رواية شط بحر الهوى الفصل الحادي والاربعون والثاني والاربعون والثالث والاربعون والرابع والأربعون والخامس والأربعون بقلم سوما العربي
رواية شط بحر الهوى الفصل الحادي والاربعون والثاني والاربعون والثالث والاربعون والرابع والأربعون والخامس والأربعون بقلم سوما العربي
الواحده والأربعين
بدأ يهبط الدرج و هو يسحبها خلفه بهدوء رغم علمه بخلو المكان حالياً لكنه كان محطاط لدرجه كبيره فى كل خطوه يخطوها فحياتها لم تكن الوحيدة المعرضه للخطر هنالك ما هو أهم من ذلك ، حياة فيروزته ، و التى هى بإختصار حياته .
هى أهم من كل شيء ، نجح أخيراً بإجتياز الرواق المؤدى للباب الكبير ثم منه ألى الحديقه حيث توقفت سياره سوداء فارهه تبدو مستعدة للتحرك فى أى وقت .
بالفعل بعدما فتح باب السيارة لها و جلست أستدار سريعاً لجوارها أمراً السائق بالتحرك .
لكن توقفت أمام الباب الالكتروني الضخم ، ظلوا لمدة نصف دقيقة و على ما يبدو انه ينتظر شخص ما و قد أتى بالفعل.
شهقت فيروز بصدمه ، إنه أحد حراس فلاديمير الأوفياء و كان دائم التواجد معه فى كل مكان منذ حضرت إلى هنا.
نظر لها ماجد و قد تكونت على إحدى زوايا فهمه إبتسامة متهكمه تحمل معنى واحد لا يحتاج للنطق كى تفطنه ( المال يتحدث) .
وضع ذلك الرجل كارت صغير فى الأله الموصله بالبوابة ففتحت على الفور .
مد ماجد يده من نافذة السيارة محمله برزمه من المال و أعطاها للرجل الذي ظل صامت و لم يرف له جفن .
إنطلقت السياره أخيراً مبتعده عن قصر فلاديمير الضخم .
ظل ماجد مترقب لكل شيء بعيد عن فيروز ، متأهب لكل حركه .
و بعد نصف ساعة من القياده و جدته يخرج تنهيده حاره مردداً : أووووف ... أخيراً خرجنا برا حدود سيطرته .
فهمت ما يقصده ، حديثه يعنى أنهما الان فى أمان و بعيد عن سلطة يده.
أتسعت عيناها بصدمه و هى تشعر به قد حاوط خصرها بيديه كل كف منهما فى ناحيه يميناً و يساراً ثم ضمها له يشتم رائحتها مردداً: وحشتينى.. وحشتينى أوى يا فيروزتى ، أخيراً بقيتى معايا و حضنى.
صكت أسنانها بعنف و غضب و هى تبعد كفيه عنها مردده : أبعد ايدك دى عنى ، إنت هتعملى فيها أخويا و لا ايه ؟
مرر أنفه على وجنتها و هو مازال محتضنها له بعدما أحبط محاولاتها فى إلابتعاد عنه قائلاً : و مين قال كده انتى عارفه و أنا عارف أننا مش أخوات و إنك حبيبتى ،حبيبتى إلى ما أقدرش استغنى عنها .
حديثه و قربه لم يؤثرا بها إيجاباً لصالحه بل سلباً تذكرت ما فعله بها و تلك اليد التي تحتضنها الان كانت تضربها من أيام فقط .
و ذلك اللسان الذى يقطر عسلا سبها و نعتها بأقذر أنواع الصفات يومها.
نجحت فى إبعاد يداه عنه و قالت : لو ما بعدتش عنى هفتح الباب و ارمى نفسى من العربيه مش هستنى حتى لما أرجع مصر .
أطبق جفناه بحزن كبير ، كان يعلم و متوقع رد فعلها هذه لما بات يعرفه عنها ، عن صفاتها و شخصيتها .
حبيبته ذات قلب أسود يناقض بشرتها القريبه من القشده ، لا تنسى ابدا من أساء إليها و من أحسن ، تمتلك ذاكره فولاذيه و تترك حقها ابداً ، قد تصمت و تنتظر إلى أن تأتى الفرصه لكن لا تنسى أو حتى تعفو .
بالفعل بدأت تتحدث و تسرد عليه كل ما أرتكبه بحقها بذاك اليوم المشؤوم تسأل : أنا بستعجب عليك بجد ، أنت ازاى قادر بنفس الأيد الى ضربتنى و كسرت البيت كله فوق دماغى تيجى بيها هى هى تلمسنى و تحضنى ، إزاى بنفس اللسان إلى شتمنى جاى تنطق تقول حبيبتى إزاى ، ده إيه البجاحه دى .
إبلتع رمقه بصعوبه و قال : أعذرينى يا حبيبتي و الله من غيرتى عليكى ، أنا بغير عليكى أوى ، بغير من الهوى ، بتجنن لو عرفت ان حد قرب منك ، أنتى بتاعتى أنا و بس.. أنا... أنا لما شوفت الحاجات دى اتجننت ، كنت زى المجنون مش شايف قدامى .
رمقته بإزدراء و قالت نافره : يبقى روح إتعالج بعيد عنى ، و لازم تبقى عارف انى لا دلوقتي و لا بعدين هعرف أنسى الى عملته أو حتى أسامح فيه و لو كنت طاوعتك و بتتكلم و أرد ف ده لأنك الأمل الوحيد ليا عشان أرجع مصر ، من الآخر كده بستغلك ، أصل أنا وصوليه و إستغلاليه أوى
كان يستمع لها بألم يتمنى فرصه جديده و أبتسم على نهاية حديثها فهو على علم بما كانت تفعله ، لكن تفاجئ بصراحتها ، فحبيبته و كما يعلمها هى ملكة اللف والدوران ، تجيد التلاعب و التلون .
لكنها تتحدث معه بما تشعر و فعلت مباشرة الآن مما جعله يبتسم و يغمض عيناه يعض على شفتيه منها و من جنونه بها ، لا يعلم كيف سيعشقها أكثر مما هو عليه.
أبتسم أكثر و هو يستمع لها تكمل متوعده : ماشى ، أضحك براحتك ، أوصل بلدى بس و بعدها قسماً بالله لأوريك نار جهنم على الأرض ، هخليك تتكوى بالنار كل دقيقه و لما أبقى أشبع و اتشفى فيك همشى .
فتح عيناه و إلتف برأسه يقول لها بحالميه : على بيتنا الجديد إلى هنتجوز فيه .
أحمر وجهها من الغضب ، إن كانت هى ملكة اللف والدوران فهو ملك الإستفزاز ، يجيده حقا ، هى بالأساس تستغربه .
و قالت : يا اخى يخربيت الإستفزاز ، تصدق... أنا ساعات بحتار فى أمرك ، أوقات تبقى عصبى و بتتخانق مع دبان وشك و أوقات تانيه بتبقى بارد و مستفز .
أعتدل فى جلسته و غافلها بضمه لها يقول: لأ هو أنا فى العادى و الطبيعي بارد و مستفز .
صمت و قد أقترب بأنفه يلصقه بأنفها ثم تحدث بأنفاس ساخنه : مش بقلب كده و لا أتعصب غير من غيرتى عليكى ، لما تبقى الحاجه تخصك أنتى من قريب أو من بعيد .
لن تكابر ، لقد أرتبكت ، زلزلتها نبرة صوته و كلماته التى دغدغت كل حواسها و علت وتيرة أنفاسها .
ظلت تنظر لعيناه كما يفعل هو بعدما تاه فى عيناها التى يعشقها و يعشق لونهما الرمادى .
و لم يخرجه من حالته تلك سوى انتباهه على توقف السيارة ليدرك أنهم قد وصلوا للمكان الذى تنتظرهم فيه الطائره الخاصه التى قام بإستجارها بمبلغ ليس بهين كى توصلهما إلى مصر .
ترجل من السياره سريعاً و هو مازال على درجة عالية من الحيطة والحذر ، مد لها يده كى تترجل هى الأخرى من السياره ثم سحبها خلفها مجددا كى يصلا للطائره.
جلست و هو ظل على وضعه متأهب غير مطمئن.. إلى أن زفر بتعب و قد أقلعت الطائرة أخيراً.
وقتها تنهد بتعب يشعر بزوال صخره ضخمه من على صدره ، مد يده كى يقربها منه و يأخذها بأحضانه لكنها أبعدت يده بحده.
فقال و هو يمد يداه لها يستجديها : تعالى ،عايز أخضك فى حضنى و أنام .
نظرت له بغيظ و إزدراء و ولته ظهرها تنظر من النافذه على المدينه و هى تحلق عالياً.
زم شفتيه بيأس و تمطأ بكسل يأخذ راحته فى كرسيه أكثر يستمتع بمشاهدتها و هى أخيراً معه و أمامه عائده الى بيته كى تظل تحت عيناه و قريباً جداً فى أحضانه .
_____________________
_ صباح الخير
قالها يوسف بسماجه لهارون الذى توقف عن السير و أستدار له قائلا : صباح النور .
شمله بنظره سريعه و هو يراه قد بدل ثياب النوم لأخرى كأنه مستعد للخروج فسأله : شكلك خارج .
جاوبه يوسف على الفور : أيوه ، جاى معاك .
نظر له هارون بحاجب مرفوع و ردد: جاى معايا ؟ جاى معايا فين ؟
يوسف : المكان الى أنت رايحه .
هارون : يعني أصلا مش عارف أنا رايح فين بس لابس و هتيجى ! جاى فى أى حاجة يعنى ؟
هز يوسف رأسه إيجاباً و قال : أيوه ، ما انت أكيد رايح تشوف الحته بتاعتك .
نهره هارون بغضب: ايه حته دى ما تلم نفسك.
اشاح له يوسف بيده و قال ببرود : المداام يا عم ، الجماعه ، ها حلو كده ، خدنى بقا معاك عشان أشوف مين دى الى وقعت هارون الرشيد.
صك هارون أسنانه بغيظ ثم أشهر اصبع سبابته فى وجه يوسف يردد بتحذير شديد : و لاااا ، أوعى تقول قدامها هارون الرشيدي دى أنت سامع ؟
هلل يوسف مرددا: اوبااا .. أنت بقيت بتخاف زى كل المتجوزين ، الفاتحه على الرجاله .
رمش هارون بأهدابه من الحرج و حاول إستدعاء ثباته سريعاً ثم قال : ولا ، اتلم ، أخاف ايه وزفت إيه على دماغك ، كل الحكايه أن الأمور بايظه بنا خالص الفتره دى فمش ناقصه خالص .
هز يوسف رأسه بجديه و كأنه مقتنع يردد : عندك حق.
و مالبث أن انفجر ضاحكا يردد : ده انت مش خايف منها ، أنت مرعوب ..ههههههه.
اغتاظ هارون كثيراً و لكمه فى صدره مرددا : ده انت سخيف سخافه ، ربنا يبتليك بالى أنا فيه و أكتر .
رفع يوسف رأسه بزهو يردد : لا عاشت و لا كانت و لا اتخلقت أصلاً ، ده انا يوسف محى إدريس ، مفكرنى زيك أنت و التانى إلى إسمه ماجد .. تعالى ورايا .
سار هارون خلفه حتى صعد كل منهما سيارة هارون الذى قال : عايز أقولك إن أنا و ماجد كنا بنقول زيك كده .
يوسف : أنا حاجة تانيه ، شعارى فى الحياه امرأه واحده لا تكفي ، و بعدين سيبك من كل ده و تعالى لى هنا ، مش شايف أنك ظلمت ماجد و المفروض تصالحه .
أبتلع هارون رمقه بصعوبه فور تذكره ما فعله بماجد لكنه قال: ممكن اكون ظلمته فى انه هو السبب فى كل الى بيحصل لى بس أكيد ما ظلمتوش فى إنه حاول يوقعنى و يغرقنى فى السوق .
يوسف : و أنت كنت سمعته و لا عرفت أسبابه ؟
رد هارون بعصبيه : هو ما أنكرش و من بجاحته قال أه أنا عملت كده .
هز يوسف رأسه بعدم تصديق و قال: أنت يا ابنى مصدق نفسك و لا بتتلكك عشان تطلعه غلطان ، هو الشغل الى أخده منك كان يوقع بجد ؟ ما انا و انت ولاد سوق و عارفين ، خسرت اه بس مش كتير يعنى ، و هو أكيد عنده أسبابه و إلا كان لف و دار و أنكر .
سحب هارون نفس عميق يفكر بما يقوله يوسف و بدأ بتحريك السياره يخرج بها من البيت كله قاصداً هدفه الذى لم يكن سوى باخره فى منتصف النيل كما نظمت غنوة بالضبط.
جلست لمى و هى بداخلها تقر و تعترف ، تلك الفتاه ماهره جدا .
جلس هارون مقابلها يخلع عنه نظارته الشمسيه و هو هو مستمتع جدا بالأجواء ، و كذلك يوسف الذى قال : فكرة هايله بصراحة ، شمس و مايه و مش أى ماية ، دى مية النيل .
زم هارون شفتيه و قال : فعلاً براڤو يا لمى فكره ممتازه .
أبتسمت لمى بشماته و قالت : و تفتكر إن دى فكرتى أو إختصاصى ، دى فكرة غنوة ، أصلها دردشت شويه مع كام واحد من الشركا الجداد و بنت اللذينا فهمت دماغهم فى وقت قصير ، حتى نظمت برنامج اليوم على هواهم .
حمحم يوسف بحرج ، يعلم حالة صديقه الآن دون الحاجة للنظر إليه ، بالتأكيد يغلى .
و هو كذلك بالضبط كان هارون يغلى دمه من الغضب و سأل : دردشت معاهم ؟ و هى فين دلوقتي ؟
زمت لمى شفتيها و قالت : مش عارفه.
صمت قليلا ثم قالت مدعيه الا مبالاة : ممكن تكون واقفه مع حد منهم ، أصلى مش قادره اقولك بقوا صحاب أد ايه ، مش بقولك بنت هايله .
شحنته عليها بنجاح و قد تخطى مرحلة الغليان و فار دمه حتى أحمر وجهه و هم بالتحرك بهميجيه و إندفاع إلا أن يوسف حاول التشبث به كى يوقفه و يمنعه مرددا: أهدى يا وحش مش عايزين مشاكل ده إحنا فى عرض المايه.
حاول هارون التملص منه يردد من بين أسنانه: أوعى بقولك ، دى زودتها اوى.
وقفت لمى مردده : هارون ، لو سمحت أنا مش عايزه مشاكل هنا ، الشغل ده أنا بقالى كتير بخطط له و مش عندى أى أستعداد اخسره عشان أى حد خصوصاً يعنى لو الحد ده معاليك ، فلو سمحت تلتزم الهدوء لآخر اليوم ، طالما مش قادر تسيطر علي المدام كده .
قالت الأخيرة بسخرية لاذعه زادت غضبه و عصبيته و حاول التملص من يوسف بقوه أكبر .
فقال لها يوسف بغضب : إنتى إيه يا شيخه ، ايه يا شيخه ، إيه كلامك إلى ينطق الحجر ده ، عايزاه يرتكب جناية هنا و لا ايه ؟
تحدثت لمى سريعاً : عايزاه يا يفضل هنا بهدوء يا ممكن أى فلوكه صغيره تاخده للبر ، أنا مش عايزه مشاكل هنا خصوصاً أن أنا بصراحة مش عارفه هو إيه الى جايبه النهاردة لأ و كمان جايب معاه صاحبه على أساس أننا رايحين دريم بارك يعنى و لا إيه مش عارفه ، لو كنت نسيت الشغل و نسيت ضوابطه و إلتزماته يا هارون باشا يا ريت ترجع بيتك لحد ما تفتكره .
تركه يوسف و قال : تصدقى أنا مش هحوشه عنك ، و أنتى تستاهلى أصلاً .
ثم ترك هارون الذى تقدم منها قائلاً بحده و غلظه : أولا أنا هنا عشان على الورق شريكك أنتى و أبوكى فى أى مشروع تدخليه و لا أنتى ناسيه ؟ و أجى و اجيب أى حد يخصنى كمان .
اغتاظت لمى قليلا فزادت من حدة حديثها و قالت بعجرفه : كل ده ما يبررش تصرفاتك الغير مسؤوله دى و لا ركنتك فى البيت و جريك ورا الست هانم نسوك الشغل ؟
أقترب منها هارون و قال ببرود ينافى ما بداخله: أصلى بحبها و أه انا مش بتصرف دلوقتي ب ( بزنس وايز) عشان أنا مش زى أبوكى ، إلى بتتكلمى عنها دى مراتى يعنى شرفى و عرضى ف ماعلش يعنى لو لاقتينى مش عارف أكبر دماغى و أطنش عشان الشغل يمشى .
صرخت فيه بغضب عاصف : أنت زودتها أوى يا أبن الصواف .
تقدمت على صوتهم غنوة التى وثفت تكتف ذراعيها حول صدرها و قالت ببرود : تؤ تؤ تؤ ، ايه الصوت العالى ده بس يا جماعه فرجتوا علينا الناس .
لم يستطع يوسف التوقف و تقدم منها مصفراً يردد بإعجاب : يا حلاوة عيون البقر ، أنا نقطة ضعفى العيون الواسعه.
مد يده بإعجاب يردد : يوسف محى إدريس ، مين القمر.
سلمت عليه مردده: غنوة .
نفض يده من يدها على الفور كما لو كانت سلك كهربائي عارى و صعقه يقول : سلام قول من رب رحيم .
لم يكد ينتهى من جملته حتى حدث ما خشاه و شعر بهارون يقبض على عنقه من الخلف يردد : أنت شكلك مش خايف على عمرك مش كده ؟
إلتف له يوسف يقول بصعوبه : أقسم بالله ما كنت أعرف أنها هى و أنت عارفنى ما بقدرش أسكت ، أصل أنا أحب الجمال و أقدره أوى.
نظر له هارون بغضب ثم قال : خلينى اعبر لك أنا كمان عن تقديرى .
ثم أختتم حديثه بلكمه قويه صرخ يوسف على أثرها .
تقدم هارون من سبب كل بلاويه و سحبها خلفه بينما يوسف يسرخ فيه : إيدك تقلت أوى على فكره ، تستاهل إلى أنت فيه .
صار بها رغماً عنها إلى أن وصل للناحية الأخرى من المركب و وقف امامها يصرخ فيها : ايه ، و بعدين معاكى ، عايزه توصلى لحد فين ؟ عايزه تجننينى ، طيب أدينى أتجننت و خلاص ، و لا لأ لأ ، أنتى عايزه تموتينى عشان تاخدى قلب أبوكى مش كده .
نفضت يده عنها و قالت من بين أسنانها : انا و لا عايزه أجننك و لا عايزه أشوفك من اصله ، انا بعمل الى حضرتك سعيت ليه بنفسك يا هارون باشا ، مش ده إلى اتحدت مع لمى عشانه ، مش هو ده شغلى ، أشرب بقا .
كاد أن يلامس السماء بيديه من شدة غضبه و جنونه ، غنوة تعلمه الأدب بلا أى مجهود منها .
فهو بالفعل السبب بكل ما يجرى و هو من سعى إليه .
تواجدها اليوم تنفيذاً لما يتطلبه العمل بشركة لمى بعدما تلاعبوا فى رقم الشرط الجزائي المدون فى العقد بناء على إقتراح منه ليتلقى هو الصفعه على وجهه بدلا من وجهها هى.
هو من أوصل نفسه لهنا .
نظرت له بضيق شديد و شعور بالإغماء و الدوار يلف رأسها و معدتها منذ أن صعدت على سطح المركب ة هى تقاومه .
حاولت الظهور بمظهر الثبات و القوه تقاوم رغبتها الملحة بالقئ ثم قالت : شكلك كده بيقول أنك كنت صاحب إقتراح المليون دولار مش كده ؟
صمت و لم يجيب لكن على ملامحه إجابة وافيه .
عم الصمت للحظات قبلما يصرخ فيها و هو رافض الإقرار بخطأه : و هو مين السبب فى كل ده ، مش أنتى ، مش كان زمانا دلوقتي بنلف الدنيا كلها فى شهر العسل ، أنتى إلى مصممه على وجع القلب ، لأ و كمان الاقي الوليه الحيزبونه الى عايشة معاكى عايزه تجوزك ، تجوزك و انتى مراتى.
كتفت ذراعيها حول صدرها تحاول مجددا السيطره على الدوار الذى تشعر به ، تتحدث بقدر من الثبات : أمال انت مفكرنى هفضل طول عمرى كده ، ما أنا زيى زى أى بنت ، مسيرى للجواز .
تقدم منها أكثر و قال بفحيح من بين أسنانه: أنتى عارفه إنك لو عملتى كده بجد أنا ممكن أسجنك بالعقد إلى معايا .
هتفت بحده: ده عقد عرفى يعنى مش شرعى.
إبتسم لها بخبث و أردف: بس قانونى ، و إلى عليه إمضتك بخبير بصمات سهل أوى نثبت كده ، كل ده و انتى مسجونة على ذمة القضيه ، و أنا نفسى طويل أوى خلى بالك.
شحب وجهها و هى تتخيل الحفره التى حفرتها هى لنفسها و مع التفكير لم تستطع السيطرة على الدوار الذى يداهمها كل كم دقيقه لكن هذه المرة لم تستطع السيطرة عليه و التفت سريعاً تستند لحافة المركب و تميل عليه كى تلبى نداء معدتها بالتقئ .
أقترب منها سريعاً بلهفه يضمها له و هو يخرج منديل ورقى من جيبه ينظف لها فمها و هى تحاول الإبتعاد عنه بسبب رائحة القئ التى بالتأكيد أصبحت ملاصقة لها .
و رددت بتعب واضح : أبعد عنى ريحتى كلها ترجيع .
هز رأسها منها و مما تظنه ، لو تعلم كيف يذوب بها عشقاً و يتقبلها على كل الحالات لما قالت ما قالت.
زاد من ضمها له يلصقها به و بدأ بهدوء و عنايه يمسح لها فمها ثم قال: أجيب لك مايه ؟
هزت رأسها نفياً و هو الآخر رأسه من عنادها الواضح ثم قال : أسندى عليا و تعالى ريحى جوا
بالفعل أتأكت عليه ، لم يكن لديها الجهد الكافى كى تجادله و سارت معه لأحد الغرف الصغيره و ساعدها فى التمدد عليها .
مال عليها يتحسس جبينها و قال: حرارتك كويسه شويه ، انتى حاسه بأيه.
جاوبته بتشوش و هى تجاهد لفتح عيناها : حاسه ب .. بدوخه و.. و مش عارفه أصلب طولى و.. رجلى .. رجلى مش شيلانى .. و عايزه أرجع تانى .
بعد قليل
وقفت لمى و هى تصرخ عالياً بغضب لكن بأصوات غير واضحه لهارون الذى أتخذ فلوكه صغيره فى الماء له و لغنوة ينفصل بها عن المركب عائداً للبر .
_____________________
وقفت و هى لا تفقه شيئاً تنظر لصديقتها فى المرأة التي خلفها و قالت : ممكن أفهم قولتى و عملتى كده ليه ؟ مين جيجى دى أصلاً ؟
وقفت نادين عن الفراش بهدوء تردد: تؤ تؤ ، هو انتى رجعتى تنسى تانى يا جيجى يا حبيبتي ، جيجى هى أنتى و انتى هى جيجى.
التفت تقى و صرخت فى وجهها مردده : إنتى عايزه تجننينى ، انا أسمى تقى كاظم الصواف.
هزت لها نادين رأسها بيرود و قالت : لأ غلطانه ، انتى جيجى حتى شوفى.
سارعت بإخراج بطاقه شخصيه تحمل ذات الإسم مع صورة تقى .
ذهلت تقى مما ترى و قالت : إمتى و إزاى ؟
نادين: من بدرى ، جدك و خالك خالفين لا يربوا الوريث .
هنا و إلى حد ما قد فهمت ما يجرى ، لكن ما لبست أن سألت : طب و ليه قولتى أنى ملكيه خاصه ؟ كده ممكن يبعد .
أبتسمت نادين ترفع إحدى حاجبيها بمكر ثم سألت بخبث : أفهم من كده يا توتو عايزاه يقرب ؟
ردت تقى على الفور و قالت: طبعا عايزاه يقرب و ألففه السبع لفات و بعدها بقا أبقى أقوله أمك فى العش و لا طارت .
ضحكت نادين عليها و قالت : بقيتى شريره اوى يا توتو .
شردت تقى فى الفراغ تقول : أصلك أنتى مش عارفه ، ضياء ده عقدة حياتى إلى كانت بتزيد يوم عن يوم ، عايزه انا الى أرفضه يا نادين يمكن ساعتها ترجعلى ثقتى بنفس .
تنهدت نادين و قالت: أنا عارفه ، و رغم أن إلى أنتى بتقوليه عكس إتفاقى مع جدك و خالك بس أنا هحاول أوصل معاكى ليه و ساعتها بقى نبقى نشوف نحن عليه و لا لأ.
صرخت فيها تقى: لأ ، مش هنحن على حد ده ما يستحقش غير الكره
نادين: بلاش نسبق الأحداث .. ده ربك بيهدى فى غمضة عين.
زفرت تقى بلا إقتناع ثم سألت : بردو ما قولتيش ليه قولتى له انى ملكيه خاصه .
ضحكت نادين بثقه و قالت : دى قاعده مشهوره فى علم النفس ،عايزه تزيدى من تعلق حد بيكى حسسيه أنك لحد تانى و ما ينفعش كده من أولها يفكر فيكى اصلا ، العكس هو إلى بيحصل و بيبقى كأن الكون فضى من حواليه و هى دى بقا و مش شايف غيرها ، و أنتى بنفسك شوفتى.. ضياء حواليه كتير و عرف بنات بعدد شعر راسه .
أكملت تقى : و لسه هيعرف.
قاطعتها نادين بثقه: مش هيحصل ، بعد الكلمه إلى أنا قولتها له دى مش هيحصل و هتشوفى ، أنتى قبل الجمله دى كنتى مجرد بنت معجب بيها بس فى زيها كتير ، لكن بعد الجمله دى بقيتى لا قبلك و لا بعدك و هتشوفى دلوقتي... انتى خلصتى لبس ؟
نظرت تقى لنفسها فى المرأه و قالت : لسه. . مش عارفه ألبس إيه.
فكرت نادين قليلاً ثم قالت : الفستان الأسود ، هيبقى تحفه عليكى يا زبادو .. حمار و بياض .
ضحكت هى و تقى التى قالت : وأسيب شعرى عشان أجلطه .
غمزت لها نادين و قالت : بقيتى خبيثه ، تربيتى .. بس لأ شافك الصبح بيه ، بالليل ترفعيه عشان تبينى رقبتك البيضا الطويله حتى هيبقى لايق أكتر من رقبة الفستان.
استمعت تقى لكل ما تقوله صديقتها و نفذته و التى ما أن انتهت حتى أصدرت نادين صافره عاليه تقول : ده انتى هتجلطيه لأ.. ده هيجيله شلل رباعي .. يالا بينا .
ضحكت تقى و خرجت مع صديقتها و وصلا للقاعه التى سيسهر بها الجميع .
كان ضياء يجلس وسط اصدقائه على يساره كلارا و على يمينه رائف و بجوارهما شابين و عدد لا بأس به من الفتيات الحسنوات .
كان ضياء كأسد الغابه بينهم يجلس فى شموخ يضحك فقط و لا يتكلم كثيرا يستمتمع بمشروبه فقط
وقفت من بعيد تنظر له بتمعن لو لم يكن ضياء ، لو كانت الظروف غير الظروف لتمنته حبيباً و زوجاً ، لكن هو السبب فى كل ما تحمله له بقلبها الآن.
لاحظ توقف عيناه عليها و كيف تحولت نظراته ينزل الكأس من يده رويداً رويداً من شدة انتباهه لها هى فقط .
فحولت عيناها سريعاً تنظر فى أى مكان عداه كأنها غير مهتمه و لا تراه .
بينما إلتف بقية الجلوس ينظرون لما يخطف تركيز ضياء فأحتقن وجه كلارا من الغضب و كذلك ضياء الذى شعر بصديقه يقف سريعاً و ذهب إليها يستقبلها و هى تبتسم له متجاوبه .
وقف على الفور و جذب نادين من يدها بحده حتى وقفا فى مكان بعيد نسبيا.
تألمت نادين من ضغط يده على معصمها تقول و هى تفركه : فى إيه يا ضياء أيدى.
لم يأبه لا ألمها و لا لما تقوله و قال من بين أسنانه : أنا عايز اعرف دلوقتي إيه معنى الكلام الى قولتيه الصبح.
جعدت ما بين حاجبيها و سألت بجهل شديد: كلام ؟ كلام إيه ؟
صرخ فيها بضيق و نفاذ صبر : نادييين ، مش قولتى الصبح إن جيجى مليكه خاصة ؟ يعنى ايه ؟ و خاصه بمين ؟
ضحكت نادين و قالت مستخفه : يااا يا ضياء ، أنت لسه فاكر يا أخى ، أنت بتدقق فى حاجات غريبه أوى ، ما تاخدش فى بالك و تعالى.. تعالى نكمل السهره كلارا بتبص عليك .
هتف بحده : سيبك منها و ردى عليا زى ما بكلمك ، جيجى مليكه خاصة ازاى و بمين .
أبتسمت بخبث و قالت : أصلها يا سيدى مكتوب كتابها .
شحب وجهه لدقيقه ثم سأل : كتب كتاب بس ؟
تنهدت نادين و قالت : و هى هتفرق فى ايه ؟
التمعت عيناه بفرحه و قال بتصميم بينما عيناه مرتكزه على تلك القشدة التى ترتدى فستان أسود يردد : لا تفرق .. تفرق كتير اوى.
____________________
توقف يوسف بسيارته امام الباب الداخلى لبيته ، و هو مشتاق كثيرا لوالده و أخواته يسب و يلعن هارون الذى أختفى فجأة و أضطره للعوده لبيت والده فى وقت متأخر كهذا ، بالتأكيد الكل نيام آلان .
ترجل من سيارته و ينتوى اخذ حمام منعش ثم النوم بعمق و فى الصباح يصنع لهم مفاجأته .
بينما بالغرفه التى سكنتها زينب و هى تستعد للنوم فتحت نور الباب و قالت : زوزو تعالى ، تعالى معايا الاوضه بسرعه.
تثائبت زينب بتعب و قالت : انا مش قادره اتحرك بنام على نفسى ، بكره بكره.
تقدمت نور بسرعه و جذبتها من ذراعها مردده : الموضوع لا يحتمل ، بقولك هكرت صفحتها خلاص ، تعالى معايا شوفى الفصايح قبل ما تكتشف هى و تغير الباسو و أطلع.
ذهبت معها زينب سريعاً لترى ماذا تقصد و قد تمكن منها هى الأخرى الفضول .
بعد دقائق
دلف للبيت بمفتاحه القديم ليجده غارق في الظلام فتأكد من نوم الجميع الآن لذا قصد غرفته بصمت حتى الصباح.
أنتهى من صعود السلم و أجتاز الرواق متجهاً ناحية غرفته القديمه .
فتح الباب و الكهرباء ليبتسم و هو يراها نظيفه و مرتبه كما كانت تخبره نور دوماً أنها مهتمه بها و هو لم يكن مصدق ... يبدو أنها كانت صادقه.
وضع حقيبته جانباً و ذهب سريعاً لأخذ الحمام المنعش الذى وعد نفسه به .
و بعد دقائق عادت زينب للغرفه من جديد لتستغرب من إشتعال الضوء و تسأل بجنون : هو انا مش طفيته و أنا خارجه ، سلام قول من رب رحيم ، البيت ده مسكون و لا ايه.
تقدمت من الفراش المرتب سريعاً تبعد الغطاء الخفيف كى تتدثر به مردده : لأ أنتى نسيتى يا زينب ، أو ممكن من التعب ، النهاردة بردو كان يوم صعب كفايه مشوار المطار لوحده ، أنا أنام و أكيد الصبح هبقى كويسه .
افترشت السرير سريعاً و لم تمر دقيقتان إلا و غرقت فى النوم من شدة الإنهاك .
خرج بوقتها يوسف من المرحاض عارى الصدر يلف جزعه السفلى بفوطه بيضاء حول خصره يجفف شعره
توقف بزهول و هو يجد فتاه جميله أصبحت بقدرة قادر فوق فراشه .
تهلل وجهه و قال : الله نسوان ، يكونش أبويا عرف انى جيت و حب يوجب معايا ؟
تقدم منها و هو يسأل ضاحكاً : انتى مين يا حلوه ؟ هى السما فى مصر بقت بتمطر نسوان و أنا غايب و لا ايه ؟
تقدم أكثر ليزيح شعراتها البندقية التي كانت تخفيها عنه ، ليبصر ذلك الوجه الملائكى و يردد بذهول و دقات خفيفه : لأ دى مش نسوان ، دى بنوته حلوه اوي ، مين دى ؟
مد يده يهزها برفق: أنتى يا ... أسمك إيه طيب ، أكيد قمر ، او جميله ، و لا لأ ملاك أكيد ملاك.
استيقظت زينب بوقتها لتبصر بصدمه رجل ضخم الجثه بل و عارى فى نفس الوقت يميل عليها بجزعه و يلمسها أيضاً ، لم تستطع إبداء أى رد فعل سوى الصراخ عاليا بأقصى طبقة صوت قد تصل إليها فى يوم .
فى نفس التوقيت هبطتت الطائره الخاصه التى تحمل على متنها ماجد و حبيبته ، و أخيراً إستطاع كل منهما سحب أنفاسه براحه .
تقدم ماجد منها يقول بفرحه شديده: اخيرا يا حبيبتي وصلنا مصر ، حمد لله على السلامه.
لكن جاءه الجواب من غرفة جانبيه فتح بابها الآن فقط .
شهق كل من ماجد و فيروز على صوت و جسد فلاديمير الذى يجلس يضع قدم فوق الأخرى و جاوب : الله يسلمك حبيبى ، أكيد كنتوا عاملينها لى مفاجأة و ماحبتوش تقولو لى مش كده .
لم يستطع ماجد و لا حتى فيروز الرد من الصدمه و هو ينظر لهما بغرور و ثبات .
و على طريق الساحل كان هارون يقود سيارته برواق شديد و بين لحظه و أخرى ينظر لغنوة الغافيه تماماً على المقعد المجاور له و بداخله ينتوى الكثير .
.
**مهم جداً**👇👇👇👇👇
الإثنين والأربعين
وقف يسد عنها طريق المرور للداخل ، لن يتركها ترحل إلا بعدما يعرف كل ما يريد ، شعور بوهيمى تملكه حينما قالت نادين ما قالت و تركته راحله يتلظى بنيران فكره.
لكنه الآن لن يتركها تبرح مكانها إلا بعدما ترضى فضوله بإجابه و معلومات وافيه و البعيده ك (الجبله) بالضبط ، تنظر له بلا مبالاة غير مبالية او مراعيه لحالته.
و هى كانت كذلك بالفعل لكن لنزد على كل ما سبق أنها أيضاً متشفيه فيه ، فهى و منذ سنوات كانت شاهده على كل ما سببه لتقى من أذى نفسى كبير جداً قد لا تحصوه الكلمات .
صك أسنانه و الغضب يتمكن منه كلما زاد صمتها و برودها ألا متناهى و هتف بحده : ما تردى عليا أنا من الصبح عمال اسأل نفس السؤال و أنتى مش بتردى .
كتفت ذراعيها حول صدرها و قالت ببرود أكبر : هدى نفسك شويه ، أنت مش شايف إنك أوڤر زياده عن اللزوم.
تقوست شفتاه بازدراء و قال : أو يمكن انتى إلى بارده.
ببرود مقيت هزت رأسها نفياً و قالت : تؤ ، بالعكس .. أنا بتعامل طبيعي ، أنت الى مش طبيعي يا برو ، واحده و لا تعرفها أو تعرفك ، حد معرفه معدى من جنبك ، يفرق لك ايه إن كانت مرتبطه أو لأ ، مش تعقل الكلام قبل ما تتكلمه !
زاد غيظه منها ، خصوصاً و أن كلامها كله منطقى جدا و هو لا يسعه الرد عليها .
و مع صمته العاجز لوحت له بيدها و قالت : سورى ضياء مضطره أسيبك و أمشى القاعده هناك احلوت أوى ، خليك أنت هنا عد النجوم و لو خلصت حصلنى .
استادرت مولية ظهرها له و قد فشلت في كتم شماتتها فيه يراها واضحه في عيناها
فهتف عالياً يردد بغيظ : أستنى عندك .
إلتفت له مستغربه فسأل بشك كبير : أنتى مالك كده عامله زي ما تكونى شمتانة فيا.
جعدت ما بين حاجبيها و ادعت الإندهاش مردده : أنا ؟! و أنا هشمت فيك ليه ؟ أنت يا دوب بتسأل عن صاحبتى هو أنت كنت واقع فى غرامها و لا حاجة ؟! مش هو سؤال بس بردو يا ضياء و لا إيه ؟
تملكه الارتباك لثوانِ ثم رد بقوه واهيه : لأ طبعا ، ايه الى بتقوليه ده ، ده أنا لسه شايفها الصبح .
هزت رأسها و قالت بإستغراب: ما هو ده بصراحه إلى أنا مستغرباه ، سؤالك الكتير عنها غريب شويه
حمحم بإستدراك يردد : أحمم .. لأ أنا بس عشان...
قاطعته تكمل بدلاً عنه : عشان منعتك تقرب لها و قولت لك أنها ملكية خاصه مش كده !
صمت بإرتباك يوضح أن الإجابة نعم فابتسمت بظفر و أكملت : بس هى فعلا ملكية خاصه و أنا متوصية عليها جامد ، تقدر تقول كده أنى الحارس الشخصي بتاعها ... عنئذنك بقا الأكل وصل .
غادرت و تركته و هو مستاء جدا من نفسه ، كيف ترك روحه و لم يتحكم فى تصرفاته إلى أن خرجت تصرفاته مثيره للإنتباه و أوصلته لأن يقف و يستمع من أحدهم حديث كهذا ؟!
من جيجى هذه و ما مدى جمالها حتى ، هى جميله و هو يعلم بل مذهله و لكن عادى .. يوجد منها الكثيرات ، يجب أن يتماسك ، لن يهتز عرش الأسد أبداً .
لذا اتخذ قراره بكل قوة و حسم و صار ناحية الطاولة واثق الخطى يمشى ملكاً و بنفس يردد أن لا جيجى و لا عشرة مثلها قد يهتز لها ضياء شداد .
بالفعل نفذ بمنتهى الحسم ، و تعمد تجنبها بل و تجنب النظر لها حتى، من تظن نفسها هذه ؟
فجلس لجوار كلارا المنتشيه و هى تشعر بعودة ضياء القديم ، ضياء المهتم و لا يلتفت لأى فتاه هن من يلتفتن عليه .
تقترب له و هى تهمس فى أذنه بغنج تحتك به بتحرش واضح و هو يبتسم يصغى لها ، يتفاعل معها و مع الحضور ... إلا جيجى أو ( تقى) .
أما تقى فكانت تجلس و هى تلعب فى صحنها بشرود تتعمق فى التفكير دون النظر لائ أحد .
لما تغيرت نظراته و ولى أهتمامه عنها بعدما فعل صباحا؟!
أقتربت منها نادين هامسه بصوت بالكاد وصل لأذن تقى تردد : من أظهر تجاهلك عن عمد ، أعلم إنك تلمع فى ذهنه كالبرق ..
أنهت حديثها بغمزة خبيثة شريره جدا أرتفع على أثرها ضحكة تقى العالية و التى أرغمت ملك الغابة ذاك على الإنتباه لها دون إرداته .
تلتف رقبته بحده و كانت على وشك الإعوجاج و هو ينظر لرائف الذى قال و عينه تقطر قلوب : ضحكتك حلوه اوي يا جيجي ، تجنن ، زى ما كل حاجه فيكى تجنن .
أبتسمت له تقى بنعومه و قالت : شكراً جدا ، أنت كمان زوق أوى ، و شيك كمان .
و بابتسامة خبيثة سألت : أنت قولت لى إسمك إيه ؟
أتسعت إبتسامته و حاول الرد بقدر عال من الجاذبيه : رائف ، رائف شكرى الرومى .. أكيد تسمعى عنها .
جعدت ما بين حاجبيها مفكره ثم سألت: أستنى .. أنا سمعت الإسم ده قبل كده أنا متأكده .
كذلك أسترعى الإسم تركيز نادين التى حاولت التذكر معها و قالت بشك : كان معانا واحد في المدرسة بنفس الأسم أو العيله.
ثوانى و صرخت عاليا و هى تصيح كأنها أكتشفت سر عظيم : أاااه .. رامى الرومى .. كان معانا فى ثانوى .. مش الولد ده إلى كان بيحبك يا ت.. يا جيجى .
أتسعت عينا تقى محذره .. الغبيه كانت ستخطئ فى إسمها و تقول إسمها الحقيقي.
بينما هناك على رأس الطاولة شخص .. كائن حى تخرج الأدخنه من رأسه من كثرة ما هو مشتعل و يتصنع العكس ، يكظم غيظه خصوصاً و هو يستمع لحديثها اللين بطريقة مبالغ بها جدا من وجهة نظره و تصل لحد الميوعه تسأله عن إسمه و الاخر يجيب.
لكن إلى هنا و لم يتسطع التصنع بالا شئ أكثر ، من هذا المعجب بها و كانا بأى مرحلة ؟
رفع رأسه ينظر لهم و هم يتحدثون ، منشغلين عنه.. تقريباً نسوه.
و رائف يقول بإندهاش : غريبه .. ده إبن عمى .
فقالت تقى : بجد ؟ ده كان معانا فى ثانوى .
أغمض ضياء عيناه بنفاذ صبر ليفتحها على مصرعيها و هو يستمع تلك الحرباء تقول : مش معقول هو قريبك ؟ ده رهيب .. طب أنت عارف أنه كان مانع أى حد يقرب من جيجى ؟ و دايما يقول انه هو و هى مرتبطين.
و مع حديثها هذا ركز ضياء بعيناه على جيجى بنظره حارقه .
لكنه كان بالقوى الكافيه كى يستمر فى المحافظة على صمته و ثباته .
يستمع لرائف الذى قال : و انتو كنتوا كده فعلاً ؟
أبتسمت جيجى ساخره و قالت: أنا و لا كنت أعرف عنه غير إسمه بس ، مش عارفه ليه كان بيقول و يعمل كده ..هو فين دلوقتي و عامل إيه؟
تشنج فك ذلك الذى يترأس الطاولة بينما سألت نادين هى الأخرى: ايوه صحيح ده أختفى مره واحده و ما نعرفش عنه حاجه.
إلتف رائف يوجه حديثه لتقى يسأل : و أنتى مهتمه ليه كده ؟
زاد ضياء من الضغط على كأسه لو لم تكن بالمتانه الكافيه لتهشمت ، و كلارا تلاحظ ما يفعل .
حاولت تغيير الأجواء فاقتربت منه قائلة : الميوزك الى بتحبها شغاله ، إيه رأيك نقوم نرقص .
لم ينظر لها ، إكتفى بهز رأسه رافضاً ينظر لسطح الطاوله و كأن عقله يراوده بأن يقلبها على رؤسهم جميعاً خصوصاً تلك الظريفه ذات الصوت الناعم و الجسد الممتلئ الذى يثيره حتى و هو مختفى خلف الطاولة الضخمه .
و ظل على وضعه يستمع لهم و هم يتجاذبون أطراف الحديث إلى أن بادر واقفاً يعلن عن انتهاء وقتهم معه و أنه مل و سيغادر .
انتبه له رائف قائلاً : وقفت ليه ؟ دى السهره لسه فى أولها .
بكل الفخامة إلتى توجد فى العالم جمع أغراضه من على الطاولة و قال: مليت من الجو هنا ، هكمل سهرتى فى مكان تانى .
أنهى حديثه بغمزه متعمدة و هو يشبك يده بيد كلارا التى وقفت بأنف شامخ تطلع لهن بكبر و زهو .
يحاول التغاضى عن الغضب الثائر داخله ، فهى تنظر له عادى .
لم تحاول حتى تجنبه، لو تجنبته كما فعل لأطمئن أنه يمثل لها شئ ما لكنه لم يفعل.
من يثق فى نفسه لا يغار و لا يحقد ، لا يتعمد تجاهل أحد و لا حتى يتعمد إهانته .
لو أمتنعت عن التعامل مع شخص ما فهذا أكبر دليل على شعورك بالنقص لجواره ، لكن طالما أنك تتعامل و لا يوجد لديك أى موانع هذا يعني أنك لا تغير منه و لا تحقد و لو أمتنع هو فهو من يفعل و ليس أنت.
و هذا ما تأكد منه ضياء أثناء مغادرته المكان.. كانت تنظر له بلا مبالاة حقيقة.
جلس فى أحدى القاعات بالطابق السابع من السفينه و أمامه كلارا ترقص على الأنغام الصاخبه بالمكان و أصوات هتاف الناس متداخله معها و هم يرقصون ... لكن هو بمكان أخر و تلك الأصوات العالية لم تمنعه من التفكير العميق .
و سؤال ملح يتردد داخله ، ماذا تفعل الآن و ماذا حدث بعدما رحل .
لكنه تمالك نفسه و لجمها بقوه ، لن ينهار عرشه أمام فتاة مجهولة الهوية بالنسبة له و لم يراها منذ كثير .
أنتبه على يد كلارا التى تجذبة كى يقف و يذهب للرقص معها فوقف معها متجاوب ، ربما سيفيده الرقص كثيرا فى هذه الحالة .
صباح اليوم التالى .
صعد لسطح السفينه ، لم ينم ليلته و لا يريد مواجهة نفسه عن سبب جفاء النوم له .. فترك كلارا و خرج ليشتم الهواء المنعش و يشاهد الشروق .
و ما أن صعد و تمشى قليلا حتى توقفت قدماه ، اوقفة منظر رائع كأنه لوحه مرسومة على يد فنان بارع من زمن بعيد .
فقد وقفت تقى أو (جيجى) و هى ترتدى فستان أبيض يتجسد على جسدها و يفصله بطريقه موجعه تضع على كتفيها شال من الصوف المشغول تتشح به عن نسمات الصباح البارده و كما شاهدها أول يوم كانت تستند بذراعيها على حافة المركب و ترفع رأسها لأعلى كى يداعبها الهواء و تشعر ببعض الحريه.. يطير شعرها الطويل خلفها بطريقه خلابه.
مظهرها المنعكس عليه أشعة الشمس خطف قلبه و أوقف تفكيره لكن ابدا لم يوقف خطواته التى بدأت تقترب منها و كأنه قد فقد سلطانه على جسده ، هو يسير إليها و كأنه مجذوب .
توقف بالقرب منها يراها و يشترب ملامحها التى كانت على بعض إنشات معدوده منه .
يمرر عيناه على شفتيها ، خديها ، وصولاً لعيناها المغمضة يبتسم دون إرادة منه ، معجب جدا بشعرها المذهل .
يبدو أن عطره قد سبق صوته ففتحت عيناها بتوجس تنظر له ببعض من الضيق و الإستغراب .
حمحم بإستدراك ثم قال: صباح الخير.
نظرت فى كل مكان ، تبغض النظر له ، وجودها وحدها معه يذكرها بأيام من طفولتها و مراقتها تحاول نسيانها .
استغرب فعلتها فقال من جديد بطولة بال لم يكن يعلم أنه قد يمتلكها يوماً : بقول صباح الخير ، إيه مش تردى عليا.
نظرت له و قالت بإقتضاب و وجه متجهم : صباح النور.
ثم استعدت كى تذهب ، أوقف خطواتها و قد ناقض العهد الذى اتخذه فى الليل و سأل و هو يقبض على ذراعها ببعض الحده لفعلتها التى لم يسبق و أن تعرض لها مع إحداهن : رايحه فين ؟ مش كنتى واقفه و لا إذا حضرت الشياطين .
بقوة كافية استطاعت القبض على كفه التى تقبض عليها و أزاحتها عن ذراعها و هى تكمل ببرود و ثبات : ذهبت الملائكة .
أتسعت عيناه بصدم ، أعطتها له فى منتصف الجبهة ، ود سبها بكل أنواع السباب التى يعلمها و هى تسير بلا مبالاة مغادرة على فعلتها الأكثر من وقحه لكنه لم يستطع ، لسبب ما لم يستطع.
وقف يكور يده من الغضب و هو يقرر العودة مره اخرى لتجاهله لها ، لقد تمادت كثيراً ، بالتأكيد تريد لفت نظره بأفعالها ، يعرف تلك التصرفات جيداً ، أكثر من فتاة تعمدتها معه ، إذا سيريها .
لا يعلم أنها تجلس على الجهة الأخرى من المركب ، تتذكر لمحات من أيام صباها و وهى شارده تنظر للمياه..
عودة بالزمن قليلا.
على حمام السباحة الكبير بقصر عائلة شداد كانت تجلس و هى تقرأ إحدى رواياتها الحالمة ، تغوص معها فى عالم جميل ينسج لها بعض من الخيال مما تتمنى أن تعيشه مع بطل حكايتها المستقبلى .
شعرت بالكرة تقترب منها من حيث لا تدرى حتى توقفت عندها ، نظرت لها مبتسمه ، إنها كرة ضياء الجديدة جلبها له خالها عاصم من سفرته الأخيرة و قد سمعت أن أحد أساطير الكره فى أسبانيا قد وقع عليها بنفسه و كانت تريد رؤية توقيعه و ملامسة تلك الكرة كثيرا لكن لم ترغب فى طلبها من ضياء فهو بلا زوق او أدب ، و قد تربى على الدلع الزائد ، قليل الزوق إلى درجة كبيره و عصبى.
لذا فهذه هي فرصتها ، عضت على شفتها بضحكة شريرة و تمطأت بجسدها قليلاً حتى إستطاعت جلب الكرة و تناولتها بين يديها تديرها يميناً و يساراً بفرحه شديده تحاول قراءة ما دون عليها فعلياً بحروف أجنبية لكن الكلمات لم تكن إنجليزية لذا ظلت تقرأها لفترة ولم تستطع.
لتنتفض فجأة على صوت ضياء و هو يصرخ عالياً : عم عوض ، يا عم عوض ، كل ده بتدور عليها ، أتفضل لاقيها لى حالاً .
توقف خلفها بصوته و هو يقول: أوووف .. هو أنتى.
تقدم منها و أنتشلها من بين يديها فأنتفضت واقفه بفزع لتتفاجئ بوجود أحد أصدقائه القدامى يقف بجواره و هو يضحك عليها ساخراً ، تزداد ضحكته السمجه مع زيادة توبيخ ضياء لها خصوصاً حين قال : أنتى يا مقرفة إنتى إزاى تمسكى حاجه بتاعتى .
تجمعت الدموع في عينيها و قالت : أنا مش مقرفه و ما عملتش فيها حاجه أنا كنت عايزه أشوفها بس .
صرخ فيها عاليا و قال : لا مقرفه روحى شوفى شكلك فى المرايه ، شوفى شعرك المعفن و لا جسمك المفشول يا تخينه يا عجلة .
زاد فى بكائها من كلماته خصوصاً مع إرتفاع ضحكات رفيقه و صرخت فيه : أنا مش تخينة و مش عجلة و أحترم نفسك بدل ما أقول لجدى .
اقترب منها بغضب و تطاولت يده عليها فبدأ بضربها بكفه على أكتافها و خصرها بعشوائية يردد : لأ تخينه و شكلك يقرف .. ده انا بتقرق أكل معاكى على نفس السفره .. إنتى بتهددينى يا بت انتى.. مش كفاية سايبك عايشه فى بيتى ، أنا إلى هقول لجدى يمشيكى من هنا ، جتك الأرف عيلة باردة .
كانت تتلقى ضرباته و هى تبكى بصمت ، لم يكن لديها جرئة أو كما يقال ( لم يكن لديها عين) لترد له ما يقول ، هى بالأساس كانت فتاة خجوله و لم تكن يوما سليطة اللسان ، والدها هو من رماها هنا مع أمها التى لم تستجب لها يوماً فى العيش بشقة وحدهم مع أنها تمتلك القدرة المادية على ذلك ، بكت بصمت و قهر و هى تستمع لصديقه يقول: حرام عليك يا ضياء دى بتعيط .
أشاح ضياء برأسه لكى يتحرك معه و هو يقول : بتعيط إيه و هى دى عندها دم أصلا دى عيلة دمها ساقع زي شكلها ، قسماً بالله لأوريها .
إلتف ينظر إليها قائلاً : إنتى يا بت انتى.. لو شوفتك بس هوبتى من حاجه بتاعتى تانى أو لمستيها بأيدك أنتى حره ... و مش هتقعدى معايا على سفرة واحده و أنا هقول لجدى كده .
و بالفعل ذهب لجده الذى نفذ رغبته.. كان شداد يحبها لكنه يحب ضياء أكثر و هو فى المرتبة الأولى و الأهم فنفذ طلب ضياء و راضى هو تقى بكلمتين ظناً منه أنها طفلة و ستنسى لكنها أبدا لم تنسى و منذ ذلك اليوم لم تجتمع مع جدها او عائلتها على مائدة واحدة حتى بعد سفر ضياء ليدرك الجد أنها حتى لو كانت طفلة فهى شخص.. كائن حى يشعر بل على العكس تماماً فتلك الموافق بذلك العمر لا تنسى و تساهم في تكوين شخصية البنى آدم و هذا ما حدث مع تقى تماماً.
عادت من شرودها على صوت نادين التى جلست لجوارها تمسح دموعها و هى تقول: حاولى تنسى يا حبيبتي.. قومى معايا يالا عشان الفطار .
هزت تقى رأسها برفض و قد تجمعت غصة مريرة بحلقها و صدرها.
لكن نادين لم تتركها لذكرياتها تبتلعها و تتغلب عليها بل وقفت تشدها بقوة و هى تقول: مش بمزاجك ، هتقومى يعنى هتقومى يالا كلهم مستنينا تحت .. القعده فى دوشة و وسط ناس أكيد هتنسيكى الذكريات الوحشة دى كلها .
ذهبت معها مرغمة ، ربما تنسى بالفعل ، لكن يبدو أن القدر يعاندها ، أو تقريباً يعالجها بالصدمة فعلى كل تلك الطاوله الطويله العريضه لم يتبقى سوى مقعدان على طرف المائدة التى يترأسها ضياء كالعادة .
و جلست نادين بأحد المقاعد تاركه لها المقعد الملاصق له متعمدة.
بدأ يأكل بواطن فمه من الداخل فى محاولة منه للتغاضى عن الغيظ النابع داخله و هو يراها تقف مترددة و كأنها لم تكن تحبذ الجلوس بجواره .
تتقدم ببطئ و كأنها تغصب نفسها على ذلك إلى أن جلست بالفعل و عينها لا تفارق الصحن الفارغ أمامها.
نظرت لها كلارا بغضب ، لا يخفى عليها تصرفات ضياء الجديدة كلياً عليها و على من يعرفه ، مستاءه و مستغربه من تأثره السريع بها .
أقترب النادل يضع لكل منهم الطعام فى صحنه و هى تشعر برائحة ضياء تقتحم صدرها مختلطة برائحة الطعام الذى كان يرفض تناوله معها مسبقاً و كأنها تحمل مرض جلدي معدى يمر عليها شريط سريع من الذكريات و هى تجلس فى غرفتها و تدخل عليها الخادمه تضع لها الطعام و عيناها يفوح منها نظرات الشفقة على تلك الطفلة المسكينه التى تحكم فى طعامها و شرابها ذلك المراهق .
دمعة ساخنة فرت على وجنتها و صوت بعض الحضور يشجعونها على البدء في تناول الطعام مع صوت نادين الذى أختلط بصوت رائف و الكل يردد : كلى .. كلى.
لم تدرى أى حالة تلبستها و هى تنتفض صارخة بقهر مخزون تقلب صحنها بمحتوياته الساخنه على ملابس أول شخص يجاورها ثم تركض من المكان.
انتفض عن كرسيه ملسوع بما سقط عليه و كلارا قلقة جدا عليه تردد : يتوجعك حبيبى ؟ البنت دى متخلفة انا قولت كده من بدرى.
وقفت على الفور نادين تدافع عن صديقتها فنشب العراك على الفور بينهما و هو غادر سريعاً ليرى ما أصابه و يبدل ملابسه .
ليراها و هى مازالت مستمرة فى الركض قاصدة الغرفة التى تسكنها هى و نادين .
دلفت و أغلقت الباب خلفها بقوه ثم سقطت على السرير تبكى بقوة أكبر.
لتنتفض على يد غليظه ترفعها ، نظرت مجفلة لتجد ضياء أمامها ينظر لها بإستغراب ثم سأل بلا أى مقدمات: انتى تعرفينى من قبل كده ؟
أتسعت عيناها برعب ، هل عرفها ؟؟
___________________
أستيقظت بفزع على فراش وثير بغرفه لا تعرفها ، بدأت تلتف حولها يميناً و يساراً لا ترى أى شىء قد يفسر او يوضح أين هى .
خرجت من الغرفة حافية القدمين تسير فى رواق صغير و بنهايته نافذة حين وقفت فيها رأت البحر مباشرة أمامها .
فاتسعت عيناها برعب ، متى و كيف أتت هنا ، أخر ما تتذكره حين انشق بها هارون عن مركب لمى و ذهب بها للطبيب .
إلتفت سريعاً إلى حيث الدرج المؤدى للطابق الأرضى ، ظلت تتلفت حولها و تبحث يميناً و يساراً حتى وجدته يجلس على أحد المقاعد حول مسبح صغير يتأمل الصباح الهادئ بشرود .
أنتبه على صوتها و هى تصرخ : مين الى شالنى و جابنى هنا يا إبن الصواف ؟
وقف عن كرسيه يصد هجوما الشرس عليه يكتف ذراعيها و يلوهما خلف ظهرها جاعلاً إياها تلتف رغما عنها و أصبح ظهرها مقابل صدره و هى تتحدث بغيظ من بين أسنانها : و كمان بتكتفنى ، بتستقوى عليا؟
همس لجوار أذنها يردد : أيوه ، إفترى ، نوع من أنواع القهر النسوى .
حاولت إفلات يدها و ضربه بها و هى تقول من بين أسنانها: رد بقولك مين جابنى هنا ؟
تخلى عن القوة و الضغط على جسدها و ضمها له بحنان شديد يتمايل بها يميناً و يساراً مردداً بحنان و هو يدفن رأشه بعنقها مدمداً بتلذذ : و هو مين ده اللي يقدر يقرب منك و يلمسك أو يشيلك غيرى يا حبيبة هارون .
حاولت الخروج من سحر لمساته تردد بحدة واهيه: و انت مين إلى إدالك الحق ده ؟
رد عليها بخمول أثر عناقه لها : أنتى يا روحى ، نسيتى أنك مراتى و لأ ايه ؟
غنوة : الغريبة يا هارون إنك أنت الوحيد إلى شايف إن إحنا كده متجوزين و أنى مراتك .
فرد بثقة كبيرة : عشان العقد الموثق إلى ما بنا ، أصلى نسيت أقولك أنى وثقته خلاص ، و فوق كل ده الجواز إيجاب و قبول و انتى موافقة تتجوزينى يا حياتى ، فاضل بس الإشهار ؟ اعملهولك .. سهله.
ضربته بيده التى أفلتها بمزاجه تقول : يا نهار اسود ، وثقت العقد ازاى ، و بعدين مين دى الى موافقه تتجوزك ؟
لفها له بحيث أصبحت فى مواجهته فقال : إنتى يا غنوة بتحبيني و عايزه تتجوزينى ، ما شوفتيش نفسك بتبقى عامله إزاى و انتى معايا! فاكره آخر مره كنتى معايا فى أوضتى ؟
اهتز فكها من العيظ فدفشته بيدها فى صدره ليرتد خطوة للخلف و هى تقول : كنت عارفه إنك هتعايرنى بيها فى أول خناقه.
تقدم منها يقبض على وجهها قاصدا هز فمها بالخصوص و يقول: هو دهو سبب كل مشاكلنا مع بعض ، لسانك...و حاسس إننا لو قطعناه ممكن حياتنا تبقى الفضل و الجوازة الجملى دى تتم بقا .
ثم أستكمل بغيظ يقول: هو ده كلام تقوليه ، ليه كل الكلام بتقلبيه و تحويله عشان أطلع غلطان و غرضى وحش ، و لا يمكن حبيبتي تغلوشى على حقيقة بتصدمك كل مره ، خدى بالك من كلامك مايصحش تقولى كده ابدا انتى مراتى يا أستاذه.
نفضها عنه ببعض العنف يقول و هو يشير عليها بتحذير شديد: و يكون فى علمك ، أنا جبتك و جيت هنا عشان ننهى الموضوع ده.
وضعت كفيها على كتفيها كأنها تحمى نفسها و سألت : أنت قصدك إيه ؟ هتغتصبنى ؟
أبتسمت لها ببرود و قال : ما هو أنا هتمم الجوازة يعنى هتمم الجوازة فلو أنتى ماسبتليش حل غير الإغتصاب ف يا أهلاً بالمعارك .
حاول وئد ابتسامته الناتجة عن رعبها ثم قال: أنا رايح أعمل لنا أتنين نسكافيه عشان نتكلم بعقل و زى الناس ، و اتمنى أن ده يحصل بدل ما يبقى إغتصاب بطعم النسكافية ، أنتى حره بقا .
غادر سريعاً و تركها متسعة العين تفكر فى كلماته و تهديده الصريح .
ثم اتجهت للداخل كى تتعارك معه ، من هو ليهددها ، يعنى سارق لقلب والدها و أيضاً يددها ما هذه البجاحة .
لكن بينما هى تتقدم للداخل استمعت لصوت جرس الباب مع دقات عاليه يبدو أن الطارق متلهف جدا كى يفتح له الباب.
وقفت و لم تتحرك فتقدم هارون و قال : مش سامعه الخبط ، ما تفتحى .
كتفت ذراعيها حول صدرها و قالت: و أنا مالى ، عيب ، و بعدين أنا ضيفه هنا و ياريت أتعامل معاملة الضيوف أنا مش خدامة عندك عشان افتح للى يخبط عليك الباب.
هز رأسه منها و تقدم نحو الباب يفتحه و هو يقول: ده هيبقى إغتصاب و قص لسان ، أتنين فى واحد يعنى.
أنهى حديثه و هو يستمع لصوت صرخة نسائية قادمة من فتاة شقراء تشبثت بأحضانه على الفور تردد : هارون حبيبى ، ما صدقتش لما لاقيت عربيتك برا ، مش كنت تقول إنك جاى .
حاول أبعادها عنه ليرى حتى من هذه غافلاً عن تلك التي تغلى خلفه و تقدمت هى تعفيه من تلك المهمه و تنفضها بغضب بعيداً عنه مردده بصراخ : اييييه إلى بيحصل قدامى ده ، مين دى ؟
وقفت تلك الشقراء بترنح تنظر لغنوة بإذدراء ثم سألت : مين دى يا هارون.. شغاله جديده ولا كنت جايبها تيات معاك ، طيب كنت كلمنى بدل ما زوقك إنحدر كده .
فلم تستطع غنوة السيطرة على ردود أفعالها و هجمت على تلك الفتاة (تنتف) لها شعراتها التى تتباهى بها و هى تسبها و تنعتها بكل انواع السباب و هارون يقف خلفها يرقص من الفرحه حتى أنه حاول الفصل بينهما لكن ذلك المشهد يفرحه جدا فتركه يستلذ به قليلا و هو يشاهد غنوة تهم بإلتهام تلك الفتاه التي لا يتذكر إسمها حقا للأن .
_________________
جلست زينب بحرج على مائدة الإفطار و لأمامها فى المقابل يوسف الذى يحاول تجنب النظر إليها و الضيق واضح جدا على ملامحه .
تتذكر ما حدث بالأمس.
عودة بالزمن قليلا.
صرخت بأعلى طبقة صوت قد تصل إليها فى يوم و هو إرتد للخلف متفاجئ من فعلتها و صراخها الذى تجمع له كل سكان المنزل و الكل مصدوم أيضا مما يحدث ، الصدمة الأكبر هى كيف و متى عاد يوسف .
نور : يوسف حبيبى . . مش معقول .. جيت أمتى .
يحيى : جيت إمتى و ما قولتش ليه إنك جاى .. و عملت ايه للبنت ، هى بتصوت ليه ؟
فصرخ هو فيهم : مييين دى و بتعمل هى إيه فى أوضتى أصلا ؟
حاول يحيى إحتواء الموقف و قال: أهدى يا يوسف ، إحنا ما كناش متوقعين ابدا أنك ممكن ترجع دلوقتي أصلاً ف هى أخدت أوضتك.
هز يوسف رأسه بعدم تصديق ثم قال: ايوه بردو مين دى و بتعمل ايه هنا.
وقفت زينب عن فراشها و هى تشعر بالحرج الشديد فى موقف و لا أبشع تتمنى لو تنشق الأرض و تبتلعها تقول : أنا أسفه أنا همشى دلوقتي مش عايزه اتسبب فى مشاكل .
و فرت دموع عيناها رغماً عنها ليشتعل غضب يوسف و يراها تبكى و لم يمسها أحد من الأساس فهتف عالياً بغضب : هى بتعيط ليه أنا عايز أفهم هو حد كان جه نحيتها ، هى هتلبسنا تهمة .
زاد نحيبها فقال يحيى : أتكلم كويس يا ولد ، البنت حساسة جدا ... تعالى يا زينب معايا تعالى .
حاول جذبها يخرج بها من الغرفة فى الذى تقدمت فيه شقيقته الاخرى تخبره من هذه ليردد : هى ناقصة فلاحين فى البيت ، انا قولت ده خبث فلاحين من أول نظرة.
سقطت كلماته على أذن زينب كالسهام الحارقة و إلتف يحيى و قال بغضب : لم لسانك يا ولد بدل ما أجيلك .
عادت من شرودها على صوت نور التى تجلس لجوارها و تحسها على تناول أى شىء من فطورها .
بينما على الجهه المقابله جلس يوسف ممتعض الملامح و لجوراه الأخت الأكبر من نور و التى تشاركه نفس الإمتعاض .
قطع كل ذلك الصمت صوت يحيى الذى قال يتروى : طبعاً مش محتاج أقول إن ماحدش يجيب لعمكم عبد العزيز سيرة عن إن يوسف رجع .
لكن زينب قالت: ماعلش أعذرنى يا عمى ، بس انا فضلت أستنى للصبح عشان إقدر أتحرك ، و لو كان ينفع أمشى فى الليل كنت عملت كده بس صبرت نفسى و قولت الصباح رباح .
لتستمع إلى تمتمات يوسف الجانبية مع شقيقته : أيوه أمثال المصاطب بدأت أهى ... أوووف أنا لو كنت أعرف كده ما كنتش جيت .
أبتعلت غصة مريرة بحلقها و إلى هنا و لم تستطع التحمل فوقفت تقول : متشكره جدا يا عمى على استضافتك ليا إمبارح و على الفطار كمان ، أنا مجهزة شنطتى من إمبارح و همشى دلوقتي... عنئذنكم .
همت لكى تتحرك مغادرة لكن صدح صوت قوى خلفها يردد بحدة : إستنى عندك ......
******★
الثالثة والأربعين
مرت ساعات للأن و تقود سيارتها فى الشوراع تبحث بعينيها عنه ، لا يمكنها الإستيعاب ، كيف فعلها ذلك المتهور ؟! و منذ متى و هو متهور بالأساس لطالما كان نمطى جداً و لا يحبذ المغامرة أو الخروج عن المألوف و هذا ما عهدته عليه طوال فترة إقامتها فى القاهره لجواره .
لولا حديث شقيقتها لها و تأكيدها الأمر لأكثر من مره لما صدقت .
المرعب فى الأمر أنه قد مر يومان كاملان حين رحل تاركا مصر ، إذا فهو صار له يومان الآن بالشوارع.
ذلك الحقير.. بالبداية يرفضها بطريقة أكثر من مهينة و الآن يجعلها تموت قلقاً عليه بكل لحظه تمر عليها.
لا و الأدهى من هذا و ذاك أنه يضعها فى محل الشعور بالذنب تجاهه ، و وضعها بموضع المذنبه الآن أمام الكل.
نابغة عصره هذا الذي حينما قرر التمرد لمره فعلها بالطريقة الأصعب و الأخطر ، لو كان يريد التمرد لما لم يقبل بها زوجة و كفى نفسه و كفاها كل هذا العذاب
و لكن كيف! كيف تسير حياتها بهدوء و تمضى الأمور بسلاسة ، لا يمكنه فهو عاشق للكأبة و البؤس.
يرفض الحل الأسهل و الأن يحملها ذنبه و يقتلها من الحيرة و القلق عليه.
وقفت تضرب رأسها بيأس على طارة القيادة ، لم تصل لحل بعد كل ذلك حتى الشرطه و المستشفيات لم يساعدوها ، و هى تعلم لن يقدموا العون أو يكثفوا جهودهم لأجل شخص عربى و مسلم أيضاً.
عادت أدراجها للبيت ، لتريح جسدها ساعه واحده حتى يتثنى لها مواصلة البحث عنه .
تباً له ، ستبحث عنه كما لو كان طفل صغير و قد فقدته فى شوارع المدينة المزدحمة.
وصلت البيت تجر قدميها جرا ، بالكاد تستطيع السير .
لكن ما أن وطأت قدميها داخل البيت حتى أغمضت عيناها بضيق شديد و هى تستمع لصوت صراخ ذلك البغيض على والدتها بحده : أسمعى ڤيولا ، لقد صبرت كثيرا و لكنك على ما يبدو قد نسيتى حجم المبلغ الذى أقرضتك إياه ، يمكننى الزج بكى فى السجن الآن و لن ترى الشارع طيلة حياتك لذا توقفى عن التلاعب و المماطلة .
تقدمت ڨيولا منه تردد : صدقنى سيد ألبير ، لقد انقطعت كل سبل التواصل بينى و بينها ، أتعتقد أنى لا أرغب فى إتمام الأمر ، أى أم تلك التى ستمانع زواج السيد ألبير ڤيكرت من أبنتها و أى عريس سيكن افضل منك ؟ لكنى حقا لا أستطيع التحكم بها أو فرض أى سيطرة عليها ، بالأساس لا أستطع التواصل معها.
حاولت نغم الإختباء منهما كما تفعل دوماً لكن ألبير قد لمحها بأعين الصقر خاصته.
فقال: و صغيرتك هذه ! ألم تكن عندها منذ فتره قصيره بالتأكيد لديها كافة التفاصيل التى أريد .
وقفت نغم و هى تجاهد كى تصلب طولها و تتصدى له رافضه و لكن سبقتها ڤيولا و هى تقول : صغيرتي متمردة ، على ما يبدو أنها وفية لشقيقتها أكثر من أمها ، وفية لدرجة الغباء لا تعلم أنها تمنع عن شقيقتها منابع الخير كله .
قلبت نغم عيناها بملل ثم قالت : منابع خير لها أم لك يا والدتى العزيزة ؟ لا أصدق ما تفعلينه حقاً .
أبعدت عيناها عن ڤيولا و نظرت لألبير تردد: و أنت سيد ألبير ، ما سر إصرارك الشديد على غنوة رغم كونك تستطيع الزواج بعشرة مثلها ؟! ألم تفكر يوماً ما العمل فى أمر الديانة ؟! فكما تعلم شقيقتي مسلمة و أنت مسيحى .. أخبرنى ما الحل بنظرك ؟ هل ستقبل تغيير ديانتك ؟ ف المسلمة لا تتزوج بغير المسلم أبداً .
أبتسم ألبير بثقه ثم جاوب : أنا مسيحى متدين جدا ، و لن أتخلى عن ديانتى مهما حدث .
نغم : و هى أيضاً لن تفعل .
هز كتفيه و ردد ببساطة : الزواج المدنى يا صغيره.. الزواج المدنى جمع شمل كل الأحبة.
رمشت نغم بأهدابها و هى تتخيل رد فعل غنوة لو أستعمت لحديثه ، لم تستطع التحكم فى تلك الضحكة التى فلتت منها و هى تتخيل أيضاً رد فعل تلك السيدة التى تدعى أشجان على حديثه هذا ، بل و نظرت لعنق ألبير من الخلف تتخيل أشجان و هى تصكعه عليه بخفها المنزلى ذو الوردة الكبيرة و ألبير يفر صارخاً فى حارتهم الضيقه و أحباب الله خلفه يزفونه بأروع زفى تليق بمقامه ألرفيع
توقفت رغماً عنها على صوت ألبير يصرخ بها : علام تضحكين ، أتستخفين بي ؟
ألتف يوجه حديثه لڤيولا و قال بحده : لن أصبر كثيراً و أريد عنوان زوجتى الآن ، لقد حجزت بالفعل على أول طائرة ذاهبة للقاهرة.
نظرت ڤيولا لابنتها و قالت : أخبريه نغم و لا تخافى .
لكن نغم ظلت ثابته على موقفها و قالت: لن أفعل و ليحدث ما يحدث.
فصرخ ألبير فى ڤيولا بغضب يردد : أسمعى ، لقد صبرت كثيراً .. كثيرا جدا و هذا ليس بطبعى إطلاقاً ، على وعد منك بتمهيد الأمر لها لكنك طوال تلك المدة لم تفعلى و الآن أنا أقف اتوسل لتلك الصغيره أن تمن على بعنوان زوجتى ، فلتعلمى جيداً ڤيولا أنى قادر على الوصول لها و لكل تفصيلة قد تخصها لكنى انتظرت لأرى الدعم منكِ لأعرف هل أنتى معى أم ضدى .
فهتفت ڨيولا على الفور : معك طبعا سيد ألبير معك ، و هل سأجد عريس لأبنتى أفصل منك.
نظرت ڤيولا لنغم بشراسه و قالت: نغم فتاه جيدة و ستخبر والدتها بكل شيء الآن ، أليس كذلك عزيزتى ؟
ردت نغم بإصرار و ثبات : كلا أمى .
همت ڤيولا بالصراخ عليها لكن أوقفها صوت جرس الباب.
ذهبت لتفتح لتجد شاب أسمر وسيم يقف أمامها بحالة رثه و الإنهاك واضح جداً على محياه يردد: مساء الخير.. مش ده بيت نغم .
أتسعت عينا نغم بصدمة ، أيعقل ؟
بينما ڤيولا تنظر له بإستغراب تسأل بلكنتها الأجنبية: من أنت ؟ و ماذا تريد من نغم ؟
لكن نغم كانت قد هرولت سريعاً ناحية الباب، تتأكد من صدق حدسها .. إنه بالفعل حسن بشحمه و لحمه .
__________________
جلست فى غرفتها تغمض عيناها تحاول الحصول على القليل من الاسترخاء ، ما مرت به فى الفترة الأخيرة ليس بهين إطلاقاً.
لم تستطع الجلوس مع أسرتها ، للحقيقة لم تشتاق لهم أو تشعر بأى نقص طوال فترة إحتجازها فى قصر فلاديمير.
ليسوا بأهل لها تماماً ، أهل بصلة الدم فقط لكن يالقلب و الروح فلا .
سحبت نفس عميق ، ربما هو.. لن تنكر فلا أحد معها الآن .
سحبت نفس نفس أعمق لتشعر برائحته تتخلل صدرها ، هل باتت تحلم به أم أصبح يخترق خيالها و تشعر بأنفاسه قريبه منها .
إنتفضت مذعوره عل يد تسير بخفه على وجنتها ، و فتحت عيناها لتبصره جالس لجوارها بالفعل يبتسم لها بأعين لامعه ثم قال: وحشتينى، أخيراً نورتى بيتك.
لكنها قابلت حديثه بوجه متجهم و قالت: دخلت هنا إزاى و أمتى ؟ مش المفروض تستأذن .
تنفس بعمق ثم قال: طيب بصى ، خلينا نحاول ننسى إلى حصل ، أنا عارف أنى غلطان و والله مش هتتكرر تانى و حياتك عندى.
نظرت له بسخرية ثم أشاحت بعينها بعيداً عنه فقال بلين واضح : أنتى عارفه إنك أغلى حاجه عندى ، تقريباً ما أملكش غيرك.
رفعت رأسها بحده ثم قالت: و مين قال إنك تملكنى أصلاً؟
اخذ يقترب فى مكانه منها و هو يمرر أصابع يده على كفها مرسلاً لذه حلوه فى قلبها و هو يردد : هيحصل ، أنا عارف إن ربنا هيبعتلى عوضى ، من أول يوم شوفتك فيه كنت عارف إننا هنوصل لهنا .
سخرت مجددا من حديثه و قالت: عوضك ؟ أما انك بجح بصحيح .. مش مكفيك كل الملايين الى عملتها من ورا عيلة الدهبى لحسابك لوحدك ، ده انت فى ظرف كام شهر بقيت تنافس شركتهم.
التوى ثغره بابتسامة مشرقة ثم قال: لحقتى عملتى تحرياتك عنى و حسبتى حسبتك ، بس على العموم دى حاجة مبشرة ، معنى كده أنك بتفكرى فى عرضى.
فيروز : عرض إيه ؟
ماجد: تعالى نتجوز يا فيروز و خبط لزق كده من غير ما نشرح لهم أنا مين و أنتى مين و إننا مش أخوات ، أنا مش هاممنى أوى و عارف إنك أنتى كمان مش هامك .
وقفت فيروز عن مقعدها تنفض يده ثم كتفت ذراعيها حول صدرها و قالت: شكلك ناسى أنك مديت إيدك عليا و ضربتنى و شتمتنى و كمان شككت في أخلاقي ، و الأهم من كل ده إنك ناسى أنى مش بحبك أصلاً.
صك أسنانه في بعض بصمت يحاول التحكم فى أعصابه لكن لم يفلح كثيرا وقف و جذبها من ذراعها مردداً: يعنى أنتى مش بتحبيني ؟
نظرت له بتوتر ثم قالت: لأ.
صمت لثوانِ ثم قال: أنا لو مش حاسس إنك مش بتحبينى و لا عمرك ممكن تحبينى صدقينى مش هضيع وقت من عمرى معاكى .
جعدت ما بين حاجبيها تسأل : قصدك إيه ؟!
أبتسم عذوبة و بلا حديث جذب رأسها لصدره يحتضنها ، و للعجب أنها أستكانت فى أحضانه فقال : مش معنى إن طريقى ليكى طويل إن مافيش خالص لأ فى ، و فى حاجات كتير أوى ، إنتى هتبقى ليا يا فيروز و هييجى الوقت إلى تبقى أم أولادى ، أنا متأكد.. أنتى بس إلى عنيده و قلبك أسود حبتين.
حاولت التملص من بين ذراعيه مرددة: أبعد عنى يا ماجد .
اغمض عينيه مبتسماً ثم قال: ما غطيش شعرك لما دخلت يعنى زى ما بتعملى دايما!
أتسعت عيناها تدرك أنها لم تفعل ، أتسعت إبتسامته و قال: شكلى مش أنا بس إلى متأكد .
هم ليحتضنها من جديد لكن فتح الباب على حين غفلة ليطل عليهم محمود و يرى قربهم من بعض و يسأل: هو فى إيه ؟
إرتبكت فيروز كثيراً ، إلا أن ماجد لف ذراعه حول كتفها و ضمها له يردد : كنت بتكلم معاها و اطمن عليها ، أشوف الراجل ده ضايقها مثلاً ؟
فقال محمود بإستدراك : أيوه صحيح.. ده راجل مريب ، قاعد تحت و بيقول إن فى معاد مابينكوا .
أغمض كل من ماجد و فيروز عيناهما بضيق .
يتذكران ما حدث وقت وصولهما للقاهره و أنه كان على علم بكل ما خطط له ماجد و على متن نفس الطائرة معهما فى غرفة جانبيه مغلقه.
و قد تركهما على وعد بلقاء آخر و هو مطمئن فعلى كل حال لن يستطيعا الهرب منه .
فقال ماجد : طيب أنزله و أنا جاى وراك ماعلش .
محمود: أنا عندى شغل جدك قاعد معاه، خلص يالا و انزل ، سلام .
غادر محمود فإلتف ماجد لفيروز و قال: مش عايز ألمح طرفك برا الاوضه طول ما الزفت ده هنا ، سامعه ؟
هزت رأسها موافقه ثم سألت : هتعمل معاه إيه ؟
إبتسم عليها يذوب بها عشقاً و مال يقبل جبينها ثم قال: همرجحه .
أنهى حديثه بغمزه عابثه و غادر سريعاً و تركها و هى لا تفقه شئ.
_________________
ترجلت من سيارة الأجرة و قد تمكن الغضب منها و سيطر على عقلها ، تستحلف لذلك البجح و تتوعده .
فقد مر الليل كله و للأن لم تعد غنوة للمنزل و لم تبت فيه ، ماذا يعتقد هو ، أيعتقد أنها بلا أهل أو شخص يحسب له ألف حساب ؟ حسناً هو من جلبه لنفسه ، هى ستريه .
أقتربت من البوابه الحديدية تصرخ فى الحارس : أنت يا بلدينا ، أفتح لى المخروبة دى .
أقترب منها الرجل يردد : جرى إيه يا ست ، كل يوم و التانى هابة علينا زى زعابيب أمشير كده ليه ؟
أشجان: بقولك إيه أنا مش طايقه نفسى و لا شايفه قدامى مش عايزه اطلع زهقى عليك أنت ، أنت مالكش ذنب و بقول أسيبه لصحاب نصيبه ، روح ناديلى إلى مشغلك .. و لا أنت حر أقف بقا و خد إلى فيه النصيب
أشاح لها الرجل بيده مرددا بضيق : لا و عليه ، أنادى عليهم حاضر.
و بعد دقائق عاد و خلفه كاظم بوجه متهلل ، أقترب منها و كاد أن يتحدث ليجد أشجان تصرخ فى الحارس : أنت يا راجل أنت انا مش قولت لك ناديلى إلى مشغلك ، جايبلي الكهنه ده ليه ؟
اقترب كاظم منها مرددا: ما أنا إلى موجود ، و الموجود يسد .
رقصت أشجان رقبتها له مستخدمه ذراعيها و هى تقول: مش كل الموجود يا عنيا .
كاظم: أخص عليكى ، أديتيهالى فى قلبى .
أشجان: جاك وجع فى قلبك ، ما تختشى على دمك و تصلب طولك مالك سايب على نفسك كده.
أتسعت ابتسامة كاظم و قال: هو حد يشوف صفايح الزبدة السايحه دى و لا يسبش على نفسه؟
أشجان: لأ و أنت الصادق ده من ركبك السايبه .
وضع كاظم راحة يده على صدره يردد : الدهن فى العتاقى خلى بالك.
أشجان: اللهم طولك يا روح ،قصره ... أنا مش جايه أتساير ، انا جايه للى ينشك فى قلبه و يتعمى من نواضره إلى اللهى يتخفى إسمه .. إبن أخوك
كاظم: هارون.
لتردد على الفور : قطع و قطعت سيرته .
هز رأسه بجنون منها و سأل : عمل ايه بس ، مين مزعل الزبادى بالقشطه انا عايز أفهم
نفذ صبرها فهتفت فيه بحده : أنت و بعدهالك بقا ، انا مش حمل مناهده ، البت فين ؟
كاظم: بت مين بس ، لو قصدك غنوة فهى ماجتش هنا و لا حتى هارون حتى بصى عربيته مش راكنة من امبارح.
ضربت أشجان على صدرها و قالت: يالهوى ، امال البت فين ، هات العواقب سليمة يا رب .
ثم بدأت تتحرك مغادرة و هى تفكر بحيرة و قلق أين تسأل عنها و تجدها .
و هرول كاظم خلفها سريعاً يتبعها لم يشأ تركها بمفردها و انتهزها فرصه كذلك .
_______________________
أول ما رآها عادت الحياة لعيناه التى انطفئت من الحزن عليها بعد رحيلها يردد بلوع و أشتياق : نغم .
وقفت أمامه بجسد متخشب لا تصدق و سألت: إيه الى عمل فيك كده ؟ أنت بقالك يومين فى الشارع ؟ جذبته من يده سريعاً و قالت : تعالى ، أدخل أدخل.
دلفت و هو معها سريعاً و أغلقت الباب لتسأل ڤيولا : من هذا .
نغم : فيما بعد سأخبرك.
نظرت إلى حسن و قالت : أنا بقالى يومين بدور عليك فى كل الشوراع.. عرفت أنك واصل لهنا من يومين.. أزاى قدرت توصل لهنا.
سكت مترفعاً عن البوح بكم الذل و الهوان و الويلات التى ذاقها حتى يستطيع الوصول لعندها أخيراً و هو لا يعرف كلمة واحدة ألمانيه كل ما يملكه هو عنوان المنزل مدون على ورقه .
نظر لنغم و قال : كان معايا ورقة مكتوب فيها العنوان بالالمانى .. غنوة كتبهولى .
عند ذكر إسمها إعوجت رقبة ذلك الذى يتابع كل ما يحدث بملل ، أتسعت عيناه بصورة مرعبة.
ثم بدأ يقترب من حسن خطوة فأخرى يردد : هل تعرف زوجتى ؟
نظر له حسن بجهل و سأل نغم : هو فى ايه ماله ؟
نغم: و لا حاجة.. بيسلم عليك .
إلتف و أبتسم لألبير بإرهاق يقول : الله يسلمك .
لكن ألبير قد زادت عصبيته و أتجه إليه يلف كفيه حول عنقه يردد بغضب : سؤالي واضح ، لما تتهرب منه ، هل تعرف زوجتى ؟
انتفضت نغم هلعاً عليه و وقفت تحاول إبعاد ذلك الثور عن حسن مردده : كف عن جنونك هذا ، و كف أيضاً عن تلقيبها بزوجته فهى لم تتزوجك .
إلتف لنغم يقول دون أن يترك عنق حسن: سيحدث عزيزتى ، هى مسألة وقت لا أكثر .
ثم بدأ يهز فى جسد حسن قائلا: قل لى أين هى ، لا اريد قتلك.
تقدمت ڤيولا و تحدثت هى الى حسن بعربيتها التى لازالت تعرفها : هو بيسأل عن غنوة ، بنتى ، لأنها... تعتبر خطيبته .
هز حسن رأسة و كأنه قد تعطل عن العمل ، كما جهاز الكمبيوتر بالضبط حينما يحدث له (error) .
مخطوبة و متزوجة فى نفس الوقت! كيف ؟ و من هذا المعتوه و ما ذلك الجنون الذى يتملكه و يتحدث به .
و بقوة كبيره إستطاع تسديد ضربة قويه بقدمه فى معدة ألبير جعله يرتد للخلف ثم منحة لكمة رائعة ترنح على أثرها ألبير قليلاً ثم قال : كيف تجرؤ.. كيف .
هم لكى يضربه من جديد لكن توقف الكل على صوت صراخ نغم: كفى .
توقف حسن و هو يلهث فقالت: سيد ألبير ، مكوثك هنا و جدالك معى لن يعود عليك فى النهاية بأى نفع صدقنى و ما هو إلا مضيعه لوقتك الثمين على حد قولك ، و إن أردت غنوة فأنا أخر شخص يمكنك الإستعانة به ، أنا لن أسلمك شقيقتي و لو قطعت لحمى إرباً .
أعتدل ألبير فى وقفته يقول: و هل سترضين بسجن والدتك ؟
نظرت ڤيولا لابنتها تطلب العطف و صمتت نغم لثوانِ ثم قالت: من أقدم على فعل يتحمل نتيجته ، لقد ذبحت إبنتها مره و هى طفلة لا تفقه شئ و الآن فقط تذكرتها لأنها أصبحت ذات نفع كبير !
صعقت ڤيولا من حديث إبنتها بينما ألبير يقف يقرأ الوضع و ذلك الإصرار الواضح بقوه فى عيناها ،تلك الفتاه لن تتراجع و تنفذ ما يطلبوه .
لذا تنفس بعمق ثم قال لها بصوت فيه بصيص من الترجى : لكنى أعشقها و أتمناها ، ألن تساعدينى ؟
نغم : لا تظن ابداً أنك تستطيع خداعى بصوتك اللين الضعيف هذا سيد ألبير ، سمعتك الطيبة تسبقك.
همم متفهماً بعدما التقط نبرة السخرية فى حديثها ، رفع إحدى حاجبيه و قال : سأسفر غدا للقاهره ، لست بعاجز و لا أنا من لا يستطيع التوصل لما يرغب، هى بضعة أيام قليلة و سأعود و هى بالطبع معى .. اعتبرى هذا وعد منى لك يا صغيرة .
أبتسمت له بسماجة تردد : حظ جيد سيد ألبير... لقد أنستنا كثيراً.
اهتز فكه بغضب و لكنه لم ينطق بالمزيد بل غادر سريعاً و كله إصرار على الذهاب بأقصى سرعة لمصر و العودة بزوجتة .
إلتفت ڤيولا تصرخ فى وجه ابنتها : هل ارتحتِ الآن ؟!
ثم التفت تنظر إلى حسن و سألت بعدها : و من هذا أيضاً ؟و ماذا يصنع هنا ؟
نغم : اتركينا وحدنا إذا سمحتى.
هتفت ڤيولا معترضه : ماذا ؟
نغم : ماذا انتِ؟
نظرت ڤيولا بتقزز و ملل ناحية حسن ثم قالت: سأغادر فقط لأنى لا طاقة لى بما يحدث او سيقال.
بالفعل غادرت ڤيولا و صعدت لغرفتها بينما ألتفت نغم لحسن تشأله بإمتعاض : إيه الى جابك هنا ؟
اقترب منها حسن يردد بلهفه : وحشتينى .. وحشتينى أوى يا نغم .. أنا جيت عشانك ، أنتى ما تعرفيش أنا حصلى إيه فى بعدك .
كان يتحدث و هو يقترب منها بلهفه يقلص المسافه بينهما لكنه توقف بصدمه أمام حركة يدها الصارمة التي تأمره بالتوقف و الثبات فى مكانه محافظاً على تلك المساحه التى صنعتها ثم قالت بوجه متيبس : جاى تعمل إيه يعنى مش فاهمه!
أبتلع لعابه بصعوبه من طريقتها اليابسة معه فى الحديث ، حاول إجلاء حلقه يبحث عن صوته ثم قال: مش فاهمه إيه نغم ، أنا جيت عشانك ، عشان أقولك انى كنت غلطان و اعتذر لك .
زمت شفتيها للأمام قليلا علامه على أنها لا تستصيغ الحديث ثم قالت بجمود : تعتذر لى ؟ على إيه ؟ يمكن مثلاً على انى أنا الى كنت بقرب منك و باخد كل الخطوات ناحيتك و إنى أنا إلى بدأت و سرحت عن مشاعرى ناحيتك و لا على أنى أنا الى رخصت نفسى و عرضت عليك الجواز و أنت رفضت و لا على انك و لا مره اخدت أى خطوه أى خطوه ناحيتى و يوم ما اخدتها فأنت مشيت ما قربتش.
كان يستمع لها بقلب مفطور يعلم أنه مخطئ ، لكنه جاء إليها نادم يتمنى المغفره و قال بإستعطاف : نغم ، ماتقصيش عليا و ماتنسيش تربيتى ، إحنا كده و تربيتنا كده .
نغم: و الله ؟ و هارون مش نفس البيئة و نفس البلد و صابر و مستحمل كل بلاوى غنوة ، الغلط عندك أنت ، فى شخصيتك أنت .
اقترب منها يقول مترجياً : يا نغم.. ده انا عملت كل ده عشانك.
صرخت فى وجهه بكل ما بداخلها من غضب و كبت : هو ايه اللي عملت كل ده عشانك ، أنا عملت إلى مافيش اى حاجه كانت تتعمل و أنا ماعملتهاش و أنت عشان سافرت من بلد لبلد كده خلاص ، لأ مش خلاص و أسفك مرفوض ، أتفضل أطلع برا و أرجع على أول طيارة تانى لبلدك .
اقترب أكثر حتى ما عاد هنالك أى مسافه بينهما يردد : نغم ، أسمعينى بس.
أشاحت بيدها ناحية الباب و صرخت فيه : برااا.
لأول مرة تلمح الدموع في عيناه يتوسلها و هو يردد إسمها: نغم.
تحركت ناحية الباب و فتحته و صرخت فيه : قولت لك برا.. أسفك مرفوض .
ظل مكانه لثوانِ أملاً منه فى تغيير رأيها لكن ملامح وجهها المنزعجه لم تتغير و صرخت مره اخرى: قولت لك أطلع برا أرجع بلدك و اتجوز واحده أمك تختارها لك .
بجسد مثقل و قلب مكسور تحرك ببطئ ناحية الباب ، ألقى عليها نظرة أخيرة طويله ثم تحرك متجاوزاً الباب فالتفت تصفقه خلفه و تقع أرضاً منهارة.
_________________
وقف يضع يده على فمه فى محاولة جديدة فاشلة لكبت ضحكاته ، لكنه لم يستطع و هو يرى غنوة سطحت تلك الشقراء أرضا تجلس على معدتها بكل أريحية تضربها بغل و جنون و الأخرى تستغيث و قد تحولت غنوة كلياً تضر الفتاه و تجذبها من شعراتها التى تتباهى بها و هى تصرخ فيها : عارفة لو شوفتك مقربة ناحيته تانى هعمل فيكى إيه ، هكسر لك أيد يمين و رجل شمال يا شمال و أخليكى تمشى تزوكى فى الشوارع، أنتى فاهمة .
حاولت الضحية الصراخ مستنجده : أااااه... أبعدى عنى .. أبعدى عنى يا بتاعة أنتى.. أاااه ، الحقنى يا هارون ، خلصنى من المتوحشة دى.
أشتعل جنون غنوة و ذهب عقلها كلياً و صرخت فيها: و كمان بتقولى إسمه ، أنا هعرفك إزاى تنطقية تانى
زادت ذروة غضبها خصوصاً و هى تراه يحرك قدميه و يقترب ملبياً طلبها فهتفت بحده : اثبت مكانك و إلا و الله هخليها خراب يا بيت خراب أنت لسه ما تعرفنيش أنا مجنونه.
حاولت الفتاه تخليص نفسها منها مردده : مجنونة على نفسك ، أوعى بقولك... أااااه... هموووت .. الحقنى يا هارون.
لكن هارون لا يستطيع التحرك من شدة استغراقه فى الضحك بطريقه هيستيريه تزداد مع زيادة جنون غنوة كلما نطقت تلك العقربة إسمه بميوعتها المستفزة .
و بلحظه خاطفة إستطاعت تلك الشقراء تخليص نفسها من تحت غنوة بصعوبة و حاولت الوقوف لكنها من شدة الضرب كانت كلما وقفت سقطت و غنوة تقف كى تجذبها لعندها من جديد و تشبعها ضرباً علها تستريح.
لكن الفتاه كانت تسير بأقصى قدرة لديها و هى تعرج على قدميها تفر خارجاً و غنوة تهم بالركض خلفها كى تلحقها و تضربها من جديد لولا يد هارون التى تمسكت بها بقوة و هو لا يزال لا يمكنه التوقف عن الضحك ، يرد من بين ضحكاته و جسده المهتز و هو يقبض بكل يد على ذراع : أهدى خلاص ، مشيت .
نظر على أصابع يدها و أظافرها التى تحولت إلى مخالب ،و هو يرى خصلات صفراء معلقه بين أصابع كفيها : إيه ده ، ههههههه قلعتى شعرها .
ضربته بغل مردده : أنت بتضحك على ايه.. أنت ليك حساب تانى و روقة لوحدك .
حاول التوقف عن الضحك ينظر لها بأعين لامعه و مد يده يهندم خصلاتها المشعسه أثر معركتها و ردد بفرحة : بتغيرى عليا يا غنوتى .
ضربته بكلتا يديها فى معدته فتأوه بصمت و هى قالت: أنا و لا بغير عليك و لا تهمنى أصلا و لو شوفت واحده مقربه منك قسماً بالله لانتف شعرها شعراية شعراية و أنت بقا هتتنفخ و تتسلخ و أوزع لحمك فى أكياس زى خروف العيد.
تحركن كى تغسل وجهها و ترتب شعرها و هو ينظر لأثرها بزهول : خروف العيد ! و بعدين بقا فى أنثى الجوزاء إلى أنا وقعت فيها دى .
تحرك خلفها سريعاً و ذهب للمرحاض الذى وقفت فيه تغسل وجهها بالماء البارد ليقترب منها و بيده المنشفة يحتجزها بين جسده و الحائط .
أشاحت بوجهها بعيداً عنه و قالت: أبعد عن وشى الساعة دى أحسن لك.
مد أنامله لوجنتها يحرك وجهها كى تنظر له و بدأ يجفف لها وجهها بخفة و تأنى بينما يتأمل ملامحها البديعة التى انتشرت فيها الحمرة من العصبية و الغضب ، يرتكز بعيناه على أكثر ما يعشقه فيها و هى عيناها المرسومة ببراعة من الخالق سبحانه وتعالى.
و سأل مجددا: بتغيرى عليا؟
أشاحت بوجهها بعيداً عنه فأقترب منها بهدوء يلتقط شفتيها يقبلها بهدوء شديد .
يشعر بها مستجيبة تذوب معه فضمها له أكثر و هى زادت من ضمه لها كذلك .
أبتعد عنها بعد لحظات يردد بصوت خافت: طب و ليه بقا وجع القلب ، أنا تعبت من لعبة القط و الفار دى ، تعالى نعيش مع بعض لو أنتى مش محتجانى فى حياتك أنا محتجاك .
أغمضت عيناها بتعب و قالت : و تفتكر أنا مش عايزه ، مافيش حد قوى طول الوقت، بس أنا مش عارفه اتخطى حكاية بابا.
صمت بتعب ثم سحبها خلفه بهدوء حتى وصل للحديقة من جديد جلس و جذبها لتجلس فى أحضانه ثم قال بتروى : طيب تعالى نتكلم بالعقل.
تنهدت قائلة : عارفه هتقول إيه ، مش أنت إلى موته و لا أنت الى أخدت قلبه بإرادتك و لا حتى طلبت ياخدوا قلب منه أو من غيره و إنك كنت متخدر و بين الحياة والموت ، عارفه كل ده و ياما قولته لنفسى الفترة إلى فاتت ، بس كل مرة بقرب منك ببقى ناقمة على نفسى و كرهاها و بحس أنى إتسامحت فى إلى حصل لأبويا.
زم شفتيه بعجز ثم قال: طيب تيجى نحسبها حسبة تانيه ، مش يمكن كل ده حصل عشان نبقى مع بعض و قلب أبوكى يفضل ينبض جنبك ، و ماعلش لو إلى هقوله كلام قليل الزوق و الإحساس بس هو لازم يتقال و إسمعيه منى ، إلى عرفته إن أبوكى كان مريض كلى فى مرحلة متأخرة و الاتنين كانوا متدمرين هو ماكنش هيعيش سوى أيام معدودة.
همت لتصرخ فيه غاضبه بتقزز لكنه أحبط محاولتها و أكمل : عارف إن الأعمار بيد الله و إن حتى لو فدة مايبررش ابداً إلى حصل معاه ، بس ربنا بيمشى الأقدار فى طريق يخدم بيها أصحابها ، مصر فيها 102 مليون ، إشمعنى أبوكى بالذات إلى أخد قلبه .
صمتت بعجز و قد توقف عقلها عن التفكير ، نظر لها بصمت ثم تنهد مرددا: أنا من حبى ليكى لسه لا حاسبتك و لا حملتك حساب كل الكوارث الى سببتيها فى حياتى ، أنا اتسممت و اتضربت بالنار كذا مره ، سجنت عمى بسببك و خسرت صاحب عمرى بردو بسببك ، ده غير الصفقات الى راحت عليا مع لمى و أبوها بس بقول كل ده يهون قصاد انك معايا .
لكن مرة أخرى لم تجيب فوقف عن مقعده و ردد بحزم : أنا هقفل البيت و أرجع لك عشان نمشى بس على بيتى سواء كان عاجبك أو لأ ، خلاص خلصت فترة الدلع و أنا طولت بالى عليكى قولت أسيبك تستوعبى بس انا خلاص عايز حقى فيكى و مش هفرط فيه لو أنتى بقا متنازلة عن حقك فيا ف دى مشكلتك.
تركها بمفرها و ذهب يلملم أشياءه ثم عاد ليجدها باقية فى مكانها بصمت .
مد يده لها قائلا بلين : يالا .
وقفت بهدوء و تحركت معه دون جدال فجلس بالسيارة يشبك يده بيدها و هو فى طريقه للعودة إلى منزله .
______________________
وقفت أمامه تنظر له بتذبذب ثم ردت متلعثمة : و .. و أنا هعرفك منين ؟
ثم لثانية تبتلع غصة مريرة بحلقها ثم سألته بقوة : أنت تعرفنى ؟
شرد فى ملامحها الرقيقة و ردد : لأ ، بس.. حاسس اني أعرفك أو...
رفعت إحدى حاجبيها و سألت: أو إيه ؟
هز رأسه بتشتت ثم قال: مش عارف .
مد يده للسلام و قال: إيه رأيك نتعرف على بعض و نكون صحاب.
مدت هى الأخرى يدها و بابتسامة ذئب صافحته مردده : موافقه.
إبتسم لها لأول مرة في حياته كلها بعذوبة و قال : تعرفى إنك حلوة أوى
زادت إبتسامة الثقة على شفتيها و قالت: شكرا.
صمت لثوانِ فقالت بإستغراب : طب إيه ؟! هتفضل واقف هنا كتير ؟
نظر حوله فقالت هى : أنت فى أوضتى .
إبتسم مستدركاً ثم قال: طيب ممكن تغيرى و نسهر لوحدنا .
شدد عليها في الحديث مجدداً: لوحدنااا.
هزت رأسها موافقه فابتسم بسعادة بالغة و قال: أنا مستنيكى برا ، ماتتأخريش عليا.
هزت رأسها بابتسامة عريضة ترمقه و هو يخرج من الغرفه متوعدة له بالكثير.
الرابعه والأربعين
بعد أمسية رائعة حظى بها معها على سطح السفينة وحدهم اسيقظ بابتسامة مشرقة عرفت طريقها لوجهة وحدها لا إرادياً .
باشر فى فتح عيناه و هى تلازمه يتمطأ بكسل شديد ، ليفتح عيناه على صوت صديقه الذى بدأ يردد : سيدى يا سيدى ، إيه الروقان ده !
تنهد ضياء براحه ثم ردد بصوت عذب سعيد : صباح الخير.
جاوبه رائف بحاجب مرفوع: يا صباح الروقان و المزاج العالى ، قولى إيه سر الاشراق إلى انت فيه ده ، و كنت فين طول الليل ، كلارا قلبت عليك الدنيا .
وقف عن سريره و قال : ششششش .. انا صاحى مزاجى عالى و مش عايز وش و لا زن خالص ، و بصراحه صوتك مزعجك .
أشار رائف على نفسه و ردد بصدمه : أنا صوتى مزعج ؟! دلوقتي بقا مزعج يا سعادة البيه !
أبتسم ضياء و رد عليه : أوى ، أنا كنت مخبى عليك من زمان بس جه الوقت إلى لازم أصارحك بيه بالموضوع ده.
ذهب للمرحاض سريعاً و هو يضحك بسعادة تاركاً صديقه خلفه يتفنن سبه بكل السباب النابى الذى يعرفه .
بعد دقائق خرج من المرحاض و قد بدل ملابسه ثم قال: أنا مش هرد عليك ، مش ناوى اعكر مزاجى خالص بصراحة.
هم ليتحرك و يخرج من الغرفه لكن اوقفه رائف قائلاً: أستنى عندك الأول ، قبل ما تروح لازم تبقى عامل حسابك و تعرف ، كلارا متضايقه منك جدا و مستحلفة لك .
هز كتفيه بلا اهتمام و قال : تمام تمام ... أوعى بقا من طريقى أنا خارج .
خرج سريعاً و رائف من خلفه متعجب لأحواله .
صعد ضياء عدة طوابق حتى وصل إلى المطعم، أنه ميعاد الفطور ، متوقع أن يجدها هنا .
دلف للداخل سريعاً ، وجد كل الرفاق مجتمعين ، تبعه رائف الذى تقدم خلفه بسرعه .
ظل ينظر هنا و هناك لكنه لم يجدها ، أقتربت كلارا منه و هى تلاحظ عيناه تدور فى المكان و على ما يبدو تبحث عن شخص ما ، تمسحت فى جسده مردده بدلال : كنت فين حبيبي ، معقزل كده تسيبنى زعلانة منك .
ضمها له و قال بابتسامة لكن باله مشغول : ماعلش ، راحت عليا نوما .
كلارا : مش كنا متفقين هتنام عندى امبارح.
وقف وقد نفذ صبره يقول : يوووه ..
أوعى.
وقف ينفضها عنه بلا مراعاة لمشاعرها او منظرها و هى تشعر و كأن قلبها قد شق نصفين ، لا تعلم ما هو الذنب الذى اقترفته فى حياتها حتى تغرق فى عشق شخص مثل ضياء.
و هو لا يهتم ، يبحث الأن على من شغلته و شغلت تفكيره .
فى غرفة تقى و نادين .
كانت قد انتهت من تضفير شعرها على شكل جديلة فرنسية و نادين تقف بالقرب من الباب مردده : أنا خلصت ، هطلع انا و استناكى ، اوكى ؟
نظرت لها تقى فى المرأه تهز رأسها: أوكى.
فتحت نادين الباب لتخرج لتشهق مصدومه و تغلقه بسرعه فالتفت نادين على مقعدها تسأل بقلق : مالك فى إيه ؟
أقتربت منها نادين تردد : ضياء ، شكله بيدور عليكى و جاى على هنا ، مش بتقولى جالك هنا امبارح ، يعنى عارف طريق أوضتك.
إرتبكت تقى و قالت: يا نهار ابيض.
تمسكت بنادين و قالت: بقولك ايه ، انتى مش هتسبينى و تخرجى ، أنتى فاهمة .
اتبعدت نادين عنها سريعاً و قالت بتلاعب و خبث : و أنا مالى يا ختى ، واحد و مراته مايصحش أتدخل ما بينهم ابدا ، ده حتى حرام .
أتسعت عينا تقى برعب و هى ترى نادين تبتعد باتجاه الباب تناديها : نادين ، زفتته .
بينما نادين تلوح لها بيدها مغادره: سكسكيوزمى .. باى باى يا قطه .
خرجت و هى غير مبالية بسباب تقى لها ، بينما هرولت تقى تجمع اغراضها و تجلب رباط شعرها كى تنهى به جديلتها تستعد كى تلبس حذائها بأهمال كى تخرج قبلما يدلف هو لعندها.
كادت أن تفعل لكنه تلقاها عند الباب ، توقفت مرتبكة عيناها متسعة .
أبتسم بجانب شفتيه معجب بطلتها ينظر لقدميها التى لم تدخل فى الحذاء الرياضي بالكامل و جديلتها التى لم تُضفر إلا لنصفها و بيدها رابطة شعر بشكل طفولي لذيذ.
أقترب منها عدة خطوات عادت على أثرها هى للخلف مما سمح له بالدخول و أغلق الباب خلفه أيضاً .
ظل يقترب منها و هى تعود للخلف بقلق حتى اصدمت بحافة الفراش فوقفت.
نظر لها نظره شموليه و هو يود أكلها كلها ثم قال: كنتى خارجه كده خلاص يعنى ؟ شكلك مستعجله.
حمحمت تحاول إخراج أى حديث من حلقها لكن لم تستطع.
شهقت بخفوت و هى تشعر بكفيه على كتفيها يضغط عليهم كى تجلس ففعلت و تفاجىئت به يجلس بجوارها ملاصقاً لها حرفياً ، ثم تناول جديلتها يكمل تضفيرها لها و هو يقول: من كتر ثقتك فى نفسك و فى جمالك خارجه و أنتى مش مكملة أى حاجة
أبتسم لها ثم قال : حقك ، أنتى جميلة أوى .
رفعت عنياها عن الارض تنظر لأصابعه التى تجدل لها شعراتها ، يثقل تنفسها و هى تشعر بأنفاسه قريبه منها جداً ، ثم ارتفعت بعينها لوجهة فوجدته ينظر لها بتيه مردداً و عينه تجوب كل ملامح وجهها : أجمل ما شافت عينى.
لم يعطها الفرصه لتستوعب كلماته كى و هو يصنع الصدمة الأكبر بعدما جلس ارضا على عقبيه يربط لها رباط حذائها الأبيض .
نظر لها برضا ثم قال: كده بقينا جاهزين .
مد يده لها فوقفت بإرتباك ، أقترب منها مبتسماً ثم سأل : ما فيش حاجه عايزه تقوليها لى ؟
استغربت ما يقول ، سقط قلبها بين قدميها ، هل كشف أمرها و ينتظر منها هى أن تبادر و تحكى.
بقت صامته بخوف إلى أن اقترب من اذنها مردداً: يعني مثلاً أنتى وحشتنيني أوى ، أنتى بقا إيه ؟
ظل منتظر لأى جواب منها و سأل: إيه ؟ مافيش اى حاجه خالص كده!
حمحمت بارتباك و أحمر وجهها من قربه المهلك منها ، فاتسعت إبتسامته مردداً بتنهيدة حاره : أنتى ليه حلوه كده .
ضحكت .. ضحكت بألم على سخرية القدر هل الأن فقط أصبحت حلوه فى عين من كان السبب فى كل نوباتها النفسية.. تباً بل سحقاً له ، لا يتسحق أى شفقة او رحمة ، يحرم العشق على أمثاله.
فهم صمتها الحاقد على أنه خجل فقرص وجنتها الممتلئة مردداً: و أحلى من جمالك بقا كسوفك ، خصوصاً لما يبان على خدودك إلى محتاجه تتاكل أكل دى .
أبتسمت بأهتزاز ، تبخل عليه حتى بالإبتسامة ثم قالت: كنت جاى هنا لحد ، صحابك فى اوضة من الأوض إلى جنبنا ؟
قرص وجنتها الثانيه ثم قال: لأ ، جايلك مخصوص ، مش عارف أقعد من غيرك ، فيها حاجه دى ؟
لم تكن متجهزة للرد على حديثه الصريح ، زاد عليها الأمر و هو يقول لها : كمان شوية المركب هتقف فى أول بلد ، بتفضل واقفه طول اليوم عشان تسمح للركاب لو عايزين يعملوا تور فى كل بلد تقف عندها ، عايزين ننزل من غير ما حد ياخد باله .
سألت بأستهجان: ليه .
اقترب منها يتنهد بلهفه : مش عايز حد منهم ييجى معانا ، عايز أبقى معاكى لوحدى ، أوكى ؟
صمتت لا تعرف بماذا تجيب لكن على ما يبدو انه لا ينتظر الرد.
______________________
كانت تسير فى الشوارع لا تعلم إلى أين تذهب ، منذ ليلة أمس و هى مختفية ، قلبها يأكلها عليها ، غنوة بمثابة إبنتها التى لم تلدها .
كانت تضرب كف بأخر و هى تسير فى الحاره قاصدة بيتها تتفقده ربما عادت .
شعرت بظل خلفها يتبعها منذ فتره ، إلتفت بعصبيه ترفع حاجبها الأيمن مستنكرة بعدما ألتفت و لم تجد أثر لأى شخص خلفها.
سحبت نفس عميق و تعمدت السير لعدة خطوات إلى أن توقفت و رأت ظل لشخص ضخم قليلا يتوارى خلف عمود عريض لأحد المحلات .
سارت ببطء شديد إلى وصلت له و قبضت على ملابسه تهز فيه للأمام و للخلف مردده : بقا مش مكسوف على شيبتك بذمتك ، دى عمايل راجل كبير ، طب أعمل لأخرتك ده انت رجلك و القبر .
حاول نفض يدها عنه يقول بإعتراض شديد : لاااااا ، مين ده اللي رجله و القبر بعد الشر عليا.
تركت ملابسه و هزت رأسها تصيح : إيه هتعظم على إلى خلقك ؟
اقترب برأسه منها متحرشاً يردد : لأ بس أنا مش هموت دلوقتي ، أنا حاسس قلب المؤمن دليله.
صدرت عنها ضحكه رقيعه مستهزءه تردد : حوش حوش ، أبو كاس بقا مؤمن ، اختشى على دمك ده انت حتى صاحب تربيزة .
ذم شفتيه و هو يسب هارون بداخله بالتأكيد هو من أخبرهم على إدمانه لعب القمار .
نظر لها بنظره غير بريئة ، يدلك كفه على صدره مرددا: طب ما لو تكسبى فيا ثواب ، و أتوب على إيدك ، ربينى من جديد .
نظرت له بنزق ثم صاحت : يا نوغه ، قال على رأى المثل بعد ما شاب ودوه الكتاب .
رفض ما قيل رفضاً قاطعاً و اعتبره يمس كرامته و صاح و هو يشيح بيده عالياً: لاااااا ، ده كله إلا كده ، ده مين ده اللي شاب.
أبتسم بزهو يعدل ياقة قميصه و أكمل : طب ده أنا حتى بفكر اخش دنيا و أتجوز .
أشجان: تتجوز ؟ يا راجل أختشى على دمك ، ده يالا حسن الختام بدل ما تقول أعمل لأخرتى تقول أتجوز ، و مين دى إلى هترضى بيك يا نضرى.
أبتسم بإتساع و جاوب : إنتى.
صاحت بعلو صوتها فى قلب الحارة تردد : إيه إيه.. إيه إيه ، ده انت الظاهر عليك اتخبلت فى مخك ، قال أنتى قال ، ده أنت رجل برا و رجل جوا ، ده أنت إلى فى سنك بيقول للدنيا سلامات ، قال اتجوزك قال .. روح شوفلك تربى أترمى فيها .
رد بأسف مصطنع: ليه بس كده ، و لا عشان زبدة سايحة يعنى هتتنكى عليا ، بس حقك ، حقك تتدلع يا جميل و أنا صابر أوى و بالى طويل .
صرخت أكثر و لم تستطع الصمود أمامه : يالهوووى ، ضغطى علي منه ، هيجلطنى ، تعالى لى هنا .
قبضت على ملابسه من جديد بغل و بدأت تردد : إيه.. هى العيلة دى عايزة منى إيه ، إبن اخوك من ناحية و أنت من ناحية ، إيييه .. ناويين تموتنا بجلطه فى الدماغ و لا ساكته قلبيه.
زاد من جلطه لها ورفعه لضغطها ببراعة و هو يردد بإستفزاز : الله ، إيدك طريه أوى ،هز فيا يا جميل و لا يهمك ، بس براحه عليا عشان ركبى ما أنتى عارفه .
صاحت عاليا و هى تشعر ببداية ألم فى كتفها : يا خراااااااابااااى.
قاطعها و هو يتلمس حقيبتها مرددا: تلفونك باينه بيرن يا زبدة .
تركته بغضب فوقع فجأة منها لتردد : أمسك نفسك يا حزين ، قال و ناوى تتجوز ، أصوم أصوم و أفطر على بصله .
جاوبها بسرعه : و ماله البصل ، و الله مظلوم ده مافيش أكله تنفع من غيره .
جلبت هاتفها من الحقيبه ترد عليه : صح بس مصنن .. ريحته مش و لابد ، زى ناس كده إسم الله على مقامك.
نظرت للهاتف منتبهه و ترى تبصر رقم غنوة أمام عينها فجاوبت سريعاً بلهفه : انتى فين يا بت من امبارح ، قلقتينى عليكى.
صمتت تستمع لردها و عينها تتسع بغضب ثم قالت: نعم نعم ، بتقولى عند مين ، طب إقفلى ، إقفلى .
أغلقت الهاتف سريعاً ثم نظرت لكاظم و قالت : قوم أصلب طولك ، و لا مش عارف.
وقف سريعاً يقول: مين قال كده ، ده الدهن فى العتاقى.
نظرت له شزراً ثم قالت: إخلص و من غير و لا كلمة ودينى للي يولع فى دماغكوا .
هز رأسه و قال بجهل: هو إيه ده ؟
صرخت فيه بغضب : بيتكوا ، بيتكوا يا خويا ، هتخلص و لا أتصرف أنا
تحرك على الفور يردد بوجه متهلل : لأ هخلص طبعا هو أنا فى ديك الساعه ، ده البيت هينور .. إن شاء مش هتخرجى منه المره دي.
قالت قبلها تتحرك و هى تهز كتفها بكبر و دلال : ده لما رجلك تسلم على قفاك .
تحرك خلفها سريعاً و هو يرمق جسدها من الخلف يردد: هتسلم إن شاء الله.
لم تهتم له كثيرا كل أهتمامها بتلك التي على ما يبدو قد رضخت لخيار لقلبها ، بينما كاظم يفكر من أين سيجلب مأذون الآن و هل يسألها إن كانت تحمل بطاقة هويتها ام يصمت .
_______________________
جلست تتابع الأخبار ، تستمع بتركيز إلى مدير أعمالها الجديد الذى بدأ بسرد كل خطط يوما لكنها قاطعته بتحفز : لأ لأ.. سيبك من كل ده ، أنا عايزة اعرف الموظفة إلى إسمها غنوة صالح جت النهاردة و لا ما جتش.
توقف عن التحدث يرمش بعيناه ذات الاهداب الكثيفه و قال: مم.. مش عارف يا فندم، أنا ما لى و مالها دلوقتي إحنا لازم ننظم سكدجول اليوم عشان نعرف نقدم إيه و إيه الى ممكن يتأخر لآخر اليوم و بردو الميتنج إلى كمان نص ساعه لازم حضرتك تكو....
قاطعته بحده و غضب تضرب بيدها على سطع المكتب و قالت بإصرار : تروح حالا تشوف هى جت و منتظمه فى شغلها و لا لأ، و تدور وراها تعرفلى لو مسببه أى أخطاء فاهم.
صمت لثوانِ يزم شفتيه بعدم رضا فصرخت فيه : سامعنى .
تنهد بهدوء ثم قال بإذعان : سامع يا فندم ، أى أوامر تانيه ؟
اشارت له لمى بعينها للباب و قالت: اتفضل روح دلوقتي لو سمحت و تيجى بسرعه تعرفنى.
خرج من عندها و هو غير راضي تماماً عن ما يحدث ، لقد أتى لهنا فى وظيفة مساعد المدير التنفيذي لشركة مختار جروب وليس كمرشد أو (عصفوره ) على زملائه.
ما أن فتح الباب حتى دلفت السكرتيره ترغب فى قول شيء لكن بادرت لمى تردد و هى تضع أصابعها على رأسها من الألم: قولى لهم يجيبولى القهوة بتاعتى بسرعه.
جاوبتها السكرتيره على الفور : حاضر ، بس.. فى ظابط برا طالب يقابل حضرتك.
جعدت لمى ما بين حاجبيها و سألت : ظابط ؟ عايزنى انا ؟ ليه ؟!
السكرتيره: مش عارفة يا فندم
تنهدت لمى و قالت بتفكير : طيب دخليه ، خلينى أشوف في ايه ؟
هزت السكرتيره رأسها إيجاباً ثم ذهبت للباب تقول لمن يجلس فى مكتبها منتظراً : أتفضل يا فندم .
دلف سريعاً و على وجهه إبتسامة عذبة يقول: صباح الخير.
شهقت لمى بخفوت ، رضوان ... كيف نسته؟ كان لابد و أن تتوقع أنه هو من يريدها .
وقفت عن كرسيها تقول باحترام و هى تمد يدها له : أهلا أهلا حضرة الظابط ، الشركه كلها نورت .
وقف أمامها بطوله المهيب و طلته الخاطفة للأنفاس يقول: الشركه منوره بيكى .
اشارت له على أحد المقاعد المقابله لمكتبها و قالت : أتفضل اتفضل .
جلس و هى كذلك ثم نظرت للسكرتيرة و قالت: أطلبى لنا أتنين قهوة لو سمحتى.
نظرت لرضوان و قالت : و لا الباشا يحب يطلب حاجة تانيه.
أبتسم رضوان بكياسة ثم ردد بوقار : لا هى القهوة تمام .
نظرت لمى لسكرتيرتها تعطيها الأمر بالذهاب ، ففعلت و أغلقت الباب خلفها .
ظل الصمت هو الأمر الواقع لمدة دقيقة كامله كل منهما ينظر للأخر و لا يوجد من يبادر بالحديث.
نظر لها بجانب عيناه ثم قال : لأ مش هتكلم غير لما أشرب قهوتي ، مصدع أوى.
ضحكت بمرح على أفعاله ، رضوان شخص متزن جدا فى كل شىء ، يوازن ما بين العصبيه و الهدوء ، الهيبه و المرح ، حتى فى جماله متزن .
لا هو الوسيم وسامة قاتله و لا هو ذاك المشعث ، هو الوسط فى كل شىء و لا يوجد فعلياً ألطف من هذا .
كان ينظر لها شارد فى ضحكتها الجميلة ثم قال: أنا بصراحة معجب جدا بقوتك فى مواجهة كل امور حياتك ، واحده غيرك كان زمان إلى حصل معاها ده هدها ، بس شايفك ما شاء الله ، قاعده فى قلب شغلك و مالية مركزك و مدورة الشغل زى الوالد الله يرحمه ، براڤو بجد .
أبتسمت ابتسامة ساخره ، الحزن يملئ عيناها ، من لا يعرف لا يدرك ، الكل يحكم بالمظاهر.
و هو صادق ، من يراها يجزم بأنها قويه و إستطاعت تخطى كل شيء و هى الآن تجلس فى قلب عملها تتابع شغلها و تنجز فيه أيضاً.
و لا أحد يعلم او يتوقع أنها هنا كل شغلها الشاغل مراقبة و عد أنفاس غنوة ، هارون نفسه لا تهتم له او يفرق معها كثيراً و ان حدث وشكل فرقاً فحتما لأنه يتعلق بوجود غنوة .
تلك الفتاة ، لقد ارتبط مصيرهما معاً ، لن تتركها و شأنها ، الأمر أصبح شخصى إلى الحد الذي لا حد له .
خرجت من شرودها على صوت الباب يفتح و دلف من بعده أحد السعاه يحمل صينيه عليها أكواب القهوة مع المياه ، وضعها و أنصرف.
أرتشف رضوان القليل من فنجانه ثم قال بتلذذ: واو ، حتى القهوة هنا بيرفكت .. أنا كده هاجى كل يوم أخد قهوتى الصبح عندك قبل ما أروح الشغل ، أنتى مش متخيله الشغل فى القسم بيجيب لى صداع و قرب يجيب لى قراع .
ضحكت لمى ثم قالت : لأ يبقى لازم تيجى تشربها معايا كل يوم عشان تبقى مصحصح كده و مركز ، ده كله إلا خدمة الوطن.
قهقه عليها ثم قال بسرعه: أنا كمان شايف كده.
صمتت تنظر له ، بحديث ضمنى كأنها تقول بلا حديث ( ها سمعاك ، جاى فى إيه)
فهم عليها سريعاً ، لم تكن نظرتها تحتاج للتفسير ، حمحم بإرتباك ثم قال بعدما وضع فنجانه : أنا كنت جاى لك بخصوص قضية معالى الوزير الله يرحمه .
فقالت بأهتمام : هى بقت قضية؟ مش قولت لى هتتقيد ضد مجهول !
صمت لثوانِ متنهدا ثم قال: حالتك ساعتها ما كنتش تسمح انك تعرفى ، ده غير إن في تفاصيل جديده ظهرت.
سألت بأستهجان : زى إيه ؟
رضوان : زى أن فى حد من الكبار...الكبار أوى ، تقدرى تقولى كده إنه الراس الكبيره بتاعتهم دخل لمصر من يومين و ده له معانى و توقعات كتيره أوى و للأسف كلها مش حلوه.
فردت بعصبيه : طب و مستنين إيه ، ما تقبضوا عليه !
تنهد بتعب ثم قال: بتهمة إيه ؟ جاى يزور الأهرامات مثلاً ؟
صمتت تنظر له فقال من جديد: الفتره الجايه لازم تاخدى بالك من أدق التفاصيل و أنا دايما هكون على إتصال بيكى و لازم كمان ....
قاطعهم دق مهذب على الباب و دلف من بعده مدير أعمالها ينظر لها بصمت.
كأنه قد قرأ الوضع و تفهم لذا قرر تأجيل الحديث فيما طلبته ، لكن هى لم تتفهم او تصبر و سألت : ها عملت ايه ؟
جعد رضوان ما بين حاجبيه مستغرب و بقى منتبه بأهتمام لحديثهم حيث رد عليها الواقف بالباب : ماجتش النهاردة يا فندم و المفروض أن فى ميتنج مهم هى تنظمه بس للأسف ماحلصش .
وقفت بعصبية و قد فارت أعصابها بنجاح ما أن تعلق الأمر بغنوة و قالت : تتصلوها بيها تيجى فوراً ، شكلها نسيت نفسها ، بعد نص ساعه عايزه كل حاجه تكون تمام و لو ما حصلش تعرفنى .. اتفضل نفذ.
ذهب من أمامها سريعا ، لم يعمل معها ليومان على بعض و بدأ فى سب حاله كونه تقدم لتلك الوظيفه بل و دعا ربه أن يُقبل بها .
فيما إلتف رضوان للمى و قال : فى مشكله ؟
حاولت سحب نفس عميق ثم قالت : لا تمام تمام.
وقف بهدوء ثم قال : طيب أنا بقول تيجى معايا دلوقتي عشان تتابعى مجريات القضية ، فى حاجات كتير لازم تاخدى بالك منها عشان أنا متأكد أنه هيحاول يتواصل معاكى .
لم يكن كل تركيزها معه ، و لا حتى جزء منه ، هى فقط تضم قبضة يدها تفكر فى تلك الحرباء البجحة التى تجرأت فى كل أفعالها إلى أن وصل الأمر بها لأن تستهر علناً بلمى مختار.
نادى عليها رضوان : لمى .. أنسة لمى .
انتبهت له من بعد شرودها تردد: هااا ! كنت بتقول حاجة ؟
فرد بحِلم : بقولك أنه أكيد هيتواصل معاكى لازم تيجى معايا القسم نتناقش فى الموضوع ده.
لكنها لا تستطيع ترك غنوة و شأنها هكذا خصوصا الأن فقالت: أكيد هيحصل ، هفضى كل مواعيدى فى يوم و أجى.
تنهد بإستسلام ثم قال : تمام ، منتظرك.. ممكن بس رقمك عشان انسق معاكى المواعيد ، انتى عارفه معظم شغلى بكون مش فى المكتب.
تبادلا ارقام هواتفهما على الفور و ذهب بعدها ليتركها تجلس و النار تأكل أحشائها تخطط لتلك الحقيرة .
__________________
وصل بسيارته داخل بيت الصواف ، ترجل منها و إلتف حول السيارة يفتح لها الباب مرددا: نورتى بيييتك يا غنوتى .
ترجلت هى الأخرى مبتسمة تشبك يدها فى يده قائله : شكرا.
تقدمت لجواره حتى دلفا للداخل ، اغلق الباب و نادى إحدى الخادمات يسأل عن عمه فأخبرته أنه قد خرج.
تقدم من إحدى الارائك يجلس عليها بأريحية و ضمها له بقوة فسقطت لجواره ، أحتضنها بسرعة و هو يضحك بسعادة مردداً : خير ما عمل ، أخيراً يا غنوتى هستفرد بيكى.
ثم قذق لها قبله فى الهواء فنهرته بحده: ولاااا .
هارون : إيه بس .
ضحكت مكملة : ماحبش البوس على الهواا.
ضحك متفاجئ من الجانب الآخر المستتر الذى لم يكن يعرفه بغنوة ، ذلك الجانب العابث الخالى من الحياء.
صفق بكفيه يردد : الله ، طلعت سافله ، أنا بحب كده اوى.
قربها منه أكثر ثم قال : بلاش على الهوا .
ابتعدت عنه تصيح: انت فاكرنى عيلة هتضحك عليا ، نعمل إشهار الأول ، و عايزه فرح..كبير ، و فستان ، لا اتنين فيرست لوك و ساكند لوك .
صاح عالياً: إييية إيه . حيلك حيلك ، ده هياخد وقت كتير اوى ، انا بقول النهاردة نكتب الكتاب و ننزل خبر على كل الصفحات و المواقع ، أظن مافيش أكبر من كده إشهار.
وضعت يدها فى خصرها تسأل : طب و الفرح ؟ و الفيرست لوك و ساكند لوك ، ده انا غنوة صالح اشطر ويدنج بلانر فى مصر كلها .
حاول الاقتراب منها كى يحظى بحضن منها : عادى يا حبيبتي ، باب النجار مخلع ، كل الى بتقوليه ده هياخد وقت كتير و أنا خلاااااص مش قادر ، الحقى روحك بدل ما الحقش أمسك نفسى عنك و نبقى نعمل الإشهار فى طهور إبننا .
هم ليقترب منها لكنه توقف كمن صعقته الكهرباء على صوتها ، و من غيرها ، عفريت حياته و كابوسه الأزلى تصيح عالياً: شيل ايدك عنها جاك كسر إيدك
ضحكت غنوة و هو عض كفه ندم وقهر يصرخ : منك لله.
فى نفس التوقيت وقف ألبير أمام أحد الضباط في مطار برج العرب فى الاسكندرية ، يختم له جواز سفره ثم أبتسم فى وجهه مردداً : Welcome to Egypt.
الخامسة والأربعون
دلفت للداخل مهروله تمكن الغيظ منها ، مجرد رؤيتها لذلك البنى آدم المدعو هارون تتمز من الغيظ .
فتقدمت تبعده عن غنوة بحده ثم قالت : ايييه .. أنت مفكرها لحمة عند جزارين و لا ايه ، شيل ايدك عن البت.
نظرت لغنوة ثم قالت: و انتى حسابك معايا بعدين.
وقف هارون من مكانه يحاول كظم غضبه ، وضع غنوة خلف ظهره و قال لها : هو ايه اللي شيل ايدك و حسابها معاكى بعدين إزاى مش فاهم ، أنتى أصلا إلى إزاى تتدخلى بينا ، واحد و مراته يعنى المفروض قبل ما تدخلى علينا مره تانيه فى أى مكان تخبطى ممكن نكون فى وضع مش و لابد و لا خالعين هدومنا مثلاً.
أتسعت عيناها منه ، لقد طمع فى كل البجاحة و الوقاحة التى خلقها الله فاتخذ الحجم الأكبر لنفسه.
تقدمت منه أكثر تردد : تخلع هدومك مع مين يالى ما تتسمى أنت ، أختشى على دمك عيب ، بس هقول ايه ، ما أنت خلاص قلعت بورقع الحيا ، و لا قلعته أزاى هو أنت كنت لابسه أصلا عشان تقلعه.
أغمض عيناه و هو يهز رأسه بنفاذ ثم فتحهم يصرخ فيها: أختشى إيه و عيب إيه ، بقولك مراتى ، انتى بتفهمى بأنهى لغة .
عادت نفس ضحكتها الريقعه تردد : هيهاااااى .
مسح كاظم على صدره و هو يقول : أموت أنا.
إلتفت له تزجره بعيناها ثم قالت: أخرس خالص .
عاودت النظر لهارون تهتف بحده : مرات مين يا أبو مراتك ، حد قالك يا واد أننا داقين عصافير ، تعالى ، تعالى يا واد أمسح الريالا يالا .
أقترب كاظم و هو مازال يدلك صدره و بعينه نظرة تحرش يقول : و ييجى هو ليه ، ما أنا فى الخدمه أهو .
ضربته على صدره بحده ثم نهرته بأمر: أسكت أنت.
كاظم : حاضر .
تقدمت من هارون و قالت : أسمع يا جدع أنت ، من غير كلام كتير لافينى البت إلى ورا ضهرك دى خلينا نطلع من هنا من غير عوء ، أنا مش هدخل السجن فى واحد زيك.
حادت بنظرها تنظر لغنوة المختبئة خلف ظهره و قالت: و أنتى يا حلوه يا غندورة متخبية فيه ، ده انتى نهار أمك ازرق نيلا ، أسود غطيس ، احمر زى الدم ، فوتى قدامى.
ظهرت غنوة من خلف ظهر هارون و قالت و هى تشير لها تحاول محادثاتها بهدوء: أهدى بس يا أشجان ، أنا بقول عفى الله عن ما سلف و .. و بصراحة كدة أنا... أنا بحب هارون و عايزة أكمل جوازنا.
شهقت بفزع مصدومه لا تصدق ، كذلك هارون لم يكن حاله أفضل منها ، بل صدم هو الآخر من أعترافها العلنى الصريح .
يذكر أنها قد صرحت بذلك مسبقاً قبلما يتزوجا مباشرة لكن اليوم له طعم آخر ، فذلك اليوم كان نصف اعتراف ، يتخلله مشاعر متخبطه ما بين الصدق و الزيف المتداخل مع خطتها آن ذاك .
اقترب منها بأنفاس مخطوفة و عيناه لامعه يمسك كفيها بكفيه مردداً : أخيراً قولتيها يا غنوتى ، أنا كمان بحبك أوى و نفسى أقضى عمرى كله معاكى ، مش عايز أبعد عنك ابدا ، أوعى أنتى تبعدى عنى .
تفزز جسد كل منهما على صوت أشجان: ما نجيب شجره ... نجيب شجره بقا و كوباية ليمون نسقط فيها شفاطين .
مص كاظم شفتيه يردد خلفها : شفاطين ؟! حرشه أوى.
أغمض عيناه يصك أسنانه بغضب ، حتى فى أسعد لحظات حياته تقفز فيها گ الكنغر و تفسدها عليه.
إلتف لها و هو يشيح بيديه گ المجنون: أنا عايز أفهم انتى إيه... ردى عليا أنتى إيه و طلعتى لى منين ؟ مكتوبه عليا مثلاً و لا اتبليت بيكى امتى ؟ أنتى يا ست أنتى منكدة عليا عيشتى و مبوظه كل لحظات حياتى.
تقدم كاظم يقف بينهما بصدر منفوخ يقول : بسسسس .. حلها عندى .. عقابها الوحيد أنها تتجوزنى .
هز هارون رأسه يردد : فعلاً ، ده أقسى عقاب من ربنا ليك و ليها .
صرخ بأعلى صوته ينادى البواب الذى تقدم سريعاً و هو يهرول: أمر يا باشا
هارون: أتصل هات المأذون بسرعة.
أتسعت عيناها برعب و تحركت سريعاً تلوذ بالفرار مردده : مأذون لمين يا مجنون يا أبن المجنونه ، و دينى لاوريك أنت و عمك الكهنه ده ، سلام أنتى يا غنوة يا اختى و أنا هجيلك بعدين .
ركض كاظم خلفها يلحقها مرددا : أشجاااااان ، أستنى يا أشجااااان.. ما انا هتجوزك يعنى هتجوزك .
خرج كاظم ورائها و هم هارون للتحرك بعصبية و غضب خلفها يردد: أنا مجنون إبن مجنونة ، طب قسماً بالله ما هى خارجه من هنا سليمة
تمسكت غنوة بذراعه سريعاً توقفه : جرى إيه يا هارون أنت هتعمل عقلك بعقلها .
هتف بحده: دى بتشتم أمى ، كله إلا أمى و بعدين أعمل عقلى بعقلها إيه دى مخها ذرى ، دى أنصح منى. منك و دينى ما سايبها .
تمسكت بذراعه أكثر ثم قالت بدلال و أعين لامعة: و هتسيبنى لوحدى ، ده انا ما صدقت إتصالحنا .
نسى أشجان و ما قالته و إلتف لها مرددا: أيوه عندك حق ، أشجان إيه و بتاع إيه ، أصلا كفايه عليها كاظم ، تعالى لى بقا يا حلو أنت يا حلو .
ضمها له بقوه يطبعها داخل أحضانه مرددا: كنتى بتقولى إيه بقى ؟
أقترب منها كى يقبلها فابتعدت معترضه : هاروون .
لم يهتم لحديثها و هو يردد بحده و نفاذ صبر: بلا هارون بلا زفت ، ما جننتى هارون خلاص .
اقترب منها و انعدمت المسافه نهائياً و هو يردد : خلاص بح هارون ، أنتى ملكتى هارون يا مراتى يا حلوة أنتى ، و المأذون على وصول و خلاص ما فيش خروج من البيت خالص و لا هسيبك تفارقينى ابدا.
تقرب رويداً رويداً منها يلاحظ هيامها التام به و بكلامة الجميل تغمض عيناها مرحبة جداً بقبلته التى عرفت طريقها لشفتيها ، تتقبلها بنهم و عطش شديد كى ترتوى و تروى ظمأه أيضاً.
_____________________________
جلست على طرف الفراش حزينه تتذكر ذلك اليوم حين أصر والدها على عدم ذهابها بعد إتصال صاحبه يحيى به الذى لم يخبره بالطبع عن عودة وحيده من الخارج ، و لم يتثنى لها هى الأخرى أخباره و لا التحدث بما يجول فى صدرها كى لا تزد من تعبه عليها.
خرجت من شرودها على صوت نور التى قالت : أااه ، مش قادره خلاص همووت ، درسى بيوجعنى .
نظرت لها زينب و قالت بتعاطف : طيب قومى خدى مسكن .
نور : مش عارفه عندى و لأ ، تعالى الأول قيسى الفستان ده كنت جيباه هدية لواحده صاحبتى و هى فى نفس كيرفاتك كده .
لكزتها زينب مردده : أنتى قليلة الأدب.
نور : يالا إخلصى .
وقفت معها سريعاً و وقفت عند المرأة و بسرعه جلبت نور فستانها تقول : افرضى بقا بوز أهلك ده ، ما خلاص بابا زعق له و قدامك و هو من ساعتها متجنبك خالص.
ضحكت زينب بسخريه مرددة : هو كده عمى زعق له ، الزعيق اتطور أوى الأيام دى.
بدأت نور تخرج الفستان من الكيس البلاستيكي الطويل و هى تقول: خلى بالك يوسف بردو ليه وضعه يعني إلى عمله بابا ده يعتبر حاجه جامدة جداً .
شهقت زينب بصدمه بعدما رأت الفستان و قد خرج من كيسه: يا خبر أسود و مقندل فوق دماغك ، هو فين يا بت الفستان .
ضحكت نور و هى تقبض قى يدها على ذلك الفستان الأحمر القصير جدا و لا يحتوى على حاملات حتى ثم قالت: أهو هو ده ، ده انا دافعه فيه دم قلبى ، لازم أرد لها هديتها ، كانت جايبه لى سلسلة غاليه و شنطه ماركه.
زينب : غالى إيه و رخيص إيه بقولك ده عريان خالص ، مش هيدارى حاجه أصلا.
التفت نور حولها تقول : مش قصتنا خالص دلوقتي ، البسى على ما أنزل المطبخ أدور على مسكن ، أوعى تغيريه قبل ما أجى و اشوفه ، أوكى .
اماءت لها زينب موافقه و خرجت نور.
بدأت زينب تقلب فى الفستان بتقزز و نفور تسأل اين صدره من ظهره.
بعد دقيقه واحده كانت تقف أمام المرأه مبهوره ، بنفسها و بهيئتها فى ذلك الفستان الرائع ، لقد وقعت في غرامه ، بل وقعت فى غرام نفسها و هى لأول مرة تجرب تلك الأشياء على جسدها و ترى كيف ستبدو فيها .
لم يسبق و أن جربت أو حتى ساقها عقلها لأن تجرب الفساتين العاريه او حتى قمصان النوم النسائيه على جسدها.
هى تكتشف نفسها و جسدها لتوها الآن بذلك الفستان ، لقد غيرت رأيها ، لم يتوجب عليها التسرع فى الحكم عليه ، إنه رائع ، بل أكثر من رائع حقا و يستحق ثمنه .
إلتفت تنظر لضهرها الظاهر فى المرأه ... دارت و هى تراه يبرز مقدمة نهديها بسخاء مخجل و بدأت تردد : حلو حلو حلو ، بس عريان سيكا .
نظرت على فخذيها ناصعى البياض و هما ظاهران منه و لا أكملت: لأ ده هو عريان خالص ، بس حلو ، هياكل منى حته ، ياختى عليا و على حلاوتى ، أجنن.
حلت وثاق شعرها القصير فانسدل لنصف عنقها و بقى النصف الباقى لامع كالمرمر مع مقدمة صدرها أيضاً تبتسم فى المرأه و هى تكتشف أنها فتاه رائعة الجمال جدا جدا.
بنفس الوقت.
خرج من غرفته سريعاً بعدما تعدل جهاز الكمبيوتر الخاص به ، قاصداً غرفة شقيقته لترى ما به يعرف أنها بارعة فى ذلك التخصص كونه من صميم دراستها .
فتح الباب على حين غفلة و وقف بصدمه و هو يرى زينب تقف فى منتصف الغرفه عند شقيقته نوى و هى ترتدى ذلك الفستان المهلك ، توقفت قدماه عن السير و بقى ينظر لها مسحور و لا ينطق .
أتسعت عيناه بصدمة ، بل سلبت أنفاسه ، لا يصدق ما يراه للتو .
صرخت فى وجهه و تحركت سريعاً للحمام المرفق بغرفة نور .
خرج و أغلق الباب خلفه و بقى واقف يلهث ، و أخيراً تحركت قدماه فذهب لغرفته و هو يردد : يا نهار اسود ، و دى هعيش معاها فى بيت واحد أزاى دى ، يخربيتها ، هو فى كده .
رفع هاتفه يتصل بشركة توريد أجهزة رياضية يقول : ألو ، عايز حاجه تهد الحيل و حياة والدك .
اما زينب فبقت متسعة العين تضرب وجنتيها بصدمه ، لا تصدق أنها فى اليوم الذي تجرأت فيه لتكتشف مقوماتها الأنثوية يكن أول من رآها يوسف و ليست حتى نور التى طلبت منها أن ترتديه لتراه عليها.
أسرعت بخلعه و ارتدت ثيابها فى اللحظه التى دلفت بها نور للداخل فقالت بأعتراض : مش قولت لك قيسيه عايزه أشوفه عليكى.
أعطته لها زينب بأيدى مرتعشه تردد : حححلو ، مظبوط .
ثم ذهبت لفراش نور تغطى جسمها كله و رأسها أيضا تستعد للنوم.
نور : إيه ده ، مش بابا عمل لك اوضه ، قومى روحيها .
زينب : مش عايزه أنام النهاردة لوحدى .
نور: امرى لله. . نامى بس مش عايزه حركه كتير.
رددت زينب فى سرها بحسره : و أنا هعرف أنام بعد إلى حصل ، بقا يوم ما اتكشف .. اتكشف على يوسف بيه
_____________________
بعدما خرج من بيتها و هى للأن لا تعرف أين ذهب و لا ماذا يفعل أو كيف يعيش و يتعايش هنا و هل عاد أم لا.
بدلت ملابسها و هى مستعده لكى تذهب و ترى إيه هو ، تحاول الاتصال به و هو لا يجيب .
ترى ماذا حدث معه ؟ و هل اكل ؟ أين نام ؟
توقفت على أعتاب البيت قبل فتح الباب و هى تستمع لصوت والدتها تقول بالالمانية : إلى أين تظنين نفسك ذاهبة .
إلتفت لها ببطئ ثم قالت ساخره : متمسكة أنتى بألمانيا كثيراً ، أكثر حتى من تمسكها بكِ
لم تهتم ڤيولا كثيرا لسخرية ابنتها و سألت مجدداً و لكن باللهجة المصرية هذه المره: رايحه فين يا نغم .
ضحكت نغم و قالت : طب ما أنتى حلوه أهو.
صرخت فيها : فى ايه ، مالك كده ، زياره واحده لمصر عملت فيكى كده ، إيه الى حصلك هناك .
نغم : لاقيت نفسى ، مش هقعد اشرح لك لأن طال الشرح أو قصر حضرتك مش هتفهمينى .
ضحكت ڤيولا ساخره و أردفت : أها صح ، عشان كده بسمع صوت عياطك كل يوم جاى من أوضتك.
أغمضت نغم عيناها بألم و تحركت ناحية الباب تستعد للبحث عنه و هى لا تعرف من أين تبدأ: فتحت باب المنزل لتشهق متفاجئة و هى تبصره أمامها و قد زادت هيئتة إزدراءً .
شهقت بصدمه: حسن ؟ إيه الى عمل فيك كده .
جاوبها بأعين يلتمع فيها الدمع الذي يجاهد على ألا يخرجه: نغم ، أرجعيلى يا نغم ، ارجوكى سامحينى .
دلفت للداخل و أدخلته سريعاً تحميه من برد المانيا و سط اعتراض ڤيولا و ابتسامته التى تحمل الكثير من الأمل بأنها قد سامحته.
______________________
جلس مصطفى مقابل ذلك الغريب يسأل مستنكراً : لأ ما فهمتش ماعلش ، أنت مين و عايز ايه.
زم فلاديمير شفتيه يسأل بأستنكار : معقول ماجد ما حكاش لحضرتك .
مطصفى : و لا جاب لى سيرة .
أبتسم فلاديمير و قال : غريبه ، بس ما فيش مشكله ، يكون لى الشرف أن أنا الى أعرفك بنفسى ، أنا محمد صديق ماجد من زمان ، معجب جداً بأنسه فيروز حفيدتك و جيت أدخل البيت من بابه و اتقدم لها .
قلب مصطفى النظر له ثم قال بأعين خبيره : صاحب ماجد ازاى أنا أول مره اشوفك.
رد الاخر بثبات شديد : أصلى طول عمرى مسافر برا ، و بعدين هو حضرتك تعرف كل أصحاب ماجد ؟
مصطفى: لأ ، بس أنت شكلك أكبر من مازن و أكبر من فيروز بكتير أوى ، ما علش ما تأخدنيش بس.. شكلك مقرب على الأربعين.
أبتسم فلاديمير بإتساع كاذباً ببراعه و قد اقتص من عمره عشر سنوات كامله فأكمل كذبه مرددا : لا خالص ، ده بس جسمى و شكلى الى بيقول كده ، لكن أنا.. أنا اتنين و تلاتين بس و أقدر اقدم لحضرتك الورق الى يثبت كده .
نظر له مصطفى بريبة و عدم اقتناع من هذا الذى لم يتخطى الإثنين و ثلاثين عاما ، و الله هو أكبر من ذلك بكثير .
هم ليتحدث لكن أوقفه صوت ماجد الذى قال: هو مين ده ماعلش إلى عنده اتنين و تلاتين سنه ؟
إلتف له مصطفى يقول : صاحبك ده يابنى و بيقول أنه.
أكمل فلاديمير عوضاً عنه : عايز يخطب فيروز ، و مستعجل أوى .
نظر لأظافره و أكمل بكبر : و ياريت نتجوز أخر الأسبوع .
توقف ماجد بصدمه لم يتخيل أنه بكل تلك الجرأه و البجاحه و أن يتطور الأمر سريعاً هكذا و هو يشعر بالتقيد.
___________________
من بابا جانبى للسفينه هبط ضياء و هو يشبك يده بيد تقى متسللاً منها و هو يضحك بسعادة : حاسس اني بسرق ، بس إحساس حلو اوي و أنا بهرب مع بنت و مش عايز حد يشوفنا .
قالت له بأعين لامعه: و أنا كمان ، أول مره أهرب مع واحد.
ضمها له مرددا: و مش هتبقى آخر مره تهربى معايا ، لسه بنا حاجات كتير هتحصل .
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا