رواية اسمى معاني العشق الفصل السادس والسابع والثامن بقلم سلمى سمير(جديده وحصريه فى مدونة قصر الروايات)
رواية اسمى معاني العشق الفصل السادس والسابع والثامن بقلم سلمى سمير(جديده وحصريه فى مدونة قصر الروايات)
البارت السادس
اسمي معاني العشق
*****************
مع إشراقة يوم جديد، بدا الأفق يحمل وعودًا بتغيرات ستعيد تشكيل مسارات الحياة.
هبط عمر السلم بخطوات هادئة، وحين اقترب من الطابق السفلي لمح عاصم منشغلاً بأمر ما أمام باب شقته. ألقى عليه تحية الصباح، وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة ودود.
صباح الخير يا عاصم، إيه اللي شاغلك كده على الصبح؟ مش رايح الشغل ولا إيه؟
التفت إليه عاصم وابتسم، قائلاً بنبرة متفائلة:
لا يا عمر، أنا خلاص قدّمت استقالتي وخلصت كل حاجة. كمان أسبوع وهكون مستقرّ في الفيوم. الأمور كلها تمام، حتى إخلاء الطرف من الشغل خلصته.
ارتسمت علامات الصدمة على وجه عمر، وشعر بأن الرحيل قد بات وشيكًا. قال بصوت حمل في طياته حزنه:
يعني خلاص؟ كل أمورك تمام وهتمشي وتسيبني؟
لاحظ عاصم نبرة الحزن في صوته، ورغم أن قلبه يشاركه الشعور نفسه، حاول التخفيف بابتسامة ونبرة تمزج الجد بالمزاح:
أيوه يا صاحبي. وبالمناسبة، لازم تعمل حسابك تيجي تحضر فرحي، مش هتنازل عنك في اليوم ده، ماشي؟
ابتلع عمر مرارة الموقف وسأله مستسلمًا:
إن شاء الله... طيب، والشقة؟ عملت فيها إيه؟
أجاب عاصم باقتضاب:
كلمت عمّ رجب يدور على مستأجر جديد، وكلها كام يوم وهيجيب واحد.
تردد عمر قليلاً قبل أن يسأل بصوت أقرب للهمس:
طيب... وسعاد؟ هتعمل معاها إيه؟
زفر عاصم بضيق قبل أن يجيب:
عاصم: خلصت كل أوراقها وطلعت لها شهادتها. لو لقت شغل يناسبها، هتشتغل. هي قالت إنها مع اللي ربنا يكتبه، بس بصراحة عمي مش مرتاح لفكرة شغلها.
توقف عمر للحظات وكأنه يجمع شتات شجاعته، ثم نظر إلى عاصم بعينين تحملان الحزم والتردد معًا. عاصم... أنا موافق.
نظر إليه عاصم مستغربًا:
موافق على إيه؟
أخذ عمر نفسًا عميقًا ورد بصوت هادئ:
موافق إني أتجوز سعاد.
اتسعت عينا عاصم في ذهول، ثم قال بدهشة:
إنت بتتكلم بجد؟
ابتسم عمر نصف ابتسامة وقال:
أيوه، بتكلم بجد. جوازي منها هيخليني دايمًا على اتصال بيك. وبصراحة، أنا بحترمها وبعزها، وواثق إنها هتعوضني غيابك. وطبعًا، أكيد هتيجي تزورنا من وقت للتاني، مش كده؟
احتضن عاصم صديقه بفرحة عارمة وقال:
الله يا عمر! عمري ما أتمنى لأختي حد أحسن منك. فرحتني أكتر من فرحة فرحي نفسه!
ابتسم عمر بتواضع وقال:
طيب، يبقى تقول لعمّ رجب يشوف ساكن لشقتي. وأنا هاخد شقتك وأوضبها ونتجوز فيها لأنها أوسع. وانت وأختك تقدروا تقعدوا في شقتي لحد ما الأمور تستقر.
أمسك عاصم بيد عمر بحماس وقال:
تمام، أحسن حل. لكن الأول لازم أقول لسعاد علشان نقرا الفاتحة رسمي.
هز عمر رأسه موافقًا وقال:
تمام، حقك. وأنا جاهز لأي حاجة. ولو عايز ننزل نجيب الشبكة النهاردة ونحدد ميعاد الفرح، ما عنديش مانع.
ابتسم عاصم وقال بجديّة:
الشبكة ماشي، لكن ميعاد الزفاف لازم أرجع لعمي الأول وأعرف رأيه.
أومأ عمر موافقًا وقال:
تمام. اللي تشوفه، أنا تحت أمرك.
****************
طلب عاصم الإذن من عمر بالدخول ليسأل سعاد. قاده إلى غرفة المعيشة واستأذنه بلطف قبل أن يتركه ينتظر.
خرج عاصم من عند عمر متجهاً نحو غرفة أخته، وطرق الباب قبل أن يدخل ليجدها جالسة على طرف السرير تغالب دموعها، ولكنها فشلت في السيطرة عليها. سألها عاصم بقلق:
مالك يا سوسو؟ ليه الدموع دي؟
نظرت إليه بعينين غارقتين في الدموع قبل أن تنهض وتحتضنه وهي تبكي بحرقة:
ولا حاجة، يا عاصم... صعبان عليا نفسي أوي.
ربت عاصم على ظهرها محاولاً تهدئتها وقال بحزم مفعم بالحب:
خلاص، مفيش دموع تاني... ولا سفر كمان معايا.
توقفت سعاد عن البكاء فجأة ونظرت إليه بدهشة:
يعني إيه؟ مش هتسافر؟
ابتسم عاصم بمحبة وخبث :
لا يا ستي، أنا هسافر، بس إنتِ مش هتسافري.
ضاقت ما بين حدقتيها، وارتعش صوتها بغضب ممزوج بعناد:
مش عايزة أتجوز، وانت عارف كده كويس! هو واحد بس اللي بتمناه، ومش هرضى بغيره!
غمز لها عاصم بابتسامة ماكرة، وصوته الواثق يتباطأ كأنه يتلذذ بإشعال نار اللهفة والحيرة التي تلتهمها:
طيب الواحد ده طلبك النهارده، وهتتم خطوبتك عليه. جهزي نفسك واختاري ميعاد الفرح. وأهو، ننزل نجيب الشبكة النهاردة بالمرة.
كفكفت سعاد دموعها ونظرت إليه بذهول، صوتها متقطع بين التصديق والدهشة:
إنت بتتكلم بجد؟ عمر... عايز يتجوزني؟
ضمها عاصم إلى صدره بحنان، صوته مفعم بالثقة والمرح:
أيوه. إيه؟ هتوافقي ولا هتعملي فيها مكسوفة وتعتَرضي؟
رفعت عينيها المرتبكتين نحو محيا أخيها، تبحث فيه عن تأكيد صادق. همست بتردد، كأنها تخشى أن تحطم كلمتها الحلم:
يعني...
ابتسم عاصم وقبّل رأسها بحنان قبل أن يرد مازحًا:
يعني مفيش تفكير! جهزي نفسك بدل ما أخرج وأسِيبك وأبلغه رفضك.
قبضت سعاد على ذراعه بسرعة، كأنها تخشى أن يفلت الحلم من بين يديها، وصاحت:
على فين؟ أنا مصدقت... استنى! هغير وأجي معاك!
******
بعد دقائق، خرجت سعاد برفقة عاصم، ودخلا على عمر الجالس في غرفة المعيشة منتظرًا. تقدمت سعاد بخطوات خجولة وجلست أمامه، رأسها مائل للأسفل، لا تجرؤ على النظر إليه.
سألها عمر بابتسامة دافئة:
إيه رأيك يا سعاد؟
قبل أن تجيب، تدخل عاصم مبتسمًا بثقة:
موافقة طبعًا! هي هتلاقي أحسن منك؟
انخفضت عينا سعاد بحياء، وارتجف صوتها وهي تهمس بخفوت:
اللي قاله عاصم... أنا موافقة عليه.
رسمت ابتسامة حزينة على وجه عمر، فهذه اللحظة التي تمناها الجميع، كانت بالنسبة له نهاية حلم. قال بفتور وهو يحاول إخفاء اضطرابه:
طيب... نقرأ الفاتحة؟
رد عليه عاصم بحماس مشرق:
يلا! مفيش وقت. خير البر عاجله!
بالفعل، تمت قراءة الفاتحة، معلنين خطوبةً غمرتها أجواء الحب والفرح. إلا أن خلف هذه الابتسامات كانت هناك مشاعر مختلطة تنبض في القلوب، لكلٍّ منها حكايته التي تمزق القلوب المًا او فرحه
********
في وقت لاحق، وبينما كان الجميع يستعد لخطوات التحضيرات، اقتربت سعاد من عاصم تطلب منه شيئًا بنبرة خجولة:
عاصم، ممكن أطلب منك طلب؟
سألها عمر بحيرة وود:
خير يا حبيبتي، اطلبِ.
ابتلعت ارياقها وقالت بتردد:
إنت عارف إن عمر نفسه يفتح مكتب هندسي، ومحتاج فلوس كتير علشان يبدأ. أنا عايزاك تعرض عليه ياخد نصيبي في الورث ويستخدمه لفتح المكتب، وأنا أكون شريكته فيه... وأهو كله لأولادنا في المستقبل.
نظر إليها عاصم بإعجاب وقال:
فكرة جميلة، بس إنتِ هتبقي مراته. ليه ما تعرضيش إنتِ الفكرة؟ أكيد هيوافق.
هزت راسها بانزعاج وقالت موضحا:
مظنش هيوافق لوقلت ليها، عمر نفسه عزيزة، ومش هيقبلها مني. لكن إنت صاحبه، ولو حس إنك خايف على فلوسي هيوافق.
هز عاصم رأسه مؤيدًا وقال:
عندك حق. خلاص، هكلمه. متقلقيش.
ابتسمت سعاد براحة واطمئنان، فقد وجدت في شراكة عمر السبيل لكسب قلبه ونيل حبه كم تحبه
********
في الشقة التي باتت شبه مكتملة استعدادًا لاستقبال العروس، كان عمر يعمل بنشاط لتجهيز آخر التفاصيل. وبينما كان يضع رتوشًا أخيرة على أحد الجدران، دخل عاصم وأخذ يتفحص المكان بإعجاب.
الله ينور يا عمر! بجد، خليت الشقة تحفة.
ابتسم له عمر بامتنان، وأطلق تنهيدة حمد قائلاً:
الحمد لله، خلاص. شوية رتوش بسيطة وتبقى تمام. بعد كده تقدر تحدد ميعاد الزفاف وتتوكل على الله، وأنا هأسلم الشقة اللي قاعدين فيها. معلش، شقتي أصغر من شقتكم، لكن دي الظروف.
ضغط عاصم على كتفه برفق، ثم أضاف بابتسامة هادئة:
على إيه بس؟ احنا كنا قاعدين فيها فترة صغيرة على ما تخلص الشقة. وبعدين أنا كده كده مسافر، ومراتك هتبقى معاك هنا. المهم، كنت عايز أكلمك في موضوع مهم.
سحب عمر مقعدًا بالقرب من صديقه، وجلس مقابله. نظر إليه بجدية وسأله:
خير؟ اتفضل يا عاصم، موضوع إيه؟
تحدث عاصم بعد تردد بسيط، وصوته يصبح أكثر جدية:
بص يا عمر، إنت عارف إن سعاد ليها نصيب في الورث. وبصراحة، أنا مش شايف إنها هتعرف تحافظ على مالها كويس. فكان عندي اقتراح...
شعر عمر بشيء من القلق يتسلل إليه مما سيكون وراء حديث عاصم، وعينيه تغلقان قليلاً كأنه يستعد لشيء غير متوقع. سأل بتوجس، وخوفٍ من الأتي:
اقتراح.... إيه؟
غمغم عاصم بريبة خوفا من رد فعله عما سيقول:
إيه رأيك تاخد نصيبها وتفتح بيه المكتب الهندسي اللي نفسك فيه؟ وتبقى شريكة معاك فيه، بدل ما الفلوس تروح أو تضيع في حاجة مالهاش لازمة.
احتج عمر بنبرة قاطعة:
عاصم، انت بتقول إيه؟ مستحيل!
فلوس أختك هي حره فيها تتصرف فيها زي ما هي عايزة. أنا مليش دعوة بيها، ولا يمكن أقبل كده.
ربت عاصم بهدوء علي كتفه ووضح له وجهة نظره: افهمني بس. إنت هتبقى جوزها،ومع الايام ربنا هيرزقكم الذرية،والمال هيبقى ليك ولأولادكم. هي ما بتديكش الفلوس كمنحة ولا عطاء، هي بتشاركك زي أي شريك. والفرق الوحيد إنكم شركاء في المال وفي الحياة كمان. إيه الغلط في ده؟
رد عمر بتوتر وتحفظ علي المبدأ:
ياعاصم، أنا اتجوزت أختك علشان خاطرك وعلشان بعزك، لكن مالها؟
مقدرش أمد إيدي عليه. أنا مش طمعان في حاجة، وكل اللي يهمني إننا نفضل أصدقاء، وإن النسب ده يزيد صداقتنا مش أكتر.
إجابة عاصم بحده وجدية :
اسمعني يا عمر، أنا مش هضغط عليك، لكن محدش هيحافظ على مال أختي غيرك. الفلوس دي بتاعتها، وهي حرة في تصرفها. وأنا مش بقول كده علشان أفرض حاجة عليك، أنا عارف إنك وافقت تتجوزها علشان الصداقه اللي بينا تفضل موصوله.
لكن وصيتي ليك: أوعى تأذيها أو تظلمها، ولو حصل كده، مش هسكت ليك فاهم.
فياريت تفكر في الشراكه دي لمصلحتك ومصلحتها،
رد عمر بهدوء بعد تفكير:
عاصم، أنا مقدر كلامك، ووعد مني، أنا عمري ما هأذيها. او اظلمها، ولو علي الشراكه مدام هي شايف إن ده الصح، أنا موافق. وربنا المستعان.
بابتسامة مطمئنة ضمه عاصم وهتف:
خلاص يا عمر، على بركة الله. شوف مكان لمكتبك وابدأ، عايزين نفرح بيكوا وبنجاحكم. أنت تكبره بمجهودك، وهي بمالها.
اؤما عمر برأسه ووقال بخفوت:
إن شاء الله. ربنا يوفقنا جميعًا.
حينها شد عاصم علي يده ليصافح عمر بحرارة، بينما شعر كلاهما بالاطمئنان تجاه المستقبل، حيث الصداقة والنسب امتزجا ليصنعا رابطًا أقوى وأجمل.
*********
ثم زفاف عمر وسعاد وعاصم وشهد، بفندق من اكبر فنادق القاهرة، كانت القاعة مليئة بالأضواء والأهازيج التي تعكس الفرح والاحتفال.
الجميع يهنئون العروسين، بينما تبدو السعادة واضحة على وجه سعاد، ممتلئة بالأمل في بداية حياة جديدة مع من أحبته لسنوات.
بعد انتهاء الحفل، أخذ عمر سعاد وسافرا لقضاء شهر العسل. وعاد عاصم وشهد الي الفيوم،
في المساء بالفندق، جلس عمر بجانب سعاد بعد يوم طويل. كانت تشعر بسعادة غامرة، بينما كان هو يكافح لإخفاء اضطرابه الداخلي.
نظر إليها عمر بابتسامة مترددة:
مبروك يا سعاد. أوعدك إني هحافظ على مالك، وأعملك بما يرضي الله. مش بس كده، هحافظ عليك زي ما وعدت أخوكي.
امسكت يده بسعادة وابتسامة خجولة:
أنا سعادتي وفرحي الحقيقي إني أخيرًا بقيت معاك. ومراتك، مش محتاجة أكتر من كده.
حاول عمر أن يبادلها المشاعر، لكنه شعر بثقل الوعد الذي قطعه على نفسه. جاهد ليبعد عن ذهنه ذكرى "ندى"، الفتاة التي حلم بها لسنوات، والتي كان يتمنى أن يقضي ليلة العمر معها.
عندما دخلت سعاد لتبدل ملابسها استعدادًا للنوم، وقف عمر في شرفة الغرفة، متكئًا على السور. كانت نسائم الليل تحمل معه ذكريات الماضي. حدق في الأفق المظلم، وكأنما يبحث عن إجابة لتساؤلاته.
حدث عمر نفسه معاتبا طيف معشوقته الساكنه قلبها: ليه يا ندى؟ ليه مكنش أنت نصيبي؟ كان المفروض الليلة دي تكون بتاعتي أنا وإنتي... بس خلاص سعاد هي نصيبي. وانا عدت عاصم إني أحافظ على أخته وأعاملها بما يرضي الله. هي تستاهل كل خير، لكن أنا؟ معقول هقدر أكون الزوج اللي تستحقه؟
بعد لحظات، عادت سعاد وجلست بجانبه، تطلب منه أن ينضم إليها. استجاب لها، وحاول أن يمنحها القليل من الحنان، ليبدأ معها علاقتهما الزوجية. كانت هي مليئة بالشوق والرغبة، ترى في عمر فتى أحلامها الذي انتظرته طويلاً، بينما كان هو يؤدي دوره مع شعور بالذنب يقتله ويقتل فرحته بليلة زفافه.
بعد أن نامت سعاد مرهقة بين ذراعيه، نهض عمر بهدوء مرة أخرى واتجه للشرفة. وقف هناك وحيدًا، يناجي قلبه المتعب ويستعيد وعوده.
عاد وحدث نفسه بملامه:
سعاد طيبة، وبريئة، وحبتني من قلبها. هي ملهاش ذنب إني لسه بفكر في غيرها. أنا وعدت، ولازم أوفي. لازم أكون الزوج اللي تستحقه، حتى لو ده على حساب قلبي."
كانت تلك الليلة بداية صراع داخلي بين الماضي والحاضر، بين وعد قطعه وواقع يعيشه، وبين حب انتهى وحياة جديدة عليه أن يتقبلها.
************
بعد مرور عام على زفاف عمر وسعاد، تحولت أجواء الفرح إلى توتر وخلافات يومية متكررة. كانت الحياة بينهما تبدو وكأنها تتجه نحو طريق مسدود، رغم محاولاتهما المستمرة لتجاوز الفجوة العاطفية.
في أحد الأيام، كانت سعاد تقف أمام عمر، وقد بدا على وجهها التعب والاستياء:
حرام عليك انا مطلبتش منك غير شويا اهتمام يا عمر. حسسني إنك معايا بروحك، مش جسدك وبس. دا حتى لما أول حمل ليّا سقط، ما حسيتش منك بأي مشاعر، لا فرحة ولا حزن. إزاي يعني؟"
تأفف عمر من تذمرها المستمر، وقال بصوت حزين ممزوج بالإرهاق، كأن الألم يخرج من أعماقه:
سعاد، ارحميني. أنا مبقِتش عارف أعمل معاكي إيه. العملية كلفتني كتير، وإنتٍ ما كنتيش بتحافظي على نفسك. أعاتبك؟ أزعل؟ ولا أتصالح مع الوضع؟ الطفل كان خسارتك زي ما هو خسارتي.
زادت حدة غضب سعاد، وصرخت به حانقة عليه، كأن الغضب ينفجر منها:
مش ذنبي! إنت السبب! اهتمامك بشغلك ومكتبك اللي كبر على حسابي هو اللي ضيع الطفل اللي كنا بنتمناه. أنا اللي عملت العملية وكنت هموت فيها، وكل ده علشانك. نفسي أعرف مش حاسس بيا ليه؟
وضع عمر يده على رأسه بندم عميق، وكأنه يحاول تحمل وزر ما حدث:
خلاص، حقك عليا. أنا آسف يا سعاد. هحاول أتغير. إيه رأيك نتعشى برة النهاردة؟ ونسافر يومين نغير جو ونصلح اللي بينا؟
ردت سعاد بصوت مكسور، يحمل برودة ومرارة:
بجد؟ ولا مجرد كلام زي كل مرة توعد وتخلف؟
أنا خلاص تعبت يا عمر من الوعود الفاضية.
تنهد عمر بقوة، ثم ضمها إلى صدره بحنان عميق، وكأن عاطفته ترفض الانفصال:
لا، ده وعد يا سعاد. بس ياريت تفكري تاني في إننا نحاول نجيب طفل. ده حلمي زي ما هو حلمك.
طالعته بحيرة وحب قاتل يمزق قلبها، وقالت بتردد، وكأنها لا تستطيع اتخاذ القرار:
أنا مش هقدر أعمل العملية تاني. كنت بموت في المرة اللي فاتت. كفاية، شكلنا ملناش نصيب في الخلف.
ضمها إلى صدره بقوة، محاولًا بث الأمان والطمأنينة في قلبها الملتاع بحبه:
فكري بس. أنا نفسي في طفل يملى حياتنا ويكون سبب في سعادتنا اللي افتقدناها.
تنهدت سعاد بقلة حيلة، وصوتها يكتنفه الخيبة:
لما أشوفك بتتغير وتهتم بيا بجد، هفكر.
ــــــــــــــ
مرت الأيام، لكن الوعود انكسرت مجددًا. كان عمر يحاول إرضاء سعاد فقط لأنه شعر بالمسؤولية تجاهها، وليس لأنه استطاع أن يحبها. أما سعاد، فبدأت تفقد الأمل في علاقتها معه بعد فشل محاولة أخرى للحمل..
في أحد الأيام، عادت سعاد متأخرة من سهرة مع صديقاتها، فوجدت عمر في انتظارها غاضبًا:
خلاص بقي، أنا زهقت! مش كفاية كده؟ كل يوم خروجات وسهر ومصاريف على الفاضي؟ بدل ما تفكري في طفل يقرب بينا ويجمعنا مع بعض.
ردت عليه بهدوء مستفز:
فلوسي أصرفها زي ما أنا عايزة. مكتبك كبر وبقى شركة بفضل نصيبي، وده أقل حاجة آخدها. وبعدين، إحنا محتاجين نعيش في مكان أفضل من هنا.
اشتعل الغضب في عين عمر وقال محذرًا:
قلتلك ألف مرة، راحتي هنا. الناس اللي بحبهم هنا. مش هغير مكان سكني مهما ربنا اداني فاهمه.
ردت عليه سعاد بسخرية وتهكم:
الناس اللي بتحبهم؟! قصدك اللي باعوك من سنين؟ ولا اللي لسه مش قادر تنساهم؟
أمسك عمر ذراعها وهزها بعنف، ثم سألها بحدة:
قصدك إيه؟ بتلمحي لإيه يا سعاد؟ انطقي!
رمقته بنظرة حاقدة، ثم صرحت بما كان يثقل صدرها:
لسه بتحبها، مش كده؟ ندى! لسه في قلبك، وأنا اللي حبيتك ولا لقيت منك حاجة غير الوجع.
نفضت ذراعها من يده وصاحت بغضب:
أنا زهقت من حياتي معاك، وبقولها قدامك مش هعمل عمليات تاني علشان الحمل. مش عايزة طفل، مش عايزة حاجة تربطني بيك أكتر من كده. فاهم؟
حدق فيها عمر بغضب، وقال:
سعاد، بلاش العند ده معايا. مش هسمحلك تدفعي الأمور لحد ما نندم كلنا. أنا وعدت أخوكي إني هحافظ عليكي، لكنك بتخليني أكسر كل وعودي معاه وكل حاجة بينا.
ردت بهدوء غاضب وتهكم:
وأنا خلاص مبقتش محتاجة وعودك، تعبت. هعيش لنفسي، زي ما أنت عايش لنفسك من البداية.
بينما يستمر الصراع الداخلي في قلب كل منهما، يصبح واضحًا أن العلاقة بينهما تحولت إلى ساحة من التوتر والإحباط، حيث يطارد كل منهما ظل الماضي، دون أن يتمكنا من بناء حاضر مستقر.
**************
يتبع .........
#سلمى سمير
البارت السابع
#اسمى_معاني_العشق
**************
في شقة عمر
عاد عمر إلى شقته بعد يوم عمل طويل، متوقعًا أن يجدها خالية كما جرت العادة، لكنه فوجئ بسعاد تنتظره في الصالة.
نظر إليها عمر بدهشة، وكأن شيء غريب قد حدث:
معقول المدام مش بره البيت وكمان مستنياني؟ إيه اللي حصل؟
قبل أن تتمكن سعاد من الرد، ظهر عاصم فجأة بابتسامة واسعة على وجهه، ليقاطع لحظة التوتر:
أنا السبب يا بطل.
اتسعت ابتسامة عمر، وعانق عاصم بحب:
حبيبي يا عاصم، والله وحشتني!
لكن عاصم دفعه في كتفه بمزاح، قائلاً:
بس يا ندل، سنة بطولها مشوفتكش! لولا سعاد اللي بتطمني عليك كل فترة، مكنتش عرفت عنك حاجة. وكمان ابني اللي لسه مشوفتوش، رغم إني سميته على اسمك، خسارة فيك!
ربت عمر على ظهره بحب:
والله يا عاصم، الشركة الجديدة واخدة كل وقتي. بس انت عارف غلاوتك عندي، بس هي الظروف والله.
لاحظ عاصم حالة الوجوم بين سعاد وعمر، فسألها بحذر، محاولة منه لتهدئة الأجواء:
إيه يا سعاد؟ مفيش عشا؟ ولا ناوية تجوعيني أنا وجوزك؟
ردت سعاد بصوت هادئ، خالي من الحماس:
حاضر، عشر دقايق والأكل هيكون جاهز.
بإشارة من عاصم، أخذ عمر إلى مكتبه بعيدًا عن مسامع سعاد.
مالك يا عمر؟ إنت وسعاد؟ شكلكم متخانقين.
رد عمر بصوت متعب، وعيناه مليئتان بالحزن:
والله لولا معزتك عندي وإنك كنت السبب في جوازنا، كنت طلقتها بعد شهور من الجواز.
صُدم عاصم من حديث عمر، وسأله باندهاش:
ليه كده؟ إيه حصل لكل ده؟
زفر عمر بضيق، وكأن الكلمات تكاد تنفجر من فمه:
أختك غريبة، يا عاصم. أنا عارف إن شغلي بياخد وقتي، لكن دور الزوجة إنها تدعم جوزها. لكن سعاد بتحطمني، كأنها بتنتقم مني لأني حبيت حد قبلها.
عاصم استشعر أن الأمور أكبر من مجرد خلافات عادية، فسأل بحذر:
تقصد ندى؟
تنهد عمر بقوة، وأصابع يديه تمسك جبينه وكأنه يحاول تذكر أيام مضت، لكنه لا يزال يحمل أثقالها:
آه، يا عاصم، ده ذنبي. معرفتها بحبي لندى هو اللي دمرنا. وكمان أنا حلمي إن يكون عندي طفل، طفل يحمل اسمي. حاولنا كذا مرة نعمل تلقيح صناعي، لكن مفيش فايدة، والسبب إهمالها. لحد ما الدكتور قال إن الأمل ضعيف. ومع ذلك، مش لاقي منها غير اللوم والانتقاد. أنا تعبت يا عاصم.
فكر عاصم لوهلة، محاولًا أن يجد سببًا يريح صديقه:
طيب، مش يمكن هي حاسة إنك متمسك بالشقة هنا علشان ذكرياتك مع ندى؟
ضرب عمر سطح المكتب بغضب، قائلاً بنبرة حادة:
يعني علشان أرضيها أسيب المكان اللي بحبه؟ ده بيتي وراحتي وأصحابي. مش كفاية محروم أكون أب بسببها؟
أدرك عاصم أنه قد ظلم صديقه في موقفه هذا، فأجاب بصوت هادئ، وكأنه يقدم اعتذارًا غير مباشر:
طب خلاص، اهدي. أنا هكلمها. وسامحني إني فرضتها عليك. كنت عايز المودة تدوم بينا، لكن الدنيا بتلعب معانا.
في تلك اللحظة، تغيرت ملامح عمر قليلاً، وعيناه مليئتان بالتعب والحيرة، ثم قال في هدوء:
سعاد مش انسانه وحشة، بس ياريت تهدي عليّ. أنا محتاج استقرار وراحة.مبقاش ليا غيركم في حياتي.
ربت عاصم على ظهره بمودة، قائلاً:
وأنت أخويا وحبيبي، والله يا عمر. ربنا ما يحرمني منك. أنا عارف إنك بتصون أختي، لكن هي عصبية. وأنا هتكلم معاها.
وفي تلك اللحظة دخلت سعاد بابتسامة باهتة على وجهها، لكن كلماتها كانت تحمل بداخلها شيئًا من الحزن:
اتفضلوا... العشا جاهز.
______________
بعد العشاء، انتهى الجميع من تناول الطعام في صمت نسبى، إلا من بعض النظرات العابرة وكلمات قليلة خافتة. كانت سعاد تجمع الأطباق بعينين شاردتين، فيما بدا كل شيء حولها ثابتًا، وكأن الوقت نفسه قد توقف.
ثم، مع خطوة ثابتة، التفت إليها عاصم وقال بحزم:
سعاد، تعالي معايا شوية... عايزك في كلمتين.
نهضت سعاد على الفور، ولكنها لم تستطع إخفاء الحيرة التي ارتسمت على وجهها. سألته بلهجة خفيفة من القلق:
خير يا عاصم؟
قادها إلى غرفة المكتب وأغلق الباب بهدوء. جلس عاصم أمامها مباشرة، وسحب نفسًا عميقًا، ثم قال جادًا:
سعاد، أنا هكلمك بصراحة.
بادرت سعاد، وقد شعرت بتزايد القلق:
إيه اللي حصل؟
استغرب عاصم من رد فعلها البارد فقال بنبرة حادة:
إيه اللي حصل؟! إنتِ اللي المفروض تجاوبيني. إيه مشكلتك مع عمر؟
ردت سعاد بعد تنهيدة طويلة، وكأنها تفضي إلى شيء كان يثقل قلبها منذ فترة:
أعمل إيه يا عاصم؟ هو مشغول طول الوقت، مش حاسس بيا ولا بتعبي وحبي ليه.
ربت عاصم على وجهه بحنان أخوي، محاولًا تهدئتها:
بصي، أنا مش هقف في صفه ضدك، بس واضح إنك بتضغطي عليه زيادة عن اللزوم. عمر تعبان، وشغله بياخد كل وقته. ده مش معناه إنه مش بيحبك أو بيقدرك.
فجأة، ارتبكت سعاد وظهرت على وجهها علامات القلق أكثر، وقالت بتوتر ملحوظ:
بس أنا حاسة إنه لسه عايش في ذكريات ندى، وكل حاجة حوالينا بتفكرني بيها.
لم يُنكر عاصم الظن الذي يساورها، فقد كان واقعًا لا يمكن إنكاره، لكنه أضاف:
حتى لو كان ده حقيقي، الحل مش إنك تهاجميه طول الوقت. إنتِ اللي المفروض تكوني الدعم ليه. وبعدين، موضوع ندى انتهى من زمان، ولازم تصدقي إنك بقيت مراته وشريكة حياته دلوقتي.
زفرت سعاد بضيق، وهتفت بحنق:
طيب أعمل إيه؟
أخذ عاصم نفسًا عميقًا وقال بهدوء، لكن بحزم:
أول حاجة، بلاش تخليه يحس إنه دايمًا غلطان. لو العلاقة فضلت بالشكل ده، الانفصال هيبقى الحل الوحيد. وأنا مش عايز ده يحصل، لا ليكي ولا ليه.
ارتبكت سعاد، وكأنها شعرت ببرودة المستقبل في حديثه، ودفعت ملامح الخوف إلى وجهها، فا. ردت بصوت منخفض حزين:
أنا مش عايزة نوصل لكده... أنا لسه بحبه...
ابتسم عاصم بحنان، فهو يعلم أنه قد وصل إلى مبتغاه، وأدى مهمته في إشعارها بعواقب أفعالها. فقال بحزم، وكأنها لحظة فاصلة:
يبقى لازم تشتغلي على تحسين العلاقة بينكم. عمرك فكرتِ إنه هو كمان محتاجك جنبه بدل ما يحس إنه لوحده؟
صمتت سعاد للحظة، وكان صوت أفكارها يعلو على كلماتها. فكرت قليلاً قبل أن ترد بصوت خافت، يعكس جزءًا من التسليم:
فعلاً، ممكن يكون عندك حق.
أثنى عاصم على تفهمها وقال بحماس:
كويس إنك فهمتي. وأنا كمان هتكلم مع عمر، لكن إنتِ وعمر لازم تلاقوا حل يناسبكم لتعيشوا مع بعض بسلام.
ثم خرج عاصم من الغرفة تاركًا سعاد وحدها، في حالة من التفكير العميق، مليئة بالأفكار المتضاربة والمشاعر المتشابكة التي لم تجد لها حلًا بعد.
*************
بعد يومين – في شركة عمر الألفي:
كان عمر مشغولًا في اجتماع مهم، يحاول التركيز على النقاط الأخيرة قبل أن يغادر لزيارة أحد العملاء المهمين. لكن الباب فُتح فجأة، ودخلت السكرتيرة بخطوات هادئة، تحمل في عينيها نظرة تُنبئ بشيء غير مألوف.
يا باشمهندس، المدام برّه وعايزة حضرتك ضروري.
رفع عمر عينيه عن أوراقه، وبدا الاستغراب واضحًا على وجهه. لم يتوقع أن تأتي سعاد في هذا التوقيت، خاصة في ظل انشغاله. قال بحيرة:
طيب، دخّليها لحد ما أخلص الاجتماع.
ردت السكرتيرة بصوت منخفض، كأنها تتفهم اضطرابه:
حاضر يا باشمهندس.
خرجت لتجد سعاد واقفة هناك، عينها تنبض بقلق، وعلى وجهها تعبير مشوش، كأنها تحمل همًّا ثقيلًا. قالت لها السكرتيرة بلطف:
اتفضلي يا مدام، المهندس هيخلص الاجتماع ويجي لحضرتك.
سعاد دخلت وجلست في المكتب، وكل شيء حولها يبدو ضبابيًا، كان الهم يضغط على صدرها. كل لحظة كانت تمضي في انتظار عمر كانت تزيد من توترها. بعد دقائق، خرج عمر من الاجتماع واتجه إلى مكتبه. عندما رآها هناك، شعر بشيء غريب يتسلل إلى قلبه.
دنا منها وسألها بتعجب:
إيه اللي حصل خلاكي شرفتيتا؟
ردت سعاد بصوت منخفض مليء بالندم، وكأنها تحاول أن تجد الكلمات المناسبة لتصف ما تشعر به: عمر، أنا آسفة. لسه جاية من عند الدكتور، وهعمل التلقيح بكرة. وأوعدك، المرة دي هحافظ عليه، وهلتزم بكل تعليمات الدكتور. ممكن... نفتح صفحة جديدة؟
نظر إليها عمر في صمت، هز رأسه بعدم تصديق. سؤاله كان مشبعًا بالريبة:
مش معقول... طيب، وإيه المطلوب بالمقابل؟
مالت سعاد نحوه، كأنها تحاول أن تمتص كل شكوكه، وقالت بنبرة حانية:
طلب واحد، وحياة غلاوة عاصم عندك: متخلّينيش أرجع الشقة القديمة، واهتم بيا وبابننا لو في نصيب.
أجابها عمر بهدوء، لكنه كان يحاول إخفاء مشاعر الشك التي تسللت إلى قلبه:
وإنتِ كمان غالية عليا، يا سعاد. إنتِ مراتي وشريكتي، وهتبقي أم ولادي. غلاوتك من غلاوة عاصم. حاضر يا سعاد، نروح الشقة ونلم حاجتنا.
لكن سعاد ردت بحسم، صوتها كان يحمل نبرة من الإصرار القوي، وكأنها تحاول قطع أي ارتباط بالماضي:
لا، مش عايزة حاجة من هناك. من النهاردة توعدني إننا مش هنرجع هناك أبدًا. ونبدأ من جديد، حتى الهدوم، كل حاجة جديدة.
تنهد عمر بقلة حيلة، فهو يشعر بنفس القلق الذي تشعر به، لكنه كان يبحث عن الهدوء في حياته، مثلما هي تبحث عنه. نظر إليها بعيون مليئة بالحنان وقال:
خلاص. اللي ريحك يا سعاد هعمله. مدام عندك نية نبدأ حياة جديدة مع طفل يجمعنا.
اقترب منها وضمها إلى صدره بحنان. في تلك اللحظة، شعر بحرارة حضنها، وتمنى في أعماقه أن يستطيع يومًا أن يحبها كما تحبه هي. ورغم أن الطبيب حذّرها من إجراء العملية مرة أخرى، قرر التنازل عن عناده وبدء حياة جديدة بعيدًا عن كل ما يذكرها بالماضي.
***************
قرر عمر قضاء عدة أيام في فندق مع سعاد ريثما تنهي عملية التلقيح. كان يعلم أن هذه الفترة ستكون حرجة جدًا، وأن سعاد بحاجة إلى رعاية خاصة، خاصة بعد التحذيرات التي وجهها الطبيب.
استغل عمر تلك الأيام في البحث عن شقة جديدة، وبحث عن أفضل الأماكن في المدينة ليكون المكان الذي سيبدأ فيه حياة جديدة مع سعاد. قام بتأثيث الشقة بكل ما لذ وطاب، وأضاف إليها كل ما من شأنه أن يشعر سعاد بالراحة، حتى جلب خادمة لتساعدها في الأعمال المنزلية.
بعد أيام قليلة، طمأن الطبيب سعاد على استقرار الحمل، فخرجت من المستشفى برفقة عمر، وهما في طريقهما إلى منزلهم الجديد.
تراقصت الفرحة في قلب سعاد وهي تتجول في الشقة الجديدة، وكل زاوية فيها كانت تحمل بصمة من الأمل:
"لله، جميلة أوي يا عمر. ربنا ما يحرمني منك.
ابتسم عمر وقال بحب:
ولا يحرمني منك ويخليك ليا يا عمري... ويخليك لابننا.
احتضنها بحنان، فقد بدأ يشعر بشيء من الراحة التي كانت غائبة عنه لفترة طويلة. الفرحة التي كانت تملأ قلبه كانت مزيجًا من السعادة بتغير سعاد معه وتوقعات جيدة بمستقبل مليء بالأمل.
بعد أيام من السعادة في منزلهم الجديد، تحدثت سعاد مع عمر وهي تنظر حولها بابتسامة حزينة، كأنها تفكر في كل شيء مرَّ بهما:
ياريتنا أخدنا الشقة دي من زمان. كانت الفرح ما سابتناش، ولا حصل مشاكل بينا.
ضمها عمر إلى قلبه بحنان، وقبل رأسها بلطف، فقال:
كل شيء بوقته يا سعاد. المهم، كلها شهرين، وهتبقي ماما... يا أحلى ماما في الدنيا.
رفعت رأسها إليه ومنحته ابتسامة مشرقة، وكأن كل شيء في حياتها أصبح أكثر وضوحًا:
وأنت هتبقى أحلى بابا في الدنيا.
**********
مرت الأيام بين عمر وسعاد، وازدادت بينهما أواصر الوفاق والوئام. ومع اقتراب موعد الولادة، تلاشت فجوة الخلاف التي كانت تفصل بينهما، حتى أصبحا أقرب إلى بعضهما من أي وقت مضى. ومع ذلك، ومع كل يوم يقترب فيه الميعاد، بدأت صحة سعاد تتدهور بشكل ملحوظ، مما أثار قلق الجميع.
نظر الطبيب إلى عمر بجدية وقال:
لازم تدخل المستشفى حالًا وتفضل تحت الرعاية لحد الولادة.
لم يتردد عمر للحظة، ورد بلهجة حاسمة مليئة بالاهتمام:
اللي تشوفه يا دكتور، إحنا تحت أمرك.
حاول الطبيب أن يطمئنه، ولكنه حذره في الوقت نفسه:
بس احنا هنستنى يومين. لو صحتها اتحسنت، هنقدر نعمل العملية القيصرية علشان ننقذها وننقذ الجنين بإذن الله.
رد عمر بحزم واهتمام واضح:
المهم إنها هي تبقى بخير، يا دكتور.
في غرفة المستشفى:
دخل عمر إلى غرفة سعاد، التي بدت عليها علامات الإعياء جلية، لكنها حاولت أن ترسم ابتسامة واهنة لتخفي قلقها. اقترب منها، وبابتسامة طمأنينة سألها بلطف:
الدكتور طمَّنك على البيبي؟
رد عمر بلهجة مطمئنة وهو يجلس بجانبها:
آه، كله تمام. إنتِ كمان كويسة، خلاص كلها أيام وهتقومي لنا بالسلامة إنتِ والبيبي.
ابتسمت سعاد بوهن، ثم قالت بصوت خافت:
طيب... ممكن تتصل بعاصم؟ خليه يجي قبل الولادة. نفسي أشوفه.
ضمها عمر إلى صدره بحنان، وسألها بلطف:
حاضر. هتصل بيه. في حاجة تانية؟
ترددت للحظة، قبل أن تقول بحسم:
آه. عايزة لما ييجي عاصم، يخليه يجيب حاجات من الشقة اللي في شبرا.
نظر إليها عمر بتعجب وسأل:
حاجات إيه دي؟ واشمعنى عاصم اللي يجيبها؟
ابتلعت ريقها بصعوبة، وقالت بتردد:
حاجات ماما كانت سايباها لي. لو خلفت بنت، أبقى ألبسها الحاجات دي. وكمان في لبس كنت محضراه من حملي الأول، عايزاه يكون جاهز.
ربت عمر على وجهها بحنان وقال بحسم:
خلاص، ليه نتعب عاصم؟ أنا هروح أجيبهم وارجعلك بسرعة.
أمسكت بيده بقوة، وقالت بلهفة وخوف مفاجئ:
لا، ما تسبنيش لوحدي. لما ييجي عاصم، هو يروح يجيبهم. أنا محتاجاك جنبي دلوقتي.
حاول عمر أن يطمئنها بإصرار:
مافيش حاجة تقلق. إنتِ بخير والله، وبعدين أنا عارف مكانهم. هروح أجيبهم بسرعة وأرجع قبل ما تحسي.
تجمعت الدموع في عينيها، وأمسكت يده بتشبث وهي تقول بتأثر واضح:
أنا بحبك أوي يا عمر... أوعى تنسى ده.
ضم عمر يدها بين يديه برفق، وقال بحنان جم:
ربنا ما يحرمني منك، يا قلب عمر.
*********
ركب عمر سيارته متجهًا إلى شبرا. كانت الرحلة تبدو في ظاهرها مجرد مهمة لجمع الأشياء التي طلبتها سعاد، لكنها حملت في طياتها أبعادًا أعمق. كانت فرصة لعمر لاستعادة ذكريات قديمة، وربما لقاء أصدقائه القدامى، الذين لم يرهم منذ زمن.
قضى عمر بعض الوقت مع أصدقائه، مستمتعًا بالأحاديث واستعادة ذكريات الشباب. لكن عقله لم يتوقف عن التفكير في سعاد وحالتها الصحية. شعر بالقلق لأنه تأخر عن العودة، فاستأذن وغادر مسرعًا إلى شقته القديمة.
داخل الشقة:
فتح عمر باب الشقة القديمة التي بدت عليها آثار الغبار والإهمال. كان الهواء خانقًا من قلة التهوية. توجه مباشرة نحو البلكونة وفتحها، مما سمح لنسيم الليل بأن يجدد الجو. بدأ البحث عن الأشياء التي طلبتها سعاد: حقيبة قديمة تحتوي على ملابس وذكريات تركتها والدتها.
بعد أن جمع الحقيبة ووضعها في حقيبة صغيرة أخرى ليسهل حملها، استعد لإغلاق الشقة والمغادرة. لكنه فجأة سمع طرقًا خفيفًا على الباب، كأنه طرق طفل صغير.
فتح الباب بفضول، ليجد أمامه طفلًا صغيرًا وسيمًا، ذو شعر ناعم وعينين واسعتين تحملان براءة نادرة.
الطفل: السلام عليكم يا عمو.
عمر: مبتسمًا وعليكم السلام يا حبيبي.
انحنى عمر ليصبح في مستوى الطفل وسأله بلطف:
ـعايز حاجة يا بطل؟
الطفل: "طنط سعاد موجودة؟
رد عمر مبتسمًا:
لا، مش موجودة. بس أنا جوزها. في حاجة عايز تقولها ليها؟
فرك الطفل يديه الصغيرتين بخجل، ثم قال ببراءة:
لا، بس ماما كانت عايزة تطمن عليها وتقعد معاها.
ربت عمر على وجنة الطفل بحنان وقال مطمئنًا:
قول لمامتك إن طنط سعاد كويسة.
ابتسم الطفل ببراءة وقال:
طيب، أنا هقول لها. هي مستنياني تحت البيت.
لم يستطع عمر أن يقاوم تأثره ببراءة الطفل، فقال له قبل أن يغادر:
استنى يا بطل. أنا هقفل الشقة وأنزل أطمن مامتك بنفسي.
سأله عمر بفضول:
إنت اسمك إيه وابن مين؟
رد الطفل ببرأءة وتلقائية:
أنا أمجد... ابن ماما.
أغلق عمر الشقة والبلكونة، ونزل برفقة الطفل. ما إن وصلا إلى مدخل المنزل، حتى ركض أمجد نحو امرأة كانت تقف بعيدًا، تنتظر بقلق واضح.
هتف الطفل بحماسة وهو يشير نحو عمر:
ماما! ماما! ده جوز طنط سعاد! تعالي كلميه.
اقتربت المرأة بخطوات مترددة، وكأنها تحاول استيعاب المشهد أمامها. وما إن وقع نظر عمر عليها حتى تسمرت قدماه. كانت ملامحها مألوفة بشكل صادم. عجز لسانه عن النطق للحظة، ثم همس بصوت متهدج، وقد تملكته الدهشة:
إنتِ؟... معقول ده ابنك؟
************
يتبع ............
#سلمي_سمير
البارت الثامن
اسمى معاني العشق
.**********
من أمام شقة عمر وقف ينظر إلى المنزل للحظة قبل أن ينزل، وكأن قدميه مترددة في المضي قدمًا. لم يكن يدري أن خطوته التالية ستفتح بابًا للقدر على مصراعيه. وبمجرد نزوله، اصطدم بشخص ما. رفع عينيه، ليجد "أمجد"، الطفل صغير يحمل ملامح بريئة، متجهًا نحو امرأة فاتنة تقف على مسافة قريبة. كانت تلك المرأة تمتاز بجمال هادئ ورقيق، جمال لا يُشبه أحدًا، كأنما خرجت لتوها من لوحة فنية.
توقف عمر فجأة، وكأنه أصيب بالصدمة، لينطق متلعثمًا، وعيناه تحدقان بها بذهول:
ندى؟! ده ابنك؟
رفعت ندى رأسها بابتسامة دافئة، تلك الابتسامة التي لم تفارق ذاكرته يومًا، وردت بصوتها الناعم:
ـإزيك يا باشمهندس عمر؟ أخبارك إيه؟ وسعاد عاملة إيه؟ وحشتني أوووي. أيوه، ده أمجد... ابني الوحيد.
تسمر عمر في مكانه، وكأن الزمن توقف عند تلك اللحظة. بدأ يتأمل ملامحها التي لم تتغير كثيرًا، بل ازدادت نضجًا وسحرًا. عيناه تجولان بين ملامحها ووجه الطفل، وكأنما يحاول أن يجد إجابة على أسئلة لم تُطرح بعد.
قالت ندى ابتسامة خفيفة وهي تلوح بيدها أمام وجهه:
يا باشمهندس! بكلمك... رحت فين؟
انتفض عمر كمن استيقظ من حلم طويل، ورد سريعًا وهو يحاول أن يضبط نبرة صوته:
آه... أيوه! إحنا بخير، الحمد لله.
ثم انحنى ليحتضن أمجد بقوة، كأنما يحاول إخفاء اضطرابه وحنينه اليها خلف تلك اللحظة. أكمل وهو ينظر إلى الطفل:
كان لازم أتوقع إنه ابنك... كله إنتِ! جميل زيك.
ارتبكت ندى قليلًا واحمر وجهها خجلًا، وردت علي استحياء وبصوت خافت :
شكرًا ليك يا باشمهندس
ثم تابعت بنبرة مليئة بالقلق:
طمني على سعاد، من فترة اختفت وما شُفتهاش من آخر مرة كانت هنا. جيت أسلم عليها بعد رجوعي وما لقيتهاش تاني. لما شفت البلكونة مفتوحة، قلت أكيد رجعت، لكن شفتك إنتَ وقلت أبعث أمجد يطمنّي. هي فوق معاك ولا لأ؟
عايزة أطلع أقعد معاها شوية... إنتَ عارف مليش أصحاب غيرها.
شعر عمر بوخزة في قلبه وهو يسمع كلماتها. قال وهو يحاول أن يسيطر على مشاعره:
هي سعاد تعرف إنك رجعتي من السفر؟
ردت ندى بابتسامة حزينة تخفي خلفها الم عميق:
أيوه، أول ما وصلت سألت عليها. وعرفت إنكم اتجوزتوا في شقة والدتها من 3 سنين. طلعت وقعدت معاها، واتفقنا إنها تجيلي تاني يوم، لكن للأسف اختفت وما شُفتهاش من يومها. لما شفت البلكونه مفتوحه دلوقتي، قلت لازم أسأل عنها.
تردد عمر للحظة قبل أن يسأل بنبرة غلبت عليها الحيرة:
إنتِ رجعتي من السفر إمتى؟
قالت ندى وهي تحاول استرجاع التفاصيل:
ـمن حوالي تسع شهور تقريبًا... كان تاني يوم في السنة الجديدة.
تسمر عمر في مكانه، وكأن الزمن يعيد أمامه شريطًا من الذكريات. يومها، طلبت منه سعاد ألا يعود إلى الشقة مجددًا، وأصرت على بدء حياة جديدة معه، رغم مخاطر العملية التي كانت على وشك الخضوع لها. تذكر كل تلك التفاصيل التي لم تكن منطقية في حينها. هل كان كل ذلك هروبًا من ندى؟
هل مازالت سعاد علي يقين أني لا زالت احمل مشاعر قديمة إلي ندى؟
قطع صوت ندى أفكاره وهي تسأله بقلق:
مالك؟ سرحان كده ليه؟ هي سعاد تعبانة ولا حاجة؟
رد عمر وهو يحاول أن يبدو طبيعيًا:
ـآه تعبانه، هي في المستشفى دلوقتي... قربت تولد.
أشرق وجه ندي بفرحة خالصة وقالت:
بجد؟ أخيرًا! أنا فرحت ليكم جدًا. ربنا يقومها بالسلامة. طيب ينفع أجي معاك أزورها وأطمن عليها؟ أصلها وحشتني قوي.
ابتسم عمر بخفة فقد منحه القدر فرصه اخري للقاءها والحديث معها والان مرافقتها وقال:
أكيد، تفضلي اركبي معايا أوصلك.
قالت ندى وهي تتجه نحو الباب:
ممكن ثواني أبلغ أختي هند إني جاية معاك وأسيب لها أمجد لحد ما ارجع،
ظل عمر في مكانه، يراقبها وهي تتحدث مع أختها، ثم نظر إلى أمجد الذي سبقها الي الاعلي ويقف الان بالشرفه لوداع امه. حينها شعر بشيء يتحرك داخله، وكأن جزءًا من روحه كان نائمًا واستيقظ فجأة. وحدث نفسه سائلًا ندى...
كيف يمكن للقدر أن يجمعهما ثانيةً بعد كل هذه السنين؟
حين عادت ندى وجلست بجواره في السيارة، كان الطريق مليئًا بالصمت الذي يقطعه بين الحين والآخر محاولاته للتحدث معها. أراد أن يعرف عنها كل شيء: حياتها، ابنها، وعلاقتها بزوجها. لكنها، كعادتها، كانت خجولة جدًا وقليلة الكلام، لتبقى الأسئلة حبيسة ذهنه والحنين يطرق قلبه من جديد.
*********
وصلوا المستشفى في هدوء، كل منهما غارق في أفكاره. أوقف عمر السيارة أمام المدخل، ثم توجه سريعًا ليطلب الإذن بالدخول إلى غرفة سعاد. كان يعلم أن رؤيتها ستجعله يهدأ ولو قليلاً وسط تلك المشاعر المتشابكة التي أثارتها عودة ندى
في طريقه إلى غرفة سعاد كان يشعر بثقل الكلمات التي قد تواجهه بها. رغم احترامه العميق لها، إلا أن وجود ندى مجددًا في حياتهما أيقظ اخاسيس كان يظن أنها اندثرت منذ سنوات.
فتح باب الغرفة بحذر ليجد سعاد مستلقية، شاحبة الوجه ولكن ملامحها أضاءتها ابتسامة حين رأت وجهه. قالت له بنبرة تحمل بعض العتاب:
كل ده يا عمر؟ اتأخرت عليا ليه؟ أنا محتاجاك جنبي
اقترب منها ببطء، جلس على الكرسي بجوار سريرها وأمسك بيدها برفق. كان يريد أن يطمئنها، لكنه شعر بثقل الكلمات في حلقه. فقال بهدوء:
معلش، كنت بجمع الحاجات اللي طلبتيها، وسلمت على أصحابي اللي شفتهم في الطريق، وكمان كان في ناس بتسأل عليكِ.
نظرت إليه بفضول:
طيب فين الحاجات اللي جبتها؟ ومين اللي سأل عليّا؟
ضحك بخفة وهو يمسك بيدها قائلاً:
صبرك شوية، معايا مفاجأة هتفرحك جدًا!
وقبل أن تسأل، فتح عمر باب الغرفة ببطء، لتدخل ندى بخطوات متسارعة. وما إن وقعت عيناها على سعاد حتى اندفعت لترتمي في حضنها بقوة.
وحشتيني أوووي يا سعاد! انت تعبانه من أمتي؟ كده توعدينّي بالزيارة وتختفي بعدها! لا حس ولا خبر! قلقتيني عليكِ موت، ومعرفتش أوصلك بأي طريقة. لولا الصدفة اللي جمعتني بجوزك كنت هتحرم أشوفك تاني!
رغم رسم السعادة علي محياه عند لقاء ندي الا انها شعرت بشيء من التوتر الذي ظهر جليًا في ابتسامتها المرتبكة. قالت وهي تحاول السيطرة على مشاعرها.:
وانتي كمان وحشتيني يا ندى، لكن غصب عني... الحمل كان خطر جدًا عليّ، والدكتور منعني من أي حركة. حتى ما كانش معايا رقمك علشان أطمّنك عليا
كان عمر يقف على مسافة منهما، يراقب المشهد بصمت، وكأن كلماته لا تجد لها مكانًا وسط الذكريات والمشاعر التي عادت للحديث عما فات. قطع الصمت بصوت هادئ بينما عيناه تنتقلان بين زوجته وصديقتها:
طيب انا هخرج وأسيبكم تطمّنوا على بعضكم، واضح إنكم وحشتوا بعض.
غادر عمر الغرفة متجهًا إلى الطبيب ليسأل عن حالة زوجته فساله بنبرة قلقة:
طمني يا دكتور، الوضع إيه مع سعاد؟ في أي جديد؟
ابتسم الطبيب مطمئنًا:
الحمد لله في تحسن كبير، وإن شاء الله تولد على خير قريبًا.
تنفّس عمر الصعداء، وشكر الطبيب قبل أن يخرج ليتجول قليلاً في أروقة المستشفى. أراد أن يمنح سعاد وندى بعض الوقت ليعوضا سنوات الفراق، ولكنه في داخله كان قلقًا من تلك المحادثة.
بعد نصف ساعة، عاد عمر إلى الغرفة ليجد ندى قد رحلت. نظر إلى سعاد وسأل باستغراب:
هي ندى راحت فين؟
نظرت إليه سعاد بعينين متحفزتين، وقالت بصوت يحمل ظلال غضب مكتوم:
مشيت... إيه؟ زعلان عليها؟
أجابها بدهشة:
زعلان؟ لا، بس كان لازم أوصلها زي ما جبتها. هي مشيت بسرعة كده ليه؟
نظرت إليه نظرة تحمل مزيجًا من الحزن والغيرة:
مشيت علشان اتأخرت على ابنها... وقالت إنها هترجع بكرة تطمّن عليا. طبعًا هستناها مش كده!
شعر عمر بتوتر يختبئ خلف كلماتها. اقترب منها وقال بلهجة حازمة،:
مالك يا سعاد؟ في ايه أسلوبك غريب وكلامك فيه استفزاز. هو إنتِ كنتِ تعرفي إن ندي رجعت مصر؟
نظرت إليه سعاد بحدة، وقالت بصوت مرتفع:
أيوه، كنت أعرف! ممكن اعرف بتسال ليه أو يخصك في إيه؟
نظر إليها بدهشة، ثم تراجع بضع خطوات إلى الوراء وهو يتأمل ملامحها المشحونة بالغضب. قال بهدوء:
آه، دلوقتي بس فهمت... علشان كده طلبتي نسيب شقتنا في شبرا ونروح شقة تانية. علشان رجعت! للدرجة دي ما عندِكش ثقة فيّا؟
انفجرت سعاد غاضبة رغم حالة الإعياء التي بها :
أيوه، معنديش ثقة فيك! لأنك بتحبها! قلبك كان حزين على فراقها طول فترة جوازنا، وخفت تاخدك مني. مش حقي اخاف عليك يا باشمهندس ولا ايه
ومالك كده اتغيرت معايا ليه من وقت ما شفتها أية؟اشتقت ليها ونفسك ترجعلك؟
صدمه كلامها، ولكنه حاول أن يهدئ من غضبه وقال بصوت مرتفع محاولًا السيطرة علي نفسه:
أسلوبك ده غلط! إنتِ اتجننتي الظاهر كده؟
دي واحدة متجوزة، وإنتِ مراتي! ندى ماضي وانتهى، وإنتِ الحاضر والمستقبل، واللي هيجي هيكون سبب لاستقرار اسرتنا إحنا الاتنين وبس!
لم تستطع سعاد السيطرة على دموعها. فاندفعت تطلب حنانه واحتواءه لها برجاء قائلة:
عمر... ارجوك احضني! أنا بحبك أوووي...
اقترب منها واحتضنها بحنان، وهمس في أذنها:
اهدي يا سعاد وياريت تفهمي انت مرتي وحياتي معاكي وليكي انت لابننا وبس فاهمه،
قبل راسها ودثرها وهتف بصوت حنون يمتزج بحزن دفين لا يعلم سره:
خلي بالك من نفسك واهدي... أنا ماشي دلوقتي، والصبح هكون عندك زي كل يوم.، تصبحي علي خير
خرج عمر من الغرفة تاركًا سعاد تنظر إليه مودعا إياه بعينين مليئتين بالدموع، كأنها تعاقب نفسها على ما قالته. كانت تعرف أنها تجاوزت الحدود، وأن كلماتها الحادة لم تجرحه فحسب، بل ربما هزّت شيئًا في عمق علاقتهما. ومع ذلك، لم تكن قادرة على إخفاء غيرتها التي تلتهم قلبها كلما فكرت في ماضيه الذي لم تستطع تجاوزه.
************
وصل عمر إلى شقته، بدا وكأنه يحمل هموم العالم على كتفيه. أغلق الباب خلفه بهدوء ثم جلس على كرسيه، متأملاً الفراغ من حوله. في داخله كانت العواصف تتناوب، أسئلة بلا إجابة، وشكوك كخناجر تنغرس في صدره.
حدث نفسه بصوت خافت، وكأنه يبحث عن تفسير يقنع عقله بها لعله يرتاح:
ليه سعاد بتتصرف كده؟ دا انا جوزها وعايش ليها ومعاها، وكلها ايام وبنتنا جاية للدنيا، كل ده المفروض يكون كفاية يخلينا أقرب لبعض...
ثم ندى دي متجوزة وعندها طفل! عمري ما فكرت فيها من وقتها، ولا حتى كانت موجودة في حياتي بالشكل اللي بتتخيله!
تنهد بضيق غير قادر علي استيعاب غيرة سعاد:
معقول مبقاش عندها ثقه فيا خلاص بالشكل ده؟
طيب فين ثقتها في صديقتها؟ ندى عمرها ما فكرت فيا ولا حست بحبي ليها تغير منها ليه ....
انا بس اللي حبتها، يارب صبرنا واهديني واهديها وعديها علي خير .....!!!
شعر بثقل الأفكار يغزو عقله كعاصفة لا تهدأ. قام إلى الفراش، محاولًا الانغماس في النوم، لكنه لم يجد سوى ذكريات تشتعل من جديد، وأصوات داخلية تحاصره. أغمض عينيه لكنه لم يهنأ بلحظة سكون.
وفجأة، شق صوت الهاتف هدوء الليل. انتفض عمر من مكانه، ورفع السماعة بيد ترتعش وقلق يملأ صوته:
ألو؟ خير يا دكتور؟
جاء صوت الطبيب من الطرف الآخر حادًا ومقتضبًا: احضر فورًا!
تجمدت أنفاس عمر للحظة، وأدرك أن الليل الذي بدأ مفعمًا بالتوتر لن ينتهي بسهولة.
*****************
#سلمى سمير
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا