القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية ومجبل علي الصعيد الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم رانيا الخولى كاملة

 

رواية ومجبل علي  الصعيد الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر  بقلم رانيا الخولى كاملة 



رواية ومجبل علي  الصعيد الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر  بقلم رانيا الخولى كاملة 



ومقبل على الصعيد

رانيا الخولي

الفصل الحادي عشر


كان خالد جالسًا في مكتبه عندما رن جرس الباب 

خرج من الغرفة ليجد منال زوجته تتجه لفتحه فمنعها  قائلاً 

_ خليكي انتي انا هفتح ده أكيد منصور

عادت إلى الغرفة مرة أخرى 

 وفتح خالد الباب ليجده منصور فقد أتصل عليه اليوم وأعلمه بمجيئه يعلم جيدًا سبب تلك الزيارة لكن لن يخبره بمعرفة ذلك

_ أهلًا يا منصور أتفضل

دلف منصور ليصطحبه خالد إلى غرفة مكتبه وأغلق الباب خلفه وسأله 

_ ايه يابني في ايه؟ قلقتني.

جلس منصور على الاريكة واضعًا رأسه بين يديه 

وأجابه بتعب

_ سارة سابت البيت وقبلت على الصعيد.

رد خالد ببساطة

_ وأيه المشكلة، والله فيها الخير وعملت اللي حضرتك معملتوش بقالك خمسة وعشرين سنة

هز منصور راسه بسام وقال بحده

_ أنا بتكلم في ايه وانت بتتكلم في إيه؟! بقولك البنت سافرت وقافله الزفت الموبايل ومش عارف أوصلها.

ولازم ترجع دلوقت عشان جامعتها.

رد خالد بتهكم وهو يجلس قبالته

_ عشان جامعتها برده ولا أنت اللي رافض مروحها هناك.

لم يجيبه ليتابع خالد

_ أنا مش عارف انتوا منعنهم ليه، ولادك من حقهم يعرفوا أهلهم ويودوهم ملهمش هما ذنب في المشاكل اللي بينكم دي، وبعدين تقدر تقولي أنت مقاطعهم ليه؟ أيه اللي حصل منهم عشان تبعد بالشكل ده؟!

لم يريد التطرق في ذلك الحوار وقال متهربًا

_ أنت ليه بتخرجني من الموضوع الاساسي اللي جايلك فيه.

رد خالد بلهجه حاده

_ لأن ده هو الموضوع الأساسي اللي لازم نتكلم فيه قبل أى حاجه، نبهتك كتير وقلتلك بلاش تمشي ورا شريف وبنته ومصدقتنيش والآخر سمعت بودنك اتفاقهم عليك وأنهم بيدبروا إزاي يخلصوا منك 

مش سمر دي اللي قاطعتهم عشانها، مش ده شريف اللي قوى قلبك على أبوك وخلاك تتخلى عنهم في محنتهم؟

تقدر تقلي سايبها على ذمتك ليه بعد ما عرفت حقيقتها؟

تنهد بضيق وهو يجيبه

_ مش بسهولة كده لازم انتقم منهم الأول

_ هتنتقم من مين؟ من أم ولادك وجدهم؟ 

وتقول لولادك أيه؟ 

نهض منصور وقد سأم من الخوض في ذلك الحديث 

_ هقولهم حقيقة أمهم؟

رد خالد مأيدًا

_ تمام وبالمرة أحكيلهم حقيقة أبوهم.

رد منصور بسخرية

_ وأنت فاكر أنها معرفتش حاجه؟ زمانهم حكولها على كل شيء من البداية.

نهض خالد ووقف أمامه قائلًا بمصابرة

_ لأ متخفش بنتك هناك معززة مكرمة والكل مبسوط بيها 

قطب جبينه بدهشة ليسأله

_ وأنت عرفت إزاي؟

لن يخبره بأنه من أعطاها العنوان كي لا يشك في الأمر ورد بهدوء

_ جمال أتصل عليا في الوقت اللي وصلت فيه، وسألني لو كان حد ضايقها لأنها واضح عليها الزعل

انا من رأيي تسيبها وتسيب مصطفى كمان لحد ما تخلص حربك مع مراتك

هناك هيكونوا في آمان بعيد عن الشر اللي أنتوا فيه

بدل مـ سمر وأبوها يلعبوا في عقلهم زي مـ لعبت في عقلك، أسمع كلامي وسيبهم.

نعم محق في كل كلمه عليهم أن يبعدهم عنها حتى يطمئن عليهم.

وسأله بحيرة

_ بس هبعت مصطفى إزاي، أكيد سمر هتمنع.

أقترح خالد قائلاً 

_ مصطفى رايح يجيب أخته لأن مينفعش ترجع لوحدها فهمت؟

أومأ برأسه مقررًا إبقاءهم بعيداً عن الحرب التي يخطط لها مع شريف وأبنته حتى يسترد حقه كاملًا


❈-❈-❈


عاد جاسر في وقت متأخر ليجد وسيلة تجلس في الردهة تنتظر عودته بقلق بالغ وعند رؤيته سألته بقلق

_ جاسر ايه اللي مأخرك بره البيت لحد دلوجت؟ دي أول مرة تعملها.

جلس جاسر على المقعد وهو ينظر إلى الأعلى مكان غرفتها وقال بهدوء

_ عادي ياأمي كنت سهران مع يحيى.

لم تصدق وسيلة حديثة فتسأله بعتاب

_ كنت سهران مع يحيى ولا مش عايز ترچع البيت؟

أشاح بوجهه بعيدًا عنها فتقترب منه وسيلة وتقول بإستياء

_ انا عايزه اعرف مالك ومالها مضيجاك في أيه؟ دي البنت كيف النسمه والكل أتعلج بيها إشمعنى إنت؟

ألتفت إليها جاسر ليقول بحدة

_ خابرة ليه؟ لأنها بنت منصور، ومهما تعمل مش هجبلها ولا هجبل وجودها أهنه لإني خابر زين إنها مش سهلة زي مـ انتو فاكرين، دي باعتها منصور لغرد اول ما توصله هتظهر على حجيجتها.


تعبت وسيلة من الجدال معه لأنه لن يجدي نفعًا وقالت بتعب

_ مين اللي ملى دماغك بالكلام ده….

قاطعها جاسر بألم

_ مش هى دي الحجيجة، مش دي بنت الراجل اللي ساب  أبوه في عز محنته وأتخلى عنيه 

مش هو اللي أخد الفلوس وهمل البلد وساب أخوه يتعذب ويشجى عشان يسد ديون الأرض وهو عايش  حياته ولا همه شئ، لا وكمان بيطالب بورثه وچدي لساته عايش

_ أهدى ياولدي وخرج الهم ده من چواك وبلاش تدخل نفسك في حاچه زي دي دول مهما كان  أخوات ومسيرهم يرچعوا لبعض تاني

وصدجني سارة دي غيرهم هى بجالها يومين معانا مشفناش منها غير كل خير، أرچوك ياولدي بلاش تظلمها.

تنهد بألم وهو يحاول بصعوبة بالغة السيطرة على حريق قلبه الذي لم يهدئ قط منذ أن علم الحقيقة، نظر إلى والدته وتحدث باعتذار

_ أني آسف لو كنت انفعلت عليكي بس صدجيني غصب عني

ربتت وسيلة على صدره وقالت بتفاهم

_ خابره ياولدي بس بلاش تجسى عليها دي مهما كان في بيتنا وحتى لو كانت زي ما بيتجول مينفعش نعاملها غير بالخير عشان ردها علينا برده يكون بالخير، فهمت ياولدي

أمسك يدها ليقبلها بحب ورد بهدوء

_ حاضر ياأمي هحاول 

ابتسمت له بحب وقالت

_ طيب يلا بجى اطلع نام لأن الوجت آخر جوى، تصبح على خير 

_ وانتي من أهله

وقبل أن يتحرك من مكانه أسرعت سارة بالولوج إلى غرفتها وهى لا تصدق ما تسمعه أذناها

هل حقًا ما سمعته حقيقة وأن والدها ليس بتلك المثالية التي كان يخدعهم بها؟

هل حقًا تخلى عن أهله وهم في أشد الحاجة إليه؟

أسئلة كثيرة تود إجابتها لكن من يجيبها؟

وقفت تنظر من الشرفة  الدموع تنهمر من عينيها، لقد اكتشفت بعد كل تلك الأعوام انها داخل كذبه كبيرة سواء من والديها أو صديقتها.

فـماذا يخبئ لها القدر أكثر من ذلك.


❈-❈-❈


عاد منصور إلى المنزل فيجدها جالسة في الردهة تتلاعب بهاتفها وتهز قدماها دلالةً على عدم الصبر 

أغلق الباب بحده كي يعلمها بمجيئه وعند رؤيته أسرعت إليه تسأله بتوجس

_ ها عملت أيه؟

واصل سيره حتى جلس على الأريكة ورد بهدوء

_ يومين كده وهبعت مصطفى يجيبها 

عقدت حاجبيها بدهشة وتحدتث بحيرة

_ يعني أيه مصطفى يروح يجيبها؟ وخالد مرحش ليه؟

زفر بضيق ورد بصبر نافذ

_ خالد مش قاعد تحت أمرك، مشغول الفترة دي ومش هيقدر يسافر

وخليته كلم منصور أدامي وحتى بيقول ان البنت نفسيتها تعبانه 

ردت سمر بحدة

_ وتعبانه ليه إن شاء الله ؟

رد بتهكم

_ والله بقى ده سؤال تسأليه لنفسك، أيه اللي تاعب نفسية البنت وازاي تسيبيها لحد ما تجيب اخرها وتلجئ لحد غيرك

اومال انتي لزمتك ايه بالظبط

اندهشت أكثر من طريقته الفظه معاها لم يعد ذلك الرجل الذي كان دومًا يتمنى رضاها، بل تحول وكأنه شخصٌ آخر لا تعرفه فردت بمصابرة 

_ انت عارف كويس إن الفترة اللي فاتت كنت مشغوله معاكم فـ الشركة وممكن يكون هو ده اللي ضايقها، أو لأننا منعناها هى وأخوها من السفر للصعيد 

مسح على وجهه متوعدًا لها على أهمالها أيضًا لأولاده  وقال بهدوء يتنافى تمامًا عمّ بداخله من غضب

_ على العموم حصل خير وزي ماقلت يومين ومصطفى يبقى يسافر ويجيبها وياريت متفتحيش الموضوع ده تانى.

نهض من مقعده بكل هدوء جعلها تود قذفه بما أمامها

وتوجه إلى غرفته.


❈-❈-❈


دلف صابر غرفة أبنه بعد أن سمح عصام بزيارته

كانت ليلى ملتزمة غرفته لا تتركه سوى ساعات قليلة في المساء إذا لم يكن لديها مناوبة

نهضت من المقعد عندما وجدته يدلف إليه وتحدثت بتعاطف

_ اتفضل ياعمي 

أقترب صابر منه ليجلس على المقعد ويسألها بحزن

_ صارحيني يابنتي، هو عامل ايه دلوقت؟

بللت شفتيها التي جفت من شدة التوتر وردت بثبات

_ الحمد لله أحسن بكتير، وإن شاء الله هيفوق في أسرع وقت

امسك صابر يده وقال بخوف

_ بس ده بقاله خمس أيام في غيبوبة أنا خايف ميفوقش منها 

كيف تطمئنه وهي تريد من يطمئنها فردت بمهنية 

_ طبيعي لأن في حالته دي الغيبوبة بتستمر من خمس لعشر أيام بس ده بالكتير آوي، و احنا أملنا في ربنا كبير 

دلف عصام الغرفة ليجد صابر يتحدث معها 

تقدم منهم ليطلع على مؤشراته ثم تحدث بأمل

_ أطمن ياصابر إبنك الحمد لله بيتحسن ومسألة وقت وإن شاء الله هيفوق

رد صابر بتمني

_ يارب 

نظر إلى ليلى وأردف

_ مش هترتاحي شوية، أنتي عندك عملية بالليل ولازم تكوني مركزه

اخفضت عينيها وردت بهدوء

_ حاضر بعد أذنكم 

خرجت ليلى من الغرفة متجهه إلى مكتبها وعند ولوجها رن هاتفها الذي لم يكن سوى حازم أخيها وعندما أجابته سألها بجدية

_ ايه ياليلى مرجعتيش ليه لحد دلوجت؟

جلست على المقعد بإرهاق وأجابته بتعب

_ مش راجعه النهاردة لأن عندي عملية بالليل

سألها بشك

_ عملية بس؟

تنهدت بتعب وردت بثبات

_ اه ياحبيبي عملية بس أطمن

شعر حازم بحماقة كلماته وقال بتفاهم

_ ماشي ياحبيبتي ربنا يوفقك.


أغلقت ليلى الهاتف ووضعته على المكتب وقد شعرت حقًا بالإرهاق، فهي لا تستطيع النوم بأريحية في المنزل خوفًا وترقبًا من حدوث شئٍ له أثناء غيابها 

وإذا كانت لديها مناوبة ليلية فهي تنام على المقعد بجواره بعد انتهائها.

خرجت من مكتبها وذهبت لأستراحة الطبيبات كي ترتاح قليلًا قبل ميعاد العملية.


❈-❈-❈


فى منزل عمران 

جلسوا جميعهم في حديقة المنزل من دون جاسر الذي تعلل بالنوم مبكرًا لذهابه صباحًا إلى القاهرة

تحدثت جليلة باشتياق

_ الجاعدة اشتاجت للغايبين، هما جالوا هيرجعوا ميتى؟

ردت وسيلة وهى تنظر إلى جمال بغيظ

_ كانوا بيجولوا بعد ١٥ يوم يعني المفروض ينزلوا كمان يومين، بس مـبينش.

نظرت جليلة إلى سارة التي تتلاعب بهاتفها بشرود وسألتها

_ إنتي لساتك بتدرسي بردك؟

انتبهت سارة لسؤالها وأجابت

_ اه بس في آخر سنة

نظرت إلى عمها وأردفت

_ بعد اذن حضرتك ياعمي لو مش هضايقكم أنا كنت عايزة انقل السنة دي في الجامعة اللي هنا.

أندهش الجميع وقد تأكد ظنهم بأن هناك خطبًا ما جعلها تترك أبيها وتأتي إليهم، فسألها عمران بشك

_ ومنصور ولدي عارف اللي ناوية تعمليه

هزت راسها بنفي دون قول شئ فقال جمال بجدية

_ أولًا البيت ده بيتك ونشيلك جوه عنينا بس مفتكرش إن منصور هيوافج، ولو وافج ولدتك مستحيل تجبل بكده

ردت سارة بإصرار

_ ميهمنيش رأيهم، وده قرار أخدته بعد تفكير 

أنا من زمان وانا نفسي آجي واعيش معاكم هنا ومش مستعده أسيب البلد بعد ما لقيت الفرصة

نظرت لجدها وتابعت

_ إلا إذا كنت مش عايزني اقعد معاكم.

رد عمران بصدق

_ كيف ده دا إن مشلتكيش الارض تشيلك عيونا ومدام دي رغبتك أني هجف معاكي 

نظر جمال لوالده بعينين حائرتين هو يعلم جيدًا بأنه لن يوافق على ترك أبنته هنا ولا حتى زوجته، فكيف إذًا يوافقها وهو يعلم علم اليقين بأنهم لن يتركوها له

فأردفت سارة 

_ وانا هكلم عمو خالد يساعدني في نقل الورق

رد جمال بإستسلام

_ اللي تشوفيه يابنتي.

تطرقوا جميعًا في حديث أخر وقررت هى فتح هاتفها كي تهاتف خالد  لتتفاجئ برسالة من ذلك الشيطان وكان محتواها 

" أفتحي فونك ياإما هحكي لأبوك كل حاجه"

انقبض قلبها خوفًا من كلماته فانسحبت بهدوء دون أن يراها أحد وتسللت إلى الجانب الآخر في حديقة المنزل 

وقامت بالاتصال عليه ليجيبها مسرعًا

_ أهلًا باللي سابت البيت وهربت مش كنتي قلتلي وأنا كنت اخدتك معايا 

صاحت به بقوة زائفة

_ عايز مني إيه؟

رد وائل بحده

_ أنا قلتلك حددي ميعاد مع أبوكي واتفاجئت بعدها إنهم بيدوري عليكي لو بتفكري تهربي مني فأنتي الخسرانه، يا ترجعي وتوافقي على جوازنا ياأما هروح لأبوك وأقوله إنك غلطتي معايا وجاي أصلح غلطتي، وشوفي بقى أبوكي الصعيدي هيعمل فيكي أيه؟

لم يزيدها حديثه سوى بغض ونفور منه لن توافق على الأرتباط بخائن مثله حتى لو كلفها حياتها فقالت ببغض

_ مستحيل أتجوز واحد ندل وخاين زيك أستحل شرفي ودمرني بالشكل ده، الاشمئزاز اللي حساه من ناحيتك يخليني افضل الموت ولا انك تلمسني تاني

بس انت مش غلطان لوحدك أنا اللي أستاهل إني وثقت في أختك ودخلت بيتكم.

قامت باغلاق الهاتف وكادت أن تلقى به لولا تلك اليد التي وضعت على فمها تسحبها خلف تلك الشجرة العتيقة في حديقة المنزل، حاولت الإفلات من بين يديه برعب لكنه أحكم قبضته عليها حتى تأكد من خلو المكان وأدارها إليه لتواجه تلك العينين التي تشبه فوهة بركان تقذف حممًا نارية من هول الغضب الذي سيطر عليهم وسألها بفحيح يشبه فحيح الأفعى

_ اللي سمعته ده صُح؟


إنقبض قلبها خوفًا من نظراته التي تكاد تحرقها بلهيبها فلم تستطيع الرد من يده التي وضعها بعنف على فمها فصاح بها بغضب هادر

_ إنطجي اللي سمعته دلوجت ده صُح


هزت رأسها بنفي وقد شعرت بقدميها كالهلام من شدة الخوف، وخاصةً عندما وجدته يردف بتحذير


_ أكدبي مرة تانية وانا ادفنك مُطرحك وأجولهم غسلت عار منصور بيدي، مين اللي عمل معاكي إكده؟


تساقطت دموعها على يده التي مازالت موضوعه على فمها مما جعله يبعدها وكأنه أصيب بحرق نارى فتمتد يده إلى عنقها ضاغطًا عليه وهو يقول بحده

_ جولى لخلص عليكي، مين اللى غلطتى معاه يافاچره


لا داعي للكذب، فقد علم وأنتهى الأمر فـ ترد ببكاء وهى تحاول التنفس بصعوبة

_ والله ماعملت كده برضايا، ده كان غصب عني.

اغتاظ مما تفوهت به وسألها بسخط

_ كيف يعني خطفك من عالطريج إياك


أجهشت أكثر في البكاء وردت بانهيار وهي تتذكر تلك اللحظة

_ لأ كنت عندهم وحطلي المنوم في القهوة، فُقت لقيته معايا في الاوضة، أقسملك إن دي الحقيقة.


لم يرق قلبها لدموعها التي تنهمر بغزارة على وجنتيها فـ تحدث باستهزاء وبداخله براكين تغلي 

_ وإنتي إيه اللي وداكي عنديه يا فاچرة، طبيعي ماهو ملكيش راجل يسألك رايحة فين وچاية منين ، تعملى ما بدالك.


أزاحها من أمامه حتى كادت أن تسقط لولا أن تمسكت بجذع الشجرة فتتدارى خلفها وتجهش فـ البكاء على حظها العثر الذي يوقعها بين يدي من لا يرحم.


اما هو فقد وقف حائرًا لا يعرف ماذا يفعل في تلك المعضلة التي حطت فوق رؤوسهم.


ماذا يفعل؟ هل يقتلها ويغسل عارها؟ 

لكن إذا فعل ذلك ماذا سيكون مصير عائلتهم، ستظل وصمة عار في تاريخهم، وقد يلحق الضرر بأخته.

نظر إليها بغضب وقام بجذبها من خصلاتها وهو يقول بصوتٍ جهوري

_ كانت خابر إنك چاية بمصيبة بس محدش صدجني

اني لازم أجتلك وأخلص من عارك.

بكت سارة بألم من شدة قبضته على خصلاتها وقالت بألم

_ اقسملك انه مكنش برضايا، وجيت هنا أتحمي فيكم 

احتقنت الدماء في عروقه وأزاحها من أمامه وقال بغضب عارم

_ تتحامى فينا ولا تفضحينا

اشتدت ملامحه حده كالفولاذ وهو يتابع

_ كنت خابر إن منصور مش هياچي من وراه غير الخراب، بس متخيلتش إنك تعملي فينا إكده 

بس هجول ايه العيب مش عليكي العيب على اللي سايبك تدوري على حل شعرك لحد مـ جيبتنا مصيبة

لم تستطيع البقاء وسماع المزيد من كلماته السامة التي تمزق قلبها بكل قسوة

عادت إلى غرفتها لتغلق الباب خلفها ثم تستند عليه بظهرها وتجهش بالبكاءالذي جعل جسدها يهتز بعنف وهى تحاول كبت شهقاتها 


أما هو فقد جلس على الفراش واضعًا رأسه بين يديه يفكر في حل لتلك المعضلة


لن يستطيع التحدث مع جده فلن يتحمل مثل تلك الصدمة

ووالده يكفي ما حدث من والدها لن يحزنه أكثر بفعلتها 

ظل يفكر حتى توصل إلى حل أخيرًا.

وسيكون بذلك إستطاع هزم منصور وكسره دون أن يعلم أحد، سيأخذها إليها ويلقي بالخبر في وجهه وحينها سيكون بذلك هدئ نيران قلبه المشتعلة بداخله وهو يراه بذلك الخزي وحينها سيكون رد الصاع بصاعين.




ومقبل على الصعيد

الفصل الثاني عشر 


❈-❈-❈


خرجت من غرفة العمليات وهى تشعر بالإنهاك كانت تود أن ترتاح قليلًا لكنها لم تستطع الذهاب للراحة دون الاطمئنان عليه

دلفت الغرفة لتجد الممرضة تبدل له المحاليل وهو على نفس وضعه

تقدمت لتأخذ منها الأدوية وهى تقول بثبات

_ روحي أنتي ياسهى وانا هبدل المحاليل 

ردت سهى بتعاطف مع حالتها تلك

_ بس أنتي شكلك تعبان ومرهقة آوي روحي انتي ارتاحي وانا هاخد بالي منه.

ردت ليلى بإصرار وهى تقوم بوضع الأدوية داخل المحلول

_ لأ أنا هفضل معاه مش هسيبه روحي أنتي 

أومأت سهى وهى تنظر إليها بتعاطف فهى شاهدة على ذلك الحب الذي يجمعها به وتركت لها المحاليل لتقوم بتعليقها 

وهي تتضرع لربها بالشفاء له 

بعد خروج الممرضة انتبهت ليلى على صوت همهمة خافته 

نظرت إليه لتجده يحاول رفع جفنيه بصعوبة بالغة 

وكان يجاهد كي يرفع يده ويزيل ذلك العائق الذي وضع على أنفه

لكن يد ليلى منعته من ذلك وأعادت يده مكانها وهى تقول بسعادة 

_ أمجد أنت كويس

لم يستطيع التحدث وأكتفى بإيماءة بسيطة من عينيه التي لم يستطيع فتحها جيدًا

فقامت بمعاينته وابتسامة مشرقة مرتسمه على ثغرها لاحظها هو برغم التعب الذي انهكه

قامت بالضغط على الزر لتدلف الممرضة 

_ نعم يا دكتورة 

ردت ليلى بسعادة

_ بلغي الدكتور عصام إن مستر أمجد فاق

أومأت الممرضة وأسرعت بالذهاب لتنظر ليلى إلى أمجد وتقول بفرحة لم تستطيع أخفاءها

_ حمد لله على السلامة

شعر بجفاف حاد في حلقة وهذا ما شعرت بيه ليلى لتقوم بوضع القطنة في الماء ثم تعسرها بالقرب من شفتيه كي ترطب حلقه قليلًا 


دلف عصام الغرفة وقد سعد كثيرًا بذلك الخبر 

فتحدث بسعادة وهو يقترب منه و يراقب مؤشراته

_ حمد لله على السلامة يابطل كل ده نوم

أغمض عينيه وكأنه يشعر بالألم 

فبدأ عصام يسأله بعض الأسئلة وهو يجيبه بعينيه

اما هى فقد كان قلبها ينبض ببهجة لم تشعر مثلها من قبل.

تحدث أمجد بوهن

_ عايز أخرج من هنا.

رد عصام بهدوء

_ إن شاء الله بس الأول لازم نسيبك تحت الملاحظة لحد الصبح تحسبًا لأى ظرف وهنقلك بعدها في اوضه عادية.

لم يستطيع أمجد المجادلة بسبب ضعفه وعاد للنوم مرة أخرى.

نظرت إلى عصام وسألته بقلق

_ انا قلقانه ليرجع للغيبوبة تاني

تنهد عصام براحة وأجابها 

_ لا إطمني هو كويس بس ده طبيعي لأن الغيبوبة أستمرت فترة طويلة الصبح هيكون كويس.

خارج عصام ليتركها معه ولأول مرة تشعر حقًا برغبة شديدة في النوم 

لم تستطع تركه واطمأنت لأنه لن يستيقظ قبل الصباح 

وما إن جلست على المقعد حتى ضاعت هى أيضًا داخل سباتها.


❈-❈-❈


في الصباح انتفضت ساره من نومها على تلك اليد التي تهزها بحدة فتحت عينيها بخوف لتجده جاسر و نظرات الاشمئزاز مازالت مرتسمة على وجهه 

اعتدلت في فراشها ليقول بحدة

_ خمس دجايج وتكوني چاهزة.

اتسعت عينيها خوفًا وترقبًا منه وسألته بتوجس

_ هنروح فين؟

رد بسأم 

_ هتعرفي، جومي يالا 

نهضت من الفراش وهى تحاول التحلى بالشجاعة

_ مش هخرج من هنا إلا لما أعرف.

مهما تظاهرت بالشجاعة إلا إنا عينيها تظهر عكس ذلك، كانت قسوة نظراتها تنذرها من تحديه لكنها رغم هشاشتها إلا إنها تتمسك بتلك القوة الهشه كي تعرف أولًا ما ينتوي على فعله

_ جلتلك هتعرفي، ومتخافيش انا لو عايز أجـ.ـتلك مفيش حاچة واصل هتمنعنى، يعني اطمني.

وافقت على مضد ليخرج هو كي تبدل ملابسها منتظرها أمام الغرفة خرجت بعد قليل وهى تلبس عباءة جسمت خصرها قليلًا لكن دون قصد منها وخصلاتها التي عقدتها للخلف  جعلت الدماء تغلى بعروقه وقال بحدة

_ إنتي فاكرة إنك هتمشي چاري باللبس ده.

نظرت إلى العباءة ولم تجد بها شئ فقالت 

_ دي عباية وبتتلبس في البلد عادي.

اشار لها ببغض على شعرها وقال امرًا 

ادخلي البسي طرحة وأتحشمى كيف الخلج 

أزدردت مرارة كلماته وقالت بحزن

_ حاضر 

كانت الساعة السادسة صباحًا عندما خرجوا من المنزل وأمرها بركوب السيارة 

كان ينتابها خوفٌ شديد لكنها لم تبالي إن أراد قتـ.ـلها فليفعل إذًا وستكون مرحبه بذلك 

لكن ما إن أتخذ الطريق المتجه إلى القاهرة حتى انقبض قلبها خوفًا وسألته بريبة

_ أنت موديني فين؟

لم يجيبها والتزم الصمت فعادت تسألها بإنفعال 

_ رد عليا موديني فين؟

إغتاظ من انفعالها عليه وقال بسخط

_ عالي صوتك عليا تاني وأني أرميكي للديابة أهنه

تلاشى الخوف من داخلها فلم تعد تُعني بشئ بعد الآن فصاحت به

_ عايزة أعرف انت موديني فين.

رد جاسر بإمتعاض وهو ينقل بصره بينها وبين الطريق أمامه

_ هرميكي لمنصور

اتسعت عيناها ذهولًا مما نطق بها لتهز رأسها بعدم أستيعاب وقالت برفض

_ مستحيل أرجع القاهرة لو فيها موتي 

إزداد سخطة عليها ليجيب بغضب

_ مش بكيفك، مصيبته وهو اللي يشيلها إحنا ملناش صالح بيه

لا

لن تعود إلى القاهرة وتظل تحت رحمة ذلك الشيطان لن يحدث وإذا أصروا على ذلك في ستكون أكثر من مرحبة بذلك الموت الذي يريحها من ذلك العذاب الذي كتب عليها

وبدون تردد قامت بفتح السيارة لتلقي نفسها خارجها.


❈-❈-❈


أستيقظ أمجد من سباته ليجد نفسه مازال داخل غرفة العناية ليزداد سأمه

هم بالنهوض لكنه لم يستطيع فهو لم يسترد عافيته بعد 

هم بالضغط على الزر لكنه تراجع عندما رآها نائمة على المقعد 

تراخت ملامحه

واخذ ينظر إليها بنظرات تحمل بين طياتها الكثير والكثير من الأشتياق

نعم يشتاق لتلك التي لم تخرج من مخيلته منذ ان رآها للمرة الأولى 

لم تخلوا أحلامه منها بل ظلت تجول بأحلامه حتى أرهقته باشتياق لا يرحم وتساءل 

لما اتيتى وراء قلب لن تأخذي منه سوى الآلم 

أخرجته من شروده سهى التى دلفت كي تباشر عملها وما إن همت بالتحدث حتى أشار لها بالصمت 

نظرت إلى ليلى التي تنام على المقعد وقالت بصوت خافت

_ ميعاد العلاج حضرتك 

أومأ لها قائلاً

_ ياريت من غير صوت عشان متقلقهاش 

قامت الممرضة بوضع المحاليل وهي تحاول كتم ابتسامتها فهي شاهدة على كل شئ وخاصةً معاناتها منذ أن آتى للمشفى 

بعد الأنتهاء نظرت إليه وقالت بدهاء

_ على فكرة الدكتورة ليلى مسبتش حضرتك لحظة واحدة.

أنهت جملتها وخرجت من الغرفة وهى ترفع يديها بمرح تدعوا أن تجد مثل ذلك الحب.


ظل ينظر إليها رغم رغبته الشديدة في العودة إلى النوم  حتى رآى ملامحها تنكمش وترمش بأهدابها فعلم أنها تتألم بسبب تلك الوضعية الغير مريحة 

أغمض عينيه مسرعًا كي لا يشعرها بالحرج  عندما رآها تعتدل فتصدر منها آهه خفيفه وقد تيبست عضلاتها 

نظرت إلى المنضدة فلم تجد الأدوية فعلت أن أحد الممرضات قد وضعتها له 

اقتربت منه لتمسك بيده كي تجس نبضة وعند تلك النقطة لم يستطيع التظاهر بالنوم أكثر من ذلك ليرفع جفنه ناظرًا إلى ملامحها عن قرب لتزداد وتيرة دقاته

نظرت إليها لتجده ينظر إليها بابتسامة لترتبك هى وتحاول التحدث بثبات

_ حمد لله على السلامة

رد أمجد بإمتنان وعينيه تلتهم ملامحها 

_ الله يسلمك، معلش بتعبك معايا.

ردت بإبتسامة رغم خجلها منه 

_ لا تعب ولا حاجه المهم تتحسن وتبقى كويس.

أختفت ابتسامته ويحل محلها اليأس 

_ تحسن أيه بقى مـ خلاص.

آلمها نظرة اليأس التي أحتلت عينيه مما جعل قلبها يأن آلمًا عليه وقالت بتفاؤل

_ انا ظني بالله خير وإن شاء الله هنلاقي المتبرع بأسرع وقت 

هز رأسه بنفي وأردف

_ مش عايز أعلق نفسي بأمل كاذب وخصوصًا إني عارف حالتي كويس

تنهدت ليلى وتحدثت بحكمه

_ العلم والطب مش بيعترفوا بالمستحيل لأنهم لو اعترفوا بيه مش هيكون فيه تقدم وهنفضل محلك سر

ياما ناس كتير آوي ربنا نجاهم في وقت متأخر جدًا 

وناس كتير خرجت من الموت بإعجوبة

يعني كل دي أقدار بإيد ربنا، هو اللي قادر على كل شيء.

رد أمجد بإيمان

_ ونعم بالله 

نظرة في ساعتها وقالت بأسف

_ أنا مطرة أمشي دلوقت لأن لو أخرت اكتر من كده هلاقي حازم جايلي المستشفى 

أبتسم أمجد عندما تذكر ذلك التوأم وسألها 

_ هما جوم معاكي؟

اومأت له

_ اه هما هنا في كلية حقوق وانا اللي جيت معاهم، بعد أذنك 

همت بالخروج لكنه اوقفها بلهفه وكأن روحه ستفارقه معها 

_ ليلى 

التفتت إليه لتجده يرمقها بنظرات رجاء وأكمل

_ متتأخريش

اومأت بأبتسامة أرهقت قلبه وخرجت من الغرفة بسعادة لا توصف.


❈-❈-❈


همت ليلى بألقاء نفسها خارج السيارة لكن يده أمسكت بها بإحكام وأوقف السيارة بسرعة حتى جعلها تصدر صريرًا قويًا حتى كادت أن تنقلب، فصاح بها بغضب 

_ انتي أتچننتي 

حاولت ليلى جذب ذراعها من يده وقالت بإنهيار

_ انا كده ولا كده ميته، سيبني اخلص من العذاب ده وأرتاح.

لم يرق قلبه لها ورد بحنق

_رايدة تموتي حالك يبجى بعيد عنينا، أني هوديكي لمنصور وهو يتصرف فيكي

نظرة إليه بسخط من جبروته فهو ليس شبيها لوالدها في الملامح فقط بل بقسوة القلب أيضًا مما جعلها تجذب ذراعها من يده وترجلت من السيارة تحاول الهرب منه، لن تعود إلى القاهرة حتى لو تركت نفسها لتلك الذئاب فهي ستكون رحيمة بها عن تلك الذئاب البشرية التي تود نهشها.

ضرب جاسر المقود بقبضته وهو يسب ذلك اليوم الذي آتت إليهم فيه وينزل مسرعًا خلفها حتى وصل إليها 

حاولت الإفلات منه لكنه أحكم قبضته عليها وقال ببغض

_ هتاچي معاي غصب عنيكي

هزت رأسها وهي تقول بانهيار

_ مستحيل أرجع هناك، لو رجعت مش هيسيبنى وأنا مستحيل اتجوزه، أرجوك بلاش ترجعني ليه وأنا هعيش معاكم وكأني مش موجودة بس أرجوك مترجعنيش ليهم.

هم بمعارضتها لكنها أمسكت بيده وهى تجثو على ركبتيها وتقول بتوسل

_ أرجوك مترجعنيش ليهم بابا لو عرف هيخليني أتجوزه غصب عني وأنا الموت عندي أهون، أرجوك 

 ترابط الدم بينهما جعله يرضخ لتوسلاتها حتى وجد نفسه يرد بهدوء

_ طيب اركبي وبعدين نتكلم

ظلت على إصرارها وقالت بتوسل

_ أبوس إيدك بلاش ترجعني

نظر إلى دموعها التي تنهمر بغزارة وحالتها التي تشبه من يقاد الى الموت فأومأ لها وهو يقول بثبات

_ خلاص مش هوديكي لمنصور وهنروح لچدك

نظرت له بشك ليأكد هو يحسها على النهوض

_ هنرچع متخافيش 

سارت معه حتى وصلوا إلى السيارة وأمرها بالصعود إليها وصعد هو بجوارها وانطلق بها عائدًا إلى المنزل.


❈-❈-❈


شعرت وسيلة بالقلق عندما لم تجد سارة في غرفتها 

بحثت عنها في أرجاء المنزل لكن لا أثر لها 

زاد خوفها أكثر ظنًا منها بأن جاسر أجبرها على الذهاب أو أن يكون أخذها عنوة ليعيدها إلى والدها

_ وسيلة واجقفة عندك بتعملي أيه؟

كان ذلك جمال الذي وجدها تقف أمام باب المنزل ويبدو عليها القلق

التفتت إليه وسيلة لتجيبه بخوف

_ سارة بنت اخوك ملهاش آثر في الدار وخايفة يكون جاسر زعلها وخلاها تهملنا.

قطب جبينه بدهشة وتحدثت بحيرة

_ وأيه اللي هيخليها تمشي من غير ما تجولنا، تلجاه بتتمشي شوية وراچعه تاني.

هزت رأسها بنفي وقالت 

_ لأ دي بتخاف تطلع بره الدار وحديها، إزاي هتخرج لحالها ومن غير ما تعرفينا.

تلاعب الشك بداخله وأخرج هاتفه كي يحدث جاسر لكنه توقف عندما وجد سيارته تدلف من بوابة المنزل 

دقق النظر بداخلها فيجد سارة جالسة بجواره لتتنهد وسيلة براحة وتقول 

_ الحمد لله رجعوا 

ترجل جمال تلك الدرجتين وهو ينظر بحدة لجاسر الذي نزل من السيارة وهى معه فأمر وسيلة أن تأخذ سارة وتدلف إلى الداخل، ولم تجادل سارة بل ذهبت مع وسيلة دون أن ترفع بصرها بأحد.


تقدم جمال منه ثم سأله 

_ كنتوا فين؟

أرتبك جاسر قليلًا ثم أجابه بهدوء

_ كنت باخد رأيها في حاچة أكده

ضيق جمال عينيه وسأله بتوجس

_ حاچة أيه اللي تخليك تاخدها من البيت بدري أكده ومن غير علمي.

زم شفتيه قليلًا وكأنه يجد صعوبة كبيرة في التحدث ورد بهدوء

_ كنت بطلب يدها.

عقد جمال حاجبيه بعدم أستيعاب لما يقول وسأله بدهشة

_ يعني أيه مش فاهم.

عم الصمت قليلًا وجمال يريد أن يخترق تفكير ولده الذي أجاب بثبات

_ يعني أني رايدها وعايز اتجوزها.

هز جمال رأسه بصمت فليس هذا المكان المناسب للخوض في هذه الأمور كما أنه يشك بخطبٍ ما وخصوصًا حالتها التي ترجلت بها من السيارة.

_ اتفضل جوه في المكتب خلينا نعرف أيه الحكاية

مينفعش الكلام أهنه.

دلف جاسر مع والده إلى المكتب كي يتحدث معه في ذلك الأمر وهو يشعر بثقل يجثم على قلبه، لكن عليه فعل ذلك إذا أراد أن ينتقم حقًا من عمه.


❈-❈-❈


خرجت ليلى من الغرفة فتصادف عصام في طريقها إلى الغرفة فسألها باهتمام

_ ها ياليلى أمجد أخباره أيه؟

ردت ليلى بملامح مشرقة 

_ الحمد لله أحسن بكتير 

نظر إلى حقيبة يدها وسألها 

_ أنتي مروحة؟

_ اه مروحة لإني مطبقة من أمبارح 

ابتسم لها بامتنان وقال 

_ طيب احتمال أمجد يسافر اليونان في أى وقت هتسافري معانا وتحضري العملية ولا أيه

انحسر الدم عن وجهها عند ذكر أمر العملية وقالت بقلق

_ مش عارفه بابا هيوافق ولا لأ.

أومأ بتفاهم

_ العملية دي لو حضرتها هتتسجل في تاريخك المهني، فأنا أرجح إنك تحضريها، فكري كويس ولو أقنعتي والدك جهزي نفسك للسفر في أي وقت

تركها وذهب إلى أمجد الذي ظهرت عليه أبتسامة رضا عندما أخبره بأنهم قد تم وضع أسمه على أول القائمة فسأله بمكر

_ غريبة يعنى الرضا اللى شايفه دلوقت مع انك مكنتش متشجع خالص لموضوع العملية ده.

ابتسم أمجد وهو يجيبه بشرود

_ لأن بقى عندى دافع يخليني أتمسك بالحياة، وإني لازم أقاوم عشانه.

أبتسم عصام برضا وقال بتأييد

_ عايز أقولك إن الدافع ده كان بيموت حرفيًا وهو عاجز أدامك وهو مش عارف يعمل ايه، مكنتش بتسيبك غير ساعات بسيطة وترجع تاني، فعلًا تستاهل إنك تقاوم عشانها.

عاد اليأس يزحف إلى قلبه مرة أخرى وهو يقول 

_ وده اللي زود خوفي أكتر، خايف العملية تفشل أو بمعنى آخر ملقيش متبرع وتعيش اللي فاضلي من حياتي في ألم وعذاب.


_ بس الكلام ده متأخر آوى هى بالفعل حبتك أفعالها وخوفها وكل حاجة أدامي بتأكد حبها ليك، حارب وقاوم عشانها يمكن ربنا بعتهالك في الوقت المناسب عشان تكون دافع ليك.

تنهد أمجد بتعب وقال 

_ بلاش نسبق الأحداث وخلينا نشوف أيه اللي هيحصل.


ومقبل على الصعيد

الفصل الثالث عشر


❈-❈-❈


وقف جاسر أمام  أبية الذي يخترق عينيه بنظراته يود أن يعلم ما يدور بداخله، وسأله برجائه

_ احكيلي بجى ايه اللى حصل بالظبط؟ وايه اللي نزل عليك مرة واحدة خلاك تطلبها أكده.

حاول التحلى الثبات أمامه ورد بهدوء

_ مفيش حاچة حصلت كل الحكاية إنها دخلت جلبي من وجت ما شوفتها وعشان أكده كنت بهاجمها عشان أهاجم مشاعري وأنت خابر السبب التاني زين، ولما لجيتها خارچه تتمشى شوية طلبت منها إني أتمشي معها ونتحدتوا شوية ولجيتها زينة زي زي ما حكيتوا عنها 

ولما فاتحتها في الموضوع لجيتها هى كمان بتبادلني نفس المشاعر وعشان أكده طلبتها للزواچ 

حاول جمال الثبات وألا ينفعل عليه، فهو لا يستخدم الغضب في التعامل مع أولاده وخاصةً هو وسأله بهدوء يتنافى تمامًا عمّ بداخله من غضب

_ وزينة بنت خالك، ناوي تعمل أيه معاها؟

تنسى تمامًا أمر زينة كما يتلاشاها دائمًا فتظاهر بالحزن قائلًا

_ انت خابر زين إن عمري ما حبيتها ووافجتكم لإني في الوقت ده مكنتش أعرف يعنى أيه حب ولما عرفته قررت إني أتمسك بيه لأن سعادتي هتكون معها هى مش مع زينة 

شعر جمال بمدى صدقه مما جعله يحتار أكثر

فإن هذا الزواج مرفوض من جهات كثيرة وأولهم منصور

كما إنه أعطى كلمة لوليد ولن يستطيع التراجع عنها تحت أى مسمى

شعر جاسر بما يدور بخلده فرفع عنه الحرج قائلاً

_ لو بتفكر في فـ خالي وچدي أني ملزوم إني أصلح غلطي، وخابر زين كيف أقنعهم

وإن كان على زينة هتكون أسعد واحدة بفسخ الخطوبة دي.

جلس جمال على الأريكة ومازال شاردًا في تفكيره

يفكر في الأمر من كل الجهات

من جهة هي ابنة أخيه الوحيد الذي رحل دون عودة وسيكون ذلك الزواج دافعًا له للعودة إليهم 

ومن جهة أخرى وليد صديق عمره الذي لم يتخلى عنه كما فعل أخيه 

ومن جهة ثالثة صدق مشاعر والده الذي ذاق مرار العشق وإن لم يسانده سيقضي عمره في مرارة لن يتحملها.

فسأله بحيرة

_ أنت خابر لو أصريت على رأيك ده ممكن يخسرنا جدك وخالك، وأنا لو هختار بين الاتنين بيجى أتخلى عن الموضوع أفضل.

هو حقًا يحتار مثله، لكن الأمر أخطر بكثير من مجاملات والتزام بوعود.

تقدم من والده وقال برزانه

_ أنا خابر كل ده زين بس صدجني زينة عمرها ما حبتني 

وإن كان على خالي فهو كل اللي يهمه سعادة بنته وسعادتها عمرها ما هتكون معايا 

اني هروح النهاردة لچدي وأتحددت معاه وهو كل اللي يهمه سعادتنا.

مازال جمال على حيرته وكذلك جاسر الذي يعاتب ذلك القدر الذي أوقعها في طريقه فتابع قائلًا

_ متجلجش يابوى أني هحل الموضوع ده.

رد جمال بحيرة

_ تحله كيف بس؟

طمأنة قائلًا

_ هتعرف.


❈-❈-❈


عادت ليلى إلى المنزل بسعادة لكن يشوبها القلق

تفكر جيدًا في أمر السفر لكن هل سيوافق والدها على ذلك؟ مأكد لا فهو وافق بأعجوبة ولولا وجود حازم ومعتز ما كان ليقبل بالعمل خارج البلدة 

وإذا علم جاسر بأنها تود السفر لأجله فلن يرحمها.

ويرغمها على العودة للبلدة


ظلت داخل غرفتها لا تعرف ماذا تفعل، هى حقًا تود الذهاب معه، لن تتحمل ذهابه دونها

ماذا إذا رفض والدها؟ 

هل سترضخ لرفضه؟

ام تحاول إقناعه بكل الطرق؟

وبعد تفكير عميق قررت الذهاب لعمل جواز السفر كي تستغل الوقت

ستذهب إلى البلدة بعد يومين وتتحدث معه إذا وافق ستكون على أتم الاستعداد للسفر معه.

وبالفعل وقبل أن تبدل ملابسها أسرعت بالذهاب إلى قسم جوازات السفر والعمل عليه بأسرع وقت.


❈-❈-❈


لم تصدق وسيلة كلمة واحدة مما قالها جاسر لوالده 

وشعرت بوجود خطب ما، هى تعلم جيدًا حقيقة مشاعره لإبنة خاله وكذلك هى لكن كيف يتعلق بمن كان يهاجمها دائمًا ويرفض وجودها معهم تحت سقفٍ واحد 

فقال عمران بحيرة

_ بس احنا لو وافجنا على طلبه هنخسر عاصم وولده، صحيح الموضوع كان مجرد كلام بس احنا ادينا كلمتنا إزاي هنتراجع فيها.

تحدثت جليلة بروية

_ عنديك حج وكمان الموضوع مش بالساهل أكده لازمن نفكر زين.

نظر جمال إلى وسيلة وسألها بجدية

_ أنتي اتحدتي معاها 

هزت وسيلة رأسها بالإيجاب وقالت 

_ بتجول انها موافجة وانها اتعلجت بيه غصب عنيها

وبصراحة حسيتها صداجه في كلامها.

إزدادت حيرة عمران واصبح عاجزًا لا يعرف أيكسر بخاطر أحفاده أم يحزن صديق عمره.

فقال جمال بيأس

_ هنعملوا إيه دلوجت؟

رد عمران باضطراب

_ والله العمل عمل ربنا خليني اجعد معاه واعرف أيه اللي في دماغه بالظبط

وبعدين متنساش منصور أخوك مظنش أنه هيوافج بالساهل أكده

ردت جليلة باستياء

_ ليه يعني هو هيلاجي لبنته أحسن منيه إياك.

زينة الشباب وأى بنت تتمناه

تحدث عمران بفتور 

_ روحوا أنتوا وأبعتولي جاسر اتحدت وياه وحدينا


خرج الجميع ولم يمضي الكثير ودلف جاسر إلى جده وهو يقول بإحراج

_ نعم ياجدي

أشار له عمران بالجلوس

_ أجعد ياولدي 

جلس جاسر بجوارة وأخذ عمران ينظر إليه بملامحه التي تشبه كثيرًا لعمه وتحدث بتبصر

_ شوف ياجاسر من يوم مـ اتولدت وشيلتك بين إيديا حسيت بإن الروح عادت ليا من تانى بعد ما فارجتني بفراجه وبخذلانه لينا

وكل ما تكبر كل مـ ملامحك بتميل ليه

لكن ماخدتش شئ من طباعه

او ده اللي افتكرته لحد ما سمعت اللي سمعته النهاردة 

عقد جاسر حاجبيه مستفهمًا عن قوله ليتابع عمران بحزم

_ أيه اللي في دماغك ياولد جمال؟

ظل جاسر على ثباته كي لا يشك بشئ ورد برزانه

_ مفيش حاجة ياچدي غير إني حبيتها، حاولت كتير أتصدى لمشاعري دي بس معرفتش لحد ما استسلمت في الآخر وأعترفت بحبي ليها.

كان عمران ينظر إلى عينيه يستشف صدق حديثه 

وجاسر يثبت نظراته كي لا يُكشف أمامه ويقول عمران بشك

_ لحجت تعشجها في سبوع واحد؟!

عند تلك النقطة اهتزت نظراته وكأن قناع الثبات سقط عند سماع تلك الكلمة وقال بريبة

_هو دا اللي حصل 

تنهد عمران وهو يعود بظهره للوراء قائلًا بتسويف

_ والمطلوب ياولدي؟

ازدرد ريقه بصعوبة وقال برجاحة

_ عايز أتزوچها 

رفع حاجبيه مأيدًا 

_ خابر بس اللي هتعمل أيه مع چدك وخالك فـ الكلمة اللي أتربطنا فيها، وإزاي هتجدر تجابل عمك منصور وتطلبها منه وأنت مطايجش أسمه حتى، فهمني


احتدت نظراته عند ذكر اسم منصور ورد بإنفعال

_ أني بطلبها من اللى اكبر منيه

رد عمران بخشونة

_ وده ميدنيش الحج أني أزوچ بنته بدون موافجته

اطبق جاسر فمه دلالة على عدم تحكمه في أعصابه مما جعل عمران يتابع

_ عرفت بجى إن الموضوع مش سهل زي مـ أنت فاكر؟

قطب جاسر وجهه وسأله بحده

_ يعني أيه ياچدي أني بجولك إني رايدها ليه مش عايز تجف معاي؟

تحامل عمران على نفسه ونهض مستندًا على عصاه وقال بشدة

_اني مجلتش إني برفض أو مش معاك بس الموضوع محتاچ شوية صبر وعجل نفكروا بيه

وأهم من كل ده بنت خالك اللي هتجرحها وهى ملهاش ذنب في كل ده

_ ومين جالك أنها جبلاني من أساسه! هى مرغمة عليا وأني خابر أكده زين 

كان جاسر يتحدث وبداخلها عذاب لا يرحم وكأنه كتب عليه أن يُرغم على من لا أهل بذلك

وضع عمران يده على كتفة وقال بتعاطف

_ أصبر ياولدي وأني أوعدك إني هجف معاك، بس لازمن نحل الموضوع الأول مع خالك.

اومأ جاسر مرغمًا فليس بيده شئ


❈-❈-❈


عادت ليلى إلى المنزل بعد أن أنهت الإجراءات فوجدت معتز 

يفرغ الأكياس على المائدة فقال بإبتسامة

_ تعالي ياليلى حماتك بتحبك.

أغلقت الباب خلفها وتقدمت منه 

_ كنت صبرت شوية وكنت هعملكم أكلم 

رد بمرح وقد أنتهى من وضع الأطباق

_ لا بلاش أنتي أكل المطاعم أرحم بكتير وبعدين كلها يومين وهنرجع البلد ناكل من أيدين وسيلة 

لاحظ معتز عبوسها فتقدم منها يسألها بقلق

_ خير ياليلى مالك انتي لساتك حزينه عليه؟

جلست على مقعد المائدة وقالت بحزن

_ لأ هو الحمد لله فاق النهاردة.

_ اومال مالك

ترددت قليلًا قبل أن تخبره بعرض الدكتور عصام لها بالسفر لحضور العملية 

ساد الصمت قليلًا ومعتز يفكر في الأمر وقالت ليلى بحزن

_ وطبعًا أبوك عمره مـ هيوافج على السفر مهما جلتله

رد معتز بتأييد

_ بصراحة هيبجى عنده حج، أنا نفسي هرفض سفرك معاه ومفيش أى حاچة بتربطكم ببعض، هتروحي معاه بصفتك إيه؟

ردت بإطراق

_ بصفتي دكتورة وحضور عملية زي دي هتتسجل في تاريخي ومع دكتور كبير زي ده

خرج حازم من غرفته وقد أستمع لحديثهم فتقدم منهم قائلًا

_ مش هينفع

نظرت إليه ليلى وهي تقول برجاء

_ ليه بس أنا دكتورة والقسم اللي انا دخلته ده هيجبرني على السفر وحضور مؤتمرات.

جلس حازم على المقعد وبدأ بتناول طعامه وهو يقول ببرود

_ مستحيل أبوكي يوافج على حاچة زي دي، دا يعتبر وافج بإعجوبة على شغلك أهنه ولولا أننا معاكي مكنش هيوافج.

نظرت إلى معتز تستنجد به فيهز كتفه بقلة حيلة 

فيتابع حازم

_ متحاوليش أني عارف اللي فيها

أيد معتز رأيه 

_ وأني رأيي من رأية، بس كلميه بردك يمكن يوافج

نهضت لتدلف غرفتها فيسألها حازم

_ على فين؟ مـ تاكلي معانا لول 

هزت راسها برفض

_ مليش نفس.

جلس معتز على المقعد ليتناول طعامه فيقول حازم بامتعاض

_ عاچبك أكده، جلتلك لازمن نتعامل في الموضوع بحزم عشان تشيله من عجلها، أديها عايزة تسافر معاه وشوف بجى جاسر أخوك لو عرف هيعمل فينا ايه؟

بدأ معتز أيضًا بتناول طعامه وتحدث برجاحة

_ بس بصرف النظر عن تواجده معاها واحد في حالته دي مش هيقعد هناك يتغزل فيها، واديك سوفت بعينك حالته كانت كيف وهو عيندينا في البلد 

ياريت منجفش أدام مستجبلها

رد حازم بشدة

_ مينفعش تحت أى مسمى، فكرة السفر نفسها مرفوضة ولو اصريت أكتر من أكده أني هخبر جاسر بكل شئ، دي أختي الوحيدة ولازمن أخاف عليها.

صمت قليلاً ثم أردف بتروي

_ على العموم أحنا نشوف هتجدر تقنع أبوك ولا لا، مع إني واثق من رفضه.


❈-❈-❈


لم يمضي الكثير وبدأ شريف بمباشرة إجراءات القرض كما طلب منه منصور رغم تعند سمر لتلك الفكرة 

وقد نجحت أُولى خطته وعليه اليوم أن يرسل أبنه كي يبعده عنهم.

وأثناء تناولهم للغداء تحدث منصور بأمر

_ مصطفى، أنت هتسافر بكرة البلد عشان تجيب أختك.

لم يصدق مصطفى ما تسمعه أذناه ليهز رأسه بفرحة

_ حاضر بابابا.

همت سمر بالمعارضة لكنه تحدث بلهجة حادة لا تقبل نقاش

_ مش عايز كلام كتير، مصطفى بكرة هيروح يجيب أخته ويرجع بيها مفيش داعي للك كتير.

حاولت بصعوبة بالغة التحكم في غضبها لكنها لم تستطيع وقالت بحده

_ هو انا خلاص مبقاش ليا رأي في البيت ده؟

نفى منصور حديثها ببرود وهو يتناول طعامه 

_ لأ طبعًا ليكي بس بعد كلمتي أنا، اما بالنسبة لأى حاجة تخص ولادي فأنا المتحكم الوحيد 

قطبت سمر جبينها بحيرة وكأن من أمامها الآن شخصٌ آخر غير منصور الذي كان يتمنى ابتسامه منها 

هل علم بشئ مما يسعون خلفه؟ لكن إذا علم بذلك ما الذي جعله يصمت كل ذلك الوقت 

أما منصور فقد قرر تهدئة الأمر كي لا يشك بشئ

فقال لمصطفى

_ عايز تروح بالطيارة ولا القطر؟

أجاب مصطفى براحة

_ لأ انا بفضل القطر 

كل ذلك يحدث وسمر تخترق عينيه بنظراتها تحاول معرفة ما يدور بخلده 

ولم يمهلها منصور الكثير لينهص من مقعده ويذهب إلى مكتبه قائلاً

_ خلي فاطمة تجيبلي القهوة على المكتب.

دلف مكتبه وابتسامه متوعدة مرتسمة على وجهه مقرر أخذ هدنة غدًا لكي يمحو ذلك الشك الذي زحف إلى عقلها.


❈-❈-❈


في منزل عمران 

لم تستطيع سارة الخروج من غرفتها حتى بعد محاولات كثيرة من وسيلة 

فهى لن تستطيع مواجهة أحد وتشعر بالإحراج منهم 

طرقات خافته سمعتها على باب غرفتها فنهضت من فراشها لتفتح فتتفاجئ بعمها الذي أبتسم في وجهها قائلاً

_ أيه رأيك لو نتحددوا شوية؟

ردت سارة بإحترام 

_ أكيد ياعمي أتفضل.

دلف جمال وجلس على الأريكة واشار لها بالجلوس بجواره وتحدث برجاحة

_ جاسر كلمني النهارده انه رايد يتزوچك، وأني خايف ليكون أجبرك ولا حاچة وعشان أكده جلت أعرف رأيك بنفسي.

بإرادة قوية منها على الثبات ردت سارة بنفي

_ لأ طبعًا ياعمي هو أخذ رأيي وأنا وافقت بإرادتي.

أنا عايزة أفضل هنا معاكم لاني حبيتكم واتعلقت بيكم، وبالنسبة لجاسر هو أبن عمي وانسان كويس يعتمد عليه مش عايزة اكتر من كده.

_ طيب ومنصور تفتكري هيوافج؟

عند ذكر أسمه وجدت الدموع تتجمع داخل عيناها استطاعت ردعها بصعوبة وهي تقول بألم

_ مش عارفه، بس أنا مش عايزة أرجع ليهم تاني

عقد حاجبيه مندهشًا من موقفها وسألها بجدية

_ ليه؟

لا تعرف كيف تخبره بأنها سمعت حوار زوجة عمها مع جاسر وعلمت بحقيقة والديها فقالت بحزن

_ لإني عرفت الحقيقة.

ازدادت حيرته وعاد يسألها 

_ حجيجة أيه؟ وضحي اكثر 

أخذت نفس عميق كى يساعدها على ردع الدموع التي تحارب للتحرر وقالت 

_ سمعته هو وماما بيتكلموا عـ اللي حصل منهم زمان وأنه أتخلى عنكم في عز أزمتكم وهو ده اللى خلانى سيبتهم وجيت.

لم يصدق جمال أن هذا هو السبب الرئيسي، ويعلم جيدًا بأن هناك سبب آخر فقال بحنو 

_ ممكن يكون ده سبب من أسباب تانية ولو شايفني أب ليكي بصحيح أحكيلي ومتخافيش.

ردت سارة بارتباك

_ صدقني ياعمي مفيش سبب تاتي أنا من زمان وانا عايزة اشوفكم واتعرف عليكم.

رد جمال بتفاهم

_  أنا خابر إنك حاولتي كتير أنك تاچي عندينا بس منصور كان بيرفض، لكن انا جلبي حاسس إن في سبب تاني يخليكي ترفضي إنك تعاودي ليهم

جولي ومتخافيش، طول ماأنتي معاي متخافيش من حاچه واصل 

الحنان الذي كان يغدقها به  جعلها تقترب منه بدون أراده منها وتضع رأسها على كتفه تلتمس منه الآمان 

وقالت بألم

_ بلاش تسألني لأني مش هقدر اجاوب أرجوك ياعمي خليني وسطيكم.

أحاطها جمال بذراعيه وقد ازداد قلقه إزاء ذلك الأمر، سيأجل الحديث به حتى لا يضغط عليها وهى بتلك الحالة 

باعدها عنه قليلًا كي ينظر إليها وقال بثقة

_ جلتلك متخافيش من حاچه واصل طول ما أنا عايش واللي يمسك بكلمة حسابه هيكون واعر جوي

واوعي تفتكري إن اللي حصل من أبوكي هيخلي حد منينا يمسك بحرف أو يضايق منيكي، لا إنتي بنتنا ودمك دمنا وإن مشتلكيش الأرض تشيلك عنينا فهمتي؟

تدحرجت دموع حاره على وجنتيها مسحتهم بظهر يدها وقالت بامتنان 

_ ربنا يخليك ليا ياعمي، بس ارجوك خليني معاكم 

ابتسم لها بحب وقال 

_ حاضر اللي انتي عايزاه، وأني هتكلم مع خالد في الموضوع ده وأخليه يكلم منصور.

حاچة تاني؟

هزت رأسها بنفي وابتسامة مشرقة مرتسمه على ثغرها لذلك الرجل الذي خطف قلبها بحنانه.



ومقبل على الصعيد

الفصل الرابع عشر


❈-❈-❈


في غرفة مصطفى


كان يحضر ملابسه داخل الحقيبة بسعادة لا توصف كي يستعد للسفر

فقد استطاع أخيرًا وبعد عناء الذهاب إليهم 


دلف منصور الغرفة ليجد أبنه بتلك السعادة، ليندهش من تعلقه بهم رغم أنه لم يراهم ولا يعرف عنهم شيئًا، فأيقظ بداخله ذلك الأشتياق الذي أرق مضجعه أعوام كثيرة

لكنها استطاعت بسهولة القضاء على ما تبقى بداخله من حنين لهم ولبلدته.


تقدم منه ليقول بابتسامة

_كان لازم يعني تسافر بالليل كده؟

أغلق مصطفى الحقيبة ورد بهدوء

_ انت عارف انى بحب سفر الليل بيبقى مريح أكتر


_ للدرجة فرحان إنك هتروح الصعيد؟


أقترب مصطفى من والده أكثر وقال برزانه

_القصة مش قصة صعيد أو غيره، بس انا نفسي أشوف أهلي واتعرف عليهم، مهما حصل بينكم من خلافات، فإحنا ملناش علاقه بيها.

اومأ منصور بتفاهم وقد إزداد الأشتياق بداخله فتحدث بلين

_ على فكرة لو عايز تقعد معاهم أسبوع ولا أكتر أنا معنديش مانع.

رفع مصطفى حاجبه بدهشة وتحدث بسرور

_ عايز أوى

وضع منصور يده على كتفه وقال بإبتسامه

_ خلاص أقعد زي ما أنت عايز بس وقت ما أتصل عليكم تيجوا على طول 

أومأ مصطفى برأسه 

_ إن شاء الله.

فخرج منصور من الغرفة متجهًا إلى غرفته كي يبدأ بمسلسل جديد يعيد به ثقتها  ليجدها مستلقية على الفراش تتلاعب بهاتفها.

بإبتسامة باهته دارى بها مكره إقترب منها منصور ليأخذه ويضعه على المنضدة ويجلس بجوارها تحت دهشتها من تصرفه وقال بخبث

_ البيت خلاص فضي علينا أيه رأيك ناخد اجازة ونروح نقضي يومين في السخنة

قطبت جبينها بحيرة وتحدثت بدهشة

_هو مصطفى مش هيجيب أخته وييجي على طول.

تناول منصور خصلة بين يديه يتلاعب بها وقال بمكر

_ تؤ مش هينفع يروح وييجي في نفس اليوم هو أنا قولتله يبات ويبقى ييجوا بعد يومين 

همت بالمعارضة لكنه وضع أنامله على فمها يمنعها وقال بشاعرية 

_ أنا اللي طلبت منه كده عشان نفضل لوحدنا شوية

نظرت له بشك وقالت

 _من إمتى الكلام ده.

قرب وجهه أكثر من وجهها وقال بمكر

_ من زمان وأنتي عارفه كده كويس، بس إنتي اللي انشغلتي عني.

شعرت بحرارة أنفاسه على عنقها مما جعلها تنزوى قليلًا وقالت

_ أنا منشغلتش انت اللي بقيت قاسي أوي

قبل جانب عنقها وقال بتروي

_ حقك عليا كنت مضغوط بسبب الصفقة، بس خلاص الصفقة تمت والعيال مش في البيت و احنا لوحدينا نستغل ده ولا أيه؟

استطاع خداعها بكلماته مما جعلها تتجاوب للمساته وسألته بثبوت

_ لسه بتحبني؟

ضغط منصور على قبضته كي يستطيع أخراج كلماته الزائفة بسلاسة

_ أكيد طبعًا، هو أنا لو مش بحبك كنت عيشتك معايا للنهارده

خرجت كلماته الأخيرة دون إرادة منه وعندما لاحظ الشك في عينيها صحح قائلًا

_ هو أيه اللي يجمع الزوجين غير الحب؟ ولو مفيش حب أكيد مفيش حياة مشتركة بينهم

تساءلت

_ الأولاد مثلًا.

عندما تحدث تلك المرة كانت الرغبة هى المسيطرة فخرجت الكلمات بسلاسة ويسر 

_ سبب ضعيف بس الأقوى هو الحب

لم يمهلها فرصة للرد عليه وقام بجذبها وتقبيلة رغبة لكن خاليه من أى الحب.


❈-❈-❈


في منزل عاصم


دلفت ياسمين غرفتها كي تتحدث مع وليد في أمر أبنتها

تعلم جيدًا أنه سيعارض بشدة لكن عليها التحدث معه ربما تقنعه 

وضعت كوب القهوة على المنضدة وجلست بجانبه وهى تقول 

_ وليد كنت رايده اتحدت وياك في موضوع مهم.

اعتدل وليد في فراشه ونظر إليها بانتباه

_ خير يا ياسمين في حاچه؟

أومأت برأسها وقالت 

_ بصراحة انا عايزة اكلمك في موضوع زينة وجاسر 

عقد حاجبيه متسائلًا

_ مالهم في أيه؟

ترددت كثيرًا قبل أن تخبرها عن حديثها معها وختمت قائله

_ وبصراحه عندها حج؛ جاسر أبن أختك طبعه شديد جوي مش هينفع مع بنتنا؛ دي زينه بتعيط من النسمه إزاي هتعرف تتعامل مع جاسر بشدته دي؟

أيد وليد رأيها لكن لن يستطيع فعل شئ، فهو يخشى إحزان أخته فتحدث بحيرة

_ أنا معاكي في كل ده بس اني مش عايز أزعل وسيلة ولا جمال، وإن كان على طباعه اكيد هيتغير بعد الجواز.

زمت شفتيها بضيق

_ يعني مفيش فايدة؟ 

تنهد بحيره لأنه يعرف جيدًا أن أبنته لن تتحمل وخاصةً عندما لاحظ فتورهم وقال 

_مش عارف أجولك أيه بس هحاول افتح الموضوع مع وسيلة واشوف رايها.


❈-❈-❈


في المشفى 

كان صابر في قمة سعادته وهو جالس مع ابنه في غرفة عادية بعد أن تم نقله من العناية المركزه، عارض عصام كثيرًا لكنه أصر على ذلك

وعندما لاحظ صابر غياب ليلى 

تساءل

_ أومال فين الدكتورة اللي كانت متواجده معاه على طول مش شايفها يعني؟

رد عصام بمكر وهو ينظر إلى أمجد الذي تتبدل ملامحه فور سماع أى شيئًا عنها

_ راحت ترتاح شوية بصراحة إبنك تعبها آوى الفترة اللي فاتت دي، حتى وهو في الصعيد.

قطب صابر جبينه بدهشة وسأل أمجد 

_ هى من الصعيد؟ 

اومأ أمجد قائلًا 

_ دي تبقى حفيدة عمران المنشاوى اللي كنت عندهم 


_ بنت جمال ولا منصور

لم يعرف أمجد شيئًا عن منصور لهذا جاوب بتأكيد

_ بنت جمال 

أكمل عصام مكره

_ بصراحه بنت ممتازة؛ جميلة  أخلاق عالية ودكتورة شاطره وبنت ناس، كنت بفكر أخطبها لابني بس النصيب 

علما صابر بأنه يشاكس أبنه الذي تبدلت ملامحه 

ليس لغيره كما توقع إنما لحزن أوجع قلبه هو، فينظر إلى عصام بعتاب ليرد عليه الآخر بنظرة يأكد فيها أنه يقصدها وخاصةً عندما تابع

_ أصل بصراحة في دكتور زميلها فاتحني أنه عايز يتقدم لها وقررت أكلمها في الموضوع أول مـ تيجي

قاطع حديثه أمجد الذي قال بحده

_ لو سمحت يا بابا عايز أرتاح شوية

أومأ صابر بتفاهم 

_ حاضر ياحبيبي

نهض من مقعده ونظر إلى عصام بعتاب وخرجوا من الغرفة 

فور خروجهم نظر صابر إلى عصام وتحدث بخشونة

_ مكنش ينفع الكلام اللى قولته ده ياعصام

رد عصام بهدوء

_ لأ ينفع ده جزء من العلاج، هى دي اللي هتخلي أمجد يقاوم

أنت متعرفش أبنك قبل ما يعرفها كان مستسلم إزاي

إنما لما شافها اتغيرت كل حاجه جواه 

صحيح لسه يأس من الحياة بس بيتمنى يعيش عشانها، وعشان كده كل مـ ألاقيه بييأس بفوقه بيها.

زاد الحزن بداخله أكثر على ابنه وسأله بقلق

_ الدكتور اللي كلمتني عنه مردش عليك؟

زم عصام فمه وقال

_ للأسف كل الحالات اللي بيقابلها غير متوافقه معاه 

بس ما علينا بالدعاء.


❈-❈-❈


في منزل عاصم


وقف جاسر أمام منزل جده متردد لا يعرف ماذا يفعل 

هل يجازف ويحزن خاله؟ أم يلقي بتعقله عرض الحائط وينفذ ما انتواه من البداية بأن يلقيها له.

لكن هو أيضًا مجبر على ذلك، فالأمر ليس بالهين

هى ترفض العودة لوالدها وهو يخشى من معرفة أحد بالأمر، لن يتحمل جده صدمة أخرى منه

ومن المستحيل أن يقص على خاله ما حدث وسبب فراقه عن ابنته.

كان جده محق فيما قال الأمر أصعب بكثير مما تخيل.

همّ بالانصراف لولا فتح الباب وخروج عمر ابن خاله الذي سأله بدهشة 

_ جاسر؟! واجف أكده ليه؟ أتفضل چوه

بوغت جاسر بـ خروج عمر مما جعله يستسلم للأمر الواقع وقال بتشوش

_ هو خالي موچود 

أكد عمر 

_ اه موچود اتفضل

دلف جاسر وقد زادت ضربات قلبه حده وهو يصادف جده يجلس في الردهة 

_ أهلًا جاسر تعالى 

تقدم جاسر من جده التي تعجب من هيئته وسأله 

_ مالك أكده في حاچة حصلت؟

ازدرد ريقه بصعوبة وجلس أمامه لا يعرف ماذا يفعل 

عاد عاصم يسأله بقلق

_ في إيه ياجاسر جلجتني.

واستطاع بصعوبة أن يلملم شتات أمره وقال باضطراب

_ چدي أنا كنت رايد أتكلم معاك في موضوع أكده

قطب عاصم جبينه

_ خير ياولدي؟

تردد كثيرًا قبل أن ينطقها ليقول بالأخير

_ كنت عايز أجولك إني مجبر أتزوچ بنت عمي وياريت محدش يسألني ليه.

لم يساوره الشك إزاء أى أمر سوى أنه يود الأنتقام من عمه بها لتتبدل ملامحه للشدة وهو يقول 

_ ومن ميتى احنا بناخد الولاد بذنب أهلهم

هم جاسر بمقاطعته لكنه أكمل بحده

متحاولش تكدب عليا لإني عارفك زين، وعارف اد أيه انت بتكره منصور ونفسك تاچيك الفرصة عشان تردله اللي عمله مع أبوك وچدك.

بس صدجني الطريج ده محدش هيرچع منه خسران غيرك.

استاء من نفسه، ما الذي يجبره على وضع نفسه أمام ذلك الأتهام

هو لا ينكر إن به القليل من الحقيقة وهو أن ينتقم من منصور بحرمانه منها لكن السبب الأهم هو ما لا أحد يعرفه سواه.

_ الموضوع مش أكده خالص بس أنت خابر زين إن ارتباطي بزينة كان عن طريجكم أنتم، لا هي حبتني ولا أنا شايفها جدامي غير ليلى أختي، وصدقني الأنتجام اللي بتجول عليه ده مش حجيجي، كل الحكاية إني رايدها مش أكتر من أكده

تنهد عاصم بتعب ثم تحدث بروية

_ شوف ياجاسر إنت أول فرحتي، أول حفيد شيلته بين أيديا وأخد جلبي من وجتها، خابر زين إنك عمرك مكدبت عليا، زي مـ خابر انك مبتعترفش بالحب واصل

هصدجك واقجول إنك حبيتها بس يكون في علمك إن منصور هيفضل بيناتكم وكل مـ تبصلها هتفتكر كرهك لأبوها.

فكر زين ياولدي وإن كان على زينا هى فاتحتني امبارح أنها شيفاك زي أخوها، ولو صبرت شوية كنت هفاتحك فيها.

دلف وليد ليسمع كلمة والده الأخيرة 

_ هو ايه يابوي اللى هتفاتحه فيها 

نظر جاسر لجده كي يرفع عن أثنيهم الحرج ليتحدث عاصم بثبات 

_ تعالي ياولدي كنت عايزك في موضوع مهم

جلس وليد بجوارهم وتساءل

_ خير يابوي؟

تنهد عاصم ونظر إلى جاسر وقال 

_ كنت شيعت لجاسر عشان أفاتحه في موضوع زينة

عقد وليد حاجبيه بدهشة وسأل والده وهو ينظر إلى جاسر

_ مالها زينا

أراد عاصم أن يحفظ ماء الوجه بالنسبة للجميع وقال بجدية 

_ زينة اتحدت معاي أمبارح أنها عايزة تلغي خطوبتها بجاسر، ولما كلمته لقيته متفاهم وجالي إن كل شئ جسمة ونصيب 

شعر وليد بالحرج من موقفه وقال 

_ صدجني ياجاسر…..

قاطع جاسر حديثة كي يرفع الحرج عنه وهو يقول برصانه

_ متجولش حاچة ياخالي زينة هتفضل زي أختي ومفيش حاچة هتتغير 

نهض ليهم بالخروج

_ أستأذن لأن عندي مشوار ضروري لازمن اروحه.

خرج من المنزل وقد أزيل ذلك الحمل الذي أجثم على صدره والآن عليه بالمواجهة الكبرى وهى منصور.


❈-❈-❈


في اليوم التالي في المشفى 


نهض أمجد من الفراش بمساعدة فارس صديقة

لكنه لم يستطيع السير على قدمة فقد تورمت بشكل يدعوا للقلق فقال فارس بمصابرة

_ معلش ياأمجد أتحمل شوية الدكتور عصام اصر انك تمشى ولو دقيقتين بس.

حقًا لم يستطيع ليعود إلى الفراش مرة أخرى وقد شعر بالإنهاك من تلك الخطوة.

_ حقيقي مش قادر

أستسلم فارس وساعده على الاستلقاء

فسمعوا طرق الباب فسمح فارس بالولوج فدخلت ليلى التي ما ان رآها حتى اشرق وجهه بابتسامة وديعة وقال بترحيب

_ اهلًا دكتورة ليلى اتفضلي

شعرت ليلى بالإحراج لوجود شخص آخر فيرفع عنها فارس ذلك الإحراج وقال 

_ طيب انا هروح أشوف عمي وارجعلك.

اومأ له أمجد وما إن إقترب من الباب حتى التفت غمز له بعينيه جعل أمجد يضحك مرغمًا 

نظرت ليلى خلفها لتجده قد خرج وأغلق الباب خلفه فتساءلت 

_ بتضحك على إيه

رد أمجد بمرح

_ ولا حاجة، المهم أخرتي كده ليه؟

زاد احراجها وردت باضطراب

_ بس أنا ماخرتش

نظرت إلى ساعة يدها وتابعت

_ الساعة دلوقت تسعة 

أكد قائلًا وهو يلتهم ملامحها بعينيه

_ بردوا آخرتي.

قررت التعامل معه بمهنية كي تجعله يخفي تلك الإبتسامه التي ترهقها 

فتقدت منه كي تنظر إلى التقرير الذي أعده الدكتور عصام صباحًا وقالت بروية

_ الحمد لله بقينا أحسن بكتير

رد أمجد بامتنان

_ ده بفضلك إنتي ياليلى 

اهتزت نظراتها عندما نطق اسمها بتلك الشفافية وكأنه معتاد على ذلك 

لما كل كلمة تخرج من فمه لها تربك كيانها بذلك الشكل، فشعرت بأن وجودها معه خطر لا محالة 

لملمت شتات أمرها وتعللت قائله

_ أنا عندي مناوبة دلوقتى ولازم أمشي

وقبل أن تهم بالمغادرة أمسك رسغها يمنعها قائلاً

_ ليلى استني

جذبت ليلى يدها بسرعة لتنظر إليه بقوة وتقول بخشونة

_ أيه اللي عملته ده؟

إغتاظ من تصرفه ورد معتذرًا 

_ انا اسف معلش أتصرفت بعفوية، بس….

توقف عن تكملت حديثه

غلن تقبل منه حديث وهي بذلك العبوس فأكمل

_ كنت عايز اقولك أبعتي الدكتور عصام عشان عايزة ضروري 

أومأت بصمت وخرجت من الغرفة وهي تتحسس مكان يده على رسغها 

علمت أنه كان يود قول شئ لكنه تراجع خوفًا من رد فعلها بعد ما حدث، نعم ذلك أفضل كي لا يتمادى معها.


❈-❈-❈


كلما تقدم ذلك القطار من تلك البلده كلما رق قلبه شوقًا لرؤياها.

يتمنى الوصول إلى بلدته بأسرع وقت، حتى شعر بأن القطار ثابت لا يتزحزح.

لو أخبرته بذهابها لم يكن يتوانى لحظة واحدة عن الذهاب معها، فقد كان ذلك اتفاقهم حتى تم إكتشاف أمرهم

ها قد وصل القطار، وها هو ذا يقف على أعتابها تلفح وجهه نسماتها النقية ..

يتحرى شوقًا لرؤية من دمرت والدته صورتهم الوردية، لكن عبثًا، لم يصدق كلمة واحدة مما قيل.


❈-❈-❈


في غرفة جاسر طرقت وسيلة الباب لتدخل بعد أن سمح لها جاسر 

وكان جالسًا على الأريكة شاردًا كعادته فتقدمت منه تجلس بجواره وتسأله بجدية

_ عملت أيه مع بنت خالك؟

تنهد جاسر بتعب ورد بهدوء

_ اطمني يا أمي خلصت كل حاچه مع چدي، واللي انتي متعرفوش انها هى كمان فاتحت چدي في الموضوع، يعني إكده ولا إكده الچوازة مكنتش هتكمل 

تنهدت وسيلة براحة وعادت تسأله

_ وعمك منصور هتعمل معاه أيه؟

ضغط على أسنانه بحدة يكي يهدئ من حدته وقال بعناد

_ انا طلبتها من چدي وهو وافج، وده اللي يهمني 

همت بالحديث لكنها منعها قائلًا بشدة

_ جولت اهم حاچة رأي چدي وده اللي يهمني عايزين تجلوله انتوا حرين لكن أني لا.

هزت راسها بيأس منه ومن عناده، من قال أنه يشبه منصور فقط في ملامحه بل وعناده أيضًا.

فقالت باستسلام 

_ طيب جوم أفطر لول معاهم وشوف هتوصلوا لأيه.

نهض جاسر ونزل معها للأسفل 

ليسمع طرقات أخرى على الباب نظر إلى والدته وقال 

_ روحي إنتي ياأمي وأني هشوف مين 


فتح جاسر الباب ليرى ذلك الشاب أمامه وتلك الحقيبة التي يحملها وسأله 

_ مش ده بيت الحاج عمران المنشاوي؟

مأكد مصيبة أخرى من مصائبه فرد جاسر بسؤال

_ وأنت مصطفى مش أكد 

أكد مصطفى تكهنه

_ بالظبط

أشار له جاسر بالولوج وقد جلسوا جميعًا على مائدة الأفطار منتظر عودة جاسر

تفاجئت سارة بمجيء مصطفى لتنهض مقتربة منه بسعادة 

_ مصطفى

نظر الجميع ناحيته فعلموا فور أحتضانه لها أنه مصطفى أخيها 

ارتمت سارة في أحضانه وهي تقاوم البكاء، فلم يفترقوا يومًا عن بعضهم البعض إلا عند مجيئها 

وكان الجميع ينظر إليهم ببهجة؛ سوى ذلك الذي ينظر إليهم بسخرية.

ابتعدت عنه قليلًا كي تنظر إليه وقالت بعتاب

_ وحشتني آوى يامصطفى 

قبل مصطفى جبينها وهو يقول بحب

_ وأنتي أكثر ياحبيبتي، بس انتي اللي سيبتينى وجيتي لوحدك 


_ تعالى ياولدي.

نظر مصطفى إلى عمران الذي علم فور رؤيته بأنه جده عمران الذي لم يكف خالد عن المدح فيه  وتقدم منه ليقبل يده بإحترام

_ إزي حضرتك ياجدي

_ زين ياولدي بشوفتك، تعالى 

نظر إلى جليلة التي ألجمتها الفرحة وقال 

_ أنتي جدتي جليلة 

اومأت له بسعادة فيتقدم منها لتحتضنه بشغف وكأنها تحتضن وليدها الغائب.

_ ايوة ياضي عيني.

بدأ أول لقاء له معهم بفرحة ظاهرة على الجميع فينظر إلى أخته التي عادت الدماء لوجهها فور رؤيته 

لتومأ له بأنهم كذلك.

لكن كان لذلك المحتج رأي آخر………



ومقبل على الصعيد

الفصل الخامس عشر


❈-❈-❈


اجتمع الجميع على مائدة الإفطار بسعادة بالغة بوجود مصطفى

كان عمران ينظر إليهم بسعادة غامرة وشعر باكتمال أسرته، ورويدًا رويدًا سيعود كل شئٍ لما كان عليه من قبل.

لكن ذلك المحتج له رأيٌ آخر عندما تحدث بتبرم

_ وانت چاي عشان تاخد أختك ولا چاي زيارة؟

بوغت مصطفى بسؤاله وكذلك سارة التي تبدلت ملامحها للخوف فتنظر إلى أخيها بتوجس تنتظر رده

_ بصراحة بابا كان بعتني الأول عشان أجيبها 

أنقبض قلبها خوفًا ونظرت إلى جاسر تستنجد به لكنه لم يبالي بها وأردف مصطفى

_ بس بابا لما لاحظ فرحتي وأد أيه أنا عايز اشوفكم واتعرف عليكم، فاجئني وانا جاي بأني أقعد معاكم زي ماأنا عايز 

تراقص الأمل بداخل جليلة بعودته مرة أخرى وسألته بلهفة 

_ مجالكش انه هياچي

أخفض مصطفى عينيه وبهت آثر سؤالها ورد بهدوء

_ أكيد طبعًا بس هو مشغول آوي الفترة دي وأكيد بعد ما يخلص شغله هييجي.

هزت جليلة رأسها بعدم تصديق فيرفع جمال ذلك الإحراج عن الجميع قائلاً برباطة جأش

_ بكرة ليلى بنتي چاية هى ومعتز وحازم وإن شاء الله هنخليه أحتفال بوچودكم معانا.

لم يجد مصطفى الكلمات التي تصف مدى امتنانه لهم وخاصةً عندما ربت جمال على يده وهو يقول بترحاب 

_ نورت الدار والبلد كلياتها.

ابتسم بحب

_ منوره بيكم ياعمي.


❈-❈-❈


أنتهى دوامها وقررت العودة إلى المنزل كي تستعد للسفر 

حملت حقيبتها وهمت بالذهاب لكن حنينها هزمها تلك المرة لتقرر الذهاب إليه كي تودعه قبل رحيلها وكأنها سترحل دون عودة.

طرقت الباب قبل دخولها لتتفاجئ بالغرفة فارغة

فينقبض قلبها خوفًا عليه، أسرعت بالخروج وسؤال إحدى الممرضات فأخبرتها أنه في قسم الأشعة 

أغمضت عينيها بألم تحاول تهدئة أعصابها التي أنهارت إثر تلك الصدمة.

ذهبت إلى قسم الأشعة لتجده مستلقيًا على سرير الأشعة يكاد لا يشعر بشئٍ من حوله، تسارعت وتيرة تنفسها وهي تراه بتلك الحالة نظرت إلى عصام الذي يباشر الأشعة مع الطبيب المختص بها وسألته بقلق

_ دكتور عصام أيه اللى حصل؟

هز عصام رأسه بقلق

_ للأسف الحالة مبقتش مستحملة أكتر من كده، كل مدى الحالة بتسوء أكتر.

آزاد انقباض قلبها خوفًا وسألته بريبة

_ وبعدين؟

_ هيفضل في العناية لحد ما نشوف حل.

انتهى الطبيب من عمله وأسرعوا للعودة إلى غرفة العناية

قاموا بوضعه مره أخرى على الأجهزة لتجد أن مؤشرات القلب عنده اصبحت بالفعل بطيئة وهذا لا يبشر بالخير مطلقًا

عاتبت نفسها على صدها له في الصباح، وندمت أشد ندم على فعلتها، ما كان عليها أن تصدمه بتلك الحدة

رن هاتفها فعلمت بهويته الذي لم يكن أحدًا سوى حازم الذي أصبح جاف التعامل معها منذ أن أعترفت له

خرجت من الغرفة لتجيب بثبات زائف

_ أيوة ياحازم 

رد حازم من الجانب الآخر

_ هتاچي ولا هنعدي عليكي في المستشفى؟

مسحت دمعه تدحرجت على وجنتها وردت بهدوء

_ لأ سافروا أنتوا أنا مش هسافر 

أندهش حازم وسألها بجدية 

_ يعني أيه الكلام ده؟ واللي مستنيينك هناك دول أجولهم أيه؟

أخذت نفس عميق تهدئ به حزنها وأجابت بإصرار 

_ مش هينفع أرجع معاكم، في حالات هنا مش هينفع اسيبها.

سألها حازم بشدة

_ مين هما بجى الحالات دي؟ 

نظرت ليلى إلى الممرضة التي خرجت من الغرفة وقالت

_ حالات تعبانه ياحازم.

إزداد الشك بداخله وقال بحدة

_أجولك أنا هچيكي بنفسي أشوف الحالات دي.

اغلق الهاتف قبل أن تعارضه مما جعلها تغمض عينيها بريبة خشيةً من عناده 

عادت إلى الداخل لتجد عصام ممسكًا بهاتفه يشير لها بالبقاء معه وخرج من الغرفة.

تقدمت منه وهى تتحلى بقوة زائفة لكن ما أن جلست بجواره حتى تلاشت قوتها وانهارت في البكاء.

وتساءلت إلى متى ستظل بذلك العذاب؟


❈-❈-❈


هم حازم بالخروج من المنزل بعد أن أغلق هاتفه لكن معتز منعه بحده

_ أنت في أيه؟ أيه حكايتك بالظبط معاها؟ من وقت ما صرحتنا بموضعها وأنت واقفل لها على الغلطة، أيه اللي في دماغك بالظبط.

تهرب حازم من الإجابة وهو يهاجمه بالرد

_ انت اللي يومين جضتهم أهنه خلوك تنسى عوايدنا وإننا صعايدة ومينفعش نسكت على اللي بيحصل ده.

تحدث معتز بإنفعال

_ هى معملتش حاچة تتعدى عوايدنا عشان تعاملها بالشكل ده، هى بتتعامل معاه كمريض وأظن واحد في حالته مش هيكون واعي لعشج وغيره 

أختنا وخبرينها زين وعارفين تربيتها عمرها ما هتكون موضع شك.

رد حازم بوجل وهو يجلس على المقعد

_ مهما كان ثقتنا فيها بس ده ميخلناش نوافج على اللي بتعمله ده.

ارتبك وهو يضيف

_ وكمان أني خايف عليها تتعلج بيه أكتر من أكده والآخر تتعذب بفراجه

علم معتز سبب تعنده معها والذي أيقن بأنه نابع من خوفه عليها كي لا تمر بما مر به هو وسأله بتعاطف

_ انت لساتك بتفكر فيها 

نفى حازم بحدة

_ انا مـ بفكرش بحدا.

جلس معتز قبالته وقال بجدية 

_ لأ لساتك بتفكر فيها وبلاش عناد جصادي انا بالذات لأنك لو داريت عن الدنيا كلها مستحيل تخيل عليا.

تنهد حازم بأسى وقال 

_ مش هينفع نتكلموا فى حاچة منتهي أمرها 

نهض من مقعده وهو يتابع بإصرار

_ اني رايح أجيب أختك جبل مـ العشج يتملك منيها وتعيش عمرها كله في عذاب 

لم يمنعه معتز علمًا بحالته وتركه يغادر 


❈-❈-❈


في منزل عاصم 


لم تصدق زينا ما تسمعه أذنها عندما أخبرتها والدتها بما حدث، هل حقًا انحل ذلك الحبل الذي كان ملتفًا حول عنقهم، وأصبح كل واحدٍ منهم على سجيته؟

هى تعلم علم اليقين بأنه لا يكترث لها.

لكن ذلك أيضًا لن يقرب المسافات الطويلة التي كتبت عليهم

وسيظل جاسر بينهم ولن يستطيع أحد فعل شئ، فليصبروا قليلًا لربما تتبدل الأحوال بينهم ويستطيعوا حينها الإقتراب وعودة الأمور لما كانت عليه قبل أن يفاجئها زوج عمتها بذلك الطلب.


❈-❈-❈


في غرفة سارة 

جلس مصطفى بجوارها وسألها بعتاب

_ ايه ياسارة اللي خلاكي عملتي كده وجيتى لوحدك؟

ياستي على الأقل كنتي عرفيني يمكن كنت اتجننت انا كمان وروحت معاكي.

لا تعرف ليلى بماذا تخبره، هو حقًا شقيقها ومنبع أسرارها لكن تعلم أيضًا بأنه لن يقبل بما حدث ولن يمر الأمر مرور الكرام وربما يتصدى لذلك الشخص ويدمر مستقبله.

رسمت ابتسامه لم تصل لعينيها وردت بهدوء

_ خفت لبابا يعرف زي المرة اللي فاتت فقلت افاجئهم أحسن واحطهم ادام الأمر الواقع


_ طيب والمحاضرات اللي سبتها دي؟ 

ساد الصمت قليلًا حتى تحدثت 

_ تعرف أيه أكتر حاجه بندم عليها؟

ضيق عينيه متسائلًا لتجيبه بألم

_ اني معملتش كده من زمان

تنهدت بألم وأردفت

_للأسف ماما ضحكت علينا لما فهمتنا أنهم ظلموا بابا وأخدوا حقه، والحقيقة أنها العكس تمامًا.

عقد حاجبيه مندهشًا وتساءل

_ إزاي؟

قصة عليه كل ما حدث منذ أن وطئت قدماها داخل المنزل حتى تلك اللحظة، وكأن مصطفى أصيب بالصدمة مما سمعه الآن وقد اظهرت حقائق عجيبة لم يكن يتخيلها

_ إنتي بتقولي إيه ياليلى؟

ردت بتأكيد

_ للأسف دي الحقيقة ولحد النهارده بيكمل خيانته ليهم، وده خلاني أتمسك بيهم أكتر وأصر إني أفضل هنا 

_ ودراستك؟!

ردت بلهجة لا تقبل نقاش 

_ هنقل هنا في الجامعة ومش هرجع تاني 

خفضت عينيها وهى تكمل

_ وفي حاجه بردوا، إن جاسر أتقدملي وأنا وافقت 

انصدم مصطفى مما قالت لكنه تحدث برجاحة وهو يسألها

_ إزاي مش فاهم.

يعني إيه هتكملى هنا؟ وأيه اللي يخليكي ترتبطي بواحد لسه شيفاه من أسبوعين وأقل كمان 

حاولت الثبات وألا تظهر التعاسة التي عرفت طريقها إلى قلبها وأجابت بصدق

_ يمكن جاسر باين عليه أنه شديد وعصبي بس صدقني النوع اللي زي ده بيداري حنانه وطيبة عشان مينجرحش زي ما أبوه أنجرح

لأن اللي شافه عمك محدش أبدًا يقدر يتحمله 

عارض مصطفى حديثها

_ بس مش معنى كده إنك ترتبطي بيه، أنا شايف أن الجوازة دي متنفعش خالص ده غير طبعًا رأي ماما في الموضوع ده، مستحيل توافق


نعم محق في كل كلمة نطق بها لكن عليها أن ترضى بواقعها الذي فرضه القدر عليها لتقول بإصرار

_ أنا خلاص عرفتهم إني موافقة ومش هتراجع.

شعر مصطفى أن هناك سببًا آخر وراء ذلك لكنه لم يريد الضغط عليها الآن فـ حالتها لا تسمح بالاستفسار عن أي شئ.


❈-❈-❈


في غرفة أمجد

ظلت ليلى قابعة بجواره لا تستطيع مفارقته لحظة واحدة

تخشى إذا تركته تعود ولا تجده كما حدث اليوم

حتى عندما سمعت الآذان قررت الصلاة في الغرفة كي تظل قريبة منه.

انهت صلاتها وانتبهت على صوت همهمه تصدر منه 

نهضت وأسرعت إليه بلهفة وشوق وهى تسأله

_ أمجد أنت سامعني؟

لم تجد منه ردًا سوى تلك الهمهمة الخافتة 

قامت بجس نبضه والنظر للمؤشر لتجد الحالة كما هى.

فتعاود سؤاله بلوعة

_ أمجد لو سمعني حرك إيديك

ولم يمضي ثانية واحدة حتى وجدت يده تتحرك ببطئ على الفراش

ابتسمت بسعادة كبيرة لكن ساعدتها تلاشت عندما طرق الباب ووجدت الممرضة تدلف قائله

_ دكتورة ليلى، اخوا حضرتك بره وعايزك ضروري 

أومأت برأسها وهى تقول 

_ طيب روحي قوليله إني جايه.

قامت بوضع بعض الأدوية داخل المحلول

همت بالذهاب لكن يده أمسكت يدها بضعف تمنعها من المغادرة، أو ربما تكون لمست رجاء بألا تتركه لتعود ابتسامتها مرة اخرى وهي تقول 

_ متقلقش هرجع تاني

تراخت يده عنها وتخرج من الغرفة متجهه إلى مكتبها حيث ينتظرها حازم 

وعندما رآها تحدث بجدية

_ يالا يا ليلى لأن القطر بقيله ساعة ويطلع

ردت ليلى بثقة

_ أنا كلمت بابا وعرفته إني مش هقدر انزل الأجازة دي 

رد حازم باحتجاج

_ وعرفته السبب الحقيقي ولا أعرفه أنا؟

رد ليلى بهدوء

_ لأ ياحازم مقولتش ولو عايز تقول أنا مش همنعك، بس خليك واثق وقتها إني عمري ما هسامحك 

زم حازم فمه بغيظ وشعر بأنه أصبح مكبل بسبب تهديدها له وقال بتبرم

_ ده تهديد ولا ايه مش فاهم.

تقدمت منه ليلى وقالت برباطة جأش

_ اطمن ياحازم أنت عارفني كويس وواثق إني عمري ما هعمل حاجه تغضب ربنا ولا تزعل بابا مني، بالنسبة لأمجد أنا فعلًا حبيته وهو كمان بس محدش من صرح للتاني بمشاعره، وعشان تكون عارف أنا مش هتنازل عن الحب ده لأى سبب من الأسباب، ومش هتخلى عنه وهفضل سند ليه لحد ما يقف على رجليه من تانى.

قربت منه أكثر لتردف بألم

_ أرجوك ياحازم خليك أنت كمان سند ليا لحد ما نلاقي المتبرع وصدقني وقتها هبعد مجبره لأن دوري إني أوقفه على رجليه من تانى، وبعدها مش هيكون في سبب لتواجدي معاه، وبالنسبه لخطواته هو اللي هيخطيها لوحده.

لم يستطيع حازم الوقف أمام ذلك العشق الذي أعترف به بكل وضوح وقال بمثابرة

_ حاضر ياليلى هسكت وهسيبك وهديكي ثقة أكبر بس لو رجعتي موجوعه مش هقدر أعملك حاجة

اومأت بعينيها ثم تركها وغادر


عادت ليلى إليه لتجده قد عاد لسباته تقدمت منه بشغف وجلست على المقعد بجواره وقالت بهيام

_ إن شاء الله مفيش حاجة هتقدر تبعدني عنك غير الموت، حتى الموت هفضل أحارب معاك لحد ما تتغلب عليه بإذن الله


❈-❈-❈


في منزل منصور

دلف منصور مكتبه بعد أن تأكد من نومها وقام بإخراج الملف من مكتبة وابتسم بتشفي وهو يرى امضتهم على أوراق التنازل 

امسكت هاتفه واتصل على المحامي الذي ما إن أجابه حتى تحدث بقوة

_ الصبح الأوراق هتكون عندك عايزك تخلص الأجراءات بأسرع وقت 

_ تمام يافندم 

أغلق الهاتف وابتسامة نصر مرتسمة على فمه وهو يقول بتوعد

_ إن مـ رجعتكم للشحاته تاني مبقاش أنا منصور عمران.


❈-❈-❈


دلفت ساندي غرفة أخيها لتجده يغلق حقيبته ويستعد للذهاب فقالت بامتعاض

_ بردوا هتسافر من غير ما تعرف البنت راحت فين؟

رد وائل باستهزاء 

_ هتكون راحت فين يعني، أكيد عند حد من قرايبها، بس المهم اول ما تشوفيها تكلميني فورًا.

ردت ساندي بقلق

_ أنا خايفة الموضوع ده يتعرف ووقتها مش هيرحمونا.

أجابها بثقة وهو يحمل حقيبته يستعد للذهاب 

_ قُلتلك متقلقيش هترجع هترجع مـ عندهاش حل تاني.

يالا خلي بالك من نفسك وسلمي على عمتي.

_ الله يسلمك ياحبيبي.

خرج وائل وأغلقت هى الباب خلفه وعادت إلى الداخل تجلس على الاريكة وتمسك بهاتفها وابتسامة سعادة مرتسمة على وجهها عندما أجابها

_ حبيبة قلبي وحشتيني موت

ردت ساندي بدلال

_ لو كنت وحشتك بصحيح مكنتش فضلت المدة دي كلها متكلمنيش 

_ مكنش ينفع طول مـ وائل هنا وخلاص وائل مشي وكده ولا كده انا فضيلك ياجميل

تحولته لهجته بخبث وهو يتابع

_ مش ناوية بقى تيجي عندي الشقة؟

ردت ساندي بجدية

_ لأ طبعًا انت عارف رأيي في الموضوع ده

ترجع مسرعًا

_ خلاص ياستي انا بقول هنبقى براحتنا وبعدين انتي هتروحي عند عمتك ومش هنعرف نتكلم براحتنا 

أيدت ساندي رأيه وهى تقول بحيرة 

_ عندك حق بس متقلقش انا هحاول أكلمك وانا في الجامعة

تظل تتحدث معه حتى شعرت بتأخر الوقت وقالت

_ أقفل بقى عشان أخرت آوى على عمتي.

_ ماشي ياحبيبتى بس لو اخرتي عليا ومعرفتيش تكلميني يبقى لازم نتقابل

_ هشوف الاول يالا باى 

اغلقت الهاتف وقامت بتبديل ملابسها وخرجت هى الأخرى.


❈-❈-❈


في غرفة جمال

خرج من المرحاض ليجدها جالسة على الفراش ومازالت على وجومها منذ أن علمت بعدم مجيئ ليلى

تنهد بحيره

ماذا يفعل أمام هذين الأثنين الذي يبقى مسلوب الإرادة أمامهم، هى ترجته أن يتركها لأجل عملها

وهى تعاقبه أشد عقاب على موافقته لها بتجاهله

وآااه من ذلك التجاهل الذي يجعله بسهولة يرضخ لكل ما تريد 

ابتسم وهو يتقدم منها ليجلس بجوارها وقبل رأسها بحب وهو يقول

_ لساتك زعلانه؟

نظرت إليه بعتاب وهمت بالإبتعاد لكن نظرات العشق التي يرمقها بها جعلتها تظل مكانها وخاصةً ابتسامته التي تضئ ظلمتها وأردف قائلاً

_ إنتي خابرة زين إنك لما بتزعلي الدنيا كلها بضيق عليا

ردت وسيلة بعتاب

_ اضحك عليا زي عوايدك

ضحك جمال وهو يقربها منه ويأكد بحب 

_ ولو مضحكتش عليكي انتي اضحك على مين؟

وبعدين إنتي بتسمي حبي ليك ده ضحك؟

ده عشج متملك من الجلب وخلاه مش شايف غيرك

وعشان إكده مش بجدر على زعلك واصل.

إزداد عتابها أكثر

_ وعشان إكده راضتها هي ومهمكش زعلي

هز جمال رأسه بتعب من الجدال معها في هذا الأمر وقال بجدية

_ ياوسيلة بنتك بقيت دكتورة ومهنتها هى اللي بتحكمها، بلاش نضغط عليها ونسيبها بحريتها. 

تحدثت وسيلة بقلق

_ بس ياجمال البنت بجد وحشتني وجلبي جلجان عليها، ديمًا بحلم أنها مهمومة وفـ ضيق.

احتواها جمال بين ذراعيه وقال يطمئنها

_ متجلجيش، ليلى من يومها ميتخافش عليها

وهى طمنتني وجالت إن اليومين دول هتقضيهم في المستشفى وأني كلمت الدكتور عصام وهو واخد باله منيها، اطمني بجى وخليكي مع أبوها اللي زعلتيه دلوجت 

ابتسمت له بحب لتضع رأسها على صدره العريض وقالت بولع

_ لا عشت ولا كنت عشان ازعل حبيب الجلب مني

بس غصب عني، ده من خوفي على بنتنا.

تحولت نظراته لمكر وسألها بولع

_ لساتك بتعشجيني كيف لول

بعدت رأسها عنه قليلًا كي تنظر إلى عينيه التي تهيم بها عشقًا وأجابت بعشق

_ وكيف محبكش وأنت مالك الجلب والروح، كل مدى حبك في جلبي بيزيد وبحس انك كيف الهوا اللي بتنفسه لو أتمنع أموت.

_ بعد الشر عنيكي من الموت 

قرب وجهه منها كي يقبل ثغرها الذي دائمًا يسعى للأرتواء منه حد الشبع لكنه لم يشبع يومًا ويظل دائمًا متلهف للإرتواء منه.

أما هى فمستسلمه لغزوه بكل ترحاب وكأنها تريد أيضًا الأرتواء من عشقه حتى التشبع.


❈-❈-❈


رفع أمجد جفنيه بصعوبة شديدة وقد شعر بثقل يجثم على صدره جعل تنفسه شديد الصعوبة

حرك يده كي يزيل جهاز التنفس لكن يد حانية منعته من ذلك وصوتها الذي يبث الاطمئنان بداخله يمنعه من ذلك

وأعادت يده إلى موضعها 

تمكن أخيرًا من رفع جفنه كي ينظر إليها ويرى وجهها الذي يعشقه 

لكن التنفس أصبح أصعب بكثير، حاول التحدث لكن  العائق يمنعه من ذلك

حرك عينيه بصعوبة تجاهها فيجد ابتسامتها التى تنير ظلمته مرتسمة على محياها

فتحدث بوهن

_ لسه معايا؟

أومأت برأسها وهى تقول بتأكيد

_ هفضل معاك العمر كله، بس انت قاوم.

ابتسم بحزن وهى يسألها

_ هو فين العمر ده؟

أجابته بأمل وهي تحثه على المقاومة

_ موجود وإن شاء الله هتلاقي المتبرع وهتعمل العملية وتبقى أحسن من الأول.

هز رأسه بنفي وأردف

_ انا بسمع الكلام ده بقالي اكتر من ست شهور فخلاص مبقاش بيديني أمل زي الأول

حاولت كبت عبراتها من النزول وقالت بروية

_ صدقني انا متباشرة وظني في الله خير وهنلاقي المتبرع بأقصى سرعة، وهتشوف.

ازدرد ريقه بصعوبة وشعر بجفاف حاد في جوفه فشعرت هى بذلك وقامت بملئ الكوب ومساعدته على الارتواء 

اكتفت برشفة قليلة وأعادت الكوب إلى موضعه وقالت

_ كفاية كده.

نظر إليها طويلًا ثم سألها 

_ طلعتيلي مني، أنا كنت صابر وراضي بقدري جيتي إنتي ضيعتي الرضا ده وخلتيني أتمسك بالحياة اللي مش مكتوبالي 

رغم الحزن بداخلها إنها تحدثت بمرح

_ كنت داخله أشوف الحرامي اللي دخل بيت عمران المنشاوي، ومش عارفه لحد النهارده انا كنت داخله أعمله ايه؟

ابتسم أمجد وأجاب بمزاح

_ كنتي داخله عشان تخطفي قلبي مش تنقذيه.

رغم الحياء الذي شعرت به جراء كلماته إلا إنها أجابت بصدق

_ بالعكس انا دخلت عشان تخطف أنت قلبي وتهد الجدار اللي بنيته حوالين قلبي بنظرة واحدة.

نظر إليها أمجد مطولًا وكأنه يعاتبها على ظهورها في حياته التي لا أمل منها وقال بكمد 

_ الكلام لو سمعته في وضع غير اللي أنا فيه ده كان زماني أسعد واحد في الدنيا، بس للأسف بسمعه وأنا بتألم إني معنديش العمر اللي أقدر أسعدك فيه 

أكدت بحب

_ خلي ظنك بالله خير، هو قال " أنا عند حسن ظن عبدي بي" وإن شاء الله هتخف وتبقى أحسن من الأول.

شعر بالتعب من التحدث

ولاحظت هى ذلك 

فقالت بثبات

_ كفاية كلام لحد كده وأرتاح

_ متسبنيش

أومأت بحب

_ عمري مـ هسيبك.

اغمض عينيه وعاد لسباته وعادت هى لأحزانها.



تكملة الرواية من هنااااااااا

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هنااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا




تعليقات

التنقل السريع