القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية بين غياهب الأقدار الجزء الثاني من رواية( في قبضة الأقدار) الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم نورهان آل عشرى

 رواية بين غياهب الأقدار الجزء الثاني من رواية( في قبضة الأقدار) الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر  بقلم نورهان آل عشرى




رواية بين غياهب الأقدار الجزء الثاني من رواية( في قبضة الأقدار) الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر  بقلم نورهان آل عشرى



🍓الحادي عشر ج٢🍓


حملت الشوق بقلبي لـ ليالٍ طوال.

أتألم بعشقً جائر لمن اكتد على بالوصال.

جُن عقلى و تاه فكري. هل أمِن قلبي فلم يعد يُبال!

أم أن قلبك العليل هو الآخر ما زال مُقيدًا بـ الأكبال؟ 

أعلم أنها معاناةِ مع قدرٍ مُظلِم ما أنفك علي يحتال.

ولكن بالله عليكِ اشفقِ على روح ذبحها الشوق و أجهزت عليها كثرة الأحمال.

واعلمي أن حياتي كانت عبارة عن حفنة من الحروب الضارية فلتكونِ لى خير الأنفال.

يا من شُح لقائه وكثر غلائه و عظمت محبته. أهلكني التمني و أضناني السؤال!

أم آن الأوان لنلتقي حتى تنتصر خيوط الفجر على دُجى الظلام الذي حاوط قلبي كـ الأدقال؟


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


انقضت ثلاث أيام من أصعب الأيام التي مر بها في حياته. فقد كان يحاول بشتى الطرق الوصول إليها ولكن دون جدوى فقد كان هاتفها مغلق ولا يعرف أي طريقة أخرى للتواصل معها. غابت عنه وتركته فريسة للغضب و الألم و الأفكار السوداء و لم تشفق عليه. يقسم بأنه رأي عشقه بعينيها واضحًا وهذا ما دفعه للإعتراف لها بمكنونات صدره لما تفعل به هذا الآن؟؟ فقد كان هذا أكثر شيئ يخشاه. الرفض أو الإهانة لمشاعر عميقة لم تخلق سوى لها وحدها. حتي إن كانت ترفضها لمَ لم تملك الجرأة لإخباره لم يكن ليجبرها فله كبرياء عظيم يأبى إجبارها على البقاء معه حتى و لو كان عشقها موشوم على قلبه.

لما تفعل به هذا ؟ يود الصراخ بهذا الاستفهام الذي كان يؤرق لياليه المنصرمة حتى أنه في لحظة يأس قاد سيارته و توجه إلي حيث مزرعة عمها و ظل واقفًا طوال الليل عله يلمح طيفها يراوده شعور قوي بالشوق المضني و الغضب الجارف تجاهها فما تفعله به ليس عدلًا أبدًا. 


قاطع أفكاره صوت «مروان» الذي أخذ يدق علي الباب كثيرًا ولكنه لم ينتبه له ففتح الباب و توجه إليه قائلًا بمزاح 

" ايه يا كبير بقالي ساعه بهبد عالباب و انت منفضلي"


رفع أنظاره إليه و قال بفظاظة

" ولما هبدت عالباب وملقتش رد ايه الي دخلك؟"

تحمحم «مروان» قائلا بخفوت 

" ايه الاحراج دا؟ "


ثم علت نبرته حين قال بمزاح و هو يتقدم ليجلس علي المقعد أمام المكتب 

" لا ماهو انا جايلك في ست مواضيع مهمة شبه بعض"


زفر أنفاسه الملتهبه قائلًا بفظاظه

" هات الي عندك.."

كان مظهره مرعبًا فلعن «مروان» بداخله قبل أن يقول بتوتر

" اصل انا… بصراحه يعني كنت عايز اسألك هنعمل ايه مع المطاريد الي ناسبناهم دول ؟ يعني البت حلا البسكوتايه دي هتعيش معاهم ازاي ؟"


«سالم» مغلولًا

" و مسألتهاش ليه؟ ما الهانم موافقة "

«مروان» بغباء

" معلش بقي مراية الحب عاميه.. مع انهم ميتحبوش جوز البغال دول أن كان ياسين و لا عمار معرفش فرح رخره عجبها في ايه؟"


تحفزت جميع حواسه لدي سماعه جملة «مروان» الأخيرة التي اخترقت أذنه مرورًا بقلبه الذي انتفض قائلًا بهسيس مرعب 

" انت قولت ايه؟ فرح ايه علاقتها بعمار ؟"


«مروان» بغباء

" ايه دا هو انا مقولتلكش. مش فرح اتخطبت للبغل الي اسمه عمار دا .. "


«سالم» بصدمه 

" ايه ؟؟؟"

" اه حصل البت جنة لسه قيلالي لما كانت هنا. بس اقولك انا قلبي حاسس ان البت فرح دي مغصوبه اه والله .. جنة بتقولي مقطعه نفسها عياط طول الليل والنهار يا قلب امها…"


لم يكد ينهي جملته حتي خرجت صرخة غاضبة من فم «سالم» مما جعل «مروان» ينتفض من مقعده واقفًا وهو يقول بذعر 

" ايه في ايه؟؟"

لم يكد ينهي استفهامه حتي تفاجئ من قبضة «سالم» الحديدية التي أمسكت بمقدمة قميصه لتجذبه متسطحًا فوق المكتب بعنف تجلي من عينين «سالم» التي تقطران غضبًا يوازي لهجته حين صرخ به

" يا حيوان بقي انت عارف كل دا ولسه فاكر تقولي دلوقتي؟؟"


«مروان» بذعر

"حقك عليا يا كبير. عيل و غلط . "

«سالم» بصراخ

" دانا هطلع عين اهلك.."


«مروان» في محاولة للإبقاء علي حياته 

" حقك .. بس علي ما تطلع عين امي هيكون البغل دا خطف المزة. اقصد فرح.. نلحقها و ابقي ادبحني عالفرح. أنا معنديش مانع.."


تركته قبضة «سالم» فجأة و قد ارتسم الجنون بنظراته حين صرخ بقوة اهتزت لها جدران القصر 

" علي جثتي الكلام دا يحصل.."


ابتلع مروان ريقه بصعوبه فقد تم ما أراده و قد أيقظ وحوش سالم الكامنة بداخله فهو يعلم جيدًا مقدار عشقه لها الذي يوازي كبرياءه اللعين و لتجاوز هذا الكبرياء فلابد من أن تحرقه نيران الشوق أولًا وها هي خطته تسير بشكل جيد.

" اتصلي علي جنة دلوقتي حالًا."

هذا كان صوت سالم القاسي الذي أطاعه مروان في الحال دون جدال فأخذ يهاتف جنة التي ما أن أجابته حتى انفجرت في وجهه غاضبة

" انت يا زفت معملتش اللي قولتلك عليه ليه. فرح كانت هتضيع مننا النهاردة. "


لم يتحمل قلبه الذي انتفض بداخله بقوة لدى سماعه اسمها فقام بخطف الهاتف من مروان قائلًا بخشونة 

" فرح مالها يا جنة ؟"


ارتعبت جنة لدى سماعها صوته و خرج صوتها متلعثمًا 

" ايه .. هو . هو مين . معايا "

على صراخه و تعاظم غضبه و خوفه عليها فصرخ مغلولًا

" معاكِ سالم الوزان. انجزى فرح مالها؟"


تحلت بشجاعتها و تركت خوفها جانبًا وقالت بلهجه أكثر ثباتًا 

" فرح أغمي عليها النهاردة و جبنالها الدكتور بقالها تلت ايام مكلتش ولا شربت فجالها هبوط حاد في الدورة الدموية . بس الحمد لله بقت احسن شويه.."


سقط قلبه بين قدميه رعبًا عليها و أغمض عينيه لثوان يحاول تهدئه نفسه الثائرة و أنفاسه المتهدجة قبل أن يقول باختصار

" عايز أشوفها.."


صمتت جنة لثوان قبل أن تقول بأسف

" مش هينفع أكيد حضرتك عارف أن جدي و ياسين هنا وحتي هي مش هينفع تخرج وهي تعبانه كده.."


سالم بهسيس غاضب

" اتصرفي يا جنة. بدل ما اجى اهد المزرعة دي علي دماغهم.."

طرأت على عقلها فكرة مجنونة فقالت بلهفة

" هو انا ممكن اوريهالك فيديو كول دلوقتي لحد ما نشوف هنعمل اي؟"


أوشك علي الصراخ بها فجاءه صوت مروان الذي قال بلهفة و صوت خافت 

" وافق.وافق دلوقتي وانا مجهزلك خطه في دماغي عشان تقابلها.."


لأول مرة لم يسعفه عقله في العمل فأجاب مستسلمًا 

" طيب.."


اغلق الهاتف علي وعد منها بأنها ستذهب إلى غرفتها وتقوم بالإتصال به مكالمة فيديو لتقر عينه برؤيتها فقد تصدع قلبه بفعل ذلك الشوق الضاري لها..

دقيقتان ورن هاتف مروان بمكالمه فيديو ارتج لها قلبه و خاصةً حين قام بالإجابه و ظهرت صورتها على الهاتف فتقاذفت دقات قلبه بعنف و جف ريقه حين رآى ملامحها الباهتة و عينيها المغلقة باستسلام قلما رآه منها فقد بدا أنها منهزمه متألمة غير مرتاحه بنومتها تلك فأخذت عينيه تطوف بحب و شوق علي ملامحها الجميلة و وجهها الصافي الذي يود لو يقبل كل انش به اعتذارًا عن كل لحظة ألم عاصرتها بغيابه ولكن فجأة توقفت عينيه علي آثار زرقاء مطبوعه على وجنتها اليسرى فغلت الدماء بعروقه و صاح بغضب 

"ايه الي على وشها دا ؟"


ارتعبت جنة من صوته الغاضب وقامت بإدارة الهاتف على وجه فرح المتألم و قالت بتلعثم 

" ااااا. أصلها اتخبطت . فيه.."


تجعدت ملامحه بفعل الغضب و صاح من بين أسنانه

" جنة. مش هكرر سؤالي تاني.."


صاح مروان من خلفه 

" قولي الحقيقة يا بت يا جنة. متخافيش سالم دا ييجي يبلع التيران الي عندك  كلهم لو حد ضايقكوا.."


اسكتته نظرة مرعبة من عيني سالم قبل أن يعيد أنظاره إلى جنة التي خرجت الكلمات من فمها دفعة واحدة

" بصراحة عمار ابن عمي ضربها معرفش مين بعتله صورتكوا سوي عالموبايل و لما شافها اتجنن و ضربها و جدي قال إنه هيجوزها له و فرح من وقتها وهي منهارة و رافضه تاكل او تشرب أو تتكلم مع حد"


ارتسم الجنون بعينيه لدى سماعه كلماتها التي تراشقت بصدره فذلك الوعد قام بضرب حبيبته.. و فجأة سقط الهاتف من يده بينما اكفهرت ملامحه فبدت مريعه و كذلك نظراته التي توحي لمن يراه أنه عازم على إرتكاب جريمة قتل بأبشع الطرق..

" هقتله.. وديني لهقتل الكلب دا.."


هكذا صاح بصوت جهوري ارتجت له جدران القصر و قد كان عازمًا بالفعل علي تنفيذ مخططه وذلك حين قام بإخراج سلاحه من أحد الأدراج ليرتعب مروان من مظهره و أخذ يحاول تهدئته قائلًا 

" اهدي يا سالم دا أنت العاقل اللي فينا. هينفع تحل مشاكلك بالطريقه دي ؟"

سالم بغضب

" اوعي من وشى.."


لم يمتثل مروان لأوامره بل قام بالالتصاق به كالعلقة وهو يحاول ثنيه عن جنونه الذي أول مرة يراه بحياته  

" الأول نعرف مين ابن المؤذيه الي صوركوا و وراه الصور دي "


لم تتغير ملامحه بل ازدادت قتامة و كذلك نبرته حين قال 

" مفيش مؤذي غيرها هي والي من نسلها.."

انكمشت ملامح مروان بحيرة تجلت في نبرته حين قال 

" تقصد مين ؟ معقول تكون…"

قاطعه صوت سالم الذي قال بصرامة

" اجمع لي العيلة كلها دلوقتي .."


مروان بغباء

" ايه هتخلص عليهم ولا اي؟"

اخرسته نظرة غاضبة من سالم الذي قال بغموض

" هلاعبهم نفس لعبتهم لحد ما أعرف اللي عايز اعرفه.."


مروان بتهليل

" قشطه عليه.. هو دا الشغل.. "

" روح اعمل اللي قلتلك عليه على ما اعمل تليفون مهم.."


اطاعه مروان وما أن أوشك على مغادرة الغرفة حتى استوقفته كلمات سالم الذي قال بخشونة

" كلم جنة و اعرف منها هيتحركوا عالصعيد امتا؟ "

أجابه مروان بسلاسة 

" بكرة الصبح .."

سالم باستفهام

" عرفت منين ؟"

مروان بغرور

" باشا دانا مروان . مفيش حاجه تخفي عليا. دانا اعرف القرد مخبي ابنه فين ."


سالم بغل

" طب غور من وشي . واعرف ان حسابنا لسه مخلصش. "

مروان بذعر

" ليه يا كبير هو انا عملت اي؟ "

سالم بقسوة

"  خبيت عليا موضوع الخطوبة."

مروان بمزاح

" مانا قولت اتقل ع الرز لما يستوى طعمه بيبقي احلي.."


اكفهرت ملامح سالم و ارتسم الإجرام بهما مما جعل مروان يهرول للخارج قبل أن تطاله براثن ذلك الوحش الهائج و ما أن خطى إلى الخارج حتي تفاجئ بسليم الذي كان يطالعه بحنق يود لو يحطم أسنان ذلك الوغد ولكنه مجبر على معاملته بالحسنى حتى يأخذ ما يريد. و لدهشته فقد ناظره مروان شذرًا قبل أن يغير وجهته قاصدًا غرفة الجلوس ولكن جاء صوت سليم الخشن ليوقفه في مكانه 

" مروان.. استني عايزك.."

" نعم ."


قالها مروان بضيق قبل أن يتوقف علي مضض فازداد غضب سليم منه و لكنه تجاهل غضبه واقترب منه قائلًا بود مفتعل 

" انت لسه زعلان مني عشان خزقتلك عينك . دانت قلبك بقى اسود اوي ..'

مروان بحنق 

" شبه قلبك ياخويا.. و بعدين انا كان ممكن اخزقلك عينك بردو بس انا قولت اقصر الشر يا واد يا مروان دا بردو اخوك الكبير ."


ابتسم سليم ابتسامه صفراء اتبعها قائلًا بامتعاض

" لا اصيل.. المهم كنت عايز اسألك عن حاجه.."

فطن مروان إلى ما يريد فارتسم المكر بعينيه حين قال 

" عيني.."


تضاعف الحنق بداخله فابتلع غضبه الحارق وقال من بين أسنانه

" انت بتكلم جنة؟"

ليجيب الآخر بسلاسة

" طبعًا.."

غزا الجحيم عينيه فحولها إلى بركة من الدماء مما جعل مروان يتراجع للخلف خطوتين وهو يقول بتهديد

" بقولك اي هتتعامل زي البني آدمين هنتعامل مش هتتعامل و هتتغابي يبقي انت اللي جبته لنفسك.."


اقترب منه سليم خطوتين وهو يعض على شفتيه السفلى بوعيد تجلى في نبرته حين قال 

" امممم لا سمعني بقي هتعمل ايه ؟ "


كان أذكي من أن يدخل في شجار مع هذا الضخم لذا آثر اللعب علي أكثر النقاط حساسية لديه فقال بتخابث

" مش هقولك ايه الي جنة قالتهولي عنك.."


ارتخت تعابيره و تحول غضبه الي لهفه تجلت في صوته حين قال 

" قالتلك اي؟"

مروان بسماجه 

" مش قايلك غير لما تعتذرلي الأول.."

سليم بغضب 

" انجز احسن ما المرادي هطرملك سنانك..'


مروان بحنق

" واحد مفترى .. تستاهل الي ناويه تعمله فيك جنة.."

بلغ الغضب و الترقب مبلغه منه فزمجر غاضبًا

" اخلص ياله.."

مروان بنفاذ صبر

" قالت إنها هتفض الجوازة دي !"


انكمشت ملامحه بصدمة تجلت في نبرته حين قال 

" ايه ؟؟"

فتابع مروان باستمتاع 

" اه. قالت كمان أنها مش مجبرة تكمل مع واحد خاين و غشاش و كداب و واطي و زباله زيك.."


برقت عينيه و اسودت ملامحه أكثر فبدا وجهه كلوحة مرعبة و خاصةً حين قال بهسيس 

" انت بتقول ايه؟؟"


مروان برعب

" هي إلي قالت وربنا.."

فصاح سليم مغلولًا

" هو بمزاجها.. جوازة ايه الي تفركشها. دانا اطربق الدنيا على دماغها.."


اندهش مروان من حديثه وقال بصدمة

" ايه دا هو دا كل اللي زعلك وكل الشتيمه دي مفرقتش معاك. ياريتني كنت شتمتك اكتر من كدا.. "


امتدت يد سليم تقبض على مقدمة قميصه وهو يقول بوعيد

" وله لو عرفت انك بتكلمها تاني هدفنك حي سامع؟؟"

مروان برعب 

" سامع يا باشا.. انا اساسًا كنت ناوي اقطع معاها دي بت معقدة اصلا.."


تركه سليم بغتة وقد اكفهرت ملامحه بغضب جحيمي كان يحاول تحجيمه كل هذه الفترة حتى لا يُخيفها منه ولكنه الآن لم يعد يحتمل كل ما يحدث فقام باقتحام غرفة المكتب ليجد سالم الذي كان ينهي مكالمته فإذا به يقول بصرامة

" انا عايز اتجوز جنة في اقرب وقت معدش عندي استعداد استني لحظه واحده بعد كده.."


فاجأه سالم الذي قال باختصار

" أقرب مما تتخيل متقلقش."

تفاجئ سليم من حديث أخاه فقال باستفهام

" حصل حاجه ؟"


تجاهل سالم استفهام أخاه وقال مغيرًا الموضوع

" وراك حاجه بالليل ؟"

سليم بنفي 

" لا .. ليه؟"

سالم بغموض 

" هتعرف كل حاجه في وقتها.. تعالي ورايا.."


كان الجميع جالسًا بغرفة الجلوس في انتظار سالم الذي كان يريدهم بأمر هام بناء على حديث مروان الذي اقترب من همت قائلًا بسخرية

" عامله ايه يا عمتي؟"

همت بسلاسة 

"كويسه الحمد لله .."


مروان بتهكم

" خدتِ دوا الضغط بتاعك النهاردة ولا لسه؟"

" لا والله تصدق نسيت كويس انك فكرتني أما اقوم اخده احسن بقاله يومين واطي.."


تابع سخريته قائلًا 

" لا استني هو هيرفع لوحده دلوقتي . احتمال يضرب من نافوخك كمان شويه.."

اندهشت من حديثه فقالت بعدم فهم

" ايه يا واد انت الهبل اللي بتقوله دا ؟"

مروان بتسلية وهو ينظر إلي سالم الذي دخل الغرفة للتو

" هتعرفي كل حاجه دلوقتي .."


كانت الأنظار كلها مصوبة علي سالم الذي كانت ملامحه مكفهرة و عينيه قاتمة تشبه نبرته حين قال بنبرة فظه

" بعد جواز سليم من جنة هوزع التركة زي ما الشرع قال. و كل واحد هياخد نصيبه."


قفز الرعب على ملامح همت و شيرين التي قالت باستفهام

" يعني ايه الكلام دا؟ "

سالم بفظاظة

" كلامي واضح. الي له حق هياخده. و كل واحد يتصرف في حقه زي ما هو عايز.."


تدخلت همت قائلة بسخرية

" وياترى الكلام دا هينطبق عالأرض بردو يا ابن اخويا ولا هتراضونا بشويه ملاليم عشان أرض العيلة متطلعش للغريب؟"


سالم بسخرية خشنة

" أنتِ سألتي و جاوبتي على نفسك . مش محتاجه إجابتي. "

هبت من مقعدها قائلة بغضب

" بس دا ظلم وميرضيش ربنا ذنب راجي ايه أنه خلف بنات.."


تدخلت أمينة التي كانت غاضبة من الوضع برمته

" الخاين مالوش ورث عندنا يا همت ."

برقت الأعين من حولهم فصاحت شيرين باستهزاء

" وياتري بقي هتطبقي القاعدة دي علي حازم الله يرحمه. و هتحرمي ابنه من أرضه برضو ماهو يعتبر خاين و حط راسنا في الطين ؟"


اوقفتها كلمات سالم القاسية حين قال

" محمود وامه مش اغراب و أرضهم مسيرها راجعالنا ما هي جنة مرات سليم. لكن أنتِ وأختك مسيركوا طالعين برا العيلة يبقى تاخدوا أرض تعملوا بيها ايه!"


تراشقت كلماته كالخناجر بصدرها فقد كانت تحمل رساله صريحه شديدة اللهجة بأنها لن تنتمي إلى هذه العائلة أي لن تتقابل طرقهم مرة ثانية و قد أغضبها ذلك بقدر ما آلمها فجاءت كلمات همت الهادئة نسبيًا حين قالت

" و أنا موافقة يا سالم مدام مش هتظلمني انا و بناتي.."


هبت امينه من مقعدها قائلة بغضب

" و وصية أبوك يا سالم؟"

سالم بغموض

" متشغليش بالك يا حاجة. كله معمول حسابه ."

فجأة صدح صوت خلفهم كان ممزقًا بقدر غضبه 

" أبيه سالم. انا متنازلة عن حقي في كل حاجه.و مش عايزه منكوا ولا مليم.."


اتجهت الأعين إلى سما التي كانت تحمل حقيبة ملابسها وكان مظهرها مبعثرًا يحكي مقدار ما تمر به من لحظات عصيبة فكان أول من توجه إليها هي همت التي قالت بغضب

"أنتِ اتجننتي يا بت أنتِ بتقولي ايه ؟ "


سما بانفعال 

" بقول الي سمعتيه مش عايزة ولا مليم مش هاخد حاجه مش من حقي.."

تدخلت أمينة التي رق قلبها لتلك الفتاة اليتيمة 

" سما يا حبيبتي اهدي و متدخليش في كلام الكبار و بعدين راحه فين بالشنطة دي؟"


سما من بين انهيارها

" انا هادية يا مرات خالي. وعارفه بقول ايه و سيبالكوا البيت دا وهمشي اروح اقعد في بيت ابويا كفايه عليا كده هنا.."


تقدمت شيرين منها تمسكهم من عضدها بعنف قائله بصياح غاضب

" بت أنتِ اتعدلي و غوري اطلعي فوق.. مش ناقصين دلع بنات ماسخ.."


نفضت سما يد شيرين عنها قائله بانفعال

" ملكيش دعوة بيا و مش هطلع فوق و مبقتش عيلة صغيرة انا كبيرة بما فيه الكفايه عشان احدد الي انا عايزاه وانا عايزة اروح في أي مكان يبعدني عنكم"

اغتاظت شيرين من وقاحتها و قالت بغضب وهي ترفع يدها لتصفعها بقوة 

" تصدقي انك عايزة تتربي من أول و جديد."


وما أن همت صفعتها أن تسقط على وجه سما حتي تفاجأت بيد قوية تمسك بمعصمها تكاد تفتك بعظامها وصوت غاضب ينهرها

" اياكِ تمدي ايدك عليها و إلا هكسرهالك.."


للحظة برقت ملامح شيرين من شدة الصدمة حين وجدت مروان الذي قام بالوقوف بينها و بين شقيقتها التي كانت عينيها تبرق من هول ما حدث. وسرعان ما تحولت صدمتها إلى غضب كبير جعلها تقول ساخرة 


" و دا مين اللي بيتكلم و بيزعقلي كمان مروان.. دلوعه ماما! "

لم تكد تنهي كلماتها حتى تفاجأت من صوت مرعب جمدها بمكانها.

"كلمة تاني زيادة و انا الي هعيد تربيتك من اول وجديد.."


التفتت شيرين إلي سالم الذي كان يناظرها باحتقار آلمها بقدر ما أغضبها فقالت بانفعال

" انا متربية كويس اوي يا سالم بيه. بس للأسف ماليش اخ يقفلكوا ولا اب يوقفكوا عند حدكوا. عشان كدا بتمارسوا القهر علينا ما احنا مالناش حد "


اقترب منها خطوتين ويديه بجيوب بنطاله و بنظرات تقيميمه شملتها و من ثم استقرت علي وجهها بهدوء يوازي لهجته حين قال

" دي حقيقة. احنا مفتريين و جايين عليكوا عشان ملكوش حد. وبلاش تضايقيني اكتر عشان موركيش القهر اللي بجد عامل ازاى.."


تدخلت همت تمسك شيرين من رسغها تجرها خلفها قائلة بغضب 

" كلمني انا يا سالم.. وخلى بالك انا مابخفش منك ولا من حد.."


سالم بفظاظة

" لا خافي.. عشان أنا مش هسمى علي حد بعد كدا.. والغلطة هتبقي بحساب. و أنتِ غلطي كتير.."


تراجعت خطوة إلي الخلف و تزاحمت أنفاسها داخل صدرها من نظراته و كلماته المتوعدة و انتقلت عينيها الي سليم الذي ناظرها بخبث فأيقنت بأنه قد أخبر سالم بأفعالها فآثرت استخدام الحيلة حين ذرفت عبراتها المزيفة وهي تقول 

" ياه يا ابن اخويا للدرجادي هونت عليك .. هانت عليك عمتك الغلبانه هي و بناتها. بتستقوى علينا يا سالم.. لو كان منصور الله يرحمه عايش كان عرف يوفقك عند حدك.و يجيب حق أخته.."


لم يتأثر بحديثها ولا عبراتها المزيفة فتشابهت عينيه مع نبرته الجامدة حين قال 

" منصور الوزان لو كان عايش مكنتيش اتجرأتِ و فتحتي بقك اصلًا. بس صدقيني أنا أسوء منه بمراحل لو صبري نفد.."


تدخل سليم لإنهاء ذلك الصراع قائلًا بقسوة

" الموضوع انتهى و سالم قال كلمته ياريت تأقلموا نفسكوا من دلوقتي وبعد كده اللي هيغلط هيتحاسب و مالوش لازمه الكلام الكتير."


نظرت شيرين إلى شقيقتها قائلة بسخرية

" شايفه يا ست سما دول اللي عايزة تسبيلهم كل حاجه وتمشي.."

اجابتها سما التي كانت ترتجف بين أحضان حلا قائلة بغضب

" الموضوع بالنسبالي مش فلوس علي قد ما هو كرامة يا شيرين.."


تدخل مروان مضيفًا علي حديثها

" معلش يا شيري مش ذنبها بقي انك معدومة الكرامة .."


كانت علي وشك الرد عليه حين جاءها صوته الآمر

" ولا كلمة زيادة كل واحد على اوضته.."


انصرف الجميع على مضض فما حدث لم يكن يرضي أحد منهم و خاصةً شيرين التي ما أن دلفت الى غرفتها حتى أغلقت الباب خلفها بعنف ملتقطة هاتفها تجري مكالمة هاتفيه وما أن أجاب الطرف الآخر حتى صاحت بغضب

" الوضع خرج عن السيطرة ولازم نتصرف ولو حكمت انا هقول علي كل حاجه و اهد المعبد على دماغ الكل…"


*****************


كانت تجلس في الحديقة بملامح واجمة و قلب محترق طالته أسهم الخذلان من كل اتجاه فكان الألم مروعًا وذلك لأن الطعنات كانت من أقرب المقربين لها.

" الأرملة السوداء قاعدة لوحدها ليه؟"


لم تلتفت سما الي مروان الذي كانت قلبه يشعر بأضعاف ألمها و يقدر معاناتها كثيرًا ولكنه لا يملك من أمره شيئًا فها هو ينكث بوعده لنفسه بألا يقترب منها ولكن حزنها يفتت قلبه و يأتي به جرًا إليها لمواساتها..

" بتعيطي.. توقعت انك بتعيطي ."


لم تنظر إليه إنما اخفضت بصرها قائلة بخيبة أمل

" مش في ايدي حاجه غير العياط."

نظر إليها بشفقة و ألم ثم أردف بتعقل

" لا فيه.. و في كتير كمان.."


انكمشت ملامحها بحيرة و ناظرته قائلة باستفهام

" تقصد ايه؟"

مروان بصياح

" تفردي بوزك .. تعدلي سحنتك دي.  بالك أنتِ لو بطلتي عياط و نع طول النهار و ضحكتي كدا و فرفشتي اللعنة الي في البيت دي هتتفك.. اه والله هتتفك.. "


فاجأتها كلماته التي شقت ابتسامة كبيرة على ملامحها التي لونها الحزن و سرعان ما تحولت ابتسامتها الي قهقهات عالية جعلت نبضاته تتعثر بقوة داخل قلبه لدي رؤيته ضحكتها فقال بإعجاب

" مانتِ بتعرفي تضحكي اهوة.. اومال ايه وش البومه الي مصدراهولنا على طول دا؟"


أجابته قائله باندهاش من بين ضحكاتها 

" انت فظيع اقسم بالله .. ازاي بتقدر تضحك في وسط كل الهم و النكد الي احنا فيه دي؟" 


امتعض وجهه و كذلك نبرته حين قال 

" يا بنتِ هم أيه و نكد ايه بس. اضحك للدنيا تضحكلك. كشرلها هتنفخ أهلك. و أنتِ كشرتي كتير جلد وشك كرمش ياماما.. و بعدين حرام عليكِ معاكِ أرواح في البيت لو فضلتي تنعي كدا طول الليل و النهار هنموت مشاليل كلنا.."


امتدت يداها تضربه بعنف في كتفه وهي تقول بغضب 

" تصدق انك جزمه بقي انا بنع و جلد وشى كرمش طب انا هوريك..'


كانت ضرباتها له اكثر من محببة علي قلبه الذي تقبلها برحابة صدر وابتسامة حب كبيرة مرتسمه علي ملامحه و من ثم قام بامساكها من رسغيها بغتة يقربها منه ونظراته العاشقة تحصرانها بينه وبينه جسده فتسمرت هي الأخرى تناظره مشدوهة أمام عينيه العاشقة و مشاعرها الغريبة التي غزت قلبها فظلت على حالها لثوان قبل أن تخترق كلماته أعماق فؤادها حين قال بصوت أجش

" من هنا ورايح اوعي تخافِ من اي حد . طول مانا موجودة محدش هيقدر يزعلك ولا يضايقك تاني أبدًا.."


كان وعدًا بالأمان لم تتوقعه أبدًا فقد كان يشبه المأوى لمن اعتاد التشرد طوال حياته. غيثًا علي تربه قاحلة تصدعت بفعل الجفاف والإهمال فأخذت عينيها تتعمق أكثر بحثًا عن أي لمحة خداع بملامحه ولكن كانت تقاسيمه هادئة و عينيه صافية تؤكدان كلماته التي زلزلت كيانها وحين أوشكت علي الحديث جاء ذلك الصوت الجاف من خلفها 

" بتعملوا ايه عندكوا؟"


لعن مروان بداخله حين أتاه صوت همت التي غضبت حين رأت قربهم الذي جعل سما تتراجع إلي الخلف كمن أمسكت متلبسه بجرم كبير بينما التفت مروان يناظر عمته شذرًا قبل أن يقول بسخرية

" عينها كانت مطروفة وكنت بنفخهالها .."


اغتاظت همت من سخريته فصاحت غاضبة 

" متعملش كده تاني يا عين عمتك ولو حتي عينها اتفختت. متقربش منها تاني يا ابن دولت.."


نجحت في إثارة غضبه فهب من مكانه وهو يتوجه إليها بخطوات تشبه نبرته المتوعدة حين قال

" بمناسبة دولت هي بعتالك السلام و بتقولك اتكي ع الأصل شويه يا عمتى. "


غضبت من كلماته ولم تسعفها كلماتها في رد إهانته بينما التفت هو يناظر تلك التي مازالت ترتجف جراء ما حدث وقام بإرسال غمزة عابثة من عينيه العاشقة تلقفتها هي بذهول جعل فكها يتدلي إلى الأسفل من فرط الصدمة


*****************


جاء الليل الذي كان حزينًا للغاية يشبه ملامحها التي لأول مرة تنهزم أمام ضربات القدر فقد ظنت بأنها اعتادت عليها ولكنها وجدت نفسها تهزم أمام ما يحدث معها و كأنها عجوز مسنة لا تستطيع سوى ذرف العبرات التي انبثقت من عينيها مطلقه العنان لحزنها أن يعبر علي هيئة أنهار غزيرة أحرقت جلدها الطري و حفرت وديان من الألم فوق خديها. 

كان الجو بديعًا و السماء صافيه علي عكس سماءها الملبدة بالغيوم التي مهما امطرت لا تنضب أبدًا وكأنها تعاند وهنها الذي تمكن منها ف أعياها و جعلها لأول مرة تستسلم لدوامات سوداء ابتلعتها وكانت هي أكثر من مرحبة بها. 

اختارت أن تبقى جالسة مع حزنها علي أن تذهب مع شقيقتها حتى تستنشق الهواء النقي و اختارت أن تبقى حبيسة غرفتها التي شهدت على أكثر لحظاتها ألمًا و حين كانت غارقه بلحظات حزنها سمعت أصوات هلع في الخارج فتحاملت على نفسها وهبت من مخدعها وقامت بفتح باب الغرفة لمعرفة ما حدث فوجدت الخدم يهرولون هنا و هناك و كان ياسين هو الآخر يهبط الدرج فلحقته قائلة بلهفة

" في ايه يا ياسين ؟"


لم يتوقف إنما قال بعجالة

" بيقولوا في حريقه في الاسطبل الي ورا و الخيل كلها هربت بره المزرعة.."


شهقت بعنف وقد هالها ما سمعت و لكن ياسين كان يهرول إلي الخارج فأتاها صوت قاس من خلفها يأمرها قائلًا 

" ادخلي اوضتك و أجفلي بابك عليكِ و متخرجيش واصل غير لما نعرفو ايه الي حوصول.."


التفتت لتجد عمار الذي كان يطالعها بنظرات تحمل الندم الذي لم يتجاوز حدود شفتيه فلم تجبه بل توجهت الى غرفتها تغلق الباب خلفها و ما أن التفتت حتى تسمرت بمكانها لدى رؤيتها لذلك الظل الضخم الذي يقف أمام باب الشرفة فخرجت منها شهقة قويه حين سمعته يقول بصوت يملؤه الشوق

" وحشتيني يا فرح.."


في البداية تلبسها الخوف حين رأته ولكن بعد ذلك حل محله شعور من الصدمة حين سمعت صوته و علمت هوية هذا الضخم الذي أضاء نور القمر جانب وجهه الذي اشتاقته بقوة حتى ظنت أنها تتوهم وجوده فهمست باسمه في رجاء أن يكون وجوده حقيقي 

" سالم.."


اقترب منها بخطوات سلحفية تنافي لهفته في رؤيتها و بنبرة معاتبة خاطبها وعينيه تلتهم تقاسيمها الرائعه 

" كده بردو تغيبي عني كل دا؟ متفقناش على كده.."


كان همسه و عتابه الخافت أكثر ما يمكن أن تتحمله في تلك اللحظة فاندفعت العبرات من مقلتيها بغزارة و خارت قوتها ف أوشكت على الوقوع أرضًا ولكن ذراعيه القويتين التي احتضنتها بقوة حالت دون ذلك فقامت بدفن رأسها في كتفه تبكي قهرًا و وجعًا و شوقًا كان اضعافه بقلبه الذي للمرة الثانيه يحتوي ألمها و يمسد بحنانه جراحها فقد كان وجوده الآن بمثابة معجزة لم تجروء على تمنيها من فرط استحالتها ولكن من تقع بعشق رجل حقيقي يجب أن تعلم بأن المعجزات تتحقق والمستحيل يخر خاضعًا أمام طغيان عشقه الجارف..


هدأت ثورة انهيارها أخيرًا بعد لحظات بفعل حنانه الذي اغدقها به لتقوم أخيرًا بالتراجع خطوة إلى الخلف و رفعت رأسها تناظره من خلال ذلك الضوء البسيط الذي ألقاه ضوء القمر على الغرفة فبدا الأمر رومانسيًا اي ابعد درجة و خاصةً حين قال بنبرة خافته 

" حاسة بإيه دلوقتي ؟"


أجابت دون أن تعي ما تقول 

" حاسه اني مرتاحه.. و أنت"

أجابها بخشونة و نظرات تحمل التمني واللهفة

" حاسس اني عايز اقفل عليكِ هنا و مخرجكيش أبدًا."


كان يشير إلى داخل صدره فدغدغت إجابته حواسها و سرت حزمة من المشاعر القوية في أوردتها فاخفضت رأسها تخفي عينيها التي تفضح عشقًا فاض به القلب فإذا بيده تمتد أسفل ذقنها ترفع رأسها إليه وهو يقول بخشونة

" بلاش تداري عيونك عني دانا جاي مخصوص عشانهم.."


هنا تنبهت لما يحدث و تحول ثباتها الي ذعر تجلي في نبرتها حين قالت

" اه صحيح. انت دخلت هنا ازاي؟ و ايه اللي جابك اصلا.  يعني اقصد جيت ليه . اقصد.."


قاطعها نبرته العاشقة حين قال بصوت قوى

" جيت عشانك.. عشان اقولك متخلقش الي يبكيِ وانا عايش على وش الدنيا..'


اخترقت كلماته جميع حواسها حتى خدرتها فقالت بهمس

" انت عرفت اللي حصل؟"

سالم بغضب نجح في إخماده حتي لا يخيفها

" عرفت. و حق القلم اللي خدتيه هيرجع عشرة.."


ارتعبت من حديثه فقالت بلهفة

" سالم ارجوك اوعي تأذي حد. عمار معذور أي حد في مكانه كان هيعمل كدا. يعني يشوف بنت عمه واقفه مع واحد.. "

قاطعها غاضبًا 

" ليه مقولتيلوش أننا مخطوبين. ليه مقولتيش لجدك لما قال اللي قاله؟"


رفعت رأسها تناظره بصدمة فقد كانت تريد اخبارهم بذلك ولكنها كانت خائفة من مكروه قد يصيبه علي يد احدهم و ايضا تخشى من نوبة عناد قد تجعلها تخسره للأبد ولكنها لم تريد أن تخبره بكل هذا حتي لا تثير حنقه أكثر من ذلك فقالت مخادعة

" ماهو انت مكررتش طلبك تاني من وقت اللي حصل. فقلت مينفعش افرض عليك وضع ممكن تكون غيرت رأيك فيه.."


لوهلة امتلأ صدره بالغضب تجاهها ولكنه لاحظ اهتزاز حدقتيها و يدها التي كانت تتحرك بعشوائية وطبقا للغة الجسد الذي يجيدها فقد أيقن كذبها لذا تجاهل منحني الغضب وقال بجمود 

" ممكن اعديلك اي حاجه الا كذبك عليا. بس حظك المرادي انك تعبانه لكن أي كذب تاني مش هتهاون فيه يا فرح.."


كرمشت ملامحها بشكل طفولي عرى روحها التي تفتقد إلى الدلال والحنان وقالت بشفاه مزمومة

" انا كذابه يا سالم.."


غزت ابتسامة جميلة ملامحه ولكنه حاول قمعها ليبدو مازال غاضبًا منها وقال بخشونة

" أنتِ ادرى... و ياريت تبطلى شغل العيال الصغيرة دا لما تقطعي الأكل والشرب محدش هيتعب غيرك.."


اغتاظت من فظاظته فقالت باندفاع 

" اتعب ولا اموت بقى انا حرة..'

قاطعها بلهفة غاضبة

" لا مش حرة و متقوليش كدا تاني.. "


عاندته غاضبة مشتاقه لأي بادرة حنان و حب من جهته فهي مثله ابتليت بكبرياء لعين يمنعها من استجداء عشقه 

" براحتي علي فكرة مش هتعرفني اقول ايه و مقولش ايه . بطل شغل الديكتاتورية دا"

"قولتلك قبل كدا انا ديكتاتور. عجبك أو لا فدا أمر واقع مش هتعرفي تغيريه.."


أشعلت إجابته فتيل غضبها الذي جعلها تقول من بين أسنانها 

" وانا بقي مش مضطرة اقبل بالوضع دا. "

كانت أمامه ككتاب مفتوح يحفظه عن ظهر قلب فاقترب منها حتي أصبحوا يتشاركان الأنفاس سويًا و قال بنبرة رغم خشونتها ولكنها اخترقت أعماق فؤادها 

" مش بمزاجك.. كلك علي بعضك كدة بتاعتي وانا حر فيكِ اعمل اللي اعمله و أقول اللي أقوله و أنتِ تقولي حاضر ونعم.."


كانت كلماته بامتلاكها تشعلان نيرانًا من عشق غزا سائر جسدها ليناطح بقوة كبريائها الذي أبى عليها الخضوع فثار عنفوانها وقالت بتحدي

" دا يعينك. انك تتحكم فيا و تمشيني علي مزاجك يا سالم يا وزان.. "


كان أكثر ما يجذبه إليها ذلك العنفوان القوي و تلك الروح الثائرة التي تمتلكها فقام بتطويق خصرها يقربها إليه قبل أن  يقول بلهجة تحمل من الغزل ما جعل عظامها تذوب بين يديه

" وحياة سالم الوزان الحلوة دي لههد الدنيا و ابنيها عشان خاطرك يافرح. " 


بعثر كيانها بكلماته العاشقة التي جعلت دقاتها تتقاذف بعنف داخل صدرها فبللت حلقها الذي جف وقالت بأنفاس مقطوعة

" يعني مش هتتخلى عني أبد؟" 


أجابها بقوة

" روحي قصاد روحك.."

" طب قولى هتعمل ايه؟"

أجابها بغموض لم يروي ظمأ تساؤلاتها

" الي بيعمل مابيقولش.. "


فرح بتوسل 

" طب طمني وحياة اغلى حاجه عندك.."

سالم بصرامة

" وحياتك عندي هاخدك لو من بق الاسد.." 


كان هذا أكثر ما يشتهيه قلبها في تلك اللحظة فارتسمت أجمل ابتسامة يمكن أن تهديه لقلب متيم بعشقها فأخذ يعبئ صدره بأكسجينها الدافئ قبل أن يقول بصوت اجش

" ضحكتك دي في الوقت دا بالذات خطر عليا اكتر من ضرب النار الي بره دا.."


شهقت متفاجئة حين اخترقت أذنيها عدة طلقات نارية ولكن جاءت يداه لتكمم فاهها وهو يقول آمرا

" من هنا لحد ما ترجعوا البلد مش عايز لسانك يخاطب اي حد و اظن أنتِ فهماني كويس.."


اغتاظت من أوامره فقالت مندفعة

" مابحبش الأوامر بتاعتك دي و لو كانت دي طريقتك في الحوار معايا فأنا بعترض.."


كانت يعطيها ظهره متوجهًا النافذة وهو يعبث بهاتفه و التفت يناظرها قائلًا بفظاظة

" أجلى اعتراضك لما اشوفك المرة الجاية.."

انكمشت ملامحها بحيرة تجلت في نبرتها حين قالت 

" اشمعني المرة الجاية.."


ارتسم العبث بنظراته التي شملتها بطريقة بعثت الرجفة الي أوصالها و خاصة حين قال بوقاحة

" عشان هتكوني مراتي و وقتها هعرف اكسر دماغك الناشفة دي او ألينها.. بطريقتي.."


قال جملته الأخيرة بعد أن أرسل إليها غمزة عابثة اخترقت أعماق قلبها و أشعلت بجوفها زوبعة من المشاعر العاتية التي لا يخمدها سوى قربه..

 


****************


كانت النيران مشتعلة في الحظائر الفارغة بعد أن قام أحدهم ب إفراغها من الخيل الذي ما أن رآى النيران المندلعة حتى انتابه الذعر و هرول إلي الخارج معلنًا حالة من الهرج و المرج في الأرجاء و خرج الجميع لمعرفة ما يحدث بينما كانت هناك أعين تشاهد ما يحدث بإستمتاع خاصة حين رأت عمار الذي كان يحاول السيطرة على الخيل الهائج ولكن دون جدوى. و صارت النيران تشتعل أكثر فقام عمار بالصراخ في الغفر

" ابعدوا الخيل عن النار اوعاكوا لاحاچة تتصاب.."


و كان ياسين علي الجانب الآخر يحاول أن يطفئ النيران عن طريق طفايات الحريق وهو يقول صارخًا

" اتصلوا بالمطافي بسرعة…"

و لكن ألسنة اللهب كانت و كأنها تعاندهم و تزداد أكثر و أكثر في كل مكان و الجميع متأهب و مرتعب في محاولة للسيطرة عليها ولكن دون جدوى


" تحفة.. تحفة يا لولو الأيس كريم طعمه تحفة.."

كان هذا صوت مروان الذي يقف أمام عربته يأكل المثلجات وعلي يمينه حلا و علي يساره جنة و فوق كتفيه ريتال فقد كانت الفتيات تشاركه أكل المثلجات التي كان طعمها أكثر من رائع فصاحت جنة قائلة باستمتاع

" عندك حق يا مروان الايس كريم دا رهيب.."


جاء صوت حلا التي كانت مستمتعة بأكل خاصتها من المثلجات التي كانت بنكهة التوت 

" خلى بالك دي كانت فكرتي. انا الي عرفته على المحل دا.."


لكزها مروان بيده قائلًا 

" فكرتك اه بس انا اللي عازمكوا.. "

سقطت أحدي القطع المثلجة فوق رأسه فنظر للأعلى قائلًا بسخرية

" خدي راحتك يا ريتال. لو عايزة ترجعي عبي موجود ياختي . ماهو انا العبد الصومالي اللي جابهولك ابوكي.."


إجابته ريتال بسخرية

" متقلقش يا عمو واحدة راحتي عالآخر.."

مروان بامتعاض

" خدك ربنا يا بعيدة.."

تدخلت حلا تسأله بخبث

" ألا قولي يا ميرو اومال ايه طقم الحنية اللي شفته النهاردة العصر ده فى الجنينة .. هو الحب القديم صحي تاني ولا اي؟"


تبدلت ملامحه إلى أخرى مشدودة وقال بغضب 

" ايه يا بت الكلام الاهبل دا؟ طقم حنية ايه و حب قديم ايه ؟ هتخبطي في الحلل"


تدخلت جنة قائله بصياح

"اسكت انت. ايه دا بجد يا حلا ..مروان بيحب ولا اي؟"

حلا بتخابث

" دا واقع لشوشته يا بنتي. أنتِ متعرفيش. دا بيحب .."


" اخرسي يا كلب البحر يا بتاعت الجاز أنتِ بحب مين يا عنيا.."

" سما.. بيحب سما يا جنة.."


هذا كان صوت ريتال التي كانت تلعق المثلجات باستمتاع غير منتبهه لتلك القنبلة التي ألقتها في التو فتسمر مروان مصدومًا بما سمعه فصاحت جنة معترضة 

" ايه دا معقول.. سما .  ملقتش إلا سما وتحبها يا مروان.."


فاندفعت حلا غاضبة

" جنة احنا بقينا حبايب آه لكن سما خط أحمر..  سما دي وربنا ما في اطيب منها هي الظروف المنيلة اللي خلتكوا تزعلوا من بعض.."


قامت جنة بإرسال غمزة خبيثة إلي حلا فهدأت الأخرى و تابعت جنة حديثها إذ قالت بتقريع

" بقي ملقتش إلا البت المصديه الي شبه البومه دي عشان تحبها.."


هنا اهتاج مروان و قام بجذب ريتال من فوق كتفيه و القائها بعنف علي مقدمة السيارة قائلا باعتذار 

" لامؤخذه يا ريتال.. "


 ثم وجه حديثه الغاضب الى جنة

" لا بقي.. انا ساكتلك من الصبح. هي مين دي الي مصديه و بومه يا كلب البحر أنتِ .. اي نعم هي كئيبه و نكديه بس مسمحلكيش تغلطي فيها انا بس الي اقول عنها كدا.."


انهى كلماته و قد فطن للتو الى حقيقة اندفاعه في الدفاع عنها ولكن قد فات الأوان فانطلقت الضحكات حوله وقالت جنة بمكر

" بتصيع علينا يا ميرو. مكنش العشم يا راجل.."


و تابعت حلا تقريعها حين قالت بسخرية

" لا و قال أنا اللى زي الهبلة بحكيله على كل حاجة. اتفضلي البيه بيخبي عليا.."


تدخلت ريتال قائله ببراءة

" والله قولتله مينفعش تخبي علي حلا ولا جنة دول أصحابك. قولتلي استني لما اشوف ردها الأول.."

شهقت حلا وقالت بصدمة 

" ايه دا انت فاتحتها في الموضوع من غير ما اعرف؟"


التفت مروان يناظر ريتال بغضب ثم قال بحسرة

" اروح منك فين فضحاني في كل حته. مبتستريش عليا أبدًا.. "


" تستر علي مين دا اسماعيليه كلها هتعرف النهاردة.. اتفضل جاوب "

كان هذا حديث جنة الذي جعله يطلق الهواء المكتوم بصدره دفعة واحدة قبل أن يقول باختصار 

" مفيش حاجه تتحكي انا لمحتلها وخلاص.."


أوشكت حلا علي الحديث فصاح غاضبًا 

" ولا كلمه وربنا ما هقول حاجه تاني. ويالا انجروا قدامي على البيت. انا ناقص عنيكوا المدورة دي ترشقلي في الموضوع تجيبه نصين. "

و بالفعل قام بإيصال جنة التي ما أن وصلت إلي مزرعتهم حتي تفاجئت من مشهد الدخان الذي يلون سماءها و ما أن همت بالذهاب لمعرفة الأمر فإذا بها تجد يد قويه تطوق خصرها و أخرى تكمم فاهها و صوتًا خافتًا يتسلل إلي أذنيها بوعيد ذو نبرة رقيقة

" راحة فين.. بينا حساب لسه مصفيناهوش.."


***************


حلت نهاية الأسبوع و قد كان الجميع يتأهب لتلك الزيارة التي ستضع النقاط فوق الحروف. و أخيرًا وصلت السيارات أمام منزل عبد الحميد الذي كان ينتظرهم علي باب القصر ولكنه تفاجئ بكل تلك السيارات التي كانت تحمل ما لذ و طاب أكثر بكثير مما كان يتوقع و قد شاع في البلد بأكملها بأن ابنه عائلة عمران سوف تتزوج بابن أخ صفوت الوزان مدير أمن المنيا لا يعرف كيف تسرب الخبر ولم يكن هو من سربه فشعر بشيء يحاك من خلف ظهره ولكنه أتقن إخفاء شكوكه و قام بالترحيب بضيوفه قائلًا بصوت جهوري

" يا مرحب. يا مرحب.. شرفتونا و نورتونا .. "

" نيرة بأهلها يا حاج عبد الحميد.."


هكذا أجابه صفوت ليقول عبد الحميد بمزاح

" تسلم يا صفوت بيه.. بس مكنش له لزوم تكلفوا نفسيكوا أكده.."


تدخل سالم قائلًا بمكر

" كل واحد بيجيب قيمته يا عمده. وبعدين احنا جبنا علي قد ما هناخد. ولا انت بخيل.."

قهقه عبد الحميد قبل أن يقول بمزاح

"  عارفين انك تجيل يا سالم بيه . وقيمتك اكبر بكتير. و انت بردك عارف كرمنا ازاي.. اتفضلوا.."


بالفعل دخل الجميع الى البيت الكبير ونُقِلت الهدايا الي داخل المنزل وسط نظرات ذهول من الفلاحين فلأول مرة يروا زيارة بمثل هذا الحجم و كأنها إحدى المعونات التي تُبعث للدول المعدومة. فقد أتقن سالم لعبته كثيرًا للحد الذي جعل عبد الحميد يشك فيما يحدث حوله و خاصةً نظرات سالم التي كانت تحمل الكثير و قد صح ظنه حين سمع صفوت الذي قال بوقار

" يا حاج عبد الحميد احنا جينا النهاردة عشان نطلب ايد بنتي فرح لابني سالم قولت ايه؟"


برقت أعين جميع الموجودين من حديث صفوت الذي كان كدلو من الماء سقط فوق رأس عبد الحميد الذي قال بذهول

" مش دا اتفاجنا جبل سابج يا صفوت بيه. احنا كان كلامنا كله علي چنة ."


صفوت بمجاملة

" ماهو احنا بصراحه يا حاج عبد الحميد ملقناش احسن من نسبكوا و قلنا ناخد الأختين. انتوا تشرفوا اي حد.."


كانت محاولة جيدة منه لإحراج عبد الحميد الذي تأكدت ظنونه الآن و قد حمد ربه كثيرًا حين جنب حفيده تلك المقابلة فهو يعلم بأنه لو كان موجودًا لاحتراق المكان بأكمله ولكنه آثر استخدام الحكمة حين قال

" تسلم يا صفوت بيه.. واني على عيني ارفض طلبكوا. بس البنته مخطوبة.. "


هنا تدخل سالم الذي قال بفظاظة

" و دا من امتى يا حاج عبد الحميد ؟ "

أجابه عبد الحميد بجفاء

" و ده يخصك في أي ؟ جولتلك البنت مخطوبة.. و ده المفيد.."


تشابهت عينيه مع نبرته الجامدة حين قال

" لا يخصني . البنات في يوم من الأيام كانوا تحت حمايتي و يهمني أمرهم. عشان كدا بسألك. ولا انت ايه رأيك؟"


علم جيدًا اين يضربه فقد كانت الغرفة تعج بالحاضرين من اقربائهم و رجال البلد فقد كان هذا طلبه أن يأتي بأهله جميعًا لطلب يد ابنتهم وقد نفذ ما أراد واستغله لصالحه فعبد الحميد لن يجازف بالخوض فيما حدث أمام كل هؤلاء الناس و لكنه ايضًا لم يرضخ لاستغلاله و ما أن أوشك علي إجابته حتي تدخل صفوت لتهدئة الموقف قائلًا بوقار


" يا حاج عبد الحميد احنا جايين و قصدنا خير. و انت طبعًا متكرهش الخير. و زي ما عملت مع بنتي حلا هعمل مع بنتي فرح ولا انت ايه رأيك ؟"


انكمشت ملامح عبد الحميد بالغضب وقال ساخطًا

" تجصد اي! "

تدخل سالم قائلًا بصرامة و عينين تملؤها الشماته

" نسألها.. "


صاح عبدالحميد معارضًا 

" كلام ايه اللي عم تجوله ده ؟"

تدخل صفوت قائلًا 

" هو دا الصح يا حاج عبد الحميد زي ماعملنا مع حلا نعمل مع فرح. نسألها والرأي الأول والأخير ليها.."


هنا ارتسم الغضب علي ملامح عبد الحميد الذي تجاهله وقال بوعيد 

" و أني موافج.. خلونا نشوف رأيها اي. بس اوعاك تزعل لو جالت لاه اني حاولت افاديك الإحراچ.."


شعر سالم بشئ خلف حديثه ولكنه تجاهل شكوكه و قال بقوة 

" لا متخافش عليا.. انا مستعد لاي حاجه.."

" وماله.. هجوم آخذ رأيها و ارچعلك.."


تحرك عبد الحميد إلى الداخل تاركًا خلفه سالم الذي أخذت تتقاذفه الظنون و صارت الدقائق تلدغه بكل ثانيه تمر بها إلي أن آتي عبد الحميد الذي كانت ملامحه غامضة لا تفسر و من ثم قام بإلقاء قنبلته الذي دوى ضجيجها في صدره ووووو


يتبع….


🍓الثاني عشر ج٢🍓


دعيني أُخبِرك شيئًا. إن روحي لا تُزهِر أبدًا سوي معكِ، عيناى لا تُضيء سوى بالنظر إليكِ. أضلعى لا تكتمل سوى بكِ. خلقت بى عشق من نار لا يُطفئها سوى قربك. ذلك الشق الناقص بروحى لم يرممه أحد سواكِ. لذا فإن كان طريق الوصول اليكِ مُستحيل فأخبري ذلك المستحيل أنني قادم ..


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


شعر «سالم» بشئ خلف حديثه ولكنه تجاهل شكوكه و قال بقوة 

" لا متخافش عليا.. انا مستعد لاي حاجه.."

" وماله.. هجوم آخذ رأيها و ارچعلك.."


تحرك «عبد الحميد» إلى الداخل تاركًا خلفه سالم الذي أخذت تتقاذفه الظنون و صارت الدقائق تلدغه بكل ثانيه تمر بها إلي أن آتي «عبد الحميد» الذي كانت ملامحه غامضة لا تفسر ومن ثم قام بإلقاء قنبلته الذي دوى ضجيجها في صدره حين قال بلهجة خشنة و ملامح بدا عليها الإمتعاض

" العروسة وافجت.."


عودة لما قبل عشر دقائق.


 جالسة في الغرفة الخاصة بشقيقتها و كل خليه ب جسدها ترتجف من فرط الإنفعال و الترقب ف الخدم ما انفكوا يتحدثون عن تلك الزيارة الهائلة التي أتوا بها الخاطبين على ديار العائلة و قد كان من المتوقع أن يتم خطبة أختها أمام أهل البلد وكبارها ولكن ماذا عنها؟؟ 

لأول مرة تثق بشخص بتلك الدرجة ولكن الكلمات توقفت علي أعتاب شفتيها حين وجدت السؤال ماذا عنها؟ 

وعدها و تصدقه تعلم بأنه سيفعل المستحيل لأجلها ولكن هل يتضمن ذلك المستحيل أن تصبح هي الأخرى عروسًا له في اقرب وقت؟ 


يا لسخرية القدر فمنذ بضعة أسابيع كانت تهرب منه و من عشق جارف يتخلل قلبها إليه و الآن تتلهف علي خطوة بسيطة قد تقربها منه! ولما لا فقد ذاقت حنانًا بين أضلعه لم تختبره طوال حياتها. حنان جعلها كالمدمن الذي يريد جميع جرعات مخدره دفعة واحدة حتى تغمره نشوة الحب و يغرق في بحور السعادة التي لم تختبرها مسبقًا. مايزال هناك الكثير من الألم و الندوب تحتاج إلى بلسم قربه ل يرممها. و ايضًا تلك الندبة الكبيرة التي شوهت قلبها ذات يوم كان قربه الدواء الفعال لزوال أثرها.

شقها الروحي الذي تساقطت منه حروف اسمها دون أن تتذوق منه رشفة واحدة كانت تحتاج أصابعه الحانية ل تحيكها بخيوط من عشق هو الوحيد القادر على إعادة هيكلة كيانها المبعثر..


زفرة قوية خرجت من جوفها مصحوبة بتيارات ندم جارفة على كل لحظة استسلمت لخوفها الذي أبعدها عنه ولكن شئ ما بداخلها ذكرها بكلمته التي كانت كالبلسم على روحها الملتاعه 

" روحي قصاد روحك."


جملة كانت أكثر من كافية لجعلها تهدأ لثوان و كأنها مخدرًا قويًا سري في أوردتها مما جعلها تغمض عينيها متنهدة براحه و داخلها يردد 

" يا الله لا تختبر قلبي بخسارته فإنه علي روحي عزيز…"


مازالت مغمضة عينيها حين ردد قلبها بتوسل

" أرجوك يا سالم متتخلاش عني.."

أخرجها من بحر هواجسها وتخبطاتها طرقة قويه علي باب الغرفة جعلتها تهب من مكانها و خاصةً حين وجدت جدها يطل من الباب بهيبته التي لطالما بعثت الرهبة ألي أوصالها إضافة إلى نظراته التي كانت قاتمة بشكل مخيف تشبه لهجته حين ألقى قنبلته على مسامعها

" كتِ عارفه أن ابن الوزان چاي يطلب يدك النهاردة ؟'


هبت «فرح» من مكانها لدى سماعها كلمات جدها التي كان وقعها كالقنبلة التي دوي طنينها بقلبها فأشعرتها لأول مرة بأنها بكماء لا قدرة لها على الحديث الذي تولته «جنة» حين تدخلت قائلة

" حضرتك تقصد مين يا جدي ؟ انا ولا فرح؟"


تجاهل حديثها بينما كانت نظراته مصوبة علي «فرح» التي حاولت استجماع شجاعتها و بللت حلقها قبل أن تقول بلهجة مهتزة

" لو تقصدني أنا ف لا مكنتش اعرف."


عينيها لم تكن مهتزة ك لهجتها فشعر بصدقها و لكنه تجاهله حين قال بفظاظة

" أكده يبجي اطلع ابلغهم رفضك.."


خرج الحديث من أعماق قلبها الذي ارتعب من فقده 

" بس انا موافقه.."

التفت «عبدالحميد» يناظرها بغضب تجلي في نبرته حين قال

" يبجي كتي عارفه و هتكذبي علي!'


اخذت نفسًا قويًا خبأته ب داخل صدرها الذي تزاحم به الخوف و الألم معًا و استدعت شجاعة كانت سلاحها لسنوات قائلة بلهجة ثابتة

" انا مكذبتش عليك لما قلت معرفش انه جاي يتقدملي النهاردة. لكن كنت متأكدة انه هيعمل كدا في وقت من الأوقات.."


كلمة واحدة خرجت من جوفه الغاضب 

" بينك وبينه آية؟ "


بشجاعة اجابته

" تقصد اللي في القلب ولا تقصد اللى براه ؟"

تحرك خطوة تجاهها اهتزت لها داخليًا و خاصةً حين قال بصوت مرعب

" التنين!"


" انا مشوفتش منه غير كل حاجه كويسه. حمانا في أكثر لحظات ضعفنا. مسمحش لحد يتحكم فينا أو يبهدلنا. حاول علي قد ما يقدر أنه يصلح خطأ مكنش له ذنب فيه. كل الي بينا و اللي شوفته منه أنه راجل يعتمد عليه. دا لو بتسأل ع الظاهر و اللي حصل . أما اللي جوايا له فأنا اتمنى فعلًا اني اكون مراته. والوحيد اللي هوافق انى اتجوزه" 


كلماتها لامست شيئًا داخل قلبه تجاهله وهو يقول بنبرة قويه

" اللي عتجوليه دا صوح. و اني موافج عليه بس انى مختارلك زينة الشباب. اللي مهتشوفيش في شهامته واصل.."


تحدثت معاندة

" بس أنا اخترت سالم.."


زمجر معترضًا 

" يفرج ايه ده عن ولد عمك؟"

هنا انفتح باب الغرفة و أطل منه «عمار» بهيئته الضخمة و ملامحه الواجمة يتوجها عينين قاتمة لم تفلح في إرهابها بل علي العكس عززت من شجاعتها حين قالت

" القلب وما يريد يا جدي و أنا قلبي اختار سالم الوزان و مش عايزة راجل غيره.."


كانت جملتها علي كرامته تشبه صفعته علي وجنتها ذلك اليوم فهي تفضل آخر عليه حتى لو لم يكن يحمل لها عشق خاص ولكن رجل مثله يأبي كبرياءه المقارنة بشخص آخر ناهيك عن خسارته النكراء أمام غريمه ولكنه ابتلع جمراته الحارقة و أردف بسخرية

"من ميتا و احنا بناخدو رأي الحريم يا جدي في الأمور الي زي دي..؟"


زفر «عبد الحميد» بغضب فالأمور خرجت عن سيطرته ولكنه لم يحسب حساب ل«فرح» التي أرادت سكب النيران فوق بركاته الثائر لذا قالت بشجاعة 

" لو كانت الأرض هي اللي منعاك توافق على جوازي من سالم يا جدي فأنا متنازله عنها.."


برقت عيني «عمار» فقد كان يعلم بتحديها له و برغبتها في أغضابه فهي تضحي بالغالى و النفيس لأجل ذلك السالم وما أن أوشك على الحديث حتى جاءه صوت «عبد الحميد» الصارم

" اجفلي خشمك يا فرح.. ارض ايه الي هتتكلمي عنيها؟! اني عايز موصلحتك أنتِ و خيتك.. "


في خضم نزالها مع «عمار» شعرت بأن كلماتها أذت جدها فاقتربت منه قائلة بصوت رقيق متوسل

" أنا أسفة يا جدي مقصدتش. بس."


قاطعها غاضبًا

" مفيش بس . الحديت خلوص خلاص.."

التفت ينتوي المغادرة فاستوقفته كلماتها المتوسلة حين قالت

" ورحمة ابويا يا جدي ما تظلمني…"


تجمد بمكانه إثر رجاءها الغير متوقع و التفت يناظرها بعينين لم تستطيع رد توسلها أبدًا فلاح بهما الحنان لوهلة قبل أن يقول بصرامة

" ورايا يا عمار .."


عودة الوقت الحالي


لحظة توقف الزمن حوله فقد كان يتوقع خوض حربًا ضارية أمام ذلك العجوز الداهية ل انتزاعها من بين براثنه ولكن أن تأتي الموافقه علي طبق من ذهب هكذا شئ جعل عقله يعمل في جميع الاتجاهات فمن الواضح بأن مهرته قد تحلت بشجاعتها و وقفت مدافعة عن عشقهما و لأنه كان عشقًا جارفًا لا يعرف الحدود فقد أراد في تلك اللحظة رؤيتها حتى يقبل تلك الشفاة الرائعه التي أعلنت قبولها الصريح و لم تهاب أحد…

" الف مليون مبروك يا حاج عبد الحميد .. احنا زادنا شرف والله "


هكذا تحدث «صفوت» الذي صاح بتهليل يهنئ «عبد الحميد» الذي بدوره كان متجهمًا لتأتي كلمات «سالم» المطمئنه فقد حمل له بعض الامتنان لكونه لم يقهر حفيدته و لم يرغمها علي شئ لا تريده..

" فرح في عنيا يا حاج عبد الحميد.. اتأكد أنها في إيد أمينة.."


نظراتهم كانت تحمل الكثير و قد تفهم «عبد الحميد» أن ذلك الرجل بالرغم من شهامته ومروءته يحمل الكثير لحفيدته و بالنهاية هو لا يريد سوى سعادتها لذا تجاهل كل شئ و اقترب قائلًا 

" بس أكده المهر هيبجي غالي جوي يا سالم بيه. يعني عروستين من عندينا خبطة واحدة.."


ابتسم «سالم» قائلا بثقة 

" و أنا رقبتي سدادة.. اؤمر "

تدخل «صفوت» قائلًا بمجاملة

"كنوز الدنيا كلها تحت رجلين بناتكوا يا حاج عبد الحميد.. و عيلة الوزان معروفة على ايه. "


«عبد الحميد» بوقار

" تسلم وتعيش يا صفوت بيه.. وعشان انتوا ناس محترمه هنديكوا بناتنا.. "

تدخل «سالم» قائلًا بخشونة

" قبل اي حاجه احنا عايزين نعجل بالفرح يعني اقصي حاجه الأسبوع الجاي"


انكمشت ملامح «عبد الحميد» بحيرة تجلت في نبرته حين قال 

" و ليه العچلة ؟ ما جولنا آخر الشهر"

«صفوت» بتعقل 

" مدام كل حاجه خلصانه وكل طلباتك مجابه يبقى ليه نأجل. الولاد عايزين يستقروا و اظن دا ميزعلكش ولا ايه؟"


انفتح الباب وأطل كلًا من «ياسين» و «عمار» الذي ألقي السلام بينما عينيه تقتنص ذلك الذي ناظره بغضب قاتم ازدادت شراسته حين قال 

" وه.. كلام ايه دا يا معالي الباشا. هي مش كل حاچه عايزة ترتيبات ولا اي؟؟ دا چواز مش سلج بيض.."


تجاهل «سالم» حديثه قاصدًا تهميشه و هو ينظر إلي «عبدالحميد» الذي قال بتفكير

" اني معاك يا سالم بيه انك عايز تعچل و دا رأيي بس كل حاچه زي ما جال عمار لازملها ترتيب "


لم تتغير ملامح «سالم» إنما قال بنبرة فظة

" مابحبش أعيد كلامي مرتين يا حاج عبد الحميد. كل اللي عليك تطلب وانا هنفذ. و ياريت ننهي أي جدل مالوش لازمة.."


احتد «عمار» في الحديث حين قال

" و احنا لازمن نفكرو زين جبل ما ناخدوا اي خطوة . احنا مابنرميش بناتنا ولا اي يا حضرات؟"

لم يتيح الفرصة لأحد للحديث فقد ناظره شذرًا وهو يقول بلهجه مهينة

" لما تحب يكونلك رأي ابقي احضر قاعدة الكبار من اولها. احنا خلاص اتفقنا."


انتفخت أوداجه غضبت و ما أن هم بالرد حتى جاء حديث «سالم» القاطع ل«عبد الحميد» حين قال بفظاظة

"  تحديد المواعيد دا راجع لينا و احنا زي ما قولت جاهزين. لو انتوا مش جاهزين أو طلباتنا تقيلة علي دكتور ياسين يبقي نشوف وقتها.."


نجح في غرس سهم في منتصف الهدف فقد اكفهرت ملامح «عبد الحميد» الذي هب قائلًا باعتراض

" كلام ايه ده اللي عم تجوله . احنا رجابتنا سداده و دكتور ياسين كد الدنيا ولو عالفرح اني موافج الخميس الچاي "


اتبع مبدأ طرق الحديد وهو ساخن إذ قال بفظاظة

" الفرح هيتعمل هنا احتراما لظروفنا. و أنا و سليم في آخر اليوم كل واحد ه ياخد عروسته و هيمشي.."


«عبد الحميد» بوقار

" موافج. بس زي ما جولت جبل أكده هنعملوا فرح يليج بينا.."


«سالم» بخشونة

" اعمل اللي يعجبك. و أي مصاريف انا متكفل بيها. " 


«عبد الحميد» بسخرية

" يعچبني فيك غرورك بنفسك يا سالم بيه.. يمكن متعرفش عاداتنا "

«سالم» بثقة

" عارف.. و موافق. و اللي بتسميه غرور ده ثقه بالنفس. رحم الله إمرئ عرف قدر نفسه.."


انتهت الجلسة و جاءت ب نتائجها المرجوة و ظفر المحارب باقوى معاركه و لكن تبقي انتقام لروحه التي اهتزت بوجع المحبوب فحين هم الجميع بالمغادرة اقترب بعينيه القائمه التي تخفي غضب مدمر و بهسيس مرعب قال بجانب أذن «عمار» 

" مستنيك النهارده الساعه ٩ بالليل عند شجرة التوت اللي في آخر أرضكم.."


صُدِم «عمار» من حديث «سالم» الذي لم يزيد كلمه واحدة بل رفع رأسه بشموخ وهو يغادر تاركًا خلفه «عمار» الذي كان يتخبط بأفكاره..


في غرفتها تنتظر إعلانًا أما ببقائها على قيد الحياة و لكن تلك المرة ستكون حياة حقيقية أو بموت محتم أن افترقت عنه ولكن لم يدم خوفها كثيرًا فقد اندلعت أصوات الزغاريد من الأسفل فهرولت الفتاتين للخارج لرؤيه ما حدث فإذا بالرجال يخرجون من غرفة المكتب وعلى رأسهم «عبد الحميد» الذي اطلق أوامره للخدم حتى تتعالى أصوات الفرحة في القصر فأخذت «تهاني» تزغرد فرحه و هي تقترب منهما وتقول بحبور

" مبروك يا چنة مبروك يا فرح .. والله و دخل الفرح بيتنا من تاني.."


لدى سماعه اسمها لم يستطيع سوي ان يلتفت برأسه ل يرسل إليها نظرة عاشقة راضية اخترقت قلبها الذي أصبح يشعر به دون حديث. فهي تعلم مقدار رضاه و فرحته حين حاربت لأجل عشقهم. فالمعركة لم تكن سهلة ولكن المحارب كان شجاعًا استند علي ذخيرة قوية ولهذا كانت النهاية الانتصار على قيود القدر التي أحكمت تطويق قلوبهم لسنوات طوال…


*****************


جاء المساء في هذه القرية الهادئة التي لم يتناسب هدوئها مع ضجيج قلوبهم و خاصة تلك التي كانت تحارب عشقًا جارفًا يغزو كيانها بجموح ارهبها بقدر ما ترهبها نفسها التي ذاقت الويلات جراء تلك الكارثة التي ضربت حياتها ف أودتها إلى قاع جحيم مستعر تجاهد بكل قواها حتى تخرج منه و طوق نجاتها الوحيد يكن في يد لطخت بدماءها فهل تستطيع نسيان جرحه و إهانته المؤلمه لها ام ستظل في جحيم عذابها هذا الي الأبد..

زفرت بتعب وهي تتذكر ما حدث قبل عدة أيام تحديدًا يوم الحريق الذي اشتق نيرانه من قلوب امتزج بها الغضب و  الشوق معًا


في وقت سابق


ترجلت من السيارة بأعين مذعورة تشاهد هذا الدخان الكثيف الذي يحلق في سماء مزرعة عمها و ما كادت أن تخطو خطوة الي داخل البوابة حتى تفاجأت بذراعين تطوقان خصرها من الخلف و صوت خافت أصبحت تحفظ تردداته عن ظهر قلب اخترق مسامعها حين قال

" راحة فين لسه بينا حساب لسه مصفيناهوش.."


تجمدت جميع خلاياها من فرط صدمتها حين شعرت بوجوده و يده المطوقه خصرها بقوة لم تؤلمها بل جعلتها تترك له نفسها حين اختفي بها في أحد الأشجار الكثيفة و من ثم ترك فمها الذي كانت تكممه يداه وقام بإدارتها إليه و هو يناظرها بعينين يملؤها العشق و اللهفة معًا فبدت لامعة تحت ضوء القمر الذي يتسلل بخفوت بين غصون الشجر فكان المشهد يبدو رائعًا لمن يراه من بعيد و خاصةً حين أضاف بلهجة خشنة تحمل شوقًا كبيرًا

" عاجبك شغل الهجامة اللي احنا فيه ده؟ بقالي اسبوع مش عارف اوصلك ؟؟"


تجاهلت عتابه الخشن ولهفته التي كانت تلون ملامحه وقالت بسخرية

" والله قول لنفسك. ايه الي بتعمله دا؟ مفكر انك كدا هتجبرني اتكلم معاك؟"


تغلبت طبيعته الغاضبة على تعقله فصاح مغلولًا

" انتِ لسه لحد دلوقتي مشوفتيش إجبار. "

عاندته غاضبة

" و لا هشوف و لا عمرك هتقدر تجبرني اصلًا"


أكد حديثها قائلًا بفظاظة

" في دي عندك حق. مش سليم الوزان الي يجبر واحدة عليه."

استفهمت مستنكرة 

"والله. اللي بتعمله ده اسمه ايه؟"


فاجأها حين قال بنبرة اهدأ قليلًا

" أسمه اني شايف قلبك و عارف اللي جواه. انا مش صغير و اقدر افرق بين الرفض و الخوف. الخوف اللي مانعك تسلميلي و تعترفي بمشاعرك ناحيتي. "


أوشكت على معارضته فتابع بلهجة قاطعة

" متكابريش يا جنة.. عنيكِ معرياكِ. ومخلياني شايف قلبك كويس اوي. انا هقولك كلمتين ملهمش علاقه بيا. أنتِ مش وحشه والغلط مكنش عندك. أنتِ كنتِ ضحية. بلاش تغيرِ طبيعتك وشخصيتك بسبب اللي حصل"


صاحت بقهر

" ولما يتكرر تاني هتنفعني طبيعتي وشخصيتي بأيه؟"


قاطعها بصرامة 

" مش هيحصل أبدًا ."

" و ايه اللي يضمنلي اني متأذيش تاني؟"

امتدت يداه تمسكها من مرفقيها بقوة تجلت في نبرته حين قال و عينيه مسلطه كشعاع علي خاصتها 

" عشان أنا موجود.. وعمري ما هسمح لأي حاجه او اي حد أنه يأذيكِ.."


ارتج قلبها لتصريحه القوي ونبرته التي كانت مطمئنة بطريقة كبيرة جعلتها عاجزة عن الحديث ليتابع هو بخشونة

" انا مش عايزك عشان اصلح اخطاء إلي قبلي . انا عايزك عشان محتاجك زي مانتِ محتجاني.."


انكمشت ملامحها بألم كان صداه حارق بقلبها و تجلي في نبرتها حين قالت

" محتاجني عشان اداوي الجرح الي جرهتهولك ست مروة صح؟"

تبدلت معالمه للدهشه التي تجلت في نبرته حين قال 

" مروى! و أنتِ ايه عرفك بمروة؟"


" مش مهم . المهم اني عرفت. "

تجاهل غضبه و قال بفظاظة

" طب ما تخلي عندك الجرأة و قولي اللي جواكِ بدل ما ترمي الكلام وخلاص؟"


عاندته بتهكم

" لما تخلي عندك الجرأة و تقولي انت فعلًا كنت على علاقه بيها و حبيتها و لا لأ؟"

صمت دام لثوان اتبعه زفيرًا حارقًا خرج من جوفه و كعادة رجل مثله يتخذ من الصدق مذهبًا طوال حياته أجابها بلهجة قاطعه 

" أيوا حبيتها. "


لم تتفاجئ بقدر ما تألمت من تصريحه و ارتسم ألمها علي ملامحها فقد كان اعترافه موجعًا بحق ولكنه تابع بخشونة

"في يوم من الايام مشاعري ناحيتها كانت قوية لدرجة اني فكرت اتجوزها. وهي كمان حبتني أو دا اللي قالته وقتها بس لما اتعارض الحب دا مع مستقبلها و كريرها قعدت تماطل و أنا مابحبش كدا."


أردفت بسخرية مريرة 

" قمت سايبها!"


أيدها قائلًا بقوة 

" ايوا سبتها. ومش ندمان. كان ممكن احترمها لو كانت واضحه وصريحه. لكن هي مكانتش كده. بالعكس كانت شخص متلون و مراوغ لأقصي درجة. و دا اللي خلاني مندمتش لحظة عليها. "

تابع وقع حديثه على ملامحها التي ارتخت قليلًا و تابع بقوة 

" مفيش علاقة في الكون ممكن تنجح وهي تفتقر الثقة يا جنة. و هي هزت ثقتي فيها"


استفهمت بقلب مرتعب 

" عندك حق. بس يعني لما جت ؟ و اعتذرت ليه مسامحتهاش مش يمكن تكون اتعلمت من غلطها.."


بلهجه قويه ك نظراته تمامًا أجابها 

" فات الوقت. خلاص مبقاش ليها جوايا اللي يخليني قادر حتى ابص فى وشها.  علاقتي بمروة كانت علاقة فاترة لما انتهت انا حتي متألمتش . مش هنكر افتقدت مشاعر معينه بس متأذتش ودا معناه حاجة واحدة.."

" ايه هي؟"


هكذا استفهمت بلهفة فأجابها بنفس لهفتها 

" انها مكنتش مشاعر قوية بالدرجة الي تخليني اسامحها و اقبل اني ارجعلها.. "


كانت تود لو تستفهم بملء صوتها وتقول 

" أهكذا فقط؟" 

ولكنه استفهام أبى الخروج من بين شفتيها التي ذمتها بألم تجلي في عينيها التي كانت مرآته لقلبها فتابع بنبرة أجشة 

" الحب اللي بجد هو اللي يخلي شخص واحد تقف حياتك عليه. فراقه يعني موتك."

توقف و عينيه تتابع وقع كلماته عليها و تابع بلهجه صادقة

" و الشخص دا هو أنتِ يا جنة.."


ارتج قلبها و اهتزت أضلعها التي تحمله جراء تصريح رائع بالحب لم تجروء علي توقعه يومًا فانهالت عبراتها تأثرًا واهتز جسدها بين يديه التي احتوتها بضمة قويه كانت أكثر من محببة لها فأطلقت العنان لمشاعرها المكبوتة قي الخروج علي السطح فجاءت كلماته الحانية لترمم ثقوبًا و تصدعات شوهت روحها 

" خرجي كل الي في قلبك. عيطي لو دا هيريحك. املي الدنيا صريخ و أنا هسمعك. بس اوعي تكتمي ألمك جواكِ اكتر من كدا."


فعلت مثلما اخبرها فأخذ بكائها يرج غصون الأشجار حولهم و مع كل شهقه كانت تخرج من جوفها يزداد تعلقه بها أكثر حتى صارت وكأنها جزء من جسده ، شقًا من روحه ، قطعة من قلبه المتيم بعشقها و الذي اخترق جميع دوافعها فوجدت نفسها تهمس باسمه 

" سليم.."


اخترق همسها قلبه فقام برفع وجهها يحيطه بكفوفه الحنونه وهو يقول بهمس

" عيونه..'

اجابته بلوعة

" انا خايفه اوي . خايفه من كل حاجه. خايفه اقرب من ابني لاخسره خايفه لا المرض دا يكون عقاب من ربنا ليا عشان غلطتي. خايفه اتعلق بحياة جديدة تنتهي بكارثه زي ما حصل قبل كدا.. احساس الخوف دا هيموتني و أنا مش قادرة اعيش بيه أبدًا …"


كلماتها الملتاعه كانت أشبه بالجمر علي قلبه الذي انتفض بداخله اضلعه ألمًا و عشقًا تجلي في نبرته حين قال 

" اوعي تخافِ و أنا موجود. "


تابع و يديه تمسد أكتافها المرتجفه متابعا بقوة

" ابنك دا هديه ربنا ليكِ وهيتربي في حضننا.  ربنا له حكمة في كل حاجه حصلت. الطفل اللي مش قادرة تقربي منه دا لولاه مكنتيش اكتشفتي حقيقه مرضك و هو لسه في أوله. اللي هو ابتلاء من ربنا و هتصبري عليه عشان أنتِ قويه و عشان ربنا بيحبك. ربنا بيبعت البلاء للي بيحبهم. "


أيدته قايله

" انا عارفه. بس.."

قاطعها بحكمه

" مفيش بس. في الحمد لله علي كل حاجه تيجي من عند ربنا. و تبقي قويه عشان أنتِ احسن من غيرك كتير. أنتِ جمبك ناس كتير بتحبك. اهلك و اختك و ابنك و أنا…"


تعمقت نظراتها أكثر بعينيه التي اقتربت أكثر فأسند جبهته فوق خاصتها قائلًا بصوت أجش

" انتِ غاليه اوي يا جنة. اغلى عندي من روحي.. وجودك يعني اني عايش. و ألمك دا بيفتت قلبي.."


انهي جملته واضعًا قبلة حانيه علي أرنبة أنفها قبل أن يتابع بصوت مغلفًا بلهيب الصبوة

" خليكِ قوية و أنا ايدي في ايدك لحد ما نعدي كل حاجه سوى؟"

" هتصبر عليا؟"


كلمه واحده منها كانت لها وقع القنبلة علي مسامعه فتراجع يناظرها بلهفه تجلت في نبرته حين قال 

" بالرغم من إن سليم الوزان عمره ما عرف يعني ايه صبر بس انتِ تستاهلي اني اتعلمه عشانك.."


" سليم الوزان اختار يدخل النار برجليه.."

هكذا أجابته في محاولة للوصول إلي أقصي مراحل الأمان بقربه فتفهم علي الفور مقصدها فأجابها بخشونة

" اعتبري سليم الوزان دا ملكك بكل ما فيه. قربي و ملكيش دعوة"

" تقصد ايه؟" 


" ايه رأيك تعتبريني صاحبك. الي بتجري تحكيله علي كل حاجه تخصك. فرحك حزنك ألمك كل حاجه. "


ابهرتها كلماته التي انهالت عليها ك سيل من المياة العذبة لتروي تربه تصدعت من فرط الجفاء و خاصة حين أكمل

" اعتبريني البحر الي بترمي فيه كل مشاعرك. "

إجابته بنبرة مرتجفه

" و افرض فهمت كلامي غلط"

" استحاله.. انا شايف قلبك. و عارف الي جواه. و مبسمعش غير ليه. اى كلام تاني مش هيهزني .."


انكمشت ملامحها بحيرة كل ما بداخلها ينطق بالموافقه إلا من شعور دخيل يمنع الكلمات من أن تغادر حدود شفتيها ولكنه تفهم ما يحدث فقال بتفهم


" متجاوبيش دلوقتي.. خدي وقتك و اول ما قلبك يقنعك كلميني.. قوليلي عيزاك. و أنا هجيلك لو من آخر الدنيا.."


رغمًا عنها ارتسمت ابتسامه جميلة علي شفتيها أضاءت له عمرًا بأكمله فاقترب بترو واضعًا قبله هادئه فوق عينيها اليمني ثم انتقلت شفتيه الي العين اليسرى ناثرًا عشقه فوق بحرها الأسود اللامع فخرجت لهجتها مهتزة حين قالت 

" بتعمل ايه؟"


بملامح عاشقه و عينين تلتهمان حسنها إلتهامًا أجابها

" بوثق إتفاقِ بيني و بين قلبك.." 


عودو للوقت الحالي


هبت من مجلسها تنوي بدأ حياة جديدة معه. فقد اضناها العذاب و اكتفت من دفع ثمن خطأها الغير مقصود و بالفعل قامت بسحب هاتفها لتراسله و لكنها احتارت ماذا تكتب؟ هل تخبره بقرارها برسالة لن تحمل مقدار ذرة من مشاعرها التي تجتاح قلبها كالطوفان ام تخبره وهي تنظر إلي داخل عينيه؟ 

ظلت تدور بغرفتها غير قادرة علي اتخاذ القرار ولكنها توقفت فجأة حين تذكرت كلمته التي كانت أكثر من كافيه للتعبير عن جميع مشاعرها التي لن تستطيع الأفصاح عنها..

فقامت علي الفور بتدوين ما تريد و الذي اختصرته في عدة حروف بسيطة 

" عيزاك.."


ما أن همت بإرسالها حتي تعالي صوت بكاء بجانبها والذي لم يكن سوي لطفلها محمود الذي كانت تخشي كثيرًا الاقتراب منه فكانت تتركه الوقت بأكمله إما لشقيقتها او لزوجة عمها للإهتمام به و لكنهما الآن غير متواجدتان و الصغير يبكي بحرقه رق لها قلبها فاقتربت منه بخطيٍ سلحفيه لتجده يتلوي بسريره وجهه محمر بشدة و ملامحه الجميلة مكفهرة بطريقه توحي بأنه يتألم و دون أن تشعر ساقها قلبها إليه فقامت بمد يدها المرتجفه تتحسس وجنته فاحرقتها تلك السخونة المنبعثة منها فارتعبت و قامت بحمله و داخلها يرتجف رعبًا حين وجدت الطفل ينتفض بين يديها يعاني من ارتفاع شديد في حرارته…


**************


كان الغضب شعور بين ألف شعور يجتاحه و هو يقف أمام تلك الشجرة التي تحمل ذكريات لعينه بين مالكه قلبه و بين رجلًا آخر و كأنه أراد قتل تلك الذكريات في مهدها حين قرر لقائهم أن يتم تحت أنظار تلك الثمار المتدلية بإغراء من الغصون . أراد أن يزودها بذكريات أخرى سيئه قد تأتي اولًا بذاكره ذلك الذي تجرأ و اقترب من محبوبته شرًا كان أو خيرًا .


" اهه.. اديني چيتلك .. أما اشوف مواعيد العشاج دي اخرتها ايه؟"


هكذا كان حديث «عمار» موجهًا أياه ل«سالم» الذي كان يعطيه ظهره و ما أن سمع صوته حتي اسودت حدقتاه و اكفهرت معالمه و شدد قبضته فبدا مريعًا حين التفت يناظره و خاصةً حين قال بوعيد

" بما أن الشجرة دي ليها معاك ذكريات حلوة. فقولت احطلك انا كمان ذكرى تفكرك بيا"


انهي كلماته وقام بتوجيه لكمة قويه إلي انف «عمار» الذي نزف في الحال. و لم يستطيع استيعاب ما يحدث حين وجد اللكمات تنهال عليه من كل حدب و صوب فهو لم يكن خصما سهلًا بالمرة ولكن كان لعنصر المفاجأة وقعًا قويًا عليه. إضافة إلي أن ذلك الوحش الثائر الذي أمامه كانت تعميه نيران الغضب و الغيرة فأخذ يكيل له اللكمات و الضربات التي نالت جميع أجزاء جسده بلا رحمة ولا شفقة . فحي دماءه التي سالت أرضًا لم تشفع له فقط كل ما يراه هي وجنتها التي أصابتها يده القذرة و شوهت جمالها و نالت من كبرياءها..


كان هذا كله يحدث أمام مرآى و مسمع من «سليم» و «مروان» الذان يجلسان بالسيارة في انتظار «سالم» الذي أمرهما بعدم التدخل حتي و لو أزهقت حياته فزفر «مروان» بملل قائلًا 

" وبعدين بقي في فيلم الاكشن اللي مش هيخلص دا ؟ ما تيجي نجوش اخوك الي شبه التور دا هيموت الراجل في ايده و بدل ما يشبك يتكلبش!"


اجابه «سليم» بضجر

" مانت سمعت تنبيهاته أن محدش يدخل.. مش ناقصين غضبه "

اطلق «مروان» زفرة حانقة قبل أن يقول 

" علي رأيك و بصراحه الي اسمه عمار دا ابن حلال و يستاهل.."


انهي «مروان» جملته تزامنًا مع رنين هاتف «سليم» برساله نصية كان لها وقع الطبول علي قلبه الذي انتفض بين أضلع حين قرأ محتواها.

" عيزاك."


" بقولك ايه يا مروان . خدمة لأخوك عايزك تستناني هنا لحد ما ارجع.."

«مروان» بامتعاض

" ايه ياخويا و أنا كنت كلت ايه عشان اشرب عليه . مابعملش خدمات لحد ."


تابع «سليم» بلهجه يشوبها التوسل

" عيب عليك دانا حبيبك.. و زي اخوك"

«مروان» باستنكار

" اخويا مين انا معنديش غير أخ واحد و اتبريت منه هو و بنته الي لسانها عايز قطعه دا..'


زفر «سليم» بحنق ثم تابع بإقناع

" قدم السبت تلاقي الحد. وانا و شرف امي هشيلهالك جميلة.."

التمعت عينيه بمكر قبل أن يقول باستمتاع 

" وماله مدام حلفت بالغالي.. واهي الجميلة البيضه تنفع في الليلة السودا. "

«سليم» باحتقار

" اتفو.."


ترجل من السيارة تاركًا «مروان» خلفه و الذي أخذ يتابع تلك الحرب الطاحنه التي انتهت أخيرًا و جاء «سالم» تاركًا خلفه «عمار» جثة تنازع للبقاء علي قيد الحياة فما أن استقل السيارة بجانبه  حتي قال بخشونه

" سليم فين؟"


«مروان» بسخرية 

" المزة بعتتله رساله فخلع.. انما ايه دا يا راجل . دانت طلعت اجمد من ذا روك. يا رافع راسنا انت.."


«سالم» بفظاظة

" بطل رغي كتير و يالا بينا.."

انكمشت ملامح «مروان» بصدمة و قال باستفهام 

" يالا ايه يا راجل ؟ الواد دا لو سبناه كدا للصبح مش هيطلع عليه نهار.."

«سالم» بجفاء

" شالله ما طلع .'


«مروان» محاولًا تهدئته 

" لا يا كبير متعودتش منك علي كدا. حقها و جبته بس انت عمرك ما كنت ظالم. بلاش غضبك يتحكم فيك.. علي الأقل نسعفه.. و خلي بالك انت ممكن تخسر كتير.. "


لون المكر ملامحه قبل أن يقول باستمتاع

" عندك حق.. علي الرغم من أنه عمره ما هيقول أن أنا إلي عملت فيه كدا عشان صورته متتهزش . بس انا هطلع اجدع منه.."

" تقصد ايه؟"


ترجل من السيارة وهو يقول بأمر

" خد العربيه و روح وديه اقرب مستشفي خليهم يسعفوه و أن حد سألك قولهم انك لقيته مرمي بيموت و جبته علي هنا. "


«مروان» بتهليل

" اه يا نمس.. انت عايز تعمل عليه نمرة و توصل لعبد الحميد انك أنقذت حياة حفيده الي عمره ما هيقدر ينطق و يقول انك خرشمته.. لا كبير بصحيح. "


«سالم »بفظاظة 

" نفذ الي قولتلك عليه.."


كانت تذهب الي بيتها بجلبابها الملوث بروث البهائم و رائحه النتانه التي كانت تلاصقها منذ أن أمر هذا الطاغية بأن تقوم بتنظيف الحظائر ذلك العمل الشاق الذي كان كعقاب قاس لها جعلها تقول بغضب 

" الهي يچيك و يحط عليك يا عمار يا ابن ام عمار.. الهي يحكم عليك الجوي . يالي تنشك في بطنك. الهي يدك تتكسر يا بعييد. بجيت كيف البهايم من كتر الجرف الي أني فيه.. روح يا شيخ الهي اشوف فيك يوم يا ظالم.."


هكذا خرجت دعواتها من اعماق قلبها الغاضب و ملامحها الممتعضة وهي تسير عائدة الي منزلها بعد يوم شاق لتتوقف فجأة وهي ترى ذلك الملقي علي الأرض غارقًا بدماءه و بجانبه شخص ما بدا و كأنه يجهز عليه فتسللت علي أطراف اصابعها مقتربه منهم لتتفاجئ ب«عمار» و وجهه الذي كان منتفخًا من كثرة الضرب فقالت هامسه بغباء 

" هو باينه استچاب ولا اي؟؟"

ثم تابعت اقترابها منهم فتبينت ملامحه بالفعل كان هو فما منها إلا أن تعالت صرخاتها بقوة 

" يا حومتي. الحجونا يا خلج الحجونا يا هوه.. الكبير اتجتل . و الجاتل اهوة.. الحجونا.."


كان يحاول رفع جثته الضخمه بصعوبه و ما أن استطاع تحريكه من علي الأرض حتي تفاجئ بتلك الصرخات الآتيه من خلفه و التي افزعته فترك «عمار» بغته ليصطدم جسده بالأرض محدثًا صوت تألم قوي لم يأبه له إنما التفت إلي تلك المجنونة التي كانت تصيح هنا و هناك دون وعي فاقترب منها قائلًا بلهفه 

" اقفلي بقك يا وليه انتِ هتلمي علينا الناس. والله ما عملت حاجه"


صاحت «نجمة» بتوبيخ

" يالا يا كذاب يا ناجص . اني بعيني شيفاك و انت بتجتله.. ورب الكعبة لهلم عليك الخلج.  الحجونا .. الحجونا…"


ذعر «مروان» من حديثها وقال بصياح و هو يحاول تكميم فاه تلك المشعوذة

" شايفه مين يا بنت الهبلة هتلبسيني مصيبة وربنا ما عملت في حاجه. انا جاي الحقه يخربيتك.."


«نجمة» بتهكم و نبره مرتفعه

" تلحجه! عليا اني بردك.يا سفاح "


«مروان» بصراخ و اندهاش

" سفاح مين يخربيت اهلك هتضيعي مستقبلي . والله ما لطيته.. و لا جيت جنبه.."


" اني هوريك يا جاتل. لازمن تاخد عجابك يا سفاح.."

اقترب «مروان» منها محاولًا كتمان فمها واضعًا يده خلف رقبتها يثبتها والأخرى علي فمها و هو يقول بغضب 

" سفاح يسفحك يا شيخه.. دانتِ شيختي أهلي. منك لله يا بعيدة.. مش انا السفاح طب وحياة امي لو نطقتي بحرف واحد لهكون دافنك هنا.."


عند هذا الحد هدأت و هدأ صراخها و لكن ارتسم الرعب بنظراتها وهي تري ملامح «مروان» الذي أتقن رسم التهديد علي ملامحه و انبثقت من بين عينيه نظرات إجرام جعلتها ترتجف بين يديه فتركها قائلًا بنبرة صارمة

" ايدك معايا نرفع البغل داو نوديه المستشفي.. خليهم يلحقوه "


" لهوي لهو انت منيهم. ؟"

«مروان» باستفهام 

" هما مين؟ "

" الي يجتلوا الجتيل و يمشوا في چنازته.."

قام بلكزها في كتفها وهو يقول بتقريع 

"قتيل ايه يا متخلفه ماهو صاحي و بيتوجع قدامك اهوة. جايبه الغباء دا منين ؟"


" حاضر . حاضر . يالا واني هساعدك . بس سايجه عليك النبي ما تعمل في حاچه. داني الي بچرى علي اخواتي و بوكلهم من عرج جبيني.."


زفر «مروان» بغضب و استغفر في سره قبل أن يقول من بين أسنانه 

" حاضر . اتفضلي يالا معايا و أنا وعد مش هقتلك. هقطع لسانك بس لو نطق تاني.. هي ايه الريحه دي؟"


هكذا تحدث بعد أن اخترق أنفه رائحتها القذرة فتراجعت خطوتين إلي الخلف قبل أن تقول بحرج

" ما چولتلك اني بوكل خواتي من عرج چبيني "


«مروان» باستنكار

" و عرق جبينك ريحته قذرة ليه كدا ؟ اتنيلي امشي قدامي.."


اطاعته و بصعوبه قاموا بنقل «عمار» الي السيارة فبدأ يستعيد وعيه قليلًا فقال بتأوة

" اني فين؟"

تهكمت «نجمة» التي كانت تجلس في الكرسي الخلفي بجانبه في السيارة

" في چهنم الحمرا.."


" بتچولي ايه يا حرمه انتِ؟"

قالها بشفاه مرتعشه جراء كدمه قويه شوهتها فتابعت تهكمها قائلة

" عمايلك العفشة چابتك چهنم.. عشان تبجي تفتري علي واحدة غلبانه زيي.."

قهقه «مروان» علي حديثها و قال بمزاح

" دانتِ باين عليكِ بتحبيه اوي.."


" حبك حنش انت التاني. مانتوا سفاحين بتشبهوا بعض.. هجول ايه ربنا عالظالم.."

" مين الي حبه حنش ياللي تحبك سحلية أنتِ؟  هتخلني اطلع كتاكيتي عليكِ. اتلمي يا بت."


سخرت قائلة 

" لا و علي اي. مش مستاهله كتاكيتك انت التاني كفايه البهايم الي ابتليت بيها. مش ناجصه كتاكيتك كمان.."

" و أنتِ اسمك ايه اومال؟"

هكذا سألها «مروان» فأجابته بامتعاض

" نچمة!"


تهكم «مروان» قائلًا 

" نجمة.. نجمة ايه دي أن شاء الله دانتِ نيزك.."


تدخل «عمار» بألم 

" حد يرد عليا يا أغبية .. اني فين؟"


اجابه «مروان» بملل

" انت في عربيتي راح اوديك المستشفي بعد ما سالم طحنك علقة محترمه.."

خرجت كلماتها دون وعي

" شالله يسلم عمره…"


تجاهل «عمار» حديثهم و قال بتألم 

" وجف ياد انت .. مستشفي ايه الي توديني عليها .. اتصلي بياسين ابن عمي ياچي ياخدني.."

«مروان» بتهكم

" اه صحيح مستشفي ايه الي اوديك عليها مفروض اوديك مصلحة الضرايب يخيطوا نافوخك الي سايح في دمه.."


تجاهل «عمار» حديثه وقال بنبرة حاول أن تبدو ثابته رغم ألمها

" جولتلك وجف و اتصل علي ياسين ياچي ياخدني."

زفر «مروان» بغضب و بالفعل هاتف ياسين الذي أجاب ممتعضًا 

" عايز ايه؟"


«مروان» بجفاء

" ابن عمك مضروب و متمرمط  جيت اوديه المستشفي مرديش قالي اكلمك . احنا واقفين علي ورا القصر بتاعكوا اطلع عشان تاخده.."


هكذا تحدث «مروان ثم اغلق الهاتف في وجه ذلك الذي جن جنونه حين سمع حديثه و هرول من الباب الخلفي فوجد سيارة «مروان» التي صفها بالقرب منهم فتوجه إليها و صدمه مظهر «عمار» الغارق بدمائه فصاح بعنف 

" مين الي عمل فيه كدا؟"


اجابه «مروان» بملل

" اهو عندك اسأله.. اتفضل شوف هتوديه فين عشان مستعجل عايز امشي.."


اغناظ «ياسين» من حديثه و لكن جاءه صوت «عمار» المتألم الذي قال 

" ياسين. وديني البيت الصغير الي في آخر الأرض و كلم مرعي وهو هينصرف.."

" لازم تروح المستشفي انت مش شايف حالتك "

هكذا تحدث «ياسين» معترضًا فصاح «عمار» من بين جراحه

" اسمع الي هجولك عليه. اني مش جادر اتكلم

."


زفر ياسين» بحنق و أطاعه بعد أن أرسل نظرة متوعدة ل«مروان» الذي لم يهتز و قامت «نجمة» بالسير خلف «ياسين» ولكنها توقفت بقرب «مروان» قائلة بتوبيخ

" جادر و فاچر.  سفاح بحج و حجيجي.."


" طب اختفي من وشي عشان هطير رقبتك دلوقتي. "


هكذا قالها «مروان» بصراخ جعلها تهرول من مكانها ذاهبه في إثر «ياسين»..


**************


كانت تهرول قي المنزل حامله طفلها المرتجف بين يديها و هي تصيح هنا و هناك فظهرت لها أحدي الخادمات التي أخبرتها بأن شقيقتها و زوجه عمها في الحديقه فتوجهت  الي باب المنزل تفتحه و إذا بها تجده أمامها و كأنه جاء كالغوث بعد تضرعات قلبها الي الله بالنجدة التي تمثلت بكلماته حين قال بلهفه 

" جيتلك زي ما وعدتك.."


كانت كلماته كالبلسم الذي لم تكن تحتاج سواه فتناثرت عبراتها من مقلتيها و خرج صوتها مبحوحًا حين قالت 

" محمود بيضيع مني يا سليم …"


ارتعب من مظهرها و الطفل الذي يرتجف بين يديها فتناوله منها بلهفة لتصعقه حرارته القويه التي جعلته يقول بذعر

" دا بينتفض من شدة السخونيه.."


كانت كلماته مرعبة لقلبها فتجمدت بمكانها و خرجت الكلمات منها بطريقة آليه 

" هيموت!!!"


امتدت يده الأخري تمسكها من رسغها بقوة أعادتها الي رشدها و قال بصوت قوي 

" متقوليش كدا تاني.. أن شاء الله بسيطة.. يالا نوديه المستشفي.."


اومأت برأسها قبل أن تطيعه و هرولت خلفه الي الخارج فقابلتهم «فرح» التي استوقفها مظهرهم فقالت بقلب مرتعب 

" حصل اي؟"

تحدث «سليم» و هو يتجاوزها

" محمود سخن مولع و رايحين بيه عالمستشفي.."


لم تستطيع أن تجيب شقيقتها فقط أخذت تومئ برأسها بهستيريا وهي تلحق به فتبعتها «فرح» وهي تصيح لزوجه عمها 

" طنط تهاني محمود تعبان و رايحين نوديه المستشفي.عرفي جدي و الباقي.."


اجابتها «تهاني» بلوعه

" ربنا يطمنكوا عليه يا بتي.. روحي و لا يهمك.."


انطلق الثلاثه الي الخارج ليجدوا «سالم» الذي كان بصدد مهاتفتها يريد رؤيتها فإذا به يجد «سليم» يهرول بالطفل الي الخارج و هي و «جنة» خلفه فتقدم منهم قائلًا بصوت قلق

" في ايه؟"


اجابه «سليم» بلهفه 

"محمود سخن مولع فين مروان ؟"

لم يكد «سالم» يجيبه إذ ظهر «مروان» الذي جاء بسيارته ليجد الجميع موجود فأذا به يتفاجئ «بسالم» الذي توجه إليه فاتحًا باب السيارة و هو يأمره 

" انزل اركب جمبي.. سليم اركب جمب جنة و فرح ورا.."


اطاعه الجميع و فعلوا مثلما أمر و باقصي سرعته قاد السيارة الي المشفي الذي ما أن وصلوا إليه حتي هرول الجميع يطالبون بطبيب في الحال فانتشر الهرج و المرج داخل المشفي و وصل الطبيب بعد وقت قليل و قام بالكشف علي الطفل وسط حاله من الرعب المخيم علي قلب «جنة» التي كانت تشعر بأصفاد الذنب الساخنه تعتصر فؤادها فذلك الطفل الذي رفضته يهددها القدر بفقدانه هذا هو حال كل من يعارض مشيئه الرحمن و يجحد بنعمه.


كان الجميع بالخارج ينتظر خروج الطبيب بقلوب مرتعبه و أجساد مرتجفه فقد كان هذا هو حال« جنة »التي اقترب منها «سليم» يحتضنها بقوة حانيه و لدهشته فقد قامت برمي رأسها علي كتفه بكامل ثقلها و ما يحمله من ضجيج دوي طنينه بقلبها الذي احتضنه بحنانه حين قام بوضع قبلة قويه فوق خصلات شعرها اتبعها بكلمات مهدئة 

" هيبقي كويس بإذن الله. قولي يارب.."


خرجت الكلمه من جوفها و اعماق قلبها 

" يارب.."


كان حالها يبكي الحجر فتناثر الدمع من عيني «فرح» التي اشفقت علي حال شقيقتها من عذابها الذي لا ينتهي فكان لها هي الأخرى نصيب من حنانه الذي تجلي في صوته الذي تهادي بهمس علي مسامعها 

" مينفعش العيون الحلوة دي تعيط عمال علي بطال كدا."


دغدغتها كلماته التي كانت بنبرة عاشقه اخترقت قلبها فالتفتت تناظره قائلة بحزن

" جنة صعبانه عليا اوي.. مبتلحقش تتهني.. نفسي القدر يعوضها عن كل اللي شافته"


تابع بنبرته العميقة و لهجته الخشنة

"  بصي كويس هتلاقيها مش لوحدها.. و دا في حد ذاته عوض من ربنا.."


 كلماته وصفت الوضع بدقه فقرب «سليم» من شقيقتها بتلك الدرجة كان عوضًا كبيرًا خاصةً و هي تراها تستند عليه بكامل حزنها و ثقل آلامها فخرجت الكلمات خافته من شفتيها

" يارب يهديهم لبعض.و يقدر يعوضها عن كل اللي شافته.."

اجابها بهمسه الخشن

" هيحصل أن شاء الله. "


ودت لو تروي عينيها من تفاصيله التي اشتاقتها كثيرًا فالتفتت تناظره بخجل سرعان ما تحول لذعر كبير حين رأت بعض الدماء علي ملابسه فقالت بصدمة 

" سالم ايه الدم دا؟"


انكمشت ملامحه و بدا الملل علي وجهه ولكنه أجابها بفظاظة

" متشغليش بالك.. خلينا في المهم.."


بقلب مرتعب اجابته

" سالم متقلقنيش ايه اهم عندي من سلامتك.."


ناظرها بعينين غازلتها قبل أن تغازلها شفتيه حين قال بهمس 

" في طبعًا.. عيونك الحلوين الي وحشوني دول.."


كلماته العاشقة دغدغت حواسها ولكنها كانت تعلم محاولاته في صرف انتباهها عن ما حدث فتابعت بعناد

" أرجوك متهربش و جاوبني .الدم دا ايه مصدره؟"


اطلق زفرة حانقة قبل أن يقول بخشونة 

" الأيد الي اتمدت عليكِ كسرتها ."

شهقت بعنف جراء كلماته و قالت تعاتبه

" كدا يا سالم دا الي اتفقت معاك عليه ؟ مش قولت بلاش…"


قاطعها بحزم

" قولتِ لكن أنا مش مجبر اسمع كلامك يا فرح. الموضوع انتهي. كان حساب و اتصفي.."


غضبت من تسلطه وقالت باستنكار

" و ان خسرنا كل حاجه يسبب تهور حضرتك دا ايه الحل؟"

اجابها بملل

" مفيش اي خساير انا عارف انا بعمل ايه؟ و بعدين يحصل الي يحصل آخرها هولع في البلد و الي فيها و أولهم جدك و هاخدك بردو .."


كان اعترافًا عنيفًا بالحب الذي لم تحلم به طوال حياتها و الذي اخترق قلبها المتيم بنيران عشقه ولكنها أرادت التمنع قليلًا فتمتمت بغضب مفتعل 

" كائن بدائي . محسسني اننا عايشين في غابة.."


ابتسم علي ملامحها التي تخفي ولعًا كبيرًا به و بتملكه فتابع بهسيس خطر 

" قولتلك هاخدك من بق الأسد أنتِ الي مفهمتيش.."

نجح في رسم ابتسامه غادرة غافلتها و ارتسمت علي ملامحها فالتفتت تنظر أمامها وهي تقول 

" عارفه اني مش هغلبك.."


ابتسم بخفوت قبل أن يجيبها بصوته الأجش

"  كل دا ومغلبتنيش! دانتِ جبتيني علي جدور رقبتي من بحري لحد الصعيد.. "


امتلئ قلبها بسعادة طاغية لدي سماعها كلماته العاشقه و مدي تأثيرها به و خرجت الكلمات متوعدة من بين شفتيها

" ولسه.."


قاطع حديثهم خروج الطبيب من الغرفة و الذي أخبرهم بأن الطفل يعاني من الحمى و طمأنهم بأنهم سيطروا علي الأوضاع و سيبقي لبضع ساعات تحت الملاحظة و من ثم يمكنهم المغادرة فزفر الجميع بإرتياح و هدأت دقات قلب «جنة » المرتعبة فرفعت رأسها تشكر ربها علي انقاذه لها و فجأة جاء صوت رساله نصيه علي هاتفها فرفعته تنظر إليه و إذا بها تتجمد من فرط الصدمة حين وقعت عينيها علي…..


يتبع……

 


بسم الله الرحمن الرحيم 


🍓الثالث عشر ج٢🍓


احتياجي إليك قاتل كنص حُرِمت حروفه على لسان حامله! فالأمر كان أشبه بسفينة عادت إلي شطها مهزومة ، مُثقلة بـ تصدعات وشروخ خلفتها عواصف وأعاصير رحلة مُضنية مع القدر. وحين لاحت بوادر الإتيان إلي ديارها. لم تواتيها الجرأة على معانقة مرساها أو الاستكانة بين أحضان مرفأها فظلت عائمة تتقاذفها رياح الهوى غير عابئة بجراحها. يُذكرها تأرجحها بين جنبات المياه الضحلة بأن ترياق أوجاعها أمرًا بعيد المنال مهما بدا قريبًا ، و أن ما خفى كان أشد وأقسى ..

هكذا كان الأمر معك!


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


تجمدت قدماها و شعرت بتوقف النبض في أوردتها حالما وقعت عينيها على تلك الورقة اللعينة التي كانت سبب هلاكها و وقوعها في فوهة ذلك الجحيم ، ولكنها لم تكن وحدها بل كانت متبوعة برسالة أخرى أسوأ مما تحمله هذه الورقة 

" الورقة دي هـ تلف على كل مواقع مصر و جرايدها لو تممتِ جوازك من سليم الوزان!!"


كانت في تلك اللحظة أشبه بطفلة عاجزة تحيطها الأعين 

بـ استفهامات كثيرة وهي لا تستطيع النطق بـ كلمه واحدة تشعر بـ نبضها يحترق ألمًا بعد أن ظنت بأنه سـ يهدأ ويستكين!

 كان مظهرها مبعثرًا ضائعًا فـ اقترب منها يحاوطها بذراعين صُنعت من عشق غلف نبرته و نظراته حين قال

" مالك يا جنة؟ "


كان ينطق اسمها بصورة قاتلة اخترقت اقوى دفاعاتها التي اهتزت فانبثقت دمعة غادرة من طرف عينيها تحكي مقدار وجعها الذي اهتز له قلبه فشدد علي كتفيها مضيفًا بنبرة اقوى

" ردي عليا ؟؟ في ايه؟ "


اقتربت منها «فرح» وهي تنظر إلي «سليم» نظرات ذات مغزى حتى يتركها الآن معها و لكن قلبه لم يكن يطاوعه.. فقد شعر بأنها كانت على وشك التسليم له. و بأنها كانت بصدد إعطاءه فرصة لبدء علاقة صحيحة معها ولكن الآن حدث شئ ما.. وذلك الهاتف اللعين حتمًا يحمل الجواب..


كان مايزال يقف و يناظرها بعينين يغلفهما التوسل ألا تبعده و يكن هو الكتف الذي ترتمي عليه بثقلها ولكنها كانت عاجزة حائرة تناظره بأعين تشتت بهما الشعور و ضاع بهما الأمل. خيبة قوية ارتسمت بعينيه التي اخفضها قبل أن يقوم بترك ذراعها علي إثر حديث أخاه

" سيب جنة و فرح يدخلوا يتطمنوا علي محمود. و تعالي ننزل نشوف الدكتور "


لا تعلم لما شعرت بخيبة كبيرة احتلت قلبها حين تركتها يداه ؟ هل كان صمتها اختبارًا منها علي مدى صبره و تمسكه بها؟ أم أنها كانت بحاجة إلى ما هو أقوى من يديه في تلك اللحظة ربما كانت أضلعه التي تمنت لو ارتمت بها تبكي كل ما تحمله من قهر و عذاب و ألم أثقل خطواتها المتجهة الى غرفة صغيرها وما أن همت أن تفتح الباب حتي توقفت إثر صوته الذي قال بقوة 

" مستنيكِ هنا اطمني علي محمود و تعالي.." 


على قدر ألمها الهائل و خوفها الكبير ولكن جملته جعلت شعورًا من الأمان يتسلل الى نيران قلبها فتهدأ قليلًا. 


" متضغطش عليها اكتر من كدا يا سليم.."

هكذا تحدث «سالم» الذي كان يرى الوضع من الخارج فلم يكن يشعر بهذا البركان الثائر في صدر أخيه الذي صاح بغضب 

" متقوليش متضغطش عليها.. انا هتجنن ! في حاجه حصلت وشها اتقلب فجأة لما بصت في التليفون.. "

«سالم» بهدوء

" دا واضح . اللي اقصده انك تديها فرصتها عشان تثق فيك. حتى لو هي بدأت تميل ليك مشوار الثقة لسه طويل بينكوا.."


ابتلع جمراته الغاضبة وقال بألم 

" انا بعمل اللي اقدر عليه عشان اقرب منها واطمنها.. مش عايز حاجه غير اني احميها و بس.."

«سالم» بخشونة

" عارف. بس اللي هي فيه مش سهل.. خليك جنبها من غير ما تخنقها و صدقني انت اول حد هتجري تحكيله. لما تهدي و تستوعب.."


انكمشت ملامحه بألم و تبدل غضبه الحارق الى سكون خارجي قبل أن يومئ برأسه محاولًا أن يتفهم الأمر و يرضخ للوضع حتى ولو كان مؤلمًا…


في الداخل اقتربت من فراش صغيرها بأقدام ثقيلة و خطوات سُلحفية فقد كان الألم بداخلها أقسى من أن يوصف ممزوجًا بخوف جعل يديها ترتجف حين امتدت تلامس جبهته التي هدأت قليلًا بفعل العقاقير و الأدوية فسكن جسده و هدأ نومه فأخذت تمرر يدها المرتجفه علي ملامحه و جسده وهي تناظره بأعين مشوشة اختلط مياهها بنيران ألمها الضاري لتسقط بعنف على خديها المحترق بحمرة قانية مرورًا بشفاهها التي نطقت هامسه 

" سامحني…"


كانت يدها تمر بحنان علي جسده الي أن وصلت إلى كفه الصغير فمررت اصبعها داخل راحته فشعر الصغير بها وقام باحتضان اصبعها الصغير بكفه الرقيق و كأنه يعلن غفرانه وحمايته لها فارتج قلبها لفعلته و ازداد الدمع انهمارًا من عينيها فاقتربت منها شقيقتها تطوق أكتافها من الخلف وهي تشاركها تلك اللحظة المُشبعة بشتى أنواع المشاعر الصادقة فخرج صوتها مُتحشرجًا حين قالت 

" شوفتِ يا فرح ماسك ايدي ازاي؟ دا مش زعلان مني اني سبته كل دا! هو كدا مسامحني صح؟"


شددت «فرح» من احتضانها وهي تقول من بين عبراتها 

" طبعًا مسامحك يا حبيبتي. مين يقدر ميسامحكيش يا جنة؟"


التفتت «جنة» تناظرها بعينين هالكة من فرط الألم الي تجلى في نبرتها حين قالت

" طب و أنتِ يا فرح؟ سامحتيني؟"


كوبت «فرح» وجهها بين كفوفها الحانية وقالت بصدق

" طبعًا سامحتك.. أنتِ بنتي يا جنة مش اختي.. انا اللي قصرت مش أنتِ! مقدرتش احميكِ من الوحوش الي حوالينا . لكن أنتِ مغلطتيش .. أنتِ كنتِ إنسانه في وقت الدنيا فيه بقت غابة.. كلنا مسامحينك يا جنة. جه الوقت اللي أنتِ مفروض تسامحي نفسك بقي. وكفايه وجع و عذاب و ألم.."


«جنة» بلوعة

" مش بالسهولة دي يا فرح .. لو أنتوا سامحتوني الناس و المجتمع مش هيسامحوني.."


«فرح» بقوة 

" ملناش دعوة بيهم.. ميهموناش.. احنا عارفين انك مغلطتيش. كلنا ميهمناش غيرك و أولنا سليم.. حبه ليكِ يبان للأعمى .. انسي كل اللي حصل أو سبيله نفسك و هو هينسيكِ . متخليش الدنيا تغلبك تاني أنتِ عمرك ما كنتِ ضعيفة.."


كانت كلماتها كزخات المطر التي سقطت على قلبها الذي تصدعت تربته من فرط الألم لتعيد إليه عافيته رويدًا رويدًا و قد بدأت ملامحها بالهدوء قليلًا فتابعت «فرح» بتحفيز

" أنتِ طول عمرك كنتِ اقوى و أجرأ مني. فاكرة لما كنتِ تعملي حاجه غلط و أنتِ صغيرة و كنتِ تجرى تقولي لبابا عملت قبل ما حد يروح يقوله. مكنتيش بتخافي حتى لو غلطتي كنتِ بتتعلمي من غلطك. محدش فينا مبيغلطش. الوحش بس اللي ميستاهلش فرصه تانيه و أنتِ مش وحشه افتكري الكلمة دي كويس"


أومأت «جنة» برأسها و علي وجهها ابتسامة جميلة شقت طريقها من جوف الوجع الكامن بصدرها و قامت 

بـ الارتماء بين أحضان شقيقتها التي قابلتها بـ أذرع مفتوحة و قلب محب احتضن آلامها إلي أن هدأت ثورة انهيارها تدريجيًا فقامت برفع رأسها وهي تقول بصوت أجش من فرط البكاء

" شكرًا أنك موجودة في حياتي يا فرح.."


ابتسمت «فرح» بحنان وقالت

" انا اللي مفروض اشكرك يا جنة.. و بعدين تعالي هنا هنقضيها عياط بقي مش مفروض أننا عرايس نفرح شويه. ولا هنقضيها حزن وبكى كدا ؟"


كلمات شقيقتها أعادتها إلي نقطة مؤلمة و ذكرتها بمصيبة أخرى ولكنها توقفت حين سمعت توسل «فرح» 


 انا نفسي افرح اوي يا جنة . نفسي استطعم حاجه من اسمي دا . انا قربت انسى معناه.."


كانت كلمات علي قدر بساطتها ولكن وقعها كبير على قلب «جنة» التي قالت بثقة

" هتفرحي يا فرح باذن الله. انا مش هسيبك حاجه أبدًا تنغص عليكِ فرحتك. خليكِ واثقة في ربنا و فيا .."


كانت كلماتها كبيرة بما تحمله من معني فاومات «فرح» بحنان وهي تقول 

" واثقه في ربنا و فيكِ طبعًا.."

تحركت «جنة» من مكانها وقالت بتصميم 

" خليكِ هنا مع محمود . دقائق و رجعالك.."


لم تمهلها الوقت للإستفسار فقد توجهت إلي خارج الغرفة مغلقة الباب خلفها و إذا به تجد زوج من العيون تتوجه إليها كانت إحداهما عاشقه متلهفه و الأخرى جامدة والتي كانت ل«سالم» الذي قال بخشونة 

" هنزل لمروان تحت اشوفه بيعمل ايه؟"

ولكن كانت دهشته قويه حين سمع صوت «جنة» التي قالت بثبات 

" لا يا سالم بيه . لو سمحت خليك.."


لون الاستفهام معالمه ولكنه توقف فقام «سليم» بالاقتراب منها وما أوشك أن يتحدث حتى قامت برفع الهاتف بوجهه لتريه تلك الرسالة النصية المتبوعة بصورة زواجها العرفي و هي تقول بنبرة مهتزة

" الرساله دي جتني من شويه.. "


برقت أعين «سليم» حين وقعت على تلك الصورة و الحروف المدونة بعدها و تحولت ملامحه بطريقه مرعبة فقام «سالم» بجذب الهاتف من يده لـ نتكمش ملامحه هو الآخر بغضب لم يفصح عنه بينما قام «سليم» بحمل أحد المقاعد و رميها في لجدار ليتحطم بقوة وهو يصيح بعنف 

" مين ابن الكلب دا؟؟"


تراجعت «جنة» إثر ثورته المخيفه فنهره «سالم» بقسوة 

" اهدي يا سليم عشان نعرف نفكر و نشوف هنعمل ايه.."


التفت «سليم» إلى أخيه فوجد عينيه علي «جنة» التي انكمشت رعبًا و «فرح» التي هرولت الي الخارج 

لـ تعرف سبب الجلبة فأخذ «سليم» يلعن نفسه في سره و قام بإخراج ثاني أكسيد الغضب المعبأ بـ داخله و اقترب من «جنة» التي احتمت بصدر شقيقتها قائلًا بلهجة مبحوحه و انفاس هادرة 

"متخافيش.. انا مش متضايق منك.. أنتِ ملكيش ذنب في حاجة.."


كان مشهدا مروعًا بقدر روعته وحشًا ثائرًا يحاول تهدئة عصفور مرتعب. و قد كان هذا المشهد اسمى ما يمكن أن يُقال في الحب فقد كان يبتلع جمرات غضبه الحارقه و يتحكم في طوفانه الأهوج فقد لأجلها فـ نظراتها المرتعبه نحوه كانت تقتله ولكن نظراته الحانية نحوها جعلت نبضها يستكين قليلًا فاومأت برأسها حين تابع 


" كل حاجه هتبقى تمام. متخلقش اللي يهددك و أنا موجود.. اوعي تخافي عشان خاطرى.."


كان لـ توسله وقع مختلف على مسامعها و قلبها الذي هدأ بوجوده على الرغم من ثورته الغاضبة ولكنها كانت تعلم في قرارة نفسها بأنه لن يدع مكروهًا يمسها و قد كانت أول مرة بحياتها تشعر بهذه الثقة تجاه أحد و غافلها قلبها حين أعلن عن مكنوناته بلهجة خافته 

" مش خايفه . انا واثقه فيك.."


بتلك اللحظه شعر و كأنها سلبت فؤاده من بين ضلوعه التي اهتزت لكلماتها التي لم يكن يتخيلها بأحلامه فأخذ يطالعها بعينين براقتين غير مصدقه لما سمع و بلمح البصر قام بـ جذبها لتستقر أسفل ذلك الذي جُن بعشقها و لم يعد هناك مجال لـ افلاتها من بين براثنه أبدًا..


كانت رحلة العودة هادئه فالجميع مُنهك و كلًا منهم مُنشغِل بالكثير و ما أن خطت السيارة أمام البوابة الكبيرة حتى التفت «سليم» إلى «جنة» لـ يأخذ منها الطفل حتى تستطيع أن تنزل وقام «سالم» بالترجل من خلف المقود ليقوم بفتح بابها و يساعدها علي النزول فاردًا يديه إليها فلم تستطيع ردها على الرغم من خجلها الكبير فـ حين لامست كفوفها يده الخشنة شعرت بموجة دفء كبيرة تجتاح أوردتها و قد بدا احتراقها جليًا في عينيها التي تشابكت مع عينيه بنظرة طويلة كان بها الكثير ولكنه اضطر إلى قطعها إذ قال بخشونة

" متخافيش من حاجه و قولي لجنة كمان متخفش.. مفيش حاجه هتحصل وانا بنفسي هتاكد من دا.."


اخفضت رأسها و زفرت بتعب تجلي في نبرتها حين قالت 

" تفتكر الورقة دي وقعت في ايد مين؟ و ليه بيعمل كدا؟"

«سالم» بجمود 

" الورقة موقعتش في ايد حد . الورقتين معايا ومحدش يقدر يوصلهم. "


«فرح» بصدمة

" أومال الصورة دي …"

قاطعها بصرامة

" متشغليش بالك.. انا هعرف اللي حصل ده حصل ازاي.. "


«فرح» بحنق

" ازاي مشغلش بالي يا سالم. و لو مشغلتش بالي بالمصيبة دي اشغل بالي بأيه ؟"

أجابها باختصار

" بيا.. في مصيبة احسن من كدا تشغلي بالك بيها؟"


رغمًا عنها غافلتها أحدي بسماتها الخجلة التي اخترقت قلبه فقال بخشونة 

" متفكريش في حاجه غير انك بعد اسبوع من النهارده هتبقي مراتي. "


اخفضت رأسها هربًا من عينين كانت تلتهمان خجلها و تنفذان الي داخل أعماقها بطريقه جعلت حزمة من الوخزات الموترة تتفشى في سائر جسدها الذي اندفعت دماءه بقوة فلونت خديها بلون التفاح الشهى فقام برفع رأسها ليعيد عينيها الى خاصته قائلًا بصوت أجش 

" و في خلال الأسبوع دا عايزك ترمي الكسوف دا على جنب مانا مش كل ما هقول كلمتين هلاقيكي لونتي كدا. كدا خطر عليكِ "


اتبع كلامه بغمزة جعلت دماءها تجف ب أوردتها و تسارعت انفاسها بصورة كبيرة حتى بدت تنتفض بين يديه فقد كانت أمامه كمراهقه تختبر أولي مشاعرها بجانب رفيقها و يالروعة هذا الشعور خاصةً أمام رجل مثله قادر على إخضاع جميع الحواس و المشاعر. 

بأعجوبة افلتت من بين براثن نظراته وحاولت أن تبدو شجاعة حين قالت 

" بطل بقى . و بعدين اي خطر دي لا ماتخافش عليا. هات آخرك.."


ارتسمت ابتسامة حلوة على ملامحه العاشقة و زينتها لهجته العابثة حين قال 

" ماليش آخر.. وبعدين متستعجليش على رزقك. اسبوع واحد و هشوف الشجاعة دي أخرتها ايه.. يارب منجبش ورا بس ."


انهي كلماته و قام بـ جذبها خلفه لـ يتوجهوا الي البوابة فوجدوا تهاني بـ إنتظارهم و التي قالت بلهفه 

" طمنوني المحروس عامل ايه؟ كت عايزة أصحي الحاچ و ناچيلكوا عالمستشفي فرح جالت انكوا چايين عالطريق"


اومأت «جنة» بهدوء تجلى في نبرتها حين قالت

" تسلمي يا طنط . الحمد لله بقي احسن.. كانوا شويه برد "

" الحمد لله.. بجولك اي الواد ده محتاچ حضن أمه. مالوش غيرك يا بتي.. اوعاكِ تجسي عليه مرة تانية.. ربنا بيدينا فرص علي طبج من دهب لازمن نستغلوها صوح كده ولا اي يا سليم بيه؟"


اومأ «سليم» باحترام وقال مؤكدًا

" طبعا يا حاجه تهاني عندك حق.. محمود في عنينا انا و ممته.. ولا ايه يا جنة؟"

شددت من احتضانها للطفل و قالت بخفوت 

" عندك حق .."


دخل الجميع الى الداخل و ذهب «سالم» إلى «مروان» النائم في السيارة بينما انتظر «سليم» ليودعها و حين دخل الجميع اقترب منها قائلًا بهدوء

" حقك عليا لو خوفتك في المستشفى.. انا بس لما بتعصب بتفلت مني شويه.."


اومأت بتفهم قبل أن تقول بخجل

" عادي ولا يهمك.. ليك حق تضايق.."


شددت يده علي كفوفها قبل أن يقول بخشونة

" اوعي تخافِ من الرسالة دي. محدش هيقدر يعمل حاجه. و الخط اصلًا اتقفل بعد ما اتبعتت دا حد عايز يضايقنا و خلاص و انا هعرفه و هوريه شغله .."


رفعت أنظارها تطالعه بقوة تجلت في نبرتها حين قالت 

" بس انا عارفه مين الي بعت الرسالة دي؟"


***************


حين يكون الإنسان متألمًا يمر الوقت و كأنه على ظهر سلحفاة نشعر بأن العقارب تلدغنا بكل ثانية تمر بها. و لا نفع للدواء إن كان الداء منبعه القلب .

كانت تتسطح على مخدعها تنظر أمامها بشرود فقد استقرت حالتها الي حد ما وشفيت بعض جروحها ولكنها تركت ندبات كثيرة علي جسدها و كذلك روحها التي أصبحت كثوب مهلهل من فرط تمزقه لم يعد صالحًا لأى شئ .

حاوطت نفسها بسور الوحدة و رفضت الحديث مع أي أحد تأكل من الطعام ما يسد رمقها فقط. اختارت أن تعيش بـ صومعتها وحيدة تلعق جراحها كحيوان أليف تأذي منه كل من احتواه. فأصبح منبوذًا حتي من نفسه. رفضت وجود الجميع و اختارت نفسها فقط علي أمل أن يقتلها عذابها ذات يوم و تستريح.


جلبة قوية في الخارج افسدت وحدتها و خدش سمعها صوتًا كانت تعرفه عن ظهر قلب فحاولت أن تتحامل علي جسدها المنهك و الإنتصار علي اوجاعها الهائلة واضعه أقدامها علي الأرض تتوسل لقواها أن تحملها للخارج حتى ترى ماذا يحدث؟

 أخيرًا و بعد عناء شديد استطاعت أن تصل الي باب الغرفة وحين أوشكت علي فتحه توقفت كل عضله بها عن الاستجابة حين سمعت صوته الغاضب و هو يصرخ 

" أنا بحبها.. و محدش فيكوا يقدر يمنعني عنها.."


كان تصريحًا مريعًا بالحب لم تتوقعه أبدًا و خاصةً منه.. كان آخر خيط يربطها بالحياة ولكنه لم يكتفي بسحقه بل دمر الجزء المتبقي من آدميتها حين قام بفعلته النكراء بها. هو من كانت تشتكي له خذلان الجميع ليأتي هو و يعطيها ما هو أقسى و أصعب أذاقها ويلات الخزي و الذل و قضى على المتبقي منها والآن يدعي محبتها! 

أخرجها من شرودها صوت والدها الصارخ وهو يقول معنفًا

" حب ايه يا كلب اللي يخليك تأذيها بالشكل دا؟؟ الأشكال اللي زيك متعرفش تحب..'


صاح «عُدى» بصوت مبحوح من فرط الصراخ

" انت اخر واحد تتكلم عن الحب.. طب انا كنت واطي معاها عشان كان مضحوك عليا. انما انت كنت واطي معاها ليه؟ أهملت بنتك و رمتها من حياتك و لا اكنها ليها وجود ليه؟ "


كان صوت بكاء والدتها يؤذي سمعها بينما لم يستطيع «صالح» والدها إجابة «عُدى» بل انكمشت ملامحه بألم فقد كان مُصيب في حديثه و قد كان هذا الجُرم الذي اقترفه بحق ابنته لا يغتفر و لا يعلم كيف سيصلحه أو أن كان يملك ما يجعله قادر على إخراجها من تلك القوقعة التي احتمت بها من بطشهم..

تابع «عُدى» بسخرية مريرة

" شوفت بقي أنت حتى معندكش اجابه . أنت أسوأ أب شفته في حياتي .. و أنا هاخدها منك هاخدها منكوا و هتجوزها و هعالجها و مش هخليها تعرفكوا أبدًا.."


تدخلت الأم المكلومة قائلة بغضب يمتزج به الحسرة

" حتي لو احنا كنا وحشين و منستاهلهاش فهي بنتنا انما انت مين ؟ انت غريب عننا و عنها. و لو كنت بتحبها و عايز تعالجها مين قالك اننا هنآمن نديهالك بعد اللي حصل منك ؟"


" بس أنا موافقة اتجوزه…"


كان صوتها مبحوحًا يفتقر إلى القوة كحال جسدها الذي وهن و اهتز بها فاستندت إلى باب الغرفة لـ يهرول الجميع إليها فـ قامت بوضع كفها أمام والديها قائلة بنبرة صارمة بقدر ارتجافها

" محدش فيكوا بقربلي.. خليكوا بعيد عني.."


انهالت عبراتهم ألمًا على رفضها لوجودهم وقال «صالح» بتوسل 

" يا بنتِ ارجوكِ سامحينا و ادينا فرصه نعوضك عن كل اللي فات .."


شوهت ملامحها ابتسامة ساخرة ارتسمت علي وجهها الملئ بالندبات و تجلت سخريتها بـ نبرتها حين قالت 

" تعوضني!! مفيش حد بيعوض انسان ميت وكان هو السبب في موته .. ابعدوا عني.. و كفاية بقى.."


كان حديثها طربًا علي أذنيه و علي الرغم من علمه بعدم غفرانها له و بأنه وسيلة لتؤذي به أبويها إلا أنه لم يستطيع منه شعور الفرحه العارمة من التسلل إلى قلبه خاصةً حين توقف الي جانبها و قام بوضع يده أسفل ركبتها و الأخرى خلف ظهرها حاملًا إياها بسهوله متجهًا بها إلى مخدعها دون أن يعطيها الفرصة للاعتراض وسط ذهول من والديها على طريقة تقبلها له. 

حين أنتهي من وضعها سألها برفق 

" مرتاحه دلوقتي ؟"


إجابته بحنق و عينين تشعان كرهًا

" لما تموت هرتاح.."

كان يتوقع اجابه عنيفة منها فابتسم بخفه قبل أن يجيب 

" لما اطمن عليكِ الأول. "


كان يستفزها بطريقه لا توصف فصرخت حانقه 

" أنا بكرهك.."

ظاهريًا لم يتأثر علي عكس قلبه الذي ارتج بفعل كلمتها ولكنه تابع حديثه بهدوء

" لو ده هيريحك انا موافق . "

" متفكرش اني وافقت عشان عايزة اتجوزك. انا وافقت عشان اوجعهم زي ما وجعوني.."


اقترب يجلس بجانب مخدعها وهو ينظر إلي عينيها برفق تجلي في نبرته حين قال

" عارف.. و قابل اني اكون أداة تنتقمي بيها منهم.. و زي ما طول عمري بساعدك هساعدك المرادي كمان.. "


صاحت مغلولة

" و أنا مش عايزة من وشك حاجه "

تجاهل غضبها وقال بخفه

" مش بمزاجك. طول عمرك كنتِ بتختاريني اني اكون جمبك و مكنتش برفض المرادي انا الي اختار بقي. مرة مني قصاد ألف منك. بيتهيقلي كده فير أوي.."


كان دائمًا بجانبها رغمًا عن كل شئ كان يحيطها بسياج آمن طوال السنوات الماضية لم يخترقه سوى رغبتها بالابتعاد عنه و الآن جاء وقته وهي بأقصي درجات ضعفها لا تجرؤ على الاعتراض فقط تتألم و تحترق حين تتذكر فعلته النكراء معها ولكنها تعرف أين يكمن عقابه لذا قالت بصوت يحمل السم و الكراهية

" عارف انت احسن عقاب ليك انك تشوفني كل يوم قدامك و أنا مشوهة كدا .. تشوف جريمتك كل ما تبص في وشى. و أنا بردو مش هبطل افكرك بيها كل لحظة عيني تشوفك فيها.."


كانت كلماتها مؤلمة على قلبه الذي لا يرى بها أي تشويه علي العكس يعشق كل ندبة تزين وجهها يتمني لو أنه يستطيع لملمة جراحها أو امتصاص ألمها يريد في تلك اللحظة تقبيل كل جرح ألم بها حتى يلثمه ببلسم عشقه الجارف لها 

" بس انا مش شايف أي تشويه فيكِ بالعكس.. حلو النيو لوك وجديد كمان.. فكريني لما يخف ابقي اعورك تاني . "


لم تتحمل حديثه الهادئ و الذي عكست عينيه مدى صدقه فصرخت غاضبة 

" اخرج بره.. مش طايقه اشوف قدامي .."


اطاعها بصمت فقد كان صراخها بحد ذاته تقدم ملحوظ و هو بكل الاحوال افضل من صمتها المطبق الذي كاد أن يقضي عليه طوال الأيام المنصرمة..


أطل برأسه من الباب فوجد والداها علي حالهما من الألم و الحسرة يكللهما عبارات غزيرة فـ تألم لـ حالهم ولكنه لم يظهر أي تأثر و قال بصوت قاس

" انا هتجوز ساندي.و ياريت حتى لو كارهين بعض نبقي ايد واحده عشان تقدر نساعدها تخرج من محنتها.. و أظن انتوا شفتوا بعنيكوا أنها اختارتني واني شخص مهم عندها.. بالرغم من كل شئ.."


*******************


كان الأمر على صفيح ساخن فمثلما هناك قلوب داواها العشق هناك قلوب أخرى أفسدها . فقد كانت تذهب و تجيئ بالغرفه كمن مسه الجنون لا تعلم كيف تتصرف فبعد أن علمت بخطبته لتلك الفتاة انهارت جميع أحلامها. و قد فطنت الي لعبته الحمقاء حين جعلها تلتهي بأمر إرثهم المزعوم حتي يضرب ضربته دون ان تستطيع عرقلته وقد أتم خطته بنجاح. 

صرخة غاضبة خرجت من جوفها تحكي مقدار القهر الذي تشعر به في تلك اللحظة وقامت بالعبث بهاتفها تنوي الاتصال بأحدهم و قد كان رنين الهاتف بأذنيها يزيد من إشعال غضبها أكثر فبعد أن انقضت مدة الرنين دون إجابه قامت بإلقاء الهاتف بعنف فكان أن يرتطم بوجه «همت» التي دخلت إلي الغرفه للتو

" ايه يا شيرين في ايه؟ أنتِ اتجننتِ؟"


«شيرين» بقهر

" اتجننت بس .  دانا هتشل.. شفتي اللي حصل البيه كان بينيمنا . فتح في موضوع الورث عشان يلهينا و يخلاله الجو مع الكلبة بتاعته . "


قالت جملتها الأخيرة صارخة فاقتربت منها «همت» تربت علي كتفها بحنان قائلة بمواساة

" اهدي شويه و متعمليش في نفسك كده.. من وقت طويل و أنتِ عارفه أنه بيحبها. و أنتِ كنتِ متجوزة و عايشه حياتك مع جوزك. كل اللي كنا عايزينه انه ميظلمناش في موضوع الورث. و اهو قال انه مش هيظلمنا يبقي ليه بقى كل دا. ما ناخد حقنا و كل واحد حر في حياته.."


انتفضت شيرين أسفل كفوف والدتها التي تربت فوق ظهرها وقالت بانفعال

" أنتِ بتقولي ايه ؟ ورث ايه اللي كنا عايزينه ؟ و جوز مين اللي كنت عايشه حياتي معاه. أنتِ اكتر واحده عارفه اني عمري ما حبيت غير سالم. انا رجعت هنا عشانه . عشان دا حقي . انا بحبه وهو كان بيحبني. "


قاطعتها «همت» بصرامة 

" و أنتِ اللي ضيعتيه من ايدك بعملتك السودا و لولا أنه شال الليلة وداري عليكِ كان هيبقي شكلنا زي الزفت قدام الناس.."


صرخت «شيرين» بقهر

" غصب عني كنت صغيرة . و ملقتش حد يوجهني. و هو طول عمره صعب و قاسي. و بعدين انا معملتش جريمة. ايه يعني قابلت احمد مرة ولا مرتين مكنش حب دي كانت مراهقه.."


«همت» بتقريع

" ماهو حظك الأسود اللي خلاه يشوفك و البيه ماسك ايدك.. تفتكري اي واحد في مكان سالم كان هيعمل ايه في الموقف دا؟؟"


«شيرين» بانفعال 

" ماهو عمل.. وحكم عليا بالموت يوم ما فض الخطوبة و قال لبابا وخالي أني بحب واحد تاني  عايزه اتجوزه. و جوزنى ليه من غير حتي ما يسمع مني "


" كان لازم يعمل كدا اي راجل في مكانه كان هيعمل كده. متنسيش انك خليتي شكله قدامنا زي الزفت أن خطيبته تبقي بتحب واحد تانى غيره. "


«شيرين» بقهر

" أنتِ معايا ولا ضدي؟"

«همت» بحنان

" يا بنتي انا معاكِ بس مش عايزاكِ تعلقي نفسك بحبال دايبه ساعدتك بكل اللي اقدر عليه بس دا ابن اخويا و أنا عرفاه احنا جبنا آخرنا معاه.. مش هنوصل لأبعد من كدا.."


تجاهلت حديثها وقالت بغضب 

" انا بقى هوصل. بس افتكري انك ادتيني ضهرك على الرغم من أنك كان عندك استعداد تقتلي ابن جنة عشان سما. لكن أنا محاولتيش تعملي اي حاجه عشاني.."


شهقت «همت» من حديث ابنتها القاسي و تجهم وجهها قائلة بنبرة مرتعشة 

" اخرسي. دي كانت لحظة شيطان و ندمت عليها و كله من لسانك أنتِ اللي قعدتي تسخني فيا. "


اقتربت منها «شيرين» بغل تجلي في نبرتها حين قالت 

" انا مش هسكت و استحالة الجوازة دي هتتم. حتى لو هعمل ايه؟"


«همت» باندهاش

" انا ليه حاسه ان اللي قدامي واحده معرفهاش . مش دي شيرين بنتي اللي ربتها. و كبرتها. في اي؟ مش مظبوطه و عمالة كل شوية تعملي في مكالمات سرية زي الحراميه و تحلفي و تتحلفي ! مين وراكِ ؟ مسنودة على ايه يا بنت بطني؟؟"


قالت جملتها الأخيرة بصراخ لم يردع «شيرين» التي كانت عينيها مغلفه بطبقة من الغضب الممزوج بالشر الذي تجلى في نبرتها حين قالت 

" هتعرفي كل حاجه في الوقت المناسب.. بس خليكِ فاكرة انك اتخليتي عني زي ما اتخليتي عن أبويا زمان.."


****************


انقضت الثلاث أيام الماضية بسرعة فقد كانت التجهيزات في البلد على أكمل وجه بينما غادر اولاد الوزان الي مسقط رأسهم حتي يتجهز الجميع مع الوعد بالقدوم قبل الزفاف بيومين و قد كان هناك ترقبًا من نوع خاص لأي حركة قد تصدر عن ذلك الشخص المجهول الذي أرسل رسالته ولكن لم يحدث شئ و قام «سالم» باتخاذ كافة احتياطاته مستخدمًا نفوذه حتى تكن الأمور تحت سيطرته في حين قام أحدهم بفعل أي شئ قد يخرب ذلك الزفاف.


كان عليه السفر الي مقر شركته في القاهرة يبحث أمور تخص العمل حين جاءه ذلك الطرق علي الباب و الذي لم يكن سوي لـ «سليم» الذي ما أن خطى باقدامه إلي الداخل حتى قال بانفعال 

" لا ساندي ولا عدى هما اللي عملوا كده زي ما قالت جنة"

«سالم» باختصار

" اتأكدت؟"

«سليم» بتأكيد 

" ايوا. و انت اتأكدت أن محدش دخل مكتبك وسرق الورق؟"


«سالم» بخشونة

" الورق زي ماهو . وارد يكون حد صوره و وارد يكون حد كان معاه نسخة منه من أيام ما اتمضي.." 

«سليم» باستفهام

" تقصد ايه؟"


«سالم» بفظاظة

" تليفون حازم.. "

انكمشت ملامح «سليم» بحيرة فتابع «سالم» وهو يخرج الهاتف و يلقي به أمام المكتب

" التليفون كان عليه نسخة من الورقة. و النسخة دي اتبعتت و بعد كدا اتحذفت. خليت حد راجع عليه.."


استشاطت غضبًا حين سمع حديث أخاه وقال بانفعال 

" التليفون و حاجه حازم كلها مع ماما ."

«سالم» مصححًا

" كانت مع ماما !"

" يعني ايه؟"


«سالم» بجفاء

" حلا . خدت التليفون و المحفظة و كل حاجه من ماما من حوالي عشر أيام. "

«سليم» بصدمه 

" انت بتقول ايه يا سالم؟؟ معقول حلا تكون هي اللي؟؟"


«سالم» بجفاء

" منقدرش نجزم بـ دا. ممكن تكون سما شيرين او حتى عمتك. ومع الأسف منقدرش نسأل دا اتهام خطير لحلا ."


جن جنونه وقال منفعلًا

" اومال هنعرف ازاي؟"


«سالم» بحدة

" الخاين هيكشف نفسه. هنستني اما نشوف هيعمل ايه؟ ووقتها هنقدر نتصرف.."


زفر «سليم» بغضب و قال حانقًا

" أنا واثق أن حلا متعملش كدا. الحوار دا مش هيخرج غير من سما أو شيرين "


«سالم» بتوعد 

" هنعرف بس الصبر…"


أنهى كلماته تزامنًا مع مجئ رساله علي البريد الالكتروني الخاص بالشركة فتوجه «سالم» إلى حاسوبه يستطلعه فإذا به يصدم حين وقعت عينيه علي تلك الرسالة و التي كانت شكر من إحدي الشركات التي يتعاملون معهم في الخارج وأخبارهم بأن المبالغ تحول للحساب الجديد و تتمنى عقد صفقات أخرى معهم..


" معناها ايه الرساله دى؟"

هكذا قال «سليم» حين قرأ النص المدون في الرسالة فلم يجيبه «سالم» و قام بإمساك الهاتف لإجراء اتصال و ما أن أتاه الرد حتي قال بأمر

" في اي  شحنه خرجت من المخازن الشهر اللي فات؟"


أتاه الصوت الآخر على الهاتف

" ايوا يا سالم بيه احنا مسلمين شحنتين للشركه الألمانية الشهر اللي فات.."

هب «سالم» من مجلسه قائلًا بغضب 

" انت بتقول ايه؟ و مين امرك تعمل دا؟"


اجابه الموظف بهلع

" حضرتك احنا جالنا ايميل التسليم كالعادة من ايميل الشركة الأساسي وبناءً عليه سلمنا الشحنات في معادها.. هو في ايه يا فندم؟"


خرج غضبه عن السيطرة فقد وقعوا فريسة للعبة قائدها مجهول مما جعل «سالم» يطحن أسنانه غضبًا قبل أن يقول بأمر 

" ابعتلي الايميل اللي جالك دلوقتي علي الميل الخاص بيا .. و اي تعاملات بعد كده هتكون منه ايميل الشركه محدش يتعامل معاه خالص ."


اغلق «سالم» الهاتف فصاح سليم باستنكار

" اللي انا بسمعه ده بجد؟ احنا بيتنصب علينا من شخص مجهول؟؟"


زفر «سالم» بحنق و جلس يبحث علي حاسوبه فتفاجأ حين أتته رسالة العامل والتي تفيد بخروج بضاعة تتعدى العشرون مليونًا من مخازنهم فبرقت عينيه من شدة الصدمة التي كانت من نصيب «سليم» أيضًا والذي قال بذهول 

" عشرين مليون! دا خراب بيوت .."


تغلب «سالم» علي صدمته وقال بقسوة 

" هتواصل مع الشركة و اعرف الحساب اللي اتحولت عليه الفلوس باسم مين و انت جهز نفسك عشان هنسافر القاهرة  "


نفذ «سليم» أوامر «سالم» دون اعتراض بينما الأخير اشتدت ملامحه غضبًا و اكفهرت تعابيره بشكل مريب و قام بجذب هاتفه و إجراء أحد الاتصالات و ما أن أجاب الطرف الآخر حتي قال «سالم» بقسوة

" عايز اعرف مكان ناجي عبد السلام الوزان؟؟"


يتبع...

🍓الرابع عشر ج٢🍓


هناك أشخاص نتعثر بهم بين أروقة الحياة ودروبها نظن بأن لقائنا بهم مجرد صُدف مندثرة ولكن بعد ذلك يتضح بـ أنهم حقيقتنا الثابته في هذا الواقع الملئ بالفرضيات. و بـ أن وجودهم هو اليُسر بين تعسرات الحياة. نأنس بهم و تألفهم الروح للحد الذي يجعلها لا تتعافى سوى بقربهم. 


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


انهي جمع حقائبه و أرسلها إلي السيارة متوجهًا إلى  الأسفل فـ سمع شهقة قوية خرجت من والدته التي اخبرها «سليم» بما حدث فـ صاحت حين وقعت عينيها عليه 


" كلام ايه اللي بسمعه ده يا سالم؟" 


زفر بـ حنق قبل أن يجيب بـ جمود


" معنديش معلومات عشان اقولها لك يا ماما. انا مسافر القاهرة و هشوف بنفسي حصل أي؟


كان الجميع يلتزم الصمت أمام غضبه الضارى و خاصةً هي ولكن قد جاء الوقت لـ تضرب بيد من حديد فقالت بغضب مفتعل


" الكلام دا معناه أن في خاين في الشركة !"


توجهت نظراته إليها تشملها بنظرة كانت مُرعبة و لهجه تشبهها حين قال بفظاظة


" و عرفتِ دا لوحدك؟"


تحركت بـ خيلاء تتهادى في مشيتها قبل أن تقف أمامه تقول بتهكم


" اه تخيل. اصل انا واحدة بفكر بعقلي . مش لاغياه و ماشيه ورا مشاعري.."


رمقها بسخرية و قال بفظاظة


" غريب عليكِ اوي الموضوع دا ! و ياترى وصلتِ لـ أيه؟ 


يا عاقلة ! "


قال كلمته الأخيرة بلهجة هازئة أثارت حنقها فأجابته  مندفعة 


" الخاين دا انت مُصر تقربه منك يا سالم . مين معاه ايميل الشركه غيرك انت و سليم؟ "


لم تتغير نبرته حين أجاب باختصار


" مين؟"


بلهجه مسمومة نابعه من قلب فاض به الشر 


" فرح!!"


شهقات متتاليه اندلعت من حولهم فتابعت «شيرين» بقوة 


" مش كانت سكرتيرتك ؟ "


أجابها «سالم» من بين أسنانه 


" و هتبقى مراتي. فـ خلى بالك من كلامك.. "


" و عشان كده هتستثنيها من حساباتك صح؟ المال مش مالك لوحدك يا سالم بيه !! دا مالنا كلنا يعني اللي سرق سرقنا كلنا"


تراجعت للخلف خطوتين حين هالها مظهره فتابع بقسوة 


" الخاين هعرفه و هعاقبه قدامكوا كلكوا. "


شددت على كلماتها حين قالت بتحدي


" و لو طلعت هي إلي خاينه و سرقت الفلوس هتعمل ايه؟"


أجابها بـ اختصار


" وقتها هتعرفي !!"


أنهى كلماته و تابع سيره دون أن يغير غضبها اي اهتمام ولكن وجهه كان مكفهرًا و ملامحه متجهمة فما أن اختفى عن الأنظار حتى صاحت «أمينة» بغضب 


" أنتِ عماله تعكي يا بنت همت و هييجي علي دماغك في الآخر.."


أجابتها«شيرين» بوقاحة


" عشان بقول الحقيقة أبقى بعك!!"


«أمينة» بتقريع


" لا عشان فكرك انك مش مكشوفة؟؟ و أننا ناس هبلة هتضحكي عليهم. بس وماله خلينا ورا الكداب "


اختتمت جملتها بعد أن ألقت عليها نظرة حانقة محتقرة و تابعت صعودها للأعلى ترافقها «حلا» فـ تقدمت «همت» من ابنتها وقالت بنبرة خافتة


" اللي حصل دا ليكِ يد فيه؟" 


لم تجبها شيرين إنما توجهت إلى غرفة الصالون فـ تبعتها «همت» التي أغلقت الباب خلفها وهي تقول بنبرة ساخطة


" جاوبيني .. "


«شيرين» بحنق


" أنتِ بره الليله خلاص بتسألي ليه ؟"


تعاظم الغضب بداخلها فـ أجابتها بحدة


" اتعدلى يا بت ناجي! ايه الجينات الزبالة نقحت عليكِ ولا ايه؟"


جن جنونها و استقرت الكلمات في منتصف جرح غائر بـ داخلها فصاحت بعنف


" اوعي تغلطي في ابويا.. ابويا اللي اتخليتي عنه ورمتيه لما اخوكي شاورلك. ابويا اللي عمل كل حاجه في الدنيا دي عشان خاطرك و خاطرنا رمتيه واطلقت منه و مفكرتيش تسألي عنه ولا مرة. لو جبتي سيرته مش هسكتلك أبدًا"


صدق ظنها فـ ابنتها الآن تشبه الي حد كبير ذلك المسخ الذي أحبته يومًا بالرغم من أنه كان ابن عمها إلا أن دماءه كانت ملوثة. يحقد و بقوة على اشقائها. أوهمها ذات يوم بأنه يعشقها ولكن الحقيقة أنه كان طامع بأموالها فحسب لتستيقظ ذات يوم على صفعة خذلان قوية نالت من قلبها و روحها و للآن لم تتعافى منها 


" دانا اللي مش هسكتلك يا شيرين.. ابوكي اللي بتدفعي عنه دا سرقنا. و خاننا اتسبب في موت جدك و جه ياخد عزاه عادي من غير اي احساس بالذنب.. سنين عايش معانا بياكل من خيرنا و هو بـ يعض الايد اللي اتمدتله.. ابوكي دا أسوأ إنسان على وجه الأرض. اختارته و وقفت قدام أهلي عشان اتجوزه و هو بالمقابل عمل ايه ؟ كسرني و كسرهم و خاننا كلنا."


كانت تنتفض بحرقه وهي تتحدث وانهمرت عبراتها حين تابعت بقهر


" هنا بالضبط اكتشفت خيانته لما جت البت السكرتيرة اللي كان مرافقها و حكت كل حاجه. كان بيخونى من اول يوم جواز.. سرق فلوس ابويا و فلوسي و بسببه خالك منصور جاله جلطه من الزعل. كنا هنروح في ستين داهيه و اسم الوزان كان هيبقي في الأرض لولا أن ربنا دايمًا بـ يقف مع الحق . و قدرنا نرجع مكانتنا تاني . سالم اللي أنتِ بتجري وراه دا عمره ما هيفكر فيكِ أبدا. عارفه ليه؟؟ عشان بيجري في عروقك دم ناجي. كنت الأول في صفك و بقول يمكن لكن دلوقتي لا .. أنتِ متصلحيش تبقي مراته و لا مَرات كبير عيلة زي دي… يا بنت ناجي.." 


ألقت كلمتها الأخيرة كـ سُبة متبوعه بنظرة محتقرة استقرت في صدر تلك التي استنكرت ما سمعته أذناها بشدة فصرخت غاضبة 


" كذب.. ابويا اشرف من الشرف .. التعابين اللي حواليكِ دول هما اللي سمموكِ عشان كانوا كارهينه و كانوا عايزين ياخدوا تعبه وشقاه.. و أنتِ طول عمرك تابع لأمينة بتقولي حاضر و نعم وبس. لكن أنا مش زيك . و فخورة انى بنت ناجي. و سالم بيه الوزان نصيبه معايا انا سواء عجبك او لا.  سواء بيحبني أو لا. "


كانت تعلم كيف أن يدق قلب الأنثى لمن لا يكترث له تعلم جيدًا كيف يكون ذلك الشعور بأن يفضل أحدهم شخصًا آخر عليك و لهذا تجاوزت عن كل شي و اقتربت منها تقول بحنان و لهجة مُتألمة


" انا عارفه اللي أنتِ فيه مش سهل… و حاسة بيكِ بس أنتِ اختارتي من الأول و حصل اللي حصل وربنا وحده اللي عداه على خير. بلاش تأذي نفسك و تأذينا معاكِ. سالم مش هـ يظلمنا حتي لو مدناش ارض هيدينا اضعاف تمنها انا عارفاه. بلاش نبقى أعداء كفايه كدا. "


صرخت بقهر 


" لا مش كفايه.. و حقنا دا ابسط حاجه هناخدها. و كدا كدا هناخده.  لكن رد اعتبارنا و كرامتنا و كرامة ابويا اللي خرج من هنا متهان دي مش هتعدي بالساهل.."


خربش الشك جدران قلبها فقالت بترقب


" اشمعنا دلوقتي جايه تدوري علي حق ابوكي و كرامته ؟؟ في ايه وراكِ ؟ انا مش مطمنالك؟"


" لا اطمني.. انا عارفه انا بعمل ايه كويس اوي .."


أنهت جملتها و أوشكت علي المغادرة فقامت «همت» بامساكها بقوة من رسغها تُديرها إليها قبل أن تقول بلهجة خطرة و عينين انبعثت منها نيران الغضب 


" أنتِ بتتواصلِ مع ناجي؟؟؟"


ابتلعت ريقها قبل أن تقول بلهجة جامدة 


" لا…"


***************


قد لا تعلم ما ينقصك إلا عندما تراه.. هكذا كان الأمر معها ...

فـ سابقًا كانت الأشياء تتعقد و العالم يظلم و يضئ وهو ثابت لا يتململ يدرك مسئولياته و يحملها دون أي تضرر يعلم وجهته جيدًا و بأنه الكتف الذي اعتاد أن يسند الجميع دون أن يهتز ولكنه الآن لأول مرة يشعر بحاجته للاتكاء. لأن يضع رأسه علي كتف أحدهم ينشد الراحة التي تتلخص في قربها.. كانت هي الكتف الذي أشعره بحاجته طوال تلك السنوات.. لم يتخلل الى قلبه أي ضعف إلا عندما وقع بعشقها. هي من أضاءت له عتمة حياته و كأنه بـ رؤيتها وجد ما كان ينقصه و اكتملت روحه بقربها لهذا و لأول مرة بحياته لم يخجل من إظهار ضعفه حين قام بإمساك الهاتف ينوي الحديث معها فجاءه الرنين الذي كان يتراقص مع دقات قلبه التي تقرع كالطبول تترقب سماع صوتها الذي لم يتأخر بالإجابه وكأنها شعرت به 


" سالم.."


باغتها حين قال بخشونة


" وحشتيني…"


لم يكن اشتياقًا فقط بل احتياجًا قاتلًا لوجودها حملته لهجته فلامس قلبها لتجيبه بلهفة


" انت كويس؟"


أجابها باختصار


" يعنى .."


" فيك ايه ؟؟ طمني؟"


لأول مرة يحتار كيف يصيغ حروفه ؟ كيف يخبرها بما هو أعمق من الكلمات بكثير ولكنه اكتفي بكلمات بسيطة كانت ملخص لكل ما يحمله بقلبه من ثقل


" عايزك معايا .. "


كان هذا ما يشعر به في تلك اللحظة بأن وجودها سبب كاف لانتهاء كل الأشياء السيئه فلامست كلماته حواف قلبها الذي تعثرت نبضاته من فرط التأثر فقالت بلهجة خافته يشوبها الخجل 


" هانت. كلها كام يوم و نكون مع بعض.."


أضاف مصححًا


" أن شاء الله.. دايمًا قدمي مشيئة ربنا قبل اي حاجه.."


أضافت مُصححه 


" أن شاء الله.. بس انا حاسه انك فيك حاجه و مش عايز تقولي عليها.."


أجابها بخشونة 


" هتعرفي كل حاجه لما اشوفك .. قوليلي حاجتك هتوصل امتى؟"


" انا جهزتها المفروض هتوصل النهاردة ان شاء الله.. بس.."


هكذا توقفت الكلمات على أعتاب شفتيها فلم تستطيع أن تكمل بسبب الخجل فهي لم تكن تريد لأي شخص أن يطلع علي ملابسها أو أشياءها الخاصة ففطن هو لما تريد أن تقوله فقال باختصار


" متقلقيش محدش هيدخل الجناح بتاعك لحد لما تنوريه .. "


ارتاح قلبها كثيرًا فقالت بخجل


" طمنتني.. شكرًا بجد انك فاهمني من غير ما اتكلم.."


كان يود لو يحطم ذلك الهاتف و يذهب إليها و يخبرها كم أنه يحتاجها و يشعر بكل ما يدور بداخلها حتي أنه يعلم تمامًا كيف صارت ملامحها و كيف نبت محصول التفاح الشهي ليضئ وجنتيها الجميلة ولكنه اكتفي بإخراج زفرة حارة من جوفه قبل أن يقول مازحًا


" و لسه لما تعرفي اني ناوي أرتب معاكِ كل حاجه. ماهو مش معقول هسيب عروستي الحلوة تتعب و أنا موجود.."


تلاحقت أنفاسها وهي تتخيله يجلس بجانبها ليرتب معاها أشياءها وبعض الملابس الخاصة بالعرائس التي لا تعلم كيف أقدمت على شرائها فـ ودت في تلك اللحظة لو تختفي من العالم من فرط الخجل فـ خرجت الكلمات متلعثمة من بين شفتيها حين قالت 


" ايه .. لا . طبعًا . و تتعب نفسك ليه ؟ انا هعمل . كل حاجه ."


نجح ارتباكها في رسم ابتسامة خافتة على ملامحه المتصلبة فأجابها بخشونة


" ياريت كل التعب يكون بالشكل دا.."


" نعم .. يعني ايه ؟ "


هكذا سألته بـ اندفاع فـ خرجت منه ضحكة خافتة قبل أن يقول بفظاظة


" هبقي اشرحلك عملي . المهم اللاب توب بتاعك هييجي مع حاجاتك صح ؟ "


" اها هبعته .  في حاجه ولا ايه؟"


هكذا استفهمت فـ أجابها بلامبالاة


" لا عادي . الجهاز بتاعي حصل في مشكله فـ هاخد بتاعك فترة لحد ما يتظبط .. أنتِ حذفتي اي حاجة من عليه تخص الشغل"


«فرح» بتفهم 


" لا خالص حتي ايميل الشركه لسه مفتوح عليه انا تقريبًا مقفلتوش.  "


ابتسم بهدوء قبل أن يجيبها ببساطة


" خلى بالك من نفسك. ولو احتاجتى حاجه كلميني. و استخدمي الكريديت اللي سبتهالك يا فرح و دا أمر مش طلب."


أرادت مشاكسته قليلًا فقالت بغيظ مفتعل 


" مابحبش حد يأمرني .."


أجابها بفظاظة صارت مُحببة على قلبها كثيرًا


" أنا مش اي حد.." 


خرجت الكلمات مندفعة من بين شفتيها حين قالت 


" دي حقيقة على فكرة.."


" معترفه يعني !!"


ابتسمت بحب قبل أن تقول بتأكيد 


" اه معترفه مبقاش في مجال للإنكار ."


زفر بتعب قبل أن يقول بأنفاس متهدجة و قلب يشدو بعشقها و يهلك من فرط شوقه الضاري لها 


" جهزي نفسك بقي عشان كلها كام يوم و هسمع اعترافاتك كلها و الإنكار هيكون له عقاب شديد.. " 


ابتسمت بخجل قبل أن تقول بخفوت 


" خلى بالك من نفسك.."


كان اهتمامًا لم يكن يعلم أنه في أمس الحاجة إليه لذا شعر في تلك اللحظة بإمتنان كبير لوجودها في حياته فأجابها بخشونة 


" حاضر.. "


أنهى مكالمته و قام بإجراء أخرى وما أن أتته الإجابة علي الطرف الآخر حتى قال بفظاظة


" مروان تسمع اللي هقولهولك و تنفذه بالحرف الواحد و مش عايز مخلوق يعرف حاجه .."


****************


في اليوم الثاني كانت تنهى بروفه فستان الزفاف الذي كان أكثر من رائع و يلائمها كثيرًا و قد شعرت بالفراشات تطير في معدتها من فرط السعادة التي جعلتها تضع يدها فوق قلبها و تتمني أن تدوم تلك السعادة ولا يحدث أي شئ يعكر صفوها و لكن دائما تاتي الرياح بما لا تشتهي السفن فقد دق هاتفها برقم غير مسجل فشعرت بنغزه قويه في قلبها تنذر بأنه هناك شيئا سيئا قد حدث لهذا أخذت نفسا قويا قبل أن تجيب بنبرة حاولت أن تكون ثابتة 


" مين معايا ؟"


اتاها صوت شيرين الساخر حين أجابت 


" شيرين الوزان .. "


حاولت تهدئه نفسها قليلا قبل أن تقول بلامبالاة 


" اقدر اعرف سبب اتصالك ؟ في حاجه اقدر اساعدك بيها؟'


حاولت شيرين اخفاء غضبها قبل أن تقول بهدوء


" الصراحة انا اللي عاوزة اساعدك. "


" بس انا مش محتاجه مساعدتك!"


هكذا اجابتها فرح فتحدثت شيرين يتهكم


" مش لما تعرفي الأول انا عيزاكِ في ايه ؟ وقتها تبقي تحددي."


بداخلها شعور قوي بالشر تجاه تلك الفتاة وكان قلبها يتوسل بصمت بالا تستجيب لفضولها و تعطي لتلك الفتاة فرصة لتخريب سعادتها و قد استجابت لـ توسله هذا و قالت بلهجة قوية 


" مش عايزة اكون قليلة الذوق بس انا مش فاضية خالص دلوقتى أنتِ عارفه فرحي كمان كام يوم. فـ هضطر اأجل كلامي معاكِ لـ بعد الفرح و زي مانتِ عارفه احنا هنعيش في بيت واحد قدامنا وقت طويل عشان نرغى براحتنا بس دلوقتي انا حقيقي مش فاضيه فـ معلش هقفل معاكِ و نبقي نتكلم بعدين . عن اذنك .." 


هكذا أنهت حديثها و أغلقت الخط بل الهاتف بأكمله و لكن هناك شعور قوي داخلها يريد معرفة ما كانت ستخبرها به فإذا بها تسمع صوت شقيقتها التي قالت بتشجيع


" عين العقل يا فرح.. البنت دي مش كويسة خالص و أكيد مش هتكون عيزاكِ في خير ..'


التفتت فرح الى جنة التي كانت هي الأخرى تقوم بعمل البروفة الأخيرة علي فستانها التي ما قبلت أن ترتديه سوى بعد إلحاح كبير من الجميع و خاصة ذلك المجنون الذي اخبرها بصرامة لا تقبل الجدال


" من غير يمين يا جنة ..  لو ملبستيش الفستان هاجي اشيلك علي كتفي قدام الناس كلها و ادخل البسهولك بنفسي. "


هكذا اذعنت لأمره و قبلت بإرتداء هذا الفستان الساحر الذي خطف قلبها فور أن وقعت عينيها عليه كما اعجبها كثيرا فستان شقيقتها والذي كان يلائمها كثيرا و لأول مرة تراها سعيدة بتلك الطريقة ألي ان أتاها ذلك الاتصال اللعين من تلك الفتاة و التي بالتأكيد تريد أن تخرب حياة شقيقتها..


" ايا كان اللي هي عيزاه انا مفيش بيني و بينها حاجه عشان اسمعلها .. كبري دماغك منها. المهم خلصتي ؟"


" اه خلصت .. متغيريش الموضوع يا فرح . لازم تقولي لسالم عالي حصل عشان لو فكرت تعمل حاجه يمنعها.."


فرح بنفاذ صبر 


" خلاص يا جنة كبري دماغك منها مش طالبه مشاكل و أفلام هندي قبل الفرح انا من غير حاجه متوترة .. يالا بينا.."


زفرت جنة بغضب من عناد شقيقتها ولكنها لم تعلق بشئ ولكن بداخلها رهبة كبيرة من شئ سئ قادم و قد كان شكلها بمحله فقد كانت شيرين تكاد تجن من رد فعل فرح تجاه حديثها فقد استغلت غياب سالم و قامت بحجز تذكرة ذهاب و عودة الي المنيا حتي تتيح لها فرصة مقابلة فرح لتاتي الأخيرة و تخرب مخططها فأخذت ترغي و تزبد لا تعرف ماذا عليها أن تفعل و للحظة طرأ علي بالها فكرة شرعت في تنفيذها علي الفور فقامت بالتقاط الهاتف و إجراء مكالمة وما أن أتاها الرد حتى أجابت باندفاع 


" محتاجة مساعدتك ضروري.."


كانت كل عضلة به تؤلمه ناهيك عن غضبه الضاري الذي جعله يقول بحنق 


" صرعتي راسي رن رن . عايزة اي يا حرمه انتِ ؟" 


صاحت شيرين غاضبة 


" اتكلم معايا عدل يا عمار.. و متنساش اني انا اللي عرفتكوا طريق ولاد عمك و المصايب اللي عملوها.."


عمار بحنق 


" ضربتك علي يدك عشان تاجي تجوليلي ولا أنتِ اللي  عملتي أكده من نفسك  ؟ "


" يعني هتتخلى عني بعد ما ساعدتك..؟"


زفر غاضبا و خرج صوته حادا 


" ايه اتخلى عنك دي يا بت الحلال هو انا چوزك وانا معرفش . و بعدين أنتِ عايزة اي؟ خلاص عرفنا كل حاچه و اتحلت كل المشاكل عايزة أي مني؟"


صاحت بانفعال 


" لا متحلتش .. سالم هيتجوز فرح ! عادي عندك أنه ياخدها منك ؟ مش دي بنت عمك و أنت أولى بيها؟"


صاح بانفعال


" انا محدش يجدر ياخد حاچه مني .  و فرح اني مرايدهاش من اللول وإن كانت عايزاه ف أنا مش هوجف في طريجها تشبع بيه.."


شيرين بقهر 


" عادي كدا .. مش سالم دا اللي اتخانق معاك و ضربك قدام الناس كلها. و وقف قدام جدك شكلك ايه لما الناس تعرف أنه خد خطيبتك ؟ هتعدي الموضوع بالساهل كدا ؟ "


تعاظم الغضب بداخله و غلا دماءه في عروقه ولكنه توقف للحظة و قد أضاء عقله بفكرة خبيثة ف استطرد قائلًا 


" لاه مهيعديش بالساهل .. أنتِ عندك حج..  بس الحديت مهينفعش في التلفون احنا لازمن نتجابل.."


شيرين وقد تنفست الصعداء فقالت بلهفه 


" و أنا موافقة .  انا هنا اصلا قدامي ٣ ساعات على ميعاد الطيارة انت فين ؟"


قهقه عمار بشر قبل أن يقول 


" دانتِ مبتضيعيش وجت واصل .. جوليلي فينك و أنا هاجيكِ"


اخبرته شيرين عن مكانها فوعدها بملاقاتها و بعد أن أغلقت الهاتف قام هو بإجراء مكالمة يتلهف كثيرا لها و جاءه الرد علي الطرف الآخر 


" حمد لله عالسلامه.  خفيت بسرعه و بقيت قادر تتكلم ؟"


هكذا تحدث سالم بسخرية فأجابه عمار بمثيلتها 


" وه هي الخرابيش دي تمنع الحديت بردك ؟"


سالم بتهكم


" معلش عندي دي . المرة الجايه لو فكرت تقرب من حاجه تخصني هتأكد انك لا هتقدر تتكلم ولا تتحرك خطوة واحدة. "


قهقه عمار بشر قبل أن يقول ساخرا 


" الحجيجة أن اللي يخصوك هما اللي بيجربوا مني مش العكس؟"


انكمشت ملامحه بغضب وقال بفظاظة


" وضح كلامك .. و خلي بالك عشان هتتحاسب عليه.."


عمار بتهكم


" يا راچل حساب ايه دانا ماددلك يدي بالصلح . ويعلم ربنا لو مكنتش غالي علي مكنتش كلمتك . بس اني جولت احنا بجينا نسايب ولازمن انبهك . مينفعش اسيبك أكده مختوم علي جفاك.."


صاح سالم بعنف


" كلمة زيادة و هاجي بنفسي اقطعلك لسانك. الحق نفسك و قول اللي عندك .."


" حجك.. انا عارف ان كلامي تجيل بس زي ما جولت لازمن انبهك .. السنيورة بت عمتك . شيرين. لسه جافله معاي دلوق و عيزاني اروح اجابلها في فندج (..) و طبعًا اني راچل بفهم في الأصول فجولت اكلمك اللول استأذن منك اروح اجابلها ولا لا؟ انت ايه رأيك؟"


تعاظم الغضب بداخله حتي بدأ ينفسه علي هيئه نيران فخرج صوته مرعبا حين قال


" عارف لو طلعت بتكذب علي هعمل فيك ايه ؟"


مروان بتسلية


" و اكذب لي؟ وبعدين هو انت هتغلب مانت تجدر تتأكد بسهوله. هو اني بردو اللي هعرفك. و بعدين ولا تزعل نفسك اني هروح بنفسي و ناخدو صورة حلوة مع الأمورة و ابجي ابعتهالك عشان تتوكد .." 


لم يتحمل سماع كلمه اخرى فقام بإغلاق الهاتف و إجراء مكالمة هاتفيه بمديرة مكتبه لمعرفة ما إن كان هناك حجزت باسم شيرين الوزان علي متن خطوط الصعيد فاخ الأمر منها بعض الوقت لتخبره بوجود حجز اليوم باسمها فتجمدت عضلات جسده من فرط الغضب و قام بالاتصال بها فأتاه صوتها المرتجف 


" آلو. سالم؟"


" اطلعي علي فيلا صفوت الوزان دلوقتي و إياكِ تخرجي منها لحد ما اجيلك .."


ارتعبت كل خلية بها من حديثه و معرفته بمكان وجودها فحاولت خداعه قائله


ايه ؟ انت بتقول ايه عايزني اروح الصعيد لوحدي؟" 


خرج صوته كالسيف حين قال صارخا


" بطلي كذب و اعملي اللي قولتلك عليه حالا.  وحسابك عاللي عملتيه دا هيكون غالى اوى .." 


ارتجف جسدها ذعرا من حديثه فقالت في محاولة لتهدئته


"انا عملت ايه ؟ لو كانت كلمتك تقولك…"


" اخرسي .. العربية هتجيلك دلوقتي و حسابنا لما اجيلك.."


*************


قهقه «عمار» بسعادة من بين جروحه التي أخفت ملامحه و شوهت وسامته مما جعل الاندهاش يسيطر علي تلك التي كانت تراقبه من بعيد فقالت بخفوت 


" يا مرى.. دانت إبليس يجولك يا خال.. "


تنبه لصوتها من علي باب الغرفه فصرخ بها


" واجفه عندك بتعملي ايه يا بت انتِ؟"


ارتعبت حين لاحظ وجودها فتقدمت تحمل أحدي الصواني التي كان عليها إفطاره وقالت باحترام 


" ست تهاني بعتالك الوكل.."


" حطيه و غوري من اهنه.."


اغتاظت من وقاحته فـ خرجت الكلمات من فمها مندفعة كما هي العادة 


" دلوجتي بتشخط وتشخط اللي يشوفك من يومين وانت مجدرش تصلب طولك ميشوفكش و انت كيف الجطر أكده.."


اغتاظ منها حين سمع كلماتها الغير مفهومه فصاح بغضب 


" بتبرطمي بتجولي ايه يا مخبلة أنتِ ؟ "


تراجعت خطوتين إثر صراخه و قالت باندفاع


" مبجولش. يعني اجصد حمد لله عالسلامه  صوتك رچع طلع اهوه بعد ما كنا مرتاحين منه.."


كانت كارثه بحق لسانها السليط يتنافى مع جمالها الخارجي والذي يظهر على استحياء من  بين ملابسها المهلهلة و منديلها الباهت الذي يظهر بعضًا من خصل شعرها الأسود اللامع الذي أثره لثوان و خطف انظاره ولكنه تجاوز عن سحرها الخفي الذي يجذب أنظاره إليها وقال بتقريع 


" طب غوري من وشي روحي شوفي وراكِ ايه "


اقتربت منه و الامتعاض باد علي ملامحها حين قالت 


" موراييش غيرك.."


" وه كيف دا؟؟"


بنبرة مغتاظة أجابته 


" الست تهاني أمرتني متعتعش من چنبك طول مانت عيان و اديلي كام يوم جاعدة جارك بخدم چنابك.."


ابتسم ساخرًا و تجلت سخريته في نبرته حين قال 


" اترحمتي من خدمة البهايم اومال؟"


" انا عن نفسي مش شايفه أنها فارجه كتير خدمتك من خدمتهم.."


هب «عمار» من مكانه وهو يصيح بغضب 


" بتجولي ايه يا بت المركوب أنتِ ؟"


تراجعت للخلف وهي تقول بجزع


"مبجولش.. اجصد يعني مش هتفرج اهي كلها خدمة.."


" اه بحسب.. بت لسانها عايز جطعه.."


تحدثت بخفوت و لهجة ممتعضة


" مكنش الراچل الطيب اللي ضربك ده جطعلك لسانك انت وريحنا."


صاح مرة أخرى 


" بتبرطمي بتجولي ايه يا بت؟ انا بكره البرطمة دي."


" ولا حاچه بكح .. كح كح "


حاولت أن تمثل السعال أمامه فكان مظهرها يوحي بالضحك فـ غافلته ضحكه ارتسمت علي ملامحه المتورمة جعلتها تتحدث دون أن تعي 


" لهو انت بتعرف تضحك زيينا .. ؟"


" اومال مش بني آدم ولا اي؟"


إجابته بعفوية مضحكة


" ايوا بني آدم ظالم و چبار. "


" وه ليه اكده؟"


" لاه واني مالي . اخاف اجولك لا تطخني عيارين المرة دي"


ابتسم علي مظهرها وقال بهدوء 


" لا جولي و أنا هديكِ الامان .."


" الصراحه بجى انت راچل مفتري و ظالم و متعرفش ربنا. و ده مش كلامي ده كلام كل الفلاحين . "


هكذا تحدثت بلهفة فـ ارتسم الذهول علي محياه وقال بصدمة


" بتجولي ايه يا بت؟"


اقتربت منه تجلس بجانبه وهي تقول باندفاع 


" مش اني اللي بجول. ده كل الناس بس هما بيخافوا منك. فكرك يعني أنا هطوج عشان مخليني اخدم عـ البهايم لاه . أبدّا والله داني بسمع عنك كتير . هجولك ايه بس دا الناس بتسب وتلعن فيك طول الليل و النهار و يجولوا الظالم چه الظالم راح.. اه والله."


فطن إلى غضبها من هذا العمل الشاق الذي كلفها به و لأنها كانت عفويه بدرجة كبيرة فقد أخطأت بالحديث ليعرف ماذا يدور بخلدها فـ ارتسم الخبث علي ملامحه وقال مرددًا حديثها 


" بجي بيجولوا عليه الظالم راح المفتري چه؟"


" أيوا…"


" و بيسبوا و يلعنوا فيا طول الليل و النهار؟"


" أيوااا.."


" يعني ده مش كلامك ده كلامهم هما؟"


" أيوااا.."


هب من مكانه وهو يصيح بها 


" چاكِ أوا في سنانك. بجى انا الفلاحين ييشتموا عليا ليل نهار.. دانا هخلي يومك اسود .. "


تراجعت بذعر تجلي في نبرتها وهي تقول 


" ليه بس و اني كت عملت ايه . الحج عليا اللي بنورك ؟"


" بتنوريني !! طب انچرى روحي شوفي شغلك . لو لجيت الزريبة فيها أي حاجه همسحها بخلجتك العفشة دي"


غضبت و انهارت أحلامها بأن يثنيها عن هذا العمل الشاق فقالت تحاول ردعه 


" لا سايجه عليك النبي . دانا زهرة شبابي انجطفت و اني بترب للبهايم.."


عاندها قائلًا 


" عقبال رجبتك لما تتكسر و لسانك الطويل دا يتجطع هو التاني.."


شيعته بنظرات الخسه قبل أن تقول بقهر 


" لك يوم يا ظالم . حسبي الله ونعم الوكيل.."


"اخفي من وشي…"


****************


اليوم الثاني كان يوم السفر فتحضر الجميع للذهاب الى الصعيد و من بينهم «أمينة» التي حاول «سالم» ثنيها عن الحضور ولكنها رفضت رفضًا قاطعًا بأنها تريد ذلك من كل قلبها فخضع لرغبتها و بالفعل غادروا المنيا ليجدوا «صفوت الوزان» في استقبالهم و قد كان استقبال حافل من جهته 


" الصعيد كلها نورت يا حاجه امينه .. متتخيليش فرحتنا بيكوا قد ايه ."


«أمينة» بوقار


" تسلم وتعيش يا صفوت بيه .. كلك ذوق و طول عمرك صاحب واجب."


" تسلمي يا حاجه.. اتفضلوا ارتاحوا وانا هشوف سهام جهزت ولا لا . "


كان يتحدث بحرج تفهمته «أمينة» علي الفور فقالت بوقار


" متضغطش عليها. احنا مش غرب عن بعض.. سيبها براحتها لحد ما تحس انها عايزة تشوفنا .."


ارتسمت ابتسامة امتنان على ملامحه التي أهلكها وجع دفين فاومأ برأسه بتفهم قبل أن يأتي صوت الخادمة لتخبرهم بأن «ياسين عمران» في الخارج فأمرها «صفوت» بأن تجعله يدخل على الفور وما هي إلا لحظات حتى وجدوه يطل عليهم فتنبهت كل ذرة من حواسها لذلك الفارس الذي تمنته ذات يوم ولكنه أتاها بأكثر الطرق رفضًا لقلبها الذي كانت نبضاته تدق بجنون حاولت التحكم به قدر الإمكان و رسم اللامبالاة علي ملامحها حين جاء دوره في السلام عليها فمدت يدها بثبات يتنافى مع اهتزاز حدقتاها وهي تناظره


" حمد لله علي سلامتك…"


" الله يسلمك.."


هكذا أجابته ببرود لا يشبه عينيها أبدًا فتجاهلها و هو يلتفت مرحبًا بالجميع وكان آخرهم «مروان» الذي كانت نظراته مُتهكمة تشبه نبرته حين قال 


" مواعيدك مظبوطه بالثانية احنا لسه يدوب واصلين .."


كان كلماته تحمل سخريه تجاهلها «ياسين» قبل أن يقول بلامبالاة 


" مفيش وقت نضيعه الفرح كمان يومين.. ولسه في حاجات كتير مفروض تتعمل .."


تنبه «سالم» إلى حديثه فتدخلت «أمينة» لتلطف الأجواء قليلًا 


" ربنا يعينك يا ابني.. حلا كانت عايزة تروح تشوف اخر بروفة للفستان تقدروا تروحوا تشوفوه وكمان صور كتب الكتاب قلنا تتصورها هنا.."


كانت حججًا واهية ولكنها تريد أن تكسر هذا الحاجز الذي تراه أمامها ولهذه ارتسمت بعينيها نظرات خاصة ل«سالم» الذي ابتلع غضبه و وافق علي مضض فتحدثت «أمينة» بلطف


" يالا يا حلا مع خطيبك عشان تخلصوا اللي وراكوا.. معدش في وقت.."


اومأت «حلا» بهدوء يتنافى مع ضجيج أفكارها و صخب قلبها و تقدمت أمامه إلى الخارج فقادها بهدوء الى السيارة وما أن استقلتها حتى قادها بسرعة كبيرة مبتعدًا عن المكان بأكمله ..


بعد وقت ليس بقليل أوقف السيارة أمام إحدى المقاهي فالتفتت حولها قبل أن تقول 


" وقفنا هنا ليه؟" 


تحمحم بخفوت قبل أن يجيب بلهجة هادئة


" كنت عايز اتكلم معاكِ شويه .."


باختصار اجابته 


" اتفضل.."


" طب مش تبصيلي عشان اعرف اتكلم .."


هكذا تحدث بهدوء فحاولت السيطرة علي دقات قلبها التي تدق كالطبول قبل أن تستدير برأسها تطالعه بصمت وعينين تحوي عتب كبير لامس زوايا قلبه فقال بلهجة رقيقة 


" انا عارف ان كل حاجه جت بسرعه . و ملحقناش حتى نستوعب ايه اللي بيحصل .. و عارف كمان أن موضوع الجواز دا كان صدمة ليكِ بس…"


قاطعته بسخريه يشوبها المرارة 


" بس مكنش صدمة ليك.."


انكمشت ملامحه بحيرة تجلت في نبرته حين قال 


" تقصدي ايه؟"


" اقصد انكوا خططتوا لكل حاجه صح و عرفتوا امتا تضربوا ضربتكوا. بصراحة لما قعدت مع نفسي و افتكرت كل اللي حصل انبهرت بذكائك . كنت مقنع جدًا.. حتي وانت بتواسيني و بتخفف عني  انا صدقتك اوى على فكرة.. " 


لحظة صمت طويلة خيمت على المكان فقد كان مصدومًا من كونها تظن بأنه خطط لكل شئ ولكنها فسرت صدمته علي أنه تفاجئ بمعرفتها لما حدث فـ أردفت بسخرية 


" ايه اتصدمت لما عرفت اني فاهمه كل حاجه؟؟ ايه ده معقول انا باين عليا الغباء كدا ؟'


تجاوز عن صدمته وحل محلها الغضب الذي دفعه للقول


" تبقى غبية فعلًا لو فكرتي اني خططت لكل دا ..  انا معرفتش أن جنة و فرح ولاد عمي غير يوم ما قابلتها في الجامعه.. يوم ولادة جنة تقريبًا.."


إجابته باندفاع


" مش هيفرقلي كتير .."


" اومال ايه اللي فارقلك.. اوعي تكوني مفكرة اني كان ليا يد في خطفك..!"


قال جملته الأخيرة باستنكار جعل ابتسامه ساخرة ترتسم علي ملامحها قبل أن تقول بقهر داخلي


" مفكرة انك ليك يد في خطفي!! لا أنا متأكدة انك انت اللي دبرت وخططت لخطفي. طبعًا اومال تكسر مناخير ولاد الوزان ازاي وتجيب حق بنت عمك؟؟ "


صاح بغضب فقد تجاوزت الحدود


" حلا بطلي جنان.."


تابعت بألم تجلى علي ملامحها بوضوح 


" عارف.  انا مكنش عندي مشكله اني اصحح غلط حازم. ومعنديش مشكله اني ابقي كبش الفدا الي هيضحوا بيه عشان كل حاجه تبقى تمام. و قبل ما جدك يهددني انا كان عندي استعداد اعمل اي حاجه عشان اخواتي محدش فيهم يتأذى. بس انك تكون السبب في العذاب اللي عشته و الرعب الي مريت بيه دا كان صادم بالنسبالي اكتر من موضوع الجواز نفسه..!"


كان ألمها اضعافه بقلبه ناهيك عن غضبه لظنها به ولذلك حاول أن يصحح ذلك الوضع قائلًا بخشونة 


" صدقيني انا مكنتش اعرف موضوع الخطف ده و لا حتى كنت أعرف أن جدي عرف باللي حصل .." 


صاحت بألم 


" و ايه اللي يخليني اصدقك ؟؟" 


" عشان انا مبكدبش.. و مش مضطر اكذب . لو فعلًا عملت كدا هقول مش هخاف منك .." 


هكذا أجابها بوضوح فـ أردفت بقوة


" ولا انا كمان هخاف منك و لازم تعرف كويس اوي اني مجبورة عليك وعـ الجوازة دي عشان بس أفدي اخواتي لكن لو هيخيروني فـ أنا عمري ما كنت هقبل ارتبط بيك…" 


لامست بحديثها منعطفات خطرة و خدشت جدار كبرياءه الذي جعله يقول بجمود 


" يبقى ملهاش لازمه الجوازة دي و أنا هعفيكِ من التضحية "


لا تعلم هل كانت خيبة تلك التي زارت قلبها في هذه اللحظة أم أنها كانت مصدومه فقط ! ولكن كان هناك شعور قاس يفترس قلبها دون رحمة للحد الذي جعل دمعة غادرة تنبثق من طرفي عينيها فسقطت علي قلبه المغرم بها ولكنه آذت كبرياءه كثيرًا بكلماتها تلك ناهيك عن ظنها السئ به فحاول ردع نفسه عن آخذها بين ذراعيه خاصةً وهي تناظره بتلك الطريقة التي تحمل عتابًا صريحًا لم يفشل في فهمه فوجد يده تتسلل إلي أسفل وجنتها لتقوم بمسح دمعتها التي أدمت قلبه و خرجت الكلمات معاتبه من بين شفتيه حين قال


" بتعيطي ليه؟ مش دا اللي أنتِ عيزاه..؟"


كانت لمسته كـ صاعقة برق أصابت أسفل ظهرها فـ شعرت بـ جسدها بتصلب بقوة حبست الأنفاس بصدرها فأخذت ثوان حتى استعادت كامل ثباتها قبل أن تقول بلهجة مهتزة


" دا من الضغط بس .. انت عندك حق دا اللي انا عايزاه. لو عندك فرصة توقف المهزلة دي انا معاك. "


شعر بأنه آلمها دون أن يدرك فهو للآن لم يخبرها كم هو يعشقها على الرغم من يقينه بأنه هناك مشاعر قوية بداخلها له إلا أن الوقت لم يمهله اي فرصة معها لذا أخذ قراره بأن يتجاوز عن كل ما حدث و يحاول أن يبدأ معها مرة أخرى حتى لو كان بتلك الطريقة لذا قال بلهجة خافته ولكن قوية 


" للأسف مفيش فرصة اني اوقف حاجه.. "


اهتزاز حدقتاها و انتباه ملامحها كانا خير دليل علي أن حديثه لاقى صدى بداخلها و خاصةً حين قالت بنبرة مرتجفة 


" يعني ايه ؟"


احتضنتها عينيه بدلًا من ذراعيه و تعمقت نظراته بطريقة مربكة لها كثيرًا و خاصةً حين قال بتلك النبرة التي يغزوها التملك 


" يعني بعد بكرة هتبقي مراتي.. و مفيش اي حاجه في الدنيا هـ تمنع دا…"


***************


" مكشره ليه يا أم أربعه و أربعين ؟"


كان هذا صوت «مروان» الذي تقدم ليجلس على الأرجوحة في الحديقة بجانب «ريتال» العابسة و التي لم تعير حديثه اهتمام فاردف و هو يعبث بخصلات شعرها 


" ماتردي يا برنسيسه هوا بيكلمك  ؟"


ناظرته بامتعاض تجلي في لهجتها حين قالت 


" هوا ايه ده انت كنت هتوقع المرجيحه وانت بتقعد ."


" قصدك ايه يا بت انتِ؟ انا تخين ولا ايه"


«ريتال» بتهكم 


" لو مكنتش شايف بكروشتك تبقي محتاج نضارة "


" يا بت أنتِ راضعه سم فران . بتطلعي بكابورت من بقك .. ارحمي أمى شويه .. " 


ناظرته «ريتال» بأعين ممتلئة بالدموع و قالت بلهجه تهدد بالبكاء 


" كده ماشي مش هكلمك تاني .."


شعر بالقلق عليها فقال باندهاش


" و دا من امتى الاحساس دا ؟ دانتِ اسقع من الديب فريزر .. اوعي تكوني زعلانه بجد؟"


هنا انفجرت «ريتال» في البكاء وهي تقول من بين نهنهتها


" زعلانه.. اوي .. يا .. عمو.."


احتضنها «مروان» برفق وهو يقول 


"مدام احترمتيني و قولتي عمو يبقى زعلانه بجد .. حصل ايه يا بت مين زعلك وانا انفخهولك "


" الدنيا .. يا عمو .."


هكذا أجابته من بين عبراتها فقال بصدمة


" الدنيا .. ايه يا بت الكلام دا أنتِ لسه روحتي فين ولا جيتى منين؟ دنيا ايه ؟ يكونش توم و جيري قتلوا بعض و انا معرفش !!" 


صاحت به غاضبة 


" توم و جيري ايه شايفني عيله قدامك ؟ "


«مروان» باستنكار


" لا لا سمح الله انسه عندها ست سنين و بتقولي الدنيا مزعلاني . افهم من كدا ايه ؟ "


" تحس بيا عن كدا.."


«مروان» بحنق 


" يخربيتك خوفتيني. هيكون حصل ايه سبونج بوب خلى بيكِ ؟ طب غيروا نوع البامبرز المفضل عندك ولا حصل ايه مانا مش فاهم "


ازداد نحيبها وقالت بنبرة متقطعة 


" الفستان .. بتاعي.. مش .. عاجبني .. و مش لاقيه.. حد .. ييجي .. معايا .. أجيب .. واحد .. جديد "


احتضنها «مروان» بقوة فقد شعر بالشفقة عليها وقال برفق 


" كل دا عشان حته فستان . طب كنتِ قوليلي و انا كنت جيت معاكِ نقيتلك احلى فستان .."


رفعت رأسها تناظره و بشفاه مذمومة إجابته 


" لا انت ذوقك وحش اوي.."


" اتفو عليكِ يا شيخه.. انا غلطان اني بصالحك…"


أنهى كلماته تزامنًا مع رؤيته «سما» التي كانت تخرج من الباب تبحث بعينيها عنهم فقال بلهفة 


"هجبلك ست فستانين بس تخدمي عمك.. "


برقت عينيها وقال بحماس متناسية حزنها 


" موافقة .."


" طبعًا أنتِ بتحبي سما ؟ "


" طبعًا "


" و طبعًا سما ذوقها حلو ؟"


" طبعًا" 


" ايه رأيك لو ناخدها معانا و نروح نشتري احلي فستان في الدنيا لأحلي ريتا؟" 


برقت عينيها و قالت بحماس 


" موافقه طبعًا.." 


«مروان» بتخطيط 


" بصي هي جايه علينا عايزك تعيطي و تهبدي لحد ما تقنعيها تيجي معانا"


«ريتال» بتفكير 


" بس دي خدمة كبيرة أوي يعني فستان قليل عليها.."


ناظرها بصدمه قبل أن يقول بصدمه 


" يابت أنتِ بتساوميني يخربيتك جايبه الدماغ دي منين.. دانا وانا قدك كنت برياله.. "


«ريتال» بعفوية 


" طب انت كنت اهبل يا عمو انا ذنبي ايه ؟" 


" طب اكتمي بقي واعملي اللي قولتلك عليه هي جايه اهيه.."


بالفعل ما أن أطلت عليهم «سما» حتى أتقنت «ريتال» رسم دور الحزن فاقتربت منها «سما» قائلة بحنان 


" مالك يا ريتا ؟ بتعيطي ليه ؟"


انفجرت «ريتال» في البكاء و «مروان» يحاول تهدئتها


" متعمليش في نفسك كدا يا ريتا .. اجمدي ياختي .."


«سما» برقة


" ايه يا مروان في ايه ؟ مالها ريتا؟" 


«مروان» بهيام و لهجه خافته


" مروان بيدوب هنا .."


«سما» باستفهام 


" بتقول ايه ؟" 


لكزته «ريتال» في جنبه خفيه فاعتدل في جلسته وهو يلملم نفسه قائلا بلهجة حزينه


" أبدًا يا ستي ريتال مقهورة عشان مجبتش فستان حلو.. و مش لاقيه حد يروح معاها يختارلها فستان حلو . "


اقتربت من «ريتال» تحتضنها وهي تقول بحنان 


" يا روحي .. بس كدا طب ليه مقولتليش وانا آجي معاكِ"


اندفعت الكلمات من فمه حين قال 


" احنا لسه فيها يلا نروح دلوقتي نختار لها الفستان .. "


«سما» بتفكير 


" بس احنا منعرفش حاجه هنا.. هنروح فين ؟"


«مروان» بغرور 


" عيب تقولي كدا و أنتِ معاكِ مع مروان الوزان .. دانا اعرف دهاليز الصعيد دي دهليز دهليز.. يا بنتِ دانا اصحابي مسميني خط الصعيد.."


«سما» بحماس 


" إذا كان كدا . يبقي يلا بينا…"


بعد مرور ساعتين تأففت «سما» من درجة الحرارة العالية وقالت بضيق 


" بقالنا ساعتين بنلف. هنوصل امتا ؟؟ "


«مروان» بتحسر 


" انا عارف بايننا تهنا ولا ايه ؟" 


انتفضت «سما» تناظره بغضب وهي تصيح 


" توهنا!! انت بتستهبل .. اومال عمال تقولي خط الصعيد و اعرف دهاليزها دهليز دهليز .. انت بتشتغلني…"


صدح صوت «ريتال» من الخلف حين قالت 


" الصراحة اه . بيشتغلك. هو اساسًا تاني مرة ييجي هنا . هيعرفها منين ؟" 


«مروان» بغضب 


" اكتمي يا قدرة الفول أنتِ .. علي فكرة يا سما دا كان اختبار لمدى ثقتك فيا . و سقطي فيه."


«سما» بتوعد 


" يعني احنا مش تايهين ؟؟"


«مروان» بثقة 


" يا بنتي عيب .. نتوه ازاي يا جاهله . احنا في عصر الانترنت الاندرويد مستبلناش مساحة للغلط التليفونات التاتش ملت البلد . في اختراع اسمه ال GBS يا جاهله.. "


انهي كلماته وهو ينظر إلي «ريتال» قائلا بأمر 


"هاتي التليفون يا ريتا اما نشوف احنا فين ؟؟"


ارتسمت الذعر علي ملامح «ريتال» حين سمعت حديث «مروان» و ارتبكت نبرتها حين قالت 


" ايه دا . هو انت كنت محتاج تليفونك يا عمو.."


" نعم ياختي !!"


هكذا تحدث «مروان» فأجابته «ريتال» بعفوية 


" اصلي كنت زهقانه فلعبت جيم بابجي و فصل شحن و أنا في نص الجيم . "


" بابجي .. الطم ولا اجيب لطامة.."


هكذا صرخ «مروان» فـ ناظرته «سما» بسخط تجلي في نبرتها حين قالت 


" دانا اللي هلطم بحجارة عشان سمعت كلامك و رضيت آجي معاكوا.. انا هنزل اوقف اي عربية ماشية واعرف احنا فين .."


و بالفعل ترجلت من السيارة تنوي العبور للجهة الأخرى فلحق بها «مروان» الذي قال بصراخ 


" استني يا بت .. خدي يا هبلة. تتخطفي هنا. هيؤدوكي الله يخربيتك .."


و لكن فجأة تسمر الإثنان بمكانهم حين شاهدا …….


يتبع….


***************


بسم الله الرحمن الرحيم


🍓الخامس عشر ج٢🍓


تحيا القلوب و تهلك بيد ساكنيها.. ذلك الشخص الذي تضعه في المنتصف بينك و بين روحك هو وحده القادر على ترميم تصدعات وشروخ عمرًا مضى و إعادة بناء عمرًا جديدًا تغلفه السعادة التي ظننتها يومًا مستحيلة. ولكن ماذا لو أصبح هذا الشخص هو قاتلك؟! فـ علي قدر قربه جاءت طعنته الي قلبك نافذه فـ صرت كـ روح مذبوحه ترفرف بين يدي قاتلها تستجدي انقاذًا لدماء بريئة أزهقت على يد حارسها!! حينها يتخطى الألم حدود العقل و يصبح الغفران دربًا من دروب المستحيل …


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


ترجلت من السيارة تنوي العبور للجهة الأخرى فلحق بها «مروان» الذي قال بصراخ 


" استني يا بت .. خدي يا هبلة. تتخطفي هنا. هـ يؤدوكي الله يخربيتك .."


و لكن فجأة تسمر الاثنان بـ مكانهما حين شاهدا 《شيرين》 التي كانت تستقل سيارة يقودها رجلاً ملثماً و بجانبها رجلاً لم يكن يخفي وجهه جيدًا مما جعل الصدمة تغلف ملامح كليهما فتحدثت 《سما 》قائلة باندهاش 

" هي مش دي شيرين ؟؟"


" أيوا هي …"

هكذا أجابها 《مروان 》فـ أردفت باستفهام 

" مين اللي هي راكبه معاهم دول ؟؟"


التفت《 مروان 》يناظرها و قد تبدلت صدمته إلى شفقة كبيرة على تلك الطفلة البريئة التي لا تتذكر ملامح والدها و إن كان لا يستحق هذا اللقب ولكن مهما حدث ففي النهاية صلته بِها لا يمكن تجاوزها 

" معرفش .. بقولك ايه تعالى انا افتكرت طريق مختصر هنروح نجيب لريتال الفستان و نروح .."


التفتت تناظر ملامحه الجامدة والتي تختلف مع طبيعته المرحه فخرجت الكلمات منها متألمه 

" 《شيرين 》أختي بقت تعمل حاجات غريبة أوي أنا حاسه إني مبقتش عرفاها.."


زفر 《مروان》 بتعب قبل أن يجيب

" كلنا حاسين نفس الإحساس 《ياسما.》. معرفش ليه بقت كدا؟"


تباطئت الكلمات على شفتيها و رفرفت بـ رموشها قبل أن تقول بلهجة متوترة 

" يمكن .. عشان لسه بتحب أبيه 《سالم》 و عيزاه.."


" اللي بيحب حد مش بيأذيه و هي أذته و لا يمكن 《سالم》 هـ يسامحها .. موضوعهم خلص خلاص .. وهي عماله تعك و للأسف بتأذينا كلنا من غير ما تحس .."


هكذا أجابها بتمهل فلاقت كلماته صدًى كبيراً بداخلها و أشعلت نيران الذنب بقلبها فقالت بـشفاه مرتعشة 

" 《مروان》 .. كنت . كنت عايزة أقولك على حاجه بس.. توعدني . يعني . إنك تفكر كويس . قبل أي حاجه "


لوّن الترقب معالمه و تنبهت جميع حواسه وهو يقول 

" سامعك.. "


أخفضت رأسها بخزي و انبثقت عبرات الندم من مقلتيها قبل أن تقول بلهجة تقطر حزنًا

" انا غلطت غلطة كبيرة اوي و ضميري مأنبني عشانها و مش قادرة أسامح نفسي …"


*****************


في احد المشافي كانت ترقد روح بريئة تجاهد الموت و تقاتل لاسترداد أنفاس.ٍسرقت منها رغما عنها . عوقبت بأقصى ما يمكن أن يحدث لبشر دون أن تعرف ما ذنبها ؟ 

ما الذي اقترفته حتى تنال هذا المصير على يد من لا يعرف الرحمة .. 

كانت الأجهزة تحيط بهذا الجسد الضئيل الذي تخترقه الأنابيب لتمده بما جعله قادراً على الحياة لمدة تسعة أشهر كانت بهما في غيبوبة تامة لا يتحرك إنشاً واحداً من جسدها . حتى الهواء كان يصلها من خلال جهاز التنفس و بعد أن كانت صيحاتها تملئ المكان بهجة و فرحه انطفأت فرحتها و اندثر بريق الحياة من حولها و خيم الذبول على ملامحها ..

و لأن الشر لا يكتفي و لا يستطيع أن يوقف طوفانه أحد فقد أرادت يد الغدر أن تطال منها تلك المرة أيضا فاقترب هذا الوحش الضخم من أحد الأنابيب التي تغذيها و قام بفصلها واحدة تلو الأخرى حتى يجهز على أنفاسها القليلة المتبقية فما هي إلا ثوانٍ و صدح صوتاً قوياً في أنحاء الغرفة يعطي إنذاراً بأن هناك روحاً توشك على المغادرة إلى خالقها و بعد أن أتم فعلته قام بالتسلل خفية كما جاء دون أن يدري بأن لكل شر نهاية و أن المجرم لا بد من أن يترك خلفه دليلاً مهما احتاط فرب العباد ينزل غشاوة على اعين الظالمين و يمدهم في طغيانهم فيسعون في الأرض فساداً و لكن عدل الله نافذٌ لا محالة 


" الحقونا بنتي بتموووت …'

هرول الجميع إلى غرفة تلك الطفلة التي لم تتعدى سنوات عمرها السابعة عشرة و حاول الأطباء القيام باللازم لإنقاذها و إذا بها بعد ظلام دام تسعه أشهر تفتح عيناها من جديد …


*****************


جاء اليوم الموعود لـ عقد قران أرواحاً شابت خيوطها من فرط الوجع و اندثرت معالمها بين طيات الألم و بالرغم من ذلك بقيت صامدة تنتظر ربما معجزة لـ تخرج من بئر الحرمان الذي ابتلعها لسنوات إلى جنة أعدت للصابرين..


كانت كل دقة بقلبه تهمس باسمها ، تتغني بعشقها علي الرغم من أنه كان دوما رجلاً صبوراً إلا أنه اليوم نفذ مخزون الصبر لديه يريد اجتياز كل تلك الساعات التي تفصله عنها و يختطفها من بين براثن العالم أجمع لـ يتنعم بعشق جارف نبت من بين ضلوعه الصلبة و فؤاده القاسي الذي لم يعرف اللين إلا لأجلها. 


طرق قوي على باب الغرفه أوقفه عن إكمال ربطة لرأّبطة العنق أعطى الإذن بالدخول فإذا به يتفاجأ برؤية 《شيرين》التي كانت تشبه الأموات في خطواتها وهي تناظر حبيبها الوحيد يتجهز للزفاف على أنثى غيرها..


" قالولي احنا مانعينه عنك بالعافيه ابعدي عن طريقه .. بس أنا مقدرتش أبعد و جيتلك بـ رجليا.."


هكذا تحدثت بنبرة تخلو من الروح كـ ملامحها الباهتة فـ أجابها بـ فظاظته المعهودة 

" عشان غبية .. كل دا و متعلمتِش تسمعي كلام اللي أكبر منك.."


انبثقت عبرات هادئة من عينيها وهي تقول بألم 

" مقدرتش.. كان نفسي اشوفك و انت عريس…"


" معنديش وقت أضيعه معاكِ. يالا عشان تجهزي قدامنا نص ساعه بالكتير و نتحرك.."


هكذا تحدث بجفاء فاحتدت ملامحها و شابهت نبرتها حين قالت 

" مستعجل أوي عشان تروحلها ؟"


أجابها باختصار 

" بصراحه اه…"


نجح في إشعال ثورتها بجموده و استفزازه فنفضت ثوب الضعف جانباً و قالت بانفعال

" كفايه بقي . انا عارفه إنك بتستفزني و عايز تعاقبني .. طيب أنا بعترف إني غلطت . بس لحد إمتى هفضل أدفع التمن "


أعاد أنظاره إلى المرآة أمامه و أتقن تعديل ربطة عنقه وهو يقول بجفاء

" الحياة اختيارات و أنتِ اختارتي يبقى تتحملي العواقب.."


" و انت هـ تتحمل عواقب اختياراتك ؟ هتتحمل تعيش مع واحدة زي دي ؟؟ لو فاكر إنك هتبقى مبسوط فـ أنا كنت زيك كدا و جايه دلوقتي  بقولك إنك هتعيش تعيس معاها عمرك كله .. عارف ليه ؟؟ عشان إنت اتجوزتها عند و كيد فيا بس. صح ولا أنا غلطانه ؟؟"


لونت السخرية معالمه و بدا الضجر يقطر من لهجته حين أجابها بفظاظة

" مش هناقشك عشان معنديش وقت بس لو اعتقادك ده هيريحك فاثبتي عليه .. "


كانت تلعب على صبره الذي لم يعد يثق بوجوده فـ اقتربت خطوتين منه وهي تقول بلهجة بها توسل خفي 

" قلبك مدقش غير ليا متكذبش على نفسك. إنت طول عمرك بتقول الحقيقية.."


زفر الهواء المكبوت بصدره دفعة واحدة قبل أن يتحدث بخشونة

" إنتِ بتعملي ليه كدا ؟؟"


تسابقت عبراتها فوق وجنتيها قبل أن تجيبه بنبرة متألمة

" مش قادرة .. حاولت و مش قادرة .. مش هشوفك بتكون لغيري و هسكت!"


تشابهت لهجته مع ملامحه الجامدة حين قال

" دي مشكلتك حليها لوحدك.. انا مش فاضي "


لم يكن أمامها حلاً آخر فـ اخرجت تلك الشفرة الحادة من بين ثنايا قميصها و قالت بنبرة خالية من الحياة

" يبقي زي ما كنت أول حد فتحت عيني عليه أول ما وعيت على الدنيا هتكون آخر حد عيني تشوفه و أنا بفارقها.."


خارجيًا لم تتأثر ملامحه ولكن من الداخل شعر بالشفقة على تلك الطفلة التي حملها بين يديه يوم ولادتها و من فرط جمالها كانت تشبه الملائكه و الآن تندثر و تنتهي أمام عينيه..

" ارمي اللعبة دي من إيدك.. و بطلي جنان."


هكذا تحدث بهدوء أثار جنونها فـ صرخت بقهر

" مش هرمي حاجة .. وهموت عشان ست 《فرح》 تعيش. مش دا اللي انت عايزه؟؟"


احتدت ملامحه و شابهتها نبرته لدى سماعه اسمها

" خرجي 《فرح》 من موضوعنا.. مشكلتك مش معاها.."


" خرجها إنت من بينا. أنا عارفه إنك كنت قاصد تغيظني بيها. و عارفه أن الموضوع قلب جد وإنت مكنش في نيتك أي حاجه من ناحيتها..  كفايه بقى . كسرتني و وجعتني و خدت حقك كدة احنا خالصين ."


هكذا تحدثت بتوسل ولكن ملامحه ظلت على حالها حين قال بفظاظة

" باقي ساعتين على كتب الكتاب و معنديش وقت للجدال في الفاضي. "


أوشك ع الالتفات فـ صرخت بقهر 

" مفيش كتب كتاب.. على جثتي يحصل الكلام دا.."


كان مظهرها مريعًا و عينيها توحي بالجنون و أردفت بصراخ وصل إلى آذان جميع من في المنزل 

" مش هتتجوزها يا 《سالم 》.. مش هـ تتكتب على اسمك واحدة غيري .."


رقت نبرتها حين تابعت

" انا 《شيرين》 حبيبتك.. فاكر وانا صغيرة لما جتلي حمى مين سهر جمبي لحد ما خفيت غيرك ؟؟ مكنتش مطمن عليا غير و انت جنبي .. عاقبتني و انت عارف انت عاقبتني ازاي .. بلاش اقول اللي كان بيحصل قدام الناس دي كلها.. خليه بينا .."


تعاظم الغضب بداخله و تحفزت جميع خلايا جسده لدى سماعه حديثها الذي سوف يصل إلى مناطق محظورة ولكنه لن يسمح لها أن تأخذه إلى هذا المنحنى فقال بقسوة 

" إنتِ هاينه عليكِ نفسك ازاي كدا ؟؟ كل اللي بتقوليه دا مالوش طلب عندي و مش هيأثر عليا و موضوعك بالنسبالي انتهى من سنين .."


تدخلت «همت» التي كانت ترتعب من مظهر ابنتها فصرخت بذعر 

" أبوس إيدك متعمليش كده يا بنتي  .. استني يا 《سالم》 ورحمة أبوك.. مش هتحمل تضيع مني.."


تدخلت 《أمينة》 هي الأخرى قائلة بخوف 

" 《شيرين 》يا حبيبتي. كل شيء قسمة و نصيب و لو كنتِ عايزة تطلقي من الصبح 《سالم 》يطلقك منه و إنتِ ألف مين يتمناكِ دانتِ زينة البنات .. بس إرمي القرف اللي في ايدك دا.. قولها يا《 سالم》"


غرزت الشفرة أكثر في عروق يدها وهي تنظر إلى عينيه بتحدٍ أرهقه كثيرًا فقال بخشونة

" عايزة ايه عشان توقفي الجنان اللي بتعمليه دا ؟؟" 


خرجت الكلمات من شفتيها تزامنًا مع نزول بعض قطرات من دمائها إثر ملامسة الشفرة الحادة ل جلدها الرقيق 

" تقولي إنك بتحبني و إنك عمرك ما هتتجوز 《فرح》 دي …" 


ران صمتاً طويلاً على المكان كانت العيون كلها مُعلقةً عليه بينما كان يطحن ضروسه بغيظ ولكنه أجاب بصرامة على الرغم من أنّ صوته لم يرتفع


" أنا بحب 《فرح 》ومش هتجوز حد غيرها.. لو إنتِ حياتك رخيصة عليكِ تبقى دي مشكلتك.."


تعالت الشهقات حوله فـ احتدت عينيه مُرسلة نظرات تحذيرية أخرست الجميع قبل أن يلتفت متوجهًا إلى الخارج و فجأة تجمد حين سمع تلك الصرخات التي تعالت حوله فالتفت بلهفة وتجمدت عيناه حين رأى الدماء التي تناثرت بكل مكان من يديها التي لم تشفق عليها وقامت بقطع أوتارها بلا رحمة وهي تقول بصوت معذب


" مش عايزة أعيش حياة إنت مش فيها.."


جن جنونه حين رأى ما فعلته و تقدم تجاهها يتشاجر مع خطواته ولكنها أوقفته وهي تضع الشفرة علي عرقها النابض بيدها السليمة وتقول من بين انهيارها 

" لا . خليك .. ارجع مكانك .. روح فرحك .. و خلي الفرح فرحين موتي و جوازك .. "


لأول مرة ترق نبرته حين سمع حديثها الذي لامس شيئًا ما داخله فقال بلين

" 《شيرين》 كفايه بقى .. بطلي اللي بتعمليه دا .. فكري في أمك و أختك . بلاش أنانية . "


تعالت أصوات البكاء حولها و وقعت《 همت》 أرضًا وهي تصيح بقهر 

" حرام عليكِ يا بنتي.. حرام عليكِ اللي بتعمليه فيا دا .. ابوس إيدك كفاية .. متموتنيش بحسرتي .."


انتبهت 《شيرين 》لحالة والدتها و تشتت انتباهها للحظات استغلها هو و قام بالانقضاض عليها و انتزع تلك الشفرة من بين يديها و قام بإخراج منديله و جذب يدها الجريحة و ربطها بإحكام محاولاً التحكم في  الدماء المنسابة منها فإذا به يشعر بها تتهاوى أمام عينيه فـ تلقفتها ذراعيه بقوة حالت دون سقوطها و التفت إلي 《مروان》 صارخًا 

" جهزلي العربية بسرعه .."


أطاعه 《مروان》 بلهفة فخرج حاملًا إياها على كتفه كالعروس فتفاجأ 《سليم 》بما يحدث وقال بصدمة 

" في ايه يا 《سالم》 ؟"


لم يجبه بل تابع هبوطه للأسفل فوجد 《صفوت》 الذي قال بصدمة 

" ايه الدم دا ؟؟ حصل ايه ؟"

" 《شيرين 》حاولت تموت نفسها .. "


هكذا أجابه 《مروان》 فتحدث《 صفوت》 بعملية 

" استنى يا 《سالم》 ..  هوديها المستشفى أنا و 《مروان》 و إنت و 《سليم》 اسبقونا على الجماعة مينفعش نتأخر عليهم و لا حتى نعتذر.."


اقترب 《سالم》 من السيارة و قام بوضعها في الكرسي الخارجي فإذا بها تتعلق بعنقه أكثر وهي تقول بهمس 

" متسبنيش…"


لم يلتفت نحوها إنما التفت فوجد الجميع يقف مشدوهاً بما يحدث فصرخ بأحد الحراس 

" تاخدها توديها عالمستشفى . عمتي هتيجي معاك . و هسيب معاك عربية حراسة طمني اوي ما توصلوا...."


اومأ الحارس برأسه دون حديث و كذلك 《همت》 التي استقلت السيارة بجانب ابنتها و انطلقوا بأقصى سرعة  في حين التفت ناظراً إلى 《صفوت》 وهو يقول 

" انت بالذات مينفعش متجيش معانا.."


أوشكت 《أمينه》على الحديث فنهرها قائلًا بصرامة 

"  و إنتِ كمان يا ماما مينفعش تسيبي 《حلا 》في يوم زي دا.. هي هتبقي كويسه .. يلا معدش في وقت.."


انتهى من إلقاء أوامره و بأقدام تحمل غضبًا مقيتًا توجه إلى الداخل و ما كادت قدماه تخطو خطوتين حتى سمع أصوات السيارات الآتية لأخذ《حلا》 فزفر بقوة فوجد يد《صفوت》 تربت على كتفه بمواساة وهو يقول بصوت خافت 

" عملت الصح يا 《سالم》 . و دايمًا الطريق الصح بيبقي متعب .. ربنا يعينك.."


أيده 《سليم》 الذي أردف مشجعاً 

" اوعى ضميرك يأنبك و لو للحظة . إنت عملت الصح زي ما قالك عمي 《صفوت》 .. وبعدين إنت عريس متسبش حاجة تعكنن عليك .."


أنهى 《سليم》 جملته و اتبعها بغمزة عابثة نجحت في رسم ابتسامة خافتة على ملامحه و التفت الثلاثي إلى استقبال السيارات التي جاءت لأخذ العروس 


كانت نظراتهم تحمل الكثير مما جعل الارتياب يغزو قلب «أمينة» ولكنها لم تعلق بل تابعت صعودها إلى غرفة ابنتها التي كانت اللهفة والترقب تغلفان ملامحها الجميلة فقد بدت متألقة في هذا الثوب الرائع الذي كان يلف قوامها بانسيابية ساحرة و نجحت خبيرة التجميل في رسم ملامحها الجميلة بطريقه هادئة دون أي تكلف مما زاد من جمالها  ولكن ما فائدة الوجه  الجميل حين يكون القلب حزيناً !!

" بسم الله ما شاء الله إيه القمر دا يا 《حلا 》؟؟"


التفتت إلى والدتها وهي تقول بلهفة 

" ماما كان في إيه برة و إيه صوت الخناق  و الزعيق دا ؟؟"

《أمينه 》 بهدوء

" ولا حاجة .. العادي كانوا بيجهزوا العربيات .. متشغليش بالك إنتِ. "


تدخلت 《سما 》التي قالت باستفهام 

" طب هما . ماما و《 شيرين》 جهزوا يعني اقصد هييجوا معانا ؟؟"


التفتت 《أمينة》 إلى 《سما》 التي بدت قمرًا في هذا الثوب الجميل فقالت باستهلال

" الله اكبر . إيه العروسة الحلوة دي .. بت يا سمسم كنتِ مخبية الحلاوة دي كلها فين ؟؟ ياخوفي لا تتخطفي هنا "


ابتسمت 《سماا》 وتنحى توترها جانباً و كذلك 《حلا》 التي احتضنتها بقوة وهي تقول بشجن

" مش عارفه هعيش من غيرها ازاي ؟؟"


《أمينه 》بمزاح 

" هتعيشي ياختي . وهي كمان هتعيش عايزة اطمن عليكوا و اخلص منكوا بقى .. مش هعيشلكوا العمر كله.."


" ربنا يطولنا في عمر حضرتك .. "

" ربنا يخليكِ لينا يا ماما يارب .."


التفت الفتيات تحاوطها بحب كان هناك أضعافه بقلبها

فـ عانقتهن وهي تقول من بين عبراتها 

" ربنا يسعدكوا يارب .. يالا عشان العربيات جت تحت مش عايزين نأخرهم.."


تراجعت 《سما》 تنظر إليها فلم تعطها《أمينة》 الوقت للحديث بل قالت بحزم 

" متشغليش بالك بأمك و بشيرين هجبهم و هنيجي وراكوا إنتِ تخليكِ مع صاحبتك .. لحد ما اليوم ينتهي .. وسيبك من أي حاجة .."


اومأت 《سما》 فتدخلت 《ريتال》 التي قالت بعفوية 

" طب و أنا يا نانا أنا عايزة أركب جنب العروسة مش أنا عروسة صغيرة.."


احتضنتها 《أمينه 》 بحب وهي تقول بحنان 

" دانتِ أحلى عروسة في الدنيا ياقلب نانا . طبعًا تركبي جنب العروسة "


ما أن احتضنتها 《أمينه 》 حتى اقتربت 《ريتال》 من أذنها وقالت بخفوت 

" هقولك علي سر يا نانا عشان إنتِ حبيبتي.. انطي «شيرين» كانت بتكلم حد في التليفون وبتقوله إن أحسن حل إنهم يلعبوا مع 《جنة》 بمحمود الصغنن شويه.. خليهم يلعبوني معاهم بقى عشان انا حبيبتك و قولتلك .."


جحظت عيني 《أمينة》 من حديث《 ريتال》 العفوي و رفعت رأسها تطالعها بصدمة و اجتاح قلبها شعوراً قوياً بالخوف على حفيدها ولكنها رسمت الابتسامة على وجهها وهي تقول بلطف 

" تعالي يا 《ريتا》 معايا عيزاكِ .. يلا اجهزوا عشان هتنزلوا دلوقتي.."


صعد 《سالم》 درجات السلم متوجهاً إلى غرفة شقيقته حتى يأخذها و يسلمها إلى عريسها فتوقف لثوان وهو يناظر طفلتهم الجميلة و مدللتهم التي كبرت وأصبحت امرأة فاتنة و اليوم هو يوم زفافها. انتابه شعوراً غريباً للحظات لا يعرف كنهه وعلى الرغم من تأكده بأن 《ياسين》 شخصاً صالحاً ولكنه وجد شعوراً قوياً من الغيرة يتسلل إلى قلبه يود لو يأخذها بين أحضانه و يخبئها حتى لا يراها في تلك الطلة الرائعة . كان الأمر جديدًا كليًا عليه حتى أنه كلفه بضع دقائق ليتغلب على ما يعتريه و يتقدم من شقيقته يحاوطها بذراعيه بقوة واضعًا قبلة حانيه فوق جبينها و عينيه ترسلان نظرات عميقة جعلت العبرات تتسابق للهطول من عينيها الجميلة فتحدث بنبرة متحشرجة 

" طالعه زي القمر .. "


لم تستطع التحكم في عبراتها و قالت بلهجة خافتة 

" لسه زعلان مني ؟"


أجابها بخشونة 

" مفيش أب بيزعل من بنته.. و إنتِ بنتي .. كدا ولا إيه ؟"


أومأت برأسها وهي تردد بابتسامة خجولة و امتنان 

" كدا طبعًا.. إنت ابويا و اخويا و كل  حاجه ليا يا أبيه .. ربنا ما يحرمني منك أبدًا.."


طوقها بقوة يحاول إخفاء دمعة خائنه تحاول الفرار من بين مقلتيه ولكنه نجح في التحكم بها و قال بلهجة خشنة 

" مهما يحصل أنا جنبك. اوعي في يوم تخافي من أي حاجة أو أي حد و أنا موجود.. خليكِ فاكرة إنك بنت الوزان . و إن العيلة دي كلها تحت أمرك .. سمعاني ؟"


اومأت و عينيها تعده بأن تنفذ وصاياه و شفتيها تؤكدان ذلك الحديث 

" سمعاك.."


فتابع بقلب حنون 

" و بردو عايزك تبقي زوجة صالحة.. مش عايزه يشوف منك غير كل خير. عشان إنتِ بنت أصول و اتربيتي صح .."


أومأت برأسها فتنهد بقوة قبل أن يتأبط ذراعها و يتوجه للأسفل فإذا به يجد《 ياسين》 الذي كان وسيماً بشكل خارق جعل جميع حواسها تتنبه إلى ذلك البطل الذي أتى ليختطفها على حصانه الأبيض ولكن الحقيقة أنها من خطفت قلبه في تلك اللحظة .. فقد كانت أشبه بالحوريات من فرط رقتها و روعتها. التي جعلت ضربات قلبه تقرع كالطبول حتى وصل طنينها أذنيه فلولا وجود 《سالم》 لكان اختطفها إلى أبعد مكان في هذا العالم حتى يستطيع التنعم معها بكل تلك المشاعر الضاريه التي اجتاحته كإعصار ..


مد يده يصافح 《سالم》 الذي صافحه برسمية و تقدم 《سليم》 هو الآخر يتأبط ذراع «حلا» من الناحيه الأخرى و توجه الثلاثة إلى الخارج تاركين 《ياسين 》خلفهم يقف مذهولًا فلم يتسنى له حتى أن يصافحها فالتفت ينظر إلى «صفوت» الذي ابتسم رغماً عنه و اقترب يربت بخفة على ظهره وهو يقول بمواساة

" معلش هانت .. كلها ساعة و نكتب الكتاب و وقتها محدش هيقدر يتكلم.."


و أردف 《مروان》 بسخرية 

" حلقولك حلقة انما إيه كابوريا .."


اغتاظ من حديث 《مروان》 ولكنه تجاهله و قال بذهول 

" هما خدوها و رايحين فين ؟؟ هو مش أنا العريس ؟ هي الناس دي فاهمة غلط ولا إيه ؟"


قهقه 《صفوت》 على مظهره وقال بمزاح 

" إنت اللي فاهم غلط  .. إنت مفكر أنهم هيسبوهالك كدا ؟ تبقى عبيط .."


و أردف 《مروان》 بمزاح 

" كل عيش عشان تعدي يومك احسن ممكن نرجع في كلامنا و ناخدها تاني معانا واحنا مروحين.. "


صاح 《ياسين》 بغضب 

" تاخدوا مين دي مراتي؟"


《مروان》 بتهكم

" لسه يا وحش .. إنت بصمت وريني إيدك كدا ؟ عليها حبر أزرق لا يبقي لسه. و لحد ما تتكلبش و تبصم إنت تحت رحمة جوز الوحوش دول .. يعني تمشي جنب الحيط و تسمع الكلام.."


أنهى 《مروان》 حديثه تزامناً مع علو أصوات السيارات و التي تحركت في طريقها فهرول 《ياسين 》إلى الخارج فتفاجأ بأنهم أخذوا عروسه معهم وذهبوا دون أن ينتظروه.. 


فقهقه  《مروان》 قائلًا بشماتة

" دول نسيوك باين ؟؟ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أول مرة أشوف عريس بيتنسي يوم فرحه .. انا لو منك أجري ورا العربية احدفهم بالطوب "


أنهى كلماته و انخرط في نوبة ضحك أثارت حنق 《ياسين 》الذي قال بغضب 

" عارف أول حاجه هعملها بعد كتب الكتاب إيه ؟"


《مروان》 بسماجة

" إيه ؟؟"

《ياسين》 بتوعد

" هديك حتة علقة .."


قهقه كلًا من 《صفوت》 و 《مروان 》و توجه الجميع إلى السيارات في طريقهم للذهاب إلى الحفل..


***************


كانت مظاهر الفرح في كل مكان تبعث البهجة في النفوس وقد أتقن «عبد الحميد» الاحتفال بذلك العرس على أكمل وجه على النحو الذي يليق بعائلته واستطاع أن يرفع رأس حفيدتاه أمام عائلة «الوزان» التي لاقت استقبال مشرفاً من جانبهم حتى أنه أعطى الأوامر إلى 《عمار》 بالتزام الهدوء و عدم افتعال أي مواجهات مع أحدهم ولكن هيهات فبعد أن تم عقد القران تناول عصاه و قام بالرقص على أنغام الموسيقى الصعيدي و هو يناظر 《سالم》 بتحد تجاهله الأخير فلم يتنحى 《عمار》 بل قام بإلقاء العصا أمامه في دعوة صريحة للنزال .. فلم يجد 《سالم》 مفراً من قبول دعوته و قام بإمساك العصا محاولا أن يجاريه مستخدما قوته البدنية و فطنته فأخذ الأخير يرسل ضربات قوية ردها 《سالم 》إليه بأقوى منها فتعالت الأصوات في مجلس النساء الذي ضم الثلاث عرائس في تجمع جديد من نوعه عليهم ولكنهم تأقلموا مع تلك العادات التي كانت لها رونقاً مختلفاً حتى أنهم اندمجوا بالرقص و الغناء و لكن فجأة صاحت إحدى الخادمات بأن هناك مبارزة في حلبة الرقص بين كل من 《سالم》 الوزان و 《عمار》 فدب الذعر بقلب 《فرح》 التي تذكرت حديثاً دار في الصباح بينها وبين 《عمار》 


عودة لوقت سابق …


" مبروك يا فرح.. "

أجابته بتحفظ 

" شكرًا يا 《عمار》 الله يبارك فيك…"


كانت ملامحه لا تفسر ولكن لهجته كان يشوبها السخرية حين قال 

" يمكن يكون الحديت ده چاي متأخر بس لازمن يتجال.. فكرتي زين يا بت عمي ؟ حاسه إنك اختارتي صوح ؟"


أجابته بقوة انبعثت من عينيها أولا 

" انا مش حاسه أنا متأكدة إني اخترت صح .."


لونت السخرية ملامحه قبل أن يقول بتهكم

" كنت متوكد إنك هتجولي أكده. بس لازمن انبهك أن 《سالم》 ده مش سهل واصل. و لا هو البطل اللي في خيالك .. ده جلبته شينه و جسوته ملهاش آخر.. "

قاطعته بغضب 

" مالوش لازمه الكلام دا يا 《عمار》.."

" له لازمه يا 《فرح》 .. و لازمن تسمعيه عشان ابجي خليت مسئوليتي جدام ربنا .. اللي أنتِ مفكراه عادل و مفيش منه رمى بت عمته لواحد أجل كلمة تتجال عليه أنه مش راچل .. دوجها المر .. اني عارف انك معتحبيش 《شيرين》 دي ولا اني كمان بس الحج لازمن يتجال.. أنه يعچل بفرحه منك ده مالوش معنى بالنسبالي غير أنه بيأدبها عشان اللي عملته زمان . هتجوليلي ايه اللي عملته هجولك أنهم كانوا مخطوبين و هيتچوزوا وهي اتعلجت بصاحبه و حبته "


قاطعته بحدة 

" تبقى خاينه .."

عمار بتأكيد 

" مجولناش حاچه .. عنديكِ حج . بس هو كان چبان و مهموش بت عمته و اللي هيحصلها من الچوازة دي و كل اللي كان في باله أنه يرد كرامته حتي لو هيدهوس على حريمه! "


انكمشت ملامحها بحيرة تجلت في نبرتها حين قالت 

" انا مش فاهمه إنت تقصد إيه ؟ و يعني إيه رماها مش هي حبت واحد و اتجوزته هو ماله؟"


اومأ برأسه فقد شعر بأن الحديث لا طائلة منه فقال باختصار 

" الحكاية دي تبچي هي تحكيهالك انا نبهتك .. الراچل ده مش زي الصورة اللي رسمهاله في خيالك .. الف مبروك يا عروسه.."


عودة للوقت الحالي ..


كانت ترتعب وهي ترى العصا تدور هنا و هناك تخشى من حدوث أي شيء قد يعكر صفو هذه الأجواء ولكن فجأة وجدت ضحكة قويه شقت جوفها حين رأت 《مروان》 الذي جذب حمارا و أخذ يدور به في حلبة الرقص يمسك بيد لجامه وباليد الأخرى عصا وأخذ يدور بها حولهم فتعالت القهقهات من كل حدب و صوب فقد كانت حركاته مضحكة كثيراً و بعد أن انتهت تلك الرقصة اقترب 《عمار 》من أذن 《سالم》 قائلا بوعيد 

" متخافش أكده احنا بنكرمو ضيوفنا في دارنا لكن تارنا بناخده في دارهم .."


لم يهتز 《سالم》 إنشاً واحدًا إنما قال بفظاظته المعهودة

" مابحبش الرجالة لما ترغي كتير الرغي دا للحريم. وريني آخرك.."


《عمار 》بتوعد و نظرات حانقة

" جريب .. هتشوفه جريب .."

" يبقى مترغيش كتير.. اعمل وانت ساكت. وانا مستنيك.."


أنهى كلماته و توجه يجلس بين أقاربه لحين انتهاء الحفل الذي دام لساعات بدت دهرا عليه فلم يعد يحتمل و توجه إلى 《عبدالحميد》 قائلا بخشونة

" حاج 《عبد الحميد》 كفايه بقي احنا ورانا سفر  .. و معاد الطيارة فاضل عليه ساعتين يدوب نلحق نجهز .."


" مانت اللي مراضيش تسمع الكلام. جولتلك خليكوا اهنه الليلة انت الي راكب دماغك .."

《سالم》 بصرامة

" الموضوع دا منتهي . الجدال فيه مضيعه للوقت. وزي مانت اتمسكت بالأصول و العادات احنا كمان لينا اصولنا و عاداتنا .. "


《عبد الحميد》 باستسلام 

" اللي تشوفه.. اتفضل معايا انت و 《سليم》 عـ المندرة علي ما العرايس يچهزوا ."


أشار 《سالم》 الي 《سليم》 الذي تبعه إلى الداخل و ما هي إلا لحظات حتي جاءته 《أمينة》 تحمل محمود الذي لم تتركه يداها طوال الحفل تخشى عليه مما أخبرتها به 《ريتال》 و للحظة أرادت إخبار 《سالم》 بما حدث ولكنها لم ترِد تخريب اليوم أكثر فيكفي ما حدث قبل أن يأتوا إلى هنا فاقتربت منه تحتضنه بقوة وهي تقول بجانب أذنه 

" ربنا يسعد قلبك يا ابني .. عروستك زي القمر .."

احتضنها 《سالم》 بقوة قبل أن يقول بحنان 

" ربنا يحفظك لينا يا ست الكل .."

قبل كفها باحترام و كذلك فعل 《سليم》 الذي قال بمرح

" إنتِ نستيني يا حاجة ولا إيه ؟ مانا بردو عريس ولا 《سالم》 واكل الجو .."


ابتسمت 《أمينة》 بحب انبعث من نظراتها أولا قبل أن تترجمه شفتيها حين قالت 

" انا اقدر انساك دا انت حتة من قلبي .. ربنا يسعدك يا حبيبي .. و يحفظك إنت و عروستك . خطفت قلبي بجمالها و رقتها. الله يعينك عليها .."


ابتسم 《سليم》 و داخل ضلوعه رفرف قلبه من كلمات والدته التي التفتت إلى 《تهاني》 و أخبرتها شيئًا بجانب أذنها فتفهمت الأخرى و انصرفت بعد أن قدمت التبريكات فالتفتت 《أمينة》 إليهم قائلة

" هنسبقكوا احنا و انتوا اتعشوا و هاتوا عرايسكوا و تعالوا ورانا .."

تحدث 《سالم 》بصرامة

" هنمشي كلنا سوى . عشا إيه و كلام فارغ إيه ؟ "

《أمينة 》بهدوء

" معلش عشان خاطري و خاطر 《فرح》 . الناس جهزوا عشا بناتهم .. لسه شويه علي معاد الطيارة. احنا هنروح عشان عمتك وصلت المزرعة هي و 《شيرين》 خليني أروح اطمن عليها مينفعش أسيبها كدا . " 


زفر 《سالم 》بحنق فتدخل 《سليم 》قائلا 

" ماما عندها حق يا 《سالم》 .. خليهم هما يسبقونا.."

" تمام زي ما تحبي .."


وصلت 《تهاني》 قائلة بسعادة 

" 《سالم》 بيه .. اتفضل على الجاعه العشا جاهز و العروسه كمان مستنياك هناك .."

اومأ 《سالم》 و كل ذرة من كيانه تنتفض ترقبا و لهفة و شوقا لرؤيتها ولكنه حافظ علي ثباته كالعادة و توجه بخطى وقورة إلى حيث ارشدته 《تهاني》 و حين دلف إلى الغرفة تسمر بمكانه وهو ينظر إلى تلك التي كانت تقف بآخر الغرفة تخفض رأسها في خجل غير قادرة على رفع عينيها أمامه فخرج اسمها همساً من بين شفتيه 

" 《فرح 》.."


لم تستطع إلا أن ترفع رأسها إثر همسه الذي استقر بمنتصف قلبها الذي ارتج حين طالعته بهيئته المهلكة و وسامته الفذة المطعمه بقوة بدائيه أضفت هالة من السحر الذي جعلها كالمنومة مغناطيسيا حين وجدته يفتح ذراعيه على مصراعيها في دعوة صريحه لتستقر بداخل أحضانه فما كان منها إلا أن حملت فستانها و بأقدام تحمل اللهفة و العشق معا هرولت إليه ليتلقفها بذراعيه القويتين اللتين حملتها برفق و ضمتها إليه بقوة وهو يدور بها في الغرفة في لحظة بدت خاطفة و رائعة للحد الذي جعل القلوب تحلق في صدريهما وهي تشدو بعشق جارف أثر في كليهما


فأغرقهما في لجة من المشاعر العاتية التي جعلت صدربهما يعلوان  ويهبطان بسرعة من فرط التأثر. 

فقد كان عناقا كاسحا يفيض بأحاسيس فريدة لا تستطيع الأحرف وصفها أو التعبير عنها. 

أخيرا استطاع إخراجها من بين أحضانه و قام بوضع قبلة قوية على مقدمة رأسها بثّ فيها عشقه الجارف و شوقه الضاري هامساً بصوته الأجش 

" أخيرًا…"


كانت كلمة بسيطة تعبر عن مرارة انتظاره حتى تأتي تلك اللحظة التي تصبح بها ملكه على الرغم من أن قلبه أعلن ملكيته لها منذ زمن ولكن أن يصبح الأمر واقعا كان هذا شعوراً رائعاً لم يستطع وصفه ..


رددت كلماته هامسة بقلب يطرق كالطبول و أنفاساً لاهثةً 

" أخيرًا .."

رفع رأسه يحتوي وجهها بين يديه بحنان لا يعرف إلى أي جهة تسرب إلى قلبه و سددته نظراته كسهام مشتعله بنيران من عشق استقرت في أعماق فؤادها و جاءت كلماته لتطيح بكامل ثباتها حين قال 

" الحاجة قالتلي عروستك حلوة أوي يا 《سالم》 بس طلعت بتضحك عليا.."


ارتعب قلبها و انكمشت ملامحها من كلماته وقالت بلهفه 

" ليه ؟ مش حلوة ؟"

ارتسمت على ثغره ابتسامة عاشقة وهو يقول بخشونة

" حلوة بس ؟؟"


ارتخت ملامحها و تدللت قائلة

" حلوة لأي درجة ؟؟"

أجابها بهمسه القاتل و عيناه اللتان كانتا تلتهمان تفاصيل وجهها التهاما

" حلوة لدرجة تخطف العين والقلب.."


لم تستطع الصمود أمام عينيه و كلماته العاشقة أكثر من ذلك فأخفضت رأسها تستند على صدره وهي تهمس باسمه بخفوت جعل جميع حواسه تتنبه و أطاح بثباته فقام بوضع قبلة شغوفه فوق رأسها متبوعه بزفرة قوية تعبر عن صعوبة تحكمه بنفسه ثم قال بجانب أذنيها بصوته الأجش 

" يالا عشان نروح على بيتنا… "


كانت الكلمة وقعها مميزا خاصة حين قالها بتلك الطريقة فلونّ الخجل ملامحها و نبت محصول الطماطم الطازج فوق وجنتيها فتحدثت هامسة

" هروح أغير هدومي و أجيلك على طول.."


" تؤ تؤ .. أنا عايزك تيجي زي مانتِ كدا . عايزك تدخلي البيت بالفستان.."


هكذا تحدث بنبرة آمرة فرفعت رأسها باندهاش فأردف بخفوت 

" فرحتي هتكمل لما تدخلي البيت و أنتِ عروسه .. عايزك تمليه 《فرح》 زي ما مليتي حياتي.. "


شعرت بما تحمله كلماته من معاني رائعة انشرح لها قلبها و شعرت بالسعادة و كأنه نبت لها جناحان فأومأت برأسها وهي تقول بخفوت

" أوعدك هعمل كل اللي أقدر عليه عشان أفرحك…"


ابتسم بحنان قبل أن يقول بوقاحة

" طب مش يالا بقى .. أنا مش ضامن نفسي أكتر من كدا.. و عايز الفستان يوصل سليم .. "


أخفضت رأسها خجلاً قبل أن تقول بخفوت 

" بطل بقى .. "


كان خجلها لا يقاوم فقام بجذبها إليه بغتة دون أن يعطيها الفرصة لاستيعاب ما يحدث لتجد نفسها خاضعة بين براثنه يبثها عشقاً جارفاً فاض به القلب فأخذ ينهل من حلاوة ريقها و شهد برائتها بلا هوادة حتى شعرت بنفسها كأنها محمولة على أجنحة السحاب تطوف بها في سماء الحب الذي كان يسكبه على ثغرها و ملامح وجهها بروية و كأنه يرسم بشفاهه لوحة شغوفة لامرأة احتلت عالمه و اخترقت حصونه التي كانت أكثر من مرحبة بسطوتها التي فرضتها علي روحه أولًا ثم تغلغلت لتعلن امتلاكها لكيانه العاصي الذي أعلن توبته أمام قدسية عشقها ..


*****************


في الجهة الأخرى كان 《سليم》 يجلس بانتظارها و كل خلية في جسده ترتجف ترقبًا و لهفة و قد كان يحضر نفسه لكل رد فعل قد يصدر منها و بداخله يتضرع إلى الله لِئَلا يحدث أي شيء قد يعكر صفو هذا اليوم ولكنه تفاجأ بتلك التي دخلت إلى الغرفة عابسة تناظره بغضب ثم توجهت تجلس على الأريكه المقابلة له وهي تقول بسخط


" أنا مش جعانة اتعشى إنت بس في الانجاز عشان عايزة أروح لمحمود .."


كانت تريد إغضابه ولكنها لا تدرك بأنه اتخذ عشقها مذهبا لحياته و لأجلها  قرر أن يتعلم الصبر و يسلك دربه المليء بالأشواك حتى لو كان مستقرها قلبه و ذلك لأجل أن يظفر بها في النهاية لهذا ابتسم وهو يقول بمزاح

" وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. "


انكمشت ملامحها بامتعاض فتابع بسخرية

" أنا عريس النهاردة لو مش واخده بالك "


اغتاظت من حديثه فقالت بتهكم

" عريس .. اه . خدت بالي ابقي اعدل البيبيون عشان معووج..'

《سليم》 بسخرية 

" هو بردو اللي معووج !"


" تقصد إيه ؟؟" 

" لا ولا الحاجه .. نعدله .. نقلعه خالص لو مضايقك .."


قال جملته و قام بجذب الربطة المحيطة بعنقه و شرع في فك أزرار قميصه فهبت من مكانها قائلة بصدمة 

" إنت مجنون بتعمل إيه ؟" 


حاول قمع ابتسامه كبيرة من الظهور على شفتيه وقال ببراءة 

" حسيت إن البدلة مضيقاكِ فقولت أقلعها. أنا أساسًا اتخنقت منها.."


اغتاظت من حديثه فهبت غاضبة

" إنت بتهزر صح .. دمك تقيل على فكرة . و أنا مش في المود فأحسنلك متضايقنيش .."


نصب عوده وتقدم منها و عينيه ترسلان سهاماً مشتعلة استقرت في قلبها الذي أخذ يطرق بعنف خاصة حين سمعته وهو يقول بخشونة

" مين مزعل حبيبي ؟"


أجابته بغباء 

" حبيبك مين ؟"


لونت ملامحه ابتسامة عابثة و أجابها بخفوت

" عايز أقول كلمتين مهمين .."


" اللي هما ؟"

هكذا أجابته بأنفاس لاهثة بعد أن وصلت إلى آخر الغرفة فأصبحت سجينة بينه و بين الحائط فأجابها بلهجة خافتة ولكن عميقة

" شكلك زي القمر .. أحلى عروسة شافتها عيني .. "


كانت تريد افتعال أي شجار معه تريد الصراخ بأنها خائفة ولكنه لا يعطيها الفرصة لذا ابتلعت ريقها بصعوبة قبل أن تقول بتلعثم 

" أنا مش عروسة.."


" أومال الفستان اللي دافع فيه دم قلبي و المهر اللي جدك مخيطني فيه و الشبكة اللي بقد كدا كل دول لمين؟ لأمي ؟؟ دانا فلست من ورا الجوازة دي .." 


رغمًا عنها ارتسمت ابتسامة علي شفتيها جراء حديثه فقام بمد يديه لتحيط بخصرها في حركة مباغتة و قال بلهجة قوية شغوفة اخترقت دفاعاتها


" إنتِ أغلى و أحلى حاجة في الدنيا.. جنتي اللي مهما حاولتي تطرديني منها هفضل أعاندك و أحاول لحد ما تبقي بيتي.. "


كانت كلماته مخيفة بقدر روعتها تشعل بداخل قلبها نيراناً لا تقوى على تحملها فصارت تتململ بين أحضانه تحاول الإفلات من بين براثنه فقام باستخدام قوته البدنية ليلصقها بصدره وهو ينظر إلى داخل عينيها مباشرة و أنفه يلامس أنفها الذي خرج تنفسه حارا يشبه حرارة كلماته حين قال بهمس أجش


" كل اللي عايزة تعمليه اعمليه. عبري عن غضبك و خوفك و وجعك بالطريقه اللي تريحك بس اوعي تقللي من نفسك أبدًا؟ دي الحاجة الوحيدة اللي مش هسمحلك بيها.." 


أومأت برأسها دون أن تكون لها القدرة على الحديث ولكن كانت عيناها تحكي له حكايات عن روعة ما جعلها تشعر به في تلك اللحظة لذلك اكتفى بهذا و قام بجذب كفها واضعا قبلة قوية في راحته  أراد بها تمجيدها و تدليلها و اخبارها بأنها شيئًا يخصه فقط..


*************


بعد مرور قرابة الساعتين احتل كلًا منهما مقعده في الطائرة التي ستقلهم إلى الديار بعد هذا اليوم الطويل فما أن تربعت على مقعدها حتى زفرت بتعب و سرعان ما توقف التنفس بحلقها حين وجدته قريبا منها بتلك الدرجة التي جعلت دماءها تفور بعنف داخل أوردتها لتصب فوق خديها الشهيين فابتسم بهدوء على مظهرها و مدى شفافيتها قبل أن يقول بخشونة 

" نامي الكام ساعه دول أكيد تعبتي النهاردة. "


أنهى جملته ثم تراجع بهدوء بعد أن أنهى مهمته في ربط حزام الأمان الخاص بها مما جعلها تطلق تلك الأنفاس المحبوسه بصدرها فقد كانت تخشى أن يقوم بتلك الفعلة المروعه حين أعطاها تلك القبلة الساحقة التي اجتاحت جميع حواسها كإعصار قوي للآن لم تنجو من عواقبه. فأي نوم يمكن أن يزورها وهي تُحيي تلك العواطف الجياشة التي فاض بها القلب 

" مش حاسه إني جايلي نوم .. لما نوصل أبقى أنام براحتي .."


التفت يناظرها بملامح جادة أدهشتها و خاصةً حين أجابها بفظاظة

" لا نامي دلوقتي أحسن ."


أجابته باندهاش

" بس أنا مش جايلي نوم.. اعمل إيه ؟"

" هاتيه يا 《فرح》 غمضي عنيكِ و هاتي النوم بأي طريقه عشان لما نوصل آخر حاجة ممكن تعمليها هي إنك تنامي.." 


أنهى كلماته و نظر إلى الجهة الأخرى ليعطيها الفرصة كي تستوعب كلماته التي ما أن وصل معناها إلى رأسها حتى شعرت أنها تذوب في مكانها كقطعه ثلج من فرط خجلها الذي تجلى بوضوح على معالمها و التقمته عيناه الخبيرة فمال برأسه إلى جانب عنقها ممررًا أنفه بطريقه خاطفة علي شحمه أذنها قبل أن يقول هامسًا 

" شفتي بقى إن أنا قلبي عليكِ.. "


لم تجبه فقد انتفضت خلايا جسدها تأثرًا بهمسه القاتل و اقترابه منها بأنفاسه الساخنة التي لفحت بشرتها الرقيقة لترسل حزمة من الوخزات الموترة التي داهمت جسدها دفعة واحدة فاطاحت بثباتها فحاولت إغماض عينيها تستجدي النوم علها تهدئ من روعها قليلا …


علي الجانب الآخر كانت 《جنة》 تنظر من النافذة تحاول  تجنب ذلك الذي كانت عيناه  تتلقفان كل حركة تصدر منها و كأنه شعر بمدي خوفها من ركوب الطائرة فقام باحتضان كفها حين أوشكت الطائرة على الإقلاع مقربا رأسه من أذنها ليلقي عليها سؤالاً كان كارثيا بالنسبة لها 

" قوليلي يا 《جنة》 هو الروچ دا بيتمسح على طول و لا بيسيب أثر ؟"


التفتت تناظره بصدمة لونت ملامحها بطريقه مضحكة و خرج صوتها جافًا حين قالت 

" و انت مالك ؟؟"


اجابها ببراءة مزيفة 

"لا اوعي تكوني فهمتيني غلط أنا اقصد عشان ميتعبكيش و إنتِ بتمسحيه.."


ناظرته باستنكار و قالت بتهكم

" لا متشغلش بالك انت .. انا بعرف امسحه كويس.."

" طب كويس .. انا بطمن بس .."


" لا اطمن .."

أردف بنفس اللهجة العفوية 

" طب قوليلي الدبابيس اللي في شعرك دي بتاخد وقت بقى في فكها ولا بتتفك علي طول ؟"


اغتاظت من أسئلته التي تعلم أن وراءها غاية غير شريفة فقالت بحنق 

" و انت مالك بردو ؟"


أجابها بملامح بريئة تتنافى كليًا مع عينيه اللتان كانت تشاكسها 

" أبدًا والله أنا بس عايز اطمن إنك متتعبيش في فكها . طبعا لو احتاجتي مساعدتي أكيد مش هتأخر ..'

" لا شكرا . انا هعرف اتصرف.."


تبدلت ملامحه و ارتسمت ابتسامة عاشقة على ثغره و قال بهدوء و هو يشير إلى النافذة 

" طب على فكرة احنا طايرين … بصي كدا .."


تفاجئت بأن الطائرة أقلعت دون أن تشعر و قد نجح في أن يشتت انتباهها عن هذا الخوف العظيم الذي كان يغزو قلبها فلم تستطع منع ضحكتها الجميلة التي أضاءت ملامحها في تلك اللحظة فكانت أروع هدية له في هذا اليوم …


************


بعد مرور بضعة ساعات اصطفت السيارات أمام مزرعة عائلة الوزان فتنفس الجميع الصعداء و قام 《سليم》 بحمل جنة النائمة بين ذراعيه متوجها للأعلى بعد أن أعطى غمزة إلى 《سالم》 الذي ابتسم بشماته على أخيه الذي يعلم كم سيعاني مع تلك الجنة و التفت ناظرا إلى 《فرح 》التي كانت تحاول الترجل من السيارة بفستان زفافها الثقيل فتوجه إليها لمساعدتها و بالفعل قام بإنزالها من السيارة ممسكا بكفها إلى أن وصل إلى باب المنزل و ما كادت أن تخطو خطوة إلى الداخل حتى قام بحملها بخفة بين يديه فشهقت بخفوت وقالت بصدمة 

" 《سالم》 بتعمل ايه ؟"

أجابها باختصار و هو يتوجه إلى الأعلى 

" شايل عروستي . متفرجتيش على أفلام عربي قبل كدا ؟"


《فرح》 بخجل 

" حد يشوفنا ؟"

" إيه المشكله . خليهم يتعودوا .."


أجابها بسلاسة جعلت خجلها يزداد أكثر فتحدثت بخفوت 

" انت مجنون بجد.."

أجابها بتخابث وعينين يطل منهما العبث 

" اتقلي ع الجنان لسه هتشوفيه على أصوله.." 


خبأت رأسها في كتفه إلى أن وصل بها إلى غرفته و ما أن أنزلها و هم بإغلاق الباب تفاجئ ب«همت» التي وقفت أمامه وهي تقول بنبرة جامدة 

" أنا عارفه إنه مش وقته بس لازم اتكلم معاك ضروري .."


للحظة كاد أن تخرج من فمه مسبة بذيئة و لكنه تحكم بها في آخر لحظة و قال بجفاء

" شايفه  الوقت مناسب يا عمتي ؟؟"

" لو يتأجل الكلام مكنتش جيتلك يا ابن اخويا.."


" الصبح نتكلم ."

هكذا تحدث من بين أسنانه فعاندته قائله 

" مينفعش .. استأذن من عروستك الحلوة عشر دقايق بس ."


تدخلت 《فرح》 التي قالت بذوق 

" خلاص يا 《سالم 》مفيش مشكلة شوف الحاجه همت عايزة إيه .."


اغتاظ من تدخلها في الحديث فحدجها بنظرة قاتلة قابلتها بتوسل أغضبه أكثر و قام بالالتفات صافقا الباب خلفه وهو. يقول بجفاء

" تعالي ورايا عالمكتب .."

تبعته همت إلى الأسفل فتوجهت 《فرح 》إلى غرفة الملابس لرؤية أشياءها و ما أن خطت خطوة إلى الداخل حتى تفاجئت بالباب الذي فُتح بقوة و تلك العينين اللتان تناظرها بقهر و شراسة تجلت في نبرتها حين قالت 

" مبروك يا عروسه .."


*******************


في الأسفل وقف 《سالم 》ينتظر همت بغضب دفين لم يرهبها بل انفجرت في وجهه وهي تصرخ 

" ليه عملت كدا في بنتي ؟"

" عملت إيه في بنتك ؟"

أجابها بهدوء جعل غضبها يتزايد فصرخت بانفعال

" قبلت تجوزها الحيوان دا ليه ؟"

تشابهت ملامحه مع نبرته الجامدة حين قال 

" بنتك كانت عيزاه و كانت بتحبه أنا ذنبي إيه ؟"

" بنتي كانت عيله صغيرة متعرفش حاجة . بس إنت دا صاحبك و كنت تعرف عنه كل حاجة .. ليه قبلت عليها كدا ووافقت ترميها في النار بايديك؟"


تعاظم الغضب بداخله و احتدت نبرته حين قال 

" أولا محدش كان هيقبل يتجوزها غيره . عشان الهانم كانت دايرة معاه في كل مكان .و كانت بتفتخر بعلاقتها بيه .. ثانيا أنا مكنتش أعرف عنه حاجة أكيدة كله كان كلام يحتمل الصدق و الكذب "


صرخت بقهر

" بس طلع حقيقة ..'

" وليه مطلقتش منه و صبرت كل الوقت دا معاه ؟"

هكذا سألها بجمود فاحتارت للحظات كيف تجيبه ولكنها اهتدت الي الخداع فقالت بغضب

" عشان كان جابرها.."

لونت السخرية معالمه و شابت لهجته حين قال 

" منطق بردو .. طيب تمام اهي اتخلصت من إجباره  من الصبح هطلقها منه في حاجة تاني؟"

" بالسهولة دي ؟"


أجابها بفظاظة

" أسهل مما تتخيلي . لسه عندك حاجه تقوليها ؟"

تجمدت للحظات قبل أن تقول بتوتر

" 《شيرين》 محتاجة لدكتور نفسي .."

أجابها بنفاذ صبر 

" البلد مليانه .. الدكتور اللي ترتاح معاه تروحله .. ها إيه تاني ؟؟"


شعر بأنها تريد المماطلة فحسب و خاصة حين قالت 

" إنت الموضوع بالنسبالك هين عشان هي متهمكش يا خسارة كنت فاكراك هتقدر تبقى كبير زي أبوك .."


قاطعها بعنف قلما يظهر عليه 

" ولا كلمه زيادة.. خلي بالك من كلامك واعرفي إنى لحد دلوقتي صابر على كل العك اللي حصل بس انا قلبتى وحشة.. وصبري نفد يعني اللي جاي كله بحساب .. كلامنا انتهي .."


أنهى كلماته و توجه إلى الأعلى و هو يزفر بحنق فقد سأم كل ما يحدث و كل تلك الألاعيب و المؤامرات يريد هدوء و راحة لن يجدهما سوي بقربها. فسار ينهب درجات السلم بقلب يحمل اللهفة و الشوق معا إلي أن وصل إلي غرفته فدخل مباشرة دون أن يطرق الباب فوجدها جالسة على مخدعهما بعينين ناظرة إلى البعيد فاقترب منها بلهفة وامتدت يديه تقبض على خاصتها جاذبا إياها لتسكن بين ذراعيه ولكنه تجمد بمكانه حين شعر بها تدفعه و عيناها ترسلان سهاما حادة تشبه حدة كلماتها حين قالت 

"  ابعد عني.. "


صدمة قوية خيمت عليه حين تفاجئ برد فعلها فهمس باسمها بنبرة لأول مرة تبدو ضائعة 

" 《فرح 》.."

نفضت توسله و قالت بلهجه قاسيه و ملامح جامدة 

" اوعى تقرب مني أو تفكر تلمسني …"


يتبع……

تكملة الرواية من هناااااااا


لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا

الرواية كامله الجزء الثاني من هنااااااااااا 

مجمع الروايات الكامله1 اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع