رواية بكِ أحيـا (آخر طوق للنجاة) الفصل الرابع وعشرون والخامس وعشرون بقلم ناهد خالد (حصرية وجديدة في مدونة قصر الروايات)
رواية بكِ أحيـا (آخر طوق للنجاة) الفصل الرابع وعشرون والخامس وعشرون بقلم ناهد خالد (حصرية وجديدة في مدونة قصر الروايات)
بك أحيا
الفصل الرابع والعشرين "من أنتَ"
وصلت للبناية الساكنة فيها وصعدت درجاتها بارهاق بعد يوم طويل كالعادة، ولكنها شهقت بصرخة كُتب لها الكتم حين وُضع كف غليظ فوق فمها، مكبلة من الخلف بذراع قوية وكف يمنع خروج صوتها، وجسد بدى قويًا يصطدم بظهرها، كل هذا جعل جسدها ينتفض بقوة ودموعها تهوى بفزع، حاولت التملص أكثر من مرة لكنها لم تنجح، واستمعت لصوته الكريه يهتف بجوار أذنها:
_ بقى مراتي جاتلك عشان تحذرك أنتِ والواد ابن ال **** مني مش كده! هي بقى وخدتها جزتها، وجه وقتك تاخدي جزاتك عشان رفضتي تتعاوني معايا ووقفتِ في صف ننوس عين امه.
حاولت التملص وهي تتحرك بلا هواده والذعر تملكها أكثر، ولكن قبضته المحكمة عليها حالت دون ذلك، وفي اللحظة التالية كانت تتلقى عقابها كما أشار منذُ قليل، فوجدت رأسها تُصدم بالحائط المقابل لها بقوة طفيفة جعلتها تشعر بأن رأسها قد رُجت من الداخل، وانتابها دوار طفيف، جعلها تستند على الحائط بضعف بعدما تركها أخيرًا وهو يقول:
_ دي قرصة ودن بسيطة، المرة الجاية صدقيني هتندمي إنك وقفتِ مع واحد وقف في وش الوحش، وهعتبرك عدوتي زيه.
أنهى حديثه ونزل الدرج في ثواني تاركًا إياها وقد تهاوى جسدها أرضًا بتعب بعدما شعرت بسيل خفيف من الدماء يسير فوق جبهتها نزولاً لوجنتها اليمنى، ظلت هكذا لثواني حتى استطاعت أن تشعر بخفة الدوار فنهضت مستندة على الجدار لتصعد بعض الدرجات الفاصلة بينها وبين شقتها، وضعت المفتاح في الباب وفتحته ببطء كي لا توقظ شقيقها في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل ويفزعه مظهرها هكذا، ونجحت في أن تدلف دون ضوضاء، حتى وصلت لحمام الشقة والتقطت علبة الاسعافات الأولية واتجهت بها لغرفتها كي تداوي جرحها.
وقفت أمام المرآة تعقم الجرح وتمسح الدماء المنسدله منه وهي تتأفأف بغيظ محدثة نفسها:
_ أنا ايه دخلني في الموضوع من أصله! حاجه غريبة بجد أنا لا اتكلمت ولا اتنيلت ودخلوني في الموضوع بالعافية.
استمعت لرنين هاتفها فاتجهت له لترى من المتصل، وجدته رقم غير مسجل، وهذا جعلها تحتار هل تجيب أم لا، ولكن ضرب في رأسها أن "زين" قد أخذ رقمها فلّعله هو المتصل! وهذا ما جعلها تفتح الخط مقررة القاء السلام ولكن قبل أن تقول أي شيء، وجدته يندفع كالاعصار وهو يسألها بهياج:
_ ابن ال**** ده كان بيعمل ايه في بيتك؟
ابتلعت ريقها مجفلة من اندفاعه الغير متوقع، وقد خشت نبرة صوته حقًا، فحاولت الرد بهدوء كي لا تخلق مجزرة على وشك الحدوث إن سمع "زين" منها ما لا يرضيه:
_ مفيش حاجه.. هو مجاش أصلاً.
استمعت لصياحه بها مرة أخرى:
_ متكدبيش، أنا متأكد انه كان عندك، هتخلصي وتقولي ولا اروح اسحله من بيته دلوقتي من غير حتى ماعرف عمل ايه.
حسناً هي ترى جانب في شخصيته لم تراه من قبل، ولم تتوقعه! ولكنها كانت محقة حين قررت عدم اخباره بما حدث، فأصرت على قرارها، واجابته ببعض الحقيقة وهي تخبره:
_ تمام، هو فعلاً كان هنا، كان مستنيني على السلم، وأول ما شافني هددني ان دي اخر مره هيحذرني فيها، وقالي انه عارف ان مراته جاتلي هنا، وانها جت تحذرني منه، وقالي لو اتدخلت في الموضوع تاني بأي شكل مش هيحصل كويس.. بس كده، ممكن تهدى بقى!
وهل سيهدأ وهو يسمع منها قدومه لها في دارها وتهديده السخيف ذاك! هل سيهدأ وهو يعلم أن أحدهم يطاردها وبث بعض الخوف في نفسها! لا لن يهدأ حتى يلقنه درسًا يجعله يتجنب رؤية ظلها حتى..
_ تمام.
فقط! فقط هذا ما قاله قبل أن يغلق الخط في وجهها! ولكنها لم تهتم كثيرًا وهي تفكر فقط، في سبب انفعاله الزائد هذا! ومن أين علم وجود الوحش في منزلها؟ هل يراقبها؟ ولِمَ يفعل؟ بدت تشعر بتصرفات غير مفهومة من جهته، تصرفات لا تصدر سوى من شخص مهتم! ولِمَ يهتم لها؟ هل تعجبه أم تراوده مشاعر تجاهها؟!
زفرت أنفاسها بقوة وهي تستشعر ارتفاع وجيب قلبها وقالت:
_ وبعدين بقى، بلاش افكر كده ليكون بيتعامل معايا عادي واكون وهمت نفسي على الفاضي.
وهكذا قررت بالفعل كي تنهي افكارها الغريبة التي بدأت تراودها..
-------------------
فتحت عيناها للدنيا مرة أخرى وهي تشعر أنها حقًا قد عادت من الموت، التقطت أنفاسها المختنقة، واعتدلت في نومتها جالسة بعدما أبصرت "باهر" أمامها، نظرت له بتيه في بادئ الأمر حتى تذكرت ذلك الدخان الكثيف الذي قابلها فجأة حين فتحت باب غرفتها، كان كثيفًا لدرجة انها لم ترى أمامها وثواني ووجدت ذاتها غير قادرة على التقاط أنفاسها، شعرت بالاختناق، وكأن أحدهم يطبق على عنقها، مما جعلها تسقط فاقدة للوعي، وهي تشعر بأنها نهايتها..
تساقطت دموعها بخوف حقيقي حين عاد ذلك الشعور ليراودها مرة أخرى، وثواني وكانت تنساق لبكاء قوي أخرجت فيه كافة مشاعرها السلبية، وهو تركها لأنه يعلم حالتها الآن... حتى بدأت تهدأ فهتف برفق:
_ هديتي شوية؟
هزت رأسها بايجاب وهي تمسح دموعها، فسمعته يسألها باستفسار:
_ ايه الي حصل؟
ضمت شفتيها بأسف وهي تكبح بكاءها بينما تخبره:
_ مخبراش.. انا فجأة شميت ريحة دخان، افتكرت اني كنت سايبة الطاسة على النار وفيها زيت بيسخن عشان اجلي بطاطس، جريت افتح الباب لجيت دخانه رهيبة جابلتني معرفتش اوصل للمطبخ اصلاً، واتخنجت فوجعت على الأرض.
هز رأسه بيأس منها وهو يردف:
_ وبعدين يا فريال، انتِ مش ناوية تركزي شوية، من وأنتِ صغيرة وموضوع النسيان ده عندك مش طبيعي، مجرد ما بتنشغلي بحاجة تانية بتنسي الي كنتِ بتعمليه.
- اعمل ايه طيب هو بمزاجي!
_ ما أنتِ كده خطر تقعدي لوحدك.
أردف بجملته التقريريه وهو يفكر في حل لتلك المعضلة، حتى وجده أخيرًا، حين ضربت فكرة ما برأسه، فقال:
_ تحبي تروحي تقعدي مع خديجة؟
رفعت رأسها له على الفور تسأله بلهفة حقيقية:
_ هو ينفع؟
اومئ برأسه وهو يخبرها:
_ ينفع، بس هيكون بعيد شوية عن الجامعة.
- مش مشكلة، بس انا هكون مرتاحة اكتر.
اومئ برأسه متفهمًا، فهو يعلم ارتباطها بخديجة، واشتياقها لها منذُ غابت عنهم، وبالأخير هي فتاة مثلها فسيكون التعامل بينهما اسهل على أي حال، وستستطيع المكوث معها بنفس المنزل:
_ تمام، هكلمها اعرفها واشوف هتقول ايه؟
_ هي ممكن ترفض؟
سألت بها "فريال" بجبين مقطب استغرابًا، واكملت حديثها متسائلة:
_ هي زعلانة مني يا باهر؟ الي حوصل مكنش ليا دخل فيه، بس يمكن زعلانة مني عشان الي أمي سوته!
نفى برأسه وهو يجيبها:
_ لأ، ليه بتقولي كده! خديجة مبتاخدش حد بذنب حد، هي بس يمكن خافت تتواصل معاكِ ليعرفوا، وبقول هعرفها عشان طبيعي اعرفها الأول، اكيد مش هتطبي عليها فجأة كده.
لم تقتنع كليًا بحديثه لكنها قررت تمريره، فأومأت له برأسها بارهاق، فنهض هو قائلاً:
_ هروح انام بقى، وبكره هجيب حد يدهن المطبخ الي باظ ده عشان صحاب الشقة ميكتشوفش الي حصل، تصبحي على خير.
_ وأنتَ من أهل الخير.
رددتها وهي تنهض مغلقة الباب خلفه، ولم تعلم لِمَ لكنها شعرت برغبة ملحة لتحدثه.. هو زوجها، من لم يعاود مهاتفتها كما أخبرها! لكنها لم تهتم الآن، والتمست له ألف عذر، ورغم تخطي الساعة الثانية صباحًا، لكن رغبتها الملحة دفعتها لمهاتفته غير عابئة بالتوقيت، امسكت هاتفها وبتردد طفيف كانت تطلب رقمه، وفي الرنة الأخيرة بعد ان تملكها اليأس كان يجيب مكالمتها، ليشرق وجهها وهي تستمع لصوته، كان واضحًا من نبرته أنه كان نائمًا، فكان أول ما هتفت بهِ:
_ أنا أسفة إني صحيتك.
اتاها صوته الاجش وهو يسألها:
_ في حاچة حوصلت!؟
شعرت انها قد تسرعت حقًا، فكان عليها الإنتظار للصباح حتى! لم يكن عليها الاتصال بمثل هذا الوقت، فقالت بارتباك:
_ لا، خلاص كمل نومك.
انتفصت فجأة على نبرته الهادرة بها وهو يقول:
_ ايه الهزار الماسخ ده! بتتصلي جرب الفجر وبعدين تجولي كمل نومك!
ادمعت عيناها من حديثه وهي بالأساس لا تحتمل أي غضب منه، فيكفي ما عانته منذ قليل، وكي تتجنب غضبه قررت اخباره بالسبب الحقيقي لاتصالها، فقالت بنبرة مختنقة:
_ أنا... أنا الشجة كانت بتولع بيا من شوية، ولولا باهر كسر الباب ودخلي مخبراش كان جرالي ايه، خصوصًا ان اغمى عليا من ريحة الدخان.
وياليتها لم تخبره فبكل برود كان يعقب على حديثها:
_ زين، بتتصلي بيا دلوجتي ليه؟ مش هو لحجك وبجيتي زينة! هسوى ايه اني زيادة!
_ أسفة إني جلجتك.
واغلقت المكالمة، ليس لشيء، سوى لكي تنهار في البكاء، اوجعها رده، جعلها تشعر ان حياتها لا تفرق معاه في شيء، رده الذي لم تتوقع أن يكون قاسيًا هكذا! لجأت له لأنها شعرت أنها تريد طبطبته عليها بشكل او بآخر، شعرت أن مجرد الحديث معه سيبثها الأمان، لانها وللأسف ليس لديها أم كباقي الأمهات تخشى عليها ويهمها أمرها لتحدثها، بالعكس هي موقنة أن رد والدتها كان سيكون أقسى، لهذا لم تحاول محادثتها حتى.. وبين قسوة وأخرى تُدهس هي وسط إناس قاسية قلوبهم كقسوة الحجارة وأشد قسوة.. لم تمر عليهم المشاعر الإنسانية بكافة معانيها..
---------------
دلفت للمطعم بقلب يخفق وجلًا مما على وشك الحدوث، تعلم أن ذلك الهائج في مهاتفته معها أمس حين يرى جرح جبينها والملصق الذي وضعته لتخفيه، ستثور ثائرته، ربما السبب الرئيسي سيكون كونها كذبت عليه ولم تخبره بكل ما حدث، لم تخبره أن ذلك الحقير قد رفع يده عليها مثلاً! هل يجب أن تخشى رد فعله؟ لِمَ؟ هو لا يخصها بشيء! لكنها تفعل!!
بدلت ملابسها وخرجت من الغرفة الخاصة بالتبديل متجهة لمحلها كالسارقة تمامًا، تخشى أن يراها رغم معرفتها لحدوث ذلك بالتأكيد، وقفت تجهز لعملها، كانت مستديرة حين سمعت صوته من خلف ظهرها يهتف بنبرته المميزة:
_ مساء الخير يا خديجة.
ارتفع وجيب قلبها، وشعرت بالدماء تموج في رأسها وهي تجيبه بتوتر دون أن تستدير:
_ مساء النور.
عقد حاجبيهِ باستغراب لعدم استدارتها له، هل هي مشغولة فيما تفعله لهذه الدرجة!؟
_ عاملة ايه دلوقتي؟
وللمرة الثانية كانت تجيبه بنفس الوضعية:
_ الحمد لله.
تحركت بخطواته مجتازًا القطعة الرخامية الكبيرة وقد تأكد بوجود خطب ما بها، وبعدما أصبح خلفها تمامًا كان يسألها:
_ أنتِ بتكلميني بضهرك ليه؟
توترت أكثر حين شعرت بهِ خلفها وسمعت صوته القريب، إذًا لا مفر، هكذا قالت لذاتها وهي تستسلم لتستدير له بثبات واهي:
_ مفيش انا بس كنت....
ارتدت للوراء بأعين متسعة حين رأت نظرته تلك... كانت نظرة سوداوية بحتة، لا يتخللها أدنى شعاع نور، نظرة تعبر عن كثير من الغضب والشر الذي انتباه فور وقعت عيناه على ضمادة جرحها، اصطدام ظهرها بالقطعة الرخامية خلفها هو ما اوقفها...
_________________
استيقظت "هاجر" من نومها على صوت رنين الهاتف، لتتأفأف بنزق فقد انهت عملها صباحًا وكانت تريد النوم حتى المساء دون أن يوقظها أحد، مدت ذراعها تلتقط الهاتف وقد نوت اغلاق المكالمة، لكن سرعان ما أفتر ثغرها عن ابتسامة محبة حين قرأت اسم المتصل والذي لم يكن سوى حرفان "Sh"، اجابت المكالمة وهي تردف بصوتٍ ناعم:
_ صباح الخير.
اتاها الصوت على الجهة الأخرى:
_ صباح الورد على عيون أجمل جوجو... بس احنا بقينا العصر.
اجابته مبتسمة:
_ خلصت شغل الصبح، فنمت محستش بنفسي.
همهمة بسيطة ظهرت منه ثم سمعت صوته يقول بنبرته التي تذوب بها:
_ وحشتيني.
اغمضت عيناها تستشعر حلاوة كلمته مع نبرته التي تدلف لاعماقها دون حاجز:
_ وأنتَ كمان وحشتني اوي.
_ هنتقابل امتى طيب؟ أنا مبقتش متحمل كل البُعد ده، احنا بقالنا ٣ شهور متقابلناش.
بدت نبرته نزِقة، وغير محتمل بُعد أكثر حقًا، مما جعلها تنصاع لرغبته وهي تخبره:
_ خلاص يا حبيبي ايه رأيك نتقابل على ١ بليل كده.
_ تمام، بس متتأخريش عشان مفتاح الشقة ضايع مني على ما اطلع نسخة.
ابتسمت بلطف وهي تخبره:
_ عيوني، يلا بقى سبني اكمل نوم.
استمعت لرده العابث وهو يخبرها:
_ هسيبك طبعًا، عشان تفوقيلي بليل، بقولك بقالنا ٣ شهور متقابلناش!
ضحكت بدلال انثوي ازاد من اشتياقه وهي تقول:
_ خلاص بقى.. فهمت على فكرة، يلا باي.
تنهيدة قوية صدرة منه تبعها بقوله:
_ باي يا حبيبي.
اغلقت الهاتف لتتسطح بظهرها فوق الفراش وابتسامة واسعة تزين ثغرها وهي لا تصدق أنها ستجتمع بهِ أخيراً اليوم بعد ثلاثة أشهر من الاشتياق!
_____________
ابتلعت ريقها بوجل، وهي تتابع نظراته، ذكرتها بأحدهم! وهذا ما جعلها تغمض عيناها لوهلة لتزيل من ذاكرتها شبح تلك النظرات المماثلة التي تأتي لها من ماضي بعيد، وفي أثناء هذا وقبل أن تفتح عيناها كانت تشهق بخضه حين شعرت بأصابعه فوق جبهتها، فتحت عيناها وهي تحاول التراجع بنصف جسدها العلوي قدر الإمكان وتحرك رأسها بعيدًا عن مرمى يده بأعين متسعة، لكنه فاجئها حقًا بخطوته التالية حين أمسك بفكها بقوة ليثبتها وهو يهتف بنبرة خشتها:
_ اثبتِ.
ولا تعلم كيف، لكنها ثبتت! ثبتت محلها كالتمثال تمامًا، وكأن كلمته اعطت الأمر لجسدها فورًا دون الرجوع لها.
خفتت انفاسها، بل في الثانية التالية كانت تحبس نفسها تمامًا، حين كان بهذا القرب، الفاصل بين وجهه ووجهها لا يتعدى العشر سنتيمترات! حتى كادت تشعر بقرب ملامسة أنفه لأنفها.
يتملكه طاقة غضب إن أذن لها بالخروج ستحرقها هي أولاً، فقط لانها كذبت عليهِ بالأمس حيال حقيقة ما حدث، لم تخبره أن ذلك اللعين قد ضربها، لو أخبرته لضاعف ما تلقاه على يده أمس، وهذا ما يشعره بضرورة زيارة أخرى له! بأصبعيهِ كان يزيل اللاصق الطبي الذي وضعته برفق ليتفحص جرحها، يعلم اهمالها جيدًا فأراد أن يطمئن على حالة الجرح لعلّه يستدعى رؤية طبيب، أزال اللاصق لتتجعد ملامحها قليلاً أثر نزعه، وظهر جرحها الذي لم يكن يستدعي رؤية طبيب لكنه لم يكن هين أيضًا فقد تورم المكان حول جرحها، ولم يأخذ الجرح مكانًا هينًا، حبس أنفاسه الحارقة في صدره وهو يسألها بخبرة:
- خبطك في الحيطة؟
اتسعت عيناها ذهولاً فكيف تبين الأمر! تجاهلت ذهولها وهي تحاول شرح الأمر له:
_ هو مكانش...
ابتلعت باقي حديثها بشهقة حين تحرك كفه القابض على فكها ليقبض على كتفها بقوة آلمتها وهو يردد محذرًا:
_ خديجة!
وجدت ذاتها تومئ برأسها وقد خشت شره! خشت ما تراه في عينيهِ وقوته المباغته التي بدأ في استخدامها عليها! زفرة حارقة خرجت منهُ اصطدمت بوجهها قبل أن يسألها ثانيًة:
_ عمل ايه تاني؟
هزت رأسها بسرعة وهي تخبره بصدق:
- معملش والله...
ثبت نظراته لنظراتها للحظات استشف فيها صدقها، ليخفف قبضته من عليها وتحتل عيناه نظرات غامضة، قبل أن يربط بكفه على كتفها برفق وهو يخبرها:
- اهدي.
وقد قالها بعد أن أصبحت أنفاسها متسارعة من كثرة الضغط الذي وضعها بهِ، رفع كفه الممسك باللاصق الطبي ووضعه على جبينها باهتمام ورفق، قبل أن يرحمها أخيرًا ويبتعد..!!!
سُلطت نظراتها على ظهره بينما يسير مبتعدًا، نظراته وقربه وحديثه واهتمامه، كل ما حدث منذُ قليل جعل شكها يبلغ العنان فوجدت ذاتها تقترب خطوتان قبل أن تهتف بصوت مرتفع بهِ اهتزاز واضح:
- مرااد..
والزلة قد أتت منهُ حين توقفت خطواته عن السير وتجمد محله، لتتسع عيناها بفزع، ويغمض هو عيناه لاعنًا ذاته من بين أسنانه.. فكيف له أن يخطأ خطأ كهذا؟! هل كشف عن ذاته للتو بغبائه!!!!
الفصل الخامس والعشرين.."المقتل الثاني"
"مابين الوقعة والنجدة لحظة تكن هي الفاصلة"
ابتلع ريقه بهدوء قبل أن يلتف لها بحاجبان مقطبان وهو يهتف بجدية زائفة:
_ مين مراد؟ كان معاه؟
للتو عاد تنفسها اليها، للتو استطاعت ان تأخذ انفاسها الذاهبة، زفرت نفسها بهدوء قبل أن تجيبه:
_ لا مش حد، انا بس اتلخبطت كان قصدي اناديلك.
ابتسم لها باصطناع قبل ان يحرك رأسه بلا معنى، ويلتف ذاهبًا.
وعلى باب المطعم توقف حين استمع لصوت طارق من خلفه ينادي عليه، فالتف له بملامحه التي عاد الغضب اليها الان ليحتل كل انش بها، ابتلع "طارق" ريقه بتوتر من ملامحه التي لا توحي بالخير ابدًا، واقترب منه حتى اصبح امامه فاردف بهدوء:
_ رايح فين بس يا باشا، مش كفايه اللي حضرتك عملته امبارح، احنا مش عايزين شوشرة اكتر من كده.
ابتسام ابتسامة صفراء وهو يجيب باقتضاب:
_ لا ما هو اللي انا عملته امبارح كان قبل ما اعرف اللي هو عمله بالضبط، ده له حساب وده له حساب ث
تاني،وانت عارف ما بحبش ابيت حساب حد عندي.
حاول طارق كبح انفعاله وهو يردف بضيق خفي:
_ هتعمل له ايه تاني؟ ما انت كسرت رجله وشوهت معالم وشه، في ناقص حاجه ما عملتهاش ولا ناوي تقتله المره دي يا باشا.
جعد "مراد" ملامحه باشمئزاز وهو ينظر ل"طارق" بجانب عينيهِ مردداً باستهزاء:
_ انا بحس ان بعد كل الكلام الي بتقوله في الأول ونبرتك دي، ماينفعش بعد كده ترجع تقول يا باشا.. يعني انت اللي باشا.
تنحنح طارق بحرج مردداً:
_ العفو يا باشا اكيد ما اقصدش، بس انا خايف على سعادتك، مش حابب نعمل شوشره هنا كمان والعين تبقى علينا وخصوصًا انك مش حابب تظهر شخصيتك الحقيقيه.
_ طارق اي كلام هتقوله وفره، عشان مامنوش فايده انا قلت هيتأدب يبقى هيتأدب.
حاول "طارق" الحديث مرة أخرى، لكن نظرة واحده من "مراد" كانت كافية لتجعله يصمت تمامًا، وتركه يذهب فما باليد حيلة وكان الله في عون ذلك الوحش!
___________________
دلفت للمطعم وهي تغمغم بكلمات غير مفهومة فاوقفتها خديجه وهي تسألها باستغراب:
_ مالك يا رنا؟ داخله بتبرطمي ليه؟ وشكلك متضايقه في حاجه حصلت في الطريق؟
اجابتها رنا بغيظ كان كافيًا لحرق ما حولها وهي تقول:
_ لا مش في الطريق ام 44 اللي انا ساكنه قصادها دي مش هترتاح غير لما اخنقها واخلص منها، الوليه دي ما بتتهدش كل يوم نتخانق، وكل يوم اسمعها كلام زي السم في جنابها، انها تتهد وتبعد عني ابداً وكأن جتتها نحست، خلاص بقى كيف عندها انها تتهزق مني كل يوم الصبح بتفور دم بنت ال****.
هزت خديجه رأسها بياس على مشاجره رنا وجارتها التي لا تنفك عن حشر انفها في حياه الاولى لتخبرها بمواساه:
_ معلش يا رنا، هدي نفسك شويه ووسعي خلقك، انتِ كده ممكن بجد في خناقه تعملي فيها حاجه وتجيبي لنفسك مصيبه، يا ستي اعتبري نفسك مش سامعاها وخليها تقول اللي تقوله يمكن لما تلاقيكي متجاهلاها تتهد شويه وتبعد عنك.
اجابتها رنا بضيق:
_ غصب عني انت ما بتسمعيش كلامها يا خديجه، بجد مستفزه بتقعد تخبط بالكلام وتحسسني زي ما اكون فتاة ليل عايشه معاها في العماره، حاطه نقرها من نقري، في الطلعه والنزله أي حد داخل عندي، حد طالع من عندي بتشوفني حتى لو داخله لوحدي من غير اي سبب تلقح بالكلام وانا اعصابي ما بتتحملش يا ستي.
اقتربت منها خديجه وهي تربط على ظهرها برفق:
_ معلش يا رنا معلش حاول تتحملي وتهدي نفسك، ولو عرفتي تنقلي انقلي يبقى احسن واهو تبعدي عنها.
نظرت لها بحزن حقيقي وهي تخبرها بابتسامه متألمه :
_الفكره مش في النقلان يا خديجه، والفكره مش بس في جارتي دي، اي مكان هروحه مجرد ما يعرفوا ان انا مطلقه وعايشه لوحدي هتلاقي واحد واثنين وعشره بيجيبوا في سيرتي، في الطلعه والنازله هتلاقي ده بيبص بصة مش ماتعجبنيش وده بيلقح بكلمه ماحبهاش، لو فضلت اهرب من كل مكان اروحه عشان حاجه قابلتني، يبقي مش هلاقي مكان اقعد فيه.
طالعتها "خديجه" بنظرتها الحزينه هي الاخرى وهي تسألها بتعجب مستنكره:
_ للدرجادي ؟!
تنهدت "رنا" بثقل وهي تجيبها:
_ اه للدرجادي، ما تعرفيش انتِ نظرة المجتمع للست المطلقه، والأحسن ليكِ ماتعرفيهاش، يلا خلينا نبدأ شغلنا، هروح اغير هدومي.
تابعتها خديجه بنظراتها، وهي حقًا حزينه على حال تلك الفتاة التي ظنت عندما راتها للوهله الاولى أن حياتها خاليه من أي مشاكل قد تقابلنا كبشر، لتتبين فيما بعد انها ليست بافضل حال منها!!
________________
وهل ذهابه له بمفرده يعد جرأه ام تهور؟!
في بداية الامر يبدو وكأنه يحمل كلا الاحتمالين، ولكن الحقيقه انه جرأه لمن يدرك مقدار قوته، وتهور لمن يشك بهذا.
ولأن "مراد"يدرك جيدًا ما هو قادر على فعله، فلم يكن ذهابه للوحش كما يُلقب، تهور ليس محسوبًا بل هي جرأه محسوبه، ولتأكيد الأمر فما يحدث الان خير دليل انه لا يندرج تحت بند التهور!
لولا تلك القماشه التي حُشرت عنوه في فمه، لاستمعت الحاره باكملها لصوت صراخه الان ولكن الفضل يعود للقابع فوقه! ليس باكمله ولكن بقدمه التي يضغط بها على ظهر الاول بقوه كادت تمنعه من التنفس، ويفعل بهِ الافاعيل..!!
وبعد عن انتهى من فقره التعذيب التي اعدها للقابع ارضًا، انحنى نصف انحنائه وهو يهمس لذلك الذي يتلوى المًا، بملامح قاسيه تدب الذعر في قلب كل من يراها:
_امبارح انا كسرتلك رجلك وعملت الصح في وشك، ما كنتش اعرف لسه اللي انت عملته معاها، اللي حصل لك بقى دلوقتي حسابك على كل اللي انت عملته امبارح، وصدقني لو بس لمحت ضلها وما ممشيتش من الشارع التاني، المره الجايه هاخد روحك وانا ما بهددش انا بعمل.. ونصيحه أخيرة مني، بلاش تتعامل معايا، انتَ ما تعرفنيش.. ويوم ما هعرفك بيا اعرف انها هتبقى آخر دقيقه في عمرك.
انها حديثه والتف خارجًا من المنزل بكل هدوء، كأنه لم يفعل شيء تاركًا خلفه جثه على قيد الحياه...!!!
_____________
اواخر يناير لعام ٢٠١٩..
اسبوعان آخران مروا....
وإن كنت تريد التعرف على ما حدث فيهما لدى ابطالنا فلنبدأ اولاً ب...
"مراد وخديجه"...
ما زالت العلاقه بينهما كما هي لم يحدث فيها تطورًا، ولكن مع مرور الأيام يزداد الشك بداخل خديجه ولا تعرف لِمَ احيانًا تتساءل عن السبب الحقيقي وراء شكها.. لكنها لا تدري تشعر وكأنه هناك شيء خفي بداخلها يهمس لها بأن الواقف امامها ليس سوى شخصًا من الماضي، شخصًا تعرفه جيدًا وتدعو الله ألا يكون هو...
وعن "مراد" فقد نجح في اخفاء ما فعله في ذلك الوحش، وحين سألته خديجه حين عاد يومها عن أين ذهب؟ اخبرها بكل هدوء وثقه انه كان لديه عمل ما تذكره فذهب ليقضيه، وقتها لم تقتنع باجابته لكنها حين لم تسمع فيما بعد شيئًا يخص ذلك الرجل ولم يتعرض لها شعرت بصدق حديثه، او ربما قررت تجاوز الامر فعل أي حال لم يحدث ما يثير شكوكها.
حدثها "باهر" منذ أيام عن أمر مكوث "فريال" معها بعدما اخبرها بما حدث في شقة الأخيره، ولأن خديجه لم تخبره بحالتها الماديه الحقيقيه التي تعيشها، ولم ترد ان يعرف شيئًا عن سوء وضعها تحيرت في قبول فريال للعيش معها، ولكنها بعد يومين شعرت بسخافة فعلها، فعلى أي حال لا يجب ان ترفض مكوث صديقتها معها، لذا تحدثت شخصيًا مع فريال ودعتها للقدوم والعيش معها، فاخبرتها الاخرى ان تعطيها يومان حتى ترتب اشياءها مره اخرى وتأتي اليها مع باهر، ومن المقرر ان تاتي فريال بعد الغد...
وعن "فريال" فلم تستطع منع نفسها من محادثه ابراهيم مره اخرى، رغم حزنها الشديد من طريقته في الحديث معها آخر مره وعدم اهتمامه بها ولامبالاته التي أوجعت قلبها، وعلى أي حال فهي كانت تعلم جيدًا انها إن لم تهاتفه فهو لن يفعل، لذا فلم تشاء ان تصنع فجوه بينهما، وللمرة التي لا تحسب لها عددًا تنازلت، وقررت هي محادثته، وكالعاده.. رده بارداً، غير مهتما، ومقتضبًا، وكأنه لا يريد تلك المحادثه وهي كالعاده تتجاهل..!!!
وعن "باهر وجاسمين" فقد ظهر الحساب الشخصي لها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أمام "باهر" ذات ليلة، او بمعنى أدق بحث هو عنه حتى وجده، فتصفحه ووجدها قد نشرت صوره لها من ذلك الحفل بذلك الفستان اللعين، وقد اظهر كل مفاتنها بلا استحياء، فلم يستطع منع ذاته من التعليق على تلك الصورة، ولأنه يعلم ان تعليقه لا يجب ان يراه العامه، فبعث لها على الرسائل الخاصه رساله مختصره كان مضمونها " على فكرة الفستان وحش والصورة وحشة" وتلك الرساله جلبت مشاجره كبيره بينهما تلك الليله.. استمرت لنصف ساعة تقريبًا حتى هدأت الأمور بالأخير، وقد اقتنعت جاسمين بحديثه، وأن تلك الصوره لا تبرز جمالها بل هي بالحقيقه تقلل منها وتجعل تفاصيل جسدها الخاصة متاحة للجميع كما أخبرها، وللعجب لم تعترف له بانها اقتنعت بحديثه، ولكن بعد دقائق كانت تمسح ذلك المنشور وازالت صورتها من على الحساب الخاص بها، وهو قد ارضاه ذلك بشكل او باخر فلم يهتم كونها لم تعترف بأحقيته في الحديث، فيكفي انها قد اقتنعت واخذت خطوه تثبت له اقتناعها بحديثه، ومن ذلك اليوم وتوالت الرسائل الشخصيه بينهما بمبرر وبدون مبرر، حتى بدأ يحكي لها عن مسار يومه ومشاكل عمله، وتحكي له عن صديقاتها وروتينها اليومي وما الى ذلك... ونشأت بينهما صداقه ما زالت تحبو حبوها الأول..
________________
_ محتاجه حد يفهمني ليه معظم الوقت وانا واقفه قدام زين او لما بيحصل موقف ما بينا بحس ان شايفه مراد قدامي، انا يمكن ما اعرفش مراد وما شفتوش لما كبر ولا عارفه شخصيته بقت عامله ازاي دلوقتي، بس الغريب ان انا بشوف الطفل اللي عنده 13 سنه... بشوف نظراته.. بحس بيه، رغم ان انا اصلاً في مواقف كثير قوي انا ناسياها، يا دوب اللي فاكراه ما بيني وما بين مراد اربع، خمس مواقف هي كل اللي انا فاكراهم من طفولتي معاه، ليه بشوفه في حد تاني؟ لما ناديت باسمه يومها كان جوايا يقين ان هو ده مراد، نظرته وقتها، طريقة كلامه، قربه مني، لمسته ليا، كل ده خلاني أحس انه لا مستحيل ما يكونش هو، لما وقف قلبي وقف معاه ما كنتش متخيله لو فعلاً هو وقف عشان ناديته باسمه الحقيقي وطلع هو الشخص ده كان رد فعلي هيكون ايه.. ده انا لمجرد اني تخيلت ان ممكن يكون هو حسيت اني مش قادره اخد نفسي! انا حيرانه وتايهه مش عارفه ايه اللي بيحصل حواليا؟ ومش عارفه ليه انا بحس كده!؟ عندك تفسير يا دكتور؟!
قالتها خديجه بحيره حقيقية، وهي تنظر "لكمال" طبيبها النفسي والذي وضع عويناته جانبًا ممسدًا مقدمة انفه باصبعه قبل ان يجيبها على تساؤلاتها قائلاً:
_ اولاً حابب اقول لك إنك مانسيتيش مواقفك مع مراد، انتِ اتناسيتِ يا خديجه، عقلك قصد انه ينسى كل ذكرياتك معاه، ماعدا كام موقف كده هم اللي فضلوا في ذاكرتك ما قدرتيش تنسيهم، منهم يوم موت ساره، لو بطلتِ تحملي مراد ذنب موت اختك هتلاقي نفسك بتفتكري كل ذكرياتك معاه.
_ مش عاوزه افتكر.. مش عاوزه افتكر اي حاجه بتربطني بيه، ولو اقدر انسى الكام موقف اللي لسه فاكراهم هعمل كده.
قالتها بعداء واضح ليهز كمال راسه يائسًا وهو يخبرها بثقه:
_ عرفتِ بقى انك مش ناسيه، انتِ اجبرتِ عقلك انه ينسى عشان انت مش متقبله اي موقف يجمعك بيه، زي ما قلتي.. ده مش موضوعنا دلوقتي ولا موضوعنا المهم هو زين وحكايته الأهم انتِ لسه بتشوفي ساره؟!
اومأت برأسها بضعف وهي تخبره:
_ رغم اني بقيت باخد الادويه.
_ خديجه انا ماقلتلكيش إن الدوا هو اللي هيخليكِ ماتشوفيهاش تاني، مش الدوا لوحده هو اللي هيساعدك، الأهم هو اللي انا طلبته منك قبل كده، انك تقنعي نفسك انك مالكيش ذنب في موت ساره قدرتي تعملي ده؟
هزت راسها نافيه بارهاق واجابته:
_ للاسف لأ، حاولت.. حاولت كتير بس ماقدرتش، في صوت في دماغي دايمًا بيقطع محاولاتي دي، ويقولي ان مهما عملت مش هقدر اكفر عن ذنبي في اللي عملته، مش هقدر اريح ضميري ناحيتها.
اخبرها " كمال" بجديه بحته:
_ خديجه انتِ عمرك ما هتقدري تسامحي نفسك، ولا هتعرفي تقنعي نفسك انك ملكيش ذنب غير لما تعملي حاجه الاول.
نظرت له بلهفه وهي تسأله:
_حاجة ايه؟
اخترقها بنظراته وهو يجيبها بثبات:
_ لازم الأول تقتنعي ان مراد ماكانش يقصد يقتل ساره وتسامحيه، لازم كل الحقد والغضب اللي جواكِ ناحيته يختفي، بل بالعكس وتحني لطفولتك مع اكثر شخص كان قريب منك.. مع صديقك الوحيد!
انتفضت واقفه وهي تلتقط حقيبتها وقالت ببرود، قبل ان تختفي من امامه:
_ اعتقد يا دكتور انك عارف كويس ان الي بتقوله مستحيل.. انا عندي اعيش عمري كله بشبح ساره ولا إني اسامح الشخص اللي دمر حياتي وحياه اختي، هنتظر بره عشان اقفل العياده.
_________________
اغلقت العياده وسارت في طريقها للعوده لمنزلها حتى وصلت اخيرًا مقررة اخذ حمامًا دافئًا ليزيل عنها تيبس عضلات جسدها من البرد اولاً، ومن افكارها التي ستهلكها ثانيًا..
فتحت باب الشقة وهي تعلم جيدًا أن شقيقها ليس موجودًا الان فحتمًا لم يعد بعد من دروسه، كادت ان تغلق الباب خلفها، ولكنها شهقت بفزع حين وجدت الباب يرتد ليفتح على مصرعيهِ وترى ذلك الوحش البشري امامها بمظهر لا يدل ابداً على ان القادم خيراً.
كان مظهره مثيرًا لكثير من التساؤلات، ملامح وجهه مشوهه فعليًا ما بين ندوب، وآثار لكدمات قديمه قليلاً، وما بين جرح غائر يأتي من أسفل أذنه لمنتصف وجنته، ولم يغفل عنها عرجه بسيطة في قدمه حين تقدم مغلقًا الباب خلفه، ومن صدمتها لم تصرخ على الحال بل صرخت بعد ان أغلق الباب وقد سمحت له في خلال تلك الثواني ان يقترب منها مكممًا فمها بكفه، ليمنع صوتها من الخروج، شد وجذب استمر لفتره ليست هينة بينهما لا تدري ما اراده وما نوى على فعله، لكنها تدري انه لم يرد خيرًا، ولم يرد حتى الحديث كالمرة الأخيره، او حتى تهديدها كما فعل، يبدو أن الأمر هذه المره اكبر وأعنف، استمعت لهمسه وهي تحاول التخلص من قبضته وهو يخبرها:
_ورحمة ابويا وامي، لاحسره عليكِ زي ما حسرني على رجلي ووشي، وهطلع على جتتك كل اللي هو عمله فيا، واضح انك غاليه قوي عند البيه لدرجة انه يعمل كل ده عشان بس خبطت راسك في الحيطه، تمام.. خلينا نشوف بقى هيعمل ايه لما....
قطع حديثه وهو يمرر نظراته القذره على جسدها لتتسع عيناها ذعرًا وهي تدرك مقصده، قلبها كاد أن يتوقف، وهو يكمل :
_الحقيقه كنت جاي اشوه وشك، او حتى اكسر عضمك زي ما عمل فيا، بس انا شايف انه في حاجات تانيه ممكن تتعمل وهتبقى احسن بكتير.. ما تقلقيش كده كده بعد اللي هعمله لا هو ولا الجن الازرق هيعرف مكاني، شكل البيه بتاعك ده واصل.. مش حته عيل شغال في مطعم زي ما هو واضح، ومش فارق معايا اعرف هو مين ولا حكايته ايه.. اللي فارق معايا اني اعرفه انا مين.. معلش بقى يا حلوه ان كنت جيتي في الرجلين بس هي الدنيا كده ناس بتخلص ذنب ناس.
لقد ادركت الان نيته وما نوى فعله، ولأن غريزتنا كإناث تكمن في الدفاع عن شرفنا لآخر نفس بنا هذا ما اكسبها قوه مضاعفه لتحاول الفكاك منه، وقد نجحت حين رفعت قدمها بغته تركله في اسفل بطنه ليتأوه بعنف مرتدًا للخلف، ولأنه كان يسد طريق خروجها من الشقه لم تستطع الوصول للباب، ولسوء حظها وقبل ان تاخذ اي خطوه كان يعتدل واقفًا مره اخرى متجهًا ناحيتها، فاجبرها على التراجع والدلوف لِمَ خلفها والذي لم يكن سوى المطبخ!
فركضت سريعًا اليهِ وقد شعرت حينها بانها وقعت في فخٍ احمقٍ صنعته بنفسها!
فان كانت قد ركضت الى أحد الغرف لاستطاعت بسهوله ان تصرخ بعلو صوتها من أحد النوافذ ليأتي الجيران لنجدتها، ولكن الآن فقد فقدت فرصتها في النجده بأحد فإن حدث ما حدث في ذلك المطبخ لن يسمعها احد من الخارج مهما حاولت، لذا وباقل من ثواني كانت تفكر في الحل دون تردد ولو للحظه...
وبالخارج ابتسم بشر حين رآها بحماقه تتجه لذلك المطبخ المغلق، ولقد اعطت له فرصه على طبق من ذهب، فاتجه لباب المطبخ بكل ثقة متاكداً من تحقيق غايته... خطوه والثانيه كان يتخطى بها باب المطبخ.. ليصرخ حين شعر بشيء حاد يخترق صدره ولم يكن هذا الشيء سوى سكينًا تحمله خديجة بيدها طعنته به في صدره بكل غل وحقد ودفاع عن ذاتها...
سقط هو ارضًا غارقًا بدمائه، وارتدت هي للخلف ناظره للسكين الذي بيدها وهو يقطر دمًا ينسال على طول زراعها...
..... انتهى الفصل...
رأيكم بسرعة🥺♥️♥️
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا