم و الثاني مميت و البقاء بالمنتصف معاناة تعجز الكلمات عن وصفها كما تعجز هي الآن عن مساعدة شقيقتها التي لطالما أحرقت نفسها من أجلها.
الأفكار تطن برأسها كالذباب و عقلها يكاد ينفجر من شدة الضغط الواقع عليها ناهيك عن ألم ينخر بقلبها وخاصةً حين تذكرت ما حدث بينهم اليوم بعد موعد الطبيب
عودة لما قبل بضع ساعات
كانت تجلس في المقهى وهي تتذكر حديث الطبيب الذي لم يريح قلبها فقد شعرت بأنه يخفي الكثير أو لنقل بأن قلبها اعتاد علي الخداع فلم يعد يري الصدق أو يصدقه فكل من حولها خدعها بطريقه أو بأخرى و كانت آخرها عن حقيقة مرضها الذي كذب به الجميع لولا أنها بحثت علي مواقع البحث الإلكتروني و علمت هويته ولم يكن ليخبرها أحد بهذا لم تصدق كل ما قيل اليوم و قد قررت أنها ستذهب بمفردها إلى أحد الأطباء لمعرفة ماذا يدور بداخلها و إن كان هذا المرض سيجهز عليها فستكون أكثر من شاكرة له
" نفسي ادخل جوا دماغك الحلوة دي و اعرف بتفكري في اي؟"
هذا كان صوت «سليم» الذي كان يتابع انفعالات وجهها و تبدل نظراتها و حتي رفرفة رموشها فقد كان كرسام بارع يريد حفظ أدق التفاصيل لـ مشهد بديع نادر الوجود كي يدونه علي أوراقه بريشة عاشقه تهوى رسم كل ما هو جميل كـ ملامحها و عينيها و حتي حزنها الفاتن
" بفكر انك لو حليت عني هترتاح و تريحني .."
كانت غاضبة و تريد أن تخرج ما بجوفها اما علي هيئة عَبرات أو عِبارات تعرف طريقها الي صدر أحدهم والذي كان يتسع لها أكثر مما تتخيل
" ياريت ينفع. بس للأسف انا قدرك الأسود و أنتِ قدرى الجميل.."
منذ زمن لم يتغزل أحد بها و خاصة إن كان يملك عينين مشتعلة دائمًا حتي بدت كقرص شمسى متوهج يبعث دفئًا غريبًا علي قلب غلفه الصقيع الذي تجلى في نبرتها حين قالت
" هقولك علي معلومة صغيرة . انا محولش حياتي لجحيم غير اني صدقت كلمتين حلوين زي دول في يوم من الايام. فخليك متأكد اني حتي لو شفتي اسمي محفور في قلبك بعيني هكذبها.."
نجحت في إثارة شتى انواع الشعور بداخله من غضب و ألم و حزن و غيرة و أخيرًا شفقه علي ما آل إليه حالها فهذه هي النتيجه الحتميه للخذلان. شخص مضطرب خائف أعلن قلبه العصيان و ألحدت روحه بكل معاني الوفاء و اختلت موازين الثقة بعينه حتي بدت كلمة واهية ليس لها معني..
" عندك حق في كل كلمه قولتيها. انا كمان بحييكِ انك صريحه. و بتقولي اللى جواكِ بس ياريت تفضلي كدا علي طول ."
انكمشت ملامحها بحيرة وقالت باستفهام
" تقصد اي؟"
" عايزك دايما تقوليلي اللي في قلبك . حتي لو هيجرحني! انا قابل. توعديني "
بنبرة يشوبها الذهول
"لما اعرف الاول ليه؟"
بعينين ارتسمت فيهم الإصرار و العشق معًا و نبرة تحمل قوة منبعها قلب يعرف وجهته تمامًا انسابت الحروف من بين شفتيه
" عشان واثق أن قلبك مش هيطيب غير معايا لو سيبتيني اسقيه من حبي الشوك اللي مغروس جواه هيطرح ورد. كل وردة منهم عليها اسمي. اسم سليم. بس وقتها تيجي تقوليلي. اتفقنا؟"
نجح وبجدارة في زلزلة جميع حواسها و اخترقت كلماته شئ ما بأعماق قلبها الذي تصدعت تربته من فرط الألم و اصبحت مرتعًا للصبار الذي كانت أشواكه تنغز بداخلها بدون رحمة و كأنه كان يراها من الداخل بوضوح ولكنها و بالرغم من حلاوة كلماته أصبحت شخص مصاب بداء الحذر يتحسس من الوعود التي في العادة تكن عبارة عن خيبات مؤجلة
" مش مضطرة اوعدك بحاجة و لا اتفق معاك علي حاجه و كل اللي قولته دا حلو اوي و جميل بس محركش شئ جوايا. عشان كله كلام و وعود وانا مضيعنيش غير اني صدقتهم قبل كدا. "
بنبرة فظة خاطبها
" بلاش تبقي جبانة يا جنة .. انا مابكرهش في حياتي قدهم.."
تشدقت ساخرة
" يبقي من النهاردة اعتبرني منهم و اكرهني.."
«سليم» بجفاء
" القلب معليهوش سلطان.."
" والعقل راح فين؟"
لوى فمه وأجاب بامتعاض
" معدش في ايده حيلة.. "
لأول مرة تبتسم علي مظهره و الامتعاض الباد علي محياه فلفتت قلبه بسمتها مما جعله يقول بعبث
" كدا خدت اللي أنا عايزه خلاص ."
انكمشت ملامحها بحيرة تجلت في نبرتها حين قالت
" يعني ايه مفهمتش ؟"
«سليم »بمزاح قلما يظهر عليه
" استنادًا على مقولة عمرو دياب ضحكت يعني قلبها مال يبقي خلاص انا كده في السليم.."
حاولت بصعوبة قمع ابتسامتها التي كانت تجاهد للإفلات من بين شفتيها التي زمتهم بغضب مفتعل تجلي في نبرتها حين قالت
" دمك مش خفيف فياريت متهزرش تاني.."
كان يود لو يقهقه بقوة علي حديثها ولكنها اكتفي بتكشيرة مفتعلة ظهرت علي ملامحه و احتدت نبرته حين قال
" معلش مجبرة تتحمليني. نصيبك بقي هتعملي ايه؟"
" عايزة امشي.."
" اوعديني.."
زفرت بغضب و برقت عينيها من ثباته و نبرته الحادة التي تنافي نظراته الصافية فالتفتت إلي الجهة الأخرى تنوي اللجوء إلي خصام طفولي معه مما جعله يقول بتهكم
" فعلًا ربنا يكفينا شر حركات العيال الصغيرة لما تيجي من ناس كبيرة.."
التفتت بغضب فوجدته ينظر أمامه بلامبالاة فهبت من مكانها وقد نجح في إثارة غضبها بحق فقالت بتحدي كبير
" تمام يا سليم يا وزان. موافقة.. اوعدك.. و خلينا نشوف نفس مين اطول.."
وصل إلى مبتغاه معها فلانت ملامحه و تعمقت نظراته التي كانت تحاصرها بعناق لم تطاله ذراعيه و اشتهاه قلبه كثيرًا و قد نجحت عينيه في إيصال شعوره إليها بشكل كبير فشعرت برجفة قوية تضرب عمودها الفقري و خاصةً حين رأته يقف أمامها بشموخ ناصبًا عوده الفارع و عينيه مازالت تحاصرها بنظرات عاشقة تنافت مع كلماته حين باغتها قائلًا
" هو ليه البنات بيحبوا الهري الكتير؟"
كلماته أسقطت فاهها من شدة الصدمة فخرجت الكلام منها مذهولًا
" نعم!!"
لوى فمه ساخرًا وهو يعبث بهاتفه قائلًا
" لا متاخديش في بالك.. "
" حيوان.."
هكذا تحدثت بعدما عادت بذاكرتها إلى الوقت الحالي فهذا الرجل يثير حنقها و غضبها بشكل كبير و لهذا عدلت من خطتها في الإتصال به و قامت بإجراء مكالمة أخرى وأخذت تنتظر حتي جاءها الرد من الطرف الآخر
" اهلًا يا جلابة المصايب.."
«جنة» بغضب
" والله انا ما شفت المصايب غير لما عرفتكوا"
قهقه «مروان» بخفة علي حديثها قائلًا
" أنتِ واحدة الفقر و النحس بيجروا وراكِ وماضيين معاكِ عقد هتجبيها فينا.."
«جنة» بحسرة
" لا في دي عندك حق.. المهم كنت عايزة منك خدمة"
«مروان» بتهكم
" استر ياللي بتستر. خير عايزة تقلعي عيني التانيه ولا حاجه ؟"
نجح في جعلها تتجاوب معه في المزاح فابتسمت حين تذكرت مشهده و تلك اللكمة التي طالت عينه اليسرى فجعلتها زرقاء قاتمة فكان مظهره مثيرًا للضحك فلم تتمالك نفسها إذ خرجت منها قهقهه ناعمة جعلته يقول بعبث
" شوف ياخي الضحكة الي تجيب ارتجاج في النافوخ دي. وانا اقول الواد سليم البغل دا وقع علي بوزه ازاي. بقولك أنتِ ضحكتي قدامه الضحكه دي قبل كدا ؟"
«جنة» بانفعال لم تستطيع التحكم به
" لا طبعًا هو انا بطيق اتكلم معاه اصلًا عشان اضحكله.."
«مروان» بعبث
" حلو عشان اغيظه براحتي.."
«جنة» بنفاذ صبر
" بقولك اي هتسمعني ولا اقفل مش عايزة من وشك حاجه.."
«مروان» بجدية
" عيب عليكِ دا سؤال بردو. اتنيلي اطلبي .."
شرعت «جنة» تسرد له ما تريده منه وما أن أنهت كلماتها حتي قال «مروان» بحماس
" أوبا دي كدا ولعت عالآخر.."
«جنة» بتوسل
" مروان انا طلبت منك الطلب دا عشان واثقه فيك "
«مروان» بمزاح
" يازين ما اخترتي.."
«جنة» بتأفف
" مروااان"
«مروان» بجدية
" عيب عليكِ خلصانه بعمود خرسانه.. هو انا اقدر اتأخر ع القمر بردو؟"
قال جملته الأخيرة بعبث استوقف «سليم» الذي كان يمر من أمام الغرف فوجد ذلك الذي يقف مرتكزًا علي سور الدرج اقترب منه حين سمع جملته الأخيرة فاستفهم قائلا بخشونة
" بتكلم مين يا مروان؟"
«مروان» بصراحة فجة
" بكلم مراتك .."
لم يكد ينهي جملته حتي اسكتته لكمه قوية من يد «سليم» الذي لم يتمالك نفسه فكانت من نصيب عينيه اليمنى مما جعله يصرخ قائلًا
" اااه.. عينااي .."
وعلى الطرف الآخر كانت لا تزال «جنة» تستمع إلى ما يحدث وحين سمعت صراخه خرجت شهقة قوية من جوفها اتبعتها القول بصدمة
" يالهوي طير عينه التانيه.."
ولكن فاجأها صوته القوي حين قال غاضبًا
" خايفه علي عينه اوي يا ست هانم… وحياة امي لهضيعله مستقبله.. بيقولك يا قمر وسكتالو. شاطرة تهبي فيا كل ما اجي اتكلم معاكِ.."
فجأة سمع صوت انقطاع الخط فلم تتحمل صراخه المزعج و أرادت ازعاجه أكثر و قد نجحت في ذلك فقام بالنظر حوله للبحث عن مروان ليكمل إفراغ شحنات غضبه به فلم يجده و جاءه نداء سالم ليتبعه إلى المكتب فتوجه خلفه وما أن دخل حتي أغلق الباب ليصدمه صوت شقيقه الغاضب
" انت بعت الايميلات دي امتى؟"
دار «سليم» حول المكتب ناظرها إلى شاشة الحاسوب لدقائق وانكمشت ملامحه بحيرة تجلت في نبرته حين قال
" انا مبعتش حاجه من دي؟ "
رفع «سالم» إحدي حاجبيه باستنكار تجلي في نبرته حين قال
" نعم ! هو اي الي مبعتش حاجه؟ الحاجات دي مبعوته من ايميل الشركه و دا مش مع حد غيري انا وانت."
أجاب مؤكدًا
" يا سالم قولتلك مبعتش حاجه اكيد مش هعمل حاجه زي دي من وراك. من امتى و حد فينا بيتصرف لوحده من غير رأي التاني و خصوصًا لو في صفقات بملايين!"
زفر «سالم» الهواء المكبوت بصدره دفعة واحدة فقد كانت الأسئله تطن برأسه كالذباب و كلها تتمحور حول هوية ذلك الشخص الذي قام بفعل هذا. و فجأة وهو بخضم تساؤلاته تفاجئ ب«شيرين» التي أطلت برأسها من باب المكتب وهي تقول بجدية
" كنت عايزة اتكلم معاك ضروري.."
****************
جاء المساء و كان الجو مشحونًا بالتوتر والغضب من جانب «حلا» التي ما أن سمعت بحضوره مع عائلته في الأسفل حتي اختلطت مشاعرها داخل قلبها الذي كان ممتلئ بعشق جارف له يضاهيه غضب هائل منه و قد كان هذا المزيج يشكل شعورًا مؤلمًا لا يتحمله قلبها الصغير الذي أخذ يدق بعنف خاصةً حين نادتها والدتها لتحضر المشروب الذي كلما حاولت حمله حتي شعرت بيدها ترتجف تكاد تسقطه فأتاها غوثها في صوت «مروان» الذي تقدم بوجه كـ لوحه من الألوان المختلطة و ملامح تخفيها الكدمات ولكن لم يستطيع شئ النيل من لسانه السليط حين قال ممازحًا
" السندريلا بتاعتنا عاملة ايه؟ أمير الغبرة قاعد بره .."
التفتت تناظره بخوف حقيقي لا تعرف كنهه تجلي في ملامحها المرتجفة و نبرتها حين قالت
" مروان .. جيت في وقتك .. انا خايفة اوى اطلع بره.."
شعر بما يدور بداخلها فاقترب منها قائلًا بمزاح
" بصراحة شلة المستذئبين الي بره دي تخوف بس متخافيش الوحش بتاعنا قاعد متربص لهم بره اللي هيغلط هيتشلفط .. أيده بتاكله .."
زاد من خوفها فقالت بذعر
" حرام عليك انت بتخوفني اكثر .."
«مروان» بحدة
" خايفه من ايه يا عبيطة أنتِ دا احنا ناكلهم صاحيين و بعدين دا الايلاينر الجديد عامل شغل. دانتِ قمر تطلعي كده تتفردي و تبصيلهم بقرف ولا يهمك. وراكِ رجاله ياما فوقي.."
كانت كلماته مبعثرة ولكنها رسمت ابتسامه جميلة علي شفتيها فاقترب يربت بحنان علي كتفها قائلًا
" اوعي تخافِ و احنا موجودين كلنا هنا رهن اشارتك و الي أنتِ عيزاه هيحصل لو علي رقبة الكل.. "
هدأت قليلًا و اومأت برأسها فقام هو بحمل صنيه المشروبات قائلًا بحماس
" Follow me (اتبعني)"
ابتسمت وسارت خلفه و قبل أن تصل إلي مكان جلوسهم توقف يناولها الصينية و هو يقول بتحفيز
" عايز ثقة بالنفس ولا يهزك اي حد و خصوصًا البغل ابو ايد عايزة كسرها الي اسمه ياسين دا . تضحكي لكل الناس و اول ما تقربي عليه تزغريله بطرف عينك كدا عشان ميفكرش انك صيدة سهله. و يعرف ان الي جاي مرار عليه وعلي الي خلفوه.."
«حلا» بحيرة
" انت شايف كده ؟"
«مروان» بتأكيد
" اسمعي مني . احنا الرجاله مبنجيش غير بالسك علي دماغنا.."
أحكمت امساك الصينية و توجهت للداخل و خلفها «مروان» الذي كان يناظر كلًا من «عمار» و «ياسين» باستفزاز و خاصةً و هو يسير خلف «حلا» التي فعلت مثلما اخبرها تمامًا فتعاملت بأدب و نظرات احترام للجميع ما عداه فقد توجهت تناوله الكوب الخاص به ارفقته بنظرة تحدي يغلفها جمود أغضبه كثيرًا و خاصةً حين توجهت تجلس بين والدتها و «مروان» الذي ابتسم ساخرًا فأقسم «ياسين» علي تحطيم فكه ولكن في وقت لاحق فلينتهي من هذه الجلسة الثقيلة علي قلبه ..
" سالم بيه بجول ندخلوا في الچد و اللي چايين عشانه.. احنا چايين نطلوب يد حلا بتكوا للدكتور ياسين حفيدي ايه جولك؟"
بوجه جامد و ملامح مكفهرة أجابه «سالم»
" رأيي انت عارفه. لكن ما باليد حيلة الرأي لصاحبة الشأن و هي موافقه.."
«عبد الحميد» بارتياح
" يبجي نجروا الفاتحه.."
وبالفعل قرأ الجميع الفاتحة وما أن انتهوا حتي أردف عبد الحميد
" طبعًا مش محتاچ اجولك ان كل طلباتكوا مچابه."
كانت وجوههم لا توحي بأي فرحة فالجميع كانت ملامحهم مغبرة و نظراتهم حانقه فتدخلت «أمينة» في محاولة لتلطيف الأجواء
"طلبات ايه احنا مبنتكلمش في الحاجات دي العروسه عروستكوا يا حاج عبد الحميد.. "
اجابتها «تهاني» بود
" كلك ذوق يا حاچه امينه والله .. لكن عروستنا مش اي حد ايوا امال اي ديه تتاجل بالدهب.."
ابتسمت «أمينة» لتلك السيدة الودودة وقالت بذوق
" تعيشي يا أم ياسين.."
تابعت «أمينة» موجهه حديثها لـ «عبد الحميد»
" بعد اذن سالم طبعًا عايزين نحدد معاد معاك عشان نيجي نطلب جنة منكوا.."
لحظه صمت بها الجميع و توجهت الأعين علي تلك التي تجلس صامته منذ بدء تلك الجلسة محتضنه طفلًا لم يلق منها نظرة حنان واحده تهرب منه بقدر ما تريد الهرب من قدرها المظلم ولكنها تفاجئت من حديث «أمينة» التي تابعت بفخر
" حلا بقت عروستكوا و جنة بردو عروستنا و أحب أنها تاخد حقها بردو اومال؟ هو انتوا أحسن مننا ولا اي؟"
قالت جملتها الأخيرة بمزاح جعل البسمة ترتسم علي وجه «عبد الحميد» الذي قال بنبرة وقورة
" لاه طبعًا دانتوا احسن ناس يا حاچه و اني عن نفسي مستنيكوا في الوجت اللي تحددوه"
لأول مرة تتجاهل نظرات «سالم» التحذيرية وقالت
" أن شاء الله نحدد الميعاد و سالم يكلمكوا و ياريت نعجل بالفرح انا مش هقدر جنة تبعد عني هي و محمود اكتر من كدا"
قالت جملتها الأخيرة برجاء خافت مما جعل «سالم» يناظرها بغضب تنافي مع ذهول «سليم» و الجميع فاستغلت «همت» الأمر وقالت بخبث
" يالهوي يا أمينة فرح قبل سنويه حازم . دي الناس تاكول وشنا.."
التفتت الأعين علي صاحبه الصوت الرفيع و الملامح التي لونها الخبث فلو كانت النظرات تقتل لخرت صريعة في الحال و لكن أتي صوت «عبد الحميد» الذي تجاهل حديثها و غضبه قائلًا بصوت جهوري
" واني مش هردلك كلمه يا حاچه . يبجي الفرح الشهر الچاي و بدل ما يبجي فرح واحد يبجوا تنين سليم و چنة و ياسين وحلا ايه جولك؟"
كان هناك تضارب كبير في المشاعر التي تعج بها تلك الجلسة فكان الغضب و التوعد متبادل بين «حلا» و «ياسين» الذي يحاول تهدئه غضبه بشتي الطرق و كان الحزن و الألم متبادل بين «سليم» و «جنة» التي وقع اسمه «حازم» على قلبها بسكين الخزي الذي يسيطر علي ملامحها في تلك اللحظة علي الرغم من كل تلك الجهود المبذولة في تحسين صورة ما حدث. و كان الجانب الأكبر من المشاعر يعود لـ «عمار» الصامت منذ البدايه ولكنه كان غاضب حد الجحيم يوازي غضبه غصب «سالم» الذي أقسم علي وضع كل شخص في مكانه الصحيح بعد انتهاء تلك الجلسة التي كان غيابها عنها يزيد من نيران غضبه المستعر ولكنه أخيرًا تجاوز عم كل ما يعتمل بداخله وقال بنبرة خشنة
" خلي تحديد المواعيد دا لحد ما نيجي آخر الأسبوع عشان نطلب جنة."
تدخل «عمار» الذي كان هناك نظرات ساخرة مرتسمه علي ملامحه
" اني بجول أكده بردو . يمكن الفرح يزيد ولا حاچه"
التمعت عيني «سالم» بالشر حين سمع كلمات ذلك الذئب الماكر الذي لا يلقي بالكلام جذافًا ولكن جاء صوت والدته التي قالت بود
" كدا نبقي متفقين .. يالا عشان العشاء جاهز "
تدخل «عمار» بفظاظة
" مالوش لزوم يا حاچة احنا خلصنا اللي چيين عشانه"
«امينة» بعتب
" ايه يا عمار انت بخيل ولا اي ؟ دول بيقولوا أن الصعايدة أهل الكرم كله وبعدين متقلقش المصاروة بيعرفوا يطبخوا بردو"
تدخلت «تهاني» في محاولة لتصليح الموقف
" بها يا حاچة. دي كل حاچه من يدك زي العسل.."
تحرك الجميع إلى المائدة التي كانت معدة بأشهي المأكولات و كانت «أمينة» خير مضيفه تحاول مراضاة الجميع و حين أنتهي «ياسين» من الطعام التفتت الى «حلا» قائلة
" وصلي دكتور ياسين عشان يغسل ايده يا حلا.."
كانت الثيران الهائجة تحاول بشتي الطرق اخماد غضبها حتي تمر تلك الجلسة علي خير فلم يعلق أحد علي حديث «امينة» و بالفعل توجهت «حلا» الممتعضة أمام «ياسين» دون أن تلتفت حتي و ما أن غادرا غرفه الطعام حتي اوقفتها قبضته الحديدية علي معصمها حين قال بغضب مكتوم
" اقعدي اتعوجي براحتك و زودي في غلطاتك كدا بس اتأكدي أن كله هييجي علي دماغك في الآخر.."
كانت تتألم من قبضته الغير رحيمه ولكنها كتمت ألمها وبعينين اشتعلت بنيران التحدي الذي اصطبغت به نبرتها قالت
" مفتكرش أنى هشوف حاجه اسوء من اني اكون مراتك…"
كانت تتأرجح بحقل ألغام تعلم بأنها ستكون أول ضحاياه و قد هالها عينيه التي احتقنت بدماء الغضب الذي تجلي في نبرته حين قال
" لا في .. جوازك منى دي بداية اللعنة يا حلا. و من هنا لحد ما تبقي في بيتي الله في سماه لو شوفتك جمب الواد مروان دا مره تانيه وديني لهكون ضاربه بالنار قدامك. "
" مين جايب سيرتي ؟"
قطع حوارهم الناري قدوم «مروان» و بجانبه «جنة» التي كانت تريد الحديث معه علي انفراد فتفاجئت ب«ياسين» يقف مع «حلا» و عينينه تقطران غضبًا حين ألتفت ناظرا الي «مروان» ولكن جاءت كلمات «حلا» لتشتيت انتباهه
" الحمام يا دكتور ياسين.."
ابتلع غضبه الحارق و توجه إلي المرحاض تاركًا الجميع خلفه فتوجهت «حلا» إلي «جنة» بأقدام مثقلة باعتذار كبير لا تعرف كيف تصيغه و لكنها حاولت قدر الإمكان حين قالت بنبرة مهتزة
" معرفش إذا كان كلامي دا هيفرق معاكِ أو لا بس انا حقيقي بعتذرلك علي كل كلمه قولتها ضايقتك..انا.."
قاطعها حديث «جنة» التي لم تكن في حاجه لسماع اعتذارات لن تفلح في إخماد جراحها فقالت بجمود
" مش هيفرق يا حلا.. اعتذارك مش هيغير حاجه يبقي مالوش لازمة وفريه انا مش محتجاه.."
شعرت بسيل من العبرات يتدفق من مقلتيها فخرج صوتها مهتزًا حين قالت
" بس انا محتاجه أقوله.. انا فعلًا اسفة.. يمكن شيفاني وحشة بس انا مش كدا. "
«جنة» بجفاء
" عارفه انك مش وحشة. الوحشين مبيعتذروش.. الموضوع خلص مش مستاهل الكلام فيه.. انسي.."
كانت تعلم بأنها فتاة صالحه ولكن شوهها الوجع ولهذا لم تريد أن ينتهي الأمر هكذا فتابعت قائلة بصدق
" أبية سليم محظوظ بيكِ علي فكرة.. وانا حقيقي فرحانة انكوا اتجوزتوا.."
لا تعلم لما شعرت بدقات قلبها تتقاذف بداخلها لدى سماعها اسمه ولكنها حاولت ألا تتأثر فرسمت ابتسامة بسيطه علي محياها ردًا علي مجاملتها اللطيفة فجاء صوت «مروان» الذي يتابع ما يحدث في صمت
" يالا بقي احضنوا بعض.."
برقت عينا الفتاتين. هما ينظران إليه فتابع بجديه
" ايه اتخشبتوا كدا ليه؟ ما تحضنوا بعض. مش اتصالحتوا و صافية لبن حليب يا قشطه مستنيين ايه يالا يا لبن يالا يا قشطه احضنوا بعض"
قال جملته الأخيرة و هو يضع يديه علي كتف الفتاتين بقربهما من بعض وسط ذهول متبادل بينهما فتبادلا عناق كان غريبًا من نوعه فصدح صوته المتأثر خلفهم
" يااه يا ولاد هتخلوا الدمعه تفر من عيني.. "
ثم أطلق زفرة قوية قبل أن يقول بعبث
" يالا ربنا يقدرنا علي فعل الخير.."
ما أن أنهى جملته حتي التقمت عينيه تلك التي كانت تقف بعيد تشاهد ما يحدث بعينين تغلفهما طبقه من العبرات التي لم تستطع السيطرة عليه فتراجعت للخلف مهرولة الي غرفتها فلم يستطع «مروان» سوي اللحاق بها فترك الفتاتين تنظران في أثره بصدمه سرعان ما تحولت لقهقهات عالية وصلت إلي مسامع افعي تلونت بلون الحنان الذي تجلي في نبرتها وهي تقترب منهم قائلة
" العرايس الحلوين بتوعنا واقفين يضحكوا علي اي كدا؟"
التفتت «حلا» تنظر إلي «شيرين» بابتسامه ثم قالت تعرفها علي« جنة »
" تعالي يا شيري.. تقريبا أنتِ لسه متعرفتيش علي جنة.. بصي يا جنة دي شيرين اخت سما بنت عمتو همت .."
لم ترتح لها «جنة» أبدا منذ اللقاء الأول لهذا حيتها بتحفظ
" اهلا بيكِ"
لدهشتها اقتربت «شيرين» تعانقها وهي تقول بود
" اهلا يا روحي.. و ألف ألف مبروك.."
اومأت «جنة »برأسها و بابتسامه باهته اجابتها
" الف مبروك .."
التفتت «شيرين» تنظر إلي «حلا» وهي تقول باستفهام
" بقولك يا حلا اومال ريتال فين عايزة اوريها صور عيد ميلادها بعد ما ظبطها"
" معرفش تقريبا كانت في المطبخ . "
هكذا أجابت «حلا» فناولتها «شيرين» الكاميرا التي كانت تمسك بها وهي تقول
" طب خدي شوفي الصور وانا هروح اناديلها "
اومأت «حلا» و أخذت منها الكاميرا و نظرت إلي «جنة» الصامتة فقالت بحرج
" ما تيجي نقعد بره في البلكونه و نشوف الصور سوي . كانت حفلة صغنونة بس كانت قمر اوي.."
لم ترد «جنة» احراجها فوافقت و توجهت معها الي الشرفة وقامت «حلا» بتشغيل الكاميرا لتعرض بعض صور «ريتال» الممسكة بقالب الحلوى و بجانبها «مروان» الملطخه ملامحه بفعل ذلك الشجار العنيف فأخذت الفتاتين تقهقه علي مظهرهما و خاصةً تلك الفيديوهات التي كانت مضحكه كثيرًا وفجأة ظهر فيديو ل«سليم» يقف مع «مروة» وهو يصرخ بعنف ارتجف له قلب «جنة» التي أخذت تشاهده كيف كان يعاملها و مدى انهيار الفتاة ففغرت فاهها من فرط الصدمة هل كان علي علاقة مع تلك الفتاة ولكن تحولت صدمتها إلى ألم كبير حين شاهدت ما حدث كيف يكون قاسيا بتلك الدرجة كيف تظلم عينيه هكذا أمام شخص كان يعشقه يومًا و لوهلة تذكرت «حازم» الذي شاهدت بعينيها كيف تبدل قناعه الرائع في بداية علاقتهم بآخر مريع بعد ما حدث فهبت من مكانها حين أدركت أن الأخوين يشبهان بعضهما كثيرًا ولكنها أبدًا لن تكون في هذا الموقف مرة ثانية. فهرولت الي الداخل و لم تبالي لنداءات «حلا» التي صدمها ما حدث ولو كانت علي علم بوجود هذا الفيديو لم تكن لتعرضه أمامها أبدًا
***************
كانت تهرول الى غرفة الجلوس فتفاجئت بـ «سليم» الذي كان يتوجه الي الخارج يسبقه قلبه يريد الحديث معها ولكنها ما أن رأته حتي تراجعت خطوتين إلى الخلف بذعر مما جعل الصدمة ترتسم على محياه و ما أن أوشك علي الحديث حتي تفاجأ حين غادرته وهرولت الي الداخل و قد كان وجهها لا يبشر بالخير أبدا…
انتهت الزيارة أخيرًا و مع إغلاق «سليم» الباب خلفهم حتي خرجت شهقة استنكار متبوعه بنبرة ساخرة من «همت» التي قالت
" والله و بكرة هنبقي مهزقة الخلق بعد ما منا أسيادهم.. بكرة يقولوا أرملة الراجل متحملتش و اتجوزت اخوه قبل حتي ما تمر سنه علي وفاة الغلبان"
برقت عينا «سليم» من حديث «همت» المسموم واوشك علي الرد ولكن جاء حديث «أمينة» الغاضب
"اخرسي يا همت و اعرفي ان لسانك الي بينقط سم دا محدش هيقطعهولك غيري.. "
«همت» بسخرية
" تقطعيلي لساني عشان بتكلم في الأصول يا حاجه؟"
اقترب «سالم» من مكانهم وقال بصوت مرعب
" الأصول فايتك منها كتير يا عمتي.. و دا ميلقش بينا أبدا .."
تدخلت «شيرين» بغضب
" مش ملاحظ أن كلامك مُهين يا سالم دي عمتك بردو!"
تدخل «سليم» مجيبًا بدلًا عنه
" الي يدخل في الي مالوش فيه ميجيش يعيط لما يتعلم عليه يا بنت عمتي.."
تحدث «سالم» بفظاظة
" اهو قالك.. عقلى والدتك و فكريها أنها كبرت عالحاجات دي.. "
صرخت «همت» غاضبة
" بتحدفوني لبعض يا ولاد منصور. انا دلوقتي الوحشة عشان خايفه علي شكلنا قدام الناس .. ايه قوام نسيتوا اخوكوا؟ دا دمه لسه مبردش"
صرخت «أمينة» بقهر داخلي خرج علي هيئة نبرة غاضبة
" ميخصكيش. و من هنا و رايح اسم حازم مش هيتذكر في البيت نهائي والي يفتكره يترحم عليه في سره. غير كدا لو سمعت حد بيتكلم عنه تاني او بيفتح في الي فات وربي لهكون طرداه بره باب القصر دا حتي لو كان مين .. مفهوم.."
برقت الأعين من حديثها الذي كان علي قدر صلابته علي قدر وجعه وقد كان أكثر من يفهمها هو «سالم» الذي صرخ بغضب
" كل واحد علي اوضته مش عايز اشوف حد قدامي.."
اطاعه الجميع علي مضض وما أن اختفوا حتي اقترب يسند والدته التي كانت علي شفير الإنهيار فسألها بنبرة معاتبه
" ليه كدا يا حاجه؟ بتيجي علي نفسك اوي كدا ليه؟"
«أمينة» بقهر
" حازم ابني انا ياسالم و وجعه هيفضل العمر كله في قلبي. لكن انتوا مش ذنبكوا تدفعوا تمن أخطاءه وأخطاء أم معرفتش تربي.."
اقترب منها «سليم» بعينين فاض بهما الدمع وأمسك بكفها يقبله بقوة قائلًا
" اوعي تقولي كدا يا ماما. أنتِ مغلطتيش في حاجه. و مش ذنبك ."
قاطعته حين امتدت يدها تربت بحنان علي وجنته وهي تقول برجاء
" متكرهش أخوك يا سليم.. انا الي معرفتش اربيه و احكمه زي ما عملت معاك انت و اخوك
.لو فعلًا بتحبني اوعي تكرهه و عيش حياتك مع مراتك و افرحوا يا ابني و انسوا كل الي حصل. وغلاوتي عندك "
لم يجيبها «سليم» انما وضع قبله قويه علي باطن يدها و قام «سالم» بفعل المثل معها فالتفتت إليه قائلة
" جه الوقت الي تشوف حياتك انت كمان يا ابني.. كفايه عليك شايل همنا كل السنين دي عمرك هيضيع يا سالم متضيعش ولا دقيقه ثانيه منه و اتأكد أن أي قرار هتاخده انا راضيه عنه يا ابني.."
فطن إلى ما ترميه و قد كان بداخله ينوي الا يضيع اي وقت فأومأ برأسه يوافقها دون حديث و اشتبكت النظرات بينه وبين أخيه بحديث خاص بكلاهما..
*************
انقضت ثلاث أيام من أصعب الأيام التي مر بها في حياته. فقد كان يحاول بشتى الطرق الوصول إليها ولكن دون جدوى فقد كان هاتفها مغلق ولا يعرف أي طريقة أخرى للتواصل معها. غابت عنه وتركته فريسة للغضب و الألم و الأفكار السوداء و لم تشفق عليه. يقسم بأنه رأي عشقه بعينيها واضحًا وهذا ما دفعه للإعتراف لها بمكنونات صدره لما تفعل به هذا الآن؟؟ وقد كان هذا أكثر شئ يخشاه. الرفض أو الإهانة لمشاعر عميقة لم تخلق سوى لها وحدها. حتي ان كانت ترفضها لمَ لم تملك الجرأة لإخباره لم يكن ليجبرها فله كبرياء عظيم يأبى إجبارها علي البقاء معه حتي و لو كان عشقها موشوم علي قلبه.
لما تفعل به هذا ؟ يود الصراخ بهذا الاستفهام الذي كان يؤرق لياليه المنصرمة حتي أنه في لحظة يأس قاد سيارته و توجه إلي حيث مزرعة عمها و ظل واقفًا طوال الليل عله يلمح طيفها يراوده شعور قوي بالشوق المضني و الغضب الجارف تجاهها فما تفعله به ليس عدلًا أبدًا.
قاطع أفكاره صوت «مروان» الذي أخذ يدق علي الباب كثيرا ولكنه لم ينتبه له ففتح الباب و توجه إليه قائلا بمزاح
" ايه يا كبير بقالي ساعه بهبد عالباب و انت منفضلي"
رفع أنظاره إليه و قال بفظاظة
" ولما هبدت عالباب وملقتش رد ايه الي دخلك؟"
تحمحم «مروان» قائلا بخفوت
" ايه الاحراج دا؟ "
ثم علت نبرته حين قال بمزاح و هو يتقدم ليجلس علي المقعد أمام المكتب
" لا ماهو انا جايلك في ست مواضيع مهمة شبه بعض"
زفر أنفاسه الملتهبه قائلًا بفظاظه
" هات الي عندك.."
كان مظهره مرعبًا فلعن «مروان» بداخله قبل أن يقول بتوتر
" اصل انا. بصراحه . يعني كنت عايز اسألك هنعمل اي مع المطاريد الي ناسبناهم دول ؟ يعني البت حلا البسكوتايه دي هتعيش معاهم ازاي ؟"
«سالم» مغلولًا
" و مسألتهاش ليه؟ ما الهانم موافقة "
«مروان» بغباء
" معلش بقي مراية الحب عاميه.. مع انهم ميتحبوش جوز البغال دول أن كان ياسين و لا عمار معرفش فرح رخره عجبها في ايه؟"
تحفزت جميع حواسه لدي سماعه جملة «مروان» الأخيرة التي اخترقت أذنه مرورًا بقلبه الذي انتفض قائلًا بهسيس مرعب
" انت قولت ايه؟ فرح ايه علاقتها بعمار ؟"
«مروان» بغباء
" ايه دا هو انا مقولتلكش. مش فرح اتخطبت للبغل الي اسمه عمار دا .. "
«سالم» بصدمه
" ايه ؟؟؟"
" اه حصل البت جنة لسه قيلالي لما كانت هنا. بس اقولك انا قلبي حاسس ان البت فرح دي مغصوبه اه والله .. جنة بتقولي مقطعه نفسها عياط طول الليل والنهار يا قلب امها…"
لم يكد ينهي جملته حتي خرجت صرخة غاضبة من فم «سالم» مما جعل «مروان» ينتفض من مقعده واقفًا وهو يقول بذعر
" ايه في ايه؟؟"
لم يكد ينهي استفهامه حتي تفاجئ من قبضة «سالم» الحديدية التي أمسكت بمقدمة قميصه لتجذبه متسطحًا فوق المكتب بعنف تجلي من عينين «سالم» التي تقطران غضبًا يوازي لهجته حين صرخ به
" يا حيوان بقي انت عارف كل دا ولسه فاكر تقولي دلوقتي؟؟"
«مروان» بذعر
"حقك عليا يا كبير. عيل و غلط . "
«سالم» بصراخ
" دانا هطلع عين اهلك.."
«مروان» في محاولة للإبقاء علي حياته
" حقك .. بس علي ما تطلع عين امي هيكون البغل دا خطف المزة . اقصد فرح .. نلحقها و ابقي ادبحني عالفرح.انا معنديش مانع.."
تركته قبضة «سالم» فجأة و قد ارتسمت الجنون بنظراته حين صرخ بقوة اهتزت لها جدران القصر
" علي جثتي الكلام دا يحصل.."
يتبع…
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني من هنااااااااااا
مجمع الروايات الكامله1 اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا