القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية ومجبل علي الصعيد الفصل السادس وعشرون والسابع وعشرون والثامن وعشرون والتاسع وعشرون والثلاثون بقلم رانيا الخولى كاملة

 رواية ومجبل علي  الصعيد الفصل السادس وعشرون والسابع وعشرون والثامن وعشرون والتاسع وعشرون والثلاثون بقلم رانيا الخولى كاملة 




رواية ومجبل علي  الصعيد الفصل السادس وعشرون والسابع وعشرون والثامن وعشرون والتاسع وعشرون والثلاثون بقلم رانيا الخولى كاملة 



ومقبل على الصعيد

رانيا الخولي

السادس والعشرون


❈-❈-❈


مرت أيام على أبطالنا كلًا في واديه

جاسر الذي يحارب شوقه ويظل مستيقظًا طوال الليل ما بين قلبه الذي يطالبه بطوي صفحات الماضي السوداء وبدأ صفحة جديدة 

وبين عقله الذي يذكره دائمًا بتلك الفاجعة التي ستظل حائلًا بينهما

لم يستطيع النوم تلك الليلة وهى لا ترحمه بتلك البراءة المرتسمة على وجهها وهى نائمة 

أنسحب بهدوء وقرر النوم في شرفة غرفتهم ربما يستطيع حينها النوم

لكن هيهات، وكيف يأتي النوم والمعشوق المتجبر نسائمه تحيطه من كل جانب


أما هى فقد كانت تشعر بتقلبه طوال الليل ولم يكن حاله بأفضل من حالها وهي تتقلب على جمر من نار بذلك العشق الذي ادمى قلبها

قلبها الخائن الذي يطالب بعشق من لا يرى منه سوى كل تجبر 

شعرت به يخرج إلى الشرفة ويستلقى على الأريكة لينام عليها بعيدًا عنها

ورغم حزنها منه إلا إنها شعرت بالقلق عليه

فقد أصبح الجو تشتد برودته ليلًا

ظلت تراقبه من الباب الزجاجي حتى تأكدت من نومه

أخذت غطاء وذهبت إليه كي تغطيه به فطمأنت عندنا وجدت أنفاسه منتظمه وقامت بفرده عليه 

همت بالعودة إلى الداخل لكن شيئًا بداخلها دفعها بالبقاء معه ولو قليلًا تروي عطشها له

جلست أمامه تنظر إلى محياه الذي نحت وكأنه لوحة فنية رسمت بإتقان 

ودون إرادة منها وجدت يدها تتسلل إلى خصلاته الفاحمة كي تتلمس نعومتها

وياليتها لم تفعل إذا سقط قلبها عندما وجدته يفتح عينيه ويده امتدت لتمسك برسغها تمنعها من الوصول إليه 

تقابلت الأعين في نظرات مبهمة لا يعرف أحدهم ما يدور في خلد الآخر


ظلوا على هذا الحال ثواني معدودة ينظر إلى ملامحها التي حُفرت بداخله منذ أن وقعت عيناه عليها  وظل يجوب بعينيه على محياها كأنه يستكشف تفاصيله حتى استقرت أخيرًا على ثغرها الذي أصبحت مشاعره تحثه على تذوقه

رفع عينيه إلى عينيها التي لم تمانع ولم تحتج مما جعل عناده يتلاشى ويجذبها من رسغها الذي مازال يملكه بيده قرب وجهها من وجهه وعينيه لا تنزاح من على شفتيها لكن دق نقوس الخطر عندما تذكر أنها لن تكن قبلتها الأولى ازدرد ريقه بصعوبة وكلما قادته مشاعره إليها يبعده عقله الذي مازال يرفض تقبله للأمر

أبعدها عنه بحدة ونحاها من أمامه وهو ينهض من مرقده جعلت عينيها تتسع من تلك الإهانة التي تلقتها لتوها

وخاصةً عندما وجدته ينظر لها بازدراء ويقول بحنق

_ ادخلي چوة مينفعش تجفي بلبسك ده

نهضت وهي تشعر بانكسار لرفضه لها

وقد ظنت لوهلة أنه سينحي كل ماضيهم جانبًا وينعم بتلك اللحظة معها

لكن يبدوا أن الماضي سيظل سدًا مانعًا في طريقهم ولن يقابل أحدهم الآخر.


دلفت للغرفة وقامت بجذب الستار كي لا يراها وهي تنتحب. 

طفح بها الكيل ولم تعد تستطيع التحمل أكثر من ذلك 

لكن ليس بوسعها فعل شئ، كما أنه محق في ردات فعله

ماذا تنتظر منه؟ يكفى أنه سترها ولم يخبر أحد بتلك الفاجعة.


❈-❈-❈


في المشفى

بدأت صحة أمجد بالتدهور فأصبح قلبه لا يستطيع المقاومة أكثر من ذلك، و حالات الإغماض التي يتعرض لها تزداد كثيرًا تلك الفترة

أما ليلى فقد تركت كل شئ وكذلك دراستها وظلت بجواره لا تستطيع مفارقته لحظة واحدة

لم يمانع أمجد عندما تركته لتحضر إحدى العمليات الهامة وظل ينتظرها بشوقٍ حتى عادت إليه


دلفت الغرفة وقد بدا عليها الإجهاد

وعندما رأته مستيقظًا تحدثت بابتسامة مشرقة

_ انا قلت هلاقيك نايم

تقدمت منه لتجلس بجواره وقالت بتعب

_ العملية النهاردة كانت متعبه أوي

لم يجيبها وظل ناظرًا إليها مما جعلها تندهش من ذلك وسألته

_ مالك بتبصلي كدة ليه؟

رفع حاجبيه مجيبًا

_ لا أبدًا انا بس مستغرب إزاي بنت رقيقة وكيوت زيك تدخل مجال جراحة القلب ده.

هزت كتفيها بحيرة

_ هتصدقني لو قلتلك مش عارفه؟!

بس انا طول عمري بحب اختار الصعب، وبالأخص في دراستي.

بابا كان معارض دخولي كلية الطب وكان عايزني ادخل كلية غيرها بس أنا أصريت

اخترت جراحة القلب لأنه أهم جزء في الإنسان، يعني عندك مثلًا المخ لما بيقف، ممكن الإنسان يعيش على الأجهزة سنين، صحيح بيبقى ميت إكلنيكيًا بس القلب بيقوم بدوره، حتى المشاعر صحيح بتبقى من خلايا المخ بس اللي بيعبر عنها القلب.

تحدث بمكر

_ يعني انا لو غيرت قلبي هفضل احبك بردو

_ القلب بيدي رد فعل بس ملوش دعوة بالمشاعر، صحيح ليه دور مهم بس مش أساسي

التزم الصمت قليلًا جعلها تشعر بالقلق عليه وقبل أن تتحدث سبقها هو 

_ تعرفي انا كتير اوي بفكر في الشخص اللي هيتبرعلي ده، هو مين؟ وياترى هو عايش دلوقت وسعيد بأيامه؟ ياترى عارف انه هيموت وقلبه ده هيكون من نصيب حد تاني.

ليه حبيبة قلبه بيدق ليها؟

ديمًا الأفكار دي ملزماني ومش بعرف اهرب منها.

رغم الألم الذي يأرق قلبها إلا إنها تحدثت بابتسامة

_ أولًا التبرع مش بيكون بالشكل اللي انت بتفكر فيه، بمعنى إن واحد عنده سكتة دماغية ده ميت بالفعل بس كل أعضائه شغالة وبتقوم بدورها، فـ بالتالي مش هيفضل عايش تحت الاجهزة كدة، أحيانًا الأهل بيطلبوا رفع الأجهزة عنه وهنا المستشفى بتسألهم لو يوافقوا على التبرع وبيبقى الشخص ده عايش جوة كتير أوي اللي محتاج زرع كبد او كليه أو قلب او قرنية.

وفي تاني اللي بيتبرع بأعضائه لو اتعرض لحادث هنا مش بناخد براي الأهل لأنه هو بنفسه إللي ماضي على إقرار بده.

سأله بدهشة

_ والإقرار ده بيبقى مع مين؟

_ يبقى معاه هو، كارت صغير وبيكون معاه 

_ عندي إحساس إني مش هلاقيه.

أجابت بتفاؤل

_ وانا عندي احساس إننا هنلاقيه وفي اسرع وقت

وضع يده على قلبه وقد ازدادت وغزاته

_ بس انا فعلًا مبقتش قادر اقاوم أكتر من كدة، الألم أصبح غير محتمل

ضغطت على شفتيها كي تتحكم في عبراتها التي تحاول التحرر من أسرها وقالت 

_ كل ده هيعدي ونفتكرها انا وانت ونضحك عليها.

هز راسه بنفي 

_ مظنش، انا فعليلًا بدأت استسلم للموت…..

قاطعته برجاء 

_ ارجوك بلاش الكلام ده

اقولك انا….

قاطعها تلك المرة

_ عارفك هتقولي إيه؟ جعانه وايه رأيك لو نتعشا مع بعض.

ضحكت ليلى وضحك هو ايضًا وقال 

_ عايز اقولك انك أغلب الوقت يابتاكلي يا إما بتقولي جعانه.

ضيقت عينيها بغضب مصطنع

_ انت بتعد عليا؟! ايه رأيك بقى إني كنت بسيب المذاكرة الساعة اتنين بالليل وانزل المطبخ اعملي أكل مش سندوتشات واطلع اكمل مذاكرة.

أيدها أمجد 

_ واضح طبعًا مفيش كلام.

نهضت من مقعدها

_ طيب انا هقول لسهى لتجبلنا عشا خفيف كدة

لم يجادله رغم انه لا يريد ذلك 

عادت بعد قليل وهي تحمل الطعام ووضعته على الطاولة وقربتها منه

_ يالا بقى هى حاجة خفيفة كدة بس مش مشكلة انا نبطشية النهاردة ويبقى اتعشا تاني، يلا بقى

هز راسه برفض

_ مش قادر.

ردت بإصرار

_ لازم تاكل عشان العلاج.

قال بوهن

_ انا فعلًا مش قادر أرفع إيدي 

تحدثت بمزاح رغم الألم الذي تشعر به

_ يبقى حضرتك داخل على طمع وعايزني أجيبلك ممرضة تأكلك.

ابتسم بوهن 

_ وتجيبي ممرضة وانتي موجودة

اهتزت نظراتها بخجل وهمت بالرفض لكنها أكثر من يعلم بحالته لن يقوى بعد الان على التحرك مطلقًا

وبدن نقاش اخذت المعلقة بيدها ثم قربتها من فمه بخجل فاخفض عينيه كي لا يحرجها 

لكنه لم يستطيع تكملت طعامه

_ كفاية كدة

همت بالمعارضة لكنه منعها

_ بجد مش قادر بلاش تضغطي عليا المهم كملي اكلك

اومأت بصمت وبدات هى بتناول طعامها في صمت..


❈-❈-❈


بدأ منصور يشعر بالوحدة بعد أن تركه أولاده، أصبح المنزل فارغًا خاليًا من أى روح 

رغم انشغاله والشركة التي أصبحت على عاتقه لا تعطيه الوقت ليفكر بشئ إلا إنه يشعر بحنين جارف إليهم

لقد كان معتاد منهم على ذلك، لكن أيضًا كان يعلم بأنهم داخل دائرته.

فرغ المنزل وشعر بحنين جارف إليهم

وقسوة الاشتياق لا ترحمه

لقد تجرع من نفس الكأس الذي تجرعه والداه

لكن عقله آبى أن يعترف بذلك، لم يخطئ؛ هذه حياته وكان عليه النظر لمستقلبه حتى يصل إلى مبتغاه.

وها قد اهداهم ابنته بديلًا له ولن يضطر إلى ان يطالب بحقه فـ ابنته الآن ستنعم به

نعم عليه الصمت إزاء هذا الأمر 

ثم سيذهب إلى سمر ومصطفى يجبرهم على العودة 


في منزل سمر

كانت تتناول طعامها مع مصطفى الذي استقر معها ورفض العودة إلى والده وعندما سمعوا طرقات حادة على باب المنزل نظرت إلى مصطفى بقلق وسألته

_ مين اللي بيخبط كدة

هز مصطفى كتفه بحيره

_ مش عارف 

ذهبت الخادمة لتفتح لكنه منعها وتوجه هو ناحية الباب ليفتحه فتفاجئ بمنصور يقف أمامه 

 الأعين في نظرات جمود تحولت بعد.ذلك لعتاب

قاطع منصور تلك النظرات قائلًا

 _ هنفضل واقفين كدة كتير؟

تراجع مصطفى للوراء كي يفسح له المكان 

_ اتفضل.

دلف منصور ليجدها جالسة تنظر إليه ببرود استغربه في البداية، لكن ما يدهشه اكثر صمتها وكأن شيئًا لم يكن

تحدث بحدة

_ هتفضلي هنا كتير؟

لم تجيبه بل نظرت في طبقها وتكمل طعامها بهدوء جعله يهدر بها 

_ انا مش بكلمك

عند تلك النقطة وانتهى ثباتها فـ وقفت امامها لتهدر هي ايضًا

_ انت مش موجد أصلًا عشان اسمعك، ازاي جاي تقف ادامي وبكل بساطة تقولي الكلام ده وكأن اللي مات حد غريب موقفش جانبك ولا ساندك لحد مـ وقفت على رجليك، والاخر حرمته من حقوقه.

ضرب منصور بيده على الطاولة جعل كل ما عليها يهتز حتى سقط على الأرض وهو يقول باحتدام

_ واللي كنتوا ناويين تعملوه ده كان ايه؟ 

فلوسي وشقى عمري اللي كنتوا هتمضوني على تنازل عنه اسميه ايه؟

مين اللي خاين انا ولا انتو

شعر مصطفى ان الوضع سيشتعل بينهم فتقدم منه قائلًا 

_ ياربت نهدى شوية مينفعش كدة

نظر إلى منصور وتابع بمغزى

_ وانت يابابا لو كنت جاي عشان ترجعنا فـ انا بقولك لأ مش هرجع

قطب منصور جبينه بعدم فهم وسأله

_ يعني ايه مش فاهم؟

رد بجمود 

_ يعني كل ساقٍ سيروى، ماما رافضة انها ترجع وانا مقدرش اتخلى عنها واسيبها لوحدها

اشتد غضبه منها ونظر إليها بقوة

_ عرفتي تقوي ابني عليا…..

قاطعه مصطفى

_ محدش قواني عليك بس يظهر ان القدر بيعيد نفسه، حرمت جدي وجدتي منك ودلوقت اتحرمت من ولادك.

ضيق منصور عينيه يستفهم معنى حديثه ليتابع مصطفى 

_متستغربش من اللي بقوله لإني عرفت كل حاجة، وعشان متتهمش حد انا عرفت من سارة اللي سمعت الكلام بالصدفه ومحدش هناك يعرف اننا عرفنا ولا حاولوا يفتحوا الموضوع معانا 

اهتزت نظراته أمام ابنه وقال بتسويف وهو يدير الدفة ناحيتها

_ انا معملتش كدة برضايا الهانم هى اللي قواني عليهم 

همت سمر بالمعارضة لكن مصطفى منعها 

_ بس دول مش أهلها، بمعني انا لو حبيت واحدة ولقيتها بتحرضني على اهلي مش هسمعلها من الأساس، انا اه بغلطها فـ اللي عملته بس برجع اقول اخدت عقابها وندمت انما انت لسة زي مـ انت

سوري يابابا بس انا مش هرجع معاك واسيبها لوحدها

لم يجد منصور شيئًا يخرج به غضبه سوى تلك الطاولة التي أمامه ليقلبها رأسًا على عقب ثم يخرج صافقًا الباب خلفه بعنف 


❈-❈-❈


في الجامعة


جلست حلم في كافتيريا الجامعة تتناول مشروبها عندما سمعت صوته يقول

 _ مش غريبة شوية إننا نكون بلديات وفي جامعة واحدة ومنعرفش بعض

انتفضت بخوف عندما تأكدت منه ثم تلفتت حولها وهي تقول بخوف 

_ انت بتعمل ايه هتوديني في داهية

جلس مصطفى على المقعد بكل هدوء قائلًا

_ ولا داهية ولا حاجة متخافيش كل اللي موجودين دول اعرفهم محدش منهم من الصعيد 

اندهشت من الهدوء الذي يتحدث به وقال بحدة

_ انت عايز مني ايه؟

اشار لها بالجلوس

_ اقعدي الاول عشان نتكلم.

اخذت حقيبتها وردت بامتعاض

_ مفيش كلام بينا نتحددوا فيه.

همت بالذهاب لكنه اوقفها قائلاً

_ حلم استني.

استدارت إليه لتقول بحنق

_ وبعدهالك عاد؟ سيبني لحالي الله يرضى عليك وابعد عني، انا واحدة ميتة والموت أجربلك منيها، لو خايف على عمرك بلاش تقف في وشي تاني لإنك مش هتشوف من ورايا غير الخراب

_ بس انا عايزك 

هزت راسها برفض

_ مينفعش لو في ظروف تانيه كان ممكن بس صدجني مينفعش واصل.

تركته وغادرت رغم قلبها الذي يحثها على البقاء، لكن عليها البعد إذا أرادت له النجاة.


كان حازم ومعتز يشاهدون من بعيد وعند ذهابها أسرعوا إليه ليقول حازم بحدة

_ انت بردك مش ناوي ترچع عن اللي في دماغك، جلتلك الناس دي مبترحمش واسهل حاچة عندهم الجتل.

كان مصطفى مازال ينظر في أثرها 

_ مش قادر 

تحدث معتز بجدية 

_ انت اكدة بتلعب بالنار والنار دي لما تطولك مش هنجف نتفرجوا عليك.

أكد حازم 

_ صح كلامك

ثم نظر إلى مصطفى وتابع

_ فإهدي اكدة وشيل الموضوع من دماغك.

التزم مصطفى الصمت كي لا يخوض جدال عقيم معهم وقرر المضي قدمًا فيما ينتوى فعله.


❈-❈-❈


خرجت سارة من المرحاض وعيناها تجوب الغرفة تبحث عنه

سمعت صوته في شرفة الغرفة فدفعها فضولها لمعرفة ما يحدث.

وقفت خلف الباب الزجاجي الذي تركه مواربًا مما جعلها تستمع له جيدًا 


_ زين جوي ابعتلي العنوان في رسالة 

_…….

_ التنين، عنوان شغله وبيته لإن في بينا تار ولازم انهيه.

_…..

تحدث بحدة

_ جلتلك متسألش كتير ومش عايز حد يعرف بالموضوع ده


أغلق هاتفه واستدار ليعود للداخل لكنه تفاجئ بها تقف أمامه 

هم بتخطيها لكنها منعته وسألته بريية

_ انت رايح فين؟

نحاها من أمامه كي يدلف ويتركها 

_ ملكيش صالح.

أسرعت خلفه لتقف أمامه تسأله بجدية 

_ مش هسيبك الا لما تقولي ناوي على أيه

لم يهتم لها وأخرج ملابس له من الخزانة مما أكد شكها 

_ انت مسافر القاهرة


رد بحدة وهو يهم بالولوج إلى المرحاض

_ قلتلك ملكيش صالح وابعدي من جدامي.

هزت راسها برفض ووقفت حائلًا بينه وبين الباب وهي تقول بإصرار

_ مش هسيبك تسافر

تحولت نظراته إلى نذير غضب وهدر بها

_ احذري غضبي واوعي من جدامي

تحدثت بإصرار

_ مستحيل أسيبك تضيع نفسك 

ظن لوهلة أن تمنعه خوفًا عليه لكن شكه آبى تصديق ذلك وتحول ظنه إلى الشك وهو يسأله بغضب هادر

_ خايفة عليه؟!

هزت راسها بنفي وهي تقول برجاء

_ خايفة عليك انت، بلاش تضيع نفسك مع واحد زي ده

جذبها ليبعدها عنه حتى كادت تسقط على الفراش ودلف المرحاض صافقًا الباب خلفه بعنف

لم تستسلم ولن تستسلم لن تتركه يضيع مستقبله لأجل ذلك الحقير.

لقد فوضت أمرها إلى الله وتعلم يقينًا بأنه لن يخذلها.

ظلت واقفة أمام المرحاض تنتظر خروجه حتى خرج بعد قليل وعينيه كجذوتين نار 

حاولت التحدث معه لكنه تقدم من الخزانة وأخرج سلاحة ووضعه في بنطاله لتتسع عينيها خوفًا عليه

_ انت هتعمل ايه.

لم يجيبها وهم بالخروج لكنها وقفت أمام الباب تمنعه من الذهاب فصاح بها والغضب يعميه

_ أوعى من جدامي.

تحدثت بإصرار

_ مش هتخرج ولو وصلت هصرخ واخلي عمي يلحقك.

رفع حاجبيه متسائلًا بحدة

_ هتجوليلهم إيه؟ هتجوليلهم حجيجتك؟!

هزت رأسها بتأكيد

_ عندي اعرفهم الحقيقة ولا انى أسيبك تدمر نفسك، انا فوضت امري لله وانا واثقة انه هينتقملي منه

تساقطت دموعها كنهرٍ جارف وهى تتابع برجاء

_ أرجوك ياجاسر بلاش تضيع نفسك مع واحد ميستهلش 


كان لدموعها ونطقها باسمه مفعول السحر على قلبه مما جعل غضبه يتلاشى تدريجيًا فقال بجمود

_ انت فكرك لو أبوي وچدي عرفوا اللي حصل حد هيجدر يمنعني؟

هز راسه بنفي

_ يبجى متعرفيش مين هو جمال المنياوي

أبوي على جد طيبته وحكمته بس إن حد يتعدى على شرفه يطير فيها رجاب.

اتسعت عينيها بخوف وتابع هو

_ هو الصعيدي إكدة دمه حامي واللي يرشه بالمايه يرشه بالدم 

أمسكت يده برجاء وهي تقول

_ أرجوك بلاش، لو حصلك حاجة مش هقدر اسامح نفسي

فكر في عمي وجدي اللي لو جرالك حاجة ممكن يروح فيها، فكر في الفضيحة اللي هنتعرض ليها كلنا لو اذيت نفسك بيه، صدقني انا امنية حياتي اني اشوف مذلول مكسور زي ما كسرني؛ إنما الموت هيبقى رحمة ليه، اصبر وخلينا نشوف عدل ربنا لإن ربنا مش هيخذل دعوة مظلوم

وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين

خلينا نصبر ونشوف عدل ربنا.

لو تدري ما فعلته بلمستها تلك التي جعلت جبل الجليد يذوب بين يديها ونثر سحرها الاخذ على مشاعره التي استكانت بهدوء وتحولت نظراته إلى رئفةً بدموعها.

فسألها بغصة

_ خايفة على مين بالظبط؟

أخطأ بسؤاله لكنه يريد به الوصول لمبتغاه فردت بأسى

_ مبقاش عندي غيرك أخاف عليه

انتفض قلبه بولة وقد اهتزت نظراته وهو يرى مدى صدقها 

نظرتها التي غلفها الحزن ورموشها الرطبة من أثر البكاء جعلت مشاعر الغضب تتحول لرغبة ملحة في إزالة تلك العبرات التي تسقط على وجنتها فتكوي قلبه بنيرانها

رفع يده ليسمح دمعة اخذت طريقها حتى وصلت إلى جانب ثغرها فلمست انامله شفتيها الرخوة مما جعله يستسلم تلك المرة لمشاعره ويمرر ابهامه عليهم برغبة وكانت ضربات قلبه بداخله تهدر بقوة وهو يتطلع في سكون إلى ملامحها التي لم تخفي شتات مشاعرها أيضًا 

كانت المسافة قريبه لدرجة انها شعرت بأنفاسه المتلاحقة على وجهها مما جعلها تغمض عينيها كي لا يرى مشاعر الحب فيهما

جرحته بأهدابها التي صفت باتقان كـ حد السيف جعلته يزدرد لعابه برغبة وقبل ان يستمع لاعتراض عقله كان يميل عليها ليقرب فمه المتعطش لشهدها رويدًا رويدًا حتى تلامست الشفاة لينتفض كلاهما من تلك الأحاسيس والمشاعر التي غلفت كلاهما داخل فقاعة وردية أخذتهم لعالم آخر يعيش كلاهما بداخلها لأول مرة.

كانت قبلته هادئة كأنه يخشى عليه من قسوة شفتاه

تسللت يده إلى خصرها جعلها تتصلب بوجل شعر بها هو لكنه لم يبالي وظل غارقًا في بحور شهدها يقاوم ذلك الناقوس الذي الذي عاد يدق لينتشله من الغرق

عاند وأصبحت قبلاته أكثر ضراوة كي يتخلص من ذلك الصوت الذي يذكره بما حدث معها

تحولت قبلاته لعنف جعلها تشعر بالخوف منه مما جعلها تضع يدها على صدره تبعدها عنها لكنه امسك يديها وثبتها على صدره وواصل عنفه وذلك الصوت لا يرحمه 

وكلما ازداد الصوت كلما ازدادت ضراوة قبلاته حتى استطاع التحكم في مشاعره وأبعدها عنه قليلًا كي ينظر إليها، فوجد الخوف والذعر مرتسم على وجهها 

فتحدث بتحشرج

_ اطلعي برة

لم تفكر او تترد وأسرعت بالخروج من الغرفة وجسدها ينتفض بخوف.

دلفت غرفة ليلى وقلبها تزداد وتيرته بحدة وضعت يدها على دقاته تحاول تهدئته لكنه توقف فعليًا عندما سمعت صوت سيارته في الخارج 

أسرعت بالنظر من النافذة لتجده ينطلق بها 

أسندت جبينها على العارضة وهي تهز رأسها بخوفٍ عليه من تهوره.


❈-❈-❈


انقلبت المشفى رأسًا على عقب عندما تعرض أمجد لأزمة أخرى جعلت قلبه يتوقف للحظات 

ولم يعد إلا بعد محاولات عديدة من إنعاشه حتى عاد ينبض من جديد 

وها هو ذا مستلقي على الفراش تحيطة الأجهزة من كل جانب لا يدري شيئًا عن الذي القلب الذي يبكي ألمًا عليه.

لم يعد باستطاعتهم شيئًا سوى التضرع لرب العالمين

تركت كل شئ وظلت بجوارة ما بين صلاة وقرآن والاهتمام بأدويته

دلفت سهى الغرفة وهى تحمل الطعام إليها

_ دكتورة ليلى انا جبلتلك حاجة تاكليها…

قاطعتها ليلى الذي أصبحت كوردة ذابلة من شدة الحزن 

_ رجعي الأكل ياسهى مليش نفس.

تعاطفت معها اكثر وتقدمت منها لتقول برجاء

_ بس انتي لازم تاكلي انتي مـ اكلتيش حاجة من امبارح، وبعدين لازم تاكلي عشان تقدري تكملي معاه

تدحرجت دمعه حاره على وجنتها وهى تراه مستسلمًا ينتظر الموت في أي لحظة وقالت بألم

_ مش قادرة ياسهى، انا بموت كل لحظة وانا شيفاه كدة ادامي ومش قادرة اعمله حاجة 

ربتت سهى على كتفها بحزن 

_ مـ هو للاسف مفيش في ايدينا حاجة نعملها، بس مين عالم يمكن ييجى الفرج من عند ربنا 

لم تنهي سهى حديثها حتى وجدوا الباب يفتح وتندفع الممرضة وهي تقول بلهفة

_ دكتورة ليلى الدكتور عصام عايزك ضروري في مكتبه.

انقبض قلبها أكثر ونظرت لسهى بوجل وسألت الممرضة بتوجس

_ ليه؟

_ مش عارفة بس الموضوع شكله كبير وعايزك ضروري 

رغم الخوف الذي يعتريها إلا إنها تحلت بالثبات ونظرت لسهى 

_ خليكي ياسهى معاه لحد مـ ارجع

اسرعت بالذهاب إلى مكتب المدير فوجدت الدكتور عصام واضعًا التقارير الخاصة بـ أمجد وعند رؤيتها تحدث بجدية

_ الدكتور ليون لسة مكلمني حالاً وقالي انه لقى المتبرع ولازم نسافر اليونان حالًا

لم تصدق اذنها من شدة السعادة وقالت بعدما استيعاب

_ بجد؟ يعني ….

قاطعها عصام 

_ مش وقته ياليلى ويلا بسرعة جهزي الباسبور بتاعك عشان الطيارة هتكون جاهزة بعد نص ساعة 

أومأت بفرحة وأسرعت بالخروج من المكتب وعادت لغرفتها كي تحدث أخويها وتخبرهم بسفرها 

اجابها حازم 

_ ايوة ياليلى اخرتي ليه

صمتت ليلى قليلاً كي تستجمع شتات امرها وقالت 

_ حازم انا لازم اسافر اليونان دلوقت 

لم يستوعب حديثها وعاد يسألها

_ تسافري فين مش فاهم 

اغمضت عينيها قليلًا ثم قالت برجاء

_ حازم أرجوك أنا لازم أسافر معاه مينفعش اسيبه دلوقت وانا اوعدك اني اول ما يفوق من العملية هرجع على طول.

رد بإصرار 

_ جلتلك لا، وان اصريتي اني هخبر جاسر وهو يتصرف معاكي.

انهمرت دموعها بألم وقالت برجاء 

_ حازم عشان خاطري سيبني اسافر هما يومين بالظبط وهرجع على طول، بلاش تبصلها من جهة سيئة، بصلها إني طبيبة وبقوم بواجبي، انا حاسة اني لو مرحتش معاه هيروح مني أرجوك ياحازم 

أخذ معتز الذي استمع لكل شئ الهاتف من يده وتحدث بتعاطف

_ سافري ياليلى واني مسؤول عن إكدة

حاول حازم أخذ الهاتف وهو يمانع

_ انت بتجول ايه يامخبول انت

رد معتز بحزم

_ مليكش صالح انت ده واچبها ولازمن تعمله، اني عارف اختي زين وواثق فيها

عاد يوجه حديثه لها 

_ سافري ياليلى واطمني محدش هيعرف حاچة 

 اغلق معتز الهاتف مما جعل حازم يجذبه من تلابيبه ويهدر به

_ انت مش راچل يالا ولا إيه؟ ازاي توافجها عـ اللي بتعمله ده.

جذب ملابسه من يد حازم وتحدث بثبات رغم الإهانة التي تلقاها منه

_ اني راچل وانت خابر اكدة زين، بس كل الحكاية إني مش عايز اكسر بخاطرها ولا اضيع فرصة زي دي من بين ايديها 

لم يقتنع حازم بحديثه فقال بعناد

_ كل ده كلام فارغ واني لازم اتصل على جاسر وخبره بكل شئ.

_ هتخبر جاسر بإيه

تسمر الاثنين في أماكنهم عندما سمعوا صوته وهو يدلف من باب الشقة قاطبًا جبينه بعدم فهم.

تقدم منهم وهو يسألهم 

_ في أيه؟

نظر معتز إلى حازم يمنعه من التحدث لكنه قال بعناد

_ انا هجولك على كل شئ.


❈-❈-❈


توقفت سيارة الإسعاف أمام المطار وقاموا بإنزال الحامل الذي يحمل جسده ومعه ليلى التي أصرت على البقاء معه داخل السيارة 

اسرعوا بالحامل إلى الداخل وليلى تسير خلفه لكنها توقفت عندما سمعت صوت يناديها 

_ ليلى 

استدارت ليلى بتوجس وهى تزدرد ريقها بخوف عندما علمت بهويته لتجد عينيه تحمل غضب عارم وقالت بخوف وهي تراه يقترب منها و……..


ومقبل على الصعيد

رانيا الخولي

الفصل السابع والعشرون


❈-❈-❈


وقفت تنظر إليه بخوف جعل اوصالها ترتعد خوفًا وهو يتقدم منها كفهد يقترب من فريسته

مما جعلها تتحدث بخوف

_ جاسر أنا….

قاطعها بحدة وهو يتقدم منها جاذبًا إيها من ذراعها يهزها بعنف وعينيه كجذوتين نار

_ انتي ايه يافاچرة، هى دى اخرت ثقته الزايدة فيكي؟

هزت راسها بنفي وهي تقول برجاء

_ والله مـ خنت ثقتكم فيا، بس صدجني غصب عني.

تحدث من بين أسنانه كي يتحكم في صوته الذي يريد الهدر بها 

_ غصب عنك كيف وانتي عاشجة اللي آمناه ودخلناه بيتنا ومصنش ده.

نظرت إلى الحامل الذي اختفي في الداخل ثم عادت تطلع إليه بألم

_ أرجوك ياجاسر بلاش تمنعني، لازم اسافر معاه

بلاش تبصلها على إني رايحة مع الإنسان اللي حبيته، بصلها على إني دكتورة وحالة محتاجة لمساعدتي

تدفقت دموعها بألم وتابعت برجاء

_ أرجوك ياجاسر مفيش وقت، أمجد خلاص بيموت مننا، لو حصله حاجة انا ممكن اموت فيها، انت لو سبتني هتكون بتنقذني انا مش بس هو

صاح بها 

_ ومين جالك اني عايز انقذك دلوجت، اني عايز اخلص عليكي باديه

مسكت يديه وهي ترجوه ببكاء يهشم القلوب

_ أرجوك ياجاسر سيبني اسافر معاه وأوعدك اول مـ يفوق هرجع على طول، انا مستحيل اعمل حاجة تقل منكم، اللي حصلي ده غصب عني دي حاجة مش بادينا، جاسر انت مجرب الحب وعارف كويس انه مش بارادتنا 

سمعت صوت يناديها 

_ دكتورة ليلى يلا بسرعة مفيش وقت.

أومأت له ثم عادت تطلع إليه وقد لانت ملامحه قليلًا

_ سيبني اسافر أرجوك

نظرات الخوف التي رآها داخل عينيها والحزن الذي غلف صوتها جعل غضبه يهدى قليلًا لكنه تحدث بعناد

_ مستحيل اسمح بالمهزلة دي يلا معاي.

هزت راسها وقالت بعذاب

_ لو اخدتني هموت بجد سيبني أرجوك هما يومين بس مش اكتر. 

قلبه رئف بها لكن رجولته ترفض ترك أخته تسافر مع رجل لا تربطها به أى صلة 

فتحدث برعونة

_ جلتلك لأ

أغمضت عينيها بقهر ثم اقتربت منه أكثر لتقول بتوسل

_ جاسر صدقني انا مبعملش حاجة غلط انا بس بقوم بدوري كطبيبة، دي رسالتي ودي حياة بين ايديا مينفعش اتخلى عنها، جاسر انت بتحب وعارف ناره بتكوي اد ايه، أنا واقفة ادامك دلوقتي وبصارع الموت زيه بالظبط، سيبني وأنا أوعدك اني هرجع على طول

زم فمه بضيق شديد وهو يرى بعينيه توسلاتها له

شعر أنها حقًا تصارع الموت معه 

فوقف حائرًا لا يعرف ماذا يفعل.


❈-❈-❈


ظلت تتقلب على جمر ملتهب وقد خيم الظلام ولم يعود 

لم تستطيع الاتصال به، فمازال هاتفها قيد الإغلاق وتخشى حتى الاقتراب منه

ماذا تفعل إذًا والقلق ينهش قلبها بلا رحمة

فكرت بالاتصال بساندي لكنها لن تتحمل سماع 

لكنها أيضًا لن تقف مكتوفة الأيدي حتى يدمر نفسه، عليه ان تنبههم وتجعله يهرب 

هل تقوم بالاتصال على ليلى؟ فمن المؤكد أنه سيمر عليهم.

هزت راسها برفض

وفكرت قليلًا حتى توصلت لفكرة جيدة 

قامت بفتح هاتفها الذي أخذ يدوي بصوت الرسائل من والدتها وأخرى من والدها وكل أصدقائها

وكذلك رسائل من ذلك الكريه

تلاشت كل ذلك وأخذت تبحث عن رقمها حتى وصلت إليه وقامت بكتابة رسالة لها 

" خلي أخوكي يختفي اليومين دول جوزي عرف كل حاجة وجاي عشان 🔪🔪"

ثم قامت بالضغط على زر الإرسال وأغلقت الهاتف مرة أخرى ثم أعادته إلى الدرج


❈-❈-❈


ظل واقفًا مكانه ينظر إلى الطائرة التي حُلقت في عنان السماء رغم الضيق الذي يشعر به.

كيف استطاع موافقتها على سفرها بهذه السهولة

لكن ماذا يفعل وقلبه لم يستطيع الصمود أمام دموعها التي لمس صدقها قلبه

نظر في ساعته فوجدها السابعة مساءًا ميعاد عودة ذلك الذي تطاول على ممتلكاته 

سيكسر اولًا تلك اليد التي لمستها ثم يقوم بقتلة دون شفقة ولا رحمة

عاد إلى سيارته وانطلق بها إلى وجهته 


❈-❈-❈


كانت ساندي جالسة في غرفتها عندما وصلتها الرسالة

اندهشت في البداية عندما علمت بهوية المرسل لكنها انتفضت بخوف عندما قرأت محتواها مما جعلها تتصل على أخيها الذي كان عائدًا من عمله 

_ وائل اهرب بسرعة سارة اتجوزت وجوزها عرف كل حاجة وجاي عشان يقـ.ـتلك

لم يفهم وائل شيئًا في البداية

_ انتي بتقولي ايه براحة شوية وفهميني 

_ بقولك جوز سارة جاي في الطريق عشان يقـ.ـتلك حاول تهرب في أى مكان لحد مـ يرجع تاني.

زم فمه بغضب إذا فقد انكشفت لعبتهم هذا ما قاله لنفسه عندما التف بسيارته يغير وجهته بخوف.

عليه حقًا أن يبعد تلك الفترة حتى يسلم منهم 

فكر في حسام صديقه فهو يعيش وحيدًا في شقته ولن يمانع بقاءه عنده تلك الفترة حتى يجد حلًا لتلك المصيبة التي حطت فوق رأسه.


لم يمانع حسام رغم شعوره بالضيق فقد استطاع أخيرًا اقناعها بالمجيء لشقته، وعندما لاحظ وائل 

_ لو مضايق انا ممكن أمشي.

رد بسرعة

_ لا طبعًا دا البيت بيتك تيجي في اي وقت، انا بس خايف لـ يعرفك مكانك بما أننا اصحاب يعني اكيد أول مكان هيدور فيه.

_ لا متقلقش هما يومين بس كدة وآخر ما يزهق هينسى خصوصاً إن أنا فعليلًا مقربتش منها مع إني كنت هموت واعملها بس عملت حساب حاجة زي كدة، ولو لقاني هقوله هي اللي بتتبلى عليا.

وبعدين المفروض يشكرني لما عرف انها لسه بنت.

هز راسه بنفي

_ بس انت لعبت مع الناس الغلط وخصوصاً أن البنت دي انا اعرفها كويس اخلاقها عاليا جدًا تجبر اى حد ادامها انه يحترمها 

تحدث بضيق

_ اهو اللي حصل حصل وخلاص واديها اتجوزت وفلتت مني.

نهض من مقعده انا هدخل اريح شوية لإني بجد تعبان أوي

دلف وائل الغرفة عندما رن هاتفه برقم ساندي فنظر ناحية الباب الذي أغلقه خلفه واجابها 

_ حبيبة قلبي وحشتيني اوي……


❈-❈-❈


مل جاسر من الانتظار فمازال واقفًا اسفل البناية ولم يعود حتى الآن

ازداد غضبه 

قام بمهاتفة صديقه الذي استطاع الوصول إليه 

_ ايوة يامراد أنت جلتلي أنه بيرچع بيته على سبعة بالليل والساعة دلوجت عدت تسعة ومرچعش

رد مراد بيأس منه

_ ياابني انا ذنب اللي جابوني أيه، انت قلتلي اعرفلي كل حاجة عن الشخص ده وانا عرفتك؛ اعمل ايه تاني؟

زم فمه بغضب ثم أغلق الهاتف دون ان يرد عليه وألقاه على المقعد المجاور له 

ظل على ذلك الحال حتى قرر التحدث مع بواب العمارة ربما يفيده بشئ.

تحدث جاسر بلهجة عادية حتى لا يشك بشئ 

_ السلام عليكم

رد البواب باحترام لذلك الشخص الذي اقدم عليه بهيبة ووقار جعله ينهض مرحبًا به

_ وعليكم السلام يابيه أمرني.

حاول جاسر بصعوبة أن يبدو هادئًا وهو يسأله

_ هو وائل الحسيني لسة مرجعش من شغله لاني عايزه ضروري وفونه غير متاح.

أجاب الرجل بنفي

_ لا يابيه هو كلمني من يومين وقالي انه مش راجع الاجازة دي وأنه هيسافر لمدة شهرين 

انتابه الضيق لكنه سيطر عليه وسأله

_ متعرفش سافر فين؟

_ لا والله معرفش بس إن شاء الله اول ما يرجع هقوله إنك سألت عليه، أقوله مين؟

لم يجيبة من شدة الغضب الذي يعتريه وتركه وعاد إلى سيارته وانطلق بها تحت نظرات ذلك الرجل الذي ما ان تأكد من ذهابه حتى اتصل به

_ أيوة يا وائل بيه، لسه ماشي دلوقت اول ما سألني عليك عرفته على طول….


❈-❈-❈


جلست تنظر إليه بألم وهو مستلقي على الحامل دون حراك 

لم تكف عن الدعاء لحظة واحدة فليس بيدهم شيئًا سواه

نظرت إلى والده الذي انحصر الدم عن وجهه من شدة خوفه عليه وهو أيضًا يصارع القدر بالدعاء


حطت الطائرة على الأراضي اليونانية وسيارة الإسعاف تقف بالقرب منها حتى تنقله إلي المشفى القريبة منهم 

القلب ضعفت وتيرته والوضع أصبح غير محتمل 

توقفت السيارة أمام المشفى وقد انقلبت الدنيا من حولهم 

خُطف منها متجهين به إلى غرفة العمليات التي كانت على أتم الاستعداد لاستقبال تلك الجراحة الضخمة التي ترهب الجميع 

كما ارهبت قلبها الذي يرتعد خوفًا عليه


                    

دلفت غرفة الجراحة لتجده مستلقيًا على سرير العمليات

ليتمزق قلبها آلمًا على من سكن الروح والفؤاد، تدحرجت دمعه حاره على وجنتها مسحتها بظهر يدها قبل أن يراها ذلك الطبيب الذي إن علم بمكانته عندها لم يكن ليقبل مطلقًا بحضورها.

لم يستطيع أحدًا ردعها عن حضور تلك الجراحة وكأن وجودها معه سيجعله دافعًا للتشبث بالحياة 

نظرت للطبيب الذي أستعد للبدء بتلك الجراحة وهو مستلقًا أمامه عاري الصدر لينتشل ذلك القلب الذي كان يدق دومًا بعشقها.

وقفت تراقب مؤشراته بقلب ملتاع تريد منعهم من الأقتراب منه لكن عليها التحمل إذا أرادت له الشفاء

لم يكن ما شعرت به تجاهه حبًا بل عشقًا يتغنى به قلبها.

فلتعود يا من حاربت الكون لأجلك، تشبث بالحياة كما تشبثت أنا بروحك، فإذا فارقتها؛ فارقتني الروح معك.


❈-❈-❈


خرجت من الجامعة وهى تنتظر السائق الذي ينقلها إلى المنزل لكنه تأخر على غير عادته، أخرجت هاتفها وقامت بالإتصال به

_ ايوة ياعم حسين انت فين؟

أجاب حسين الذي تعطلت السيارة به في منتصف الطريق

_ معلش يابنتي العربية عطلت بيا لو مستعجلة خدي تاكسي لإن قدامي وقت لحد ما تتصلح.

اغلقت الهاتف واشارة لسيارة الأجرة بالتوقف ثم صعدت إليها وانطلق السائق بها 

كانت شاردة ولم تنتبه لإنعطاف السيارة في شارع جانبي 

تلاها شارع أخر لكن تلك المرة انتبهت عليه وشعرت بالقلق 

_ انت رايح فين؟

لم يجيبها مما جعلها ترتعب أكثر فصاحت به 

_ وقف العربية 

نظر إليها في المرآة وقال بهدوء

_ اهدي يا آنسه متخافيش خلاص وصلنا.

همت بفتح باب السيارة والقفز منها، لكنه أوقف السيارة حينها وهمت بالترجل والهرب بسرعة لكنها فوجئت بمصطفى أمامها

_ أنا آسف لو كنت خوفتك بس ملقيتش طريقة تانية أشوفك بيها غير دي.

صدمتها تحولت لحنق وهي تنقل بصرها بينه وبين السائق الذي سأل مصطفى

_ اى خدمة تانى؟

ابتسم له بمجاملة 

_ لا كدة كويس أوي

انطلق السائق بسيارته ونظرت هى اليه بغضب  تضربه على صدره 

_ انت مجنون انت عايز مني ايه

امسك يدها يمنعها من مواصلة ضرباتها لكنها جذبتها بحدة وصاحت به 

_ انت ايه حكايتك معايا؟ عايز مني إيه؟

اشار لها على سيارته وقال بهدوء

_ تعالي الاول نركب عربيتي عشان محدش ياخد باله 

رفضت بعناد

_ لا

زم فمه بغيظ وقال باحتدام

_ لاحظي إن الناس بتتفرج علينا وبعدين متضمنيش ممكن حد يعرفك ويشوفنا مع بعض ويقول لأهلك

انتابها الخوف للحظات لكنها أصرت على عنادها وقالت بحدة

_ جُلت لا مش هيحصل ولو اصريت هصرخ واجول انك خاطفني

ازداد غيظه من عنادها وقال بغضب

_ انا مش فاهم انتي بتعملي معايا كدة ليه، لما انت شخصيتك قوية اوي كدة وبتعرفي تقولي لأ ، مقولتهاش لاهلك ليه بدل الذل والعذاب اللي معيشينك فيه ده؟ انا مطلبتش منك حاجة غريبة انا بقولك اني بحبك ومتمسك بيكي ولو وافقتي هحارب الدنيا كلها معاكي ايه اللي مخليكي بتصديني بالشكل ده.

قتلها حرفيًا بكلماته التي خرجت منه دون إن يشعر 

عندما لاحظ الحزن في عينيها لم يقصد ذلك لكنها تخرجه حقًا عن شعوره بعنادها

_ انا اسف، مكنتش اقصد….

قاطعته بثبات 

_ ولا تجصد انا خلاص مبجاش حاچة تفرج معايا، اني فعلًا زي ما جولتك مليش شخصية مع أهلي وسيباهم يتحكموا فيا، وده اكبر دليل انك متعرفش هما مين، ابعد عني ياابن الناس لإن طريجي مليان شوك هترجع منه خسران.

همت بالذهاب لكنه وقف أمامها يمنعها وتحدث بتعاطف

_ انا عارف كل ده ومستعد اعمل اي حاجة عشانك، حلم انا بجد حبيتك ومش قادر أبعد عنك.

ازدردت تلك الغصة التي توقفت في حلقها وقالت 

_ لازم تقدر ولازم كل واحد فينا يتحمل نصيبه من الألم اللي انكتب علينا

رفعت عينيها إليه وتابعت

_ انا مش بهاجمك بس كل الحكاية اني خايفة عليك وكل ما هحبك كل ما اهاجمك اكتر لإني هخاف عليك اكتر، ابعد عني وسيبني لحالي وشوف حياتك مع واحدة غيري.

رد بإصرار

_ مش هتفرق لإن فراقك والموت واحد 

ابتسمت بحزن وهي تقول 

_ اللي جواك ده مش حب ده عناد وحبك للمستحيل 

لإن انا فعليلًا الحب المستحيل اللي بيقولوا عليه

وبعدين انا لو وافقتك دلوقت تقدر تقولي هتعمل ايه؟

رد بتأكيد

_ هتقدملك.

هزت راسها بتفهم وعادت تسأله

_ هتطلبني من مين بجى؟ من خطيبي ولا من چده؟ ولا من أبويا اللي مات واني لساتني صغيرة، ولا من أمي اللي حالها أمر من حالي؟ 

_ جدك مش عايز خيركم يطلع بره وانا بعذره وعشان كدة انا هخليكي تتنازلي عن كل حاجة واخدك ونسافر

قطبت جبينها بعدم استيعاب وسألته

_ كيف ده مفهماش؟

أكد مصطفى

_ يعني انا هطلبك منهم واقولهم …..

قاطعته 

_ مش هتلحج تجول حاچة لإنهم وجتها هيجتلوك 

تحدث باحتدام

_ ليه التشائم ده؟

اجابته بألم

_ لإنك ببساطة متربي في القاهرة ومتعرفش حاچة عن الصعيد اللي مهما اتقدم إلا إنه لسه متمسك بعاداته وتقليدة، روح للحاج عمران وجوله على طلبك ده وشوف هيجولك ايه؟

صمت قليلًا ثم سألها

_ انتي شايفة كده؟

أومأت برأسها

_ اني مش شايفة غير كدة، خلي اللي في قلبك ليك لوحدك وبلاش تتكلم فيه.

همت بالذهاب لكنها فوجئت بسيارة تتوقف أمامهم ويترجل منها اربع رجال بأحجام قوية تقدموا منهم وقبل أن يستوعبوا شيئًا كانوا يهجموا عليه ويقومون بضربه ضربات مبرحة لم يستطيع تفاديها 

صرخة حلم باسمه

_ مصطفى…

لم تكمل فوجدت اثنين منهم يقومون بجذبها وألقوها في السيارة وهي تحاول الإفلات منهم كي تذهب إليه، لكنها فوجئت بضربة في منتصف رأسها جعلها تفقد الوعي.


❈-❈-❈


عاد جاسر إلى المنزل ليجد أخويه في انتظاره، لكن اندهش كلاهما عندما وجدوه عائدًا إليهم وحيدًا من دونها فسأله حازم بتوجس

_ اوعاك تجول إنك ملحجتهاش؟

ارتمى جاسر على المقعد بإرهاق وأجاب بهدوء

_ لا لحجتها 

نظر إلى معتز بدهشة ثم عاد يسأله

_ اومال هي فين؟

عاد جاسر برأسه للوراء مستندًا على المقعد بتعب

_ سيبتها تسافر 

ضيق حازم عينيه بعدم فهم وسأله

_ يعني أيه مش فاهم

حالته لا تسمح باستجواب، ولا يريد التعصب عليهم 

فنهض قائلًا بحزم

_ مش عايز كلام كتير في الموضوع ده، ليلى سافرت وبإذن مني ولو ابوك عرف باللي حُصل ده حسابكم هيكون معاي.

دلف جاسر إحدى الغرف وجلس على الفراش وهو يشعر باختناق حاد 

وحنين جارف ياخذة إليها بقوة

استلقى على الفراش وقد شعر بتيبس عضلاته ورغبة ملحة في النوم 

لكن من اين يأتيه النوم وقد عود عينيه على ان يغمضها على صورتها وهي مستلقية على الفراش تتظاهر بالنوم

كان يظل يراقبها وهي نائمة، وأحيانًا أخرى كان يشعر بها تراقبه بعينيها التي لا تُرحم.

لن يستطيع الصمود أكثر من ذلك

نهض من فراشه وأخذ مفاتيحه وخرج من المنزل دون أن يشعر به أحد

صعد سيارته وانطلق بها يريد العودة إليها والإرتواء من شهدها حتى التشبع، لكنه يعلم جيدًا انه لن يكتفي منها يومًا في أصبحت بالنسبة له كالمياة كلما شعر بالظمأ كلما ارتوى أكثر وأكثر منها

لم يسامحها ولم يتقبل الأمر مطلقًا لكنه حقًا يريد بدء حياة جديدة معها.

وكلما اشتد شوقه لها كلما اسرع بالسيارة يريد ان يصل إليها قبل الفجر 

يريد ان يبدأ حياته معها في أول الشروق كي تشرق حياتهم معًا وينطوي الماضي مع انطواء الليل 

شرد بها ولم ينتبه لنفسه إلا على بوق عالي أخرجه من شروده على ضربة شديدة لم يدري من أين جاءته.


❈-❈-❈


انتهى ثباتها وانتهى كل شئ وهي تخرج من باب الغرفة وترتمي على أقرب مقعد تجهش في البكاء 

انتهى ثباتها عند تلك اللحظة وهي ترى بعينيها محبوبها بذلك الوضع الذي لا يتحمله قلب.

انهارت وانهار كل شئ معها…..


ومقبل على الصعيد

رانيا الخولي

الفصل الثامن والعشرون


❈-❈-❈


فتح جاسر باب السيارة بعد أن توقفت اثر تلك الصدام الذي تلقاه من سيارة أخرى

ترجل بمساعدة احد للأشخاص الذين أسرعوا للمساعدة فقال احدهم 

_ اتصلوا على الاسعاف.

رفض جاسر 

_ لا اني زين مفيش حاچة

قال أحدهم

_ إزاي بس يابني وانت وشك كله جروح

رغم الالم الذي يشعر به إلا إنه أخفاه قائلاً

_ صدجني اني زين بس لو سمحت وجفلي تاكسي لإني لازمن اروح دلوجت.

لم يستطيع أحد اقناعه بالذهاب إلى المشفى فقال آخر

_ انا معايا تاكسي اتفضل معايا هوصلك

نظر إلى سيارته التي تحطم زجاجها والجزء الأمامي

فعلم الرجل ما يدور بخلده فطمئنه 

_ متخافش على العربية هكلم الميكانيكي اللي قريب من هنا ييجي ياخدها

أومأ بتفاهم ثم صعد معه السيارة وانطلق.


لم يكف الرجل عن الحديث وعن كم الحوادث التي يصادفها يوميًا لكن جاسر كان بعالم آخر ليس به سواها 

يتحرى شوقًا لرؤيتها وكأنها غائبة عنه منذ أمد بعيد

لم يمضي على زواجهما سوى عشرون يومًا إلا إن العشق بداخله وصل لمنتهاه

كان يقضي لياليه وهو يتقلب على فراشه الذي اصبح شديد القسوة يحارب شوقه الذي يطالبه بالغرق في بحور عشقها 

ولولا عقله الذي يجبره على الثبات لكان الآن يروي ظمأه من شهدها

يمر الوقت ويزداد حنينه لها وصورتها التي حفرة بقلبه لا تتركه لحظة واحدة

عينيها التي تخفي حزنًا وانكسارًا يمزق قلبه كلما نظر بداخلهما 

ابتسامتها التي لا يراها إلا نادرًا إما ردًا لحديث أو مجاملة.

انتبه على صوت السائق الذي اقترح عليه أن يسمح وجهه من الدماء كي لا يفزع اهله عليه عندما اقترب من منزله 

توقفت السيارة أمام المنزل ليلتفت السائق له

_ تحب أساعدك

رفض جاسر

_ لا متشكر 

ثم اخرج الحافظة واخرج منها بعض النقود وقدمها له

_ اتفضل.

رفض الرجل بتهذيب

_ بلاش دلوقت خليها لما تيجي تاخد عربيتك 

دون له رقمه في ورقة وأعطاها له

_ ده رقمي اول ما تتحسن يبقى كلمني وهجيبلك العربية لحد عندك 

حاول جاسر اثناءه عن رأيه لكنه اصر على ذلك وانطلق بسيارته


دلف جاسر المنزل بهدوء كي لا يشعر به أحد ويراه بتلك الحالة 

دلف غرفته ليجدها جالسة على الفراش تنتظر عودته 

اتسعت عيناها عندما وجدته بتلك الحالة

مما جعلها تهز رأسها بخوفٍ ظنًا منها أن وائل تربص له وفعل به ذلك

اسرعت اليه بلهفة 

_ جاسر.

ايه اللي حصل.

لم يستطيع الوقوف 

فتقدم يجلس على الفراش وأجاب بتعب

_ مفيش حاجة دي حادثة بسيطة

انقبض قلبها أكثر وكانت تود أن تسأله عن سببها لكن ليس وقته تقدمت منه 

_ طيب انت كويس؟

أومأ لها 

_ اه زين مفيش حاچة.

دققت في الجروح التي ظهرت واضحة على وجهه وتحدثت بقلق

_ طيب ادخل خد شاور لحد ما اجهز اسعافات اعقم بيها الجروح دي.

لم يجادل لأنه حقًا يرغب بحمام دافئ يهدئ عضلاته قليلًا

دلف المرحاض بأرهاق وأحضرت له ملابسه وهمت بطرق الباب كي تناولها له لكنها شعرت بالإحراج فقامت بتركها على الفراش وخرجت كي تأتي بحقيبة الإسعافات التي صادفتها في غرفة ليلى 

ثم ذهبت إلى المطبخ لتعد عشاءًا خفيفًا قبل أخذ الدواء..


بعد الانتهاء تذكر أنه لم يأخذ ملابس له فقرر الخروج لأخذ الملابس لعلمه أنها لم تعد منذ أن سمع صوت الباب

انتهى من ارتداء ملابسه لكنه لم يستطيع تحمل منامته على ذلك الجرح الذي أصاب كتفه


انتهت سارة من تحضير الطعام وعادت إلى الغرفة لتجده جالسًا على الفراش والألم واضحًا على ملامحه

وضعت الطعام على الطاولة ثم تقدمت منه وهي تحمل الحقيبة وقالت بتعاطف

_ تسمحلي اعقملك الجروح دي

اومأ برأسه بصمت فجلست بجواره ليزداد قربهم وهي تداوي جراحه حتى شعر بأنفاسها تداعب وجهه مما جعله يتناسى آلامه ويستنشق عبيرها الذي أسكره بعطره الأخاذ

كانت جروح سطحية لا تأخذ بعين الاعتبار نسبةً لجراح قلبه الذي يدق بعنف

وتوقفت يدها عندما وجدت يده تمسك يدها تمنعها من مواصلة ما تفعله وعيناه تنظر إلى عينيها بعمق جعلها تحبس انفاسها بخوف وهمت بالابتعاد لكن يده التي تمسك رسغها منعتها من الابتعاد وقال بتحشرج

_ متبعديش.

تاهت نظراتها في محيط عينيه وتلك العيون الرمادية تجذبها حتى تجعلها مسلوبة الإرادة أمامه.

أما هو فقد تنسى كل شئ وقرر عيش تلك اللحظة 

وينعم بعشقها ولو قليلًا

رفع يده الأخرى ووضعها على عنقها يتحسسه بشوق وهى مستسلمة له تمامًا 

كانت عينيه تنظر إلى شفتيها برغبة جعلته يزدرد لعابه بصعوبة فأصبح لا يطيق صبرا

قربها إليه أكثر لتتلاقى الشفاه في قبله عصفت بكليهما وجعلت كل شيء يتلاشى من حولهم.

كانت قبله هادئه كأنه يخشى عليها من حدة شفتاه 

أما هى فقد كانت مرحبة بتلك المشاعر التي تختبرها لأول مرة وما كانت تعلم بأن لها وجود من الأساس 

انجرفت خلف مشاعرها وبدأت تبادله قبلاته بجهل جعل رغبته بها تزداد أكثر وأكثر

كانت تطلب منه بقبلاتها أن يمحي أى أثر للمسات ذلك البغيض

رفعت يدها تضعها على صدره لكنه صدرت منه أهه جعلتها ترتد للخلف قليلًا وتنظر إلى موضع يدها لتجد بقعت دماء على منامته تطلعت إليه بخوف وسألته بريبة

_ جاسر انت متعور في كتفك؟

هز رأسه كي يفيق مما كان به وقال بتشتت

_ جرح بسيط متجلجيش.

ترددت قليلًا قبل ان تقول 

_ طيب ممكن تقلع التي شيرت عشان اشوفه؟

اومأ بصمت ثم قام بخلعه لتلاحظ حقًا مدى عمقه.

_ الجرح عميق ولازم خياطة، نروح للدكتور ولا اخيطه انا

نظر إليها بعد استيعاب لتطمئنه

_ متقلقش أنا اخذت كورس في الاسعافات وبعدين هما غرزتين مش اكتر

اومأ لها ثم أخرجت بنج موضعي ووضعته على الجرح وهو يراقبها بحب حتى انتهت 

كانت السعادة واضحه عليها وهى تنظر إلى الجرح مما جعله يسألها مبتسمًا

_ عچبتك الخياطة؟

وضعت اللازق عليه وردت قائلة

_ ملاحظة انك بتستهزء بقدراتي، صحيح انا اول مرة اخيط، بس الخياطة جميلة جدًا ومش باينه

رفع حاجبيه مندهشًا من البساطة التي تتحدث بها

_ واضح فعلًا.

 نهضت من جواره كي تتركه يرتدي منامته وقامت بحمل الطعام ووضعته أمامه 

_ يلا كُل بقى عشان تاخد العلاج وترتاح شوية

حاول الرفض لكنها أصرت 

_ لازم تاكل بجد ، دي سندوتشات خفيفة عشان العلاج

أخذه من يدها وبدأ في تناوله وقامت هى بإعادة الأشياء داخل الحقيبة وعادت إليه

اخذ دوائه واستلقى على الفراش بتعب وقد بدأ مفعول المخدر بالتلاشي، وعندما لاحظت ذلك تحدثت بتعاطف

_ المسكن اللي أخدته هيريحك حاول تنام والصبح هتكون كويس.

اوما بألم ثم أغمض عينيه لينام 


❈-❈-❈


وقفت أمام النافذة الزجاجة تراقبه بقلب ملتاع وقد رفضوا بقاءها بجانبه 

حاول الدكتور عصام اقناعها بالعودة إلى الفندق كي ترتاح قليلًا لكنها لم تستطيع 

وظلت بجواره تتحجج بأى شئ كي تدلف إليه تطمئن قلبها ثم تخرج وتتركه في تلك الغيبوبة التي تهدد بأخذه منها 

وعندما رآها الدكتور عصام على هذا الحال هز رأسه بيأس منها 

_ هتفضلي كدة كتير، جسمك محتاج للراحة.

نظرت إليه بحزن وقالت 

_ مش قادرة يادكتور بحس إني لو سبته هرجع مش هلاقيه خليني كدة لحد مـ اطمن عليه.

رد عصام بتعب

_ يابنتي الدكتور اكدلنا إن العملية نجحت والقلب بيعمل بشكل جيد بس الغيبوبة دي شئ طبيعي عشان كمية البنج اللي أخذها

الموضوع مسألة وقت مش أكتر.

يلا بقى روحي الفندق وارتاحي شوية وبعدين يبقي تيجي مع عمك

وما إن حركت قدميها حتى سقطت على الأرض دون حراك.


❈-❈-❈


أستيقظت لتجد نفسها في مكان مظلم لكن تعرفه جيدًا، فليس هذه مرتها الأولى، بل مرات لا تعد ولا تحصى

ظلت مكانها حتى وجدت الباب يفتح ويدلف منه جدها الذي نظر إليها بقوة جلت أوصالها ترتعد بخوف

وخاصةً عندما سمعته يقول بغضب هادر

_ يظهر إن تحذيري ليكي مجبش نتيچة وانتي أكدة اللي چانيتي على نفسك.

هزت راسها بخوف وقد انقبض قلبها بخوف مما هو آتي وقالت برعب

_ والله ياچدي مـ عملت حاچة، انا ركبت التاكسي وكان هيخطفني بس هو اللي انقذنـ….

قاطعتها صفعة قوية جعلتها تسقط أرضًا وتنزف الدماء من جانب فمها 

مال عليها يجذبها من خصلاتها وقال بغضب

_ رايده تحطي راسنا في الطين وتجيبلنا العار؟

هزت راسها بنفي وهي تقول بألم

_ والله مـ عملت حاچة وماشية على طوعك، الله يخليك صدجني.

دفعها بحدة جعل رأسها يرتطم بالأرضية الصلبة

_ اكدة وماشية على طوعي؟! أومال لو عصتيني هتعملي أيه؟

ضرب بعصاة الأرض وتابع

_خروج من البيت بعد النهاردة مفيش، وچامعتك تنسيها 

اتسعت عيناها ذهولًا مما سمعت فنهضت حلم وأسرعت إليه تقبل يده

_ لا ياچدي، چامعتي لأ 

دفعها مرة أخرى بيدها وقال بأمر 

_ احمدي ربنا اني مجتلتكيش فيها ومنعتك بس من الچامعة أني منعت مهران بالعافية وهو اللي حكم إنك متروحيش تاني 

خرج من الغرفة واغلق الباب خلفه وتركها تصرخ وترجوه أن يسامحها.


❈-❈-❈


أستيقظ مصطفى ليجد نفسه في المشفى هم بالنهوض لكنه شعر بألم حاد في ذراعه وصوت معتز 

_ خليك زي ماانت متتحركش 

نظر إلى حازم الذي ينظر إليه بغيظ فقال بضيق

_ بقولك ايه اعدل خلقتك دي عشان مش نقصاك.

ثم وضع يده على ذراعه مكان فقال حازم بتشفي

_ والله تستاهل اكتر من أكده

تحدث معتز بامتعاض

_ انت شايف ان ده وجته، مـ تهدى شوية 

ثم نظر إلى مصطفى ولم يستطع الثبات 

_ بصراحة عنده حجك، انت زودتها جوي، بس ده قرصة ودن عشان تشيل الموضوع ده من دماغك

نظر إليهم باستياء 

_ هو كنت بتصل عليكم عشان تكدروني ده.

رد حازم

_ احمد ربنا إنك لسة عايش وربنا يستر بقى والموضوع ده يعدي على خير 

تذكر مصطفى أمر حلم فسألهم بقلق

_ طيب حلم معرفتوش عنها حاجة؟

زم حازم فمه بغيظ ثم قال لمعتز

_ عجله المخبوله ده وإني هكلم أبوك اشوفه هيعمل أيه؟

خرج حازم ونظر معتز لمصطفى وقال بجدية

_ لساتك مصر عـ اللي في دماغك؟

اشاح بوجهه بعيدًا عنه وقال

_ مـ انت لسه قايل مش وقته.

تحدث معتز بإصرار

_ اومال وجته ميتي لما يخلصوا عليك؟ البنت دي نجوم السما اقربلك منيها وهجولها تاني وعاشر ومليون شيلها من دماغك وعيش حياتك بعيد عنها، المرة دي كانت ضرب على الإيد المرة التانية هتكون واعرة جوي

رد مصطفى بعذاب 

_ حاولت ومقدرتش.

_ هو انت لحجت دا معداش عليكم شهر حتى لحجت تتعلج بيها في الفترة دي.

أومأ له 

_ واكتر كمان، انا زيك مستغرب من نفسي وخصوصًا انها ديمًا صداني يعني مش مدياني أي أمل بس بردوا مش قادر أبعد

تحدث معتز بجدية

_ لازمن تجدر وتشيلها من نفوخك ياإما اللي جاي هيكون أصعب، ده إن چاه من أساسه


_ بابا عرف حاجة؟

_ لأ ميعرفش بس زمانه حازم جال لعمك دلوجت والجيامة هتجوم في البلد 

اندهش مصطفى وسأله بريية

_ هتقوم ليه 

تحدث بتهكم هو يربت على كتفه المصاب جعله يتأوه 

_ لإن اللي حصل مينفعش يتسكت عليه، ولازمن يكون الرد عليه واعر

بدا بالتأوه عندما حاول النهوض وتحدث بحدة

_ مكنش لازم تعرفوا عمي باللي حصل

_ لازمن يعرف ولازمن يكون في رد عـ اللي حصل، الموضوع مش سهل زي مـ انت فاكر.

تحامل مصطفى على نفسه وهو ينهض

_ انا لازم أروح البلد 

أعاده معتز إلى فراشه وقال بأمر

_ خليك مكانك وكفاياك تهور بجى خلينا نشوفوا هنعملوا ايه

رد بإصرار أقوى

_ مش هيحصل ولازم اروح البلد، لازم اتكلم معاهم براحة واطلبها منهم واللي هما عايزينه هعمله.

نهض وهو يتحامل على نفسه بصعوبة، حاول معتز تعديله عن رأيه لكنه أصر على ذلك 

_ مهما تحول تقنعني لازم اسافر

دلف حازم الذي انهى المكالمة لتوه ليجده يحاول النهوض 

_ انت بتعمل ايه؟

أجاب معتز بحدة

_ البية عايز يرچع البلد، وكمان عايز يطلبها من أهلها

نظر إليه ببرود قائلاً

_ وماله، هى ديتك طلجتين ويرتاحوا منيك وخلصت الحكاية.

أخذ يرتدي قميصه وهو يقول بلهجة لا تقبل نقاش.

_ مش هسيبها ولو السما أطبقت على الأرض.

نظر معتز إلى حازم يسأله ماذا سيفعل فتحدث بانفعال

_ سيبه خليه يروح ويشوف الوش التاني لأبوك، وهو وحظه بجى.

تحدث بإصرار

_ موافق يلا حد منكم يجيبلي هدوم بسرعة 

خرج معتز 

بحث عن هاتفه الذي وجده مع معتز وقام بالاتصال 

على والدته التي ما إن وجدت رقمه حتى اجابة بلهفة

_ ايوة يا مصطفى انت اخرت ليه؟

نظر مصطفى إلى حازم الذي ينظر إليه بغيظ وقال

_ معلش اصلي كنت مع حازم ومعتز وكنت عايز اسافر معاهم البلد لإني جدي تعبان شوية 

كانت تود الرفض لكن بعد ما حدث وبعد أن تأكدت بأن داين تدان وافقت وبداخلها حنين جارف لإبنتها  وقالت 

_ طيب لما تروح هناك يبقى خليني اكلم سارة لأن فونها غير متاح ديمًا

_ حاضر ياأمي 

أغلق هاتفه ثم نظر إليهم باستياء ليسأله معتز

_ مش هتجول لابوك؟

هز رأسه بنفي

_ مبقاش فضيلنا، هتودوني ولا اروح لوحدي؟

رد حازم بتهكم

_ هتركب الجطر كيف بحالتك دي.

رد بهدوء

_ هروح بالطيارة.

رفع حاجبيه مندهشًا من البساطة التي يتحدث بها

_ هو انت فاكرها باص هتركب وتروح بلدكم

نهى معتز النقاش

_ انا هتصل على المطار واعرف طيارة المنيا طالعة ميتي.

أجرى معتز اتصاله وعلم باقلاع الطائرة بعد ساعة منذ الآن فقام بحجز التذاكر وأخبرهم بالميعاد


نظر حازم إلى مصطفى ببرود رغم استيائه منه

_ تمشي لوحدك ولا أجيبلك كرسي.

نهض مصطفى متحاملًا على نفسه رغم الألم الذي يشعر به 

_ لا همشي

أسنده معتز وخرج به من المشفى متجهين إلى المطار


❈-❈-❈


في غرفة المتمرد

 استيقظ الاثنين بعد أن نعما كلاهما بنومًا هنيئًا بجوار بعضهما البعض

فتحت عينيها لتجده مستيقظًا ينظر إليها بنظرة هادئها تراها بعينيه لأول مرة، تاهت في بحورها واندهشت من ذلك التغيير الذي لامسته بكل شئ

لم تعرف شيئًا مما حدث أمس 

كانت تود أن تسأله عمّ حدث لكنها خشيت أن تعرض نفسها لغضب لن تقوى على تحمله.

نهضت من جواره بخجل وهى تسأله

_ عامل ايه دلوقت؟

قبل أن يجيبها طرق الباب ليعتدل جاسر في فراشه وقال

_ دي اكيد أمي افتحي انتي، وقوليلها إني لساتني نايم عشان متجلجش. 

اومأت له وقامت بفتح الباب لتجد وسيلة تسألها بقلق

_ صباح الخير ياسارة، جاسر صحي ولا لساته نايم

شعرت سارة بالقلق من لهجتها وسألتها بتوجس

_ في حاجة ياطنط 

لم يستطيع جاسر البقاء وأسرع إليها يسألها 

_ خير ياأمي؟

اتسعت عين وسيلة بارتياع وهي تري ابنها بتلك الحالة وسألته بصدمة

_ أيه اللي حصل ياجاسر؟

طمئنها بهدوء وهو يتقدم منها 

_ اني زين الحمد لله، دي بس حادثة بسيطة؛ المهم ايه اللي حُصل؟ 

التاع قلبها عليه وقالت بخوف وهي تتقدم منه أكثر تطالعه بخوف

_لا حول ولاقوة الا بالله ايه اللي حُصل بالظبط؟ وازاي متخبرش حد منينا؟ 

أجابها بقلق

_ اني زين والله بس جولي أيه اللي حصل؟

نظرت لسارة بتردد ثم تهربت قائله

_ انزل شوف أبوك تحت خارب الدنيا 

تخطاهم جاسر بقلق ونزل للاسف ليجد جمال في مكتبه يهدر بغضب في هاتفه 

_ وليه مجلتليش من لول؟

_……..

تحدث بتوعد

_ طب اجفل دلوجت لحد مـ أشوف حل للمصيبة دي، ولما أشوفكم هيكون ليا كلام تاني معاكم.

ألقى جمال الهاتف على الأريكة بغضب واستدار ليتفاجئ بجاسر يتقدم منه وهو بتلك الحالة

زم فمه بغضب رغم قلقه وتحدث بحدة

_ وانت كمان اتخانجت مع مين؟

اجابه باضطراب

_ دي حادثة بسيطة واني راچع امبارح 

انقبض قلبه بخوف وسأله بتوجس

_ كيف ده؟ وليه مـ جولتش؟

طمئنه جاسر 

_ دي حاچة بسيطة وانا بجيت كويس المهم ايه اللي حُصل؟

عاد الغضب لملامحه وقال بانفعال

_ البيه ولد عمك رايح يعشجلي بنت الهواري والاتنين التنيين كانوا خابرين وساكتين.

اندهش جاسر وسأله بتوجس

_ اوعى تكون بنت سالم الهواري؟

اجاب بحدة

_ هي بعينها لا وكمان رايح يخطفها بالعربية، وأول ما شفوه معها طلعوا عليه وضربوه

قطب جبينه بغضب وتحدث بانفعال 

_ كيف ده؟ وازاي يمدوا ايدهم على فرد من أولاد عمران المنياوي؟ اني لازمن أرد عليهم

رغم تأييده لما يقول لكنه قال بامتعاض

_ بس الغلط علينا احنا واللي هيسمع اللي حصل هيقف معاهم

تحدث جاسر باستياء 

_ يعني ايه هنعدي اللي حصل اكدة ونضيع هيبتنا في البلد.

قبل أن يرد عليه سمع صوت الباب الذي يطرق بحدة 

همّ جاسر بالذهاب لفتح الباب لولا أن منعه جمال

_ استنى عندك ده أكيد سالم مينفعش يشوفك أكدة، اطلع انت فوج 

هم بالمعارضة لكنه منعه بحزم

_ ولا كلمة زيادة اطلع زي مـ جلتلك.


خرج جاسر على مضد ليجد وسيلة تقف اسفل الدرج بجوار سارة التي انتابها القلق وهى لا تعرف شيئًا مما يدور، أسرعت إليه وسيلة ما انت رأتهم يخرجوا من المكتب وسألتهم بقلق

_ هتعمل ايه

تحدث جمال بأمر

_ اطلعوا كلكم فوج واني وأبوي اللي هنرد عليهم 

صعدوا جميعًا وقام جمال بفتح الباب ليجد سالم ومهران يقفوا على أعتاب منزله والغضب ظاهرًا عليهم


❈-❈-❈


في غرفة ليلى

خرج عصام من الغرفة ليجد صابر واقفًا أمام الغرفة بقلق، وعند رؤيته سأله

_ خير ياعصام البنت مالها؟

طمئنته عصام

_ مفيش حاجة هى الحمد لله كويسة بس ده لأنها ارهقت نفسها الفترة اللي فاتت انا علقتلها محاليل ولما تفوق هتكون كويسة

شعر صابر بأن الحمل أثقل كاهله فقال بألم

_ طيب وأمجد انا خايف أوي.

ربت على كتفه وقال بثقة

_ ابنك الحمد لله بقى كويس والغيبوبة دي شئ طبيعي العملية مكنتش سهلة والحمد لله القلب بيقوم بدوره كويس

أومأ له بتفاهم ثم عاد إلى مقعده أمام غرفة ابنه.


أستيقظت ليلى وهى ترفع عينيها بتثاقل، وتشعر بدوار شديد جعلها لا تستطيع النهوض لكن صوتٍ منعها بالإنجليزية

_ إبقى مكانك كي لا تؤذني نفسك

نظرت إليها بوهن لتجدها إحدى الممرضات وقد أبدلت لها المحاليل

لم تستطيع صياغة الكلمات كي تسألها عنه فالتزمت الصمت حتى تسترد وعيها أكثر من ذلك 

ولوهلة شعرت بوحدة قاتلة وشعرت بأن ليس لها مكان بدونه

انتظرت بصعوبة حتى انتهى المحلول وقامت هى برفعه من يدها ونهضت من السرير رغم الدوار الذي يكتنفها 

خرجت من الغرفة لتتفاجئ بالممرضة تمنعها

_ إلى أين؟ لا يجوز لكِ ترك السرير وانتِ بـ هذه الحالة.

ابتسمت ليلى بمجاملة 

_ لا تقلقِ فـ أنا بخير وأريد الاطمئنان على السيد أمجد.

أومأت لها الممرضة وتركتها تمضي 

فسارت وهي تشعر بفراغ كبير بداخلها من تلك الفترة التي بعدها عنه وعليها أن تملئه بالنظر إليه 

دلفت الغرفة لتجده كما تركته بدون حراك 

وقفت تنظر إليه بألم وهي تراه يسارع الموت الذي يسعى لأخذه منها 

كانت الأجهزة تحاوطه من كل جانب ويبدو أنها لا تبشر بخير مطلقًا رغم ان الجميع بشرها بسلامته، لكن خوفها من الفقد يتلاعب بقلبها.

تساقطت دموعها وهي تتقدم منه تراقب مؤشراته التي تعلو وتهبط برتابة

جعلت قلبها هى ينتفض خوفًا

ماذا إن استسلام وتركها، ماذا سيكون مصيرها؟

فليس لها حياة بدونه

هو حبيبها الذي أسر قلبها منذ أن وقعت عيناها عليه ولن ترضى بغيره بديلًا

عليه أن يقاوم لأجلها، هو مجبر على ذلك، هو من اوقعها بعشقة وملزم ان يعود إليها

اقتربت منه لتقول بقلب ملتاع

_ أرجوك يا أمجد قاوم عشان خاطري أنا مقدرش أعيش من غيرك

جلست على المقعد بجواره وأمسكت يده تقبله بلوعة وتابعت رجاءها

_ لازم تقوم عشان توعدني إنك عمرك مـ هتسبني 

انت مجبر انك تفضل معايا متتخلاش عني..

قاطع حديثها تلك التي اقتحمت الغرفة وتلاها دخول صابر الذي تحدث برفض لما يحدث

_ يا بنتي مينفعش كده الدكاترة مانعين اى حد يدخله 

أجابت بـ النفي

_ أنا مش أى حد أنا خطيبته وهو اكيد محتاجني معاه

الجمتها الصدمة وجعلتها غير مدركة لما يحدث حولها 

تناست تمامًا يدها التي مازالت تمسك يده بإحكام مما جعل تلك الفتاة تنظر إليها باستنكار وسألتها 

_ انتي مين؟

نظرت إلى صابر الذي لم ينفي ما قالته ثم تطلعت إليها بصدمة وكأنها داخل كابوس مزعج وعليها الاستيقاظ منه.


ومقبل على الصعيد

رانيا الخولي

الفصل التاسع والعشرون


❈-❈-❈


دلفوا غرفة المكتب ليشير لهم جمال بالجلوس لكن سالم رفض وتحدث بحدة

_ احنا مش چايين نضايف أني چاي أحكمك واحكم الحاچ عمران اللي عايشين مع بعض بجالنا سنين ومحدش منينا اتخطته العيبة عشان ييجي في الأخر شوية عيال يتعدوا الأصول ويوجعوا بينتنا.

دلف عمران غرفة المكتب بعد أن علم كل شئ من جاسر الذي أبى الاختباء وأصر على الدخول معه 

_ السلام عليكم

رد الجميع السلام ثم وقف عمران بشموخ أمام سالم وقال بعتو

_ خير ياسالم 

تقدم منه سالم وهو يقول باحتدام

_ وهياچي منين الخير بعد اللي ولد منصور عمله ده، دي عامله واعرة جوي وتطير فيها رجاب.

انفعل عمران وتحدث بقوة

_ تقصد ايه بحديتك ده؟

أجاب بتحذير

_ يعني المرة دي كانت جرصة ودن، المرة الچاية هيكون فيها د.م

ضرب عمران بعصاه الأرض وتحدث بغضب

_ لا عاش ولا كان اللي يمد يده على حد من ولادي واني لساتني عايش على وش الدنيا، وياريت متركبش نفسك الغلط عشان اني كمان ردي هيكون جاسي

_ يعني ايه هتسيبوا ولدكم يخطف في بنات الناس ومطلوب منه يسكتوا

اني كمان ردي هيكون أجسى منيكم ولو عايزها حرب وتار معنديش ايتها مانع

تقدم منه أكثر ليتابع بحزم

_ بس هتكون حرب واعرة جوي

نظر إلى جاسر وتابع

_ وإن كان خرچ مرة سليم المرة الچاية الله أعلم هيخرچ منها ولا لأ.

همّ جاسر بالتحدث لكن عمران منعه

_ أعلى مـ في خيلك أركبه، وبالنسبة لضربك ليه دي ردها هيكون جاسي بردك، ولدي غلط ومنكرش وهيتحاسب عليها بس إن رچالتك يتطلولوا عليه اكدة دي اللي مستحيل اتساهل فيها.


نظرات التحدي احتدت بينهما مما جعل سالم يهدئ قليلًا لأنه يعلم جيدًا محبة أهل القرية لعمران وأولاده 

كما يعلم أيضًا مدى بغضهم له ولحفيده

الأفضل له الانسحاب حاليًا كي لا يخوض حربًا هو الخاسر الوحيد فيها.

نظر إلى مهران 

_ يلا يامهران 

خرجوا من المكان بغضب شديد ثم نظر عمران لجمال وتحدث بأمر 

_ كلملي منصور 


_ هنجلجه ليه بس ياحاچ أ….

قاطعه عمران باحتدام 

_ لازمن يدير باله عليه، سالم غدار والجتل سهل عنديه.

نظر إلى جاسر وتابع

_ وانت مفيش سفر تاني لأي سبب من الأسباب

حاول الاعتراض لكنه منعه بحدة

_ ولا كلمة زيادة والحمد لله أنها چات على جد أكدة.

كانت سارة تستمع لحديثهم بقلب ملتاع على أخيها وكذلك زوجها الذي أصبح مهدد أيضًا


❈-❈-❈


في أثينا


رمشت ليلى بعينيها مرات متتالية كي تستوعب ما يحدث

_ انتي دكتورة؟! انا اول مرة أشوفك هنا.

قالتها تلك الفتاة وعينيها تتطلع إليها بقوة.

رد صابر بهدوء

_ دي دكتورة ليلى اللي متابعة حالة أمجد من البداية.


ازدردت ليلى ريقها وهى تهز راسها بنفي لما يحدث وخاصةً عندما تابعت باستنكار وهي تنظر إلى يده التي تتملكها ليلى 

_ بس شكلها اخده عليه أوي

جذبت ليلى يدها التي مازالت ممسكة بيده دون أن تدري و أجابت بتلعثم

_ لأ أنا…

أنقذها صابر قائلًا

_ مش وقته الكلام ده ويلا دلوقت لان لو الدكتور دخل وشاف المنظر ده هـ يطردنا كلنا بره.

نظرت لها الفتاة بـ ازدراء وخرجت من الغرفة تلاها صابر الذي نظر إليها بـ تعاطف دون أن يقول شيء


عادت تتطلع إليه بحيرة وتساءلت هل كان يخدعها كل تلك الفترة؟

هل كان يوهمها بالحب وهو مرتبط بغيرها، ألهذا السبب لم يعدها بالزواج متحججًا بمرضه

أم كان حبًا وليد مرضٍ سيمحى بشفائه؟

عليها الانسحاب والاعتزاز بما تبقى لها من كرامة

لن تخبر أحدًا وترى نظرات الشفقة في أعينهم كما رأتها منذ قليل في أعين والده الذي لم ينفي ما قالته تلك الفتاة.


لن تبقى هي أيضًا فقد انتهى دورها الآن ولم يعد هناك داعي لوجودها 

عليها الرحيل وتعود إلى بلدها كما جاءت لكن مكسورة الفؤاد.

تطلعت إليه بنظرة وداع ثم خرجت من الغرفة ومن المشفى بأكملها وهي تدعي الصمود

أوقفت سيارة أجرة وتوجهت بها إلى الفندق كي تأخذ اشياءها وقد حالفها الحظ باخر طائرة متجهة إلى القاهرة أخذت اشياءها وذهبت إلى المطار بعد ان بعثت رسالة صوتية إلى الدكتور عصام تخبره فيها بضرورة عودتها إلى القاهرة.

جلست في مقعدها داخل الطائرة تنظر من نافذتها وقد انتهى ثباتها عند تلك اللحظة.

تساقطت العبرات من عينيها والحزن افعم قلبها وهي تناچية بألم


(يا من هواه قلبي وعشقته روحي كيف السبيل إلى لقياك أراك تذكرني ام أصبحت عدم لا يخطر على ذكراك يا من سكنت فؤادي وعشقته روحي اتراني بحبك قد بليت اعشقك داء ام دواء قد كان حلمي القرب منك والعيش معك والآن أرى غيري في هذا المكان " رشا صابر ")

اقلعت الطائرة لتعود إلى القاهرة لكن دون قلبٍ ينبض، فقد خذلها كعادتها به منذ أن رآه وظل معه.

خائن قلبها كمن أحب.


❈-❈-❈


انصدم الجميع برؤيتهم لمصطفى الذي دلف عليهم بصحبة حازم ومعتز 

لم يستطيع جمال التحكم في اعصابه وهدر بهم

_ انت ايه اللي چابك دلوجت؟

رد مصطفى الذي اصر على تنفيذ ما انتواه وأجاب بهدوء

_ كي عشان اتفاهم معاهم.

عقد جمال حاجبيه مندهشًا مما يقول وسأله بتعجب وهو يتقدم منه 

_ تجصد أيه مش فاهم؟

ازدرد ريقه بريبة من ملامح عمه التي اصبحت حادة يراها لأول مرة 

_ انا هروح اطلبها منهم ووافق على كل شروطهم، مستحيل اتخلى عنها بعد اللي حصل.

تطلع إليه مطولًا ثم أومأ جمال برأسه و أمسكه من تلابيبه وصاح به 

_ كانك اتخبلت وعايز اللي يرچعك لعجلك ياولد منصور. 

وقف جاسر حائلًا بينهما وتحدث برصانة

_ اهدى يابوي الموضوع مـ يتخدش أكدة

ثم نظر إلى مصطفى وتابع بحزم

_ وانت يا مصطفى اهدى اكدة واوعى لكلامك، الناس دي مبترحمش واللي بيجف في طريجهم بيخلصوا عليه 

ولو حكمنا الخلج محدش هيچيب العيبة عنديهم، لإن العيب ركبنا احنا

رد مصطفى بإصرار

_ بس انا بحبها وعايزها ومش هسيبها بعد اللي حصل

كانت سارة ترى ما يحدث وهى تتدارى في وسيلة التي شحب وجهها خوفًا مما هو آتي

ضيق جمال عينيه متسائلًا

_ يعني أيه؟

نظر إليه مصطفى بمهابة 

_ يعني زي مقلتلك انا هروح اطلبها منهم ولو زي مـ بتقولوا مش عايزين خيرهم يخرج براهم انا هخليها تتنازل عن كل حاجة وهخدها ونسافر 

رفع جمال حاجبيه وهو يقول بثبات 

_ بالبساطة دي؟ بهيمة دي هتسحبها من الزريبة وتمشي؟

نظر لجاسر وتحدث بحزم

_ خده من وشي الساعة دي

حاول الاعتراض لكن جاسر أخذه عنوة وخرج به من المكان.

اما عن حازم ومعتز فقد وقفا بجوار جليلة كأنهم يتحاموا بها فأشار لهم بالتقدم منه لينظر كلاهما إلى جليلة التي هزت كتفيها بقلة حيلة 

ليقتربوا منه برهبة وقال حازم

_ والله مـ كنت أعرف حاچة من أكدة لولا إني سمعتهم بالصدفة حتى أسأل معتز 

ارتبك معتز وقال بريية

_ والله اني نبهته كتير بس هو اللي اصر عليها 

اومأ بصمت ثم سألهم بهدوء قاتل

_ وليه مجلتوش من وجتها

ازدرد حازم ريقه بصعوبة

_ اني مكنتش اتخيل انه يعمل اكدة

تذكر جمال امر ليلى فتحولت نظراته إلى رعب وسألهم بارتياع

_ اومال فين اختكم

نظر الاثنين لبعضهم البعض وقد توقفت قلوبهم عن النبض وقال حازم بمهابة

_ ليلى في المستشفى مكنش ينفع تاچي معانا.

هدر بهم جمال

_ أومال كان ينفع تسيبوها لحالها؟!

لم يستطيع كلاهما النطق بشئ وارزاد خوفهم عندما اخرج هاتفه من جيبه ليتصل عليها 

اطمئن عندما اجابته

_ السلام عليكم

اندهش حازم ونظر إلى معتز الذي ظهرت عليه الدهشة ايضًا وخاصةً عندما تحدث جمال بقلق

_ وعليكم السلام، انتي فين دلوجت ياليلى

كانت ليلى حينها تخرج من المطار واجابت 

_ أنا رايحة الشقة خير يابابا في ايه؟

لم يريد ارباكها فقال بثبات 

_ مفيش حاجة بس عايزك تركبي الجطر دلوقت وتاچي 

كنت ليلى في اقصى تعبها لكنها لم تجادل فهي حقًا تشتاق إليهم وإلى بلدتها 

_ حاضر اللي تشوفه.

اندهش جمال من عدم معارضتها مثل كل مرة يطلب منها العودة.

لكن حقًا ليس وقته.

أما حازم ومعتز فقد تنفسوا الصعداء عندما علموا بعودتها..


❈-❈-❈


في غرفة جاسر القديمة 


حاول جاسر إقناعه بالعدول عن تفكيره لكن هيهات 

وكيف ذلك وقد احتل العشق قلبه ولن يستطيع أحد نزعه من داخله

_ اني هسيبك تفكر زين وياريتك تحكم عقلك لإن الموضوع ده بالذات مينفعش معاه غيره.

خرج جاسر كي يعلم ما توصلوا إليه وترك مصطفى الذي مازال على نفس إصراره

لم يتخلى عنها وسيذهب إليهم مهما كلفه الأمر 

خرج من شرفة الغرفة وتوجه إلى الخارج منتويًا الذهاب إليها 

سيقف على اعتابهم ولن يرحل حتى يسمعونه.


وقف أمام ذلك المنزل الشاهق وبحرسه الذي يحيطه من كل جانب تقدم احدهم منه وسأله بحدة

_ أنت مين وچاي أهنه ليه؟

رد مصطفى بهدوء

_ أنا مصطفي المنياوي وجاي اتكلم مع الحاج سالم.

تطلع إليه الرجل بشك ثم نظر إلى اخر بجواره وقال 

_ ادخل خبر مهران بيه ….

قاطعه مصطفى بحدة

_ انا قلت عايز اقابل الحاج سالم مش مهران.

رن هاتف الرجل ليجيب ويستمع بصمت ثم اغلقه مرة أخرى 

نظر إلى الرجال وتحدث بأمر 

_ هاتوه على المخزن

حاوطوه من كل جانب لكنه رفض الذهاب معهم 

_ انا مش هتنقل من هنا الا لما اقابل …..

لم يكمل حديثه حتى شعر بضربة حادة على رأسه أفقدته الوعي..


❈-❈-❈


في القطار


امسكت هاتفها تتلاعب به لا تريد التفكير بشئ

لكن كانت أناملها تأخذها إلى صوره

كانت تتلمس الصورة بيدها وهى تشعر بحنين جارف إليه 

لما جعلها تعشقه كل هذا العشق وهو ملكًا لغيرها!

لكن شئ بداخلها يخبرها بأنها اخطأت وكان عليها البقاء بجواره حتى يسترد وعيه والتأكد منه، لا أن تفضل الانسحاب دون أن تواجهه.

وشئٍ آخر يخبرها بأنها من أخطأت من البداية عندما سلمت قلبها له وصارحته بذلك 


نظرت إلى تلك الصورة التي أخذتها له وهو نائمًا 

قبل سفرها لحضور زفاف جاسر 

وصورة أخرى لهم معًا وهما يتناولان الطعام وقد أصر على التقاطها كي تكون ذكرى لها بعد وفاته.

وأخذ أخرى على هاتفه حتى ينظر إليها كلما أشتاقها


همت بحذفها لكنها لم تستطع وقامت بإخفائها ثم أغلقت الهاتف ولم تنتبه لتلك الأعين التي تراقبها.


❈-❈-❈


عاد جاسر إلى غرفته كي يأخذ بهاتفه وهم بالخروج لكنه وجدها تدلف الغرفة وهى تسأله بقلق

_ فين مصطفى انا دخلت الاوضة ملقتوش؟

طمئنها بهدوء

_ تلجاه في الحمام ولا في الچنينه متجلجيش

تخطاها كي يخرج من العرفة لكنها أوقفته

_ طيب استنى اغيرلك على الجرح المفروض كنا غيرنا عليه الصبح.

حمحم بإحراج لإنه لم يعد يثق في مشاعره التي تتحرك بنظرة واحدة منها وبلمسة أخرى تجعل مشاعره تذوب بين يديها فتحدث برفض

_ لا مش وجته

لكنها منعته بإصرار

_ مش هينفع لازم تغير عليه ولما ليلى توصل يبقى تشوفه بنفسها

ذهبت للمرحاض كي تأتي بالحقيبة وخلع هو جلبابه تلاها منامته التي تذكر أنه لم يقوم بتبديلها وارتدى جلبابه عليها.

خرجت سارة من المرحاض وقد اهتزت نظراتها عندما رأته بتلك الهيئة التي تخطف بصرها.

دنت منه وجلست بجواره على الفراش وقد حاولت بصعوبة لملمت شتاتها وهى تنزع الضمادة التي وضعتها عليه ليتصلب جسده بألم فقالت باعتذار 

_ معلش

عادت حرب المشاعر مرة أخرى وشعرت بأنها أخطأت وكان عليها الانتظار حتى عودة ليلى 

لن تستطيع الصمود أمام تلك المشاعر التي لا ترحمها.

وكذلك حاله وهو يتنفس بصعوبة وعيناه لا تنزاح من عليها.

خصلاتها التي تتمرد دائمًا وتنزل كشلال اسود يعانق وجهها فيجسد لوحة لا تشوبها شائبة.

بها سحر آخذ يجذبه إليها بقوة لا يعرف ماهيته

آآهٍ لو قابلها قبل ذلك الحادث لكان أسعد الناس بها، ولكان الآن يروي ظمأه من شهدها الذي أصبح كالخمر كلما ارتوى منه كلما رغب به اكثر وأكثر.

ورغم رغبته الشديدة بها إلا إن ما حدث سيظل عائقًا بينهما ولن يستطيع نسيانه.

انتهت سارة من وضع الضمادة ورفعت عيناها إليه لتجده ينظر وتلاقت النظرات التي تحدثت بما تشعر به قلوبهم

قلوب لم تختبر الحب يومًا وعندما صادفهم شن حربًا ضارية حتى استطاع إحتلاله ليفرض سيطرته على نبضه وسكناته.

رفع انامله لشفتيها الرخوة التي أصبحت كالإدمان لا يستطيع مقاومتها.

أما هى ورغم رغبتها الشديدة في تركه يفعل ما يشاء إلا إنها وضعت يدها على صدره تبعدها عنها بخجل ونهضت من أمامه 


 نظر إليها وهى تولج المرحاض لتختفي بداخله وهو مندهش من تصرفها، فهو يعلم جيدًا بأن قلبها يطالب به مثله.

 فقام بارتداء جلبابه وخرج من الغرفة مسرعًا كي لا يضعف أكثر من ذلك.


❈-❈-❈


انتبهت ليلى على تلك العيون التي تراقبها منذ أن صعدت القطار حتى تلك اللحظة 

نظرت إليه بشك لتجده ينظر إليها بابتسامة

اشاحت بوجهها بعيدًا عنه ثم نظرت من النافذة لتعود إلى شرودها 

ولصدمتها التي مزقت قلبها.

لكنها لم تسلم منه عندما نهض من مقعده ودنى منها قائلًا

_ السلام عليكم.

لم تلتفت له أو تجيبه لكنه أصر على التعرف عليها

فقال وهو يجلس على المقعد المقابل لها

_ انتي من الصعيد ولا رايحة زيارة ولا حتى عمل زي حلاتي؟

ظلت على وضعها لا تريد التحدث بشئ فيكفي ما هى به

أما هو فكان يريد معرفة اى شئ عنها ويدعوا بداخله ألا تكون من أهل الصعيد 

وظل يراقبها لا يستطيع ابعاد عينيه عنها 


❈-❈-❈


_ انت بتجول ايه يامخبول انت؟ كيف يعني نجتله ونعادي عمران وولده واحنا داخلين على انتخابات مجلس

قالها سالم بغضب لمهران الذي اصر على قتل مصطفى 

فرد بانفعال

_ يعني عايزني اجف اتفرچ عليه وهو بيلف حوليها كيف الحية.

تقدم منه سالم وقال بفتور

_ لا مش اكدة، بس في طرج تانية غير الجتل

قطب جبينه وتحدث بنفور

_ ايه هى؟

تحرك سالم في الغرفة واجاب بعد تفكير

_ دلوجت هتلاجي جمال چاي وچايب معاه رچالة العيلة كلياتها، طبعًا چايين ياخدوا ولدهم 

وأكيد لما يعرفوا اللي حُصل هيغلطوهم، صحيح بردك هيجفوا في صف ولاد عمران بس لما يكررها تاني ونجتله محدش منهم هيجدر يجف جصادنا.


ضيق مهران عينيه وهو يتحدث بعدم فهم

_ بس احنا اكدة بنشوشر على سمعتنا 


_ ومين جالك انهم هيعرفوا؟ كل اللي هنجوله أنه غريب وچاي يتجدم لحفيدتي ولما جولنا له انها مخطوبة لابن عمها مسكتش بردك وچاي يتهچم علينا في بيتنا.

ولو عجله وازة وكررها تاني يبجى هو الجاني على روحه واحنا إكدة عدانا العيب.


ابتسم مهران بشر وقال 

_ تسلم دماغك دي ياچدي.


❈-❈-❈


ظل جاسر يبحث عنه في كل مكان لكن لا أثر له

راوده الشك في ذهابه إليهم وقرر التأكد قبل اتخاذ أى خطوة 

رن على هاتفه لكنه لم يجيب

ذهب إلى والده يسأله بتردد

_ انت شوفت مصطفى؟

عقد جمال حاجبيه متسائلًا 

_ مش كان معاك؟

ارتبك جاسر ورد بقلق

_ اني سيبته وطلعت اجيب تلفوني نزلت ملجتوش.

راوده القلق عليه وسأله بتوجس

_ متصلتش عليه ليه؟

_ اتصلت بس مردش عليا.

أصبح الشك يقين وأسرع بالاتصال به من هاتفه هو ليأتيه الرد بعد محاولات عديدة 

_ أهلًا ياابو جاسر كيفك

انقبض قلب جمال عندما أجابه سالم وقال بتحذير

_ الولد إن يد كلب من كلابك اتمدت عليه يبجى انت اللي اعلنت حرب مـنتاش جدها 


صدعت ضحكة عالية من الهاتف وتحدث بعدها

_ يظهر إنك انت اللي نسيت اني مين واجدر اعمل ايه، ابن أخوك چاي يتهچم عليا في بيتي ولو جتلته دلوجت محدش هيلوم عليا، مرة حاول يخطف حفيدتي وفي شهود على إكدة والمرة التانية بيتهچم على حرمة بيتي.

هدر به جمال 

_ مهما حصل منيه هو ليه أهل يترد عليهم لكن اللي بتعمله ده هيفتح عليك نار جهنم

_ نار جهنم ابن اخوك اللي فتحها على نفسه، مش احنا اللي فتحناها عليه ومتزعلش من اللي هيحصل.

اغلق جمال الهاتف وهمّ بإطاحته لكنه تراجع وقال بغضب لجاسر

_ چمعلي رچالة العيلة كلهم وخليهم يحصلوني على بيت الهواري.

نظر إلى توأمه 

_ وانتوا تعالوا معاي.


❈-❈-❈


هز رأسه يحاول التخلص من ذلك الألم الذي يؤلم ذراعه وكذلك رأسه الذي يكاد يفتك به وتلفت حوله ليجد نفسه محاط بالكثير من الرجال المحملين بالسلاح

حاول التحرر من قيوده لكنه لم يستطيع فصاح بهم

_ انتو ربطيني كدة ليه فكوني.

قال أحدهم 

_ مجتناش أوامر بـ اكدة

كز على أسنانه بغضب وصاح به

_ قول للجبان ده ييجي يواجهني راجل لراجل وبلاش يتحامى في الكلاب بتوعه.


_ ومين جالك إني بتحامى فـ رچالتي 

كان هذا صوت مهران الذي دلف المكان وهو ينظر إلى مصطفى بحقد وتابع

_ جاي ليه ياولد المنياوي؟

نظر إليه بغضب وتحدث بانفعال

_ فكني عشان نعرف نتكلم راجل لراجل.

ابتسم مهران بسخرية وتقدم منه لينظر إليه بتشفي وقال 

_ لا أني عچبني جوي ربطتك اكدة كيف …… وعشان اعرفك مجامك زين

للاسف انت لعبت مع الناس الغلط، چاي وطمعان في ملكنا زي ما أبوك عملها زمان مع أهله وهمل البلد وسافر وسابهم ينحتوا في الصخر وهو عايش حياته ولا همه، ودلوجت چاي انت تعملهم علينا بس احب أجولك كان غيرك اشطر احنا ولاد الهواري اللي يجف في وشهم يمحوه من الدنيا كلياتها.

ازداد حنقه منه وقال بغضب هادر

_ انا مش جاي طمعان فيكم ولا يهمني كنوز الدنيا كلها انا كل اللي بطلبه منكم إني اتجوزها وهنسيب البلد ونسافر وهخليها تتنازل عن كل حاجة

ضحك عالية صدحت في المكان بأكمله عندما استمع لكلمته الأخيرة مما جعله يتحدث بصعوبة

_ تصدج ضحكتني، تتچوزها وكمان تهملوا البلد وتسافروا 

تحولت نظراته لشر مطلق وهي يقول بتوعد

_ اللي يجرب من حاچة تخص مهران الهواري ينجطع نسله من على وش الدنيا، ودي بالذات…..

دنى منه أكثر ونظر إلى عيني مصطفى التي تجابهه بتحدي ظاهر جعل غضبه يزداد وتابع

_ خط أحمر اللي يجرب منيه يبجى هو الچاني على روحه.

اني هعدي اللي حصل واجول عيل طايش ومعرفش حاچة وهعديها المرة دي بس بعد إكدة السلاح هو اللي هيرد عليك



ومقبل على الصعيد

رانيا الخولي

الفصل الثلاثون


❈-❈-❈


وقف عمران بأحفاده وباقي العائلة أمام منزل سالم الذي أمر رجاله بفتح بوابة القصر على مصراعيه

لاستقبالهم

دلف الجميع بهيبة وشموخ ووقف سالم يستقبلهم أمام البوابة الداخلية وهو يقول

_ أهلًا ياحاچ عمران نورت بيتي

اقترب عمران منه وهو يتسند على عصاه وقال بثبوت

_ فينه حفيدي

ترجل سالم الدرج ليدنو منه أكثر وتحدث بإباء

_ موچود بس اني راضي ذمتك وعارف إنك بتجول الحج ولو على رجبتك

ينفع اللي عمله حفيدك ده؟

رد عمران باحتدام

_ حفيدي مـ عاش في الصعيد ولا يعرف عادته، غلط وخابرين زين بس إنك تبعتله رچالتك يضربوه وحتى لما يخبط على بابكم تكرروها في دي غلطة كبيرة جوي 

نظر سالم لرجال عمران وقال بتسويف

_ واني چيتلكم وجلتلكم أمنعوا ولدكم لجيته بردك چاي يتهچم عليا في بيتي، عايزني اعمل ايه ياحاچ؟ 

وبعدين اني مبعتش رچال يضربوه مهران هو اللي عمل إكدة يعني شغل عيال بلاش نجعوا احنا فيه 

مهران دي بنت عمه وخطيبته ولقى حد بيتعرض ليها فطبيعي رد يكون عنيف شويتين.

يعلم عمران جيدًا بأنه محق في كل كلمة نطق بها وان حفيده هو من أخطئ من البداية لكنه تحدث بحدة

_ ولدي كان چاي يتفاهم معاكم مكنش چاي يتهچم زي مـ بتجولوا، ومهما كان ده ضيف وجف على بابكم والضيف مهما كان ليه واچبه وإن معچبكش كلامه يبجى اخد واچبه ويتفضل مع السلامة، لكن انت سمحت لرچالتك يمدوا يدهم عليه للمرة التانية، فلو سامحنا في الأولى مش هنسامح في التانية


_ لا ياجدي مفيش داعي لكل ده 

كان هذا صوت مصطفى الذي خرج من البوابة الجانبية فأسرع إليه حازم ومعتز يتأكدوا من صحته ودنى منهم ليسالوه بلهفة

_ انت زين حد منهم مد يده عليك؟

هز رأسه بالنفي وقال بهدوء

_ لا انا كويس متقلقوش 

وقف امام جده وأكمل

_ جدي انا مش عايز اكبر الموضوع ولا اعمل عداء بين عيلتين

تحدث عمران باستنكار

_ بس دول مدوا يدهم عليك.

نظر إلى مهران ثم تطلع إلى جده وقال

_ لا محدش منهم مد ايده عليا انا جاي اقول كلمتين ليهم وهنمشي على طول.


تقدم من سالم وقال بهدوء

_ انا جاي اطلب منك ايد حفيدتك وانا تحت امرك في اللي تطلبه.

تطلع سالم إلى الرجال من حولهم وقال بمكر

_ هو ينفع بردك إن واحد غريب ياچي يطلب بنت من ولد عمها وخطيبها؟

اجاب احد الرجال

_ اديك جولتها غريب وميعرفش انها مخطوبة، وده طلب يا توافج يا ترفض

وقال الآخر

_ صُح كلامك واليد اللي تتمد على ولد كبيرنا لازمن تنجطع 

تحدث جمال برزانه

_ يعني طلبنا مرفوض؟

أومأ سالم بجمود

_ بالظبط اكدة، اني معنديش بنات للچواز.

أومأ جمال برأسه ثم نظر إلى مصطفى وقال بأمر

_ يلا جدامي

هم مصطفى بالمعارضة لكنه منعه بحزم

_ جلت يلا 


كل ذلك يحدث وهى تراقبهم من الأعلى

كانت عينيها قد تورمت من شدة البكاء وقلبها يدق بعنف خوفًا مما هو آتي

ظلت تتطلع إليهم وهم ينسحبون بهدوء وصعدوا سياراتهم وانطلقوا بها 

سقطت على الأرضية مستنده بظهرها على الحائط تبكي بقهر 

فقد ضاع كل شئٍ بين ليلةً وضحاها

حبها الذي طرق قلبها دون استأذان، ومستقلبها الذي تمسكت به بكل مـ أتيت من قوة حتى رضخوا لها 

والآن أصبحت حبيسة تلك الجدران التي تضيق عليها حد الاختناق.


❈-❈-❈


كانت سارة تزرع الغرفة ذهابًا وإيابًا من شدة قلقها

أما وسيلة فكانت تقف في الشرفة تنتظر عودتهم على جمر ملتهب 

هى تعرف زوجها جيدًا رغم طيبته لكن عندما يغضب يتحول لآخر اكثر شراسة 

لكن الشئ الوحيد الذي يطمئنها هو وجود والده معه لن يستطيع التفوة بحرف في وجود والده.

لكن هى تعلم جيدًا بأنه لن يصمد إن اشتد الجدال معهم، وتلك العائلة لا تهاب أحد.

أما جليلة فقد كانت تضع يدها على قلبها خوفًا على زوجها واولادها، تعلم سالم جيدًا وانه لن يستطيع فعل شئ في وجود عمران 

لكن هى الوحيدة التي تعلم ضغائنه من زوجها

لم يخرج عشقها من قلبه رغم مرور كل تلك الأعوام ورأت ذلك في عينية حينما صادفته وهو يخرج من منزلهم.

ذكرت محاولته التخلص من عمران حتى ذهبت إليه تناشده أن يتركه دون المساس به

تتذكر نظراته التي كانت تنظر إليها بعشق يناچي قلبٍ لا يبالي به، لأنه ملئ بعشق روحٍ لا ترى غيرها

حاول كثيرًا أن يجتث ذلك الحب من قلبيهما لكنه لم يستطيع

عرض عليها أن يضع كل ما يملك بين يديها لكنها أبت ذلك وترجته أن يتركهم هانئين بحبهم.

استسلم في النهاية وتركها ترحل 

لكن لم يرحل حبه لها من قلبه.

وظلت تدعوا ان يعودوا إليها سالمين.


توقفت السيارات أمام المنزل وترجل منها الجميع مما جعلهم يتنهدون براحة 


دلف عمران وخلفه اولاده وقد ظهر الغضب واضحًا عليه 

دلف مكتبه بعد أن سمح لجمال ومصطفى فقط بالولوج مما جعل قلب جليلة ينقبض بخوف 

تقدمت من جاسر تسأله بقلق

_ عملتوا ايه؟

جلس جاسر على المقعد بتعب ورد باقتضاب

_ متجلجييش احنا حلينا الموضوع وإن شاء الله خير.

نظر إلى اخويه وقال 

_ روحوا انتو استنوا ليلى جدام محطة الجطر زمانها على وصول

اومأ كلاهما وذهبوا دون النطق بشئ ثم نظر إلى سارة التي ترمقه بقلق بالغ لا يعرف ماهيته.


في الداخل 

أغلق مصطفى الباب خلفه ليواجه عين جده وعمه التى تنظره بغض جحيمي لن يسلم منه فكان جمال اول المتحدث إذ سأله بهدوء قاتل

_ عاچبك اللي حُصل ده؟

ارتبك مصطفى وتحدث بتلعثم

_ انا معملتش حاجة غلط أنا حبيتها وكنت عايز اتقدم مش اكتر 

تقدم منه جمال وعينيه كجذوتين نار وقد انتهى ثباته عند تلك اللحظة مما جعل مصطفى يرتد للخلف عندما هدر به

_ بعد اللي عملته ده وبردك مبتعترفش بغلطك.

اجاب بتسويف

_ والله ياعمي انا كنت رايح اتفاهم معاهم….

قاطعه جمال بان جذبه من تلابيبه وصاح به

_ إلا الناس دي جلتلك الناس دي مـ بترحمش ومسمعتش كلامي، ودلوجت بعد مـ شهدوا الناس علينا لو كررتها مرة تانية هيجتلوك ومحدش هيجدر يغلطهم حتى

تحدث مصطفى بألم

_ بس انا بحبها.

_ ملجتش غير دي وتحبها! 

اقترب منهم عمران كي يجذبه من بين يديه وقال 

_ أهدى ياچمال خلينا نتكلموا بالعجل 

صاح جمال 

_ هو خلى فيها عجل، خلصت البنات جدامه ملقاش غيرها؟!

نظر عمران إلى مصطفى وقال بحزم

_ الحديت اللي هجوله ده مش هكرره تاني

البنت دي تشيلها من دماغك نهائي وأي غلطة هتعملها تاني حسابك هيكون معاي، أبوك ميعرفش حاجة عن اللي حُصل بس لو اتهورة مرة تانية هخليه ياخدك من أهنه ويحبسك كيف الحريم في البيت لحد ما ترچع لعجلك، فاهم ولا لأ؟

لم يجيبه مصطفى مما جعل عمران يشتد غضبه 

_ رد عليا فاهم ولا لأ

أومأ مصطفى كي يهدئه وتحدث باقتضاب 

_ فاهم.

رغم الشك الذي اعتمر قلبه إلا إنه لن يستطيع فعل شئ

_ اطلع اوضتك دلوجت والصباح رباح

خرج مصطفى من المكتب متجهًا إلى غرفته ولم يستمع لنداء أحد، حتى وصل إليها واغلق الباب خلفه بحدة.


اقترب القطار من البلدة وليلى تائه في أحزانها

تناجي شوقها الذي لا يرحمها ولا يرئف بها 

ماذا ستفعل الآن؟

لن تستطيع العودة إلى القاهرة بعد ما حدث، لن تبقى في مكان يذكرها به

لكن كيف ذلك وكل شئٍ حولها يذكرها به حتى منزلها


ااااه من روح اضناها الهوا...

ويسألونني عنك فماذا اقول...

هو نور عيني وفرحة عمري وعشق روحي هو حلمي الجميل الذي لم يكن لي في واقعه نصيب...

ويسألونني عنك فأقول...

هو عشق قلبي وروح فؤادي هو فرحي الذي زراني في العمر مرة ولم يعد.

 هو ساكن روحي وأسير نبضي هو أجمل من رأت عيني هو أطيب روح سارت في جسدي ومرت في حياتي هو مجري دمى هو نبض قلبي ووتين فؤادي هو اشراقة أيامي...

ولمعة عيني هو الغائب الحاضر هو مصدر إلهامي...

هوعمري وسكوني وشغفي الدائم وجنون روحي هو حلمي الدائم هو دعوة قلبي للربِ هو ما يتمناه القلب وتعشقه الروح هو فرحي وحزني ودمعي وضحكاتي...

هو أقرب من انفاسي واغلى من روحي هو حلمي الجميل وحبي الضائع  فهل سيذكرني ويذكر أيامي ...

لكن ما سيبرد قلبي أن أراه سعيدًا حتى لو كان مع غيري ( رشا صابر )


توقف القطار لتترجل هى بخطوات ضائعة 

وشرود جعلها غير واعيه لما يحدث 


أما ذلك الشاب فقد كان ينظر إليها مندهشًا من حالتها

فقد تعدت الساعة الواحدة صباحًا وهى تخرج من محطة القطار وحيدة مما جعله ينتهز الفرصة ويتقدم منها يسألها 

_ ياآنسة انتي هتمشي لوحدك كدة في وقت زي ده

اخرجها صوته من شرودها مما جعلها تتأفف بضيق وقالت باقتضاب

_ ميخصكش

رغم اسلوبها الاذع إلا إنه لم يستطيع تركها ترج وحيدة

_ طيب اسمحيلي اوصلك حتى

لم تعد تتحمل تطفله اكثر من ذلك واستدارت إليه لتوبخه قائلة

_ يخصك في ايه انت، مليكش صالح

رفع حاجبيه بصدمة وردد حديثها

_ مليكش صالح! انتي من الصعيد؟

ازداد حنقها منه وفضلت تركه افضل من ذلك

خرجت من محطة القطار لتجد اخويها في انتظارها 

أسرعت بالذهاب إليهم لتنقبض قلوبهم ما إن رؤها بتلك الحالة سألها معتز بلهفة

_ مالك ياليلى في ايه؟

أشارت لهم بالصمت وقالت باقتضاب

_ تعبانه بس مفيش حاجة

لم يريد أحد الضغط عليها وتركوها تدلف للسيارة خوفًا من إجابة سؤالهم 


أما ذلك الشخص فظل ينظر إلى السيارة وهى تبتعد حتى اختفت من امامه.


❈-❈-❈


خرج عمران من المكتب ليجدهم جالسين في الردهة فتحدث بأمر 

_ والد ده ميخرجش من برة البيت لأي سبب من الأسباب لحد الأمور مـ تهدى ويرچع تاني للقاهرة

ثم تطلع إلى جاسر وتابع بامتعاض

_ وانت مفيش سفر تاني بالعربية تحت أى ظرف 

فاهم ولا لا؟

أومأ جاسر باقتضاب

_ فاهم

وجه نظره لجمال 

_ وانت تقنع ليلى أنها تنجل في المستشفى اللي أهنه بعد اللي حصل ده مش هجدر أغمض عينيه وهي بعيدة عنينا.

أيدت وسيلة رأيه

_ صُح حديتك ياعمي

قال لجاسر 

_ خد مرتك واطلعوا اوضتكم


دلفت ليلى المنزل لتجد الجميع مجتمع في الردهة ويبدوا عليهم الانزعاج تقدمت منهم 

_ السلام عليكم

رد الجميع السلام فتقدمت منها وسيلة تحتضنها بلهفة عندما لاحظت شحوبها وقالت بقلق 

_ كيفيك يابنتي.

ابتسمت ليلى كي تطمئنها

_ الحمد لله بخير 

نظرت إلى الجميع وقالت 

_ معلش انا تعبانه من السفر وعايزة ارتاح

صعدت الدرج وصعدت سارة معها كي تطمئن عليها 

وفور دخولهم 

جلست ليلى على الفراش وقد انتهى ثباتها واجهشت فـ البكاء

اغلقت سارة الباب خلفها وجلست بجوارها تسألها بقلق

_ مالك ياليلى ايه اللي حصل

لم تجيبها وهى تخفي وجهها بين يديها ويزداد نحيبها 

جذبتها سارة إلى احضانها تربت على كتفها وهى تهون عليها قائله 

_ اهدي ياليلى كل حاجة هتتحل بس أهدي

ابتعدت ليلى عنها قليلًا كي تنظر إليها وقالت من بين شهقاتها

_ كان بيغشني وبيوهمني بالحب وهو مرتبط بواحدة تانيه.

لم تفهم سارة شيئًا منها وتحدثت بتعاطف

_ طيب بطلي عياط وفهميني ايه اللي حصل

قصة عليها كل شئ حتي خروجها من المشفى وساد الصمت قليلًا وسارة تحاول البحث عن كلمات تخفف بها نارها حتى استطاعت القول أخيرًا

_ كان لازم تصبري ياليلى لما يفوق وبعدين تواجهيه مكنش ينفع تمشي كدة على طول 

نظرت لها بعدم استيعاب

_ عايزاني اعمل أيه؟ اقل من كرامتي اكتر من كدة واقوله انت كنت بتخدعني ولا لأ؟

اكدت حديثها 

_ ايوة كان لازم تعملي كدة، انما هروبك من غير مواجهة هيحسسه انك اتخليتي عنه، انا بأكدلك انه فعلًا بيحبك وأكيد ده سوء تفاهم.

عقدت حاجبيها بدهشة 

_ سوء تفاهم ازاي ووالده مـ انكرش كلامها، وبعدين انتي لو شفتي الثقة اللي بتتكلم بيها مكنتيش هتقولي كدة، وبعدين اواجهين مين وهو لسة في غيبوبة من آثر العملية، وادامه ولا شهرين عشان يقدر يتكلم ويتناقش 

_ هو مش خلاص عمل العملية 

_ اه عملها بس الموضوع مش بالسهولة دي، أمجد ادامه من ست شهور لسنة عشان يقدر يمارس حياته طبيعي

_ خلاص كنتي تسألي والده يمكن هو مقدرش يكدبها عشان ميحرجهاش.

هزت راسها برفض

_ مينفعش ياسارة لازم اخرج بكرامتي كفاية لحد كدة 

ربتت على يدها 

_ خلاص أهدي ومتزعلش نفسك وهو لو فعلًا بيحبك هيعمل المستحيل عشان يوصلك.

اومأت بصمت ثم قالت برجاء

_ بلاش تعرفي جاسر حاجة من اللي حصلت 

قطبت جبينها بعدم فهم 

_ انا مستغرفة اصلًا إن جاسر سابك تسافري، انتي عرفاه متعصب وبيغير أوي على أهل بيته.

ابتسمت بحزن 

_ انتي لو شوفتيه وهو جايلي المطار كان هاين عليه يضربني بالنار ويخلص مني بس لما اترجيته وقلتله انت مجرب الحب وعارف ناره، بعدها سمحلي اني أسافر


انقبض قلب سارة خوفًا من أن يكون جاسر عاشقًا لأخرى لكنها لم تستطيع التفوة بحرف والتزمت الصمت..


❈-❈-❈


عادت سارة إلى الغرفة لتجد جاسر مستلقيًا على الارضية واضعًا ذراعه على وجهه ويبدو عليه التعب

فقد كان يومًا شاقًا على الجميع وهو لم يسترد عافيته بعد.


تقدمت منه بتردد لتقول بوجل

_ بلاش تنام على الأرض انت لسه تعبان ومينفعش، خليك انت على السرير وانا هنام في الأرض

تحدث جاسر باقتضاب 

_ اني مرتاح إكدة، نامي انتي 

لم تريد الضغط عليه وتركته لتدلف المرحاض بعد أن اخذت ملابس لها من الخزانة وأغلقت الباب خلفها.


نهض جاسر من مرقده وقد شعر حقًا بالألم يجتاح جسده من تلك النومة 

لم يعد يتحمل الاستلقاء على تلك الأرضية الصلبة 

نظر إلى الفراش وتذكر الليلة التي قضاها بجوارها وكم نعم تلك الليلة بنومًا هنيئًا لم ينعم بمثله من قبل.

لكن ماذا يفعل في مشاعره التي لا ترحمه وتطالبه بالتشبع من رحيقها

فـ بنظرة واحدة منها تجعله يرضخ لذلك العشق الذي حرمه على نفسه وعلى قلبه ليجابهه بضراوة كي لا يضعف أمامها

كلما قرر أن ينحي الماضي ويبدأ حياة جديدة معها يجد ظلام الماضي يسدل ستائرة السوداء أمامه فيرتد تلك الخطوة التي أقدم بها إليها 


خرجت من المرحاض وهي ترتدي منامة من قطعتين وبدون أكمام لتخطف أنفاسه بعفويتها

هل تختبر صبره؟!

أم تزيد من عذابه؟

وقفت امامه تنظر إليه وكان لنظراتها اسأله تخشى البوح بها وهو يعلمها جيدًا همت بسؤاله

لكنه طمئنها

_ الحظ خدمه وملجتوش


الراحة التي ظهرت على وجهها جعلت الغيرة تنهش قلبه مما جعله ينظر إليها بضيق وقال باحتدام

_ ومالك فرحتي إكدة ليه؟

تطلعت إليه برهبة وردت بارتباك

_ لا مش فرحانة ولا حاجة، انا بس مش عايزاك تضيع نفسك عشان واحد ميستهلش

ضيق عينيه بشجب وسألها بانفعال

_ وانتي شايفة إن اللي حُصل ده يتعدى إكدة بالساهل؟

عادت إلى عينيها نظرة الانكسار مما جعلها تخفضها بخزي علمًا بأنه لن يغفر لها مهما فعلت

وسيظل الحزن ملازمًا لها والبعد سيكون مصيرهم حتمًا، لن يستطيع كلاهما الاستمرار في هذا العذاب.

لم تجيبه بل انسحبت بصمت مطلق وتوجهت إلى الفراش لتستلقي عليه وهي توجه ظهرها له


❈-❈-❈


ظلت وسيلة مستيقظة وقد جفاها النوم حزنًا على ما يحدث معهم 

فقد تبدل حال اولادها وأصبح الحزن ملازمًا لهم حتى في ضحكاتهم


_ مالك ياوسيلة في حاچة تعباكي؟

حاولت الابتسام كي لا تقلقه بعد ذلك اليوم الشاق الذي انهكه لكنها لم تستطيع، وتحدثت بما يجول بخاطرها 

_ خايفة جوي على ولادنا، حاسه بيهم وبالحزن اللي بيداروه عني بس اني جلبي حاسس بيهم وبآلامه

_ ليه بتجولي أكدة، جاسر واتزوچ اللي رايدها وليلى حججت اللي نفسها فيه وخلاص السنة دي وهتتخرج وتبجى دكتورة وحازم ومعتز ميتخافش عليهم.

هزت راسها بنفي وقالت بحزن

_ لا ، مش دي ليلى بنتي اللي كانت الضحكة مـبتفارجش وشها ولا نقارها مع أخواتها كل دجيحة، بجيت دايمًا مطفية وسرحانة حتى وهى بتهزر عينيها بيبجى كلها حزن 

وجاسر اللي لو دارى حزنه عن الدنيا كلها مش هيجدر يداريه عني

ابنك مش مبسوط ياجمال زي ماانتوا فاكرين

أني بحس بكسرته وبألمه 

نظرت إليه بحزن وتابعت

_ جلبي شاغلني عليهم جوي.

راوده نفس إحساسها لكن لم يريد التطرق به كي لا يقلقها وقال بثبوت

_ اولًا جاسر ممكن يكون لسه مـ اخدش على مرته لإن زي مـ انتي خابر شافوا بعض اتزوچوا في أيام 

فطبيعي اللي بيحصل بينهم، بس حجيجي نظراته ليها بتأكد انه بيجبها 

هزت راسها بنفي وقالت بحزن

_ لا نظراته ليها كلها عتاب مش بس حب، أني متأكدة، في حاچة بينهم ومخبينها جلبي بيجولي أكدة.

بدأ الشك يتلاعب به وسألها بريبة

_ وليه متكلمتيش معها وعرفتي ايه اللي بينهم

_ سألتها كتير بس بتجولهم انهم كويسين ومفيش أى حاچة، بس بردك مش مصدجة.

تنهد جمال بيأس منها

_ اني واثق ان مفيش حاچة كل دي اوهام من خوفك الزايد عليهم.

تحدثت بتمني

_ ياريت ياجمال بدعي إن ربنا يخيب ظني.


❈-❈-❈


اشرقت شمس الصباح بعد تلك الليلة العصيبة التي مرت على الجميع بألم ومشقة 

ليلى التي ظلت طوال الليل تبكي حبها الضائع 

وتتردد كلمات تلك الفتاة في أذنها حتى الآن

وتتساءل بوجع 

اكان يخدعها كل تلك الفترة ويوهمها بعشقٍ زائف وهو عاشقًا لغيرها.

لكن لم تجد من يجيبها لتظل تائهة في بحور الوصب الذي لا يرئف بمن يلقى به


وجاسر الذي بات يتقلب على جمر من نار وهي نائمة بجواره يتوقى إليها ولا يستطيع لمسها 

فقد ظل جالسًا في الشرفة حتى كفت عن النحيب واستغرقت في النوم ثم عاد إليها ليستلقي بجوارها يعتذر لها عمّ بدر منه.

وكلما احجبت خصلاتها وجهها يمد يده ليرفعها بتروي كي ينعم بملمسه الناعم ويضع خلف أذنها.


أما مصطفى فقد بات ليلته وهو يفكر في حل 

كيف الوصول إليها؟

حتى توصل إلى حل أخير 

وهو أن يوهم الجميع انه استسلم لكنه لن يتخلى أبدًا وسيظل خلفها حتى ينتشلها من بأسها…


تكملة الرواية من هنااااااا


لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هنااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا




تعليقات

التنقل السريع