رواية اسمى معاني العشق الفصل التاسع بقلم سلمى سمير(جديده وحصريه فى مدونة قصر الروايات)
رواية اسمى معاني العشق الفصل التاسع بقلم سلمى سمير(جديده وحصريه فى مدونة قصر الروايات)
الفصل التاسع
#اسمى_معاني_العشق
*****************
في أروقة المستشفى،اندفع عمر بخطوات متسارعة، أنفاسه متلاحقة وقلبه يكاد يخرج من صدره. الممرات الضيقة بدت وكأنها لا تنتهي، بينما كان عقله مثقلًا بالأسئلة والخوف، عاجزًا عن إدراك ما قد ينتظره. ركض كمن يطارد ظل قلقه، حتى توقف أمام الطبيب المعالج.
رفع الطبيب يده بهدوء حين رآه، مشيرًا إليه بأن يهدأ.
لو سمحت، قبل ما تدخل، عايز أتكلّم معاك.
توقف عمر عن اندفاعه محاولًا السيطرة على أنفاسه:
اتفضل، يادكتور، خير إيه اللي حصل؟
قاد الطبيب عمر إلى مكتبه بخطوات ثقيلة. أغلق الباب خلفهما، واستدار نحوه، في عينيه مزيج من الجدية والتعاطف، وبنبرة حازمة قال:
زوجتك في حالة حرجة جدًا، وطفلك في خطر. إذا استمر الوضع علي كده للصبح ، هنضطر إلى إجراء عملية قيصرية فورًا.
صُدم عمر بالخبر، وكأن صاعقة ضربته في مقتل:
طيب ليه... أنت قلت امبارح إنها اتحسنت إزاي حالتها ادهورت بالشكل ده بسرعه كده؟
حاول الطبيب تهدئته بنبرة أقل حدة:
علي الأغلب أن السبب نفسي. الضغط النفسي ممكن يكون هو العامل الرئيسي. حاول تعرف منها السبب اللي وصلها للحالة دي. يمكن نقدر نسعدها علي استقرار حالتها بدل المخاطرة؛
تردد عمر للحظات، ثم هزّ رأسه بقلق واضح:
مفيش حاجة حصلت امبارح يتسبب في تعب نفسيتها ... انا مبقتش فاهم هو في ايه. بس عموما هتكلم معاها. شكرًا يا دكتور.
خرج عمر من المكتب مسرعًا، متجهًا نحو غرفة سعاد. دفع الباب بخفة ودخل، لتقابله صورة أصابت قلبه بمزيد من الألم. فقد كانت زوجته مستلقية على السرير، وجهها شاحب إلى حد مخيف، وعيناها مثقلتان بالتعب وكأنها تحمل عبء العالم بأسره.
وقف عند الباب، يتأملها بصمت. في تلك اللحظة، شعر وكأن الزمن توقف. حاول قراءة ملامحها، باحثًا عن إجابة لذلك السؤال الذي يعصف بذهنه:
ما الذي يؤلمها بهذا الشكل وجعلها علي هذه الحالة؟
اقترب بخطوات حذرة، ثم جثا بجانب سريرها، وأمسك بيدها برفق. تطلع إلى عينيها الممتلئتين بالحزن، وكأنه يرجوها أن تفصح عن السر الذي يثقل قلبها. وقال لها بصوت خافت يحمل ألمه وقلقه:
مالك يا حبيبتي؟
رفعت سعاد عينيها نحوه ببطء. بنظرة طويلة، مشبعة بالتعب والحزن، ثم تنهدت تنهيدة عميقة، قبل أن تفيض عيناها بالدموع.
تركها تبكي لعلها تزيح بالبكاء همهاالي ان قالت، بصوت خافت يكاد يختنق بالأسى:
بجد انا حبيبتك؟! من إمتى وازاي؟
تفاجأ عمر من كلماتها. للحظة، عمّ الصمت المكان وكأن الزمن توقف. شعر بثقل الكلمات وهي تضرب قلبه كصاعقة. هل كان غافلًا عن كل ما مرت به؟ هل أغلق عينيه عن ألمها طوال تلك السنوات؟
ابتسم بحنان ورد بصوت منخفض يعتريه الحزن:
طبعًا... من يوم جوازنا. إنتِ زوجتي، وشريكتي، وأم طفلنا، وحبيبتي. ده اللي كنت دايمًا حاسس بيه، حتى لو ما قلتهاش كفاية.
تنهدت سعاد بعمق، وكأن الألم يسيل من صدرها مع كل نفس تتنفسه.زفرت وبنبرة مشبعة بالمرارة قالت:
أيوة،أنا زوجتك وأم طفلك، وشريكتك. لكن حبيبتك؟ عمري ما كنت حبيبتك. طول السنين دي، ما حسيتش منك غير بالواجب عايك... واجب الزوج، وواجب الأب، وواجب الشريك. عمرك ما قولت بحبك، ولا حسّيت بيها. ازاي دلوقتي تقولها بسهوله كده؟
ايه علشان ابنك اللي في بطني؟ ولا علشان خايف عليّا لاني أنا مريضة وممكن أموت؟
كلماتها كانت كالسكاكين، تقطع أوتار قلبه واحدة تلو الأخرى. شعر عمر بصدمة عميقة تهز كيانه، وكأن حجابًا قد انكشف أمام عينيه فجأة، ليواجه حقيقة لم يدركها من قبل وهي وضع زواجهم الغير مستقر،.
اخذ نفس عميق وبصوت متردد وهو يحاول فيها استجماع أفكاره:
انتي بتقولي ايه يا سعاد، ازاي فكرتي فيا كده؟!
انا طول فترة جوازنا عمري ما فكرت أخونك، ولا كان في حياتي حد غيرك. صحيح انشغلت عنك ممكن تقولي قصّرت.. او اهملت... لكن كل ده كان علشان ننجح، علشان أحققلك حياة مستقرة. دلوقتي الوضع اتغير، شغلي استقر، وربنا كرمنا بطفل جميل هيكون سبب سعادتنا ويربطنا أكتر.، ازاي بقي متبقيش حبيبتي وحياتي الجاية انت اساسها،
نظرت سعاد إليه طويلاً، وكأنها تبحث في وجهه عن صدق كلماته، لكن عينَيها كانتا تعكسان إحساسًا أعمق من الألم. تنهدت مرة أخرى، ثم فجرت سؤلاً كان مخبأ في صدرها كقنبلة بنبرة هادئة لكن مثقلة بالأسى:
طيب و... ندى؟
ارتبك عمر من نطقها لاسما معشوقة قلبها، لكن سرعان ما خفض عينيه، محاولً السيطرة على تلاحق أنفاسه المتوترة. اشاح بنظرة بعيدا عنها وقال في محاوله مستميته للدفاع عن نفسه:
سعاد، اعقلي شوية. ندى إيه اا مالي ومالها؟!
مش هنكر إني كنت بحبها زمان، لكن ده انتهى. إنتِ عارفة إنها رفضتني وقتها واختارت الفلوس بدل الحب. كرامتي فين علشان أرجع أفكر فيها؟!
معقول كل ده حصلك علشان جت معايا أمبارح؟!
رفع عينيه إليها مرة أخرى، مشددًا بنبرة أكثر حدة:
ثم ندى كانت جيالك، مش جاية عشاني. عندها طفل، وحياتها ماشية وسعيدة بلاش الهبل ده،
واعقلي اللي فات ماضي واللي بينا الحاضر
لمعت الدموع في عيني سعاد، وأخذت تهز رأسها ببطء، وكأنها تقاوم الاعتراف بشيء تعرفه في داخلها. هتفت بصوت متهدج يفيض بالغضب:
ياريتها كانت سعيدة... كنت ارتحت. اوعلى الأقل حسّيت إن في حد عايش مرتاح في حياتها مش زينا
تجهش بالبكاء وبدأت تحكي له ما حدث بينها وبين ندي عند عودتها من السفر بعد سنوات
********(فلاش باك)
في إحدى اليالي كانت سعاد بشقتها بشبرا، كان الهدوء يخيم على المكان، سوى من صوت عقارب الساعة المتواصله بوتيرة لا تتغير.
دقّ الباب فجأة، فنهضت بسرعة لفتحه.
كانت ندى تقف هناك، بابتسامة خافتة تخفي وراءها همومًا ثقيلة. بابتسامة مرتجفة هتفت بحماس:
سعاد، حبيبتي وصديقة عمري! احمدك يارب انك هنا انت متتخيلاش فرحتي اني أللاقيكِ هنا.
بدت سعاد مذهولة، وحدّقت فيها لوهلة قبل أن تستوعب الموقف وتقول بدهشة:
ندى؟! إنتِ جيتي إمتى؟
ثم فتحت الباب بالكامل تطلب منه الدخول:
اتفضلي يا ندى. ادخلي انت وحشتيني اوي
خطت ندى بخطوات مترددة إلى الداخل، وما إن أغلقت الباب خلفها حتى ارتمت في حضن سعاد باكية، كما لو أن السنين التي حاولت التظاهر فيها بالقوة تهاوت دفعة واحدة.
ربتت سعاد علي ظهرها وهي تحتضنها بلطف:
اهدي يا ندي مالك يا حبيبتي ؟ فيكِ إيه؟
ندى، بصوت متقطع وسط بكائها:
أخيرًا لقيت حد يسمعني... اختي صغيرة، ما بتفهمش اللي مريت بيه. وبابا يقولي تحملي علشان ابنك.
شعرت سعاد بالدموع تغمر عينيها، متأثرة بحال صديقتها:
ربنا يعينك... وادعي ربنا دايمًا يهديلك الحال، علشان خاطر ابنك الجميل، ده هو عزوتك في الدنيا."
هو عنده كام سنه دلوقتي
ندى، وهي تمسح دموعها بحركة عابرة:
أيوة، أمجد عمره خمس سنين. وانتِ... عندك أولاد؟
سعاد، وقد لاح الحزن في عينيها قليلاً بعد كلمات صديقتها:
لسه ربنا مرزقنيش... معنديش. اولاد
ندى، بابتسامة هادئة ممزوجة بالدعاء:
إن شاء الله، ربنا يوعدك ويعطيك كل اللي تتمنيه.
مرت لحظة من الصمت، كانت سعاد خلالها تتأمل ملامح ندى محاولة قراءة ما خلف الكلمات. ثم سألت بصوت حمل شيئًا من القلق:
صحيح يا ندى هو إنتِ جايه زيارة؟ لوحدك ولا مع جوزك؟
تغيرت ملامح وجهها، وردت بنبره انخفضت قليلاً:
لا جيت لوحدي اصله خلاص انا هقعد هنا. مش هسافر تاني
ارتبكتب سعاد خوفا بعدما باغتها الجواب وسألتها :
وجوزك راح فين ؟... هو انت اتطلقتي؟
حاولت نظيف إخفاء ألمها وراء هدوء مصطنع:
لا. مطلقتش بس كان لازم أمشي... علشان لو قعدت، اكثر من كده كنت زماني ميته أنا وابني.
نظرت سعاد إليها بدهشة، ثم قالت بتعاطف صادق:
طيب ليه؟ إيه اللي حصل بينكم ؟ احكيلي.
تنهدت ندى وأخذت نفسًا عميقًا كأنها تستجمع شجاعتها لسرد ما عاشته:
انا اتجوزت وسافرت. في أول شهر كنت لوحدي، مبسوطة ومتفائلة. لكن بعد الحمل، لقيت زوجاته الثلاثة فوق دماغي. من يومها بقيت خادمة ليهم، وجوزي بقى يتجاهلني. حاولوا أكتر من مرة يسقطوا حملي، لأن كلهم خلفتهم بنات، وكانوا خايفين أجيب ليه الولد اللي هيورث كل حاجه،.
توقفت لحظة، وعيناها تبرقان بحزن عميق، ودموع تهدد بالسقوط ثم أكملت:
لكن ربنا كان لي حكمة في جوازي منه. خلفت أمجد، وبدأ الشيخ جاسم يخاف عليّ شوية. حسيت بالأمان لفترة صغيرة، لكن بعد ما كبر أمجد، رجعت الإهانات والضرب من الكل، حتى من جوزي. لحد ما حاولوا يسمّموه... تخيلي، كانوا عايزين يموتوا طفل بريء.
غلبتها الدموع للحظة، لكنها أسرعت بمسحها، واستطردت:
بعدها خدت تعهد منه إني أربيه بعيد عنهم، وطلبت منه ينزلني مصر. وافق ، بس بشرط... إني افضل علي ذمته غير طلاق. جوزي رفض يطلقني علشان افضل تحت سيطرتة. أنا وافقت، علشان خايفه علي نفسي وعلي امجد لو فضلت بينهم
فجأة عادت والقت نفسها في حضنها وقالت بلوعه:
انا اتبهدلت واتهمت اووي يا سعاد مفيش يوم نمت مرتاحه أو سعيدة، حتي علاقتي بيه كانت بالغصب لا كان في ود ولا رحمه المهم يرضي نفسه وبس،
حوطت.سعاد جسدها المرتجف علي صدرها وصمتت طويلًا فهي لم تستطع الرد عليها.فقد خانتها الكلمات أمام هذا الكم الهائل من المعاناة. اكتفت بالتنهيد، ثم قالت بصوت خافت حزين:
معلش يا ندى... كل واحد بياخد نصيبه في الدنيا.
وانت ربنا يكرمك بالبنك غيرك مش لاقي،
رفعت ندى راسها عن صدرها وسألتها بنبرة منكسرة:
عرفت إنك اتجوزتِ عمر... اكيد أخوكي غصبك علي الجوازه دي، مش كده حساكي حزينه؟
سعاد، بنظرة تحمل مزيجًا من الألم والحدة:
أه. لانه كان خايف يسيبني لوحدي هنا، لكن حزني أن
ربنا مرزقنيش بطفل يعوضني غياب اخويا وعمر دائما مشغول في شركته حياتي فاضيه يا ندي،
شكرت ندي بأن سعاد تحمل فوق طاقتها من الحزن والألم وأتت هي واثقلت عليها بهمومها، نكست راسها حزنًا علي صديقتها، وساد الصمت مرة أخرى، قبل أن تنهض ندى بهدوء.
شكراً إنك سمعتيني، يا سعاد كنت محتاجه افضفض لحد. بس خلاص مبقاش منه فائدة لان محدش مرتاح، انا همشس دلوقتي وياريت تبقي تزوريني وازورك انا مليش غيرك ارتاح معاه في الكلام،.
ودعتها ندي وغادرت الشقة، تاركة خلفها طوفانًا من المشاعر في قلب سعاد التي جلست وحدها، تسترجع كلمات صديقتها وتفكر في حياتها. كانت تعرف أن عودة ندى قد تعصف بكل شيء، وأن علاقتها بـعمر التي لم تكتمل يومًا ستزداد هشاشة.
قررت بسرعة، تريد الهروب من كل شيء. فكرت في مغادرة المكان، وارضاء زوجها بالحمل كنوع من الضغط بدأت تخطط للابتعاد، لكن في داخلها شعرت أن الأمور قد تخرج عن سيطرتها.إن رآها يومًا
،،،،،،،عودة إلى الحاضر
طالعته سعاد بصوت مخنوق بالدموع:
صدقني يا عمر لو كانت ندي سعيدة، كان ممكن أكون سعيدة بيك، وبطفلنا، وبكلامك دلوقتي. لكن الحقيقة إنني ظلمتِك، وظلمتِ نفسي، وظلمتِه بايدى؛
كانت كلماتها تتناثر بين شهقاتها، تشعر كأنها تغرق في دوامة من الندم. بدت الحياة أمامها ككتاب يمضي بسرعة، دون أن تجد فرصة لتغيير النهاية.
اقترب عمر منها بقلق، جاثيًا بجانبها، أمسك يدها برفق محاولًا مواساتها في حزن علي صديقتها وقال:
اهدي يا سعاد. بالطريقة دي هتضري حملك. فكرّي في نفسك وفي طفلنا. إحنا لازم نعدي ده مع بعض.
لم تجبه ودخلت في نوبة حادة من البكاء، نهض عمر فجأة وتركته مغادرًا الغرفة بسرعه، لكي يبحث عن الطبيب، بينما استمرت هي لوم نفسها بالبكاء بصمت. كانت تدرك أن حياتها لن تعود كما كان أو تتمنا، وأن الحكاية قد وصلت إلى نقطة اللاعودة.
دخل الطبيب إلى الغرفة بخطوات متسارعة، وجهه مشدود وملامحه تحمل عبء قرار ثقيل. قام بفحص سعاد بسرعة، ثم التفت إلى عمر بصوت يحمل ثقل الموقف وعواقب ما حدث:
آسف يا أستاذ عمر، حالتها بتتدهور بسرعة. لازم نعمل الجراحة فورًا. الوضع حرج جدًا، ومش هقدر ننتظر أكثر من كده،
بس مش هقدر اوعدك إننا هنقدر. ننقذها هي والجنين الأولوية طبعا هتكون للحفاظ على حياتها، بس هنحاول بكل جهدنا. ننقذهم سوا
وقف عمر كمن تجمدت قدماه، يتأمل الطبيب وكلماته التي كانت كسكاكين تخترق صدره. أغمض عينيه للحظة، كأنه يبحث عن شجاعة غائبة، ثم قال بصوت مبحوح:
موافق، يا دكتور..حاولوا تنقذوها. هي عندي الأهم بالنسبة لي."
لكن فجأة، جاء صوت سعاد ضعيفًا ومهتزًا، يقطع الصمت الذي خيم على الغرفة:
عايزة أشوف. ندى.ضروري قبل ما أدخل العمليات!
ارجوك يا عمر حقق امنيتي الاخيرة،
ارتبك الجميع للحظة، إلا أن طرقات خفيفة على الباب قطعت التوتر.فقد دخلت ندى مسرعة، وعيناها تجولان بين الوجوه بقلق.
اقتربت من سعاد التي كانت تبدو منهكة تمامًا، وتكاد أنفاسها تخذلها.
طالعتها سعاد بابتسامه مغتصبه من وسط الالم وبصوت بالكاد يُسمع، كأنه يُنتزع من أعماق روحها:
سامحيني.. يا ندي وحياة ابنك سامحيني
وقفت ندى بجانبها امسكت يدها تشد عليها، وعيناها ممتلئتان بالدموع، وقالت بصوت يملؤه الحيرة والقلق والخوف :
اسامحك على إيه بس، يا سعاد؟ إنتِ كويسة، اهدي حبيبتي وان شاء الله هتقومي لينا بالسلامه.
لم تتمالك سعاد نفسها وبدأت تبكي بحرقة، وكأن كل الألم الذي احتبس في صدرها طوال السنين قد انفجر الآن. قالت بصوت متقطع:
سامحيني... لأني كنت... كنت سبب في عذابك أنتِ وجوزي... سامحيني .. لاني بانانيتي حرمتك السعادة
تسمرت ندى في مكانها، وهي تحاول فهم مغزي كلمات صديقتها وعن اي عذاب تتحدث فسالته:
مش فاهمة... عذاب إيه واسامحك علي ايه؟
سعاد إنتِ بتتكلمي عن إيه بالظبط؟
جالت عين عمر علي زوجته وصديقتها بريبة، أخيرًا تدخل في الحوار بينهم محاولًا إخفاء توتره قائلًا:
سعاد، مش وقته الكلام ده. استريحي دلوقتي، وبعد العملية نحكي كل حاجة لندي زي ما انت عايزه؛
رفضت سعاد ورفعت عينيها نحوها بنظرة مستعطفة، تحمل في طياتها رجاءً خفيًا، وكأنها تستنجد بها لتمنحها فرصة للكلام. تشبثت بما تبقى من شجاعتها، وتحدثت بصوت مرتعش يكاد لا يُسمع:
ندى... عايزة تعرفي ليه بطلب منك السماح؟ هقولك... فاكرة لما جيتِ ليكي يوم ما عمر طلبني للجواز؟
قبلها انت كنتِ حكتيلي إنك بتحبيه، وإنك مصممة ترفضي كل العرسان علشان عمرك ما هتكوني لحد غيره. يومها أنا جيتلك وقولتلك إنه بيحبني أنا،
كنتِ متأكدة إنك مستحيل تخسري صداقتنا. وقتها لما وعدتك إني هارفض الجوازة دي؟ عشان أحافظ على صداقتنا وكل الذكريات الحلوة اللي بينا؟"
ارتبكت ندى، وبدت على وجهها علامات الإحراج وهي تحاول أن تخفي اضطرابها. شعرت أن سرها انكشف، ذلك السر الذي أخفته لسنوات: أنها كانت تحب زوج سعاد. بعد لحظة من التردد، قالت بصوت خافت:
أيوة، فاكرة. بس... إنتِ ملكيش ذنب في جوازك منه. أخوكي هو اللي أجبرك. عمر كان نصيبك، مش نصيبي.
ثم أخذت نفسًا عميقًا، وكأنها تحاول تهدئة اضطراب قلبها، وأضافت بابتسامة باهتة:
اطمني يا سعاد، أنا مش زعلانة منك عشان اتجوزتيه. أنا كمان اتجوزت وخلفت. أسامحك على إيه بقى؟ ما فيش حاجة تستاهل الزعل.
هزت سعاد رأسها برفض، وكأنها تحاول طرد الحقيقة التي تثقل صدرها. قالت بصوت مخنوق، تخنقه دموع حبستها طويلًا:
إنتِ مش عارفة حاجة... عمر مكنش عايز يتجوزني...
توقفت فجأة، تأخذ أنفاسًا متقطعة كأنها تغرق في بحر مشاعرها. رفعت ندى عينيها إلى عمر، الذي بدا كأن الكلمات سقطت عليه كالصاعقة. ارتد خطوة للخلف، يتأرجح بين الدهشة والألم، قبل أن يتمتم بصوت منخفض:
سعاد... إنتِ بتقولي إيه؟ مش ممكن!
شعرت ندى بأن الجو أصبح مشحونًا بالارتباك، وكأن الصمت يصرخ بين الجميع. اقتربت من سعاد، وأمسكت يدها برفق، تنقل إليها بعضًا من طاقة الهدوء. قالت بنبرة مفعمة بالحنان، تحاول تخفيف وطأة الألم:
إسمعي يا سعاد... إنتِ مكنتيش سبب في أي حاجة. اللي حصل كان نصيب، وده قضاء أمر الله،
عمر دلوقتي جوزك، والطفل اللي في بطنك هو الرابط اللي هيقوي اللي بينكم أكتر. صدقيني أنا نفسي مش شايلة من ناحيتك أي حاجة... كل اللي بتمنّاه ليكي إنك تكوني بخير وتقومي لينا بالسلامة، وتفرحي بطفلك وحياتك مع جوزك."
لم.تهدا كلمات ندى العاصفة داخل سعاد. جذبت يدها من بين كفّيها، وانفجرت في بكاء مرير بعدما عجزت عن السيطرة عليه. وقالت بصوت مختنق يفيض بالألم:
مش هقدر.. مش هقدر أعيش حياة جديدة مع طفلي وأنا شايلة الذنب ده أكتر من كده. سامحيني يا ندى... أنا ظلمتك... وظلمت عمر معايا.
فجأة صرخت سعاد وكأن الكلمات تُنتزع من قلبها المنهك، تتساقط متقطعة من بين شفتيها:
يا ندى.. الحقيقة انا يوم ما جيت عندك، مكنتش جايه أقولك إن عمر بيحبني وطلبني للجواز...
انا كنت جايه علشان هو طلب مني أكون وسيط بينكم. كان بيحبك، وكان عايزني أسألك عن مكانه في قلبك، علشان يعرف إمتى يتقدم رسميًا!
ساد الصمت للحظة، ندى تراقب عمر بعيون ممتلئة بالذهول. نظراتها كانت مزيجًا من الصدمة والغصة، بينما عيون عمر بدأت تفيض بالدموع، كأنه يعيش ألمًا جديدًا لم يتخيله.
طالعها عمر بصدمه، فقلبه لم يعد يتحمل غدرها بها ، صرخ بصوت يملؤه القهر:
ليه يا سعاد؟ ليه عملتي كده؟!
ترددت سعاد للحظات، ثم نطقت بصوتٍ منكسر، وكأن الكلمات تخرج من أعماق جرح قديم:
لأني بحبك يا عمر... حبك عما قلبي. كنت دايمًا قريب مني، قريب أكتر من أي حد تاني. دايمًا في بيتنا، مع أخويا، وأنا معاكم.. كنت شايفة فيك كل حاجة نفسي فيها. لما عرفت إنك بتحبها هي، مقدرتش أتحمل... حسيت إني لازم أبعدها عنك بأي شكل.
أخذت نفسًا ثقيلًا، وكأنها تحاول جمع ما تبقى من قوتها، ثم أكملت بصوت خافت:
عارفة إني أنانية... لكن كنت فاكرة إن لما ندى تخرج من حياتك، هتبقى حياتك ليا. لكن حتى بعد جوازنا، محبتنيش زي ما حبيتها هي. كنت شايفة في عينك حبها كل يوم، وده كان بيقتلني. كلنا عشنا في تعاسة، بسببي. أنا اللي ضيعت علينا السعادة.سامحوني.
انفجرت بالبكاء بعدمت انكشف كلي شئ أمامها وأصبح الحقيقه أمامهم. لكن قبل أن يرد عمر أو ندى اقتحم الطبيب الغرفة بوجه متجهم، مشيرًا بضرورة دخولها إلى غرفة العمليات فورًا.
نظر الطبيب إلى الساعة، ثم قال بحزم:
لازم نبدأ الجراحة فورًا. الوقت مش في صالحنا.
أومأ عمر برأسه، وهو يحاول كتم دموعه، ثم انحنى ليهمس في أذن سعاد؛
هستناكي بره... هتخرجي بالسلامة، وهتكملّي حياتك معايا ومع طفلنا. رغم كل شئ انت زوجتي
في تلك اللحظة، مدت سعاد يدها المرتعشة نحو ندى وقالت بصوت ضعيف وسط دموعها:
ندى..خلي بالك من بنتي. إنتِ أحن إنسانة عرفتها في حياتي. وواثقه انك هتكون احن ام ليها أوعي تتخلي عنه، او تاخديها بذنبي أرجوكي...دي وصيتي.
لم تستطع ندى الرد، فقط انحنت وقبلت يدها بحنان، بينما أخذوها سريعًا إلى غرفة العمليات، تاركة خلفها عمر وندى غارقين في مزيج من الألم والصدمه
مر الوقت ثقيلًا كأنه أبدية، حتى خرج الطبيب بعد ساعات طويلة، ووجهه يكسوه الحزن. وقف أمام عمر وندى" وقال بصوت يحمل أسفًا عميقًا:
للأسف.مقدرناش ننقذ الأم. لكن ارادة الله كانت اقوي رزقكم بطفلة جميلة جدًا. حالتها الان مستقرة. ربنا يباركلك فيها.
شعر عمر وكأن الأرض قد زلزلت تحت قدميه، بينما انهمرت دموع ندى بصمت، وهي تنظر من بعيد إلى المولودة التي أصبحت الآن مسؤوليتها. منذ تلك اللحظة، أدرك كلاهما أن الحياة قد حملت لهما أمانة ثقيلة، وأنهما الآن أمام اختبار جديد، لعلّهما يجدا فيه معنىً للفقدان الذي مزقهما.
********
يتبع...
#سلمي_سمير
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا