رواية الحصان والبيدق(الجزء الثاني من رواية" بكِ أحيا") الفصل السابع والثامن بقلم ناهد خالد
رواية الحصان والبيدق(الجزء الثاني من رواية" بكِ أحيا") الفصل السابع والثامن بقلم ناهد خالد
الفصل السابع "ضي نور"
الحصان والبيدق
بكِ أحيا 2
ناهد خالد
الفصل السابع و الثامن
_ انا قتلته! طب ليه! انا مكنتش عاوزه ابقى كده..
قالتها وهي تشير لذاتها بعصبية وعدم تصديق في آنٍ، وجلست فوق الارضية الباردة بتعب وارهاق نفسي، وهي تبكي بمرار، وهو يتابعها بقلة حيلة، فأي حديث قد يقوله يمكن ان يخفف عنها! لقد زل لسانه وانتهى الأمر، أصبحت الآن على دراية بما استطاع خفيه لعامان وأكثر، والحق ان كل شيء لابد له أن يُكشف يومًا..
اقترب منها يقف امامها ثم جثى على ركبتيهِ امامها يتابعها بتأثر قبل أن يقول بنبرة حنونة يحاول فيها تخفيف صدمتها والامها:
_ انتِ مبقتيش كده بمزاجك، انا لو حد دخل عليَّ دلوقتي وحاول يسرقني وقاومته ولاقيته كان هيقتلني فسبقت وقتلته.. وقتها محدش يلومني، ده في بيتي وبيتهجم عليَّ، ولو مكنتش قتلته كان سبقني وعملها، والقانون يبرأني.
نظرت له تسأله بادراك:
_ والقانون مبرأنيش ليه! ليه اتصرفت من دماغك وخفيت الجثة رغم ان القانون كان هيبرأني!؟
رفع رأسه بثبات وهو يجيبها:
_ عشان وقتها خوفت عليكِ، وحالتك وانهيارك الي كنتِ فيه مخلانيش افكر، بعدين مكنتش اعرف عن القانون لان عمري ما قريت عنه ولا دخلت في مشكله قانونية عشان افهم.. انا فهمت ده بعدين لما واحد صاحبي اتعرض لمشكلة مشابهه.
وصدقته لانها ليست بحال يسمح لها بالمجادلة او الشك، ولكن حتى وإن كان خارجًا عن ارادتها، حتى وان كانت قتلته بلا جُرم، فهي في النهاية قتلته! ارتعش كفيها وتجعدت ملامحها ببكاء وهي تنظر له وتخبره بانهيار:
_ بس قتلته.. حتى لو مش مذنبة، قتلته ودمه على أيدي.. ازاي قدرت اعمل كده؟
امسك ذراعيها بكفيهِ يضغط عليهما برفق وهو يخبرها بالحقيقة التي يغفل عنها عقلها الآن:
_ قتلتيه عشان تعيشي.. عشان كان هياخد منك شرفك، كنتِ بتدافعي عن نفسك يا خديجة.
رفعت نظرها له وبعيناها نظرة لم يفهمها، وظلت صامته لثواني قبل أن تُلقي بقنبلتها المدوية وهي تقول:
_ زي ماكنت بتدافع عني زمان!
فغر فاهه وظل كالصنم أمامها لثواني أخرى يستوعب جملتها ويربطها بنظراتها، ليتأوه بقوة وهي يقول بعدم تصديق وتعب كمن ركض ضهرًا باحثًا عن مخرج وبالأخير رأى نورًا يأتي من بعيد..
_ أخيـــــرًا، فهمتِ أخيرًا يا خديجة! صدقتِ إن انا كمان مش مذنب والي عملته كان بنية الدفاع عنك ومكنتش اعرف انها هتوصل لكده.
حركت رأسها باستسلام، واردفت:
_ فهمت.. عشان بقيت في نفس الموقف، فهمت عشان بقيت زيك، بقينا متعادلين زي ماقولت.
احتضن وجهه بكفيهِ يتلمس رد فعلها، ليجد الهدوء فقط هو ما قابله، لم تبتعد ولم تنفر ككل مرة، فتشجع وانتفخ صدره بالراحة وهو يقول بنبرة تجسد بها كل معاني الرفق والاحتواء:
_ لا يا ضيَّ، لا مش متعادلين، وعاوزك تنسي خالص الي حصل، لو عاوزه تفتكري ذنبي انا بس انا موافق بس متحسيش انك بقيتِ زي الي بقالك سنين شيفاه مذنب، متسامحنيش عشان بقيتِ زيي، سامحيني عشان فهمتِ وقدرتِ موقفي.. غير كده انا مش عاوز مسماحتك.
تنهدت بقوة قبل أن تخبره بصدق نبع من عينيها:
_ مسامحتكش عشان بقيت زيك، سامحتك عشان فهمت.. فهمت الي بقالي سنين مش عارفه افهمه، انا كمان مكنتش اقصد اقتله وكنت بدافع عن نفسي، زي ما انتَ عملت! بس هو ليه دايمًا مقابل حياتي يكون فيه خسارة لحياة شخص تاني! انا مش عاوزه اكون مؤذيه للي حواليا بالشكل ده.
ابتسامة صغيرة زينت ثغره، ابتسامة حنونة اكثر من كونها سعيدة، وصوته يتسلل لها وهو يقول بنبرة هادئة:
_ اوعي تقولي كده تاني، أنتِ عمرك ما كنتِ أذى للي حواليكِ، بالعكس، يعني كفاية انك معيشه بني آدم ولا دي حاجة هينة يعني؟
قطبت حاجبيها بتعجب وهي تمسح دموعها بكفيها بينما تقول بنبرة باتت هادئة :
_ معيشة بني آدم ازاي يعني؟
هز رأسه بتأكيد وهو يخبرها:
_ اه، معيشة بني آدم الي هو أنا، معيشاني... يعني
إنك سبب اني لسه عايش، معيشاني يعني كل حاجة في حياتي مرتبطة بوجودك.. حتى النفس الي بتنفسه، فمن غيرك... اكيد فهمتِ ايه الي هيحصل، يبقى معيشاني ولا لأ!
غامت عيناها بنظرة مُقدرة، كيف له ان يسرق نفسها منها بكلماته هكذا! تلك الكلمات التي لطالما سمعتها من "زين" اليوم تسمعها من "مراد" وهي مرحبة بها! لم تكرهها لأنه تسمعها منه بعد أن علمت حقيقته، بالعكس.. تدرك الآن مدى صدقها، تعلم انه لا يبتذلها، هو بالفعل يشعر بكل حرف يقوله.. من ركض ورائها سنوات يبحث عنها ويزيف هويته لأجلها يستحق أن تعطيه فرصة.. لأول مرة عقلها يدرك تضحياته الكثيرة من اجلها.. لتجد لسانها يقول بموافقة عقلها وقلبها:
_ تعرف اني عمري مانسيتك.. طول الوقت كنت في خيالي وفي منامي، كنت في خيالي بفتكر ذكرياتي الي عقلي فضل حافظها معاك، وف منامي كنت بتخوفني وبترعبني، كل مرة كنت بشوفك بتقتلني.. ودلوقتِ بس ادركت قد ايه كان حلم سخيف وغبي.. ازاي كنت بشوفك بتقتلني وانتَ قتلت عشاني! طب اقولك سر....
لابد انه يحلم! وياله من حلم جميل، "خديجة" هي من تقول هذه الكلمات! والادهى انها تسترسل معه في الحديث وستخبره سرًا! وعلى رأس كل هذا انها ستفعل وهي تدرك انه "مراد"
وبحالمية كان يخبرها:
_ قولي سر..
تنهدت بهدوء قبل أن تبدأ حديثها:
_ اوقات كتير كنت بتبقى الجندي المجهول في حياتي، ساعات كتير كنت بفتكر كلامك معايا وانا صغيرة وتشجيعك ليَّ في موقف معين وده يشجعني، وخصوصًا كلامك المحفز الي كنت دايمًا تفضل تقولهولي.
قطب حاجبيهِ بعدم تذكر مصطنع:
_ كلام ايه مش فاهم؟
اجابته باستغراب:
_ مش فاكر ازاي ده انتَ كنت دايمًا تقولهولي!
اصر على موقفه وهو يخبرها بحجة واهية:
_ مانتِ عارفة بقى يا ديجا، يعني اوقات الواحد بيعدي على ذاكرته حاجات بتسقط منه.
ماكر أنتَ يابن وهدان! رمى بكلمته المحببة التي تبغضها في وسط حديثه ليرى أثرها عليها، أستغضب كالعادة! أم أن اليوم هو يوم سعده!
وقد كان..
هي لم تغفل عنها، وشعرت ببعض المرار بحلقها فور سماعها لها، لكن تخطتها.. تجاوزتها لأنها يجب ان تفعل، بعد ان أدرك عقلها حقائق كان يغفلها.
" اوعى في يوم تضعفي، متسمحيش لحد يكون سبب كسرتك او يحط صباعك تحت ضرسه، لازم دايمًا تكوني حره.. محدش يقدر يجبرك على حاجة"
" خدي حقك حتى لو من مين، متعمليش حساب لحد مادام هو وهو بيظلمك معملش حساب ليكِ ومفرقتيش معاه"
" شوفي نفسك دايمًا كبيرة، ساعتها هتجبري الكل يشوفك كده"
انهت الثلاث جمل التي قالتهم تذكره بحديثه معها سابقًا، ليُدهش وتتسع عيناه ذهولاً، لا يصدق انها مازالت تتذكر! لقد كانت صغيرة، ومرت الكثير من السنوات كيف تتذكر للآن!
_ أنتِ لسه فاكرة؟ ازاي؟ أنتِ كنتِ صغيرة و...
قاطعتها تخبره:
_ بس كل جملة من دول كان في موقف عمري ما هنساه، ويمكن هو الي مخليني لسه فاكره.. اول جملة لما باباك ضربك في مرة عشان خسرت بطولة، وقتها بعد ما فضلت تعيط شوية قولتلي الكلام ده، عشان انتَ اصلاً مكنتش حابب الرياضة دي.. والثانية لما باباك حبسك في الاوضة اربع ايام عشان عرف انك لسه بتكلمني.. بعد ما خرجت قولتلي الكلام ده وحلفت لتاخد حقك منه، فسرقت ورق شغل مهم وحرقته.. ومهديتش غير لما شوفته هيتجنن على الورق ده.... واخر جملة.. لما حصلت مشكلة في مدرستي وواحده شتمتني وقالتلي ان مستوايا اقل منها، وقتها فضلت اعيط واقولك ان كلامها صح عشان كده مردتش عليها.. وساعتها قولتلي لا، مينفعش تشوفي نفسك قليلة.. لازم تشوفي نفسك كبيرة عشان الناس تشوفك كده...
هزت رأسها باستسلام تقول:
_ كل مرة كان بيحصل موقف مشابه، كنت بفتكر كلامك.. وبيقويني.
_ وانا كل لحظة كنت بمني نفسي اني هلاقيكِ، وان هييجي اليوم الي تكوني فيه قدام عيني واكلمك وانتِ قدامي بجد مش في خيالي، وده بقى كان بيخليني اكمل يومي.
نظرت له بتمعن قبل أن تسأله باستفسار:
_ هو أنتَ ازاي قدرت تسيب كل ده وتروح تشتغل في مطعم وتخدم الناس! اكيد كان صعب عليك.
_ بالعكس انا كنت بعمل ده وانا مرتاح.
رفعت حاجبها بتعجب تسأله:
- مرتاح!
اومأ مبتسمًا ابتسامة صغيرة:
_ ايوه مرتاح... عشان بعمل كل ده عشانك، وعشان أنتِ جنبي..ازاي بقى مش هكون مرتاح! انا كان عندي استعداد اعمل اي حاجة توصلني ليكِ.
اغمضت عيناها بارهاق وقالت:
_ انا حاسه اني عاوزه انام.. دماغي مصدعة اوي.
سألها باهتمام جلي:
_ تحبي اجبلك مسكن.
_ لا، انا بس عاوزه انام وهكون كويسة.
انهت حديثها ونهضت عن الأرضية متجهة للفراش وفورًا القت بجسدها عليهِ مغمضة عيناها، دون أن تعبئ بوجوده..
طالعها لثواني بصمت، قبل ان يتحرك ليغلق باب الشرفة المفتوح، وامسك بجهاز التحكم ليشغل المبرد الهوائي كي تنعم بنوم جيد في ظل الاجواء الحارة التي تجتاح شهر يوليو.. ثم تحرك للخارج مغلقًا الباب خلفه بهدوء...
__________
_ ايه يا مراد منزلتش معاك ليه؟
تسائلت بها "ليلى" فور رؤيته وبجانبها يجلس "مصطفى" ممسكًا بطبق بها سندوتش ما يتناوله بتروي، ليبتسم لها وهو يجيبها:
_ نامت، تشوفيها لما تصحى بقى.
_ اكيد؟
سألته بشك وهي تضيق عيناها، ليؤكد عليها وهو يقول:
_ اكيد.. يلا بقى اوديكِ اوضتك تشوفيها.
_ هو أنتَ لسه مجبتش خدامة؟
_ لا لسه، بس هتيجي بكره.
قالها وهو يقود كرسيها المتحرك لطرقة صغيرة بها المصعد الكهربائي الذي صُمم خصيصًا من اجل والدته كما كان في الفيلا القديمة...
_ ايه ده أنتَ كنت عامل حسابي وانت بتصمم البيت؟
_ اكيد يا لولة.. تتخيلي يعني انك مش اول واحده جيتِ في بالي وانا بصمم البيت.
سألتها باستغراب:
_ بس انا مكنتش قولتلك لسه عن رغبتي اني اسيب بيت ابوك.
_ ايوه، بس انا معملتش ده بنية انك تقعدي معانا هنا، عملته لاني كنت ناوي كل اسبوعين اجيبك اسبوع تقعدي معانا هنا وتغيري جو.
وضعت كفها على كفه الموضوع على ظهر الكرسي تربط عليهِ بامتنان:
_ ربنا يرزقك الخير يابني ويكرمك يارب زي مانت كارمني.
وكالعادة لم يعقب على دعائها، فقط قال...
_ هسيبك تريحي شويه في الاوضة، عشان لما تصحوا اجيب اكل لينا كلنا.
__________
فتحت باب شقتها لتراه امامها واقفًا بملامحه الواجمة والتي تخفي غضبًا هائلاً، كادت تغلق الباب ليضع قدمه مانعًا، ودلف للداخل قسرًا، فسبقته للصالة واقفة في منتصفها واضعة كفها في خصرها بتحفز وعيناها المتورمة من البكاء تحكي حالها، وحالما اصبح امامها هدرت بهِ بغضب:
_ ايه الي جابك؟ نسيت كلمتين في التليفون جاي تقولهم؟ ولا جاي تاخدني عشان نروح نسقطه؟
اغمض عيناه بقوة مستمدًا الهدوء ثم قال:
_ لا ده ولا ده، انا لما عرفت الخبر مقدرتش اتحكم في اعصابي.. ويمكن رد فعلي كان...
رفعت حاجبها بغضب اكبر، ليحمحم بتوتر قبل أن يعيد حديثه:
_ اكيد رد فعلي كان بايخ، بس غصب عني، مكنتش اتوقع حاجة زي دي، وأنتِ عارفة الوضع الي احنا فيه.
ضغطت على اسنانها بغضب وهي تعقب:
_ مش محتاجاك تقولي... انا عارفه الوضع كويس، واعتقد كان واضح من رد فعلي لما كلمتك.. لكن أنتَ حتى مقدرتش حالتي الي انا فيها..
اقترب خطوتان يحاول امساك ذراعيها لتشيح يده بعيدًا وتتراجع هي للخلف برفض تام...
فقال بأسف حقيقي:
_ انا اسف والله... مقصدش.. حقك عليَّ، بس انا دماغي بتودي وتجيب ومش عارف اعمل ايه.. هنتصرف ازاي، انا خايف عليكوا وهموت لو اتعرضتوا لأذى.
اشاحت وجهها بإباء وهي تقول:
_ قولتلك ننزله...
خطى الخطوات الفاصلة، واصبح أمامها ممسكًا ذراعيها رغم رفضها ونفورها الواضح، وهو يقول:
_ مش ده الحل، افهمي.. انا فعلاً في حيرة ومش لاقي حل وسط.
جمدت ملامحها وهي تسأله بسخرية:
_ وايه هو بقى الحل الوسط؟!
ترك ذراعيها مرددًا بعجز:
_ مش عارف... أنتِ مش هينفع تكملي في شغلك بالوضع ده.
تنهدت بقوة وهي تقول:
_ عارفة.. ومش لاقية حل.. ومستحيل اخليهم يعرفوا اني متجوزة، أنتَ عارف ان وقتها هيدوروا ويعرفوا انا متجوزة مين... وساعتها...
اكمل بالنيابة عنها:
_ ساعتها هيصفونا احنا الاثنين... من اول ما اشتغلنا معاهم واحنا عارفين ان من قوانين المنظمة ان مينفعش اتنين شغالين فيها يتجوزوا.. قال ايه عشان ميبقوش خطر ع المنظمة.
_ اكيد هيبقوا خطر.. لما انا اكون عارفه حاجات كتير من شغلي مع دياب.. وانت عارف حاجات كتير تانية من شغلك مع مراد.. تخيل بقى لو احنا الاتنين قررنا نقول لبعض الاسرار الي نعرفها.. هيكون معانا اسرار توديهم في الف داهية.. عشان كده حرموا ان اتنين يرتبطوا حتى مش يتجوزوا ويخلفوا!
_ وبعدين؟ هنعمل ايه؟ حتى مش عارفين ننفصل عنهم، بقالنا سنتين بنحاول ندبر مكان نهرب له ونبعد عنهم ومش عارفين.
اغمضت عيناها بالم وهي تبوح بالحقيقة المُرة:
_ مش هيسبونا.. ده لهم عين في كل دولة، لو خرجنا بس من المطار هيعرفوا.
طال الصمت لبعض الوقت... والالسنة تعجز عن إيجاد حل... حتى قطعته هي وهي تقول بتعب:
_ طارق... انا مبقولش ننزله عشان زعلانه من طريقتك ولا غضب من رد فعلك.. انا بقولك ننزله عشان لو روحنا شمال ولا يمين مش هنلاقي حل..
هز رأسه رافضًا بقوة، وهو يقول باصرار:
_ مش هنقتل ابننا عشانهم.. كفاية المرار الي شايفينه بقالنا سنين واحنا مش عارفين نعيش حياتنا طبيعي بسببهم... كفاية بقى.
سألته بقلق:
_ وهتعمل ايه؟ طارق... اي خطوة غلط هيكون تمنها حياتنا.
اجابها وهو ينظر أمامه بغموض:
- مفيش غير حل واحد...!
______________
صباح اليوم التالي...
كانت واقفة في المطبخ تعد الافطار بعد ان تركته جالسًا في شرفة غرفته كعادته كل يوم صباحًا، يجلس شاردًا بافكاره هناك، وهي تتركه يخرج همه بينه وبين نفسه دون تدخل، حتى تنتهي من تجهيز الافطار فتدعوه للدخول... ولكن اليوم تفاجأت بهِ خلفها في المطبخ، فابتسمت بتكلف قبل أن تعاود استكمال ما تفعله..
_ أنا أسف.
التفت له تسأله باستغراب:
_ أسف؟ على ايه؟
تحرك ناحيتها حتى وقف امامها تمامًا وقال بصدق:
_ أسف عشان خزلتك.. أسف عشان ضايقتك بكلامي، بس انا كنت مضغوط.. كنت مضايق عشانك، وكنت حاسس ان في ضغط كبير من كل جهه، انا الفترة دي بجد مكنتش ملاحق يا جاسي، ما بين الشغل لمشوار كل يوم معاكِ لمكان شكل، لعجزي عن أني اساعدك، حتى المساعده الي عرضتها عليكِ رفضتيها من غير ما افهم سبب رفضك!
تجمعت الدموع في عيناها وهي تقول بوجع:
_ عارفة اني تعبتك معايا، وعارفة اني ضغط عليك بزيادة من غير ماحس، كان كل همي الحق الناس الي بشوفها في أحلامي ومفكرتش في الي ممرمطاه معايا، بس كلامك كان صعب يا باهر... عارف لما تكون كل ما يحصل معاك مشكلة تجري تشكيها لأمك وانتَ مش شايل هم انها ممكن تزهق من كتر شكواك.. احساسك هيكون ايه لو في يوم اتخنقت وقالتلك قرفتني بمشاكلك.. وقتها هتحس انك اتخذلت، الشخص الوحيد الي كنت بتحكيله وانتَ متأكد انه مش هيتأفأف منك، طلع زهقان منك ومن شكاويك..
اقترب منها مكوبًا وجهها بين كفيهِ، وقد ادمعت عيناه تأثرًا بحديثها وشعورها الذي جعلها تشعر بهِ دون قصد..
_ ايه بس الي بتقوليه ده، يشهد ربنا اني مزهقتش منك ولا من مشاكلك زي ما بتقولي، انا كانت كل مشكلتي انك رافضة تشوفي حل.. رافضة تتعالجي يا جاسي، كأنك حابة تفضلي في الوجع ده واللغبطة دي.
بدأت في البكاء وهي تقول:
_ مش حابة.. بس حاسة ان دي حاجة ربنا مكلفني بيها، اني احاول احمي الناس دي، لما اروح اتعالج منها يبقى انا كده بقضي عليها ومش هعرف انجدهم.
نظر لها يتعجب من تفكيرها، ليردف باستنكار:
_ هو ايه ده؟ يا حبيبتي دي حاجه بتأذيكِ، وانتِ معرفتيش تنقذي غير واحد بس من كل الي شوفتيهم في حلمك، لا وانقذتي وهو اصلاً كان هيعدي منها من غيرك.. الحادثة الي كانت هتموته هو اصلاً مكنش هيروح المشوار عشان اتلغى واحنا واقفين.. يعني برضو كان ربنا هينجيه، لكل أجلٍ كتاب يا جاسي، والي ربنا كاتبله يعيش هيعيش من غيرك.. لازم تفهمي ده عشان تريحي نفسك وترتاحي.
اغمضت عيناها لثواني بقوة تحاول التماس الهدوء النفسي اولاً، ثم فتحت عيناها وهي تقول باستسلام:
_ ماشي.. شوف أنتَ عاوزني اعمل ايه وانا اعمله.
ضمها لصدره بحنان ورفق، وقبل اعلى رأسها وهو يتمتم لها:
_ ان شاء الله كله هيعدي وهنرجع نعيش حياتنا من تاني زي باقي الناس.
اغمضت عيناها ورأسها تستكين على صدره ولم ترد.. فقط اكتفت بالصمت..
_________
جلس فوق الفراش بجوارها ينظر لها بهدوء، ولكن داخله يعج بالمشاعر الموجهة لها هي فقط، عيناه تفيض حبًا وحنانًا، واحتواءً، مد كفه يتلمس كفها برفق وهو يناديها..
_ديجا...خديجة اصحي يا حبيبتي..
تململت بعدم راحة وفتحت عيناها ببطء حتى طالعته أمامها، فنظرت له بصمت..
_ صحي النوم.. بقالك خمس ساعات نايمة، وماكلتيش.. فطلبت اكل وجبتلك البيتزا الي بتحبيها... مارجريتا الغريبة الي معرفش بتاكليها ازاي دي.
توقع ان تعارضه مدافعة عن طعمها المفضل في البيتزا، كعادتها.. ولكنها لم تفعل، ليسألها بقلق بدأ يتسلل اليه:
_ في ايه يا خديجة.. ساكتة ليه يا حبيبتي؟
_ مفيش.
قالتها بصوت مبحوح من كثرة انفعالاتها اليوم، ليقطب ما بين حاجبيهِ بقلق يسألها:
_ صوتك ماله؟
ابتلعت ريقها ببطء وهي تجيبه بنفس البحة:
_ مش عارفة.. حاسة زوري بيوجعني شوية.
_ طب يلا عشان تاكلي واجبلك دوا يريحك، بس أنتِ كويسة صح؟
سأل بالأخيرة بقلق واضح، لتبتسم له بهدوء:
_ كويسة متقلقش.
_ طبعًا لازم تكوني كويسة مش بقيتِ شبهه!
نظرت خلفه لترى سارة واقفة وملامحها تُفزع، حتى انها انتفضت جالسة شاهقة بخضة، واتسعت عيناها بشكل مخيف..
ترى سارة بأعين حمراء كالدم، وملامحها لم تكن جميلة ابدًا بل مليئة بالتشوهات، لم تظهر لها بهذا الشكل المرعب من قبل.
_ ايه يا خديجة سامحتيه؟ سامحتي في حق اختك؟ نسيتِ انه سبب موتي، ولا بقيتِ تبرريله كمان؟ أنتِ ابشع واحده في الدنيا واكتر واحده أنانية شوفتها .. بتسامحي في دم اختك عشان حبيب القلب.
نفت برأسها بقوة ودموعها ونيستها، واخذت تردد بصوتٍ عالٍ ونبرة مفزوعة:
_ لا.. لا انا معملتش كده.. انا بس فهمت.
_ فهمتِ؟ فهمتِ ازاي تسامحي في حقي؟ ضحك عليكِ يا خديجة؟ ولا أنتِ كنتِ بتتلككي مستنية اي مبرر تافه عشان تسامحيه.
طفح الكيل بها، فصرخت بوجع وهي تشيح بذراعيها بهياج:
_ مش من حقي؟ مش من حقي ارتاح بقى بعد كل العذاب ده... انتِ الي أنانية يا سارة مش أنا، استكترتي عليَّ اعيش مرتاحه.. نكدتي عليَّ وعيشتيني في غم وهم طول عمري بسببك.. مش من حقي ارتاح بقى! حرام عليكِ... حراااااام..
فجأة شعرت بنفسها مقيدة، ذراعيها المتحركتان اصبحا تحت قبضة احدهم، لتعي لنفسها وتسمع صوته وهو يهدر:
_ خديجة فوقي... في ايه؟ خديجة... اهدي.. اهدي يا خديجة.
وهو يحتضنها بقوة كي تكف عن الحركة..
_سارة.
رددتها وهي تشير باصبعها في اتجاه ما، فنظر لتلك الناحية فوجدها فارغة.. ولم يكن يحتاج النظر من الأساس..
_ مالك يا خديجة؟ سارة مين الي شيفاها؟!!!!!
........... انتهى الفصل........
الفصل الثامن "محل ثقة؟ "
الحصان والبيدق
بكِ أحيا 2
ناهد خالد
انتبهت لحالتها فأغمضت عيناها بقوة لتستفيق منها، وبالفعل ما إن فتحتها مرة أخرى وجدت سارة قد اختفت، ووعت لحالتها بين ذراعي" مراد" وهو كاد أن يبتلعها داخل احضانه او يكسر عظام قفصها الصدري من شدة ضغطه عليها، وبالطبع لم يكن هذا سوى محاولة منه لتقليل فرط حركتها والتي كادت تؤذي بها نفسها، همست تنبهه:
_ انا كويسه، ابعد شوية عضمي وجعني.
انتبه لعودتها لرشدها، فابتعد عنها فورًا وهو يردد بملامح وجهه الشاحبة:
_ أنتِ كويسة؟
اومأت دون حديث، وهي تتهرب من النظر له، ليهتف مرة أخرى:
- انا آسف لو ضغط عليكِ ووجعتك، انا بس كنت بحاول اوقف حركتك عشان متأذيش نفسك.
حركت رأسها مرة أخرى متفهمة قبل أن تقول:
_ محصلش حاجة.
جمدت ملامحه وهو يقول:
_ بس انا عاوز افهم اللي حصل ده.
رفرفت باهدابها بتوتر وهي تسأله:
_ تقصد ايه؟
_ اقصد انهيارك ده سببه ايه؟
حركت رأسها للجهة الاخرى وهي تقول بتوتر:
_ عادي.. هتلاقي بس اعصابي تعبانة شوية.
ضيق عيناه بشك يسألها:
_ وايه علاقة تعب اعصابك بأنك تشوفي سارة، وتشاوريلي عليها!؟
ابتلعت ريقها بتوتر واجابته بتلجلج:
_ لا.. انا مشاورتش على حد.. ساره مين الي شوفتها؟
ابتسم ابتسامة صغيرة ساخرة يقول:
_ يعني على الأقل قوليلي كدبه تانية، لكن تنكري انك شاورتي عليها اصلاً!
حاولت الهرب من الموضوع بحيلة ما فاصطنعت الملل من حديثه وقالت بضيق:
_ ما خلاص بقى هو تحقيق؟
كان جالسًا الآن أمامها والبُعد بينهما عدة سنتيمترات، مستندًا بكوعه على فخذته وأحد ارجله مرفوعه فوق الفراش والأخرى مُثبته فوق الأرضية، فاقترب اكثر بجسده وخاصًا رأسه مما جعلها ترتد للوراء بتوتر، وهو يقول بابتسامة مُهلكة رغم نبرته الساخرة:
_ بلاش مبدأ قلب الطربيذة معايا عشان مبيجبش سِكة، ورُدي على سؤالي عِدل عشان كده كده هاخد الإجابة اللي ترضيني.
ارتفع تنفسها قليلاً وهي تسأله بغضب ظهر بوادره على وجهها:
_ أنتَ بتهددني!؟
رفع كفه يلمس وجنتها برفق وهو يخبرها بنظرة عاشقة:
_ ماعاش ولا كان الي يهددك وانا عايش، حتى لو كان انا.. بس انا عاوز اطمن عليكِ.
لن تنكر ان حديثه أثر بها، لكنها لم تجد الجرأة لتخبره بهلاوسها ومرضها النفسي الذي تعاني منه لسنوات، فلجأت للفرار من اجابة السؤال للمرة الثانية وهي تقول:
_ انا جعانة اوي، مش قولت طالب اكل؟
_ اممم، طالب.. زمانه على وصول.
نهضت عن الفراش وهي تقول:
_ هغسل وشي واحصلك.
نهض هو الآخر وقد ادرك طردها له بالأدب، فقال بتروي اربكها:
_ تمام... هنزل انا اسبقك.. ولينا كلام تاني..
اتجه للباب ليقف عنده والتف لها يقول:
_ وجهزي نفسك بعد الاكل هننزل نشتري شوية حاجات.
اومأت دون حديث، ليغلق الباب خلفه، فتهاوت فوق الفراش لا تصدق ما وضعت نفسها بهِ، هل كُشف سرها الذي حرصت على اخفاءه طوال الفترة السابقة؟ طوال فترة معرفته بها وخطبتهما، الآن كُشف امامه، فمراد ليس باحمق ليصدق اي كذبه قد تخلقها، وحتمًا سيكتشف الحقيقة لا محال.
مسحت وجهها بكفها بضيق، وتأفأفت عدة مرات بنزق، قبل أن تنهض دالفة للحمام لتغسل وجهها..
لتفيق قليلاً....
_______________
كانا يجلسان حول طاولة الطعام والوضع مُضحك! لكنه مُحزن لقلب البعض!
فالطاولة الكبيره والتي تحوي اكثر من خمسة عشر فرداً، يجلس اثنان فقط حولها، وبينهما ما يقرب من خمسة كراسي فارغين.. وهذا ما جعله يرفع صوته وهو يقول:
_ مش ناوية تتنازلي عن الهبل اللي بتعمليه ده.
فالأمر المضحك والمُحزن في الوقت ذاته، ان كلاً منهما يأكل من طعام مختلف، هي أمامها طبق من الارز وطبق اخر به بعض الخضروات المطبوخه، وقطعة دجاج متوسطة الحجم، وكأس عصير فريش.. أما هو فأمامه قطعة لحم كبيرة الحجم مشوية، وطبق بهِ بعض المعكرونه بالصوص الابيض الذي يفضله، وطبق سلطة فواكة لطالما فضل تناولها بعد الوجبة مباشرةً.. واستبدل كأس المشروب المعتاد له، بعصير برتقال بدون سكر.. فإن لمحت كأس المشروب لربما ستقلب مائدة الطعام فوق رأسه.. لذا اختار الحل الامثل.
_ هبل! ماشي اعتبره هبل، بس الهبل ده الي مقعدني هنا لحد دلوقتِ.
_ هو اكلي في سُم يعني!
نظرت له وبدون تردد قالت:
_ من فلوس حرام.. يعني لو فيه سُم كان هيبقى اهون.
رفع جانب فمه العلوي يردد بسخرية:
_ فقررتِ تجيبي اكلك وشربك ولبسك من فلوسك، مبتفكريش تدفعي أجرة سكنك بالمرة؟
رفعت حاجبها المنمق له وقالت بينما تمسك بالملعقة بقوة:
- لو قاعدة بمزاجي كنت عملتها، لكن انا قاعده بالاجبار.
اخبرها بنبرة ذات مغزى:
_ افتكري طيب ان مهلتك قربت تخلص، بكره بليل هستنى ردك.
كادت ان تقول شيئًا مُعلقة ليقاطعها وهو يسألها:
_ نويتِ تنزلي الاتيليه امتى؟ انا مأجل الافتتاح لحد ما تكوني موجوده بنفسك.
اشاحت بنظرها عنه ناظرة للامام، تفكر في الأمر مرة اخيرة قبل ان تقول قرارها.. هي بالفعل حددته من كثرة تفكيرها بالأمر من وقت ان اخبرها، فكرت بهِ من كافة النواحي، هي ترفض أي انفاق مالي يأتي من جهته، وهي تعلم حقيقة امواله الفاسدة، لكن تحتاج للخروج من عرينه حتى ولو لبعض الوقت يوميًا تستعيد فيه طاقتها، ولربما يتيتح لها فرص لن تأتيها وهي تجلس بين قضبان منزله الكئيب، وهذا ما جعلها تحدد موقفها بوضوح... اغمضت عيناها تضغط عليهما بتردد قبل أن تقول اخيرًا وعيناها تتجنب النظر له:
_ هنزل من بكره، هروح من المغرب للساعه ١١ كده.
ضيق عيناه يسألها رغم معرفته للاجابة التي لن تبوح بها:
_ وليه الوقت ده بالذات؟
اجابته متسائله بتوتر:
_ وليه مش الوقت ده؟ انا بس حسيته مناسب.
ابتسم ساخرًا من جانب فمه وهو يقول:
_ يمكن عشان الوقت ده هو الي بكون موجود فيه في البيت.. انتِ عارفة اني برجع الساعه ٥ من الشركة، بتغدى وبخلص شوية شغل، وبرتاح شوية وعلى الساعة ١٢ بخرج تاني.. انتِ بقى قررتِ تهربي من وجودي مش كده؟
كادت تجيبه نافية ليقاطعها بحديثه:
_ مفيش داعي تجاوبي، عمومًا.. انا مش موافق على المواعيد دي، وانا الي هحطلك مواعيدك الي تروحي وترجعي فيها.
وهنا تخلت عن تجنب النظر اليه، ونظرت له غاضبة مستنكرة، تقول:
_ نعم؟ هي فيها تحكمات من اولها ولا ايه؟ حتى مواعيدي عاوز تحددهالي؟
رد ببرود:
_ بالضبط كده، عشان ببساطة مش هسيبك تفضلي في الاتيليه لحد ١١ بليل دي.
رفعت جانب شفتيها باستنكار:
_ ليه محسسني اني بقولك هرجع واحده! ١١ دي بدري جدًا انتَ عارف الناس هنا بيفضلوا سهرانين لبعد الفجر.
_ فايه؟ ترجعي الفجر عادي يعني! احنا مالنا مايسهروا ان شاء الله للصبح، اولاً مش هسمحلك تهربي مني بالطريقة دي، ثانيًا وجودك بره البيت بليل انسيه تمامًا..
صمت لثانية قبل أن يكمل:
_ هتروحي في مواعيد الشغل الطبيعية، مش هقولك الصبح لان ده اتيليه يعني هيبدأوا يفتحوا بعد الضهر، فانتِ هتروحي ٢ وترجعي ٦.. معاكِ ٤ ساعات تتابعي فيهم شغلك وتتابعي الناس الي شغالين هناك كمان، مش هتحتاجي تبذلي مجهود الstaff "طاقم العمل" كله جاهز ومستني الافتتاح عشان يبدأوا يشتغلوا.
سألته ساخره:
_ ومادام كده انا لزمتي ايه؟ ماتخلي ال staff بتاعك ده يفتح الاتيليه ويشغله.
_ هم كده كده هيفتحوا، ويشغلوه كمان.. أنتِ عمرك شوفتي صاحب اتيليه كبير زي الي هتشوفيه لما تروحي بيروح هو يفتح الاتيليه ويبيع للزباين! ده كده ناقص يرش ماية قدامه.
_ أنتَ بتتريق؟
تفوهت بها غاضبة ليخبرها بهدوء:
_ ابدًا، بس طبيعي اي صاحب شغل كبير، بيروح يقعد في مكتبه، يتابع شغل العمال من الكاميرات، يخلص ورق، يعمل طلبيات، يحل مشكلة زبون، ينظم المكان لو فيه حاجه مكانها مش عاجبه ينقلها لمكان تاني، في ناس ممكن ييجوا يطلبوا تصميمات خاصة وقتها لازم يقابلوكِ انتِ عشان تفهمي طلبهم بالظبط، وهكذا.. لاحقي انتِ بس على الشغل وبعدين ابقي شوفي ليكِ لازمة ولا لا.
اشاحت بنظرها عنه والتزمت الصمت، لتسمعه يقول بنبرة ظهر بها المكر جليًا:
_ لكن اعتقد اني عرفت قرارك التاني.
ضيقت مابين حاجبيها تسأله بعدم فهم بعدما نظرت له ورأت لمعت عيناه الماكرة كالذئب:
_ قرار ايه؟
وبابتسامة ملتوية اخبرها:
_ لو كنتِ قررتِ متكمليش معانا، مكنتيش قررتِ تنزلي الاتيلية.
"معانا" وال" نا" عائدة عليهِ هو وولده، وكأنه يلفت نظرها للمرة الأخيرة أن الصبي معه في نفس الاختيار، إما كلاهما إما لا أحد.. تجمدت ملامحها ذهولاً فلم يخطر ببالها تلك الحسبة التي قام بها للتو، فرددت بجدية:
_ ملهاش علاقة، عادي مانا ممكن انزل الاتيليه يوم واجي اقولك مش هكمل معاك ومنزلوش تاني.. هو عقد احتكار!
وحديثها لم يكن مقنع بالمرة، فابتسم بلؤم وهو يعقب:
_ يمكن..عمومًا إن غدًا لناظره لقريب.
_ مامي.
اتاهما صوت الصغير الذي وقف على باب حجرة الطعام، يفرك عينه بقبضة يده الصغيرة فلقد استقيظ منه نومه للتو..
_ حبيبي تعالى.
اتجه لها لتلتقطه بين ذراعيها تقبل رأسه بحنان، واشارت للطعام وهي تسأله برفق:
_ حبيبي تاكل معايا؟
وعينا الصغير فورًا ركضت تُجري مقارنة بين نوعي الطعام المتواجدان فوق السفرة.. طعام والدته، وطعام والده.. وقد لاحظا حيرته، لتنظر له منتظرة قراره بتوتر جلي، ربما الامر في ظاهره سخيفًا ولا يحتاج للمبالغة بالشعور.. لكن في باطنه يكمن الكثير.
_______________
جلست بالاسفل بتوتر، تنتظر والدته التي ستحضر في اي وقت، فقد مرَّ عليها واخبرها ان تنزل لتناول الطعام الذي بالمناسبة تفوح رائحته الآن بشدة لتعم الارجاء، وهذا ما جعل "مصطفى" يهتف وعيناه لا تفارق علبة ال "بيتزا" خاصته:
_ هو احنا هنستنى كتير؟ انا عصافير بطني ماتت..
عقب "مراد" بمرح:
_ بجد؟ وعلبة النوتيلا الي كنت رايح جاي بيها من شوية، وسندوتشات الجبنة الرومي الي قبلها، كل ده راح فين؟
نظر له بضيق مصطنع:
_ ايه ده انتَ بتحسبلي الاكل؟ مكانش العشم يا ابيه!
خرجت "خديجة" عن صمتها تقول بحدة:
_ ايه يا مصطفى أنتَ عمرك ما شوفت اكل في حياتك؟
وقبل أن يجيب "مصطفى" الذي توتر قليلاً من طريقة شقيقته في الحديث واستشعر ضيقها منه، كان يقول "مراد":
_ في ايه يا خديجة، سبيه براحته، انا بهزر معاه.
_ مش بتكلم عشانك، بس طريقته مستفزة مش كده يعني.
نهض "مصطفى" عن الطاولة وهو يقول بضيق حقيقي:
_ انا كنت بهزر، انا شبعان اصلاً، عن اذنكوا.
وقبل أن يتحرك اوقفه "مراد" يقول بحدة:
_اقعد يا مصطفى، ايه لعب العيال الي بتعملوه ده! واحده قلبت الموضوع دراما، والتاني اتحمق اوي واتقمص.. الموضوع مش مستاهل كل ده.. بعدين هو في بيته يعمل الي يعمله، بلاش حزازية زيادة يا خديجة.
شعرت بمبالغتها فقالت بحرج:
_ خلاص يا مصطفى متزعلش، مكانش قصدي..
جلس مرة أخرى وهو يقول بنبرة عادية:
_ حصل خير مزعلتش .
نظر لها "مراد" بعتاب، لتشيح بنظرها عنه، وعاد توترها ما إن رأت السيدة "ليلى" قد وصلت امام الطاولة، فنهض "مراد" فورًا يقترب منها ليوجهها لمكانها على رأس الطاولة بعد أن أزال الكرسي الموجود هناك ليحل كرسيها المتحرك محله، وقفت "خديجة" بتوتر، تنظر للسيدة بأعين دامعة.. ذكرتها بطفولتها، بتلك الفترة التي قضتها في ذلك المنزل الذي كانت سيدته، شعرت ان ذكريات الماضي تُعاد بقوة ما إن وقع بصرها عليها، مازالت بنفس الهيئة حتى وإن ترك الزمن بصماته على ملامحها.. مازالت تشعر بالراحة ايضًا في ملامحها الحنونة، لكن التوتر يغلب على اي شعور آخر الآن.
التف لها "مراد" يفتح كفه ويمد لها ذراعه لتقبل عليهِ، ففعلت رغم خطواتها المترددة.. مدت كفها له، ليمسكه بحنان وهو يجذبها لتقف جواره تمامًا، ويشير لوالدته يقول:
_ دي بقى لولا، والدتي.. اكيد فكراها.
اومأت برأسها ايجابًا، وقالت بتوتر ظهر واضحًا:
_ اه.. ازي حضرتك؟
مدت" ليلى" كفها لها، لتقترب، ففعلت بعد أن تركه "مراد"، لتلتقطه والدته وهي تقول بابتسامة:
_ حضرتي كويسة.. مالك متوترة ليه؟ قالك ايه الواد ده عني وترك كده؟
اردف "مراد" بمرح:
_ ولا قولت حاجة، هي متوترة لوحدها.
_ ليه يا حبيبتي هو انا بُعض؟
ابتسمت "خديجة" بتوتر طفيف وهي تقول:
_ لا ابدًا، انا كويسة.
مسدت على كفها وهي تقول:
_ عمومًا لسه هنقعد مع بعض وناخد على بعض اكتر، وأن شاء الله يعني تحبيني وتعرفي ان مفيش داعي تقلقي مني.
هزت رأسها بابتسامة، لتقول "ليلى" ثانيًة:
_ ايه مش هتسلمي عليَّ بقى؟
اقتربت منها تحتضنها بهدوء، لتمسد على ظهرها بكفها تعطيها القليل من الحنان لكسر الحاجز بينهما، وما إن ابتعدت حتى قالت "ليلى" :
_ يلا بقى ناكل.
اتجه كلاً منهما الى مقعده، ف "مراد" يترأس الطاولة مقابلاً لوالدته، وعلى يمينه تقبع "خديجة" ومقابلها شقيقها..
انتهوا من الطعام في هدوء، وقد حرص "مراد" على الاهتمام بطعام "خديجة" فكان من وقت لآخر يطعمها بيده بعد ان تتوقف عن الطعام متعللة بالشبع، فظل يطعمها باصرار، وتحت اصراره ترضخ هي رغمًا عنها... وبالمرة الأخيرة ردت يده بخجل واضح من افعاله معها تحت نظرات شقيقها ووالدة زوجها، وهي تقول:
_ عشان خاطري كفاية.. مبقتش قادرة.
اعاد قطعة ال"بيتزا" من يده وهو يخبرها بنزق:
_ بس انتِ كده مكالتيش حاجة!
رفعت حاجبيها مندهشة تقول:
_ ماكلتش! ده مبقاش غير قطعتين في البيتزا بتاعتي.
نفى برأسه قائلاً:
_ لا الاكل المِرع ده مينفعش معايا، بس هسيبك المرة دي عشان لسه متعودتيش على نظام اكلك الصح، فمش هضغط عليكِ.
_ على فكرة خديجة اكلتها ضعيفة اوي، يعني ده انجاز انها كلت كل ده.
اردف بها "مصطفى" بعد ان انتهى من تناول طعامه والتهم قالب البيتزا خاصته باكمله، ليعقب "مراد" :
_ مهو واضخ مش محتاج تقول.. دي لو حد نفخها هتطير.
قالت بتزمر وهي ترفض ان تصبح هي موضوع حديثهم:
_ على فكرة انا مش رفيعة، انا ٦٠ كيلو.. يعني وزني كويس.
_ وطولك كام؟
تسائلت بها "ليلى" التي قررت التدخل في الحديث، لتجيبها:
_ طولي ١٦٤.
_ المفروض وزنك المثالي يكون ٦٤..بس مادام ٦٠ فهو still "مازال" perfect.
عقبت بها "ليلى" لتبتسم لها "خديجة" برضا، لم يدم سريعًا حين سمعت تعقيب "مراد" :
_ مش بالوزن المثالي يا لولا، المهم الشكل، يعني المفروض الست تكون... تكون كرڤي شوية.
_ بطاية يعني!
قالها "مصطفى" بتلقائية، لتتسع اعين "خديحة" حرجًا من جملته، في حين انطلقت ضحكات "ليلى" المرحة، واكتفى "مراد " بالابتسام على جملته وهو يشيد بها:
_ بالضبط.. بطاية، يعني اعتقد محتاجة تكوني اكتر من ٦٥ كيلو يا خديجة عشان تكوني كرڤ.. اقصد بطاية.
تذمرت وهي تقول:
_ بس انا بقى عاجبني وزني كده.
نظر لها بأعين مُحبة، ونظرة راضية على أي حال وقال مبتسمًا بصدق:
_ وانتِ عجباني على أي حال.
تلونت وجنتيها بحمرة الخجل، والتزمت الصمت بعدما احرجها رده المفاجئ، ليعقب "مصطفى" مازحًا:
_ معلش يا ابيه مراد تخف شوية من الرومانسيات دي لاحسن بيجيلي حموضة، وانا استحملتكوا فترة الخطوبة بالعافية.
_ بس يالا.
زجره بجانب عيناه، ليرفع كفه على فمه مشيرًا له انه التزم الصمت.. بينما قال "مراد" بجدية وهي يتطرق للحديث في موضوع أهم اراد ان يخبرهم بهِ:
_ قوليلي يا خديجة، تحبي تعملي فرحك فين.
نظرت له بصدمة وهي تسأله بحاجبين معقودين:
_ فرحي!
اومأ بجدية:
_ اه فرحك.. احنا معملناش الفرح لسه، ولا فكرتي عشان ما جيتي بيتك يبقى ما فيش فرح!
هزت رأسها نافية تقول بتردد:
_ مش فكرة كده.. بس انا مش فارق معايا كتير موضوع الفرح، يعني عادي مدام الظروف جت كده مش شايفه انه ضروري يتعمل، وخصوصا إن ما ليش صحاب ولا حتى اهل فهعمل فرح لمين!
مد كفه يمسك كفها الذي تفركه مع الآخر من اسفل الطاولة، وضمه بقوة وهو يخبرها:
_ مين قال ان احنا بنعمل الفرح للاهل والصحاب! الفرح احنا بنعمله عشان العريس والعروسه هم اللي يفرحوا ببعض، وبتبقى ذكرى حلوه ما بينهم بيفتكروها طول العمر... وعلى فكره بقى الفرح اللي بيبقى في دوشه كتير ما بيبقاش حلو اصلاً.. يعني انتِ تجيبي الاثنين اللي من طرفك، وانا اجيب لولا ونعمل احسن فرح.
ترددت في الموافقة فقالت:
_ بجد شايفة ان مفيش داعي.. ممكن نتغاضى عنه عادي، يعني الجواز إشهار.. واهلي واهلك عارفين يبقى خلاص.
خرجت "ليلى" عن صمتها تقول بعدم رضا:
_ هو ايه اللي خلاص! انا نفسي اشوف ابني عريس.. ده انا طول عمري مستنيه اليوم اللي اشوفه فيه ببدلة فرحه.. وبعدين يا حبيبتي اي واحده بتحلم تلبس فستان فرحها، في حد يرفض انه يتعمل له فرح؟ على فكره لو ما عملتيش فرح دلوقتي صدقيني هترجعي بعدين تندمي انك ضيعت يوم زي ده من ايدك.
نظرت ل "مراد" واكملت:
_ وليه يا حبيبي تعمل فرح تعزم في اربعه ولا خمسه! ما تعمل فرح زي ما كل الناس بتعمل، ويليق بمقامك.. انت لازم فرحك يحضره كل الناس كل رجال الاعمال وصفوة المجتمع من اصغر واحد لاكبر واحد، ولا انتَ عاوز الصحافة بعد كده تنزل خبر جوازك وانك عملت فرح على الضيق ويبدأوا بقى يخترعوا اسباب انك معزمتش حد في فرحك، وأنتَ عارفهم مبيتوصوش.. وتجيب لنفسك القيل والقال.
اجابها بعدم اهتمام:
_ أنتِ عارفة ان مبيفرقش معايا كلام صحافة ولا غيره، فدي اخر حاجه ممكن اشغل بالي بيها، اهم حاجة ان الي هيتعمل هو الي يريح خديجة.
ابتسمت له "ليلى" ابتسامة صغيرة قبل أن تسألها:
_ قولتي ايه يا خديجة؟ يارب تكوني اقتنعتِ بكلامي.
اجابتها بتردد بالغ فهي لم تحسم قرارها بعد:
_ والله يا...
صمتت لبرهة تحتار فيما تناديها، لتقول اخيرًا:
_ والله ياماما انا كنت بقول..
_ طنط.
عقدت ما بين حاجبيها بعدم فهم تسألها:
_ نعم؟
ابتسمت "ليلى" ببساطة تعيد كلمتها موضحة:
_ طنط، قوليلي طنط احسن او لولا حتى.. بلاش ماما.
بُهتت ملامحها وهي تسمع حديثها، وشعرت بالخطر يدق باب قلبها تجاه هذه السيدة، التي اقلقتها للتو..
__________
_بس انا عاوز اكل من هناك.
حسم الصغير قراره وهو يشير لطعام والده، لتحاول هي إثناءه عن رأيه وهي تحببه في طعامها:
_ حبيبي الفراخ هنا اهي، مش انتَ بتحبها؟
اومأ برأسه مؤكدًا بينما قال بطفولة:
_ ايوه، بس انا مبحبش ده "قالها مشيرًا على طبق الخضروات واكمل:
_بحب المكرونة واللحمة.
_ تعالى يا حبيبي كُل معايا.
اردف بها" دياب" بعدما ترك لها الفرصة ليعلن عن انتصاره، تحرك الصغير فورًا تاركًا والدته واتجه لوالده الذي استقبله بكل سعة، واجلسه فوق فخذه يقبل وجنته بحب.
_ ميادة.
نادى بصوته على مُحضرة طاولة الطعام، والتي اتت مهرولة فهي تقف بالقرب من باب حجرة الطعام استعدادًا لأي طلب منه.
_ امرك ياباشا.
_ هاتي لعُمر اكله وهاتيله كوباية لبن.
_ حاضر يافندم.
قالتها وانسحبت من امامه تنفذ طلبه على الفور.
نظر ناحيتها ليجد ملامحها تكسوها الحزن، وقد توقفت عن تناول طعامها، يعلم جيدًا فيما تفكر، لذا اردف بصوتٍ عالٍ يصلها:
_ كملي اكل ومتفكريش في حاجات مش منطقية..
نظرت له رافعة حاجبها الايسر بتحدي:
_ وايه الحاجات الي مش منطقية دي؟
نظر لها يجيبها:
_ مش عشان اختار ياكل معايا، يبقى انضم لصفي، متخليش الموضوع ياخد اكبر من حجمه عشان متتعبيش، ومتنسيش ان عُمر ابني.. ومسيره في يوم هيكون في صفي بجد وبوعي منه، فياريت تعيدي حساباتك قبل اليوم ده.
نهضت عن الطاولة مُلقية المحرمة القماش فوقها بضيق:
_ مش انا الي محتاجة اعيد حساباتي يا دياب باشا..
انهت حديثها وتحركت للخروج من الغرفة، ليتنهد بسأم.. يبدو ان الطريق معها لا ينتهي، وصبره قد بدأ ينفذ بحق، ويخشى عليها من وجه "دياب" الآخر.. والذي لن تتحمله..
_ متنسيش اني لسه محاسبتكيش على هروبك بابني، لو كنتِ تعرفي انا كنت بفكر اعمل فيكِ ايه لما الاقيكِ، كنتِ دعيتي ربك ليل نهار اني ملاقيكش.. كان عندي شوية افكار كفيلة تكرهك في حياتك وتخليكِ تلعني اليوم الي فكرتِ تهربي فيه.. لكن للأسف لما لاقيتك، معملتش اي حاجه من الي كانت في دماغي وشيطاني كان بيوزني ليها...وأنتِ عارفه السبب، لكن انا ليا طاقة يا رنا..لو خلصت هتلاقيني بحاسبك على القديم قبل الجديد.
التفت له واقتربت بخطواتها حتى اصبح الفاصل بينهما كرسي واحد فقط، وقالت بأعين دامعة ونبرة راجية:
_ ابعد عن شغلك الشمال، وانا اكونلك الزوجة الي تتمناها.. هرجع رنا الي اتجوزتها قبل ما تعرف حقيقتك، هرجع حبيبتك وصاحبتك وامك الي كانت بتخاف عليك من الهوا، في ايدك ترجع كل ده ونعيش مرتاحين وفي سلام، بس أنتَ توافق.
ابتلع غصة في حلقه وهو يتذكر تلك الأيام التي قضوها سويًا قبل ان تكتشف حقيقة عمله صدفة، كان أقل من عام بايام قليله.. ما بين خمسة أشهر خطبة، وستة اشهر ونصف بعدهم زواج.. كانوا النعيم الحقيقي حينها، نعيم انقلب لجحيم بين ليلة وضحاها بعدما أدركت حقيقته.. كانت حينها تغدقه بحنانها وحبها واحتوائها.. كانت حياتهما أكثر من رائعة، وليتها تعود..
تنتظر تعقيبه على أحر من الجمر، وقطع خلوتهما دلوف الخادمة بالطعام وكوب الحليب كما أمر سيدها، وضعتهم بعجالة بعدما شعرت بتوتر الأجواء وانسحبت على الفور ، ليقول هو بعدها:
_ ماشي يا رنا ، هعمل ده، لو كان هيريحك.
نظرت له بشك تسأله:
_ وايه هيثبتلي انك عملته!
سألها ساخرًا:
_ تحبي اجبلك تسجيل صوتي من زعيم المافيا وهو بيعلن اعتزالي!
نفت برأسها وهي تقول:
_ لا في حل اسهل.
كان قد تناول الشوكة والسكين ليقطع قطعة اللحم الخاصة بطفله، والتقط قطعة صغيره يدسها في فمه وهو يقول:
_ابهريني.
_تبيع كل املاكك.. الفيلل والعربيات والشركات.. حتى الفلوس الي في البنك.
دس قطعة صغيرة أخرى في فم الصغير وهو يدرك أن القادم لن يروقه وقال:
_ اممم، وبعدين، هودي الفلوس دي كلها فين؟
استجمعت شجاعتها وهي تجيبه بجدية:
_ تتبرع بيها للجمعيات الخيرية.. ونجيب شقة صغيرة نسكن فيها، وتدور على شغل مناسب وان شاء الله ربنا هيكرمنا.. ونبدأ من جديد وعلى نضافة.
نظر لها رافعًا حاجبه باستنكار واردف ساخرًا:
_ يعني عوزاني اتبرع باكتر من ٢٠ مليار جنية تمن ثروتي ده غير فلوسي المتجمدة في حسابات بره، واروح اشتري شقة صغيرة واشتغل وابدأ من جديد.. وياترى هشتغل في بنزينة ولا جرسون في مطعم!
تنهدت وهي تهز رأسها بسأم وقالت:
_ مفيش فايدة..
انهت جملتها وتركت الغرفة بأكملها، ليلتقط شوكة بها بعض المعكرونة يدسها في فم الصغير وهو يردد:
_ امك شكلها لسعت يا عُمر.. معرفش التخلف الي ظهر عليها فجأة ده كان موجود من الأول ولا مكتسباه جديد!
____________
_ متفهمنيش غلط يا خديجة، انا بس اتعودت ان محدش بيقولي ماما غير مراد، عشان كده مش حابه حد غيره يقولهالي.. انا مراد ابني الوحيد واكتر حد بحبه في الدنيا، ففي شوية حاجات كده محبش حد لا يقولها ولا يعملها غيره.
ابتلعت ريقها الجاف وهي تقول:
_ ااه.. لا ولا يهمك، انا اصلاً كنت مترددة، مش عارفة المفروض انادي حضرتك ازاي، خوفت اقولك طنط تفكري اني بعمل حاجز بينا.
نفت برأسها مبتسمة بوداعة:
_ لا ابدًا، انا مبدققش في المسميات، المهم قوليلي قررتِ ايه في الفرح؟
قالتها وهي تنظر ل "مراد" لترى في عينيهِ انه لن يمرر فعلتها، ادركت انه سيفتح معها الحديث في الأمر لاحقًا، فيبدو انه لم يحبذ ما قالته ابدًا.
_ مش عارفه، الي تشوفوه.
عقب بنزق:
_ خديجة، قولت إنك أنتِ الي تهميني في الموضوع، مفيش حاجة اسمها الي نشوفه.. أنتِ مرتاحة لايه؟
_ محتاجة وقت افكر.
هز رأسه يخبرها :
_ خدي وقتك.
علىَ رنين هاتفه ليلتقطه فرأى رقم "طارق" يزين شاشته، فنهض مستأذنًا منهم:
_ هرد على الموبايل وارجع، خديجة ياريت تطلعي تجهزي عشان نتحرك.
_ رايحين فين؟
تساءلت بها "ليلى" مبتسمة بفضول، ليجيبها "مراد" بعجاله:
_ هنشتري شوية حاجات يالولا، مش هنتأخر.
تحرك للحديقة عبر الباب المؤدي لها من داخل الفيلا، وصعدت "خديجة" الدرج سريعًا لتجنب أي حديث آخر مع والدة زوجها قد يزيد من قلقها تجاهها.
_ ايوه.
_ مراد باشا، كنت عاوز اشوف سعادتك.
_خير يا طارق؟
_ موضوع مهم يا باشا... مسألة حياة او موت.
قطب ما بين حاجبيهِ متسائلاً بتعجب:
_ بخصوص؟
اجابه "طارق" بكثير من التردد والتوتر:
_ يخصني انا....
وهل رأى "طارق" أن "مراد" محل ثقة لهذه الدرجة! ليضع حياته وحياة زوجته بين كفيهِ!
~~~~~~انتهى الفصل ~~~~~
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول1 من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني2 من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا