رواية بين غياهب الأقدار الجزء الثاني من رواية( في قبضة الأقدار) الفصل السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرين بقلم نورهان آل عشرى
رواية بين غياهب الأقدار الجزء الثاني من رواية( في قبضة الأقدار) الفصل السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرين بقلم نورهان آل عشرى
بسم الله الرحمن الرحيم
🍓السادس عشر ج٢🍓
أن تنثر بذور الأمل في طريق أحدهم ثم تجنيها صبارًا قاسيًا تنغرز أشواكه في قلبك دون رحمة فـ تنزف العين ألمًا و يحترق الخَلَد قهرًا و انت مُكبلًا بأصفاد الكبرياء الموقدة التي تسلب روحك المذبوحة حقها أن ترفرف وهي تنازع أنفاسها الأخيرة. فتبدو من الخارج صلبًا ، شامخًا لا تتأثر بينما داخليًا تحتضر بصمت. فقارب نجاتك اتضح بأنه مثقوب و بيرق العشق انكسرت رايته من موضع ثقة اندثرت أمام خذلان عظيم لم تتوقعه يومًا….
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
🍁
توجه إلى الأعلى و هو يزفر بحنق فقد سأم كل ما يحدث و كل تلك الألاعيب والمؤامرات يريد هدوء و راحة لن يجدهما سوى بقربها. فسار ينهب درجات السلم بقلب يحمل اللهفة و الشوق معًا إلي أن وصل إلي غرفته فدخل مباشرة دون أن يطرق الباب فوجدها جالسة على مخدعهما بعينين شاردة ناظرة إلى البعيد فاقترب منها بلهفة وامتدت يديه تقبض على خاصتها جاذبًا إياها لتسكن بين ذراعيه ولكنه تجمد بمكانه حين شعر بها تدفعه و عينيها ترسلان سهامًا حادة تشبه حدة كلماتها حين قالت
" ابعد عني.. "
صدمة قوية خيمت عليه حين تفاجئ برد فعلها فهمس باسمها بنبرة لأول مرة تبدو ضائعة
"فرح .."
نفضت توسله و قالت بلهجة قاسيه و ملامح جامدة
" اوعى تقرب مني أو تفكر تلمسني …"
تنبه لحديثها الغريب و ملامحها الأشد غرابة بينما جذبته تلك الشعيرات الحمراء التي تسللت إلى حدقتيها لتمتزج مع حدائقها الزيتونية فجعلتهم مشتعلتان بصورة صدمته ولكنه سرعان ما تغلب على صدمته و قال بنبرة خطرة
" أنتِ سامعه بتقولي ايه؟"
من بين أنفاس ملتهبه و قلب مُحترق أجابته بنبرة حادة كالسيف
" سامعه .. و ياريت انت كمان تكون سامع.."
كانت حالتها مزرية مما جعله يتجاوز بشق الأنفس عن حديثها المُهين وقال بنبرة أهدأ
" حصل ايه يا فرح .. انا لسه سايبك من شويه مكنتيش كدا.."
" بيتهيألك .. "
" يعني ايه ؟"
ابتلعت جمرة حارقة بجوفها قبل أن تجيبه بجمود
" يعني لازم نحط النقط عالحروف من اول يوم عشان كل واحد يعرف حدوده و ميتخطهاش.."
زفر الهواء المكبوت بصدره دفعه واحدة محاولًا التغلب علي شياطين الغضب التي تنهش بداخله ثم قال بقسوة
" هاتي اللي عندك .."
تلك اللحظة الفاصلة التي ستلقي بها بين فوهات الجحيم كانت اصعب لحظات حياتها ولكنها جاهدت علي أن تكون كلماتها منمقة بلهجة باردة تخفي خلفها أعظم خيبة نالتها طوال حياتها
" عارفه ان كلامي هيضايقك و يمكن متتوقعهوش. بس دي الحقيقه .. الجوازة دي بالنسبالي وسيلة هروب من جوازة تانيه مكنتش متقبلاها و اكيد انت فاهم قصدي .. عارفه انك ممكن تكون شايفنى وحشة بس انا مش هقدر أخدعك و اوهمك بمشاعر مش موجودة من الأساس.."
كانت لحظة توقفت بها جميع حواسه عن العمل .. حتي أنه لأول مرة بحياته يعجز لسانه عن التعبير يفقد السيطرة على انفعالاته التي ظهرت على السطح بشكل لم تتوقعه فقد امتقع وجهه و اكفهرت معالمه بينما كست الخيبة نظراته بصورة قاتلة.. ولكم تألمت علي مظهره ولكنها كان أول من أبتدي و كما يقولون البادئ اظلم .
ضحكه قويه ابعد ما تكون عن المرح شقت ملامحه التي بدت مريعه في تلك اللحظة مما جعلها تتجمد لثوان في مكانها و خاصةً حين قست نظراته وهو يقترب منها خطوتين قائلًا بقسوة
" الكلمتين دول سمعتك بتقوليهم قبل كده لـ واحد اهبل عشان تنقذِ كبرياءك المغرور .. "
شهقت متفاجئة من حديثه ف تابع بنبرة اقسى تشبه عينيه التي ارعبتها في تلك اللحظة
" لكن أنا مش أهبل و اقدر اعرف اللي جواكِ كويس اوي.. و لآخر مرة هسألك حصل ايه؟؟ و قبل ما تفكري تكذبي اعرفي اني ممكن اوريكِ وش عمرك في حياتك ما تخيلتيه مني.. "
حاولت أن تبدو قوية ولكن رغمًا عنها اهتزت نبرتها حين قالت
" معنديش كلام اقوله…."
" انطقي حصل اية وانا تحت ..؟"
صرخ بها بصوت ارعدها بمكانها فخرجت منها شهقة قويه متبوعه بثورة انهيار نابعة من عينيها التي أفصحت عن عبرات غزيرة و شفتيها التي خرج الحديث منها كالطلقات حين صرخت به
"مُصر اوي تعرف في ايه ؟؟ يبقي روح أسأل الست شيرين بتاعتك اللي اتجوزتني عشان تنتقم منها .. انا بالنسبالك كنت كوبري عشان ترد كرامتك قدامها و تاخد حقك لما فضلت صاحبك عليك.. كذبت عليا في كل حاجه حتي مشاعرك و كل دا عشان خاطرها. صح ولا انا غلطانه .."
ازدادت ملامحه قتامة و اسودت عينيه غضبًا حتى أن عروق رقبته كادت أن تنفجر في تلك للحظة فبدا كالوحوش المُرعبة و خاصةً حين همس
" شيرين.. "
" ايوا شيرين .. حب الطفوله . مش كانت خطيبتك ولما خانتك كرامتك مقبلتش عليك تكمل معاها و عشان تردلها الضربة جوزتها لواحد انت عارف انه مريض . بس دا طبعًا كان منتهي السعادة بالنسبالك عشان عارف أنه مش هيقرب منها… بحييك بصراحه ابهرتني.."
كانت الكلمات تمزق جوفها و العبرات تجرح عينيها التي كانت تبكي دمًا كان مصدره قلبها النازف و لكنها تفاجئت حين سمعته يقول بوعيد
" و لسه .. هبهرك اكتر .."
ألقى كلماته وخرج من الغرفه و بملئ صوته صرخ قائلًا
" شيرين …."
ارتجت جدران القصر جراء ندائه المُرعب ولكنه لم يكتفي بل توجه إلي غرفة شيرين التي كاد الرعب أن يقضي عليها وهي تمسك بالهاتف فما أن سمعت نداءه حتى قالت بذعر
" سالم .عرف .. معقول قالت له .. دا ممكن يموتني.."
جاءتها الإجابة على الطرف الآخر
" انكرى .. اوعي تقولي حرف واحد . كل حاجه مترتبلهت مظبوط و افتكري انك لو لخبطي هتضيعينا كلنا و متنسيش تحذفي كل حاجه من ع التليفون…"
لم يتسنى لها الإجابه فقد تفاجئت بذلك الوحش الذي اقتحم غرفتها وهو يشملها بنظرات جحيمية جعلتها ترتجف و خرجت شهقه قويه من جوفها حين اقترب يقبض على رسغها بعُنف يجرها خلفه عبر الرواق حتي وصل إلي غرفته على مرأى ومسمع من الجميع ولكنه لم يأبه لـ تساؤلاتهم بل دخل صافقًا الباب خلفه قبل أن يلقي بها ارضًا وهو يقول يزأر بقوة
" حالًا دلوقتي عايز اعرف كل حرف قلتيه في الاوضة دي وانا مش موجود…"
كانت ترتجف أرضًا تمسك بيدها الجريحه مُفرقة نظراتها المذعورة بينه و بين «فرح» المتجمدة بمكانها و التي تعالت شهقتها حين سمعت «شيرين» وهي تقول
" أبدًا حكتلها ع اللي حصل زمان .. و ازاي غلطت في حقك و طلبت منها تحافظ عليك.. ومتضيعكش من ايدها زي مانا عملت "
"ايه ؟؟ ايه الكذب دا ؟ "
هكذا تحدثت «فرح» مستنكرة فلمعت عيون «شيرين» بشر و قالت بانكسار
" كذب ايه يا فرح ؟؟ هو دا اللي حصل ."
«فرح» بانفعال
" حصل ايه يا مجنونه أنتِ مين اللي طلبت مني احافظ عليه و مضيعهوش من ايدي ؟؟ "
التفتت «فرح» اليه و قد شعرت بأنها وقعت في فخ مُحكم وقالت بارتباك
" دي كذابة .. "
" و أيه الصدق ؟؟"
هكذا سألها باختصار فسحبت نفسًا قويًا داخل رئتيها قبل أن تقوم بسرد ما حدث قبل نصف ساعة من الآن ..
عودة لما قبل نصف ساعه
" مبروك يا عروسه.."
التفتت «فرح» مصدومة حين سمعت ذلك الصوت الملئ بالشر و لكنها لم تتفاجأ إذ كانت صاحبته «شيرين» فهي تعلم بأن تلك لفتاة تضع عينيها علي زوجها و تريد التفريق بينهم وهي لن تسمح بذلك لذا التفت بهدوء تناظرها بجمود شابه نبرتها حين قالت
" في حد يدخل علي حد كدا أوضة نومه ؟ مش المفروض بنخبط قبلها ولا انا غلطانه؟"
اغتاظت «شيرين» من اجابتها و تشدقت ساخرة
" اوضه نومه!! ياه اوام لحقتي اعتبرتيها اوضه نومك؟ دانتِ سريعة اوى ."
لم تلتفت لسخريتها بل تابعت بجمود
" أوضة نوم جوزي تبقي أوضة نومي .."
اقتربت منها «شيرين» قائلة بسخرية
" جوزك ! تعرفي انك صعبانه عليا اوي يا فرح .."
رفعت «فرح» احدى حاجبيها بتهكم فتابعت «شيرين» بث سمومها إذ قالت بلهجة منكسرة
" اه والله صعبانه عليا . يمكن لو اتقابلنا في ظروف غير دي جايز كنا بقينا أصحاب. بس للأسف انا و أنتِ وقعنا في حب راجل واحد. و من سوء حظنا أن الراجل دا حبه عامل زي الوشم بينطبع في القلب مبيخرجش غير بالدم و القلب لما ينزف تبقى نهايته الموت.."
قالت جملتها الأخيرة و رفعت يدها الجريحة لتريها ذلك الضماد الذي يلفها فـ انكمشت ملامح «فرح» بغضب حاولت قمعه قدر الإمكان وهي تقول بجفاء
" و مين قال اني عايزة حبه يخرج من قلبي ؟ و بعدين بعد كلامك دا انا اللي مفروض تصعبِ عليا مش العكس.."
«شيرين» بوقاحة
" لا العكس.. عشان للأسف أنتِ دخلتِ في لعبة انتقام أنتِ مش قدها.. انتِ تعرفي ان انا و سالم كنا مخطوبين؟؟ و كنا خلاص هنتجوز."
«فرح» باختصار
" عرفت و بصراحه ميهمنيش ايه حصل في حياته قبل ما يعرفني اللي يهمني حياته بعد ما دخلتها.."
قاربت على الوصول لمبتغاها فقالت بانكسار
" كلها واحد يا فرح .. وجودك مغيرش كتير .. سالم بيحبني . ومش بس بيحبني دا بيعشقني لدرجة انه اتجوزك بس عشان ينتقم مني و يكسرني و يردلي اللي حصل زمان .."
كان حديثها مسمومًا للحد الذي جعل قلب «فرح» ينتفض بداخلها ولكنها ظاهريًا بدت هادئه حين اجابتها
" أنتِ تقريبًا الجرح أثر علي دماغك ولا ايه ؟"
تجاهلت «شيرين» حديثها و استرسلت في بث سمومها
" كبرت و اتربيت على ايده مكنتش اعرف راجل غيره. دايمًا كانوا يقولوا شيرين لسالم و سالم لشيرين و كان هو بالنسبالي كل حاجه في حياتي . سالم طول عمره حنين بس مابيحبش يبين . جامد من بره بس ارق انسان من جواه و لإني كنت صغيرة و مش فاهمه فكرت جموده دا قسوة وبقيت ادور عـ الحنيه اللي مفتقداها معاه بره . لحد ما دخل شيطان بينا ادالي كل اللي كنت مفتقداه مع سالم. كنت مراهقه اقل كلمة بتأثر فيا و هو مكنش يعرف يعمل حاجه غير أنه يتكلم . و أنا طبعًا صدقته . و من حظي السيء سالم عرف. و شاف بعنيه.. شافني راكبه معاه العربيه. و خارجه معاه . كانت خروجه بريئه جدًا جايبلي فيها ورد و بيقول انه بيحبني . بس طبعًا بالنسبة لسالم كنت وقعت في المحظور .."
انبثقت دمعه حقيقيه من عينيها مسحتها بطرف اصبعها قبل أن تكمل
" اليوم دا اتحولت حياتي لجحيم .. سالم يومها ضربني قلم لسه معلم في قلبي . و راح لبابا و خالي و قالهم أن متقدملي عريس و اني موافقه عليه. و أجبر أحمد أنه يتقدملي .. و اجبرني اني اوافق . عملت المستحيل عشان يسامح لكنه رفض بالرغم من اني سمعته بيبكي عشاني لكن كبريائه منعه أنه يكمل معايا. الحقيقه انه كان شهم و داري عالموضوع و محدش عرف اللي حصل غير ماما و مرات خالي بعد كدا و طبعًا انتقامًا له منعتني اني اجي البيت بعد ما اتجوز. وفعلًا حصل .. طبعًا هتسأليني و تقولي ازاي هو اتحمل تكوني لواحد تاني غيره لو هو بيحبك .. اقولك انا .. احمد كان عنده ضعف جنسي . و تعب في القلب يمنعه أنه يقربلي . و سالم كان عارف دا عشان كدا جوزنى له وهو مطمن .. اتصدمتي صح ؟؟"
كانت «فرح» تقف مشدوهة لا تقوى علي الحديث أمام حديثها ولكن ما زاد من صدمتها حين قامت «شيرين» بمد تلك الورقة أمام عينيها و التي ما أن التقطتها حتى شاهدت ذلك التقرير الذي يفيد بأنها مازالت عذراء
" متستغربيش.. بس الوجع يعمل اكتر من كدا .. و أنا وجعته. و وجعته اوي كمان.. و مش زعلانه منه انا استاهل اكتر من كدا. و اتحملت بهدله ومرمطه من شخص مريض بالنقص اللي عايز يعوضه بأنه يزلني طول الوقت عشان عارف اني مقدرش ارجع لأهلي .. بس اللي كان بيهديني لما كنت بعرف ان سالم بيسأل عني .. كنت بتأكد اني لسه في قلبه.. علي فكرة كان بيسأل مروة. الي قابلتوها في شرم . يوم ما قالها أنه هيخطبك.. كان قاصد أن الكلام يوصلني .."
كانت الكلمات كـ طلقات نارية استقرت في منتصف قلبها الذي كان ينازع للبقاء حيًا فخرج صوتها مبحوحًا حين قالت
" كل ده ميهمنيش . و مش مجبره أصدقه . يعني قصتك تخصك . لكن أنا واثقة أن سالم بيحبني دلوقتي. و شخص عاقل زيه عمره ما هيتجوز لمجرد أنه يضايق حد و اللي حصل دا ميدينهوش في حاجه انك تبقي خاينه دا عيب فيكِ مش فيه ."
نجحت في غرس سهم اهانتها جيدًا فتجاوزت «شيرين» عن تلك الإهانة وقالت بنبرة لينة
" عندك حق خيانتي متقللش منه. بس موضوع ثقتك في حبه دا أنتِ فعلًا غلطانه فيه .. و علي الرغم اني فعلًا مكنتش عايزة اوجعك بس انا هسمعك بودانك سالم وهو بيعترف لي بمشاعره . "
قامت بجذب هاتفها و تشغيل مقطع صوتي له حين كانت تمسك الشفرة و تهدده بأنها ستقطع شرايين يدها
" وحياة اغلى حاجه عندك تجاوبني حتي لو مش هتكون ليا .. و حتي لو جوازك هيكون في موتي بس عايزة اعرف الحقيقة انت حبيت فرح فعلًا ؟؟"
كانت اللحظة الفاصلة بين سؤالها و إجابته مُرعبه و و الاكثر رعبًا حين سمعته يقول
" لا ماحبتهاش .. لو عايزة تعرفي الحقيقه انا محبتش حد غيرك. "
صدح صوت «شيرين» المُتألم
" يعني هتتجوزها بس عشان تأذيني؟"
جاءها صوته القوي الذي قضى على أحلامها دفعة واحدة حين قال بفظاظة
" ايوا.. هتجوزها عشان اوجعك . زي ما وجعتيني و زي ما قضيت سنين بتعذب و أنتِ في بيت راجل غيري جه وقتك عشان تتعذبي أنتِ كمان و أنتِ شيفاني معاها.."
صرخت «شيرين» بقهر
" بس دا ظلم .. حرام . طب هي ذنبها ايه؟"
اجابه قاسية خرجت من شفتيه حين قال
"حظها السيئ رماها في سكتي . و دلوقتي معدش في وقت للكلام معاد فرحي قرب و عروستي مستنياني.."
أغلقت «شيرين» التسجيل الصوتي تزامنًا مع سقوط «فرح» علي المخدع خلفها فقد خارت جميع قواها و انهار عالمها فوق رأسها فقط كان هو.. صوته. فظاظته . قسوته التي رأتها سابقًا.. انهمرت عبراتها ممزوجه بنزيف روحها التي اشتهت الموت بكل جوارحها في تلك اللحظة. و اقشعر جسدها حين شعرت بيد «شيرين» التي تربت على كتفها في مواساة مزيفة تشبه كلماتها حين قالت
" مش قولتلك صعبانه عليا . دخلتي في حرب مش قدها.. و للأسف أنتِ الضحية الوحيدة. بس صدقيني أنا كمان بعاني لدرجة اني حاولت اموت نفسي قدامه . وعلى الرغم من أنه قلبه كان بينتفض خوف و لهفه وهو شايلني يوديني المستشفى إلا أنه مقدرش يقاوم قدام جبروته.. و كمل الفرح للآخر . "
لم تستطيع أن تخرج حرفًا واحدًا من بين شفتيها فقط نظرات ضائعه معذبة و قلب ينتفض مذبوحًا بخنجر الغدر الذي لم تتوقعه منه ابدًا ..
" انا قولت اللي عندي عشان مقدرتش اشوفك مخدوعه اكتر من كدا. و صدقيني مش عارفه ايه الحل . و بتمني من ربنا أنه ينزل رحمته علينا احنا الاتنين. عن اذنك .."
عودة للوقت الحالي…
انتهت من سرد ما حدث بأكتاف متهدله وأنفاس مقطوعة وعينين تناظره بتوسل سرعان ما تحول لصدمة حين سمعت «شيرين» تقول
" ايه الهبل دا ؟ فويس ايه ؟ أنتِ بتألفى ؟"
التفت «سالم» ينظر إلي «شيرين» التي أتقنت رسم الصدمة علي ملامحها وهي تفرق نظراتها بينهم فتحدث قائلًا بخشونة
" تسجيل ايه اللي بتتكلمي عنه ؟"
«فرح» بانفعال
" أسألها.. كانت هنا و فتحت موبايلها و سمعتهولي و انت بتقولها انك بتحبها و اتجوزتني عشان تنتقم منها.."
ارتسمت السخرية على ملامحه حين تذكر إجابته علي ذلك السؤال وما أن أوشك على الحديث حتى تحدثت «شيرين» بلهجة تقطر ألمًا انهمر من بين عينيها أولًا
" يااه.. هو أنتِ متخيلة أنه لو قالي كدا انا كنت سبته يجيلك ؟؟ "
التفتت تناظره بعينين شامته تتنافى مع لهجتها المعاتبة حين قالت وهي تتقدم منه
" شفت بقي انك زيي معرفتش تختار .. و أن كلنا معرضين اننا نغلط.. "
كانت لهجته قاطعة كالسيف حين قال
" شفت.. !"
خرج صوتها جريحًا حين همست باسمه
" سالم…"
رمقها بنظرة حوت القسوة و الألم معًا ثم التفت إلي «شيرين» قائلًا بصرامة
" ارجعي اوضتك .."
اومأت برأسها باستسلام قبل أن تتوجه الي باب الغرفة وحين فتحته حانت منها التفاته شامته الي «فرح» متبوعه بابتسامه ماكرة استقرت بقلب تلك التي كانت كل خلية بها تنتفض ندمًا و وجعًا على غبائها و وقوعها كالشاة في هذا الفخ المحكم بعناية…
" هو في كده؟ في شر في الدنيا كدا؟"
كان سؤالا يحمل الجواب بين طياته ولكن الإجابة القاتلة جاءت منه حين قال
"بعد الي شفته منك من شويه اقدر اقولك ان كل حاجة ممكنة في الدنيا دي.. "
***************
كانت تقف بمنتصف الغرفة لا تعلم ماذا عليها أن تفعل كل خلية بها تنتفض ذعرًا فقد غادر أهلها و بقت وحدها في مواجهته ولكنها مواجهة لم تكن عادلة فقلبها و روحها ينتميان إليه فأي جهة عليها أن تقاتل ؟ و بأي سلاح ستقاتل فكل شئ خاضع وبقوة لعشقه الجارف .
" هتفضلي واقفه عندك كتير ؟"
أخرجها من أفكارها صوته الخشن فهي لم تنتبه للباب حين انفتح و اطل منه يطالع عروسه الجميلة التي كانت شاردة تتطلع امام النافذة غافله عن قلبه الذي ارتج بين ضلوعه حين رآها بثوب العرس كانت مثال للفتنة والجمال الذي لم ينقصه ضياع نظراتها وهي تطالعه فقد بدت شهية مغوية وهو ليس بناسك ليقاوم فاقترب منها بخطوات ثقيله زادت من رهبتها فـ تراجعت خطوة للخلف و كادت أن تتراجع الأخرى لولا يديه التي امتدت تقبض على رسغها تجذبها لـ تصطدم بسياج صدره الخافق بعنف بين ضلوعه .
" هتهربى تروحي فين ؟"
أنفاسه كانت حارقه علي وجهها مما جعل الدماء تفور في أوردتها و تندفع الى خديها الشهيين بقوة فنبت محصول التفاح على وجنتيها مما أشعل بـ جوفه نيران الرغبة الممزوجة بالشغف فانحني ناثرًا شغفه فوق خديها تباعًا فجاء صوتها ضعيفا مبحوحًا حين قالت
" لو سمحت ابعد ."
لم يتزحزح من مكانه بل علي العكس امتدت يديه تحاوط خصرها وهو يقول بصوت أجش
" تؤ.. مسمحتش.. و مش هسمح تبعدي.."
تعلقت عينيها بعينيه إثر سماعها كلماته التي اخترقت قلبها و ودت في تلك اللحظة لو تخبره بأنها لا تريد الابتعاد أبدًا ولكن أبت كرامتها عليها و حاولت رسم الجمود حين قالت
" مش بمزاجك . احنا متفقين أن الجوازة دي مش بالتراضي و أنها مجرد . مجرد تصحيح للأوضاع الغلط اللي حصلت .."
كان يعلم بأن طريقهما طويل و لكن غمرة العشق جرفته رغما عنه فـ تراجع عنها و طافت عينيه علي وجهها الجميل و عينيها المتألمة و قال بجفاء
" اللي عايزله تصحيح فعلًا هو تفكيرك الغبي.. "
اغتاظت من حديثه فـ اندفعت غاضبة
" مسمحلكش تهيني و خليك فاكر اني بنت الوزان يعني لا انت ولا اي حد يقدر يعملى حاجة. "
نجحت في إثارة غضبه بجدارة فزفر بقوة قبل أن يقول بقسوة
" عارفه يا حلا . أنتِ محتاجه تقويم و تربيه من اول و جديد . و اسم الوزان بتاعك دا مبيهزش فيا شعره. فـ مالوش لزوم تفكريني بيه عشان دي اسوأ حاجه فيكِ. "
انكمشت ملامحها بصدمة من إهانته لها و لعائلتها فخرجت الكلمات من فمها دون احتراز
" انت اتجننت ؟"
وضع يده حول كتفها يجذبها لتقف معه أمام النافذة فوجدت العمل في الاسفل علي قدم وساق فشدد من يده الممسكة بأعلي كتفها وهو يقول بقسوة
" شايفه كل البنات الي بتشتغل تحت دي ؟ كلهم ولاد ناس بسيطه اوي بس بنات متربيه. البنت فيهم قبل ما بتروح بيت جوزها أهلها بيعلموها ازاى تحترمه. وبناءًا عليه هو كمان بيحترمها ويقدرها. "
انهى جملته و التفت يقف أمامها يناظرها بجمود شابه لهجته حين أردف
" الموضوع مش بالاصل و لا بالفلوس و لا باسم العيلة .. المتربي متربي و انتوا اخر حاجه بتفكروا فيها في عيلتكوا هو موضوع التربية دا. "
كانت اهاناته كطلقات الرصاص التي استقرت في صدرها
دون رحمة فـ نزفت عينيها وجعًا قويًا اغتال جسدها دون رحمة فامتدت يديه تزيح عبراتها بحنان ظهر كوميض خافت في عينيه و نفته شفتيه حين تابع بقسوة
" متزعليش اوي كدا .. ربايتك عندي. انا ياسين وفيق عمران جوزك اللي هيخليكِ تفكري في الحرف قبل ما تنطقيه. و تحطي نفسك مكان الناس قبل ما تجرحيهم.. "
كان قلبه ينتفض ألمًا علي مظهرها و يعنفه على ما تفوه به ولكن كان لابد له من إعادة تقويمها فهو يعلم جيدا مدى تمردها وهو لن يقبل بذلك. و لكنه قلبه لم يعد يحتمل رؤيتها هكذا فاردف بجفاء
" يلا يا عروسه عشان تنامي.. الف مبروك .."
***************
انحني يضعها برفق فوق المخدع وعينيه تطوف علي وجهها المُحمر بفعل النوم و ملامحها الهادئه التي كانت مثالًا للبراءة الممزوجة بجمال صارخ تعجز إرادته القوية علي مقاومته .. لم يكن رجلًا يهتم للنساء الجميلات ولم يخطفه جمال احداهن من قبل ولكن تلك المرأة تجذبه بكل شئ بها. يشعر بأنه أمامها أعزل لم يستطيع مقاومة توغلها إلى داخله بتلك الطريقة التي احتلته . صار كل شئ به ينطق باسمها. ختمت قلبه العاصي بعشقها فصار يلهث حولها دون تعب .
لأجلها تعلم فنون الصبر الذي لم يكن يطيقه. فقد كان سريع الغضب قليل الكلام والآن بجانبها يصبح حملًا وديعًا لا يبغي شئ سوي رضاها.
كان قريبًا منها بدرجة كبيرة لم يصل إليها من قبل عينيه تبحر فوق تقاسيمها بشوق و شفتيه التي اقبلت علي وجهها تنثر عشقه فوق ملامحها بقبلات متفرقه تشبه الفراشات التي تتمايل بخفة علي الورود.
و حين وصل إلي شفتيها توقفت جميع حواسه عن العمل و تعالت دقاته حتى صارت كطبول الحرب. نعم كانت حربًا ضارية بين قلبًا اضناه الشوق و تعاظمت بداخله الرغبة التي ولدها عشقه الجارف . و بين عقله الذي كان ينهره و يدق نواقيس الخطر فوق مسامعه عن ارتكابه خطأ قد يكلفه الف خطوه للخلف في علاقتهما.
و لكنه أخيرًا بعد صراع مرير قاتل أخفض رأسه ساندًا جبهته فوق ذقنها وهو يقول بأنفاس مقطوعة و قلب ممزق
" يارب . اديني الصبر من عندك. عشان مضعفش أبدًا.."
بشق الأنفس استطاع التحرك من فوقها بعد أن قام بتعديل وضعها حتي تبدو مرتاحه في نومتها ولكن تملكته الصدمة حين التقمت عينيه رفرفة رموشها و التي تدل علي استيقاظها. فخر قلبه يحمد الله علي تحكمه في نفسه فقد كان قاب قوسين أو أدني من التهامها لولا أنه استمع لصوت العقل و تراجع بآخر لحظة .
اغمض عينيه بتعب و بخطٍ متلهفة توجه إلى المرحاض و ما أن أغلق الباب حتي اخرجت نفسًا قويًا من داخلها فقد كانت تحبس أنفاسها بصعوبه حين شعرت به قريب منها الى تلك الدرجة و هوى قلبها بين قدميها وهي تتخيل أن يقوم بـ إرغامها علي فعل شئ لا تريده و لم تكن مستعدة له .
و جاهدت بقوة التحكم بذكريات سيئه كادت أن تظهر علي السطح لتعيد شعور مقيت تجاهد علي نسيانه دومًا و فيما أوشكت علي أن توقفه عما ينتوي فعله تفاجئت بصوته الممزق وهو يتضرع الى الله أن يلهمه الصبر..
شعور غريب و مميز اجتاح قلبها في تلك اللحظة فهذا الراجل يقاوم نفسه و رغباته فقط لأجلها. يستطيع بسهولة أن يأخذ مبتغاه و لكنه ابتعد! اي الرجال هو ؟
بل كل الرجال هو .
هكذا صدح صوت قلبها الذي لأول مرة منذ وقت طويل يستكين هكذا.. و يشعر بأنه في الطريق الصحيح . الان أدركت أنها فعلت الصواب بزواجها منه. فهي آمنة معه. ولكن يبقي تلك الندوب التي لازالت تشوه روحها و لكنها ستقاوم . لأجله و أجل طفلها ستقاوم حتي مرضها اللعين لأجلهما..
صوت كريه اخترق اذنها و كان لرسالة نصية على هاتفها فقامت بالتوجه الي الحقيبة الموضوعة على الطاولة و التقاط الهاتف و بيد مرتعشه فتحت تلك الرسالة فخرجت منها شهقة قويه حين رأت تلك الصورة الوحيدة التي كانت تضمها مع حازم مرفقة برسالة مسمومة
" قبل ما تترمي في حضنه. افتكري انك كنتِ في حضن اخوه قبله.."
و في نهاية الرسالة رسمه لـ نيران مشتعلة فـ سقط الهاتف من يدها تزامنًا مع وصول «سليم» الذي تفاجئ من مظهرها فهرول إليها قائلًا بلهفه
" مالك في ايه ؟"
خرج اسمه همسًا مستنجدًا من بين شفتيها
" سليم …"
احتوت كفوفه وجهها وهو يقول بخشونة
" مالك يا قلب سليم ؟"
تساقطت عبراتها بقوة و توقفت الكلمات علي أعتاب شفتيها و دون حديث ارتمت بين ذراعيه تشهق و تبكي بقوة افزعته فصارت يديه تهدهدها كالطفل الصغير و داخله لا يعلم هل يفرح لـ لجوئها إليه أم يغضب لمظهرها و لكونه يجهل ما حدث و دون أن تكون له الفرصة للحديث تعالت الأصوات و الصرخات حولهم فانتفضت مذعورة بين أحضانه فحاول تهدئتها قائلًا
" اهدي يا حبيبي .."
" ايه الصويت دا ؟"
هكذا استفهمت فتركها و توجه إلي النافذة فهاله مظهر الحريق الآتي من الملحق فالتفت يخاطبها و هو يهرول للخارج
" حريق في الملحق.."
سقط قلبها ذعرًا بين ضلوعها و وقعت عينيها على تلك النيران المرتسمة في الهاتف بجانب تلك الحروف المسمومة و خرج صوتها مرتعبًا حين صرخت قائلة
" متسبنيش يا سليم .."
***************
قاتل ذلك الألم الذي تشعر به وأنت تقف أمام شخصًا ظننته ذات يوم بوابتك لعبور واقعك المظلم إلى آخر مشرق فإذا بك تجده يسحبك نحو أعماق الجحيم واضعًا إياك في مواجهة أمام اسوأ صفاتك و التي ظننت يومًا بأنك استطعت التغلب عليها.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
كانت تناظره بألم ولأول مرة بحياتها تعلم معنى أن يعض الإنسان أصابعه ندمًا.. بيدها وضعت ديناميت ناسف في علاقتهما فانفجر بوجهها محدثًا آلامًا عظيمه بين جنبات صدرها. ولكنه كان هو! تقسم أن هذا صوته. نعم لم يكن مُفبركًا أو مزيفًا تعلم لكنات صوته حتى مخارج الحروف تحفظها عن ظهر قلب ..
أي حيرة لعينه وقعت هي ؟ ماذا يحدث يجب أن يكون هناك تفسيرًا منطقيًا
فجأة هبت من مكانها متوجهه الي ذلك الذي كان يقف أمام النافذة ينظر إلى السماء بقلب ينفطر ألمًا يتضرع الي خالقه أن يخفف عنه وجعًا ينخر عظامه دون رحمة.
كان صامتًا لا يقوى على الحديث لا يعلم كيف سيلتفت و ينظر إليها دون أن يحتجزها بين قضبان ذراعيه ؟؟
كان يهرول يسبقه قلبه ليرتمي بأوجاعه دفعة واحدة بين أحضان عشقها. كان ينوي لأول مرة بحياته خلع ثوب الكبرياء جانبًا و التنعم بكل شئ معها. كان سيكشف لأول مرة عن وجهه الآخر وجهه العاشق. سيعري روحه أمامها و يخبرها ماذا تعني له ولكنه تفاجئ بخذلان قاتل. نال قلبه و آدمي روحه و اهلك كبرياؤه كل ما تبقى منه جسد أجوف يقاتل حتي ولا ينهار..
" سالم.."
حروف اسمه من بين شفتيها نقشت وجعًا من نوعًا آخر فوق جدران قلبه الذي كان يود لو يلتفت مرتميًا بين أحضانها ولكن على عكس ما يشعر ظل متجمدًا في مكانه لم يلتفت إليها فاقتربت منه بخطٍ مُتباطِئه تقف أمامه وهي تقول بألم
" صدقني هي فعلًا سمعتني فويس ليك بتقول الكلام دا.."
" لسه بتكذبِ.."
هكذا قالها بجمود فـ صرخت بقهر
" اقسم بالله ما بكذب .."
التفتت تنظر إلي المنضدة و قامت بجلب كتاب الله و وضعت يدها فوقه وهي تقول بتأكيد
" بحق من انزل هذا الكتاب حصل .. سمعتني فويس ليك بتقول انك بتحبها هي و اتجوزتني عشان تنتقم منها.."
كانت فعلتها عظيمة ولكن وجعه أعظم فخرج صوته جريحًا حين قال
" ماشي . هصدقك . هعتبر أنها فبركت فويس ليا. قلبك مقالكيش أنه مش انا ؟؟"
انكمشت ملامحها بألم قبل أن تقول من بين عبرات حزينة
" كنت أنت .. انا عارفه صوتك .. انا كنت هموت لما سمعته .. انا مش عارفه ده حصل ازاي ؟ انا هتجنن يا سالم هتجنن.."
اخرج الهواء المكبوت بصدره دفعة واحدة و تحدث بملامح حيادية لا تعكس شعوره
" خلصت يا فرح .. اللي حصل حصل.. "
سقط قلبها بين صدرها رعبًا حين سمعت كلماته و بشفاه مرتعشة تحدثت
" لا مخلصتش.. انا. انا. غلطت . يعني . معرفش اللي حصل حصل ازاي . بس .. هي خدعتني. يمكن انت قولت كده في لحظة غضب منها قولي و أنا هسامحك .."
" مقولتش…"
هكذا صرخ غاضبًا من إصرارها على إلصاق تلك التهمة به ظنا منه بأنها تريد الهرب من ذنبها فأردف بقسوة
" لما اقول محصلش يبقي محصلش . "
صرخت بقهر
" ايه اللي محصلش يا سالم ؟ ايه بالظبط اللي محصلش . الماضي ولا الحاضر ؟ "
تحدث بجفاء فقد بلغ غضبه الذروة
" الماضي ميخصكيش . مش من حقك تسألي عنه.. اللي يخصك تعرفيه انها فعلًا وقفت قدامي و سألتني اتجوزتك ليه ؟ بس إجابتي متستحقيش تسمعيها… "
كانت نظراته أشد قسوة من كلماته فهمست متوسلة
" سالم.."
"أنتِ عندك حق . اللي سمعتيه حقيقي . و الفويس اللي معرفش طلعتي بيه منين دا حقيقي . و لو عايزة تطلقي حالًا و تصححِ غلطك انا جاهز…"
شهقه قويه خرجت من جوفها إثر كلماته القاسية فقد اوقعها للتو بين شقي الرحي والقي بها في صحراء حارقة تتلظى بنيران تحاوطها من كل حدب و صوب دون أن يرف له جفن من الشفقة و حين أوشكت علي الحديث تعالت الصرخات حولهم في كل مكان فاندفع «سالم» الذي ما أن رأى تلك النيران التي تصاعدت فوق سقف الملحق حتى هرول للخارج دون أن يكلف نفسه عناء الإلتفات إليها فهرولت هي الأخرى خلفه فوجدت الجميع في حالة من الهرج و المرج في الخارج فاندفع سالم و بجانبه مروان الي الملحق فتقابلا بالحرس في الخارج يحاولون إطفاء الحريق الذي لا يعلمون كيف اندلع ؟
و بعد مرور ما يقرب الساعه كانوا بالفعل قاموا بإطفاءه بعد أن نال منهم التعب مبلغه توجه الرجال الثلاثه الي المنزل وما أن خطوا الي الداخل حتى صاح «مروان» في «سالم»
" سالم ايدك اتحرقت ولا ايه ؟ "
تكالب التعب الجسدي مع الانهاك العاطفي الذي كان يعيشه فلم يشعر بوجع ذلك الحرق الذي نال من يده اليسرى فجميع الحرائق لا توازي نيران قلبه المشتعلة و خاصةً حين وقعت عينيه عليها تطالعه بندم وحسرة تجاهلهما و طافت عيناه علي الجميع ثم توجه إلي الاعلى بجمود و ملامح تنذر بأن من يقترب منه سينال عقابًا قاسيًا. فتابع الجميع صعوده بصمت و علي الرغم من كل خوفها لم تتحمل أن تتركه هكذا و هرولت الي الاعلى خلفه فوجدته يحاول فك قميصه بيده السليمة فاقتربت منه تحاول مساعدته و ما أن أوشكت يدها علي ملامسته جاءها صوته القاطع كالسيف
" اياكِ .. "
شهقه خافته خرجت من جوفها إثر كلمته الصارمة و تعاظم الخوف و الألم بصدرها حين التفت يناظرها بملامح لم ترها هكذا من قبل و نبرة قاسية تماما كـ نظراته حين قال
" متفكريش تقربي من مكان انا فيه.. "
" سالم .."
قاطع حديثها و لم يهتم لـ عبراتها المنسابه كالأنهار على خديها وقال بقسوة
" الدريسنج فيها سرير هتنامى فيها. و من هنا ورايح تتجنبيني. مفهوم؟"
" ارجوك خليني اعالج جرحك…"
جذب قميصه من فوق جسده بعنف وقام بإلقائه على الأرض و هو يصرخ بزئير افزعها
" مفهوووم…"
تراجعت بصراخ خوفًا من بطشه فقد كانت هذه النسخة الاشرس التي تراها منه والتي لم تكن تتوقع وجودها علي الإطلاق فـ حاوطت نفسها بذراعيها وهي ترتجف قائله بـ شفاة مرتجفه
" مف . مفهوم.."
تجاهلها و توجه بخطٍ ثابته إلي المرحاض تاركّا إياها فريسة لذئاب الندم و الألم و الحسرة فكانت روحها ضحيه لكل ذلك فخطت إلى حيث نفاها و ارتمت على السرير وهي تنتحب بكل ما أوتيت من قوة…
************
" كل حاجه تمت زي ما اتفقنا و اكتر كمان.."
هكذا تحدثت «شيرين» بنبرة قاتمه فجاءها صوت «ناجي» الي قال ساخرًا
" يعني العرسان هيقضوا ليلة كحلي النهاردة.."
«شيرين» بسعادة
" سالم اه. سليم معرفش.."
قهقه بشر قبل أن يجيب
" و سليم اكتر منه. "
" ليه انت عملت ايه ؟"
تجاهل الإجابة قائلًا
" متشغليش بالك .. المهم دلوقتي سما.."
لم تكد تجيبه حتي تفاجأت بباب غرفتها الذي انفتح بوساطة «أمينة» التي قامت بإغلاقه خلفها بعنف و تقدمت بقوة لا تعلم من اين جلبها جسدها الواهن و قامت برفع يدها و هوت بصفعة قاسية فوق خد «شيرين» التي لم تتوقع ما حدث فـ تراجعت للخلف إثر تلك الصفعة التي اتبعتها «أمينة» بسم كلماتها حين قالت
" لو مفكره انك جايه عشان تهدي البيت دا فلا دا بعيد عن خيالك يا بنت ناجي.."
شهقت «شيرين» بقوة فتابعت «امينة» بوعيد
" فكراني مش هفهم.. فكراني مش هعرف .. كنتِ ناويه تعملي ايه في العيل الصغير اللي لسه حتة لحمة حمرا ؟؟ هاه .. ردي عليا؟"
" أنتِ بتقولي ايه؟"
هكذا تحدثت بذعر فأجابتها «امينة» بقسوة
" بقول الي سمعتيه. و هتجاوبيني عليه دلوقتي قبل ما اطلع بروحك. كنتِ عايزة تعملي في ايه ؟ و لما لقتيني خدته معايا في حضني روحتي ولعتي في الملحق؟"
«شيرين» بصدمة
" حرام عليكِ اللي بتقوليه دا ملحق ايه اللي أولع فيه ؟ انا كنت في أوضتي زيي زيكم و …"
" اخرسي يا كذابه.. اللي حصل دا أنتِ ليكِ يد فيه . مين وراكِ ابوكي النصاب الحرامي ولا جوزك اللي هتلاقيه متفق معاكِ ع اللعبة دي كلها. و منيمانا و قال ايه جايه هربانه منه ؟ انطقي يا بت أنتِ"
قالت كلمتها وهي تمسك بخصلات شعرها بينما ارتعبت «شيرين» و ارتجفت من حديثها الذي يحمل الكثير والكثير فأخذت تصرخ بين يديها
" حرام عليكِ يا مرات خالي والله ما عملت حاجه. ولا بكلم بابا ولا اعرف طريقه حتى .. و احمد دا انا بكرهه كره العمي اقسم بالله.."
" كذابه. كذابه وحقيرة.. انا عارفه انك السبب في كل اللي بيحصل و عارفه انك عملتي مشكله بين سالم و فرح . عايزة ايه . عايزة تضيعي كمان أربعين سنه من عمره بسببك .دانا ادفنك حية .. لو فكرتي اني كبرت و خرفت . يبقى غلطانة انا اللي هقفلك .."
كانت تتحدث وهي تجذب خصلات شعرها بعنف فتعالت صرخاتها للحد الذي جعل «همت» تسرع إلى غرفة ابنتها فتفاجئت مما يحدث فقامت بالتدخل على الفور لتخليص «شيرين» من يد «أمينة» التي تركت خصلاتها علي مضض اثر حديث «همت» التي صرخت بها
" اوعي ايدك من علي بنتي.. ايه فكرتي أن ملهاش حد يدافع عنها. "
«أمينة» بانفعال
" قصدك ملهاش حد يربيها… و أنا بقي الى هتولي المهمة دي .."
" بنتي متربيه احسن تربيه. بنتي دي ضحية لابنك . عايزة منها ايه كفايه اللي عملوا فيها.."
«أمينة» بتقريع
" قصدك مشيها البطال هو اللي عمل فيها كدا."
" عندك يا امينه. اوعي تفكري تغلطي في بنتي و إن كنتِ فكرتي نفسك كبيرة البيت دا فلا أنتِ غلطانه . دا بيتي و بيت أبويا. و من هنا و رايح هاخد مكاني الصح فيه.. و هحارب عشان بناتي و مش هسمح لحد أبدا ييجي عليهم.. "
تراجعت «أمينة» بصدمة سرعان ما تجاوزتها و قالت بسخرية
" والله وطلع لك صوت يا همت .. بقي عايزة تاخدي مكانك في بيت ابوكي ؟ طب والله حلو وريني بقي هتعملي ايه ؟"
" هعمل كتير. و هتشوفي ."
ناظرتها «امينة» باحتقار تجلي في نبرتها حين قالت
" حلو .. اعملي الي يلد عليكِ بس اتحملي بقي .."
أنهت كلماتها و خرجت من الغرفة بينما التفتت «همت» الي ابنتها و ناظرتها بغضب تجلي في نبرتها حين قالت
" لينا كلام كتير يا بت بطني و خليكِ فاكرة اني مش هطاوعك عـ الغلط حتى لو كنتِ اتظلمتى .. يالا عشان تنامي "
أنهت كلماتها و خرجت من الغرفة تاركة «شيرين» التي كانت تلعن كل ما يحدث وفجأة وقعت انظارها على الهاتف الذي كان ملقى على أرض الغرفة و مازال الخط مفتوحًا فالتقطته و قالت بانفعال
" سمعت اللي حصل فيا.."
تجاهل حديثها و فجائها حين قال
" عايزة ارجع لامك يا شيرين …"
****************
انتصف الليل و نال التعب من الجميع وخاصةً هي فمنذ أن أعلنوا عن هذا العرس و الجميع على قدم وساق في التحضيرات إلي أن مر بسلام و قد اعتمدت عليها «تهاني» في الكثير من الأعمال التي أرهقتها ولكنها كانت سيدة طيبة للغاية و كريمه معها وأيضًا كانت كل الأعمال هينة على ذلك العمل المقرف الذي كلفها به هذا الطاغية. و اخيرًا حان وقت مغادرتها بعد أن نظفت كل شئ فأخذت تلملم حاجياتها لتتوجه الى منزلها وهي في الطريق سمعت أصواتًا وهمهمات آتية من إحدى حظائر الخيل المهجورة
ف تسللت خلسة لترى ما يحدث و ياليتها لم تفعل ذلك فقد رأت ذلك الخفير الخاص ب«عمار» و الذي يدعى «مرعى» في وضع مخل مع إحدى الفتيات فخرجت منها شهقة خافتة وقالت بصدمة
" يا شندلتي.. "
وصل صوتها الى مسامعهم فانتفض الإثنان من مكانهم وحين رأتهم هرولت لتختبئ عن أعين ذلك البغيض الذي ارتدي جلبابه علي عجالة و أخذ يبحث بعينيه هنا وهناك عن ذلك الشخص الذي رآهم و حين لم يجد أحد توجه إلي حيث تنتظره الفتاة التي أخذت تولول و تندب حظها فصرخ بها
" اجفلي خشمك يا بت.. "
" اجفله ازاي ؟ دي فضيحتي هتبجي بچلاچل .."
" ولا فضيحه ولاحاچه. البسي هدومك و انچرى من اهنه . محدش شاف حاچه اني طلعت بنفسي ملجتش حد.."
" متوكد ؟"
اجابها بحنق
" إيوا متوكد .. يالا بجولك .."
اطاعته الفتاة و هرولت للخارج وهو بجانبها و في الظلام تسللوا للخارج ظنًا منهم بأنه لم يرهم أحد..
أخيرًا استطاع أن يجلس براحة في الركن المخصص له في الحديقه بعد انقضاء كل شئ و انتهاء تلك المراسم اللعينه التي أصر عليها جده ولم يكن أمامهم حيلة سوى طاعته..
اغمض عينيه طالبًا الراحة و لدهشته طرأت صورة تلك الفتاة سليطة اللسان على باله فقد رآها الليلة حين كان يمر بجانب مجلس الحريم كيف كانت تتمايل باحترافية علي انغام احدى الاغاني التي يطلقونها في الافراح.
كانت جميلة بـ خصلاتها المشعثة و جسدها الذي أبرزته تلك العباءة التي لم يرها بها من قبل . لم يدم الأمر لدقيقة فسرعان ما أدار رأسه ولكنها كانت لحظات خاطفة انطبعت في مخيلته طوال الحفل . حاول كثيرًا طردها من باله ولم يفلح . وأخذ يتذكر حين رآها أول مرة متنكرة في ثياب رجل فقد خطفت أنفاسه حين جذب العمامة من فوق رأسها. كان قاسيًا معها يعترف ولكنها تثير بداخله شعور غريب لا يعرف كنهه حتى أنه كان دائمًا يراقبها وهي تعمل هذا العمل الشاق الذي كلفها به و بكل مرة يريد أن يثنيها عن فعله ولكن تمنعه هيبته من الاقتراب منها فقد كان لسانها سليطًا للغاية .
و ايضًا حين كانت تجلس بجانبه وهو طريح الفراش فقد كان يختلس النظرات إليها فيري بعينيها شيئًا غريبًا يعرفه ولا يعرفه. كانت نظرة حزينة للغاية على الرغم من أنها طوال الوقت في وضع دفاع إلا أن ذلك لم يكن سوى خوفًا أتقن ترجمته من نظراتها الضائعة ..
كانت لغزًا كبيرًا أرهقه فـ زفر بتعب و فرد عوده على الأريكة الخشبية ناظرًا للسماء و نجومها المتلئلئه التي تشبه عيونها هذه الليلة. و حين كان في خضم تخيلاته اخترق أذنه صوتًا قويًا لأحد الغفر فقال بغضب
" في ايه يا بغل انت؟ وطي صوتك طرشتني .."
كان الغفير يلهث من فرط التعب وقال من بين لهاثه
" الحج يا كبير . مصيبة "
اعتدل في جلسته و قال بصراخ
" مصيبة ايه يا وش البوم انت."
" شيخ الخفر مرعي . كان لامؤخذه معاه واحدة و طالعين من الزريبة المهچورة.."
انكمشت ملامحه بغضب كبير و صرخ باستنكار
"انت عتجول ايه يا چحش انت؟"
" وكتاب الله يا كبير حوصول اني شايفهم بعيني اللي عياكلهم الدود دول.."
"اه يا كلب … و مين البت اللي كانت معاه دي تعرفها ؟؟"
القي الغفير قنبلته حين قال بقوة
" إيوا اعرفها البت نچمة بنت الچنايني…"
******************
دقت الساعه السابعه و دق معها جرس الباب فتقدمت الخادمة لـ تفتح فإذا بها تتّفاجأ بمجموعة من رجال الشرطة أمام الباب تزامنًا مع خروج «سالم» من غرفة مكتبه التي قضي بها ليلته فلم يتحمل وجوده معها بمكان واحد و قد أرهقه بكائها الذي وصل إلي مسامعه طوال الليل فهبط الي الأسفل ليقضي ليلته على الأريكة
بـ غرفة مكتبه
توجه إلي باب القصر يقف أمام رجال الشرطة قائلًا بخشونة
" خير يا حضرة الظابط ؟"
" دا منزل حازم منصور الوزان ؟"
اجابه «سالم» باختصار
" ايوا . ايه المطلوب؟"
" معانا أمر بالقبض عليه؟"
«سالم» باندهاش
"نعم .. تقبض علي مين ؟"
" مانا قولتلك . علي حازم منصور الوزان.."
«سالم» باستفهام
" بتهمة ايه ؟"
ألقى الضابط قنبلته المدوية على مسامعه حين قال
" اغتصاب بنت قاصر و الشروع في قتلها…"
يتبع….
*****************
بسم الله الرحمن الرحيم
🍓السابع عشر ج٢🍓
لم اعتد يومًا على المبالغة.. بل كنت أتجنب الكثرة في كل شئ! في الحزن ، الغضب ، التعلق و حتى في الفرح و لكن معكِ تخليت عن خارطتي التي كنت امشي على نهجها طول حياتي ووجدتنى غارق في الكثير من الحب ، اللهفة و الشغف. و هنا بدأت معاناتي فـ على قدر كثرة شعوري نحوك كان ألمي عظيمًا وجراحي غائرة وأبواب الغفران مصفدة بسلاسل الكبرياء الذي يقف معاندًا أمام ثورة قلب لا يبغي سواكِ. سلاحه الوحيد عشق أهوج يجتاحني كطوفان لا اقدر على مواجهته أو الفرار منه. و بنهاية تلك الحرب الضارية أجد نفسي أمام حقيقة ثابتة..
أنني أريدك و بشدة. فما الحل ؟؟
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
" لبني محمد عبد العزيز.. خرجت يوم ١٥ ديسمبر تشتري دوا لوالدها المريض كان حوالي الساعه ١١ بالليل و اتأخرت .. قلقت والدتها عليها طلعت تدور ولأنهم في مكان شعبي انتشر خبر اختفائها و بعد حوالي ٤ ساعات لقوها في خرابه بتنزف و للأسف تعرضت لمحاولة اغتصاب وحشية و البنت من وقتها في غيبوبة.. و لسه فايقه منها من يومين . و لما فاقت طلبنا منها أوصاف الشخص اللي عمل كده و اللي طلعت بتنطبق علي حازم اخوك بالإضافة لانها كانت عرفاه و قالت إنها شافته كتير في الحتة عندها مع واحد ديلر هناك و حاول يتعرض لها لفظيًا قبل كدا و هي صدته "
هكذا انتهى وكيل النيابة من سرد تلك القصة المروعة على أذن 《سالم》 الذي كان جسده يقشعر امام كل حرف يقع على مسامعه. فـ خطايا و ذنوب أخاه لا تنتهي ابدًا.
زفر بتعب قبل أن يقول بخشونة
" البنت حالتها عاملة ايه دلوقتي ؟"
اجابه وكيل النيابة بسخرية
" سؤال غريب .. طفله عندها سبعتاشر سنه اغتصبت بوحشية لدرجة أنها تقعد في غيبوبة تسع شهور.. هتبقي حالتها عاملة ازاي؟"
أغضبته الإجابة إضافة إلي نبرته الساخرة والتي تتنافى مع وحشية الأمر ف احتدت نظراته وقال بفظاظة
"و مش غريبة انكوا تيجي تدوروا على شخص ميت بقاله تسع شهور .. ايه السيستم مهنج عندكوا ولا ايه ؟"
تنحنح الرجل و قال باختصار
" غلطة غير مقصودة .. وارد تحصل .."
لم تعجبه الإجابة و لكنه تغاضى عنها و وثب من مكانه ناصبًا عوده الفارع و زر وثاق بذلته وهو يقول بفظاظة
" حازم الله يرحمه و كدا الجاني مش موجود عشان يُطبق عليه القانون . و انا هتواصل مع اهل البنت و هوصل معاهم لحل يرضيهم.."
انهي تلك المقابلة و توجه للخارج بشموخ يتنافى مع ما يحمله من أعباء و هموم لا تنتهي ناهيك عن أعباء قلبه الذي ما زال يتذكر ما حدث البارحة و تعاد تفاصيله أمام عينيه بكل ثانيه . يود الهرب منها ولكنها تلاحقه مع أنفاسه التي زفرها بحدة عله يتخلص من وجعه بها ولكنها كانت أمنية مستحيلة فما أن وطئت أقدامه باب المنزل حتى تفاجئ بالجميع ينتظر في الصالة الكبيرة و الأعين تطالعه إحداها بفضول و الأخرى بشماته تجاهلها و توجه إلي مكتبه لأول مرة هاربًا من اي استفسارات مرهقة ولكن هيهات فما أن دلف إلى الداخل حتى وجد كلًا من 《سليم 》و 《مروان》 الذي أغلق الباب خلفه تزامنا مع حديث «سليم» القلق
" حصل ايه يا 《سالم 》؟"
" الكلام اللي هقوله دا ميخرجش بره الاوضه دي مفهوم."
ايماءه صامته تلقاها منهما فأخذ يسرد ما حدث بعجالة متجاهلا نظراتهم المصدومة وتعابيرهم التي لا تفسر و انهى كلماته قائلًا
" الكلام دا حصل قبل ما يموت بيوم واحد.."
أطلق جأشه مكبوتة داخل صدره قبل أن يضيف
" النهاردة بالليل هسافر عشان أروح لاهل البنت اطمن عليها و اشوف هعمل معاهم ايه ؟"
ارتسم الجنون بعيني 《سليم》 الذي صاح بانفعال
" هو في ايه؟ هو احنا كنا مربيين معانا شيطان واحنا منعرفش ؟ يغتصب بنت قاصر ! انا مش مصدق اللي بسمعه.."
تجاهل حديث أخاه و القي بجسده المنهك علي المقعد خلفه فيما تابع 《مروان》 قائلًا بحنق
" انا مش قادر اتخيل انه اتجرد من كل مشاعر الإنسانية للدرجادي .. دا مفكرش أننا عندنا بنات. و نازل مرمطه في بنات الناس . "
نالت كلماته من قلب 《سليم》الذي احتدت نظراته و اكفهرت معالمه رغمًا عنه وحين أوشك على الحديث جاءهم صوته الصارم
" خلصت. معدلوش لزول الكلام دا. دلوقتي هو بين ايدين ربنا.."
هب 《سليم》 من مقعده وكل خليه بداخله تنتفض غضبًا تجلي في نبرته حين قال
" كويس اوي أنه عند ربنا عشان اقسم بالله لو كان لسه عايش لكنت دفنته بايدي حي.."
كان الغضب ينهش بداخله من تلك الأفعال النكراء التي لا يفعلها سوى شيطان رجيم. و لسوء حظهم كان هذا الشيطان أخاهم.
" اهدي يا سليم و زي ما قال سالم معدلوش لزوم الكلام دا. خلينا نشوف هنعمل ايه مع الناس دي و هنعوضهم ازاي ؟"
《سليم》 باستنكار
" نعوضهم! اي شئ في الدنيا ممكن يتعوض الا الشرف يا مروان. مهما عملنا مش هنقدر نعوضهم. احنا انكتب علينا نشيل العار طول عمرنا بسببه. "
كان 《سالم》 ينظر إليه و يود لو يصرخ بألف اعتراض فقلبه يؤلمه من قسوة كلماته علي أخيهم الراحل ولكنه يعلم أنه محق فـ أفعاله المروعة لم تترك لهم مجال للحديث . بل و كتب عليهم لملمة قذاراته التي لا تنتهي لذا أخذ منحني الصمت وترك ل《مروان》 مهمة تهدئته
" عصبيتك دي مش هتحل حاجه .. لازم نهدي ونفكر و بعدين محدش فينا له ذنب في حاجة.. "
" الذنب في رقبتنا ليوم الدين عشان معرفناش نربيه.. "
هكذا اجابه 《سليم》 بقلب يحترق تتجاذبه النيران من كل حدب وصوب فلم يحتمل وجوده معهم فاندفع إلى الخارج بعد أن استمع لحديث 《سالم 》الصارم
" زي ما قلت من شوية مش عايز حد يعرف حاجه . وانا هروح للبنت وأهلها و بإذن الله هحاول ارضيهم علي قد ما اقدر .. "
شيعه 《مروان 》بنظرات الشفقة فقد شعر بمدى ثقل المهمة التي ألقيت على عاتقه فحاول تخفيف حدة الأمر قائلًا بسخرية
" عيني عليها فرح. مش عارفه تتهني بالعريس. ربنا يستر متطبقش في زمارة رقبتنا لما تعرف انك هتسافر النهاردة و تسيبها .."
خفقة وجله ضربت قلبه حين سمع اسمها و كم اشتاق في تلك اللحظة أن يضع رأسه على صدرها يشكو لها اوجاعه و ثقل احماله. يتمنى لو كان بإمكانه أن يهرول إليها كطفل صغير يختبئ بين أحضان والدته من وحشة هذا العالم ولكنه لا يستطيع تجاوز رفضها المهين لقربه لذا أخذ نفسًا طويلًا قبل أن ينظر إلي 《مروان》 قائلًا بخشونة
" في حاجة مهمة عايزك تعملها. "
" رقبتي يا كبير .."
****************
كان يدور في الغرفة كمن مسه الجنون يمسك بذلك السلسال الذي يشبه اسمها و الذي رآه أكثر من مرة يحيط بعنقها و فقد كان يلفت انتباهه كثيرًا و الآن هو بين يديه بعد أن عثر عليه الغفير في موقع تلك الجريمة التي ضربت عقله كصاعقة كلما تذكر حديثه
" انت اتچنيت يا بغل انت ؟ نچمة مين ؟"
الغفير بذعر
" وكتاب الله يا كبير ما بكذب . اني بعد ما مشيوا دخلت الزريبة ولچيت السلسلة دي چنب السور و دي بتاعت البت نچمة اني متوهش عنها واصل .."
اجتاحت نيران الغضب عقله وهاجت آخرى بقلبه فأخذ يدور حول نفسه كـ الملدوغ لا يقدر علي التفكير جل ما يريده أن يذهب الآن و يفرغ رصاصات سلاحه بصدرها حتى يهدأ ولكن فجأة طرأ على باله أحد المواقف حين كان مريضًا و طلب منها كوب من المياة و بالخطأ امتدت يده لتحتضن يدها الممسكة بالكوب فانتفضت بشدة جعلت المياة تنهمر فوق رأسه وحين عنفها صاحت به غاضبة
" ايه الحركات ده يا كبير. مش عيب ! "
" عيب ايه يا بهيمه أنتِ ؟ مشايفشي زين ؟"
احتدت نظراتها و شابهتها نبرتها حين قالت
" شوف أما اجولك الحركات دي اني خبراها زين.. و لازمن تعرف اني من عيلة و بت ناس چوي . و ماليش في المسخرة و جلت الحيا دي . بعد أكده تفتح عينيك زين اومال لو مش عينيك خُضر كنت عملت اي؟"
صاح غاضبًا فهو لم يتوقع ثورتها تلك من ملامسه بريئه
" أنتِ اجنيتي يا به ؟ انتِ مفكراني هبص لواحده زيك ولا اعاكسها؟ و بعدين تعالي اهنه عيلة ايه يا ام عيلة؟ ده ابوكي مش معروف إذا كان بني آدم ولا لا من الأساس؟"
" بني آدم و لا جرد المهم انه ابوي. و بعدين ده جنايني جد الدنيا. من غيره الدود هيطلع عليكوا من الشجر ياكلكوا. "
هب من مكانه فإذا بالآلام تضرب جسده بقوة فصاح غاضبًا
" غوري من وشي بدل ما اجطع خبرك.. غوري .."
ابتلع ريقه بصعوبه وهو يتذكر ملامحها في ذلك الوقت لم تكن تتصنع يقسم بذلك ولكن ما هذا الذي يحدث ؟ يكاد يجن من فرط التفكير ولكنه سـ يسعى جاهدًا لمعرفة ما حدث ..
"《 مسعود》 انت يا زفت يا 《مسعود 》..؟"
هرول الغفير إليه يلبي نداءه فصرخ به
" الزفت اللي اسمه 《مرعي》 تروج تچيبه من جفاه علي اهنه طوالي . "
" حاضر يا چناب الكبير …"
انهي كلماته و هرول للخارج فوجد 《مرعي》 يقف يتحدث مع 《نجمة》 التي كانت آتية إلى العمل كما هو المعتاد وحين مرت به استوقفها قائلًا بغزل وقح
" الغزال اللي رايح چاي يتمختر امتي يحن علي بجي ؟"
شيعته بنظرات الخسه و الاحتقار قبل أن تتابع طريقها دون أن تعيره أن انتباه فتقدم يقف أمامها وهو يقول بوقاحة
" ما كفياكي تجل عاد . اني جلبي مولع نار و مجادرش اتحمل . "
لون الامتعاض ملامحها و تجلي في نبرتها حين قالت
" جلبك المولع ده ديته شبشبين يفوجوه و هو هيبجي زي الفل . وحظك حلو المداس لسه چديد .. لو تحب دلوق اطفيلك الحريجه معنديش مانع ولا تاخد بعضك و تخفي من وشي احسن ؟"
غضب من حديثها. و رفضها الدائم له فصاح مهددًا
" انتِ عايزة تضروبيني بالمداس يا بت الچنايني. طب والله لهعملك مداس في رجل الناس و بكرة تاچي تتحايلي علي ابصلك بس ."
رمقته شذرًا وهي تقول باحتقار
" اتحايل عليك انت يا معفن . دا انت الهدمة الي عليك جرفانه منك. غور داهيه تاخد خلجتك العفشة. يا غراب البين و حياة شنب ابوى اللي ما بحلف بيه باطل لو مخفيتش من وشي لهكون مفرچه عليك الناس و هجول للكبير علي جرفك .. هاه عارف جرفك يا بتاع الزرايب؟"
قالت جملتها الأخيرة وهي تتوعد له ففهم الآخر ما ترمي إليه و هوى قلبه ذعرا بين قدميه و خاصةً حين تفاجئ ب
《مسعود》 الذي قال بلهاث
" انت فين . جلبت الدنيا عليك . الكبير عايزك ضروري؟"
ارتعب من أن تكون تلك الفتاة قد اشتكت عليه و أخبرته بما شهدته البارحة فقال بذعر
" و الكبير عايزني ليه دلوق ؟هو حوصول حاچه ولا اى"
《مسعود》 بتخابث
" انت ادرى باللي حوصول يا مرعي . اني ما عليا إلا البلاغ اتفضل فوت جدامي و استلجي وعدك يا خفيف.."
هنا تيقن من انها أوشت به بالفعل و خاصةً عندما رأي وجه 《عمار》 الذي كان مرعبًا بحق و نبرته التي بثت الذعر بقلبه حين قال
" كنت بتعمل ايه في الزريبة المهچورة بعد الفرح ما خولوص؟"
《مرعي》 بذعر
" معملتش حاچة كنت بمر زي كل يوم و بعدين روحت.."
هوى 《عمار》 بصفعة قاسية على وجه 《مرعي》 الذي تراجع للخلف بذعر حين صاح به
" وكمان بتكذب يا كلب… دا انت موتك علي يدي النهاردة"
انتفض 《مرعي》 وقال ببكاء
" حجك عليا يا كبير . والله ما هكذب عليك واصل ؟"
موجه كهربائيه كانت تسري في جسده حين قال بأنفاس مقطوعة
" مين اللي كانت معاك امبارح في الزريبة ؟"
أضاء الشيطان عقله بفكرة الانتقام منها فقال بلهجة قاطعة
" نچمة.. نچمة بنت الچنايني.."
كانت تعد الطعام بالمطبخ الكبير وسط الخادمات اللائي كن يضحكون تارة و يغنين تارة و قد كانت هي أكثر من يغني من فرحتها حين أخبرتها «تهاني» بأنها ستعمل معهم بالبيت الكبير من اليوم و قد أسعدها ذلك كثيرًا وظهرت سعادتها علي هيئة ابتسامة مشرقة أضاءت عينيها الجميلة و لكن فجأة صدح صوت دوي زئيره في أرجاء البيت الكبير للحد الذي ارتجت جدرانه
" نچمه…."
سقطت المعلقة من يدها حين سمعت اسمها بتلك الطريقة و حين التفتت لترى ماذا يحدث فإذا بوحش كاسر يقتحم المطبخ بهيئة مرعبة فتسمرت بمكانها حين وجدته يقبل عليها و يرفع يده الضخمة و يهوي فوق خدها بأقصى صفعه نالتها بحياتها…
************
كانت تجلس بالحديقة تنظر إلي 《ريتال》 التي كانت تلهو حولها فإذا به يقتحم جلستها ويباغتها قائلًا
" عايزة تصلحي الغلط اللي غلطيه ؟"
تفاجئت 《سما》 من حديثه و ناظرته بصدمة تجلت في نبرتها حين قالت
" تقصد ايه ؟"
" عايزة تصححي غلطك ولا لا ؟"
هنا خاطبها بنبرة حادة انكمش لها جسدها و لم تفلح الحروف في العبور من بين شفتيها فأومأت برأسها
فاقترب 《مروان》 منها وقام بمد يده جاذبًا إياها من مرفقها و هو يقول بنبرة هادئه متبوعه بنظرات عاشقة
" انا شايف و عارف اللي جواكِ كويس اوي. و عارف انك عمرك ما كنتِ وحشه. و انك ضحية للبيت دا و اللي فيه . وعشان كدا بقولك انا جنبك و هفضل جمبك . "
تكونت طبقة كرستاليه من الدموع في مقلتيها فقد كانت كلماته حانيه بدرجة لم تتخيلها نفذت الي قلبها كالسهم المشتعل ولكنه لم يمهلها الفرصة لإجابته بأن هذا أكثر بكثير مما تمناه وذلك حين أردف بجمود
" كصديق . او كـ أخ.."
لا تعلم لما احزنها هذا الوصف ولكنها اومأت برأسها تحاول إخفاء خيبة تملكتها في تلك اللحظة فلم يستطيع هو تفسير ملامحها ولا تلك النظرة الغريبة في عينيها فتجاهل كل ذلك و شرع يسرد لها ما يريد و مع كل كلمة يتفوه بها كانت ملامحها تتبدل ما بين الرفض و الخوف و الذنب ولكنه اختتم كلماته قائلًا
" خليكِ فاكرة ان في دين في رقبتك و جت فرصتك عشان تسدديه و الفرصه مبتجيش غير مرة واحدة. ها قولتي ايه ؟"
نجح في غرس سهم الذنب في قلبها و الذي لم يعد يحتمل ذنوب أخرى فأطلقت تنهيدة متعبة قبل أن تومئ برأسها وهي تقول بهمس
" حاضر .. "
سلبت كفها من بين يديه فشعر برجفة باردة اخترقت جسده لدي رؤيتها تغادر منكسة الرأس فإذا به يجد 《ريتال》 التي قالت بعفوية
" صديق و اخ انت بتكذب يا عمو ؟"
انكمشت ملامحه بامتعاض تجلي في نبرته حين قال
" جتك خوت أنتِ وهي . بدل ما تديني رصية و لا بنية في وشى و تقولي اخ ايه؟ بتهزلي رأسها. رجاله العيلة دي باينهم موعودين بالستات الغبية ولا ايه؟"
صمت لثوان قبل أن يضيف بتحسر
- " و بعدين بقي في العيلة اللي هتضيع مستقبلي دي و لا فاهم احب و لا اعلق البت و لا اتنيل اعمل حاجه .. "
************
كانت ليلة صعبة بكل ما تحمله المعنى حتى أنها تركت بصماتها على وجهها الذي كان باهتًا يلائم تورم عينيها من كثرة البكاء و انطبع الحزن الساكن قلبها علي ملامحها فبدت مروعة تمامًا كالألم الذي ضرب سائر جسدها فكانت تجر أقدامها جرًا للوصول إلي المرحاض وهي بمنتصف الطريق توقفت إثر دقات الباب فعدلت وجهتها وقامت بفتحه و لحسن حظها كانت شقيقتها هي من بالخارج و التي ما أن رأتها حتي اندفعت إليها تحتضن وجهها وهي تقول بلهفه
" فرح مالك في ايه ؟"
لأول مرة بحياتها تهزم هكذا. فلم تجد ما تقوله توقفت الكلمات على شفتيها فاعادت 《جنة》 سؤالها بنبرة أكثر لهفه يشوبها حنان كبير
" 《فرح》 ارجوكِ ردي عليا حصل ايه؟"
لامس قلبها خيط الحنان الذي يتجلى في نبرة شقيقتها فألقت بنفسها بين أحضانها وهي تقول بنبرة متألمة يخالطها نوبة بكاء عنيفة
" انا بموت يا جنة…."
كانت كلمتها كالسهم الذي اخترق قلبه حين كان يتوجه الي غرفته حتي يتجهز استعدادًا للسفر وحين وضع يده علي مقبض الباب تفاجئ بحديثها الذي آدمي قلبه و فتت روحه فاغمض عينيه للحظة غير قادر على الحركة. يود لو يدخل إليها يختطفها من بين براثن الألم الذي يتساقط من نبرتها و الذي يشاطرها إياه قلبه ولكن مشهد البارحه يقف أمامه بوضوح يذكره برفضها المهين له بألا يلمسها.
كانت كلمة قويه كـ طعنه نافذه أصابت رجولته و قلبه وكبريائه الذي اجبره علي النزول إلى غرفة المكتب مرة ثانيه فلا طاقة له بتحمل رؤيتها بهذا الشكل و ليدع لها الفرصة للتحدث براحه مع 《جنة》 التي يأمل أن تستطيع تهدئتها و لو قليلًا ..
في الداخل انتهت 《فرح 》من سرد ما حدث فشهقت 《جنة》 بصدمة تجلت في نبرتها حين قالت
" أنتِ مجنونه يا فرح ؟ ايه اللي أنتِ عملتيه دا ؟ معقول تصدقي الشيطانه دي؟ انا مش محذراكِ منها قبل كدا ؟"
تخبطت سحبها فامطرت ألمًا تجلي في نبرتها حين قالت
" غصب عني يا جنة. بقولك صوته. سمعته بودني. عقلي وقف عن التفكير. وحسيت الدنيا ضلمت في عيني و قلبي دا كأن نار قادت فيه. معرفش عملت كده ازاى. فجأة لقتني مش طيقاه يقرب مني أو يلمسني . "
أشفقت 《جنة》 علي شقيقتها وقالت بعتب
" كلامك و رفضك ليه بالشكل المهين دا صعب اوي يا فرح . و خصوصًا أن سالم شخصية مش سهله و أنتِ ضربتيه في مقتل. هنتيه و جيتي علي كبرياءه. الموضوع اتصعب اوي.."
هبت من مكانها غاضبة
" عارفه . والله عارفه. ودا اللي قاهرني . لو شفتيه وهو بيقولي قلبك مقالكيش أنه مش انا؟ وانا بغبائي قولتله كنت انت. معرفش حصلي ايه وقتها. هتجنن.."
اقتربت 《جنة》 منها تحتضنها برفق وهي تقول لتهدئتها
" طب اهدي . كل مشكله وليها حل ان شاء الله."
تبلور التصميم علي ملامحها و اطلت نيران الانتقام من عينيها و قالت بقسوة
" انا هعرف أجيب حقي كويس و اعرفه اني مكذبتش عليه. "
" هتعملي ايه ؟"
هكذا استفهمت 《جنة》 فأجابتها بجفاء
" هسمعه الفويس اللي هي أنكرت أنه موجود.. يمكن لما يسمعه بودنه يبقي بداية الطريق أنه يسامحني.."
قالت جملتها الأخيرة بنبرة أرق و من ثم نظرت إلي 《جنة》 و أردفت بتوسل
" جنة محتاجه مساعدتك.."
انكمشت ملامحها بحيرة تجلت في نبرتها حين قالت
" ازاي ؟ "
" هقولك …"
**************
يدور في غرفته بلا هوادة لا يعرف الراحه ولا يملك حتى حق تمنيها . كل خلية بـ داخل جسده تتوسل أن يصل إلى مبتغاه حتى يستطيع أن يهدئ نيران غضبه الموقدة ولو قليلا .
تدخل 《سليم 》الذي شاهد حالته المزرية فـ ملامحه كانت باهته و عينيه جاحظه و صدره يعلو و يهبط من شدة الانفعال و مع ذلك فهو كـ عادته صامت
" أن شاء الله كل حاجه هتتظبط يا سالم. انت بس هدي نفسك .."
لم يجيبه اكتفي بإيماءة بسيطة من رأسه الذي ارتفع بلهفه حين رأى 《مروان》 الذي فتح باب الغرفة و بيده أحد الهواتف فـ خرجت الكلمات من فمه مندفعة
" عملت اللي قولتلك عليه ؟"
《مروان》 بتوتر
" اه . دورت في التليفون . و بصراحه ملقتش حاجه .."
تعاظم غضبه فاغمض عينيه بقوة قبل أن يعيد فتحها وهو يحاول التحلي بفضيلة الصبر حين قال بخشونة
" انا عارف انك اكيد مش هتلاقي عليه حاجه. سؤالي هنا افحصه و شوف في حاجه اتحذفت من عليه ولا لا ؟؟"
جفل 《مروان 》من لهجته وقال مبررًا
" والله فحصته كام مرة عاللابتوب و جبت كل حاجه اتحذفت من عليه في خلال اسبوع و بردو ملقتش اي فويسات أو اي حاجه تخصك."
أطلق زفرة حارة من جوفه فأردف 《مروان》 بحنق
" لو عايز رأيي انت غلطان كان مفروض من امبارح اخدت التليفون منها و فحصته و شوفت حوار الفويس دا.."
شيعه 《سالم》 بنظرات غاضبة اتبعها قولة الساخر
" وابقي مشيت عـ الخطة اللي هي رسمتها لنا بالضبط. مش كدا؟"
ناظره 《سليم》بعدم فهم وقال مستفسرًا
" تقصد ايه ؟"
وثب من مكانه قائمًا و يديه بجيوب بنطاله و كأنه لا يريد أن تطال اي شئ فتحطمه من فرط غضبه الذي تجلي في نبرته حين قال
" بقولك أنكرت وجود اي فويسات يبقى هتسيبه عالتليفون ازاي يا بني آدم ؟"
نظر الاثنان《مروان》 و 《سليم》 إلى بعضهم البعض فتابع «سالم» بحنق
" شغلوا دماغكوا شويه . مش طالبه غباء.. بديهيًا اي حد في مكاني كان مسك التليفون يشوفه واكيد مش هلاقي حاجه ماهي الهانم عامله حسابها و ماسحة الفويس. و وقتها تبقى هي المظلومه و فرح الوحشه اللي بترميها بالباطل و مش بعيد كانت تقولي هاتلي حقي من مراتك. وانا وقتها وربي كنت هفرغ سلاحي في دماغها…"
" يخربيت دماغك يااخي.. تصدق عندك حق .."
هكذا تحدث 《مروان》 فأجابه 《سالم》 حانقًا
" مكفهاش اللي عملته لا كمان عايزة تشمت فيها لآخر لحظة و تثبتلي أنها كذابه.."
تدخل 《سليم》 مستفهمًا
" طب وبعدين يا سالم هتعمل ايه؟"
ناظر أخاه بتيه لأول مرة بحياته لم يعد يعلم ماذا يفعل ولكنه أراد المراوغة فنظر إلي 《مروان》 قائلًا بفظاظة
" ملقتش اي حاجة عـ الزفت دا مُريبة؟"
《مروان》 بصياح
" وربنا وحياة غلاوة دولت عندي ما لقيت حاجه . دا تليفون مهجور اصلًا. مكالماته كلها هبلة و رسايلها اللي فيه اهبل .."
لمعت نظراته المطله علي 《مروان》 ما أن تفوه بآخر كلمة و صمت لثوان قبل أن يقول بنبرة ذات مغزى
" طب ما دا في حد ذاته مُريب!!!"
*************
ترتشف قهوتها في غرفة الجلوس وهي بأقصى درجات سعادتها فقد نالت مبتغاها في تخريب علاقتهم و التي متأكدة من أنها ستبقى على حالها لوقت طويل لذا كانت تشعر بلذة قوية تغلبت علي ألمها مما حدث و ما فعله بها وحين كانت تسترسل في ذكرياتها الأليمة تفاجئت ب
《جنة》 التي اقتربت منها تناظرها بغضب حاولت قمعه قدر الإمكان و قالت بلهجة حاولت أن تبدو صافية
" صباح الخير .. لقيتك بتشربي قهوتك قولت نشربها سوي .."
زوت ما بين حاجبيها و أخذت ترسل نظرات متفحصة ل
《جنة》 و سرعان ما رسمت ابتسامة متصنعة على شفتيها وقالت بسرور مفتعل
" دا ايه الصباح النايس دا. عروستنا الحلوة جايه بنفسها تشرب القهوة معايا. دا سليم الوزان هيغير مني بعد كدا ."
فهمت 《جنة》 ما ترمي إليه فجلست وعينيها تطوف المكان حولها بتفحص قبل أن تقول بلهجه عادية
" لا متخافيش .. سليم عاقل .."
《شيرين》 بسخرية
" الحب بيجنن . اساليني انا .."
حاولت رسم ابتسامة متكلفة علي ملامحها قبل أن تقول
" و أنتِ بقي تعرفي منين ؟ حبيتي قبل كدا ولا ايه ؟"
ابتسمت 《شيرين》 بخبث وهي ترى جنه التي أمسكت بهاتفها تعبث به لثوان فأجابها بتسلية
" و مين فينا ماحبش ؟ و انكوى بنار الحب .."
هكذا قالت 《شيرين 》جملتها الأخيرة بنبرة خبيثة تشبه نظراتها كثيرا ففهمت 《جنة》 علي الفور المغزي خلف حديثها ولكنها تجاهلت ذلك وقالت بسخرية
" لا بس واضح انك انكويتي اوي . "
《شيرين》 بسخرية
" اوي.."
ارتشفت من الكوب الخاص بها قبل أن تقول بخبث
" طب ولما انتِ كدا مبتحاوليش تصلحي ما بينكوا ليه ؟ أو حتي تخلي سالم بيه يتدخل يصلح .. انا سمعت أن جوزك صاحبه.."
نجحت في إغضابها و لكن 《شيرين》 كانت بارعة في التجاوز وتزييف كل شيء لذا قالت بحزن مفتعل
" للأسف سالم رافض . قولتله اديله فرصة تانية قالي علي جثتي . حتي احمد عمال يبعت نبه عليا مردش عليه .. معرفش دماغه فيها ايه ؟"
كانت تتحدث و عينيها تتابع شئ ما في الاعلى فأرادت
《جنة》 جذب انتباهها حين قالت بحنق
" والله لو بتحبي و مكويه اوي لا سالم بيه ولا غيره يقدر يقف قدامك .. أنتِ بس روحي قوليله سيبني ارجع لجوزي. و اريح و استريح .."
ناظرتها 《شيرين 》باستهزاء وقالت بمكر
" بمناسبة الراحة هستاذنك اخد الدوا بتاعي عشان صدعت.."
هوى قلب 《جنة》 بمكانه وما أن أوشكت علي إيقافها حتي أطلقت الأخرى ساقيها للريح وهي تنوي اغتنام تلك الفرصة التي قدمت لها علي طبق من ذهب و بالفعل قامت بفتح باب غرفتها بقوة لتجد 《فرح》 التي كانت يدها تمتد لتلتقط هاتف مخفي بين طيات ملابسها وهنا صرخت
《شيرين》 بذعر مفتعل
" بتعملي ايه في أوضتي ؟؟"
شهقت 《فرح 》و تراجعت للخلف بصدمة فلم تتوقع أن تمسك بها تلك الأفعى متلبسه فقد أرسلت 《جنة》 لاختطاف هاتفها دون أن تلاحظ و لكن الأخيرة لم تجده فأرسلت رسالة هاتفيه تفيد أنه ليس معها فظنت بأنها ربما تركته في غرفتها فـ توجهت علي الفور الي هناك بعد أن أرسلت تخبر شقيقتها أن تعيقها قدر المستطاع . ولكن كانت حيلة التقطتها على الفور 《شيرين》 التي اقتربت قائلة بصوت أعلى
" ردي عليا بتعملي ايه في أوضتي ؟"
ارتجفت 《فرح》 و لم تسعفها الكلمات في الحديث فاقتربت 《شيرين》 منها قائلة بـ تخابث
" مدام القطة اكلت لسانك. يبقى هجيب اللي هيعرف يقررك كويس .."
صاعقة قوية ضربتها حين فطنت الي ما ترمي إليه 《شيرين》 التي اندفعت إلى باب الغرفة وهي تصيح بملئ صوتها
" سالم… يا سالم . يا مرات خالي . يا ماما .."
تجمهر الجميع إثر ندائها و كان هو آخر من وصل فتفاجئ من تلك التي كانت ترتجف في منتصف الغرفة و بلمح البصر وصل إليه سبب وجودها فـ اوشك على إطلاق مسبة بذيئة من فمه ولكنه أعرض عنها في آخر لحظة و لون الغضب نظراته و اكفهرت معالمه حين تحدثت 《شيرين》 بانفعال
" كنت تحت بشرب فنجان قهوتي و لقيت جنة جايه عماله ترغي في حاجات هايفه ملهاش لازمه و لما استأذنت اطلع أوضتي منعتني و لما اصريت و طلعت اتفاجئت بالست فرح هانم مراتك في أوضتي و بتدور في دولابي .."
شهقة قوية خرجت من جوف 《هِمت 》التي ناظرت «فرح» بغضب قائلة
" حراميه ؟"
جاءها الرد القاطع من 《أمينة》 التي قالت بحدة
" اخرسي .. أنتِ مش عارفه بتتكلمي عن مين ولا ايه ؟"
أضافت 《شيرين》 بحدة
" امال تفسيرك ايه يا مرات خالي للي حصل ؟ ادي أنتِ جيتي بنفسك لقيتيها في نص اوضتي و دولابي مفتوح. رأيك ايه؟ و لا بلاش أنتِ سالم رأيك ايه ؟"
كانت أنفاسه تحرق صدره من شدة الغضب و خاصةً وهو يراها في هذا الموقف الصعب ترتجف بهذا الشكل و هو عاجز كليًا عن احتضانها و تهدئه خوفها فقد وضعته و وضعت نفسها في مأزق كبير مع تلك الحية التي لم تمرر ما حدث بسهولة و ستحاول النيل منها بكل الطرق ..
" رأيي انك تخرسي و تدي فرصه للناس تتكلم .."
هكذا أجابها بقسوة و قام بالالتفات الي 《فرح》 التي كانت ترتجف من هول الاحراج ولكنه حاول طمأنتها بنظراته و لهجته التي رقت قليلًا وهو يقول
" كنتِ جايه لشيرين ليه يا فرح؟"
كانت كلماته كالبوصلة التي وجهتها الى طريق الهرب الذي التقطته علي الفور و نظراته التي جعلت عقلها يعود الي العمل فخرجت كلماتها ثابته إلي درجة كبيرة حين قالت
" أبدا أنا جيت اشوفها كانت عايزاني ليه؟ و لما دخلت الاوضه ملقتهاش فكرتها في الحمام روحت اخبط ملقتش حد وفجأة لقيتها داخله من باب الاوضة بتزعق فيا .."
برقت عيني 《شيرين》 من هذا الكذب وقالت بسخرية
" لا والله. دخلت عليا الكذبة ؟ انا اللي كنت عيزاكِ ؟ و دا من امتى و هعوزك اعمل بيكِ ايه ان شاء الله ؟"
كانت غبية برغم شرها و قد وقعت في براثن الفخ الذي أحكمت 《فرح》 نصبه جيدًا حين قالت ببساطة
" قبل الفرح بكام يوم أنتِ كلمتيني و قولتي انك عيزاني في موضوع ضروري . حتي انك جيتي مخصوص من اسماعيليه يومها عشان تقابلينِ و أنا كان عندي بروفة الفستان و معرفتش اقابلك و قولتلك قدامنا وقت طويل نتكلم فيه بعد الفرح . و عشان كدا جيتلك دلوقتي اشوف كنتِ عايزاني ليه ؟"
أطلق نفسًا هادئًا لدي سماعه حديثها الذي كان أكثر من رائع وقعه على 《شيرين》 التي امتقع وجهها لدي سماعها حديث 《فرح》 و الذي اتبعه 《سالم》 حين قال بخشونه
" دا اكيد موضوع مهم اوي اللي يخليكِ تنزلي من اسماعيليه للصعيد مخصوص عشان تقابلي فرح . و عندي فضول بصراحه اعرف انا كمان.."
رسمت الحية شباكها حول نفسها تلك المرة فهاهي تقف أمامه كالبلهاء لا تستطيع التفوه بحرف فتلك اللعينة نجحت في لف الحبل حول عنقها جيدًا.
" بصراحة و أنا كمان يا سالم عايزة اعرف يا ترى كنتِ عايزة فرح في ايه يا شيرين ؟"
هكذا تحدثت 《أمينة》 بتهكم جعل الدماء تفور حارة في أوردتها خاصةً وهي تحت ميكروسكوب نظراتهم التي غلفتها السخرية فرفعت رأسها تحاول الفرار من هذا المأذق حين قالت بتلعثم
" أبدا. أنا. كنت. يعني. عايزة اشوفها . لو. لو محتاجه اي . مساعده.. بس "
أطلقت 《أمينة》 سهام سخريتها قائلة
" يااه بقي تسافري لها من اسماعيليه للصعيد عشان بس تشوفيها عايزة مساعدة ولا لا؟ دانتِ طلعتي خدومة اوي و احنا منعرفش ؟"
التفتت 《شيرين》 بحدة و عينيها تطلقان سهام الغضب نحو《 أمينة》 التي تابعت شن هجومها الساخر لتنال من كرامتها قدر الإمكان
" إلا قوليلي يا شيرين انتِ جايه من بيت جوزك بالهدمة الي عليكِ . ازاي تفكري أن فرح ممكن تسرقك و هتسرق منك ايه ؟ لا كدا بصراحه وحش في حقك تبقي خدومه كدا. و تظني في الناس الظن الوحش دا لا انا كده زعلت منك .."
ارتسمت ابتسامة شامته علي ثغر 《فرح》 التي كانت تود الركض وعناق 《أمينة》 بقوة علي ما فعلته 《بشيرين》 التي امتقع لونها و بهتت ملامحها ولكن أتت المفاجأة حين تدخل قائلًا بصرامة
" اول و آخر مرة المهزلة دي تحصل هنا. و بعد كدا تخلى بالك بتقولي ايه ولمين؟ "
كانت نظراته وحدها تهديد عظيم نجحت في فهمه و لكنها شعرت بقلبها يتمزق لنصفين حين رأته يمد يده لـ غريمتها وهو يقول بلهجة هادئة
" يالا يا 《فرح》.."
كانت مفاجأة لم تتوقعها أبدًا أن يمد يده إليها هنا أمام الجميع و تحديدا تلك الشيطانة التي ذاقت الجحيم بسببها في الليلة الماضية و يتناسى خطأها الجسيم في حقه لهو أمرًا عظيم .
فإن كانت سابقًا تحبه فاليوم و في تلك اللحظة تحديدًا هي عاشقة له حد النخاع و لهذا أرادت أن توصل له ما تشعر به فمدت يدها إليه تشبك أصابعها بين تجويف أصابعه و تقبض بقوة علي كفه بينما عينيها تشابكت مع خاصته في نظرة خاطفة جعلت النبضات تتعثر بقوة داخل قلبه و لكنه اضطر لقطع تلك النظرة الخاصة التي يترقبها كل تلك الأزواج من العيون و لم ينسي إلقاء قنبلة أراد منها الانفجار فى وجه «شيرين» حين قال بسخرية موجها
حديثه 《الفرح》
" بعد كدا تتعلمي أن مش اي حد تعمليله قيمة و تسمعي كلامه.."
******************
دلفت إلى داخل الغرفة وهي تتشاجر مع خطواتها و لسانها لا يكتفي من السب و اللعن في تلك الأفعى كما اسمتها. و كان هو خلفها يناظر انفعالها بنظرات اعجاب لم يحاول إخفاءها فالتفتت تناظره فوجدته يبتسم بهدوء دق قلبها بقوة آلمتها و غزي الخجل ملامحها المفعمة بالغضب مما جعل محصول الطماطم الشهي ينبت فوق خديها فـ تسلحت بالغضب حتى تخفي احراجها قائلة
" مش شايفه اي حاجه تضحك في الموضوع إلا إذا كان عجبك عمايل بنت عمتك ؟"
لم يخفي ابتسامته ولكنه أجاب بهدوء
"اللي عاجبني بصراحه شكلك وأنتِ متعصبة. "
كان صريحًا بدرجة محرجة و قد نجح في التعزيز من خجلها أكثر بحديثه فهذا الشخص تستطيع إعطاءه جائزة الدولة في الصراحة و الوضوح فهو لا يخفي اي شئ و لا يترك شئ بقلبه و هذا ما يفاجئها وجود أشخاص مثله في تلك الحياة
" انا مش متعصبة.. انا هطق.."
هكذا تحدثت حتي تخفي خجلها فاقترب منها قائلًا باستنكار
" تطقي مرة واحدة ؟ لا دا الموضوع خطير بقي .. دانا اروح اجيب لك شيرين ترنيها علقه محترمه ولا تزعلي نفسك أبدًا.."
لمعت عينيها ببريق خاطف وهي تقول بحماس
" طب والله فكرة… "
قهقه علي مظهرها قبل أن يقول غامزًا بعبث
" يا واد انت يا شرس ؟"
جفلت من حديثه و تلك الغمزة التي بعثت قشعريرة قوية الي سائر جسدها فـ تراجعت للخلف فقام هو بالاقتراب بينما يديه مازالت في جيوب بنطاله و كأنه يخشي أن تغدر به وتحتضنها بقوة و هو لا يريد اخافتها خاصةً بعد ما حدث البارحة
" كان مالك امبارح ؟"
هوى قلبها بين قدميها حين باغتها بهذا السؤال الذي لم تكن تملك أي اجابه عليه فإجابته الوحيدة تخشاها كثيرًا و تخشي عواقبها لذلك التفتت تنظر في الجهة الأخرى تهرب بنظراتها منه وهي تقول بتوتر
" أبدًا.. أنا . يعني . مكنتش . عايزة ا. أضايقك بس.. كنت. خايفه.."
شعر بها تراوغ فتابع استجوابه قائلًا بإلحاح
" خايفه من ايه ؟"
رطبت حلقها قبل أن تجيب بتلعثم
" اصل. كابوس .شفت . كابوس. و كنت. خايفه ."
كان شبه متأكد من أنها تكذب فقد رآى أنها لم تكن نائمة من الأساس و لكنه لم يرد الضغط عليها أكثر فيكفيه فزعها الليلة السابقة فقد طلبت منه أن يظل جالسا أمامها حتي تذهب الي النوم و بالفعل أخذ يراقبها طوال الليل فقط تركها لدقائق حين تأكد من نومها للذهاب ورؤية ماذا حدث في الاسفل و من ثم بعد أن اطمئن على انطفاء الحريق عاد مرة أخرى لمراقبتها حتي أنه غفى علي المقعد دون أن يدري ..
"الكابوس من الشيطان . دايمًا عودي نفسك تنامي على وضوء و تقرأِ المعوذتين وآية الكرسي و خواتيم البقرة قبل ما تنامي. و مفيش اي حاجة هتفكر تقربلك .."
انتبهت إلى حديثه الذي لاقى صدى كبير داخل قلبها فتحدثت بانبهار
" انت بتصلي يا 《سليم 》؟"
ابتسم بهدوء قبل أن يجيب بسلاسة
" اكيد طبعًا .. ايه السؤال دا ؟"
" لا أصلي اتفاجئت يعني . معرفش مشوفتكش بتصلي قبل كدا.. و كمان يعني حياتكوا الفلوس و العيلة و …"
توقفت عن الاسترسال في حديثها حين سمعت ضحكته الساخرة الذي اتبعها قائلًا
" طب و الحاجات دي تمنعني ليه اني اصلى . دي مفروض تقربني من ربنا اصلًا ."
" ازاي ؟"
سألته باندهاش فأجابها بسلاسة
" عشان دي كلها نعم من ربنا عليا و المفروض الإنسان يشكر ربنا على نعمه و يطلب منه يديمها . مش يجحد بعطاء ربنا و يبعد عنه."
انبهرت حين لامست نزعته الدينية و فاجأها أكثر حين قال
" و على فكرة أنا بحفظ قرآن كمان . و ناوي أن شاء الله اختمه حفظ و تجويد في اقرب وقت.."
انتشي قلبها بحديثه فخرجت الكلمات من فمها باندفاع
" طب ممكن احفظ معاك؟"
لم يسعه الكون فرحًا لطلبها فأجاب بتأكيد
" طبعًا ممكن.. انتِ تؤمرى .."
ابتسمت بخجل لم يستطع منع نفسه من التقدم منها و وضع قبله حانيه فوق رأسها وهو يقول بخفوت
" كل اللي نفسك فيه هنعمله سوا. و كل المستحيل هيبقي ممكن عشان خاطرك. و دا وعد من سليم الوزان بذات نفسه اللي عمره ما وعد غير ونفذ.."
طوفان من المشاعر المختلطة ضرب قلبها الهش فانتفض بين ضلوعها التي دوت بها دقاته بعنف و خاصةً حين رأت تلك النظرة بعينيه التي تعلقت بشفاهها التوتية بطريقة ارهبتها وما أن شعرت باقترابه منها حتى انتزعت نفسها من بين أحضانه وهي تقول بتلعثم
" هنزل . اشوف.. اشوف. فرح .."
أنهت جملتها و هرولت للأسفل تاركة خلفها كتلة من النيران التي أحرقت جسده حتي صارت عضلاته تؤلمه كحال قلبه الذي يشتهي قربها بطريقة تعجز الكلمات عن وصفها..
**************
فتح باب الغرفة و دلف معها الى الداخل و مازالت يدها بيده تأبى تركها و قد شعر هو بذلك ولكن الغضب بداخله كان قوى لدرجة أنه قام بالتشديد علي يدها و هو يديرها إليه لمواجهته قائلًا بغضب
" الموقف اللي حصل دا لو اتكرر تاني هتزعلي مني أوي يا فرح ؟"
كانت قبضته الغير رحيمه تقبض على قلبها اولًا فخرجت الكلمات منها متألمة
" اكتر من كدا؟"
وثبت الدهشة الى ملامحه و لكنها سرعان ما انمحت وحل محلها الغضب الذي جعله يقول بجفاء
" اكتر بكتير .."
عاتبته بألم
" متخيلتش انك ممكن تكون قاسي كدا؟"
لمس عتابها اوتار قلبه النازف فلونت الخيبة ملامحه قبل أن يقول بعتاب خفي
" و لا أنا! "
شعرت بمدى جرحه الذي تساقط من نظراته التي كانت تحاصرها بنظرات معاتبه اخترقت قلبها فقالت بندم
" انا عارفه اني غلطت لما صدقتها . و عارفه أن كلامي كان صعب .."
" مش كلامك بس اللي كان صعب.."
هكذا تحدث بأنفاس متلاحقة و صدر يعلو ويهبط و كأنه ينازع لخوض هذا الحوار معها و أمامها. فبالرغم من كل شئ فهو يشتاقها و يشتاق دفء عناقها ليرمم جراح غائرة تنزف بقوة ولكنه لا يستطيع ان يخطو خطوة واحدة تجاهها وقد شعرت هي بذلك فاقتربت منه أكثر و عينيها تمطران ألمًا تجلى في نبرتها حين قالت
" معرفش ازاي عملت كده.. بس صدقني.."
" اسكتِ .. متكمليش. قلة الكلام في اللي حصل احسن.."
استفهمت بنبرة متوسله
" يعنى هنفضل كدا ؟"
ماذا يخبرها اينزع عباءة الكبرياء جانبًا و يخبرها عن مدى معاناته و أنها وحدها القادرة علي لملمة شتات روحه المهترئة ام يخبرها عن ذلك الثقل الذي يحمله على عاتقه و مدي الجرم الذي أحدثه شقيقه الراحل و من المفترض عليه معالجته و هو حتي لا يعلم كيف السبيل لذلك ؟ أخذ يناظرها طويلًا بعينين غلفها الوجع واظلمها الغضب ولكنه بالنهاية قطع تلك النظرات قائلًا بفظاظة
" أنا مسافر كمان شويه. هقعد يومين او اكتر . لسه مش عارف. لما ارجع نبقي نتكلم .."
أفصحت عن انهار الألم المدفون بداخلها و قالت باستنكار من بين انهيارها
" هتسبنى وتمشى يا سالم؟ و في الوقت دا ؟"
ود لو يخبرها بتلك الأصفاد التي تكبله و تجذبه من عنقه حتي كادت أن تنحره ولكنه لم يعتاد علي الضعف أبدًا لذا قال بخشونة
" الموضوع للأسف ميتحملش اي تأجيل. وخلينا نعتبرها فرصة كل واحد يفكر فيها براحته.. "
انهى جملته وتوجه إلي غرفة الملابس لأعداد حقيبته بينما هو في الحقيقة يهرب منها و من ألمه و شوقه الضاري لها فوقف في منتصف الغرفة ينظر إلى السرير الذي احتضن ألمها و عبراتها الليله الماضية و التي لا تنمحي ذكراها من مخيلته أبدًا فحاول تشتيت انتباهه في تجهيز ما أراد وحين انتهي وقعت عينيه علي كنزة ملقاة بإهمال على الاريكه فاقترب منها و قام بالتقاطها و تقريبها من أنفه فغزت رائحتها العذبة رئتيه فانتشي سائر جسده وهو يتخيلها قابعه بين أحضانه و قام بإغماض عينيه لثواني يستمتع بحلاوة الشعور و دون أن يدري وجد نفسه يقوم بوضعها بين طيات ملابسه في الحقيبه و قام بإغلاقها متوجهًا للخارج فوجدها جالسة على المخدع بإهمال و عينين فاض بهم الدمع و حين رأته قادم شيعته بنظرات معاتبة و أخرى معتذرة فتقدم بخطٍ سلحفيه يقف أمامها فرفعت رأسها إليه فـ تحمحم بخشونة قبل أن يقول
" خلى بالك من نفسك . و حاولي قدر الإمكان تتجنبي عمتي وشيرين.. "
نهضت بتكاسل و كأنها لا تقوى علي حمل جسدها الواهن من فرط الألم الذي تجلى في نبرتها حين قالت
" حاضر .."
كان استسلامها مؤلم كثيرًا إضافة إلي حزنها الذي يقتله فلم يستطيع منع نفسه أن يقول بخشونة
" البيت دا أنتِ مرات الكبير بتاعه. ياريت تتصرفي مع الناس اللي فيه عالاساس دا .."
رفعت رأسها تناظره بلهفة لم تغادر حدود شفتيها التي ارتجفت أمام أنظاره فلم يعد يحتمل البقاء معها دون أن يفعل ما قد يندم عليه لذا أردف بفظاظة
" خلى بالك من نفسك .."
انهى جملته و التفت متوجهًا للخارج وحين خطى إلى خارج الغرفة سمع انينها الخافت باسمه
" 《سالم》…"
توقف للحظة طاحنًا ضروسه من فرط الألم تتقاذفه رغبه ملحه في الالتفات و معاقبة شفتيها علي نطق اسمه بتلك الطريقه المهلكة لمشاعره و حواسه و النيل منها علي ما جعلته يعيشه من ألم و عذاب و إفراغ جميع شحنات غضبه و ألمه و عشقه بها و لكنه للحظة أشفق عليها من عقاب لن تتحمله و مشاعر من فرط قوتها حتمًا ستؤذيها لذا تجاهل همسها و توجه للأسفل فأوقفه نداء والدته التي استنكرت ما رأته وقالت بصدمة
" سالم .. انت رايح على فين ؟؟"
توقف 《سالم》 بمنتصف الصالة وهو يزفر النيران من أنفه فلم يعد لديه طاقة للحديث و خاصةً تبرير ما يفعله ولكنه احترم نداء والدته و التفت يجيبها
" في مشكلة كبيرة في فرع القاهرة و لازم اسافر دلوقتي حالًا .."
انكمشت ملامحها بصدمة وخاصةً حين رأت ملامحه المكفهرة و شفتيه المذمومة كخيط رفيع و كأنه يريد التزام الصمت طوال حياته فتلك هي اقصى درجات الغضب لديه ولذلك لم تحاول التطرق إلى أشياء قد تزيد وطأة ما يحدث فقالت بنبرة لينه
" ربنا يعينك يا ابني . بس يعني . فرح؟ مش حرام تسبها يوم صبحيتها كدا ؟'
ود لو يخبرها بأن أقصى درجات الحرام ما يحدث معه فهو سيذهب تاركًا معها قلبه و روحه و وجدانه سيذهب بهذا الجسد المثقل بالهموم التي لا يعرف كيف سيعالجها و لكنه اكتفى بالقول
" فرح عاقلة و بتقدر يا ماما. متقلقيش.."
رنت جملته بأذنها مرورًا بقلبها الذي ارتج لدى سماعها جملته التي تحوي مديحًا مبطنًا فلم تقدر علي خذلانه و جاء صوتها الهادئ يؤازره
" سبيه يا ماما.سالم عنده شغل مهم و مينفعش يتأجل و أنا مش زعلانه أبدًا.."
لامست حروف كلماتها قلبه الذي يود لو يلتفت في تلك اللحظة يعتصرها بين قضبان ذراعيه حتى ترى ماذا تفعل به مجرد حروف بسيطه من شفتيها التي يشقى وهو أمامها يناظرها كالتفاح الحرام الذي لا ينفك يغويه ..
" اديكِ سمعتي بودنك . همشى انا بقى عشان متأخرش.."
لم يكن يخفي عليها ماذا يحدث ولكنها لم تطل في الحديث و خاصة حين التقمت عينيها تلك التي تراقب ما يحدث بشر فعلى صوتها وهي تقول
" تروح و ترجع بالسلامه يا ابني.. روحي يا فرح وصلي جوزك…"
اومأت 《فرح》 بالإيجاب و قد تفهمت نظرات 《أمينة》 المحذرة و توجهت خلفه الي أن وصلت إلي باب المنزل و قام بفتحه قبل أن ينظر إليها بجمود سرعان ما تبدل لصدمه حين وجدها تقترب منه محاوطه رقبته بذراعيها في عناق كان رقيقًا يشبه أنفاسها العطرة التي لامست رقبته للحظة بدت خاطفة سلبت إرادته و انساق خلفها إذ حاوط خصرها بيديه التي كانت قويه بقدر لينها مما جعل دقات قلبها تقرع كالطبول تشاطرها دقات قلبه الذي اهتاج داخله من فرط ما يعتريه من شوق يحتاج أكثر من هذا العناق ولكنه استخدم كل ذرة مقاومه لديه لنزعها من بين براثنه و أهداها نظرة بدت غامضة بقدر ما تحوي من مشاعر تعجز الكلمات عن وصفها. فـ شيعته هي بنظرات نادمه مشتاقه إليه قبل أن يبتعد. وخرجت الكلمات من بين شفتيها دافئه حين قالت
" اشوف وشك بخير .."
كان ما يحدث أقصى ما يمكن احتماله لذا أومأ برأسه قبل أن يستمع إلي باب أحد الغرف يغلق بقوة فعلم بأن التمثيلية قد انتهت لذا تراجع سريعًا و التفت مغادرًا دون حديث ..
****************
ما أن غادر حتي سمعت صوت 《أمينة》 الصارم يناديها فالتفتت فوجدت 《جنة》 تهرول من الاعلى و كأن احدًا يلاحقها و تفاجئت ب《سليم》 الذي كان يخرج من الغرفة و وجهه لا يفسر
" انتوا الاتنين تعالوا ورايا.."
قالتها 《أمينة》 وهي تفرق نظراتها بينهم مما جعل《سليم 》يتوقف فنهرته قائلة
" علي شغلك. "
" ماما…"
هكذا ناداها فهو يعلم حالتها تلك فـ أصرت علي موقفها قائلة
" كل واحد يشوف شغله.. يالا اتفضل على شغلك .."
كان المشهد غريبًا علي كلا الفتاتين ولكن 《سليم》لم يستطع منع ابتسامة عابثة من الظهور على ثغره اتبعها بغمزة توجهت الى قلبها مباشرة وهو يلتفت دون حديث .
دلفت 《أمينة》 الي داخل الغرفة و خلفها الفتاتين و ما أن أغلقت الباب حتي التفتت إليهم وهي تقول بحدة
" بصوا بقى انتوا الاتنين. الكلام اللي هقوله دلوقتي يتسمع و يتنفذ بالحرف الواحد . و مش هسمح لحد أنه يناقشني فيه .."
كان حديثها صادمًا لكليهما و خاصةً نبرتها الحادة و عينيها التي كانت تطلقان سهام بدلًا من النظرات فكان أول المتحدثين 《فرح》 التي قالت باندهاش
" حاجه أمينة حضرتك بتتكلمي ليه كدا؟"
اجابتها 《أمينة》 بصرامة
" مسميش الحاجة أمينة . اسمي ماما أمينة. مش انا حماتك ولا بيتهيألي؟"
تفاجئوا للحد الذي جعلهم صامتين فقط إيماءة بسيطة كانت إجابة علي سؤالها فـ اردفت بتصحيح
" يبقي تقولولي ماما . الحمي عندنا بيتقالها يا ماما . و دي اول نقطة . نيجي بقي لتاني نقطة . البيت اللي انتوا شايفينه دا مش قايم علي عمدان دا قايم علي كتاف ولادي . و مش بس البيت دي العيلة كلها قايمه علي كتافهم. و لو مكنش في حضن محاوط علي الكتف اللي شايل دا هيتعب و هيقع . فاهمين قصدي ولا اوضح اكثر.."
تحدثت 《فرح》 اولًا
" انا فاهمه.."
" و أنتِ ؟"
هكذا استفهمت 《أمينة》 بحدة فأجابت 《جنة》 علي الفور
" و أنا كمان فهمت. اه والله العظيم.."
استطردت《 أمينة》 قائلة بصرامة
" حلو. نيجي للنقطة اللي بعد كدا. انا عشت عمري كله محاوطه علي جوزي و ولادي و علي البيت بالي فيه. لدرجة أن البيت مكنش يمشي من غيرى لو تعبت يوم يقف . بس انا دلوقتي كبرت و فعلا تعبت. و مش هقبل أن البيت يتهد. عشان كدا عيزاكوا في ضهري. اللي جاي مش سهل . و في حرب قذرة دايره بدايتها كانت من زمان اوي من قبل ما تتولدوا حتي . و دلوقتي الشيطان راجع يهدد حياتنا من تاني بعد ما طردناه وارتحنا منه.."
انكمشت ملامح الفتيات بحيرة تجلت في نبرة 《جنة》 حين قالت
" طب هو حضرتك ممكن توضحي اكتر . انا مش فاهمه حاجه "
اجابتها《 أمينة》 بهدوء
" الشيطان دا ناجي جوز همت . و ابن عم منصور جوزي . اخو صفوت. "
شهقات خافته خرجت من افواههن تجاهلتها 《أمينة》 و تابعت
" طول عمره الفرع المعووج في العيلة و طول عمره بتاع مشاكل و بيبص للي في ايد غيره. عمي الله يرحمه كان مكافح كبر ثروته و مكنش عنده غير ولدين وبنت عشان كدا نصيبهم من تركته كان كتير أما ناجي أبوه كان عنده ست ولاد و ورثه و نصيبه كان يدوب ملاليم و عشان كدا كان بيحقد علي منصور و اخوه و طمعه خلاه يقرب من همت ويوهمها انه بيحبها لانه كان عارف غلاوتها عند ابوها.. و فعلا حبته و نجح في الي بيخططله و اتجوزها و عمى شغلو معاهم إكرامًا لبنته. بس للاسف بقي جشع اكتر و حاول يأذيهم في شغلهم و يشتغل لحسابه و من حسن حظنا أنه اتكشف و البنت السكرتيرة الي كان مجندها لحسابه بعد ما خلى بيها جت وفتنت عليه و حكت كل حاجه قدام همت.."
" يا حرام .. زمانها اتصدمت جدًا.."
هكذا تحدثت 《جنة》 بشفقه فتابعت 《امينة》
" اتصدمت و انهارت . ودخلت المستشفي شهر و في خلال الشهر دا هو عمل المستحيل عشان يشوفها و يقنعها. و عمي موافقش بس هو ميأسش و عمل اللي عايزه و وصلها بعد ما جاب البت السكرتيره و رضاها بقرشين عشان تغير كلامها و تقول إن منصور هو الي خلاها تيجي وتقول كدا عشان يطلق همت منه. لكن همت مصدقتوش عشان كانت عارفه أن منصور استحاله يعمل كدا و كمان اي ست تقدر تحس إذا كان جوزها بيخونها ولا لا ؟ وهي كانت حاسه أنه مش مظبوط…"
" دي مطلعتش وحشة زي ما احنا متخيلين . صعبت عليا اوي بعد كل اللي شافته.."
هكذا تحدثت《 فرح》 فهي اختبرت شعورًا مشابها ليلة أمس و ياله من شعور مريع لهذا أشفق قلبها علي تلك المرأة التي طالها الأذي من زوجها
" همت مش وحشة . همت عبيطة و دا اسوء. سهل اوي ينضحك عليها منه مرة تانية و خصوصًا أنه بيستخدم نقطه ضعفها بناتها أو خلينا نقول شيرين بس. سما زي امها. انما شيرين واخده منه كتير اوي .."
تدخلت 《جنة》 بنفاذ صبر
" ايه الحرب دي ؟ طب ما تخلوها تاخد بناتها و تمشي ايه لازمته يعيشوا معاكوا بدل كل التعب دا ؟"
أجابتها 《أمينة》 بجمود
" مش.بمزاجنا يا جنة و لا بالسهولة دي تتخلصي من الشر . همت لما اختارت ابوها و اخواتها و رفضت تصدق ناجي. ابوها عشان يجبر بخاطرها و يراضيها قسم أملاكه علي ولاده التلاتة بالتساوي بما فيهم المزرعة دي كل واحد التلت ما عدا الأرض. وصي لو همت بناتها اتجوزوا من العيلة تاخد الأرض طين و لو خرجوا منها ياخدوا التلت بردو بس فلوس.. مكنش عايز الغريب يحط ايده علي أرضه.."
"دا عقد الموضوع اكتر .."
هكذا تحدثت 《فرح》 فأجابتها 《امينة》 بتعب
" قولتلك دي حرب و بادئة من زمان اوي.. عشان كدا عيزاكوا جمبي و جمب سالم و سليم . البيت دا لازم يفضل رافع راسه العمر كله. و الشيطان دا لو حط رجله هنا تانى هتبقى نهايتنا كلنا .."
تحدثت 《فرح》 بعدم فهم
" ازاي ييجي هنا و حضرتك بتقولي أنها عارفه حقيقته.."
" الشيطان مش وحش عشان بيوسوسلنا بالغلط يا فرح دا كمان بيزينه.وناجى دا الشيطان يقوله يا عمي و وارد يرجع يلعب بدماغها تاني وهي دلوقتي حاسه أننا ضدها و محتاجه حد يقويها وشيرين ممكن تلعب عالنقطه دي و تحاول تميل دماغها. "
" طب و ايه الحل يا ماما ؟"
هكذا تحدثت 《جنة》 بلهفه فأجابتها 《أمينة》 بتخطيط
" هقولكوا. بس خليكوا فاكرين أن مفيش مجال للغلط ولو مطلعتوش قد المسئوليه هاخدكوا من ايديكوا و ارجعكوا لأهلكوا و معايا ورق طلاقكوا. فاهمين ولا لا ؟"
بالرغم من أن حديثها يبدو جامدًا و لهجته متوعدة ولكن الفتيات فطن إلى ما ترمي إليه و بأنها تثير روح الحماس بداخلهم و بالنهايه هي لا تريد سوي الصالح للجميع لذا خرجت الكلمات من افواههن في آن واحد
" فاهمين ياماما…"
التمعت عينيها بالسعادة التي تجلت في نبرتها حين قالت
" حلو . يبقي اسمعوني كويس.."
*************
تفتكر يا سليم سالم هيعمل ايه مع البنت دي وأهلها؟"
هكذا تحدث 《مروان》 وهو يقف بالشرفة إلى جانب 《سليم》 الذي كان يرتشف قهوته المرة التي لم تفلح في جعله يتناسى ما حدث فـ أطلق زفرة حادة من جوفه قبل أن يقول
" لحد دلوقتي مش عارف و لا هو كمان عارف.."
" الموضوع عمال يتصعب بشكل غير طبيعي . انا حاسس ان عقلي واقف مش عارف افكر .. معقول تفضل في غيبوبه كل دا و بعد ما كانت بتموت تصحي تحكي علي كل اللي حصل شوف و القدر أن العمله السودة دي يعملها قبل ما يموت بيوم ضيع البنت الله يسامحه "
هكذا تحدث 《مروان》 بسخط فأجابه 《سليم》 بغضب
" كل حاجه هينه في الدنيا دي الا اللي تخص الشرف يا مروان. دي الحاجة الوحيدة اللي لو اتمست ملهاش اي دوا. "
" كلامك بيقلقني اكتر يا سليم . بس هرجع واقولك عندك حق . مهما عمل سالم حتي لو اداهم فلوس الدنيا و الآخرة دا مش هيعوضهم عن شرف بنتهم اللي ضاع علي ايد حازم .. "
كان حديث 《مروان》 شائك للغاية فلم يتحمله و اندفع غاضبا
" اسكت يا مروان الله يباركلك. انا من غير حاجه جوايا نار قايده.. "
التفت 《مروان》 يناظره بشفقه علي حاله و حاول أن يغير دفة الحديث إذ قال باستفهام
" بس مش غريبة انهم ييجوا يقبضوا على شخص متوفى . يعني مفروض يكون عندهم علم أنه متوفي اصلًا..'
خيمت الحيرة على ملامحه قبل أن يقول بجفاء
" هي غريبة طبعًا . بس خطأ وارد يحصل . و ممكن يكون مقصود . انا مبقتش فاهم حاجه.."
التقمت أذنيها تلك المحادثة السرية بينهما حين كانت تنوي التوجه للشرفة و لكنها تسمرت لدى سماعها حديثهم الذي جعل الذهول يخيم علي ملامحها فـ تراجعت بخفه الى الاعلى و قامت بجذب الهاتف السرى الذي تملكه و أجرت اتصالًا هاتفيًا و ما أن جاءها الرد حتي صاحت بصدمة
" بابا . الحق حازم طلع مغتصب بنت قبل ما يموت بيوم و البوليس جه هنا و سال عليه.."
أجابها 《ناجي》 بتسلية
" و إيه كمان ؟"
اندهشت من تقبله للأمر فقالت باستفهام
" انت كنت عارف حاجه زي دي ؟"
" ابوكي مفيش حاجه ميعرفهاش. المهم قوليلي متعرفيش هيتصرفوا ازاي"
اجابته 《شيرين》 بغضب
" والله معرفش. انا سمعت أن سالم راح يقابل اهل البنت و اكيد هيعرض عليهم فلوس. "
قهقه 《ناجي》 بشر وقال باستمتاع
" حلو اوي كدا الصنارة غمزت . خليهم يتلهوا في العظمة شويه لحد ما ابعتلهم القاضية.. "
****************
كانت تنتفض إثر تلك الصفعة التي تلقتها وجنتها الرقيقة التي انطبعت فوقها أصابعه الخشنة فجرحت جلدها الرقيق. فأخذت ترتجف رعبًا وهي تقول بتلعثم
" اني.. معملتش . حاچة. "
صاح بها بقلب يرتجف ألمًا زاد من حدة غضبه فـ دفعها بعنف علي الأرض الصلبة حول شهقات الجميع حوله و صاح بها غاضبًا
" و كمان ليكِ عين تتكلمي يا خاطيه… "
انهي كلماته و قام بإخراج سلسالها و القاءه بوجهها وهو يقول باشمئزاز
" تخصك دي مش أكده.."
التقطتها بيد متلهفة وهي تقول
" ايوا .. ديه سلسلتي و ضاعت مني امبارح…"
" جصدك وجعت منك..و أنتِ منتيش دريانه. اجولك وجعت فين ولا افتكرتي؟"
هكذا تحدث بلهجة تقطر الما و صدر يعلو و يهبط بفعل النيران المندلعة به فهالها مظهره و حديثه فقالت بذعر
" لا مفكراشي. اني روحت امبارح ملجتهاش في رجبتي.. معرفش وجعت فين؟"
صاح بنبرة متألمه ولكن خافته
" اجولك اني.. لجيناها چار الزريبة المهچورة.."
فجأة برقت عينيها حين جاء علي ذكر ذلك المكان الذي شاهدت به تلك الواقعة المشينة و لكن مهلًا ماذا ظن بها ؟ هل يظن أنها هي من كانت؟؟
" في ايه يا ولدي ؟"
هكذا تحدثت 《تهاني》 بصدمة مما تراه و جاء خلفها صوت 《عبد الحميد》 الذي قال بفظاظة
" هتعمل ايه يا عمار ؟ انت اچنيت ولا ايه ؟"
" بايني أكده.."
هكذا تحدث و هو يطحن ضروسه ألمًا فصاح به جده
" احكيلي حوصول ايه؟ بتضرب البت دي ليه؟"
وقع سؤال جده علي مسامعه كسوط جلد قلبه الذي لم يتحمل مرارة النطق بما حدث و خاصةً حين أخذت تهز برأسها يمينًا و يسارًا و عينيها تتوسله و قد ظن بأنها تتوسل لألا يفضح ما حدث و لكنها كانت تتوسله ألا يظلمها وعبراتها منهمرة كالشلال علي وجنتيها و فجأة خرج صوته جريحًا و هو يضع يده بجيب جلبابه مخرجًا شئ ما و الذي لم يكن سوى سلاحه الذي وجهه إلى رأسها مباشرة وهو يزأر بألم
" البت دي لازمن تمووت…"
تعالت الشهقات و الصيحات من حوله و ترددت عبارات المنع من جده و 《تهاني》 ولكن بدا التصميم جليًا في عينيه مما جعلها تتأكد أنها هالكه لا محالة فاغمضت عينيها بقهر انبثق منها على هيئة عبرات تزامنًا من انطلاق الرصاصة من فوهة سلاحه تصيب رأسها…..
يتبع…..
بسم الله الرحمن الرحيم
🍓 الثامن عشر ج٢ 🍓
أشعر بأن الشوق يقيم حربًا في قلبي ولم اعُد استطِع تحمُل ذلك الدمار الذي يُخلفه غيابك. لذا أتوسل اليك باسم الحُبِ أن تقهر الفراق، و تعود لسُكناك فقد سئمت روحي كل هذا العذاب ..
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
"البت دي لازمن تمووت…"
تعالت الشهقات و الصيحات من حوله و ترددت عبارات المنع من جده و 《تهاني》 ولكن بدا التصميم جليًا في عينيه مما جعلها تتأكد أنها هالكه لا محالة فاغمضت عينيها بقهر انبثق منها على هيئة عبرات تزامنًا من انطلاق الرصاصة من فوهة سلاحه تصيب رأسها و بعد أن استعدت للموت و دوي صوت الرصاص بقلبها تفاجئت بأنها مازالت علي قيد الحياة..
فتحت عينيها ترفرف برموشها الكثيفه و إذا بها تصطدم ببركه من الدماء السابحه بمقلتيه و بجانبه ياسين الذي تدخل في اللحظة الحاسمه ليرفع فوهه سلاحه إلي الاعلي فاخترقت رصاصته سقف الغرفه بدلا من رأسها ..
" ايه يا عمار انت اتجننت ولا ايه ؟"
هكذا صرخ «ياسين» ب«عمار» الذي كانت اعينه معلقه علي تلك التي كانت ترتجف بشدة و عينيها تتوسل نافيه تلك التهمة البشعه التي الصقت بها عنوة و لُطِخ بها ثوب روحها الطاهرة . فتعالت شهقاتها حين سمعته يقول بقهر غلفه الغضب
" سيبني يا ياسين. الموضوع ده انت ملكش صالح بيها.."
" صالح ايه و زفت ايه ؟ عايزني اسيبك ترتكب جريمه زي دي واسكت.."
هرولت «تهاني» الي تلك التي كانت كل خلية بها ترتجف خوفا و ألمًا و قهرًا خرج من بين طيات صوتها المعذب حين قالت
" حرام عليك .. انا معملتش حاچه عفشه. انت اللي ظالم ، و مفتري. "
لا تعلم كيف واتتها الجرأة لنطق تلك الكلمات التي جعلت عينيه تبرقان من شدة الغضب فقام بدفع «ياسين» وهو يصيح بزئير
" بعد يا ياسين هجطع لسانها .."
لم يطعه «ياسين» و صرخ به «عبد الحميد» معنفًا
" وجف عندك. و حالًا دلوق تخبرني حوصول ايه و الا تصرفي مش هيعچبك.."
تفرقت نظراته بينها و بين جده و جميع الموجودين و من بينهم «حلا» التي كانت تناظره ببغض كبير و تشفق علي تلك الملقاة كالشاة بأرضية الغرفة تحترق قهرًا و وجعًا فإذا به يصرخ بانفعال في وجه الخدم المحيطين بهم
" بره . اخرچوا كلكم بره . مش عايز اشوف حد في الدار واصل .."
طاوعه الخدم و هرول الجميع الى الخارج بينما طالعته الأعين بفضول كان مقيت بالنسبه له والأكثر من ذلك هو عدم قدرته علي الحديث أو اخبارهم شئ
" هنستني كتير علي ما تفكر تحكي اللي حوصول؟؟"
هكذا تحدث «عبد الحميد» موجهًا حديثه الي «عمار» الذي ضاق ذرعًا بما يحدث فقد تشكلت غصه صدئه بداخل حلقه تمنعه من الحديث فقام بالصراخ علي «مسعود» الذي اتي مهرولًا فصاح به
"هاتلي الكلب اللي اسمه مرعي اهنه حالا .."
" أوامرك يا كبير .."
وبالفعل ما هي إلا دقائق حتي جاء «مسعود» برفقه «مرعي» الذي ارتعب ما أن رآي تجمهر الجميع ولكن حانت منه نظرة شامته علي تلك الملقاة على أرض الغرفة ترتجف بأحضان «تهاني»
" احكي يا مسعود شفت ايه بعد الفرح امبارح.."
" كت بمر زي كل ليله و شفت مرعي خارچ من الزريبة المهچورة و لامؤاخذه يده بيد واحدة و لما دخلت الزريبة لچيت سلسلة نچمة واجعه چمب السور چبتها و جيت طوالي جولت لعمار بيه.."
شهقات متفرقة خرجت من افواههن فصرخت «نجمة» بقهر
" انت شفتني بعينك يا ضلالي .."
«مسعود» بصدق
" لاه .. بس دي سلسلتك صح واني بعيني شايفك وأنتِ لبساها.."
هنا تحدث «عبد الحميد» بوقار
" فين السلسلة دي ؟ "
علي مضض تقدم «عمار» وأعطاه إياها فتحدث موجهًا سؤاله الي «نجمة»
" السلسلة دي بتاعتك يا بت أنتِ ؟"
«نجمة» بخفوت
" إيوااا.. بس والله العظيم يا سعادة البيه ما كنت اني."
صاح بها «عمار» بغضب جحيمي رج جدران المكان حولهم
" ولما مش أنتِ ايه اللي وداها هناك و وجعها ورا السور.. "
شهقات متتاليه خرجت من جوفها قبل أن تجيبه بنبرة جريحه
" اني .. اني ..خلصت كل شغلي.. و كت معاودة دارنا.. و أنى ماشيه.. چار الزريبة المهچورة .. سمعت صوت چاي من هناك . جولت ابص اشوف في ايه .. و حطيت جالبين طوب .. و وجفت عليهم اشوف ..و وووو.. "
اخفضت رأسها خجلًا غير قادرة علي إكمال حديثها فحثها «ياسين» علي الحديث
" كملي يا نجمة شوفتي ايه ؟؟"
اخفضت رأسها وهي تكمل
" شفت الغفير مرعي .. في وضع .. يعني . وضع . عفش . مع بنته .. و فچاة جوالب الطوب اتحركت من تحتي و كت هجع .. و لما حسيت بيه طالع يشوف مين چريت استخبيت . لا يشوفني .. و لما روحت البيت ملجيتش السلسلة في صدري … و معرفش وجعت مني فين… والله العظيم ده اللي حوصول . "
توقف لثوان حين التفتت تناظره وهي تقسم بأن هذا ما حدث و لدهشته وجد شعور قوي يتسلل الي داخله بأنها تقول الصدق و لكن جاء صوت «مرعي» الذي صاح ينفي حديثها بخسه
" متصدجهاش يا عمار بيه .. ده هي إلي كات معايا و بتجول الكلام دا . عشان تلبسني التهمه و تنفد هي منيها…"
" اخرس ياد انت.."
هكذا تحدث «عبد الحميد» وهو يعاود أنظاره الي «نجمة» التي صرخت بقهر
" اتجي الله يا ظالم . انت مش عنديك ولايا تخاف عليهم."
" اخرسي يا بت .. "
صاح بها «عبد الحميد» هي الأخرى و ضمن لثوان قبل أن يضيف
" الموضوع ده مش هيعدي بالساهل ده شرف . و عشان أكده هنچيب الحكيمه تكشف عليكِ لو فعلا أنتِ شريفه زي ما بتجولي هيبان و وجتها حقك عندي .. و لو كتي خاطيه زي ما بيجول هدفنك حيه .. "
كان الأمر برمته مهين ولكن حتي لو كان طريق الحقيقة اشواكًا ستغرز بكرامتها و كبريائها ستخطو به وتتجرع مرارة الألم في سبيل أثبتت برائتها.. اومأت بقهر وهي تخفض عينيها قائلة بصوت يخلو من الحياة
" و أني موافجه…"
" كل واحد علي شغله .. يالا .. وانت يا مسعود اچري چيب الحكيمه علي اهنه.. و حسك عينك مخلوج يعرف حاچة من اللي حوصلت دي فاهم ولا لاه؟"
" فاهم يا حاچ عبد الحميد…"
بدأت جيوش الندم تغزو قلبه وهو يناظر قهرها و رجفة جسدها الذي كان ينتفض بصمت بينما انسابت عبراتها تحفر وديانًا من الوجع فوق خديها. و لأول مرة بحياته يشعر بهذا الشعور المقيت بالألم يجتاح فؤاده و الذي لم يتحمله فتوجه الي الخارج وحين مر بها سمع صوتها المبحوح من فرط الألم
" بيني و بينك ربنا هنجف جدامه يوم الجيامة و هشتكيله ظلمك و چبروتك.."
انغرست أسهم حديثها المشتعلة بمنتصف قلبه الذي ارتج من فرط الصدمة والألم معًا فالتفت يناظرها فهاله مظهرها و عينيها التي سددت إليه نظرات مشبعه بالكراهية فكان لهذا وقعًا قويًا علي قلبه مضيفه إلي ألمه ألمًا جديدًا ولكن من نوع خاص لم يتخيله أو يختبره طوال حياته …
لم يتحمل ما يحدث و خرج مهرولًا بأدام هاربة من ألم ظن أنه باستطاعته الهرب منه ولكنه أي هرب من ألم يستوطن أعماق الروح..
كان كل هذا يحدث أمام «حلا» التي تفرقت نظراتها ما بين «ياسين» و «نجمة» و كأنها تخبره أي أناس هم ؟
و من ثم تجاهلته و توجهت الي تلك المسكينة تحتضنها دون حديث و لدهشته وجد عبراتها تنهمر بغزارة علي وجنتيها بينما كانت شفتيها ترتجف بقوة و كأنها تحاول منع شهقاتها من الخروج علنًا فتحدثت «تهاني» بلطف
" خديها عندك فوج يا بتي لحد ما الحكيمة تاچي . ديه بت غلبانه و اني متوكده أنها مظلومة .."
اومأت «حلا» بصمت و قامت بمساعدة «نجمة» في الحركة و توجهت إلى الأعلى في صمت ينافي حديث الأعين الذي تساقط علي وجنتيها..
***************
بأقدام مثقلة بالخيبات و قلب يتضرع إلي خالقه أن ينجح في مسعاه توجه إلي داخل المشفى قاصدًا غرفة تلك الفتاة التي لا يعرف من أين ألقي بها القدر في طريقهم. و ما الذي يخفيه لها و لهم؟
توقف أمام الرواق وعيناه تبحث عن رقم الغرفة المنشودة والتي كانت تجلس أمامه سيدة في العقد الرابع من عمرها و بجانبها زوجها الذي بدا كهلًا رغم أنه لم يبلغ العقد الخامس بعد و لكنها الخيبة و عواقب الخزي الذي لحق بهم ..
" السلام عليكم. "
هكذا القي السلام عليهم قبل أن يتابع بخشونة
" دي أوضة لبني محمد عبد العزيز ؟"
أومأ الرجل فتدخلت المرأة بقلق
" مين حضرتك ؟"
تشابهت عينيه و نبرته حين قال بجمود
" سالم الوزان .. اخو حازم."
قال الأخيرة بنبرة اهدأ ملحقة بخيبة أخفاها داخل قلبه و كما توقع فقد انفعلت السيدة و صاحت بانهيار
" انت اخو الشيطان اللي ضيع حياة بنتي. ودمر مستقبلها.. "
تدخل الرجل في محاولة لتهدئة زوجته
" اهدي يا رضا.. الراجل مالوش ذنب . بعدين وطي صوتك . البنت تسمعك وهي مش متحمله .."
تحدث «سالم» بنبرة هادئه تنافي غضبه المتقد بداخله
" سيبها تقول اللي نفسها فيه. هي عندها حق و لو قالت اكتر من كدا انا عاذرها…"
التفت إليه الرجل وهو يقول بجفاء
" حضرتك جاي لينا ليه ؟ احنا بينا و بينكوا الحكومه و أنا اشتكيت علي اخوك و هجيب حق بنتي حتى لو حصل ايه؟"
ابتلع غصة صدئه تشكلت في حلقه قبل أن يجيب بخشونة
" جيت عشان اجبلك حق بنتك بنفسي .. لأن لو عملت ايه مش هتعرف تجيبه.."
لون الغضب تقاسيم الرجل و صاحت زوجته
" انت جاي تهددنا. ليك عين يا ظالم؟"
زفر الهواء المكبوت بصدره دفعه واحده قبل أن يقول بتحذير
" انا مبهددش ولا حاجه . و مبوجهش كلامي للحريم."
زحف الندم إلي قلبه حين احتد في حديثه فتابع بلهجة أهدأ
" و عشان ننهي جدال عقيم مالوش لازمة . انا جيلكوا النهاردة عشان حازم اخويا توفي بعد حادثة بنتكوا بيوم واحد.."
شهقه قويه شقت جوفها حين سمعت حديثه بينما ارتسمت معالم الصدمة على زوجها الذي قال
" انت بتقول ايه ؟"
لم يجيبه إنما أخرج شهادة وفاة شقيقه و أعطاها له فالتقطها الرجل بيد مرتعشة لقراءة الحروف المدونه بها و التي أثبتت أن هذا الشيطان قد رحل فسقط على الكرسي خلفه بأكتاف متهدله و ملامح لونتها الخيبة التي تساقطت من بين حروفه حين قال
" يعني البنت ضاع مستقبلها. و حتي حقها مش هنعرف نجيبه.. فوضت امري ليك يارب"
اقتربت منه زوجته تحتضنه وهي تقول بألم
" حسبي الله ونعم الوكيل. متعملش في نفسك كده احنا ملناش غيرك.."
ود لو يعتذر الف مرة علي تلك الفاجعة التي ضربت حياتهم و التي للأسف كان السبب بها هو شقيقه ..
" انا عارف يا استاذ محمد أن أي حاجه هعملها مش هتمحي أبدا الكارثه اللي حصلت. لكن أنا تحت أمرك في اي حاجه. شوف ايه اللي يرضيك وانا معاك فيه .."
التفتت الأعين تناظره بيأس تجلي في نبرته حين قال
" هتعمل ايه ؟ هتقدر ترجع شرف بنتي الي ضاع. و لا ترفع راسنا قدام الخلق بعد اللي حصل ؟ ه تقدر تخلي المجتمع يحترمها و يتعامل معاها علي انها ضحيه مش مذنبه ؟ هتقدر تعمل ايه يا بيه ؟ العمل عمل ربنا .."
كانت كلمات الرجل كشاحنة ثقيلة دهست علي قلبه المُشبع بمرارة الذنب الذي لم يعد يتحمله ف احتدت نبرته وهو يقول
" يولع المجتمع اللي هيعاقب طفله بريئه علي ذنب ملهاش يد فيه . انا مش هنا عشان الناس . انا هنا عشان البنت اللي جوه دي و زي ما قولتلك مستعد اعمل اي حاجه عشان خاطرها.."
" يبقي تكتب عليها.."
هكذا خرج صوت «رضا» والدة «لبني» التي كانت تناظره بغضب و حرقه . وأصابتها كلمته في الصميم فبالرغم من أنه كان يتوقع ذلك إلا أنه غضب و بشدة من عرضها الأمر بتلك الطريقة فأجابها بخشونة
" انتِ شايفه ان الحل ده في مصلحة بنتك ؟'
" طبعا.. علي الاقل هتقدر ترفع رأسها بين الناس بعد كدا.."
هكذا أجابته ف تصاعدت أبخرة النيران المندلعة بقلبه و تحدث قائلًا بفظاظة
" بردو كل تفكيرك في الناس . يا مدام اهم حاجه ابنتك . فكري فيها و في مصلحتها قبل ما تفكري في أي حد. "
" انت جاي عشان تعجزنا. نفكر في ايه ؟ هو دا الحل الوحيد للكارثه دي .."
" الحل انك تجوزيها واحد قد ابوها. عشان تنقذ سمعتك و ترفع راسك وسط الناس ؟؟"
كان حديثه حادًا يشبه ملامحه مما جعل الزوجان ينظران الى بعضهما البعض بخجل فتابع بفظاظة
" لبني عندها سبعتاشر سنه وانا عندي أربعين بيني وبينها ٢٣ سنه. يعني لو كنت اتجوزت بدري شويه كان زمان عندي قدها.. الي انتوا بتفكروا فيه دا جريمة اكبر من جريمة اغتصابها.."
احني الرجل رأسه بقله حيلة تجلت في نبرته حين قال
"والله ما بقيت عارف افكر . ايه العمل طيب ؟"
أشفق علي مظهره كثيرًا ولكن لم يظهر ذلك بل تابع بجفاء
" انا هتبني لبنى.."
ارتفعت الرؤوس تناظره بصدمه تجاهلها و أردف بلهجه لا تقبل الجدال
" لبني من النهاردة بنتي. هتكفل بعلاجها و تعليمها و كل حاجه تخصها لحد ما اسلمها بإيدي لجوزها. "
برقت الأعين وهي تناظره فحديثه كان كالقنبلة الموقوتة التي لم يكن يتوقعها أحد فتابع بخشونة
" و مش لبني بس . لبنى و اخواتها. و لو المكان اللي انتوا فيه الناس بتضايقكوا بسبب الي حصل . اختاروا اي مكان تحبوا تكونوا موجودين فيه وانا تحت أمركوا.. "
" انت ليه بتعمل كدا؟ يعني اخوك مات و احنا مش في أيدينا حاجه نعملها .. ليه تعرض عرض زي دا و تلزم نفسك كدا"
هكذا استفهمت «رضا» التي لم تكن تتخيل عرضه ابدًا و الذي جعل الشك يتسلل إلى قلبها و قد شعر هو بذلك فقال بفظاظة
" كل راع مسئول عن رعيته وحازم الله يرحمه كان مسئول مني. حتي لو هو مبقاش موجود فأنا موجود وواجب عليا أرد الحقوق لصحابها.. "
كانت إجابة لم تتوقعها من رجل تبلورت به كل مظاهر الشهامة و الرجولة ف خرجت كلماتها صادقه حين قالت
" انت انسان محترم . و اللي زيك قليلين . انا مش عارفه اقولك ايه ؟"
تجاهل ثناءها و قال بخشونة
" مش محتاجة تقولي حاجه . و زي ما قولتلك دا واجبي."
تحدث الرجل باعتذار
" ربنا يكتر من امثالك. و يجازيك خير .."
أومأ برأسه و قال بعملية
" حساب المستشفي مدفوع و بزيادة . و الكارت دا في رقمي الخاص. اول ما تشد حيلها كلموني عشان ننسق مع بعض هنعمل ايه."
أخذت منه «رضا» الكارت الصغير وهي تومئ برأسها فتابع مؤكدا على حديثه
" متشيلوش هم حاجه أبدًا. من اللحظة دي لبني بقت بنتي زيي زيكوا.. و أنا اطمنت علي حالتها الصحية من الدكتور وهو ه يعين دكتوره نفسيه تساعدها أنها تخرج من الحالة اللي هي فيها. "
كان أكثر ما يمكن فعله لإنقاذ حطام السفينة التي ضربتها صاعقة قوية مباغته فأراد لملمة شتاتها و ترميم صدوعها وقد انتوي أن يفعل ذلك كما يجب أن يكون حتي ولو كان هذا آخر ما سيقوم به طوال حياته….
**************
"سيد الحبايب يا ضنايا انت .. يا كل املي و منايا انت.. يا احلي غنوة في دنيا حلوة. يا احلي غنوة في دنيا حلوة.. غنت و قالت معايا انت.. سيد الحبايب يا ضنايا انت"
كانت تلك كلمات الاغنيه التي أخذ صوتها العذب يشدو بها وهي تحمل طفلها الجميل و تداعبه بكل ما اوتيت من حنان سُكب فوق قلبها الذي بالرغم من كل ما تعرضت له مايزال نقيًا بريئًا قادر علي الحب .. الحب الذي كان أقل وصف يمكن أن يصف به شعوره نحوها وهو يراها تحمل رضيعها بكل هذا الحنان الذي كان ينبعث من صوتها الرائع الذي يشبه كثيرًا ملامحها الجميلة التي يقع بعشقها كل مرة تقع عينيه عليها..
" يا بختك يا محمود .. "
هكذا صدح صوته الخافت من خلفها فتجمدت بمكانها فقد كان قريبًا منها لدرجه ان أنفاسه الساخنة دغدغت عنقها البض فابتلعت ريقها بصعوبة و حاولت الثبات بقدر الإمكان حين التفتت تناظره ف أسرتها عينيه العاشقه للحد الذي جعلها غير قادرة على الحديث فأردف هو بخفوت
" مكنتش اعرف ان صوتك حلو اوي كدا.."
تنبهت لحديثه و تحديقها به ف تحمحمت بخفوت قبل أن تعيد انظارها الي طفلها وهي تقول بتوتر
" ولا حلو ولا حاجه. عادي يعني "
تابع شن هجومه العاطفي علي مشاعرها حين أجابها بلهجة خطرة
" لا طبعًا مش عادي… بس تعرفي أنه لايق عليكِ اوي.."
ارتفعت نظراتها تطالعه باستفهام فأردف بخفوت
" يعني الملامح دي اكيد لازم يبقى صوتها بالرقة و الجمال دا.."
رجفة قويه ضربت جسدها من غزله الصريح فبللت حلقها قبل أن تقول بمراوغة
" مش ملاحظ انك بتبالغ شويه.. و بتجامل شويتين"
ابتسم قبل أن يجيبها مازحًا
" يكون في علمك انا اكتر حد في الدنيا مبيعرفش يجامل .. اللي في قلبي بقوله"
لونت السخرية ملامحها قبل أن تقول بتهكم
" اه طبعًا مصدقاك . انا اكتر واحده جربت. "
وصل إلي نقطة لا يريدها لكنه س يستغلها لأجل القضاء على بثور الماضي ف انتظر حتي وضعت «محمود» في مخدعه ثم تناول كفها يديرها إليه وهو يقول بخشونة
" لسه منستيش؟ "
" اكذب لو قلت لا.. "
باغتها حين صرح قائلًا
" طب و لو قلت آسف ؟"
كان صريحًا و جريئًا لدرجه تخيفها ولهذا حاولت التملص من بين يديه التي أحكمت الطوق عليها و تابع بصوته الذي كان يحرقها من الداخل
" طب بلاش اسف . خليها بحبك…"
ارتج قلبها حين خرجت تلك الكلمة من بين شفتيه كان لها وقعا ساحرًا علي مسامعها و روحها التي بدأت بالالتئام رويدًا رويدًا ولكن الماضي و اه من الماضى و ظلمته التي كلما تسرب النور الي قلبها حاصرها ماضيها و أغرقها في ظلام الذنب أكثر. فهي في تلك اللحظة تريد أن ترتمي بين ذراعيه تنشد السلام ولكنها خائفه.. تخشى مواجهته بتلك الرسالة التي تحمل صورًا من ماضي قد يعلمه ولكن أن يراه أمام عينيه هذا ما لا تستطيع المجازفة به.
إن يرها بجانب شقيقه كان أمرا مريعًا فهي تعلم كم دماءه حارة و غيرته قاسيه تخشي أن يكرهها أو يتولد بداخله شعورًا بالرفض تجاهها ولذلك ابتلعت غصة الصمت و اخفضت رأسها تخفي صراعها المرير بين كونها لن تعد تريد اخفاء شئ بقلبها و بين خوفها من أن يرفضها قلبه فشعر هو بمعاناتها فامتدت يده تحاوطها بحنان تجلي في نبرته حين قال
"الصراع الي في عينيكِ دا آخرته ايه؟"
" مش عارفه.."
هكذا إجابته وهي تستند برأسها فوق صدره النابض بعشقها فتابع بنبرة هادئة
" كتير عليكِ تتحمليه لوحدك. خليني اشيل عنك. احنا اتفقنا أننا قبل اي حاجه أصحاب. "
رفعت رأسها تناظره علها تجد بنظراته شيئًا آخر غير الحنان .. اي شئ يمكن أن يردعها من أن تخبره ولكن كانت عينيه منبع للامان الذي تريده ف تراجعت للخلف و توجهت إلي المنضدة تمسك بهاتفها و تضيئه متوجهه إليه وهي تقول بنبرة جريحه
" في حاجه لازم تشوفها.. يمكن تغير رأيك في حاجات كتير بس.. معدش عندي استعداد اخبي حاجه تعبت من العيشة في خوف و قلق.. "
أنهت كلماتها التي كانت صادمه له و قامت بوضع الهاتف في وجهه فبرقت عينيه من شدة الصدمة حين وجدها في الصورة بجانب أخاه الراحل ..
لم تكن في وضع مشين أو يبعث على الريبة ولكن القلب و غيرته و جنون عشقه الذي أضرم النيران في نظراته و جعل لهجته تحتد قليلًا وهو يقول
" الصورة دي كانت فين و امتى؟"
بصدق قررت أن تتخذه مذهبًا طوال حياتها أخبرته
" يوم لما قرر أنه يبتدي علاج . وافقت لما قعد يترجاني عشان نوثق اللحظة دي…"
بلمح البصر وجدت الهاتف يلقي في الحائط فتحطم إلى أشلاء مما جعلها تتراجع للخلف بذعر ازداد حين وجدته يقترب منها قائلًا بلهجة خشنة
" آخر مرة هنتكلم في الموضوع دا . انسي . انسي حازم بكل الي حصل معاه. اوعي تفتكريه حتي بينك و بين نفسك. اعتبريه كابوس بشع صحيتي منه للأبد. مفهوم كلامي ؟"
كلماته كانت واضحة ولكن معانيها غامضه لاتعلم هل كان غاضبًا منها أو يغار عليها لا تعلم شئ ولم تكن تملك الجرأة لتسأله فظلت علي صمتها ولكنها تفاجئت حين وجدته يحتضنها بقوة اذابت عظامها و خاصةً حين قال بلهجة مبحوحة من فرط ما يعتمل بداخله
" أنتِ مراتي . حبيبتي .. انسي اي حاجة تانيه في الدنيا . لو في قلبك اي ذرة مشاعر تجاهي اعملي اللي بقولك عليه…"
من بين انغماسها فى روعه شعورها وهي بين أحضانه حصنها المنيع اجابته
" حاضر .."
شدد من احتضانها قبل أن يقول بلهجة خشنة
" من بكرة هجبلك تليفون احسن من دا الف مرة. و اي حاجه تحصل زي دي تعرفيني…"
" حاضر…."
كان انسيابها هكذا بين يديه مثيرًا بحق و خاصةً أن تكون مطيعه هكذا وما أن أوشك علي الاقتراب من وجهها حتى صدح صوت بكاء «محمود» الذي أخرجهم من لجة مشاعرهم الجارفة فتلقفته «جنة» بيد متلهفة بينما هو توجه الى الخارج ملتقطًا هاتفه يجري مكالمه هاتفيه و ما أن اجابه «سالم» حتي قال حانقا
" سالم . اللي حصل في الملحق دا بفعل فاعل…"
*************
كانت تجلس على المقعد تمسك كوب الليمون بيد و بالآخرة تجفف عبراتها التي لا تتوقف عن السقوط رفضًا لهذا الظلم الواقع عليها فاقتربت منها «حلا» قائلة برفق
" ممكن تهدي شويه . كل حاجه هتتحل أن شاء الله "
لم تجيبها انما اومأت برأسها بصمت سرعان ما تبدد حين سمعت الطرق علي الباب الذي انفتح و اطلت منه «تهاني» و خلفها الطبيبة فعلت دقات قلبها الذي شعرت به يتمزق من الداخل وهي تخضع لذلك الاختبار العنيف ولكنه اقصر الطرق و اصعبها لإثبات برائتها..
" جومي يا بتي. معلش . اني خابره زين انك مظلومه بس لازمن نجطعوا الشك باليقين .."
تسابقت العبرات في الانهمار علي وجنتيها و أخذ جسدها يرتجف بعنف و تعالت شهقاتها و بالكاد استطاعت أن تتحرك في طريقها الي السرير فلم تحتمل «حلا» ما يحدث من قهر و ظلم و هرولت الي الخارج فلن تتحمل أن تشهد واقعه كتلك و أثناء مغادرتها بتلك الطريقة اصطدمت ب«ياسين» الذي سقط قلبه رعبًا عليها حين شاهد مظهرها المبعثر و انهيارها بهذا الشكل ف حاوطها بذراعيه وهو يقول بلهفة
" حصل ايه يا حلا ؟ مالك ؟"
تعلقت نظراتها به دون أن تكون لها القدرة علي الحديث فأخذت تشهق بقوة و انهمرت عبراتها كالمطر فقام بغرسها بين أحضانه بقوة وهو يقول بحنان
" طب اهدي . اهدي و بطلي عياط متقلقنيش .. حصل ايه لكل دا ؟"
تمسكت بقميصه بقوة وهي تنتحب بعنف فقد كانت تبكي كل شيء ألمها و غضبها منه و من نفسها و من تلك الواقعه المريعه . أرادت أن تبكي حتي تجف ينابيع عينيها و قد كانت أحضانه الدافئة أكثر من مرحبة لاحتضان ثورة انهيارها..
بعد عدة دقائق استطاعت أن تتغلب علي ثورتها و بدأت تتمالك نفسها قليلًا ف تململت بين أحضانه التي كانت ترفض ابتعادها ولكنه اضطر أن يتركها علي مضض ولكن يديه ظلت ممسكه باكتافها وهو يقول بنبرة قلقة
" حصل ايه لكل ده ؟ "
خرجت الكلمات متلعثمه من بين شفاهها المرتجفه
" صعبان .. عليا . البنت .. دي اوي.. منظرها .. يقطع القلب .."
برقت عينيه لثوان وهو يناظرها هل كل تلك العبرات لأجل فتاة لا تعرف عنها شيئا ؟ أين تلك المتعجرفة سليطة اللسان التي لا يهمها أحد ولا تهتم لمشاعر الآخرين
" كل الدموع دي عشان الخدامه؟"
تراجعت عنه بغضب تجلي في نبرتها حين قالت
" هي الخدامه دي مش بني ادمه زيها زينا ؟ "
" بني آدمه طبعا. بس أنتِ متعرفيهاش عشان تتأثري بالشكل دا .."
هكذا أجابها بهدوء فتابعت بانفعال
" مش شرط اني اكون عارفاها عشان أتأثر بالموقف. اصعب حاجه في الدنيا هي الظلم."
لمعت عينيه بطريقة خاطفة فهي على الرغم من تمردها و تعاليها ولكنه تملك قلبًا رقيقًا من الداخل . فقط تحتاج لأن تحجم ذلك الاندفاع الذي يتملكها في الكثير من المواقف..
" كويس انك عارفه.. الظلم وحش جدًا . بس اللي اوحش بقي أنه يكون من حد بنحبه.."
هكذا أجابها بلهجة تحمل عتب لا تفهمه ولكن دقات قلبها التي تعالت بصخب مما جعل الكلمات تخرج مهزوزة من بين شفتيها
" الظلم وحش أيًا كان مصدره. و الاوحش أننا منديش الإنسان فرصه أنه يدافع عن نفسه.."
" صح . انا بصراحه مكنتش اعرف انك حقانيه اوي كدا.."
هكذا تحدث بهدوء بينما عينيه كانت تطالعها بعبث جعل الخجل يزحف الى وجنتيها ولكنها قد قطعت عهدًا علي نفسها بألا تضعف أبدًا لذا قالت بغرور
" وانت تعرف ايه عني اصلًا عشان تحكم إذا كنت حقانيه ولا لا؟"
كان تحديها مثيرًا ك ملامحها الفاتنه التي لم تتأثر بحزنها و قد كان عاشقًا وليس علي العاشق حرج ..
اقترب منها خطوة واحدة وعينيه تبحران فوق ملامحها بشغف تجلي في نبرته وهو يقول
" يبقى نتعرف .."
عاندته بتكبر
" تؤ . مش عايزة اعرفك .."
" بس انا عايز .."
هكذا تحدث أمام شفتيها همسًا جعل طبول الحرب تدق بقلبها فواصلت تحديها له إذ قالت
" مش بمزاجك.."
واصل تقدمه نحوها ف تراجعت للخلف بخوف حاولت اخفاءه بينما كانت عينيها أسيرة لنظراته المغوية و خاصة حين قال هامسًا
" بمزاجي . بمزاجك. مش هتفرق.. في الحالتين أنتِ خلاص بقيتي تحت رحمتي.. "
خربش الخوف جوانب قلبها و تجلي في نبرتها حين قالت
" تقصد ايه ؟ اوعي تفكر اني هسكتلك لو فكرت تعمل حاجه تضايقني.. "
واصل تقدمه منها و قد أظلمت عينيه وهي تناظرها بنظرات غامضه شملتها كليًا لتتوقف أخيرًا عند شفتيها التي ولدت بداخله جوعًا قاتلًا فخرج صوته أجشًا حين قال
" حلو دا . وريني هتعملي ايه؟؟"
لم تكد تستوعب حديثه تفاجئت بنفسها محموله بين ذراعيه بيد وبالاخرى قام بفتح باب الغرفة المجاورة و إغلاقه لتجد نفسها مسنوده عليه بجسدها الذي حوصر بين باب الغرفه و بين جسده وما أن رفعت رأسها تناظره حتي أسرها بين براثن عشقه الضاري لها الذي أخذ يسكبه بقوة فوق ثغرها التوتي الذي كان مذاقه رائعًا فأخذ ينهل منه بلاهوادة ..
غيبت العقول للحظات كانت أكثر من رائعه يكللها عشقًا خالصا صار ينثره برقه فوق قسمات وجهها و يديه تحتويان جسدها بحنان لم تكن تتوقعه ولكنه اخترق حدود قلبها الذي احرقه لهيب الصبوة فلم يعد يستطيع المقاومة فقضيتها خاسرة أمامه فكل شئ بها يشدو بعشقه..
كانت مشاعره جامحة علي الرغم من أنه حاول التحكم بها قدر المستطاع حتي لا يؤذيها ولكن أي إرادة قد تقف أمام طوفان العشق الضاري. فحين رفع رأسه يطالعها بعينين يغلفهما الشغف تفاجئ من قطرات الدماء التي تتساقط من بين حبات التوت خاصتها فامتدت أصابعه تزيلها برفق تجلي في نبرتها حين قال
" بتوجعك ؟"
كان صدرها يعلو و يهبط من فرط الشعور الذي لم يكن صدرها يتحمله فقد أوشك علي الخروج من بين ضلوعها تأثرًا بما حدث مما جعل الكلمات تخرج مبحوحة من بين شفتيها المرتجفه
" ليه عملت كدا؟"
فاجئها حين قال
" عشان سببين أولهم اعتذار عن كلامي ليكِ امبارح.. عارف اني زودت العيار شويه. بس أنتِ استفزتيني.."
ترقرقت العبرات في مقلتيها حين جاء على ذكر حديث البارحة فتألم قلبه لألمها و أردف بخشونة
" مكنتش أحب ان دا يحصل .. بس أنتِ وصلتيني لأقصي درجات الغضب .."
حاولت كبح جماح عبراتها قدر الإمكان حتي لا تظهر ضعفها ولكن جاء صوتها المرتجف يعكس مدى تأثرها حين قالت
" و السبب التاني ."
امتد كفه الايمن يلامس خدها الأيسر وهو يقول بنبرة رقيقه
" انك حلوة اوي.. اول مرة اشوف حد اسم علي مسمى كدا.. "
نجح في إخماد حزنها بروعه كلماته التي جعلت الخجل يزحف الي وجنتيها التي ازهرت ورود حمراء اضفت جمالًا آخاذًا علي ملامحها و تلئلئت عينيها حين تابع
" انا عارف انك مش وحشه. عيبك الوحيد انك متسرعة. و أنتِ كمان لازم تبقي عارفه اني مش وحش. و كل اللي حصل دا له تفسيرات و تبريرات. مهم اوي انك تعرفيها.."
خطي بأنامله علي جرحًا يتوسط قلبها فخرجت كلماتها معذبه حين قالت
" مفيش اي مبررات في الدنيا ممكن تمحي بشاعة اللي حصل .. الليلة اللي عشتها هنا في بيتكوا و انا مخطوفه كانت أشبه بالموت"
كلماتها كانت سوط جلد قلبه الذي ارتج لحزنها و خرج صوته متلهفًا
" والله ما كنت اعرف.. انا اتفاجئت باللي حصل . انا حتي مكنتش عارف ان جدي علي علم بموضوع جنة.."
" بس كنت عارف بالتمثيلية الحقيرة اللي عملها جدك عليا. دا ابتزني عشان أوافق اتجوزك.. قالي لو خايفه علي اخواتك توافقي.."
انكمشت ملامحه بغضب حاول قمعه قبل أن يجيبها
" عارف أنه كان صعب عليكِ . بس الناس هنا تفكيرهم غير تفكيرنا و كانت دي الطريقة الوحيدة الي هتنقذ شكل العيلة قدام الناس و هترد كرامه جنة.."
لونت الصدمة معالمها و جاءت كلماتها مستنكرة
" و بالنسبة لكرامتى؟ مفرقتش معاكوا صح ؟ "
" لا مش صح.. محدش جه جنب كرامتك و لو قارنتي الي حصل مع جنة واللي حصل معاكِ هتعرفي أن اللي حصلك كان ولا حاجه جمب اللي حصلها "
هكذا أجابها بحدة اخترقت جدران قلبها الذي نزف ألمًا جراء حديثه و قد ظنت بأنه يوافق على ما فعله جده فهبت مستنكرة
" انا ذنبي ايه ؟ اتقارن بيها ليه ؟ كل واحد يشيل شيلته. هي غلطت و اتجوزت عرفي انا معملتش كدا عشان اتعاقب."
خرج صوته غاضبًا حين قال
" خلي بالك من كلامك يا حلا. و افتكري أن جنة مظلومة و الشيطان اخوكي هو السبب في كل دا .."
كان محقًا ولكن آلمها أن يحملها ما لا ذنب لها به و ايضًا دفاعه عن ابنه عمه أمامها لامس اوتار غيرتها التي جعلتها تدفعه بقوه من صدره وهي تصيح غاضبة
" تمام اوي . خليك فاكر اني اخت الشيطان اللي اذي بنت عمك. و اوعي تفكر تقرب مني تاني.."
قالت كلماتها بقلب ممزق و روح محترقه و من ثم هرولت إلى خارج الغرفة و سرعان ما تجمدت خطواتها حين رأت «تهاني» التي كانت تقف بجانب «عبد الحميد» و تخبره شيئًا ما بجانب أذنيه جعل ملامحه تتحول إلي غضب كبير و هو يصيح بعنف
" عمااار .."
كان بغرفة مكتبه ينهش باقدامه ارض الغرفه من كثرة الذهاب والمجئ . بداخله وحوش تنهش ببعضها البعض. وهو واقع كالفريسة بينهم . ينظر إلى ساعته بين الفينة و الأخرى و التي كانت تلدغه عقاربها بكل ثانيه تمر عليه. يتقاذفه الشعور من كل حدب و صوب يتلظى في حيرة متقدة ما بين إحساسه القوي بأنها مظلومه و خوفه الضاري من أن تكون مذنبة !
اخترق صوت جده أذنيه مرورًا بقلبه الذي كان يسبقه متلهفًا الي الخارج و بأنفاس مقطوعة وصل إلي أسفل الدرج فصاح به «عبد الحميد»
" هاتلي الكلب اللي اسمه مرعي ده و چهزلي الساحه الكبيرة. لازمن يبچي عبرة لكل إلي يفكر يظلم وليه تاني .."
كان كمن سقط بقوة من ارتفاع شاهق يتوقع أن يصطدم بالأرض في أي وقت فيتحطم متحولًا الي أشلاء و فجأة إذا بيد خفيه تمسكه بقوة مانعه سقوطه ..
أطلق زفرة قوية من جوفه الذي هدأت نيرانه و استطاع أن يتنفس بحرية من جديد ف نيرانه الآن تحولت من مؤلمه إلى أخرى يعززها الإنتقام الذي يسري في أوردته فتوجه الى الخارج و قام بتوجيه ركله قويه إلي بطن «مرعي» الذي كان يقف مرتجفًا مما أوقع نفسه به. فإذا به يتفاجئ بذلك الذي انهال عليه ضربًا مبرحًا و كأنه يخرج كل ما بجوفه من ندم و غضب و ألم…
و بأمر من «عبد الحميد» قام الغفر بتخليص «مرعي» من يد ذلك الثور الهائج وقاموا بجره و صلبه علي إحدي الأشجار التي تتوسط ساحة المنزل الكبيرة و قد تجمهر الناس بأعين يأكلها الفضول لمعرفة ماذا حدث فوقف «عبد الحميد» في منتصف الساحة يحاوطه حفيداه بينما تولى هو مهمة الحديث إذ قال بوقار و نبرة قوية
" الكلب دا اتچرأ و رفع عينه في بت من بناتنا و عشان أكده لازمن ياخد چزاءه و يبچي عبره. و ده أجل عجاب (عقاب) بعد أكده الي هيغلط هيندفن حي.."
أنهى كلماته و القي نظرة ذات مغزى علي «عمار» الذي كان يمسك بالسوط بيده و يتوجه الي حيث «مرعي» الذي كان ينتحب مثل النساء و خاصةً حين شاهد ذلك الذي كان يعض شفتيه باستمتاع و عينيه تطلق سهام الشر الذي كان يغذيه بقوة تجلت في ضرباته المريعة التي تلقاها ظهر «مرعي» الذي تعالت صرخاته فلم يشفق عليه أحد و أخذ «عمار» يضربه حتى خارت قواه وسقط مغشيًا عليه فصرخ في أحد الغفر
" ودي الكلب دا للحكيم يعالجه. عشان ياخد باقي عجابه.."
" حاضر يا كبير.."
انهي «عمار» جملته تزامنًا مع وصول سيارة «صفوت» خلفها عدة سيارات كانت تحمل صباحية العروس التي تكفل هو بها نظرا لزواج الأخوين في نفس التوقيت وبُعد المسافة بين البلدين.
ترجل من السيارة ينظر بذهول لما يحدث فتقدم تجاه «عمار» قائلًا باستفهام
" في ايه يا عمار؟ ايه اللي بيحصل هنا ؟"
«عمار» بجفاء
" دا واد خاين و خد چزاءه .. متشغلش بالك.."
عنفه «صفوت» قائلًا
" انت هنستهبل يا عمار.. انت ناسي ان في حكومه ولا ايه ؟"
تدخل «عبد الحميد» الذي أقبل و بجانبه «ياسين» الترحيب ب«صفوت»
" لا طبعًا منجدرش ننسي يا صفوت بيه . بس اصل الموضوع حساس شويه . مينفعش نتكلمو فيه أهنه.. اتفضل چوا.."
اطاعه «صفوت» بصمت الي الداخل فوجد النساء اللائي كن يتابعن ما يحدث في الخارج من الشرفة و كان من بينهم «حلا» التي اندفعت الي أحضان «صفوت» وكأنه زورق النجاة بين هؤلاء البشر
" عمو صفوت .. "
" صباحيه مباركه يا عروسه.."
عاتقها «صفوت» بحب بينما عينيه التقمت تلك الفتاة المبعثرة التي تقف خلفها مباشرة تحني رأسها فشعر بوخز في قلبه علي مظهرها .
" الله يبارك في حضرتك.."
" عايزين فنچانين جهوة من يد عروستنا الحلوة. علي ما نجولوا الكلمتين اني و صفوت باشا.."
هكذا تحدث «عبد الحميد» موجهًا حديثه ل«حلا » التي لم تكن تطيق النظر الي وجهه ولكنها وافقت علي مضض فتوجهت الي المطبخ ليجد نفسه وجهًا الي وجه معها
فاقترب خطوتين يقف أمامها بعقل فارغ من أي حديث يمكن أن يمحو بشاعة ما حدث بينما ضميره كان يواصل هجومه الضاري نحوه معززًا شعور الذنب الذي يقرضه من الداخل ولكنه تجاهل ذلك و قال بنبرة خشنة
" چبتلك حجك من الكلب اللي ظلمك و خليته عبره للناس كلها.."
رفعت عينيها التي كانت ك بركة من الدماء التي ما كانت الا نزيف روحها التي اهترئت بفعل اتهامه القاسي و المشين نحوها فخرج صوتها متحشرجًا يحمل رايه الاتهام
" و حجي منك ؟ مين هيچيبه؟"
اخترقت كلماتها قلبه الذي كان يخشي من هذا الاستفهام كثيرا ولا يجد له اجابه لذا حاول المراوغة حين قال
" حج ايه ؟ اني معذور . أي حد مكاني كان هيعمل أكده.."
" تجصد اي حد ظالم كان هيعمل أكده.."
احتدت نظراته و لعن تهوره حين سمع حديثها الذي كان صحيحًا . لأول مرة يعترف بذنوبه و يجابه بها عقله الذي لم يسعفه في الحديث فتابعت تطوق عنقه بحلقه من نيران الذنب
" لو انت اديت لنفسك العذر تظلمني. فاعرف أن في رب كريم فوج جادر يسلط عليك الي يعمل معاك زي ما عملت معاي.. و لازمن تعرف اني عمري ما هسامحك واصل.."
كانت تغرس أسهمها بقلبه الذي نزف ألمًا و ندمًا خالط لهجته حين قال
" خلى بالك من حديتك. اني غلطت لما اتهورت. و دا لإني شفت سلسلتك بعيني. و الكلب دا أكد علي الحديت. وبعدين اتراچعت عن غلطي.."
" بعد اي؟ بعد ما كنت هتموتنى؟ "
هكذا قالت صارخة من اعماق وجعها الذي جعلها تتناسي طريقتها في الحديث معه و الذي كان يتقبلها لا يعرف لما بل إنه تابع بلهجه لا تشبه عجرفته و غروره
" ربنا أراد أنه ينصر الحج و ياسين اتدخل والحمد لله چت سليمه.. و عرفنا الحجيجة يبجي ايه لازمته حديتك ده دلوق"
" صوح .. مالوش لزوم.. عن اذنك…"
هكذا تحدثت بشفاة مرتجفة ثم التفتت تنوي المغادرة ف خرج حديثه متلهفًا حين قال
" رايحه علي فين؟"
إجابته دون أن تلتفت إليه
" رايحه علي بيتي . معدليش شغل في الدوار اهنه. في بيت الظلمه.. "
" الظلمه دول چابولك حجك .. و ردوا كرامتك.. "
هكذا تحدث بيأس فلم يكن يعرف أي الطرق عليه أن يسلك حتي يصحح هذا الخطأ اللعين الذي ارتكبه ب رعونه فجاءت كلماتها حتي تقضي على آخر آماله
" يردوا كرامتي بعد ما دهسوها تحت رچليهم..؟ مستني مني ايه يا كبير .. اشكرك عالي عملته معاي؟؟ حاضر . شكرًا .."
أتقنت غرس سهامها في صدره الذي كان يتألم بشدة ولا يقدر علي مجابهة ألمه أو حديثها الذي اجهز علي قلبه حين تابعت بصوت فاقد لكل معاني الحياة
" بس خليك فاكر. اني لو بيني و بينك الچنة هرمي نفسي في النار و لا أنيش أسامحك!"
***************
بعد مرور ثلاثة أيام عاد الغائب الى موطنه و بداخله قلب اضناه الشوق و احرقه الألم الذي لا يزال ينخر بعظامه و يفتت روحه ولكنه كعادته لا يظهر أي شئ فقد كانت ملامحه جامدة كعادتها حين خطي الي داخل المنزل فكانت هي أول من وقعت عليها عينيه التي لمعت بوميض الشوق للحظة خاطفة سرعان ما عادت إلى جمودها التي زلزلته فعلتها حين هرولت إليه بقلب لهيف تردد بشوق
" سالم…"
لم تحسب خطواتها ولا تعرف كيف واتتها الجرأة لما فعلته ولكنها كانت عاجزة أمام شوق جارف يجتاحها كفيضان ضرب ثباتها الهش فوجدت نفسها تندفع إليه رغما عنها تحيطه بذراعيها و كل خلية بها مشتاقه لدفء وجوده و عذوبه رائحته التي افتقدتها كثيرًا..
كان استقبالًا حارًا لم يتوقعه حتى بأحلامه. فطوال طريق سفره كان يفكر كيف سيراها دون أن يحتجزها بين ذراعيه يبثها أشواقه العاتية ؟ من أين يأتي بتلك الصلابة التي تجعله يتجاهل وجودها ؟ وأخذ يشدد بقوة علي قلبه ويذكره ب جراحه النازفة منها حتي لا يضعف و لكنها فاجأته بحق.
احتواها بين ذراعيه للحظات هدأ بها قلبه و كأنه كان يحتاج هذا العناق لتهدأ روحه و تستكين من كل تلك الأعباء التي يحملها علي عاتقه فأخذ يسحب اكسجينها الدافئ يود لو يحتجزه بين رئتيه لتظل رائحتها عالقه بصدره للأبد
" حمد لله عالسلامه.."
هكذا تحدثت بعدما تراجعت ببطئ عن حدود ذراعيه فهي لم تكن تتخيل أن تفعل ما فعلته لتوها و لكن ما حيلتها أمام عشقها و ذنبها الذي لا تعرف كيف تكفر عنه . بغبائها القت بوجهه رفض مهين تحاول مداواته بقرب لا تستطيع التفوه بها و تخجل عن الإفصاح عنه فلم تجد حلًا سوى ان تريه كم قربه محبب إليها
" الله يسلمك…"
هكذا أجابها بينما التقمت عينيه تلك التي كانت تناظر ما يحدث بغضب مقيت لم تستطيع التحكم به إذ قالت بلهجة تقطر سمًا
" طولت الغيبة عن العروسه يا ابن اخويا لدرجة مبقتش قادرة تسيطر علي مشاعرها و لا محترمه وجود الناس حواليها.."
تعاظم الغضب بداخله لدى سماعه حديث «همت» الذي لاقى صداه على ملامحها التي بهتت و امتقعت خزيًا مما جعله يقول بفظاظة
" والله العروسه في بيتها تعمل اللي يعجبها واللي عنده دم و بيكسف يدور وشه الناحيه التانيه و يحط لسانه في بقه.."
كان ردًا عنيفا لكنها استحقته و ايدته «أمينة» التي قالت بسخرية
" بالراحة يا سالم عمتك متقصدش بس اصل المشاعر و الاحاسيس دي حاجه جديدة عليها. فتلاقيها مستغربة بس .."
امتقع وجه «همت» من حديث «أمينة» التي كانت تتقصد به ما حدث بالماضي فالتفتت تناظرها بحنق تجلي في نبرتها حين قالت
" و مين يشهد للعروسه. و على رأيك عمته غلبانه معشتش المشاعر دي عشان فضلت ابوها و أخواتها علي سعادتها و طرمخت علي حاجات كتير اوي كانت ممكن تقلب الموازين. و قالت يا بت بلاش خراب بيوت.."
تحفزت «أمينة» و انتفخت أودجتها غضبًا من حديث «همت» المسموم و قبل أن يتيح لها الفرصة للحديث صاح «سالم» بجفاء
"مش عايز هري كتير .. كل الي عنده كلمه يخليها لنفسه.. و الي مخبي حاجه في قلبه يخليها جواه احسنله.."
أنهى كلماته و التقمت عينيه «سليم» الذي كان يهبط الدرج فوجه حديثه إليه قائلًا
" تعالي ورايا عالمكتب…"
اطاعه «سليم» و دلف الاثنان الي المكتب وكان أول من تحدث هو «سليم» الذي قال بنفاذ صبر
" الأوضاع في البيت مش مريحة. عمتك عامله حزب هي و شيرين و امك و فرح و جنة حزب. و كدا مش صح "
اجابه «سالم» بفظاظة
" سيبك من هري الحريم دا و قولي نويت تنزل القاهرة امتى؟"
" كلمت الدكتور امبارح و مفروض هنروح اخر الاسبوع عشان يحدد معاد بدايه الجلسات.."
انهى جملته بينما زاغت عينيه مما جعل الشك يتسرب إلى قلبه فقال بنفاذ صبر
" هات اللي عندك كله يا سليم .."
تحدث «سليم» بهدوء
"بصراحه حسيت أن جنة محتاجه فرح تكون جمبها خصوصًا في الأول . مش عارف الحل بس ."
" الحل انك متحسش..! "
هكذا قاطعه «سالم» بحنق ثم أردف بفظاظة
" عايش عمرك كله من غير احساس و كنت شغال زي الفل . كمل بقي علي كدا.."
أوشك «سليم» أن يطلق ضحكه قويه علي ملامح اخيه الذي كان الامتعاض يلون معالمه ولكنه حاول قمعها بشتي الطرق و لكنه لم يفلح خاصةً حين سمعته يتمتم بحنق
" قال عايزه فرح معاها.. انا لو سارق فلوس الجوازة دي مش هيحصل معايا كدا.."
أفلتت ضحكه قويه من بين شفتيه ف شيعه «سالم» بنظرات حانقة جعلته يقتلها في مهدها ثم أردف بجدية
" المهم .. عرفت اهل البنت اني هكون علي تواصل معاهم…"
" عرفتهم.. و مش محتاج أحذرك اوعي جنة تحس بحاجه .."
«سليم» بلهفه
" لا طبعا. وانا اهبل .."
ناظره «سالم» بسخط قبل أن يقول بجفاء
" مروان فين ؟"
" انجري قدامي.. بنت مين في مصر عشان يجيلك مقالم و كراريس ب تلت تلاف جنيه…"
هكذا كان يتحدث و هو يجذب «ريتال» من ملابسها فصاحت الأخيرة قائله بتصحيح
" مقالم و كراريس ايه يا عمو اسمها سابلايز.."
" ايه سا ايه يا عنيا؟" سابلايز . الله يرحم ابوكي . كان بيروح المدرسة بشنطة بلاستيك.. "
هكذا تحدث حانقًا فقالت غاضبة
" ماتقولش علي بابي كدا.."
"بابي.. عيشي عيشة اهلك يا ريتال. عشان اللي جاي مرار يابنتي. و أنتِ مقبلة عالحياة اوي و دا مش صحيح. "
هكذا تحدث بامتعاض فأجابته بعفوية
" يعني اعمل ايه ؟ مروحش المدرسة مثلًا ؟"
" وهو يعني اللي اتعلموا خدوا ايه ؟ انا مثلًا قدامك اهوة. قعدت في ابتدائي تمن سنين و في اعدادي ستة و في ثانوي خمسه و في جامعه ييجي خمستاشر و في النهاية خدت ايه يعني ؟ حتى حتة البت الي بحبها مش عارف اعلقها.. حاجه تحزن ."
انفلتت ضحكه قويه من فم «ريتال» التي قالت باندهاش
" قعدت كل دا في التعليم يا عمو ؟ "
" ايوا بس دا مش معناه اني كنت خايب! لا طبعًا كنت شاطر لدرجة أنهم كانوا ماسكين فيا مكنوش عايزني اخلص تعليم . كل سنه يسقطوني عشان افضل معاهم.."
" والله انك مسخرة . بتحكي للبت علي مصايبك "
التفت «مروان» علي إثر ضحكتها الخلابة التي اثرته للحد الذي تعلقت عينيه بها للحظات قبل أن يجيب بعبث
" احلى مصايب دي ولا ايه ؟"
مازالت الابتسامه تضئ ملامحها حين قالت ساخرة
" طب راعي انك قدوتها. دي لو سمعت كلامك يبقي عليه العوض ومنه العوض في البت.."
كان يراقب تعابيرها المرتاحه و نظراتها الصافية بقلب مشتاق تصدعت جدرانه من فرط العشق الذي كان بلا أمل ولكن الآن بدأت تنقشع الغيوم رويدًا رويدًا
" لا بس البت حلوة. و ضحكتها حلوة. و دمها سكر. تعليم ايه بقي ؟ كله في الفاضي…"
كانت عينيه تنفي مزاحه و تغازلها بطريقه جعلت دقات قلبها تدق ك الطبول . كان شعورًا رائعًا بقدر ما استنكره عقلها فهي طوال حياتها كانت تراه اخيها لا أكثر . فما الذي يحدث الآن ؟
أنقذها رنين الهاتف الذي التقطه مروان و أجاب بابتسامة اتبعها قائلًا بغزل ساخر
" القمر اللي ضلم اسماعيليه و نور الصعيد. عامله ايه في غابة الوحوش يا سنو وايت. اتكعبلتي في الاقزام السبعه ولا لسه ؟"
كان معتادة على مزاحه مع «حلا» ولكن الآن كان الوضع مختلفًا فقد اغضبها للحد الذي محي الابتسامه من علي ملامحها و جعلها تلتفت مغادره وهي تتشاجر مع خطواتها مما جعل الاندهاش يلون ملامحه من انقلاب حالها الي النقيض بتلك الطريقة..
**************
جالسه تنظر إلي البعيد و داخل قلبها حرائق متقدة لا تعلم السبيل لإطفائها أرادت الانتقام و ظفرت به ولكنها لم ترتاح كما ظنت فهي منذ أن كانت جالسه أمام الشيخ الذي سألها مرارًا و تكرارًا
" يا بنتي أنتِ موافقه عالجوازة دي ؟"
التقت عيناها بعيني أباها المتوسلة في تلك اللحظة فأرادت خذلانه كما فعل معها و تحدثت بقوة
" موافقة.."
لم تريد النظر إلى عينيه في تلك اللحظة خشية ان ترى بهم نظرات انتصار تكره رؤيته فهي ما اختارته إلا ليقينها بأن والداها يكرهانه بقدر ما تكرهه هي و لكنها أرادت أذيتهما
" متأكدة. لو في حد جابرك قوليلي ؟"
هكذا أكد عليها الشيخ سؤاله ف مظهرها كان مريعًا بذلك الفستان الأسود و الملامح التي لم تتعافى كليًا من تلك الجروح بل كان أغلبها متورمًا بطريقة تؤذي النظر و قد ظن بأنها يمكن أن تكون تعرضت للإجبار علي إكمال تلك الزيجة
" قولتلك موافقه.."
" اللي انتِ شيفاه.."
تم عقد القران وسط حزن عميق من كلا والديها و خاصةً والدها الذي بعد أن غادر الشيخ حتى نظر إلي «عدى» بنظرات قاتله تشبه لهجته حين قال
" اللي فات مش زي الي جاي.و حتي لو هي كارهه وجودنا دلوقتي انا هفضل وراها لحد ما تتقبلنا و أصلح غلطنا في حقها. و لو فكرت انك عشان اتجوزتها غصب عني اني هسمحلك تمس شعره منها تبقي غلطان. "
" انت اللي غلطان لو مفكر اني ممكن اأذيها.. طريقنا واحد بس انت بتكابر عشان هي اختارتني غصب عنك. منصحكش تكمل في تفكيرك دا. لو فعلا عايز تساعدها يبقي نحط أيدينا في ايد بعض…"
هكذا اجابه «عدي» بصدق ارتسم بعينيه اولًا فبدا متحفزًا من بعيد فالتفتت تناظر والدتها وهي تقول بسخط
" هما بيقولوا ايه ؟"
«منال» بحنان
" اكيد بيوصيه عليكِ .."
حانت منها ابتسامة ساخرة تجلت في نبرتها حين قالت
" ضحكتيني. بيوصيه عليا ! علي أساس أنه اب زي الابهات و كدا؟"
«منال» بحزن
" يمكن مكناش زي اي اب و اي ام . بس احنا لسه فيها و عرفنا غلطنا و مني عنينا انك تسامحينا و تسبينا نعوضك عن كل اللي شفتيه.."
كانت بسمتها الساخرة أكثر من مؤلمه خاصةً انها لم تعلق و كأن الأمر أقل من أن تعطيه اهتمامًا و فجأة صدح صوت رنين الباب فتوجه «عدى» لفتحه وإذا به يتفاجأ بمجموعة من رجال الشرطة فاندهش قائلًا
" أي خدمة ؟"
" انت عدي عبد الرؤوف ؟"
«عدي» باندهاش
" ايوا انا في حاجه"
التفت الضابط الي العساكر وهو يقول آمرًا
" اقبضوا عليه.."
صدمه قويه ضربته كصاعقة حين التف العساكر حوله يقيدوه فصاح بذعر
" يقبضوا عليا ليه ؟ انا عملت ايه ؟"
الضابط باحتقار
" اغتصاب بنت قاصر و الشروع في قتلها…"
يتبع….
بسم الله الرحمن الرحيم
🍓التاسع عشر "بين غياهب الأقدار ❤️🩹"🍓
من كل قلبي اتمني لو يلتقي الكبرياء و العشق يومًا ما عند مفترق طرق تقودنا الى درب واحد نسلكه سويًا. فقد سئمت و روحي من المقاومة فتلك الحرب ليست عادلة و خسائرها فادحه. فـ قلبي فلسطيني أعزل وعيناك قدسي الغالية لذا فـ التخلي ليس من ضمن قائمة اختياراتِ فأنتِ وطني الذي لا اعرف وطنًا غيره فـ أنا منه وإليه أعود ..
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
" هو في ايه بيحصل بره ؟"
هكذا استفهمت «ساندي» لدى سماعها أصوات شجار في الخارج فحاولت النهوض لترى ماذا يحدث فتدخلت والدتها التي قالت بتوتر
" خليكِ انا هشوف في ايه؟"
اطاعتها بصمت فتوجهت «منال» للخارج فرأت زوجها الذي كانت الصدمه تلون معالمه بالكامل و هو يناظر عدى» الذي كان ينتفض غضبًا و هو يخاطب رجال الشرطة
" والله ما عملت حاجه . اغتصاب مين و كلام فارغ ايه ؟ سيبوني.."
تدخل «سعد» قائلًا باستفهام
" حضرة الظابط ممكن تفهمني في ايه ؟ اغتصاب ايه و مين البنت دي ؟"
الضابط باختصار
" هتعرف كل حاجه في القسم . هاتوه.."
و بالفعل قام رجال الشرطة بأخذه و هرول «سعد» خلفه بعد أن التفت إلي زوجته قائلًا بتحذير
" اوعي تجيبي سيرة لساندي و أنا هروح اشوف الزفت دا نيل ايه ربنا يستر .."
اومأت «منال» قائلة بلهفة
" حاضر .. متقلقش بس متنساش تطمني .."
أومأ بالإيجاب و اندفع خلف «عدى» بينما اخت تردد بحسرة
" يا عيني عليكِ و علي بختك يا بنتي . استرها من عندك يارب .."
" في ايه يا ماما ؟"
هكذا تحدثت «ساندي» فالتفتت «منال» بلهفه و خرجت كلماتها مبعثرة
" ايه .. لا . مفيش . حاجه . دا . دا باين باباكي . راكن غلط . و الناس .. طلعت . تشكتي فراحوا . يشوفوا في ايه .. متقلقيش . شويه و هيطلعوا…"
لم ترتح ل إجابتها ولكنها لم تكن في وضع يسمح لها بالحديث أكثر فقد بدأ الألم بالزحف الى جسدها بعد انتهاء ميعاد المسكن فشعرت والدتها بذلك وتقدمت منها قائلة بحنان
" ميعاد ادويتك .يالا عشان تاخديها.."
لامس حنان والدتها زاويه ما بقلبها ولكن عقلها رفض ذلك الإحساس بشدة ف تراجعت خطوة للخلف قبل أن تقول بجفاء
" متشغليش بالك. انا عارفه مواعيد ادويتي و هاخدها ."
أنهت كلماتها و تراجعت الي غرفتها تاركه خلفها «منال» التي أخذت تتخبط بين الندم و الحسرة و الألم …
***************
كانت أيامًا ثقيلة يحاول تجاوزها بشق الأنفس فكل ما يحيط به يُنذِر بالسوء. بالرغم من كونه شخصًا مؤمنًا و ذو عقيدة راسخة بأن رب الخير لا يأتي إلا بالخير ولكن بداخله شعور قوي بأن السئ قادم. قد يكون ذلك الشعور تولد نتيجة ل ألمه الداخلي و الذي يحاول بقوة الصعود على السطح و هو يقاومه دافنًا نفسه بين طيات الأوراق يحاول الانغماس في العمل حتى ينسى تلك اللحظة التي سيدخل بها غرفته وحده. يعلم بأنها قريبة كل القرب منه و لكن لا تطالها يده. يتلظى بنيران الشوق والألم معًا ولا يستطيع التعبير عن ذلك. فقد كان صامتًا على الرغم من ثرثرة عقله التي لا تتوقف.
انتصف الليل و هلك الجسد فلم يعد يتحمل اكثر فزفر بإرهاق و نهض ناصبًا عوده فاعلن جسده عن ما ألم به من تعب عن طريق طقطقه قويه لعظامه التي تنشد الراحة ولكن أي راحة الالم الحقيقي منبعه القلب ..؟
بأقدام متثاقله دلف الي داخل غرفته فوجدها سابحة في الظلام إلا من نور خلفت تسلل من غرفة الملابس يعلن بأنها لازالت مستيقظة.. أدار وجهه إلي الجهة الأخرى فقلبه بدء نوبة تمرده يغويه بالتوجه الي مكانها ولكنه قام بردعه و التوجه إلي الحمام ل أخذ حمامًا منعشًا يزيل عنه آثار وأعباء هذا اليوم الطويل وبعد أن قضى أكثر من ربع ساعه أسفل المياه الدافئة خرج ينوي الذهاب رأسًا الى السرير حتى يحمي نفسه من اغراء أفكار قلبه المتمرد ولكن دائمًا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. ف حين التفت ليرتدي ملابسه تفاجئ من أنه لم يجلب اي شئ يستر به جسده الذي كان يحيطه بمنشفة صغيرة تطوق خصره لتصل إلي ركبتيه. و ملابسه هناك في غرفة الملابس التي هي أكثر مكان يود الفرار منه الآن.
زفر بقوة قبل أن يأخذ قرارًا بأن يذهب الي هناك و ليكن الله بعونه حتى تمر تلك الدقائق بسلام .
كانت جالسه علي السرير تستند برأسها علي ظهره وهي تتذكر كل ما حدث معها و كيف أخطأت بحقه و ها هي تدفع ثمن خطأها ألمًا وشوقًا لا تعلم كيف تعبر عنه ؟
هبت واقفه حين سمعت صوت باب الغرفه يفتح فعلمت أنه أخيرًا جاء فأخذ قلبها يدق بعنف آلمها تود لو تخرج إليه و تخبره كم هي آسفه بل نادمة علي ما حدث لكنها كانت تخشي أن تتلقي منه رفضًا قد لا تتحمله.. ترى بعينيه تعب و ألم تعلم أنها أحد اسبابه ولهذا لا تجروء عن سؤاله عن ما به. تريد فقط أن تخفف احماله التي تعلم أنها ترهقه كما تعلم أنه أبدًا لن يشتكي. فهي طبيعته.
زفرت بقوة جراء تلك المعركة الدائرة بداخلها والتي لا تسفر عن أي نتيجه فهي بالنهاية حائرة خائفة لا تجرؤ على اتخاذ القرار
" يارب . حلها من عندك بقي . انا تعبت ومبقتش قادرة اتحمل .."
هكذا خرجت الكلمات منها معذبه وما أن انتهت حتى تسمرت بمكانها لدى سماعها ذلك الطرق الخفيف علي باب الغرفة فالتفتت تناظر الباب بلهفه وهي غير مصدقه هل فعلًا سمعت طرقًا أم أن حُمى الشوق بقلبها جعلتها تتخيل ؟
عاد الطرق مرة أخرى فارتسمت ابتسامة بلهاء علي شفتيها فهي لم تكن تتخيل و بخطٍ متلهفة توجهت الي الباب وقامت بفتحه فتجمدت عينيها على صدره العارى الذي يعج بالعضلات التي اختطفت بصرها لثوان . كما اختطف أنظاره مظهرها الرائع وهي بذلك اللباس البيتي المكون من قطعتين إحداهما بنطلونا من الستان و بلوزة صيفية من نفس القماش بندقية اللون ذو حملتان رفيعتان تغرقان ببحر من الحليب الذي يلون كتفيها التي تحيط بها خصلات شعرها المتمرد فبدت فاتنة بحق .
و قد كان هذا أكثر ما يخشاه اغواء قاتل قد لا يقدر على مقاومته و حتي أن تغلب على جيوش شوقه و رغبته فهذا سيكون هلاك من نوعًا آخر.
ولكنه لم يكن وحده من يتعذب ف رؤيته بهذه الطريقه كانت أكثر من مهلكه على قلب اختلط به العشق و الشوق و الندم معاً .. فكان من المفترض الآن أن تكن بين ذراعيه تنعم بعشقهم الجارف معًا تقف تناظره من بعيد بشوق ضارى لا تقدر عن التعبير عنه. ك جائع يعرض أمامه اشهي انواع الطعام ولكن محظور عليه حتي الاقتراب منه. هذا كان حالها .
طال الصمت عن المعتاد وكان كلًا منهما يشكو معاناته للآخر بسيل من النظرات القوية التي قطعها صوته الجاف حين قال
" معلش لو صحيتك . بس كنت عايز هدوم.. عشان ألبسها.. هدومي كلها هنا "
بللت حلقها الجاف و قد فطنت لسبب قدومه الذي كان مخيبا ل آمالها ولكنها حاولت أن تخفي ذلك قدر الإمكان حين قالت
" اه طبعًا. اتفضل. انا مكنتش لسه نمت.."
خطت أقدامه إلى الداخل يحاول تجاوز وجودها المهلك و رائحتها الشهية و تقدم من أحد الأرفف ساحبًا أحد السراويل القصيرة بعجاله ثم عاد ادراجه الى الخارج ولكنه توقف. لا يعلم لما؟ ولا ماذا سيقول؟ فقط أراد أن يطيل الحديث معها. يقر عينيه برؤيتها لمدة أطول فالتفت قائلًا بنبرة خشنة
" جنة هتسافر اخر الاسبوع. عشان الجلسات عرفتي ؟"
" اه عرفت.. هي قالتلي. بس بتقول هيكلموا الدكتور عشان الجلسات تكون هنا واقدر اكون موجودة معاها.."
هكذا تحدثت بلهفة فقال بفظاظة
" لو حابه تروحي معاها. براحتك "
لو لم تكن تعلم سابقًا من شقيقتها بأنه رفض هذا العرض لكانت ماتت ألمًا فهي من أخبرتها بأن تطرح هذا الامر علي «سليم» لتري ردة فعله ولكنها الآن تعلم أنه مازال غاضبًا بل متألم بسبب ما حدث لذا تحدثت بثبات
" لا. انا هستني لما تروح و ترجع و مدام سليم معاها انا مطمنه. "
ارتاح قلبه ل إجابتها ولم يعلق اكتفي بإيماءة بسيطة من رأسه و أوشك علي الالتفات فجاءت كلماتها التي جعلته يتوقف بمكانه
" اتعشيت ولا اجهزلك العشاء ؟"
أراد أن يخبرها بأن جوعه لم يكن للطعام ولكن اكتفي بالقول
" لا مش جعان.. "
" بس غلط كدا.. انت فين من ميعاد الغدا؟ عدي اكتر من تمن ساعات.."
هكذا تحدثت بلهفه فقد كانت تريد أن تطيل معه الحديث قدر الإمكان ولا تعلم بأنها تضعه في تحدٍ عنيف بين ثباته التي بدأ يتلاشى و بين شوقه الضاري لها و خاصةً وهي بتلك الهيئة فحاول التماسك قدر الامكان قائلًا بفظاظة
" انا بحب انام خفيف.. "
" غلط علي فكرة .. أن لبدنك عليك حق"
عاندته حين رأت عروقه النافرة التي تدل على مقاومته الضارية ل مشاعره نحوها وقد تذكرت حديث «أمينة» التي قالت بتعقل
" جوزك بيحبك. يعني قلبه في صفك. كل راجل وله طريقه اه. بس الرجاله كلها بيجتمعوا في نقطة الغريزة فلما تجمعي بين قلبه و غريزته يبقي أنتِ ملكتيه العمر كله.. و لو معرفتيش تستغلي دا يبقي أنتِ غبية"
علمت أنها في الطريق الصحيح لذا قررت اللعب بشتى الاتجاهات حتى تعيده الي أحضانها من جديد.
" متشغليش بالك.. انا متعود على كده.."
هكذا أجابها بفظاظة فقد ضاق ذرعًا بعنادها و أراد الهرب من بين براثن اغوائها القاتل فتوجه إلى داخل الغرفة فتبعته قائلة
" انت بتقاوح في الغلط ليه ؟"
توقف بمنتصف الغرفة وقال بخشونة
" عايز اغير هدومي لو حابه تفضلي عندك تتفرجي انا معنديش مانع.."
تسمرت بمكانها لدي سماعها كلماته التي جعلت فكها يتدلى من فرط الصدمة و خرجت شهقه قويه من جوفها لدي رؤيتها يده التي امتدت تمسك بطرف المنشفه فالتفتت بلمح البرق الي غرفة الملابس مغلقه الباب خلفها بعنف فلم ترى ضحكته العابثة ولا ذلك النفس القوي الذي خرج حارقًا من جوفه ..
***********
وقعت فريسة لذكرياتها المؤلمة بقدر روعتها فباتت ليلها تضحك تارة و تبكي أخرى وهي ترى صورًا من الماضي تعكس لحظات لن تعود و لن تحيا مثلها أبدًا..
جاء الصباح وهي غارقة ببحور العذاب حتى أنها لم تنتبه لشروق الشمس الذي أضاء الغرفة ف قلبها كان غارقًا في ظلام الوجع الذي بعد مرور تلك السنوات لم يهدأ أبدًا .
طرق قوي على باب الغرفة جعلها تقوم بلملمة اوجاعها و دفنهم بصندوقها السري الذي أتقنت اخفاءه في خزانة ملابسها و قامت بكفكفه عبراتها قبل أن تقول بصوت مبحوح
" ادخل…"
أطلت «شيرين» برأسها من الباب لتقع نظراتها علي «همت» التي كانت عينيها تحكي مقدار الألم الذي تحاول جاهدة اخفاءه حين قالت بجفاء
" خير عالصبح.."
تقدمت «شيرين» من والدتها تناظرها بقلق تجلي في نبرتها حين قالت
" مالك يا ماما .. في أي؟"
«همت» بجفاء
" مفيش . جايه ليه ؟"
" لسه بردو زعلانه مني؟"
أدارت رأسها الناحية الاخرى وهي تقول بنبرة قاسية
" مش عايزة اتكلم فى حاجه .."
عاندتها بتوسل
" طب عشان خاطري. خلينا نتكلم و اسمعيني بعد كده لو عايزة تضربيني انا موافقه.."
التفتت تناظرها بحدة تجلت في نبرتها حين قالت
" اضربك.. فكرك بالكلام ده هتضحكي عليا ؟ اديني سبب واحد مقنع يخليكِ تعملي في نفسك اللي عملتيه دا؟ "
" كان غصب عني .."
هكذا اجابتها وهي تخفض رأسها فصاحت «همت» غاضبة
" كذب. أنتِ قبلتي بالوضع دا عشان تثبتي لسالم انك مش هتموتي من غيره . تموتي نفسك بالبطئ عشان خاطره. زي بردو ما حاولتِ تموتي نفسك قدامه عشان ميروحش الفرح ومهمكيش دموعي ولا وجع قلبي عليكِ.. ليه بتبهدلي في نفسك كدا.. ردي عليا… ليه هاينه شيرين عليكِ كدا؟"
استفزها حديث والدتها بشكل كبير وللحظه أوشكت على اخبارها بكل شئ ولكنها تراجعت بآخر لحظة و قالت بنبرة متألمة
" عشان معنديش حد غيره. محبتش حد غيره. هو كان بالنسبالي كل حاجه . قبلت بعقابه انا حتي فرحت بحالة احمد. لاني فعلا مكنتش هتحمل راجل غير سالم يقرب مني.. و رجعت عشان متحملتش يكون ل واحده غيري.. و بموت وانا بتخيله معاها.."
" و غلطي معاه من الأول ليه ؟ ماهو كان جمبك و معاكِ و كان زمانك متجوزاه ومخلفه منه . أنتِ الي اتملعنتي و لعبتي بديلك.. "
هكذا اجابتها «همت» بقسوة فصاحت «شيرين» بغضب
" حرام عليكِ تعيدي و تزيدي في الموضوع من تاني . شرحتلك الف مرة اني غصب عني غلطت. ايه اللي يغلط عندكوا يندبح !!"
«همت» بنبرة جريحة
" احنا اللي بنندبح من غلط اللي بنحبهم . عشان كدا مستحيل نقدر نسامح .."
" أنتِ زيه و شبهه علي فكرة . زي ماهو عاقبني و رماني أنتِ عاقبتي بابا و اتخليتي عنه.."
تألمت بقوة حتي أن عينيها فاضت ب عبرات غزيرة انهمرت علي وجنتيها حين قالت
" و أنتِ للأسف زي ابوكي .. عايزة تاخدي كل حاجه مش مهم ب تدوسي علي مين ؟ وعايزة بردو الناس تسامحك علي كل اللي بتعمليه. من غير ما يكون ليهم حق حتي يتألموا. زمان هو خاني و استكتر عليا اتعذب من خيانته. "
خرج صوتها جريحًا معذبًا حين قالت
" مخانش .. بابا مخانكيش أبدًا. هما اللي ضحكوا عليكِ وفهموكي كدا زمان عشان يبعدوكي عنه.."
«همت» بسخرية مريرة
" الوحيد المضحوك عليه هو أنتِ .. لو كنتِ ماشيه وراه هتندمي عشان ابوكي معندوش لا عزيز ولا غالي.."
«شيرين» بألم
" حرام عليكِ .. ابويا عاش عمره كله علي ذكراكِ . بالرغم من انك اتخليتي عنه. و صدقتيهم . "
" عشان هما مكذبوش.. "
هكذا صرخت «همت» بقهر ف تراجعت «شيرين» للخلف مصدوم فتابعت «همت» بألم
" لو هما كذابين فاحساسي عمره ما هيكذب .."
" طب و لو اثبتلك بالدليل أنهم كذبوا. و لو وريتك بعنيكِ أنهم كذابين تقبلي ترجعيله تاني ؟"
كانت تتحدث بثقة نجحت في زعزعة ثبات «همت» للحظات ولكنها صاحت برفض
" أي حاجه منه عارفه انها كذب ابوكي يقدر يزيف الحقائق و العكس بمنتهى الاحترافيه.."
«شيرين» بقوة
" مش كل حاجه ينفع تتزيف يا ماما .. بابا مش خارق. و عمومًا انا هوريكِ بعينك أن بابا اتظلم منهم زمان و أن اللي كانوا عاملين حبايبك هما الي طعنوكي في ضهرك ."
«همت» بريبة
" تقصدي مين ؟"
" أمينة. تنكري انك كنتِ عارفه انها امنت بتحبه زمام قبل ما اتجوز خالي ؟؟"
تراجعت «همت» بصدمة
" ايه ؟"
*******************
كان يسير بعربته بين الأروقة و الطرقات لا يعلم وجهته و لا يفهم ذلك الضيق الذي يملأ قلبه منذ البارحة.
حديثها و نظراتها المتألمة و قهرها الكبير يدميان قلبه. لم يكن من أصحاب القلوب اللينة لطالما كانت الناس تخشاه نظرا لقسوته و عنفوانه ولكن ماذا جرى له؟
هناك مشاعر قاسية وغريبة من نوعها تجتاحه ك فيضان لا يقدر على مقاومته .. نيران الذنب تحرق أحشاءه من الداخل و كلماتها تُعاد علي مسامعه كل لحظة فيزداد ألمه تشعبًا داخل صدره. فلم يعد يحتمل البقاء بغرفته و خرج منذ الصباح يجوب الطرقات لا يعلم عما يبحث ولكنه يحاول الهرب من ذلك العذاب الذي طرد النوم من عينيه الليلة الفائته ..
خفقة قوية ضربت قلبه حين شاهد تلك التي كانت تمشي بخطٍ مثقلة و ملامح واجمة وهي تحمل بيدها وعاء بيه أسمنت و تقوم بنقله الي موقع أحد الابنيه و بجانبها الكثير من مثيلاتها مِن مَن يقمن بهذا العمل الشاق ف تحفزت كل خليه به و تصاعدت أبخرة الغضب إلى رأسه خاصةً حين وجد أحد الرجال يناظرها بنظرات وقحة فاوثف عربته بعنف جعل الخيل يصهل بقوة و قام بالقفز من فوقها وهو يتوجه بأعين ترسلان سهامًا مشتعلة و قام بلكز ذلك الرجل في كتفه وهو يقول بغضب
" واجف جدام الحريم أكده ليه يا بغل انت؟"
تراجع الرحل بذعر من رؤيته وقال بتلعثم
" اني. اني بشرف عليهم يا عمار بيه. "
" طب غور من وشي. و شوفلهم حرمة غيرك تشرف عليهم.. "
اطاعه الرجل دون حديث مبتلعًا إهانته بصمت بينما توجه هو إلى تلك التي ضربت رجفة قويه جسدها بالكامل حين سمعت صوته ولكنها لم تحاول الالتفات حتي بل تابعت طريقها الي حيث تضع ما بيدها ولكنها تفاجئت منه حين قام بجذب ذلك الوعاء بقوة و إلقاءه أرضًا وهو يقول بفظاظة
" بتعملي ايه اهنه؟"
التفتت بأعين جامدة تشبه لهجتها حين قالت
" چنابك شايف اي؟"
اغتاظ من حماقة استفهامه فتجاوز عن اجابتها وقال آمرًا
" تعالي عايز اتكلم معاكِ في موضوع مهم.."
" لاه.."
فاجأة ردها القوي و الصارم ف اكفهرت معالمه و احتدت عينيه و شابهتها لهجته حين قال
" أنتِ اچنيتي يا بت . بجولك عايز اتكلم معاكِ تجوليلي لاه.."
أكدت علي حديثها قائلة بجفاء
" ايوا لاه.. اني مش فاضيه للحديت مع حد ورايا شغل و كمان مفيش بيني و بينك حاچه نتكلموا فيها.. "
ابتلع جمرات غضبه وقال من بين أسنانه
" شغلك موچود . انا موافجتش انك تسيبيه. و دلوق انچرى جدامي مفيش شغل ليكِ أهنه ولا أنتِ عاچبك الرچاله الي عينها هتطلع عليكِ أكده؟"
كانت كلماته مسمومة بقدر غضبه من نظرات ذلك الرجل لها وقد جاءت فى أكثر الأوقات الخطأ فسددت سهمًا اخر لها فردته هي بحرفيه لم تكن مقصودة حين قالت
" والله ده شئ ميخصكش. اللي يبص يبص. ايه مزعلك؟ "
كان سؤال وجهه لنفسه اولًا والتي هربت من إجابته والآن اعادته هي علي مسامعه فهل يهرب ؟ أو السؤال هنا كيف يهرب ؟"
" لسانك طول. و صار لازمن ينجطع . فوتي جدامي.."
" لااه.."
هكذا أجابته بقوة و إصرار فتحولت عينيه الي بركة من الدماء الغاضبة فتابعت هي بجفاء
" بعد عني يا كبير. و لو مفكر انك بفلوسك و سلطتك تجدر تبيع و تشتري في الخلج فمش كل اللي ينشرى و لا كل الي ينباع.. عن اذنك.."
ألقت كلماتها بوجهه ثم شيعته بنظرات ساخطة قبل أن تقوم بالعودة الي عملها تاركه خلفها كتلة من النيران التي أخذت تأكله من الداخل ولأول مرة بحياته يشعر بأنه لا يعرف ماذا يقول ولا كيف يتصرف؟ فقط ظلت عينيه معلقه عليها بصمت و انهزام كان الأول لقلبه..
*******************
" لسه بردو متصالحتوش ؟"
هكذا تحدثت «جنة» مع «فرح» التي كانت سابحه بخيالها وهي ترتشف قهوتها الصباحية برفقتها في الشرفة المطلة على الحديقة و الحقيقة أنها كانت بعالم آخر يقتصر عليه فقط و لكن جاءت كلمات «جنة» لتعيدها إلى واقع أليم فتنهدت بحرقة وهي تجيبها
" لا .. و مش باينلها صلح .."
" ليه بتقولي كدا؟"
لون الامتعاض ملامحها وقالت بتحسر
" معرفش . سالم محتاج وقت طويل على ما يقدر يسامحني و يرجع يتعامل معايا زي الأول و خصوصًا أن شكل في حاجة كبيرة حصلت وهو مش عايز يقول عليها و طبعًا مش هقدر اسأله.."
انكمشت ملامح «جنة» بقلق تجلي في نبرتها حين قالت
" حاجه زى ايه ؟"
" مانا قولتلك معرفش . و ماليش عين اسأل.. انا كل ما ابصله بلاقي عتاب كبير اوي في عينيه.. زي ما يكون كل ما يشوفني يفتكر اللي حصل .. انا بس نفسي اكون جنبه و اخفف عنه شويه "
هكذا تحدثت بحزن لون ملامحها بوضوح فرق قلب «جنة» لحالها و فجأة لمعت عينيها بحماس تجلي في نبرتها حين قالت
" بصي لو هو مش هقول أنتِ تعرفي من بره و وقتها تحددي"
" و هعرف منين ؟ و ازاي ؟"
هكذا تحدثت بيأس فتابعت «جنة» بحماس
" هو واحد بس الي ممكن يساعدنا نعرف في ايه ؟ و بناءً عليه هنقرر الخطة اللي هتمشي عليها عشان تخليه يسامحك.."
التفتت «فرح» تناظرها بعدم فهم ف أردفت «جنة» بحنق
" فرح فتحي مخك شويه . أنتِ اولا لازم تصالحيه زي ما زعلتيه . بس قبل ما تعملي كده لازم نعرف في ايه ؟ خصوصًا أن سليم هو كمان شكله مش مظبوط ومخبي حاجه و أنا بردو هموت واعرف ايه الحاجه دي ؟ بس بردو مش قادرة اسأل فنعرف الاول وبعد كدا نشوف هتعملي ايه ؟"
" طب بردو هنعرف ازاي ؟"
" سيبيها عليا.."
هكذا تحدثت «جنة» و ما أن انتهت حتى أتاها صوتًا عابثًا من خلفها
" يا ساتر استر يارب . متجمعين كده يبقي بتفسدوا مانا عارف تجمع الستات دا آخرته مصايب سودا.."
التفتت «جنة» لدى سماعها صوت «مروان» الساخر فهبت من مقعدها تناظره بصدمة تجلت في نبرتها حين قالت
" يخربيتك . انت جيت منين؟ دانا كنت لسه هقوم حالًا ادور عليك.."
جلس «مروان» علي الكرسي بين الشقيقتين وهو يقول بترقب
" اكيد حظي المنيل هو الي جابني دلوقتي .. انجزي كنتِ هتقومي تدوري عليا ليه ؟ "
اقتربت «جنة» تجلس أمامه وهي تقوم بوضع قطعة كيك في الطبق و تقديمها إليه قائلة بصوت رقيق و نبرة هادئة
" طب فطرت الاول . دي الكيك دي اللي انت بتحبها علي فكرة و انا اللي عملاها."
" استر.. اهو انا بقي مبخافش غير من الدخلات دي"
هكذا صاح «مروان» بشك فرسمت «جنة» الحزن علي ملامحها و تجلي في نبرته حين قالت
" اخس عليك.. وانا اللي قولت تيجي تفطر معانا و عملت الكيك اللي بتحبه.."
«مروان» بتهكم
"ماهي دايمًا المصايب بتبتدي كدا .. جُر رجل الزبون و بعدين زحلقه وقعه علي دماغه. انجزي عايزة ايه. و هاتي الكيك دا اما ادوقه"
ناولته «جنة» طبق الكيك فأخذ منه قطمه تلو الأخرى و بدا عليه الاستمتاع بطعمه فقال بريبة
" الكيك طعمه رائع و دا في حد ذاته يقلق.."
انكمشت ملامحها بحيرة تجلت في نبرتها حين قالت
" يقلق ازاي؟"
" عشان اللي هييجي بعده هيبقي مرار.. جمال الكيك يتناسب طرديًا مع فداحة المصيبة اللي بتيجي بعده. واللي مخلياكِ قاعدالي كدا زي قرد قطع عينك في كل قطمة بحطها في بقي . لما هيجيلي تلبك معوي. اخلصي عايزة ايه ؟"
أخذت الفتاتان تناظرنه بصدمه تجلت في كلمات «فرح» حين قالت ل«جنة»
" أنتِ فاهمه حاجه ؟"
«جنة» بغباء
" لا.."
رمقهم بسخرية و تابع يأكل بنهم إلى أن توقف الأكل بحلقة فسعل بقوة فهبت «جنة» تناوله كوب المياة بلهفه وهي تصيح
" ادي اخرة التفاصه .."
«مروان» من بين سعاله
" قصدك آخرة عنيكِ اللي تندب فيها رصاصة.."
قهقهت «جنة» علي مظهره و خاصةً حين جلب قطعة أخرى إلى طبقة وهو يقول و كأن شيئًا لم يكن
" ها ياستي قوليلي عايزة مني ايه ؟ عجبني الكيك و نويت اساعدك خلاص.."
اقتربت «جنة» منه تشير إليه بالاقتراب وهي تقول بصوت لا يسمعه سوى ثلاثتهم
" سالم و سليم مالهم ؟ في ايه شاغلهم اليومين دول و مخليهم مش علي بعضهم؟"
توقف الطعام بفمه وهو يناظر عينيهم المسلطة بقوة عليه فصاح بمراوغة
" بيقولك بقى لما تحطي شويه خل ع الكيكه بيخليها هشه كدا و عامله زي الهوى. إنما الكيكه دي مكتومه .. لا مش قد كدا . أنا بقول اقوم اروح لدادا نعمه اخليها تعملنا صينيه كيكه من بتوعها و بالمرة تعلمك الطريقة .. عن اذنكوا.."
اوشك علي الفرار فوجد يد «جنة» التي امتدت تمسك ساعده وعينيها التي ضيقتها بشر تجلي في نبرتها حين قالت
" اقعد .. بتصيع عليا. طيب يكون في علمك اني مش أنا اللي عامله الكيكه . و مبعرفش اعمل كيكه اصلًا.. نعمه اللي عملاها. ابقي اتجرأ و قول الكلمتين دول قدامها.. و دلوقتي بقي. نتكلم بصراحه و من غير لف ولا دوران. في ايه مخبيينه علينا. انطق و الا متلومش غير نفسك .."
كانت تحادثه و يدها تلهو في حركة استعراضية بسكين الفاكهة تريد بث الرعب في قلبه و قد نجحت في ذلك فقد بهتت نبرته و تراجع قائلًا
" شوف ياخي و انا اقول بردو . دي استحالة نكون عمايل ايديكِ انتِ تعملي قلقاس . بصارة.. خبيزة إنما كيكه لا طبعاً. "
تدخلت «فرح» بنفاذ صبر
" انجز هتقولنا ولا لا ؟"
زل لسانه وهو يقول بحدة مفتعلة
" انتوا عايزيني أبيع ولاد عمي و اطلع اسرارهم بره؟"
صاحت «جنة» باندفاع
" انا قولت . يبقي اسرار فعلًا واحنا منعرفهاش.."
اغمض عينيه للحظات يلعن غباءه فتدخلت «فرح» قائلة برفق
" مروان . سالم مش متظبط خالص . وانا حاسه ان في حاجه والحاجه دي تخصني و هو كالعادة مبيقولش . فقلنا نسألك انت ب تعتبرنا اخواتك و اكيد هتساعدنا.."
«مروان» بتهكم
"و أنا مين هيساعدني لما يعلقني عالبوابة ويبيع الكيلو مني بقرش ؟ "
" اوف بقي . ما تنشف كدا ولا حد يقدر يعمل معاك حاجه واحنا موجودين .. و بعدين مش احنا اخواتك زي ما قولت ؟"
مروان باستنكار
"هموت و اعرف قولت امتا الكلام دا ! اخواتي منين انا ليا أخ واحد و امريكا بحالها مكنتش وخدانا احنا الاتنين طفشت منه و جيت. بعت معايا المخفية بنته عشان تكمل مشواره في تنغيص حياتي . مين قالك اني عايز اخوات اصلًا.؟"
«فرح» بخيبة أمل
" طب خلاص يا مروان .. مش عايزة اعرف حاجه.."
كام مظهرها محزنًا للغاية فتحدث بنفاذ صبر
" ايه دا أنتِ زعلتى ولا ايه ؟ لا بقولك ايه انا نقطه ضعفي الوحيدة الاقي مزة زعلانه.. "
تدخلت «جنة» معنفة
" طب ما تقول لنفسك . ما هي مقهورة قدامك اهيه…"
زفر بقوة و قال بنفاذ صبر
" طب بصي اديني فرصة أخد و ادي من نفسي كدا و اشوف انا ينفع اقول ايه و ايه الي مينفعش اقوله . دي أسرار بردو .."
برقت أعين الفتاتين و صحن في آن واحد
" يعني في اكتر من حاجه مش حاجة واحدة ؟؟"
هنا أدرك هفوته فقام بضرب رأسه بظهر يده وهو يتمتم بحنق
" يا وقعتك السودا يا مروان . "
" مروان يا بتاع سما . أنجز و قول في ايه احسن ما هخلي البيت كله يعرف المستخبي. وانت عارفني مجنونة واعملها…"
" هشششش . اخرسي الله يخربيتك . هتوديني في داهية. "
هكذا تحدث بلهفه وهو يتلفت بكل الاتجاهات فلمعت عينيها بخبث تجلي في نبرتها حين قالت
" يبقى تتعدل و تقول في ايه ؟"
" جنة .. جنة.."
صدح صوت «سليم» خلفهم فالتفت الثلاث إلي الخلف وما أن رآه «مروان» حتي هب من مكانه وهو يقول بلهفة
" سليييم . حبيب قلبي .. بدور عليك من الصبح . عايزك في موضوع مهم ميتأجلش ثانيه واحدة .."
كانت فرصته الوحيدة في الهرب من بين براثنهم فهرول الي «سليم» الذي تفاجأ به يجلس بينهم ثم وثب قائمًا تجاهها يجره بعيدًا عنهم ..
" في ايه يا ابني جررني وراك كدا ليه"
«مروان» بلهاث
" اصلك متعرفش . انا كنت في حلقة استجواب مع المحقق كونان و انت جيتلي نجدة من السما.."
«سليم» بنفاذ صبر
" انا مش فاهملك حاجه ياد انت. استجواب ايه و كونان ايه دا مش ناوي تعقل شويه؟"
" كونان دي يبقي الهانم مراتك .."
هكذا أجابه «مروان» بتهكم ف انكمشت ملامحه بغضب و قال بتقريع
" مالك و مال مراتي يا حيوان..؟"
«مروان» باستفزاز
" السؤال الأصح هي اللي مالها ومالي . الهانم شقطتني و أنا ماشي في حالي و هات يا دلع و اشي كيك و شاي و طلعت في الاخر عايزة تستجوبني .."
امسك «سليم» به من تلابيبه وهو يصيح غاضبًا
" كيك و دلع هي حصلت دانا هدفنك حي النهاردة.."
كاد أن يختنق بين يديه فحاول الحديث قائلًا من بين أنفاسه المتلاحقة
" افهم يا ابو مخ مصدي . بقولك ب تستدرجني عايزة تقررني و تعرف سالم ماله و احنا مخبيين عنهم ايه ؟"
أفلته «سليم» بغتة و قال بلهفه
" اوعي تكون قولتلهم حاجه ؟؟"
«مروان» بغرور
" عيب .. عيب تقول علي صاحبك وحبيبك و كاتم أسرارك كدا.. لا طبعًا توهتهم لحد ما انت جيت و خلعت. بس جنة دي مش سهله دي فقستني و أنا مش هسلك معاها. و أساليبها كلها مغرية و انا بصراحه بضعف ..'
لكمة قوية كادت أن تصيب فمه ولكنه تفاداها ببراعة وهو يقول بلهفة
" مش كل مرة يا برنس عيب .."
فصاح «سليم» غاضبًا
" دانا هكسر صف سنانك اساليب ايه يا بغل اللي مغرية ؟؟"
صحح «مروان» حديثه إذ قال بسلاسة
" تصدق الحرمان وحش بردو . يا ابني افهم . دماغك بتروح فين اقصد جابتلي كيك. قالتلي انا اللي عملته بأيدي و انت زي اخونا و بنحبك و الكلام اللي اي حد حمار ممكن يتثبت بيه .."
" و طبعا انت اتثبت ؟"
هكذا تحدث «سليم» ساخرًا فأجابه «مروان» باندفاع
" طبعًا بقولك أساليب مغرية جدًا.. "
" بقي الست هانم بتثبتك عايزة تعرف منك .. دي مفكرتش حتي تسألني ؟ ماشي يا جنة .."
هكذا تحدث «سليم» حانقًا فأجابه «مروان» بمزاح
" دي غيرة و نفسنه و لا انا بيتهيألي ؟"
تراجع خطوتين إثر نظرات سليم النارية فآثر تغيير الموضوع إذ قال بجدية مفاجأة
" بس قولي تفتكر سالم ليه مصارحش فرح بموضوع الايميل الي اتبعت من علي اللاب بتاعها دا ؟ تفتكر كان شاكك فيها ؟؟"
نجح في تشتيت انتباهه فتحدث «سليم» بحيرة
" والله معرفش .و هو مش مرسيني دماغه فيها ايه ؟ اي حاجه تخص فرح مبيصرحش بيها. "
هنا تراجعت خطوة إلي الخلف بعد أن استمعت لحديثهم بتحريض من «جنة» التي كانت بواد آخر وهي تتخيل «سليم» غاضب منها لما حدث مع «مروان» ولكنها تنبهت علي حديث «فرح» التي قالت بعدم فهم
" ايميل ايه ؟ و ايه حكايه شكه فيا دي ؟"
«جنة» بعدم فهم
" معرفش .. و موعدكيش اني اقدر اعرف .. لو عايزة رأيي اسأليه دا حقك مدام الموضوع كله يخصك …"
ارتسم التصميم علي ملامحها و نبرتها حين قالت
" عندك حق .."
أنهت جملتها وتوجهت رأسًا إلى مكتبه و قامت بدق الباب و حين أتاها أمره بالدخول قامت بالدلوف علي الفور وهي تتوجه بخطوات ثابته إليه تشبه نبرتها حين قالت
" عايزة اتكلم معاك في موضوع مهم ؟"
رفع رأسه يطالعها بصمت دام للحظات قبل أن يقول باختصار
" سامعك…"
" ايه حكايه الايميل دا اللي اتبعت من ع اللاب بتاعي دا ؟"
احتدت نظراته لثوان قبل أن يقرر الحديث بصراحه
" من فترة اتعرضنا لعملية نصب حد اتعاقد مع شركة ألمانية باسمنا و بعت من علي ايميل الشركه اوردر للمخازن أنها تطلع البضاعة و تمن الصفقة و الفلوس اتحولت علي حسابه و لحد دلوقتي معرفناش مين الشخص دا .."
انكمشت ملامحها بعدم فهم سرعان ما تحول لصدمه ما أن وصل مغزى حديثه الي عقلها و الذي لسوء حظها
أكدته كلماته حين تابع بخشونة
" ايميل الشركه كان مفتوح عندي وعند سليم و عندك! "
تراجعت خطوة للخلف وهي تقول بصدمة
" تقصد .."
قاطعها حديثه الجاف حين اكمل
" مروان فحص التلت أجهزة. اكتشفنا أن الايميل اتبعت من عندك…."
كلماته اخترقت قلبها كسهام مشتعلة نفذت إلي أعماقها بقوة آلمتها و تجلي ذلك الألم على وجهها و تقاسيمها التي امتقعت ف خرجت الكلمات من فمها مبعثرة تمامًا كحالها في تلك اللحظة
" انا. انت .. انت.. تصدق .. أن .. انا . اعمل . حاجه . زي دي؟. أنا . عمرى .. ما .."
قاطعها بلهجته الخشنه و ملامحه التي قست حين رأي ألمها الجلي علي وجهها
" الكلام دا عدي أوانه خلاص .."
بشفاه مرتجفه اجابته
" تقصد ايه ؟.. لحظة . انت سألتني عن اللاب بتاعي قبل الفرح .. يعني .."
زفر بقوة قبل أن يعيد كلماته السابقة
" قولتلك الكلام عدي أوانه خلاص .."
وصل المغزي خلف حديثه فهو لم يشك بها قط و الا لما تابع مخططه بالزواج منها فتقدمت منه قائلة بحزن
" انت مشكتش فيا اصلًا .. أنا متأكدة من دا.."
تجاهل ألمه و أجابها بفظاظته المعهودة
" طبيعي تكوني متأكدة . ماهو مفيش واحد هيتجوز واحدة شاكك فيها.. والا يبقي غبي .."
كانت تعلم ما يرمي إليه جيدًا و قد تعاظم شعور الندم بداخلها علي خطأها الجسيم بحقه و قد هالها نظراته المعاتبة الجريحه فهو لم يشك بها أبدًا حتى لو رآي بعينيه وهي التي صدقت كلمات تلك الشيطانة و انساقت خلف مخططاتها بكل غباء . ياليت الزمن يعود إلي ذلك اليوم
فتنفض كل هذا العبث و ترتمي بين أحضانه ولن تفارقها أبدًا ..
اقتربت خطوتين وهي تقول بشفاة مرتجفه
" سالم .. انا عارفه اني غلطت في .."
قاطعها بقسوة كانت جديدة كليًا عليه
" اسكتي يا فرح . "
هبت معانده
" سالم .. "
قاطعها بصرامة
" امشي يا فرح …"
توقفت إثر اختراق الكلمة قلبها الذي اهتز حين تابع قائلًا بجفاء
" معنديش استعداد لأي نقاش دلوقتي و مش ضامن نفسي. ولا عايز يطولك أذايا .. فالأحسن تمشي…"
بشفاه مرتجفه وقلب محترق أجابته بخفوت
" حاضر .. همشي.."
لا تعلم كيف جرت قدميها للأعلى ولكنها لم تتوقع أن يطلب منها المغادرة بتلك الطريقه . نعم خطأها فادح و عواقبه وخيمة ولكن طلبه منها بالرحيل كان اقسي ما يتحمله قلبها. جل ما تريده الآن أن تغادر هذا المنزل لأبعد مكان تختفي به لتلعق كبرياءها الجريح و قلبها النازف ..
لا تعلم ماذا كانت تضع بالحقيبة ف عبراتها حجبت الرؤية أمامها و شهقاتها تعالت حتى أنها جذبت أسماع «أمينة» التي دخلت الي الغرفة لترى ماذا يحدث فتفاجئت بتلك التي تحمل حقيبتها تنوي المغادرة ف استوقفتها قائلة بصدمة
" راحه فين يا فرح؟ "
اجابتها بنبرة جريحه من فرط الألم
" ماشية.."
«أمينة» باستنكار
" ماشيه فين أنتِ اتجننتِ ؟"
«فرح» بنبرة متقطعة من بين شهقاتها
" لا . متجننتش . سالم اللي طلب مني امشي .."
بهتت ملامح «أمينة» و قالت بصدمة
" ايه ؟ سالم الي طلب منك تمشي ؟"
" قالي لو مش عايزة يطولك أذايا امشي. امشي يا فرح .."
قالت جملتها الأخيرة و انفجرت في نوبة بكاء مريرة رق لها قلب «أمينة» التي احتضنتها بحنان يتنافى مع تعاظم الغضب بداخلها وأخذت تربت على كتفها في محاولة لتهدئتها وحين لاحظت سكون جسدها قليلًا تراجعت تناظرها وهي تقول بصرامة
" استنيني هنا . و اوعي تفكري تخطي بره باب الأوضاع بالشنطه دي . اللي مش قادر يسيطر على غضبه هو اللي يمشي . معندناش ستات تسيب بيتها .."
اوشكت على مقاطعتها ف نهرتها «أمينة» بغضب
" ولا كلمه . استنيني هنا.."
في الأسفل كان يشعر وكأن الكون كله يضيق به . التنفس كان ثقيلًا للحد الذي جعله يقوم بفك ربطة عنقه و حل أزرار قميصه ليستطيع الأكسجين المرور إلى رئتيه التي كادت أن تنفجر من كثرة الضغط عليها.
" انت فعلًا طلبت من فرح تمشي و تسيب البيت ؟"
هذا كان استفهام «أمينة» الغاضب حين اقتحمت الغرفة دون أن استئذان ولكنه لم ينتبه سوي لحديثها الذي جعل جميع خلاياه تتحفز و قال بنبرة مستنكرة
" تمشي و تسيب البيت ؟ مين قالك كدا ؟"
" محدش قالي. دخلت الاوضه لقيتها منهارة و بتلم هدومها و ماشيه. أما سألتها قالت انك قولتلها كدا.."
وثب قائمًا من مكانه و قد غلف الغضب عينيه و لون تقاسيمه و صدح صوته في أرجاء الغرفة وهو يقول بحدة
" ايه التهريج دا ؟؟"
ما أن خطى خطوتين باتجاه باب الغرفة حتي تسمر بمكانه إثر سماعه صوت صراخها الذي اخترق اعماق قلبه وووووو
يتبع…
بسم الله الرحمن الرحيم
🍓العشرون بين غياهب الأقدار ❤️🩹 🍓
يد واحدة لا تصلُح للتصفيق . كذلك العلاقات مدى نجاحها يتوقف على مدى إصرار كِلا الطرفين على فلاحها. فإن لم يكن كِلاهُما في مُنافسة قوية لإنجاح هذه العلاقة فالفشل هو مصيرها الحتمي. ومما لا شك فيه أن لا شئ في هذه الحياة يحدُث عبثًا. فتلك العقبات والعراقيل ما هي إلا اختبارات لقياس مدى قوة العلاقات وهشاشتها. فإما أن تجد نفسك في المكان المناسب مع الشخص المناسب الذي حتى في أحلك الأوقات باستطاعته تجاهل كل الحزن والكمد لأجلك.
و حين تأتيه هاربًا من أذى الدنيا يكُن هو ملجأك الآمن و ركنك الدافئ الذي يعرف كيف يحتوي جزع قلبك و يسكُب الطمأنينة بين أوردته. أو تجد نفسك غريبًا وحيدًا في مواجهة ازماتك وخذلانك حين أيقنت بأن ذلك الشخص الذي اخترته يكن سندًا في أيامك العجاف كان هشًا متخاذلًا للحد الذي لا يليق بقلبك و لا يكفى لتكوين علاقة سليمة..
ولإن مرارة ذلك الشعور قاسية و تخطيها ليس بالأمر الهين فأحسنوا اختيار من يسكن القلب…
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
انت فعلًا طلبت من فرح تمشي و تسيب البيت ؟"
هذا كان استفهام «أمينة» الغاضب حين اقتحمت الغرفة دون أن استئذان ولكنه لم ينتبه سوي لحديثها الذي جعل جميع خلاياه تتحفز و قال بنبرة مستنكرة
" تمشي و تسيب البيت ؟ مين قالك كدا ؟"
" محدش قالي. دخلت الاوضه لقيتها منهارة و بتلم هدومها و ماشيه. أما سألتها قالت انك قولتلها كدا.."
وثب قائمًا من مكانه و قد غلف الغضب عينيه و لون تقاسيمه و صدح صوته في أرجاء الغرفة وهو يقول بحدة
" ايه التهريج دا ؟؟"
ما أن خطى خطوتين باتجاه باب الغرفة حتى تسمر بمكانه إثر سماعه صوت صراخها الذي اخترق اعماق قلبه الذي كان يسبق خطواته المتلهفة التي حملته إليها بسرعة البرق فقام بدفع باب الغرفة ليتفاجئ بها تقف أمامه بجسد مرتجف و عينين تمطران ألمًا فهرول إليها يحتضن كتفيها بيديه و بصوت يحمل اللهفة والقلق معًا خاطبها
" انتِ كويسه ؟ حصل ايه؟ "
تشابهت رجفة جسدها مع شفتيها حين قالت
" عمو وفيق مات !"
تحدث بنبرة يشوبها التعاطف
" لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم. البقاء لله يا فرح .."
تسابقت عبراتها في الانهمار على وجنتيها و قامت
ب إخفاض رأسها ف شعر بقلبه ينشق إلى نصفين حين رأي الوجع يهزمها بهذا الشكل فتجاهل كل شئ و نحى خلافهم جانبًا جاذبًا إياها لتستقر بين أحضانه ملجأها الذي ما أن لامست دفئه حتى انخرطت في نوبة بكاء عنيفة استقبلها صدره بكل رحابه حتي أنه صار يهدهدها كطفل صغير الي أن هدأت عواصف الألم بقلبها وافرغت سحبها كل ما تحمله من أوجاع فقام برفع رأسها وهو ينظر إلي عينيها التي لونت خضرتها بدماء الحزن الذي كان اضعافه بقلبه فقام باحتواء وجهها بين يديه وهو يقول بنبرة رقيقة
" وحدي الله يا فرح.. محدش فينا له في نفسه حاجه.."
لم تكن كلمات عاشقه بقدر ما كانت حانيه لامست أوتار قلبها الذي استعاد ذكرياته المريرة من آلام الفقد و اللوعه التي تجلت ب نبرتها حين قالت
" ونعم بالله.."
احتوت يديه خصرها وهو يقول بحزم
" تعالي.."
تركت له نفسها فهو خير من يؤتمن عليها فدلف بها الى الحمام و قام بفتح الصنبور و مد يديه و أخذ يبلل وجهها بأنامل حانيه كانت تخشى عليها من نسمه الهواء.
فقد كان يصب الحنان علي قلبها صبًا بالرغم من أنه لم يتحدث ولكن أفعاله كان لها وقع البلسم علي وجعها الذي لا يسكنه سوى وجوده
" غيري هدومك . و جهزي شنطتك عشان نلحق نحضر الدفنة . "
برقت عينيها حين سمعت كلماته التي لا تقبل الجدال فخرج سؤالها مندفعًا من بين شفتيها
" انت هتروح تعزي؟"
انكمشت ملامحه تعبيرًا عن استنكار لم يتخطي حدود شفتيه بل إنه تخطاه حين قال بخشونة
" يلا اجهزي مقدمناش وقت كتير. و أنا هخلي الجماعة يجهزوا على ما احجز تذاكر الطيران.."
كان هذا آخر ما تفوه به قبل أن ينخرط في دوامة انشغالاته لكي ينهي الأعمال المتراكمة عليه قبل أن يذهبوا إلى هناك .. فلم تره سوى بعد مرور ساعتين حين كانت تستقل الطائرة برفقة «أمينة »و «مروان» و «سليم» و «جنة» التي كانت حزينة من أجل ذلك الرجل الذي لا زالت تتذكر ملامحه منذ أن رأته وهي تغادر مع أسرتها و التي لا تشبه تلك الصورة المؤلمه التي رأته بها آخر مرة حين ذهبت إلى مزرعته للعيش بها …
شعرت بيد قوية تطوق كفها برفق فألتفتت لتجد 《سليم》 الذي خاطبها بلهجة خافته
" بتراهني عالحصان الخسران علي فكرة .."
كانت تعلم المغزى خلف كلماته ولكنها آثرت المراوغة
ف قالت مدعية عدم الفهم
" تقصد ايه؟"
كان يرى داخلها بوضوح و لكنه قرر مجاراتها حين قال بخشونة
" الحصان اللي كنتِ عايزة تخرجي بيه الصبح ضعيف . مش قد كدا .. لو كنتِ قولتيلي كنت جبتلك حصان احسن . علي الأقل ابقي ضامن أنه ميوقعكيش.."
كان لحديثه معان مبطنه تختلف كليًا مع ظاهره ولكن لعبته اعجبتها و قررت أن تذهب معه حتي النهايه إذ قالت بخفوت
" اصل انت مكنتش فاضي . و محبتش اشغلك بحاجات تافهه.."
" اشغليني بعد كدا.."
قالها آمرًا فحاولت قمع إبتسامة أضاءت عينيها في تلك اللحظة فالتفتت تناظره بخجل تجلي في نبرتها حين قالت
" افرض كان عندك شغل أو…"
" هفضي نفسك حتى لو ورايا ايه. مش هيكون اهم منك.."
كان تصريحًا تاقت إلى سماعه بالرغم من يقينها من أنه لن يتأخر و لو ثانيه لتلبية ندائها ولكنها كانت تشتاق لسماع ذلك دون أن تخبره ذلك صراحةً.
فلونت حمرة جميلة خديها الذي أشتهي تقبيلهم في تلك اللحظة ولكن ليس أمام الجميع هكذا ولهذا أراد مشاكستها قليلًا حين قال بنبرة خافته بجانب اذنيها
" و على فكرة بقبل الهدايا و بموت في الرشاوي.."
التفتت تناظره بصدمه تجلت علي محياها بوضوح مما جعله يتراجع إلي الخلف يستند برأسه وهو يحاول قمع ضحكته بصعوبه حين اتاه صوتها المصدوم وهي تقول
" يعني ايه دا ؟ "
ضيق عينيه وهو يقول بنبرة متهكمة بينما عينيه ترسلان نظرات عابثه
" يعني مثلًا انا بحب كيك البرتقال اوى. وياسلام لو كان من ايديكِ الحلوة دي. يبقي كيك بالبرتقال والعسل . و تستغليني بقي . يعني معلومه كده . معلومة كدا. هقر علي طول.."
أدارت وجهها إلى الجهة الأخرى غير قادرة على النظر إلى وجهه فهي تعلم ماذا يقصد و علي الرغم من ذلك فقد كانت لكلماته مفعول السحر على قلبها الذي أخذ يدق بعنف جعل الدماء تتدفق بقوة في سائر جسدها الذي شعر هو برجفته فقام بالتشديد من قبضته الممسكة بكفها وهو يقول بجانب أذنيها
" عدي الجمايل بقى.."
انكمشت ملامحها بحيرة تجلت في نبرتها حين قالت
" تقصد ايه ؟"
كانت عينيه تحمل العبث بينما أجابها بنبرة هادئة
" احنا طايرين بقالنا ربع ساعه.. "
شهقة كادت أن تفلت من بين شفتيها حين وصل إلي عقلها المغزى وراء حديثه فهذا الماكر أخذ يتلاعب بالكلمات حتى يشغلها عن إقلاع الطائرة الذي تخشاه . فتعاظم الحنق بداخلها من مكره فهي تعلم بأنه كان مستمتعًا ب ارباكها لذا قالت بجفاء
" ياريت تنام احسن.. "
أطلق تنهيدة قوية من أعماقه وهو يقول بتحسر
" هو طول مانتِ ورايا هشوف النوم …"
***************
بأقدام مرتعشة دلفت إلى الغرفة التي كانت مُعبأة برائحة الموت حتى أن جُدرانها كانت باهتة تشبه بهوت معالمها التي لونها الذعر فهي بحياتها لم تر شخص فارق الحياة أبدًا و كم كانت تخشى رؤية الجثث حتى في العروض السينمائية كانت تُدير رأسها و لكن كما يقولون الحب يفعل المستحيل . فهي لم تستطيع البقاء في الغرفة و تركه في هذه اللحظات العصيبة. و بأمر من قلبها الذي كان له سلطه قويه علي سائر جسدها خطت الي الداخل وحين رأته يجلس منكث الرأس منحني الجزع تبدد كل شعور لديها و حل محله الألم علي رؤيته هكذا و انتحب قلبها تزامنًا مع صوت بكائه المكتوم الذي شعرت به فامتدت يدها تلامس كتفه برقة تجلت في نبرتها حين قالت
" ياسين .. شد حيلك .. "
خيط من السكينة بدأ بالتسرب إلى قلبه رويدًا رويدًا حين سمع صوتها فقام بإرجاع رأسه للخلف فإذا به يتفاجئ بها سندًا لوجعه الذي احتضنته ذراعيها و طوقته بكل ما أوتيت من حب تجلي في نبرتها حين قالت
" انا عارفه انك ب تتعذب . الفراق صعب .. صعب اوي. بس افتكر انه دلوقتي مرتاح . مفيش ألم ولا وجع. "
كلماتها هونت من وجعه قليلًا فهي محقه فقد كان يتألم بحق و لا يوجد سبيل للراحة و كانت رؤيته هكذا تؤلم جميع من حوله الآن هو هادئ و ملامحه ساكنه لأول مرة منذ زمن طويل يرى هذا السلام باد على محياه و هذا ما جعل وجعه يسكن قليلًا ولكن ألم الفراق قاتل ينخر العظام و يذيبها و خاصةً حين يأتيك بغتة دون أن تكن مستعدًا له
خرج صوته متحشرجًا حين قال
" كان نفسي أودعه… آخر مرة شفته كان امبارح الصبح .. قعد يبصلي كتير . كأنه كان بيودعني بس انا مفهمتش.. لو اعرف مكنتش سبته"
انخرط قلبها وجعًا على حديثه الذي ذكرها بمصابهم حتي و إن كان شقيقها سيئًا ولكنها كانت تحبه و افتقدت وجوده كثيرًا . ولكنها لم تفصح عما يدور بداخلها بل قامت بتمرير يدها علي ذراعيه بحركات دائريه صعودًا على كتفيه في محاولة لتهدئه عضلاته المتشنجة وهي تقول بصوتًا عذب
" محدش يعرف الغيب غير ربنا .. وانت كنت دايمًا جنبه مسبتوش أبدًا. و دا عمره . ادعيله بالرحمة.."
خرجت الكلمات مُعذبة من فمه حين قال
" ربنا يرحمك يا بابا…"
تزاحمت الذكريات بقلبها فخرجت علي هيئة أنهار جرت علي خديها فقامت بالانحناء و احتضان رأسه بذراعيها وهي تقول بهمس بجانب أذنه
" عندي فكرة حلوة. ايه رأيك اجيب المصحف و نقعد نقرأ قرآن جنبه لحد ما ييجي معاد الغُسل.."
كانت قريبه منه لا بجسدها فقط بل بقلبها .. حتي أنه شعر بروحه تعانق روحها في تلك اللحظة فقامت يديه باحتضان يديها و التشديد عليها تعبيرًا عن امتنانه ثم قال بنبرة معذبة
" هاتي المصحف بتاعه . هتلاقيه في الرف التاني من الدولاب .."
علي مضض تركته يديها فشعر بالجليد يحيط به و كأنه انسحابها عنه سلب دفء جسده فصارت عينيه معلقه بها الي أن جلبت المصحف و جاءت بشال والدته المُلقى علي أحد المقاعد و قامت بلفه على خصلات شعرها المسترسله علي ظهرها و التفتت لتجلس بجواره و ما هي إلا لحظات حتى خرج صوتها العذب وهي تقرأ آيات الذكر الحكيم الذي كان له مفعول السحر علي قلبه الذي استكان و هدأ لدقائق حين أتمت سورة البقرة من بعدها ناولته الكتاب العزيز ليقول بتلاوة ما تيسر من آيات الذكر الحكيم ….
*************"
" يا بابا بقولك اتكلمت معاها وهي رافضه خالص حتي النقاش.."
هكذا صدح صوت 《شيرين》 في الهاتف فأجابها 《ناجي》 بسخرية
" دا المتوقع منها عشان متعرفش حاجه . لكن أنا هثبتلها ان كلامي صح .."
زفرت بقوة قبل أن تقول بتحذير
" بابا لآخر مرة هسألك . كلامك عن طنط أمينة حقيقي ؟ يعني انا بصراحه مش مصدقه . حاسه ان في حاجه غلط . و لو فعلا احساسي صح ف أتأكد اني مش هساعدك في المخطط الحقير دا ..'
صرخ 《ناجي》 بغضب
" حتى أنتِ يا شيرين مش مصدقاني ! مش مصدقه ابوكي؟"
تراجعت 《شيرين》 وقالت بخفوت
" يا بابا كلامك مش معقول بصراحه . ازاي طنط أمينة كانت بتحبك. و هي من وهي صغيرة كانت مخطوبة لخالي زي ما قالولنا .."
《ناجي》 بغضب
" أمينة كانت بتحبني أنا ولما لقت أن منصور نصيبه اكتر مني عشان ابوه معندوش غير ولدين و بنت و كدا نصيبه هيكون كبير من التركة. سابتني و راحت اتجوزته. و بعدها انا حبيت امك و اتجوزتها وأمينة كانت هتموت لما شافتنا سعدا و مبسوطين مع بعض . وهي اللي خططت ودبرت لكل إللي حصل عشان تطلعني خاين و تبعدني عن امك. امك اللي طول عمرها ماشيه وراها مغمضه ."
تعاظم الغضب بداخلها بعد أن نجح الشيطان في إشعال نيران الفتنة بقلبها فقالت بانفعال
" ببقي ماما لازم تعرف كل دا . و لو معاك الأدلة زي ما بتقول يبقي توريهالها."
«ناجي» بحنق
" اوريلها ايه وهي رافضه تسمع حتي اسمي !'
《شيرين》 بتفكير
" سيب الموضوع دا عليا أنا لازم استغل فرصه أن محدش هنا و اخليك تشوفها.."
" حلو اهو أنتِ كدا بنت ابوكي بصحيح…"
" النهاردة بالليل انا هاخدها و نخرج كأننا رايحين نشتري اي حاجه و هكلمك قبلها اعرفك هنتقابل فين بالظبط.."
التمعت عينيه بشر قبل أن يقول
" هستناكِ. "
أنهت مكالمتها و توجهت للشرفة تستنشق الهواء النقي فإذا بها ترى «ريتال» التي كانت تلهو في الحديقه و لكن فجأة تسمر جسدها وكأن هناك صاعقة برق ضربتها حين شاهدت أفعى سوداء تقترب من الطفلة ببطء فلم تشعر بنفسها سوى وهي تصرخ بملئ صوتها
" ريتاال حاسبي…'
التفتت 《ريتال》 تناظر «شيرين» التي كان الذعر يجتاحها بقوة دفعتها لأن تهرول الي الأسفل وهي تصيح
" دادا نعمه . عم عبدو . انتوا فين ؟'
كان صراخها يرن في أنحاء القصر وهي تهرول الى الحديقة وفجأة سمعت صوت صرخه قويه كانت ل«ريتال» فهوى قلبها رعبًا بين قدميها و صاحت بذعر
" ريتاال…"
شهقة قويه خرجت من جوفها لدي رؤيتها ذلك الظل الضخم لرجل كان يحتضن 《ريتال》 بقوة وبيده سلاح ناري فتوجهت عينيها تلقائيًا إلى الأفعى الغارقه بدمائها
ف فطنت إلى أن ذلك الغريب قام بقتلها بسلاحه ولكن كيف فهي لم تسمع صوت لطلق ناري ؟ تقدمت عدة خطوات مقتربة منهم. في البداية لم تتعرف إليه ولكن ما أن أصبحت على بعد خطوتين حتى تفاجئت حين علمت هوية ذلك الضخم فخرج صوتها مصدومًا
" طارق ! "
*************
أخيرًا وصلوا إلى ذلك المنزل الكبير الذي اتشح بالسواد فقد كان الحزن يحيط به من كل جانب ينعي فقيده الراحل و الذي رحل و ترك خلفه قلوب تتعذب كان علي رأسهم 《عبد الحميد》 الذي لون الحزن ملامحه التي بدت أكبر بكثير من سنوات عمره الخمس و السبعون فتبدل من ذلك الرجل القوي الصارم الذي يهابه الجميع الي اخر احني الوجع قامته و هدم جبال صلابته فحين وقعت عيني 《سالم》 علي مظهره تأثر كثيرًا و شعر بالتعاطف معه
" شد حيلك يا حاج عبد الحميد.. البقاء لله "
هكذا تحدث 《سالم》 فأجابه «عبد الحميد» بنبرة حاول أن تكون ثابته
" الدوام لله .. تعبت نفسك يا سالم بيه.."
«سالم» بخشونة
" ولا تعب ولا حاجه احنا أهل .. البنات جوا مع الحريم و معاهم الحاجة .."
«عبد الحميد» بتأثر
" فيها الخير .. منچيلكوش في حاچه عفشة"
التفت 《سالم》 يناظر «عمار» الذي كان وجهه مكفهرًا و الغضب باد علي محياه و ينبعث من نظراته و كانت هذه طريقته في التعبير عن غضبه فقام «سالم» بمد يده يصافحه وهو يقول بفظاظة
" البقاء لله.."
كانا رجلين صالحين ولكن فواجع أقدارهم هي من جعلتهم يومًا خصمين والآن لم يكن يتوقع 《عمار》 أن يأتي أحد لحضور مراسم العزاء فإذا به يتفاجئ بالجميع و من بينهم ذلك الذي ظنه خصمه ذات يوم فمد يده يصافحه بخشونة تجلت في نبرته حين قال
" الدوام لله … چيت يعني ؟ "
«سالم» بفظاظة
" و إيه اللي مش هيخليني آجي ؟ احنا أهل و بينا نسب لو ناسي !"
لم ينسى ولكنه كان دائمًا مندفعًا يصيب الآخرين بسهام ظنونه السيئه و لكنه مؤخرًا بدأ بالتعرف الي طباعه الخاطئه وان لم يكن قد أخذ القرار بتصحيحها بعد ..
" لا منسيتش.. اتفضلوا.."
في الداخل التفت الفتيات حول 《تهاني》 التي كانت تبكي بحرقه وهي تتجهز لفراق زوجها الغالي و رفيق دربها الذي و بالرغم من مرضه الشديد ألا أنها كانت ترفض و بشدة فكرة خسارته و حين استيقظت صباحًا شعرت بشئ سئ جعل قلبها ينقبض فالتفتت متلهفه إلى مخدعه تريد الاطمئنان عليه فإذا به تجد وجهه ساكنًا يلون السلام معالمه فشعر قلبها بأن تلك الراحة البادية علي ملامحه هي علامة الموت..
لم تصرخ ولم تصيح فقط اكتفت بعبرات حارقه خرجت من اعماق قلبها وهي تخبر ولدها بالخبر المشؤوم و داخلها يحترق حزنًا علي وجعه الذي لم يستطيع اخفاؤه عن عينيها فأخذت تبكي الحي و الميت وهي تتضرع الي الله عز و جل أن يلهمهما الصبر والسلوان علي مصابهم..
" شدي حيلك يا طنط .."
هكذا تحدثت 《فرح》 وهي تربت علي كتف «تهاني» بمواساه فاجابتها الأخيرة بخفوت
" الشدة علي الله يا بتي.."
بينما لم تستطع 《جنة》 الحديث فقد كانت تشعر بالاختناق من اصوات البكاء و مظاهر الحزن حولها ف شعرت بالدوار يلفها فاقتربت منها «فرح» قائلة بقلق
" جنة أنتِ كويسه ؟"
اومأت برأسها دون حديث ولكن كان وضعها يزداد سوء فقامت 《فرح》 بجلب هاتفها و الاتصال ب«سليم» الذي ما أن رأي اسمها علي الشاشة حتي أجاب بلهفه
" في حاجه يا فرح؟"
" جنة تعبانه…"
لم تكد تنهي 《فرح》 جملتها حتي هب واقفًا متوجهًا بأقدام مرتعبه الى الخارج وهو يقول بلهفة
" انتوا فين ؟"
" احنا في البيت جوا مع الحريم انا هسندها و نطلعها لحد فوق.."
أجابها بحزم
" انا مستنيكِ بره قدام الباب .. "
أنهت جملتها و استأذنت من 《تهاني》 التي لم تعارض وقامت بإسناد «جنة» الي خارج الغرفة ف لمحها ذلك الذي كانت كل خلية به ترتعب خوفًا عليها وخاصةً حين رآها مستندة علي كتف 《فرح 》ف ساقته خطواته الفهديه إليها و ما أن وصل قربها حتي امتدت يديه تحاوطها بلهفه تجلت في نبرته حين قال
" جنة ."
كان يتحدث و يد تحيط بخصرها و الأخرى تربت بخفه علي ملامحها فرفرفت برموشها وهي تهمس باسمه
" سليم…"
لم يحتمل قلبه همسها المتعب و قام بثني ركبتها و وضع يده الأخرى خلف ظهرها و حملها بخفه وهو يوجه حديثه ل«فرح»
" اطلعي قدامي وريني الأوضه بتاعتها…"
اطاعته 《فرح》 بصمت وما أن وصل إلى الغرفة حتي وضعها برفق فوق المخدع وهو يقول بنبرة ترتجف ذعرًا
"خليكِ جمبها و انا هكلم الدكتور ييجي يشوفها. شكلها ميطمنش ."
ما أن أوشك علي الانسلاخ عنها حتي تفاجئ بها تمسك بكفه تأبي تركه لها وهي تقول بصوت متعب
" متسبنيش .. انا خايفه.."
فعلتها تلك أضرمت النيران ب أوردته . تمسكها به لجوئها إليه و تصريحها بذلك كانت أشياء لم يكن يتخيل حدوثها و خاصةً في هذا الوقت و بأمر من قلبه قام باحتضانها بقوة و كأنه يثبت بالبرهان بأنه بجانبها و لن يتركها ابدًا فرق قلب 《فرح》 و تسلل السرور اليها حين رأت ما حدث و قالت بخفوت
" خليك جمبها انت.. هي تلاقيها تعبت من الجو العام جنة طول عمرها بتهرب من المواقف دي و مبتتحملش .. هخلي حد من البنات يعملها حاجه تهديها و أن شاء الله هتبقي كويسه .."
لم يكن يملك قدرة علي الحديث ف طاقته بالكامل كرسها في بث الأمان والطمأنينة في قلب تلك التي سكنت باحضانه و كأنه بيتها التي لا ملجأ لها إلا هو…
************
تمت مراسم الدفن و انقضى اليوم الطويل و دلف 《عبد الحميد》الي الداخل و خلفه حفيديه و رجال عائلة الوزان علي رأسهم 《سالم》 الذي ما أن خطي الى الداخل و التقمتها عينيه حتي تعاظم الشعور بداخله و اختلط عشقه بالحزن علي ملامحها الزابله و خاصةً حين رآها و هي تعانق جدها الذي لأول مرة يراه منكسرًا بهذا الشكل .
" البقاء لله يا جدو.."
" الدوام لله يا بتي… "
تشابكت نظراتهم و كأنها تخبره لقد خابرت هذا الشعور من قبل بينما هو يعتذر عن كونه كان غائبًا و تركها تتحمل كل هذا بمفردها حين توفي والداها.
تحمحم 《عبد الحميد》 بخشونه و خرج صوته متحشرجًا حين قال
" انتوا تعبتوا النهاردة. خدى چوزك و اطلعوا عشان ترتاحوا. "
رجفة قوية ضربت سائر جسدها حين سمعت كلمات جدها و تلقائيا تشابكت نظراتها مع خاصته ولكنها سرعان ما نظرت إلي الجهة الأخرى إلى 《أمينة》 التي صافحت «عبد الحميد» و قامت بتعزيته قبل أن تقول بنبرة شبة آمرة
" جدك عنده حق . خدي جوزك و اطلعي ارتاحوا فوق يا فرح .."
لا تعرف ماذا تفعل فالجميع يطالعها وهي عاجزة عن الحديث أو الحركة فجاء صوته لينقذها من حيرتها إذ قال بخشونة
" يالا يا فرح .. أنتِ تعبتي من السفر . بكرة الصبح ابقي اقعدي مع جدك براحتك.."
بدأ عذرًا مقبولًا ل حيرتها و تخبطها الذي ظهر بقوة علي ملامحها بينما هي اطاعته بصمت و داخلها سؤال مُلح لا تعرف إجابته
" كيف ستنام معه بغرفة واحدة؟؟"
دلف إلى الداخل و هي امامه و قام بإغلاق باب الغرفة وهو لا يتطلع إليها فقد كان يعلم ما يدور بخلدها لذا توجه مباشرة إلى الحقائب التي جاءت إلى هنا مسبقًا و قام بإخراج ملابس النوم وهو يقول بخشونة
" هدخل اغير في الحمام . خدي راحتك.."
نظرت إلي باب الحمام الذي اغلقه خلفه وقامت بسحب نفسًا قويًا إلي داخل رئتيها بينما ضجيج قلبها لم يهدأ و اختلط بذكريات سيئة تجاهد حتي تتغلب عليها فقامت ب جر قدميها حتي تصل إلي حقيبتها و قامت بإخراج ثوب قطني باللون الكحلي يصل إلي أسفل ركبتيها و كالانسان الآلي أنهت تغيير ملابسها و ذهبت رأسًا الي السرير فلا تملك أدنى طاقة للحديث أو حتي النظر إليه دون أن تركض الي أحضانه بكل ما تحمل من آلام و اوجاع تكالبت عليها.
حاولت التظاهر بالنوم حين سمعت صوت الباب يغلق و فجأة برقت عينيها حين شعرت بثقله علي السرير فأخذت دقات قلبها تقرع كالطبول و تنبهت جميع حواسها و حمدت ربها أنها كانت تعطيه ظهرها ل ألا يرى وجهها الآن .
سكنت لثوان غير قادرة حتي علي التنفس فهو قريبًا منها لدرجة لم تختبرها من قبل . بينما كان بعيد كل البعد عنها و محرم عليها حتي الاقتراب منه. تكالبت جميع أوجاعها علي قلبها الذي كان في أضعف حالاته ف تقاذف الدمع من عينيها بغزارة بينما كانت تحاول جاهدة ألا تخرج صوتًا يدل علي مدي ضعفها و احتياجها إليه ولكن القلب للقلب يحن و الروح بالروح تشعر خرج صوته الذي كان محشو بالحنان حين شعر بألمها و بكائها الذي تحاول كتمانه فهمس باسمها
" فرح .."
أخذت نفسًا قويًا تحاول منع نوبه انهيارها ولكنه لم يعطها خيار فشعرت بلمسته الحارقة علي ذراعها فلم تستطع الصمود أكثر فقامت بالالتفات إليه وهي تقول من بين شهقات لم تفلح في كتمانها
" سالم . ينفع تاخدني في حضنك !"
لم تكد تنهي جملتها حتي وجدت ذراعيه تحيطها بكل ما أوتي من عشق تجاهل لأجله كل شئ حتي أن كبرياءه لم يصمد أمام ضعفها هذا فصار يهدهدها برقة لم يتخيل أنه يملكها . بينما تعالي بكائها حتى صار نحيبًا أخذ يتردد بين جنبات صدره الذي كان يخفق بعنف تأثرًا بانهيارها الذي كان أكثر من مؤلم له ولقلبه…
************
دلف الي الغرفة وهي خلفه فقام برمي ثقله علي المقعد الذي اهتز قليلا بينما ارجع رأسه للخلف وهو يغمض عينيه بتعب نابع من قلب يتألم بشدة و قد كانت تنتظره بعينين اختلط بهم العشق مع الأسي علي حاله فقامت بالاقتراب منه و مدت أناملها الرقيقة ل تلامس جوانب رأسه وهي تحركها بحركات دائريه اضفت بعض الراحه الي ضجيج عقله و هدأ ذلك الصداع المميت الذي كاد أن يفتك به فارتخت معالمه قليلًا فجاء صوتها الحاني حين قالت
" اجهزلك الحمام ؟'
" لا .. "
" طب مش ه تاكل اي حاجه بردو ؟"
استفهمت بنبرة يائسة تجاهلها و قال بصوت محشو بالوجع
" حلا . عايز انام في حضنك .."
انهى جملته تزامنًا مع هطول دمعه يتيمه من طرف عينيه تحكي مقدار وجعه الذي فتت قلبها فقامت بمد يديها و جذبته من يده و توجهت الي السرير و جلست نصف جلسه بينما فتحت ذراعيها مرحبة باحتضان وجعه فارتمي بكامل ثقله بين أحضانها وهو يرتجف من شدة البكاء الذي شاطرته إياه فاختلطت عبراتهم كما تعانقت أرواحهم في تلك اللحظة التي لن تنسى أبدًا
فالقلب لا ينسى أبدًا تلك اليد التي انتشلته من بحور الألم و ربتت على أوجاعه و لملمت شتاتها و كانت ملجأه في في أكثر لحظاته جزعًا…
***************
جاء الصباح و انتصرت أشعة الشمس على دجى الظلام الذي خيم على القلوب التي أضعفها الألم و شوه معالمها الحزن لولا وجود تلك اليد الحانيه التي رممت أوجاع الماضي و حاكت بأناملها شقوق الروح لما كنا تجاوزنا..
هكذا كانت تشعر وهي تنظر إلي نفسها في المرأة فهي لولا انهيارها بين ذراعيه ليلة البارحة لما كانت الآن على قيد الحياة فالألم حتمًا كان سيجهز عليها. و بالرغم من ذلك فهي لا تعلم كيف ستنظر إلي عينيه ؟ يغمرها خجل كبير أن تقف امامه بعد أن طلبت منه أن يحتويها بين ذراعيه .. نعم هو زوجها ولكن !
" اوف بقي . وبعدين يا فرح . ماشي لسه متجوزتوش . بس هو جوزك بردو . اتعاملي عادي و متجبيش سيرة امبارح خالص…"
هكذا أخذت قرارها و بناءً عليه استجمعت قوتها و خرجت من الحمام لتتفاجئ به يقف أمامها يناظرها يعينين تغزوها اللهفة التي خالطت نبرته حين اقترب منها قائلًا
" عامله ايه دلوقت ؟"
تحمحت بخفوت قبل أن تجيبه بارتباك
" الح .. الحمد لله . احسن.."
كانت نظراته تحثها علي الحديث الذي خرج منها رغمًا عنها ضاربه بعرض الحائط جميع قراراتها
" سالم .. يعني .. بخصوص . امبارح .. انا .."
لاح شبح ابتسامه علي شفتيه حين سمع حديثها ولكنه قاطعها بحزم قائلًا
" امبارح عدا … خلينا في النهاردة .. متأكدة انك بقيتي كويسة ؟"
رفع من عليها الحرج فهدأت نبرتها كثيرًا و خرج صوتها ثابتًا حين قالت
" مش احسن حاجه . بس اكيد مش زي امبارح.."
جاء سؤاله مباغتا فهي لم تتوقع أن يشعر بها بتلك الطريقة
" كنتِ لوحدك لما والدك توفي ؟"
لامست نبرته وترًا حساسًا داخلها و أعاد استفهامه ألمًا تجاهد بقوة حتي تنساه فأومأت برأسها بالإيجاب بينما تجمعت طبقة كريستالية من الدموع في حدقتيها حين قالت بخفوت
".مشهد امبارح دا اتكرر كتير اوي علي فكرة . بس مكنتش بلاقي حد يحضني كدا.. انا كنت لوحدي في كل حاجه"
" بس أنتِ دلوقتي مش لوحدك يا فرح .."
قال جملته بينما امتدت يديه تمسكانها من اكتافها و عينيه تناظرها بنظرات اجتمع بها ألف شعور بينهم الحب و اللهفة و الألم و اخيرًا الأمان الذي غلفها للحظات لسوء حظهم قطعها صوت الهاتف الذي بدد الأجواء حولهم ف تحمحم《 سالم》 بخفوت قبل أن يلتقط الهاتف مجيبًا
" ايوا يا متر . طمني عملت اللي قولتلك عليه ؟"
المحامي بصدمه
" سالم بيه . في حاجه مهمه حصلت و لازم تعرفها .."
«سالم» بتوجس
" حصل ايه ؟"
" البنت اللي اسمها لبنى قدمت شكوى في عدى صاحب حازم بيه الله يرحمه أن هو اللي اغتصبها و أجبرها تقول علي ان حازم هو اللي عمل كدا.."
«سالم» بصدمة
" ايه !!!"
تجاوز عن صدمته لدى رؤية الفضول الذي لون معالمها فأشار لها بيده بأنه سينزل إلى الأسفل و ما أن خرج من باب الغرفة حتى قال بغضب
" انت متأكد من الكلام دا ؟"
" طبعًا متأكد.. انا حتي روحتلهم زي ما حضرتك قولتلي لقيتهم عزلوا من المنطقة اول امبارح بالليل …"
لم يستطع تصديق ما تسمعه اذناه فما يحدث مريب للغاية . ولكن لابد له من أن يصل إلى نهاية تلك الدوامة في أسرع وقت لذا قال بصرامة
" هما اكيد هيقبضوا علي عدى.."
" هما فعلا قبضوا عليه.."
《سالم》 بحنق
" عايزك تحضر التحقيق ضروري . بصفتك المحامي بتاعه. وانا بكرة بالكتير هكون عندك.."
انهي مكالمته و توجه إلي الداخل فوجدها جالسة علي مخدعها و امارات الغضب بادية علي محياها فقال بفظاظة
" فرح معلش انا لازم اكون في القاهرة بكرة ضروري فمش هقدر احضر أيام العزي كلها.."
زحف الألم الى قلبها فقد كانت تعلم بأن هناك شئ يحدث معه ولكنها لا تجرؤ علي السؤال تعلم بأنه حتمًا لن يجيبها و على ذكره للرجوع تذكرت انها باللحظة التي عرفت هذا الخبر المشؤوم كانت على شفير مغادرة المنزل فماذا تفعل الآن وهو لم يذكر شئ و خاصةً حين سمعته وهو يحادث 《سليم》 ل يتجهز حتي يغادروا بعد ساعة من الآن ..
اقتربت منه وهي تقول بنبرة مرتجفة و قلب مرتعب
" انا . يعني . قبل ما اعرف الخبر كنت. أقصد. كنت ناويه امشي . يعني . انت . قلت.."
كان يلملم أشياءه بيد و بالأخرى يعبث بالهاتف و فجأة التفت يناظرها و هو يقول بفظاظة
" فرح معلش مش مركز معاكِ ورايا حاجات مهمه لازم اخلصها قبل ما نتحرك.. أجهزى دلوقتي و نبقي نكمل كلامنا في الطيارة و احنا راجعين…"
انهى كلماته و توجه إلي الخارج حتي لا يلتفت و يقوم بتوجيه لكمة قوية لرأسها الغبي و لم يتسنى له رؤيه ابتسامتها التي أضاءت وجهها فقد كانت تعلم بأنه تجاهل حديثها عن المغادرة عمدًا فحين قال جملته الأخيرة لمعت عينيه و كأنه يخبرها بأنه حتمًا لن يغادر من دونها و قد كان هذا أكثر ما تتوق إليه…
**************
كان يقف بالخارج يستند علي سيارته بملل فقد خاطبه 《سالم》 يخبره بأنهم سيعاودوا ادراجهم اليوم و قد خرج ليستنشق بعض الهواء النقي فإذا به يرى تلك الفتاة المجنونة التي اتهمته ذلك اليوم بأنه سفاح حين رأته يحاول إسعاف ذلك الرجل 《عمار》
" أنتِ يا نيزك .. عامله ايه؟ "
هكذا تحدث «مروان» مازحًا ف ناظرته «نجمة» بنظرة شمولية من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه فأردف ساخرًا
" ايه ياختي .. شكلي مش عاجبك ولا حاجه ؟ بتبصيلي من فوق لتحت كدا ليه ؟"
«نجمة» بامتعاض
" افتكرتك. مش انت الچدع اللي كنت بتحاول تجتل الكبير؟"
تعاظم الحنق بداخله وقال مستنكرًا
" هو أنتِ يا بنتي أنتِ الغباء عندك مُركز ؟ بقولك كنت بنقذه.. "
إجابته بامتعاض
" و مالك فخور أكده ليه ؟ كنك عملت حاچه زينه . دانت بليت الدنيا بيه.."
قهقه «مروان» علي حديثها و قال بمزاح
" اه صح انا نسيت انك مش بتطيقيه.. الصراحه هو مينطقش.."
نهرته قائله
" مالك فشتك عايمه أكده ليه احترم الموت اللي احنا فيه ؟"
فصاح منزعجًا
" أنتِ مش طيقاني كدا ليه يا بت أنتِ ما تيجي تاخديلك قلمين احسن؟"
" لاه و أنا هبلة. احسن الاجي معاك سنچه ولا حاچه تخلص عليا.. اني مش مستغنيه عن عمري "
《مروان》 باستنكار
" سنجه ! أنتِ مديه نفسك حجم كبير اوي دانتِ اخرك قصافه و نخلص الدنيا من لسانك الطويل دا.."
《نجمه》بانفعال
" شفت .. اهو اني مغلطتش لما جولت انك سفاح .. و بعدين ايه جصافه دي ليه سوحلية ولا سوحلية يعني؟"
«مروان» باستنكار
" سوحلية ! إلا هي ايه السوحلية دي يا أبلة نجمة ؟ اختراع جديد وصلتيله بذكائك؟ "
" بتتريج .. هجول ايه مانت چاهل!"
هكذا أجابته بسخريه فتابع بنفس لهجتها
" طبعًا جاهل. أي حد جمبك هيكون جاهل . و دا عشان أنتِ منبع المفهومية كلها.. "
" ايوا دي حجيجه…"
" التواضع عايز منك ايه ؟ بالك أنتِ لو مش حلوة شوية كنت ناولتك كف خماسي طيرت صواميل مخك.. و كنت ريحت البشرية من غباوتك.."
شهقة قويه خرجت من جوفها جذبت أنظار ذلك الذي كان يقف مع الرجال و لكن انتفخت اوداجه غضبًا حين وجدها تقف مع ذلك الشاب هناك فترك الرجال وتقدم يتشاجر مع خطواته فاخترقت كلماتها مسامعه فجن جنونه أكثر
" كنك بتعاكسني اياك !!"
لم يكد 《مروان》 يجيبها حتي صدح صوت محشو بالغضب خلفهم
" واجفه عندك بتعملي ايه يا بت انتِ؟"
انتفضت في وقفتها حين رأته و خرج صوتها مرتعبًا حين تمتمت
" اني مبعملش حاچة؟ كت معديه جام وجفني "
تكلم «مروان» بخفوت
" جالك الموت يا تارك الصلاة.."
" بتوجفها ليه يا چدع انت ؟"
هكذا سأل 《عمار》 بغضب مما جعل «مروان» يستاء من صراخه هكذا فقال بنبرة حانقه
" عادي كنت بسلم عليها.."
جن جنونه من حديث 《مروان》 و اقترب يقول بجفاء
" وأنت تسلم عليها بتاع ايه ؟؟ تعرفها منين ؟"
" بص انت شكلك عايز تتخانق وأنا مش هتخانق انا ما صدقت وشي اتعدل و استعادت وسامتي من جديد.."
هكذا تمتم 《مروان》 بحنق فصاح «عمار» بغضب
" انطوج انت وهي .. تعرفوا بعض منين ؟"
جفلت 《نجمة》 مما يحدث و قالت بارتباك
" أبدًا شفته يوم ما كنت واخد العلجة إياها.. و كان بيسأل عني .."
اكفهرت ملامحه لدي ذكرها لتلك الحادثة ف تراجعت للخلف خطوتين وهي تقول بخفوت
" ماله ده هو أني اللي كت ضربته و لا اي؟"
صاح 《مروان》 يعنفها
" الله يخربيتك .. أنتِ بتفكريه ! "
" بصلي اني يا بغل انت؟ اني سامعها و هي عتجولك بتعاكسني ؟"
هكذا صاح 《عمار》 فقال «مروان» بغضب
" محصلش يا عم انت . هو انت واقف رامي ودانك معانا ولا اي ؟"
و تدخلت 《نجمة》 لتهدئة الأوضاع
" ايوا محصلش حاچة دا اهبل حد ياخدله علي حديت.."
لم يزده حديثها إلا جنونًا فقد ظن أنها تدافع عنه فقام بجلبه من تلاليبه وهو يقول بغضب بلغ حد الجنون
" اني بجي هعجله .."
صاح 《مروان》 يمنعه من اي فعل طائش
"بقولك ايه .. انا لحد آخر لحظة مش عايز أمد ايدي عليك .. و انت ايدك طارشه و ممكن تأذيني ما صدقت عيني تخف الله يخربيتك .. مش هعرف اشقط البت اللي مستنياني هناك دي .."
《عمار》بوعيد
" تشجط البت .. مش لما تدور علي حد يشجطك من يدي اللول.."
انهي كلماته و قام بتوجيه لكمة قوية كانت من نصيب عين 《مروان》 اليمني فأخذت 《نجمة》 تصيح هنا و هناك فهرول الجميع علي صوتها و كان أول من تواجد هو 《سالم》 الذي انتزع «مروان» من يد «عمار» و قام بتكبيله وهو يقول بغضب جحيمي
" شيل ايدك عنه بدل ما اكسرهالك.."
و ما أن أوشك علي توجيه لكمة قويه إلي 《عمار》 تدخل الغفر و «سليم» حتي يمنعوا اشتباكهم فصاح «عمار» بغضب
" جبل ما تاچي تتعارك ربى البغل ده اللي عم يعاكس حريمنا"
توقف 《سالم》 مصدومًا مما حدث فالتفتت يناظر «مروان» الذي اسودت عينيه اليمني بفعل تلك اللكمة و قال بنبرة متوعدة
" الكلام دا حقيقي ؟"
«مروان» بلهفه
" تعرف عني الكلام دا بردو ؟"
التفت 《سالم》 يناظر «عمار» الذي صرخ في نجمه
" عاكسك ولا لاه؟"
«نجمة» بمراوغة
" معاكسنيش چوي يعني.."
" انطجي الحجيجة يا بت.."
كانت عينيه ترسل سهام التحذير فصرخت قائلة بذعر
" عاكسني .. و جالي يا جمر.."
برقت عيني 《مروان》 و قال بتحسر
" الهي يجيكِ و يحط عليكِ يا بعيدة .. هتروحي من ربنا فين؟ أقوله كنتِ بتقولي عليه ايه ؟"
" اوقف المهزله دي فورًا…"
هكذا صدح صوت 《سالم》 الصارم و الذي نظر إلي 《عمار 》قائلًا بفظاظة
" عندي دي يا عمار. و عمومًا انت اديته اللي فيه النصيب .واحنا اصلًا ماشيين.."
" همرجها المرادي لكن لو اتكررت.."
قاطعه «سالم» بصرامة
" مش هتتكرر تاني. الموضوع انتهي . خلاص .. يالا عالعربيات…"
كانت جملته الأخيرة موجهة لكلا من «سليم» و «جنة» و «فرح» و والدته و «مروان» الذي قست النظرة الموجهة إليه فأخذ يتمتم بتحسر
" انا في حد تاففلي في حياتي والله. تاني مرة اتشلفط قبل ما اروح اعلق البت . شكلك فقر يا سما الكلب أنتِ"
**************
رحلة العودة كانت هادئه فبعد أن قاموا بتوديع 《حلا》 و الجميع انطلقوا عائدين و قد كان «سالم» ملامحه لا تبشر بالخير و للمرة التي لا تعرف عددها توشك أن تسأله ما به ولكنها تتراجع في اللحظة الأخيرة و قد قررت أن تحادثه حين يعودوا الي المنزل لتحل تلك الأمور العالقة بينهم فلم تعد تحتمل هجرًا آخر يكفيها هذا القدر من العذاب…
توقفت السيارات أمام المنزل و ما أن ترجل الجميع منها حتي تفاجئوا بذلك الصوت الذي زلزل أرجاء المكان حولهم
" سالم يا وزاااان . موتك علي ايدي….."
جاءت الكلمات تزامنا مع طلقات الرصاص التي انطلقت فوق رؤوسهم وووووو….
يتبع….
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني من هنااااااااااا
مجمع الروايات الكامله1 اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا