القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم( شارع خطاب)الفصل 12-13-14-15بقلم فاطمة طه سلطان ( جديده وحصريه فى مدونة قصر الروايات)

 رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم( شارع خطاب)الفصل 12-13-14-15بقلم فاطمة طه سلطان ( جديده وحصريه فى مدونة قصر الروايات)





رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم( شارع خطاب)الفصل 12-13-14-15بقلم فاطمة طه سلطان ( جديده وحصريه فى مدونة قصر الروايات)



الفصل الثاني عشر من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم

#شارع_خطاب


بقلم #fatma_taha_sultan


____________


اذكروا الله.

دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.


_____________________


‏"الروح إذا آوت داوَت، وإذا أَحبّت أحيت."

#مقتبسة


حين تكون لطيفاً من البداية يظن الناس أن لطفك ضعف لأن الذي لا يُظهر فتكه، يعتبرونه عاجزاً أو ساذجاً، لكن عندما تظهر لهم جانبك القاسي أولاً، وتثبت أنك قادر على سحق كل شىء يقف في طريقك، ثم تختار أن تكون لطيفا، يبدأ الجميع في رؤية الأمور بشكل مختلف، فاللطف هنا لا يُفهم كضعف، بل كقوة مختارة، هم يعلمون الآن أنك قادر على تحطيمهم، لكنك تختار ألا تفعل ."


-نيكولو مكيافيلي


‏لن تجد أبدًا غير الحُبِّ تفسيرًا أنَّ المكان

نفسهُ الذي يضيق بواحدٍ يتسع لاثنين.

‏- يوسف الدموكي.


____________


تبكي هدير في أحضان إيناس وهي تجلس على الاريكة في منزل عائلة دياب...


بينما حور كانت في غرفتها تجلس مع أطفال شقيقتها تمنعهم من الخروج إلى الخارج بسبب انهيار هدير لا ينقصهما بالطبع أي شقاوة أو تصرف عفوي قد يخرج منهما..


 حُسنية كانت تناظر الصغيرة المسكينة "هدير" بأسى كبير مقدرة حجم الصدمة التي تمر بها الفتاة.......


تحدثت هدير من وسط بكائها وشهقاتها:


-ازاي اكون معاها في بيت واحد ومحسش هي بتعمل إيه؟!؛ ازاي تحضر كل ده وهي قاعدة معايا في البيت عادي وأنا مش حاسة بأي حاجة، ازاي تسبيني وتمشي؟! دي كانت بتقولي أنها مش عايزة تتجوز علشان متسبنيش لوحدي وكنت دايما حاسة بالذنب لما بترفض أي عريس...


كانت إيناس تسمعها بـضيقٍ شديد وهي التي كانت تظن بأنها صديقتها المُقربة اتضح أنها لا تعرف عنها أي شيء، وأنها شخص أخر لا تعرفه.....


تمتمت حُسنية محاولة تلطيف الأجواء قدر المُستطاع رغم عدم اقتناعها هي شخصيًا بكلماتها:


-يمكن عندها مُبرر يا بنتي ونتكلم معاها ونسمعها يمكن يكون عندها كلام تقوله...


ابتعدت هدير من أحضان إيناس هاتفة بنبرة عصبية إلى حدٍ كبير:


-محدش يقولي عندها مُبرر، محدش يقولي عندها مُبرر  أنها تسيبني وتسافر؛ أنها تعمل كل ده من ورانا وحتى لو عندها حق في كل اللي فات أو مُبرر تقوله؛ محدش يقولي أن عندها مُبرر تسرق أخوها اللي بيحوش معاها وتسافر بفلوسه.......


صُعقت إيناس هي وحسنية مما يسمعوه، تلك معلومة جديدة تمامًا، كانت إيناس تظن بأن الأمر منحة أو رُبما هذا الرجل التي تعرفه هو من دفع لها ولكنها لم ترغب في إخبارها....


لكن تسرق طارق!!!

شقيقها!!!!

السبب فيما هي فيه من الأساس لولاه لم تكن وصلت لأي شيء....


كيف كانت صديقتها تلك الفتاة؟!.

كيف؟!...


أردفت حُسنية بنبرة جادة وهادئة:


-مهما اللي حصل ما بينكم يا هدير يا بنتي أنتم أخوات، ومصيركم هتشوفوها وهتتعاتبوا وهتتصالحوا من تاني...


تحدثت هدير بنبرة جنونية:


-لو أخر يوم في عمري مش هسامحها على أنها اسيبني وتستغفلني وأنا معاها في بيت واحد، لو أخر يوم في عمري مش هسامحها أنها سرقت أخونا اللي معملش حاجة في حياته غير أنه بيدينا وبس عمره ما خد حاجة مننا...


كادت حُسنية أن تتحدث مرة أخرى لكن سبقتها إيناس هاتفة برجاء حقيقي هذا ليس وقت الحكم أو المواعظ حتى ولو كانت حقيقية، فـ بتلك الطريقة تضع والدتها الملح على جرح هدير..


-خلاص يا ماما مش وقته أنا هقوم أحضر العشاء واجيب ليكي يا هدير حاجة تلبسيها وتغيري هدومك كده كده دياب مش جاي هيبات عند نضال..


قالت هدير بحرج كبير والدموع مازالت تهبط من عيناها:


-أنا بجد مش عارفة أقولكم إيه؟!، أنا جيت شقلبت ليكم الدنيا خالص...


قاطعتها حُسنية بنبرة حنونة:


-متقوليش كده يا هدير يا بنتي احنا أهل وده بيتك، وأنتِ زي حور وايناس بالظبط..


ابتسمت لها هدير فأقتربت منها إيناس ووضعت قبلة على رأسها وجبهتها بحنان وكأنها طفلتها هاتفة وهي تربت على ظهرها:


-قومي اغسلي ووشك وبطلي عياط يا حبيبتي...


___________


يجلس سلامة ويضع سماعات الأذن في أذنيه ويشاهد المقاطع التي تمر أمامه ثم تركهم وذهب إلى غرفته إلى حين أن ينتهي نضال من تحضير العشاء أما زهران ودياب يجلسا على أريكة واحدة...........


وقع على دياب المجئ إلى هنا، والمكوث معهم تلك الليلة بسبب الظروف الطارئة التي حدثت في منزله، مكثت هدير شقيقة طارق مع والدته وشقيقاته...


طارق لا يعرف حتى الآن ما الذي عليه أن يفعله من أجل أن شقيقته تبقى وحيدة في الشقة....


واقترح هذا الحل مؤقتًا على دياب بحرج كبير وعاتبه دياب قائلا بأن هذا منزله أيضًا..


تمتم زهران بجدية وهو يسحب نفس من الأرجيلة:


-والله أنا البت أحلام دي من وهي صغيرة وأنا شايفها سوسة كده وسُهنة ومش برتاح ليها سبحان الله طول عمري ليا نظرة متخيبش في البني أدمين..


جاءه صوت نضال بنبرة مرتفعة وهو يقف في المطبخ ويحدثهم:


-يا بابا أرجوك والله الوضع ما ناقص كلامك هي خربانة لوحدها..


تحدث زهران وهو يتحدث بنبرة مرتفعة هو الأخر حتى تصل له:


-ومدام هي خربانة خربانة جت عليا يعني وكلامي هو اللي وقف في زورك؟!..


غمغم دياب بنبرة كئيبة وحزينة حقًا على صديقه:


-والله يا عم زهران حتى الكلام ملهوش لازمة، طارق مش هيفوق منها تاني، الخذلان والكدب وعدم الأمانة من أقرب الناس ليك دي أكتر حاجة بتوجع الواحد، أنا مش عارف هي ليه عملت كده بجد؟! طارق عمره ما كان وحش معاهم ده هو السبب أنها تكون دكتورة أصلا لولاه مكنتش بقت أي حاجة..


تمتم زهران بنبرة جادة بعدما سحب نفس من أرجيلته مرت أخرى:


-في أرض بتكون بور مهما زرعت فيها زرعتك مش بتطرح وده اللي حصل مع طارق، والله أنا هي مش فارقة معايا ببصلة كل اللي فارق معايا البت الصغيرة هدير هتعمل إيه وأخوها الكبير ملهوش لازمة من زمان...


تحدث نضال وهو يقوم بتقطيع الخضروات:


-المشكلة أن طارق عاجز أوي بجد، كون أنه في دنيا تانية وحتى مش هيعرف ينزل لو نزل هيتحبس علشان سفره قبل الجيش، بجد الوضع صعب بشكل ينرفز ويخليك عاجز عن حله...


تلك الأجواء الكئيبة لا تعجب زهران أبدًا...

لذلك حاول أن يتحدث بنبرة مرحة أو بمعنى أدق حاول تغيير الموضوع:


-والله إحساس العجز وحش حسيت بيه زمان برضو..


تمتم دياب بفضول:


-امته حسيت بيه يا عم زهران قولي؟!.


تحدث زهران وهو يخبره بالأمر بعدما سحب نفس من الأرجيلة:


-ميرفت الله يمسيها بالخير مراتي الثانية، لما كنت بتخانق معاها وتسيب ليا البيت وتروح لأهلها كنت بحس بالعجز...


ضيق دياب عينه وهو يسأله باهتمام لا يناسب قصص زهران:


-ليه بس ياعم زهران إيه اللي بيحسسك بالعجز للدرجة دي كنت بتحبها وبتزعل على فراقها؟!.


تمتم زهران بجدية:


-كل الحكاية أنها كانت نفسها طويل تقعد تسافر وتروح لأهلها في مرسى مطروح وأنا كنت بكسل أسافر الساعات دي كلها وبنقعد كتير متخانقين عقبال ما كنت أخد اخويا الله يرحمه ونروحلها....


ضحك دياب ثم سأله بجدية زائفة:


-مكنتش بتحبها؟!...


قاطعه زهران مستنكرًا وهو ينفي تلك الفكرة:


-لا طبعا دي كانت حب عمري؛ انا عمري ما اتجوزت واحدة الا لما كنت بحبها وعجباني اومال هتجوزها ليه اتشمس بيها؟!.


ابتسم زهران ثم تحدث بجدية:


-بس دي أكتر واحدة حبيتها في اللي اتجوزتهم بعد ام العيال حب عمري رقم واحد، أصل أنا قابلتها في أكتر وقت كنت محتاج فيه حد بعد موت أم العيال.


تمتم دياب بعدم فهم:


-اومال مدام الدنيا كانت حلوة اوي كده إيه اللي حصل؟! وطلقتها ليه؟! ما كنت جيبت ليها شقة هنا تغضب فيها بدل ما تسافر مرسى مطروح وساعات السفر تبوظ العلاقة...


تحدث زهران ضاحكًا وهو يسرد ذكرياته:


-طبعا مش دي المشكلة الوحيدة كانت عندية وودانية كان ليها بنت خالة حرباية وعقربة وكانت بتعتبرها زي اختها وبتسمعلها في كل حاجة، تتحرق مطرح ما هي موجودة، هي السبب تخيل دي الجوازة الوحيدة اللي خلصت معايا بمشاكل كبيرة وكانت منشفة دماغها أوي ومش عايزة ترجع كانت علطول تقولها إني بخونها..


ضيق دياب عيناه وسأله بشك:


-يعني أنتَ مكنتش بتخونها؟!.


رد زهران عليه مدافعًا عن ذاته:


-لا والله الخيانة مش في طبعي، حتى فضلت اقولها خليها تجيب دليل بس الموضوع مكنتش نافع، الله يجحمها مطرح مهي موجودة اللي اسمها وفاء دي..


صمت زهران لثواني ثم تغيرت ملامحه إلى أخرى هاتفًا:


-خلاص قفل على السيرة دي..


غمغم دياب مدافعًا عن نفسه:


-انا ولا فتحت ولا قفلت، أنتَ اللي كنت بتتكلم..


تحدث زهران بنبرة دبلوماسية:


-أنا اللي فتحت وأنا اللي اقفل المهم ده مش موضوعنا في حاجة كنت عايز أكلمك فيها أساسًا...


غمغم دياب بنبرة متهكمة وهو يعقد ساعديه:


-امي مش بتفكر في الجواز واخواتي صغيرين عليك فأعتقد مفيش مواضيع نتكلم فيها...


تمتم زهران بنبرة غاضبة:


-احترم نفسك بقا وخلي علاقتنا حلوة النهاردة بدل ما تأخد صاحبك وتشوفوا ليكم حتة تباتوا فيها وخد سلامة بالمرة.


ضحك دياب ثم أردف ببراءة:


-وهما مالهم يا عم زهران هو أي مشكلة وخلاص العيال متكلموش أنا اللي بتكلم...


هتف زهران بنبرة جادة:


-أنا عايزك تشتغل تحت بدل الواد مصطفى على الكاشير وتأخد اوردرات وكده يعني مؤقتًا...


قاطعه دياب بنبرة واضحة وجادة:


-لا..


تمتم زهران بإصرار واضح وهو يوضح له طبيعة العمل:


-لا في عينك يا دياب أنا مش بأخد رأيك أنا بعرفك أنتَ هتمسك من الساعة ثلاثة لغايت الساعة تسعة والشيفت التاني هيمسكه الواد مصطفى، ولو عايز تكمل على التوكتوك اشتغلك ساعتين عليه بليل بعد ما تخلص وخلاص، لغايت ما ربنا يتوب عليك من الاتنين... 


صمت دياب لثواني وكان يفكر في الأمر..

يبدو أنه كان متشبثًا برأيه الخاطئ..

ما المشكلة بالعمل في مكان صديقه ووالده؟!

هو عمل كأي عمل..


سيكون الأمر جيدًا بأن يصبح له بدل العمل اثنان كبديل....


هتف زهران بنبرة هادئة:


-يلا نقول مبروك..


لم يعطِ دياب فرصة للرد وأردف بنبرة عالية:


-مبروك عليك يا نضال، صاحبك هيشتغل معاك اهو هيتلم المتعوس على خايب الرجاء..


أردف دياب مستنكرًا:


-أنا لسه مقولتش حاجة..


تمتم زهران بنبرة هادئة:


-أنا مش مستني رأيك يا حبيبي أنا قولت لمصطفى وعرفتهم في المكان خلاص من قبل ما أقولك أصلا، انا بعرفك علشان تعمل حسابك بس أن وراك شغل من بكرا، وبعدين أنا أهم حاجتين عندي الانضباط وكريمة.


رد دياب عليه ساخرًا:


-وعيالك اختياري..


___________


بعد أن تناول العشاء...


تركهم نضال في الخارج وولج إلى الغرفة حتى يتحدث مع طارق في هدوء، عرف ما فعلته أحلام حينما اتصل به طارق وأخبره بأن يجعل هدير تجلس في منزل دياب مع والدته وشقيقتيه إلى أن يفكر في حل وانتهت المكالمة بهذا الشكل...


أجاب طارق بنبرة مكتومة ومكسورة:


"الو"


سأله نضال بتردد ونبرة حزينة من أجله:


-عامل إيه دلوقتي..


أجاب عليه طارق بنبرة تؤلم من يشعر حقًا، تؤلم من لديه قلب يقظ:


"هكون عامل إيه؟! أنا مكسور وعاجز، اختي كسرتني لما خانت الإمانة اللي شايلها معاها وأنا فاكرها كل ده بتماطل علشان ليها وجهه نظر مختلفة، كنت حتى كمان كام يوم هبعت ليها بقية الفلوس، كنت بحوش معاها الفلوس دي بعيد عن مصاريفهم"..


ابتلع ريقه وصمت لعدة ثواني ثم عاد يُكرر:


"أختى كسرتني، وخليتني عاجز مش عارف أعمل حاجة لاختها التانية، ولا أعرف عنها هي حاجة".


حاول نضال قول أي شيء غير أن يقوم بتزويد الأمر في عينه:


-يمكن هي...


قاطعه طارق بنبرة واضحة:


"متحاولش تلاقي مُبرر يا نضال علشان مفيش لأني بحاول من ساعة ما قرأت الرسالة بتاعتها ومش لاقي، تعرف أكتر حاجة وجعاني هي إيه؟!".


تنهد نضال ثم سأله بنبرة خافتة:


-إيه؟!...


تحدث طارق بقهر واضح جعل نضال يتمنى بأنه كان أمامه ليحضتنه أو يخفف عنه، تبًا لتلك المكالمات الهاتفية المؤلمة والمزعجة والتي تجعلك تشعر بأنك بعيدًا:


"أنها مفكرتش تقولي، مفكرتش تقولي أنا عايزة أسافر، عمري ما كنت هبخل عليها، بل بالعكس كنت هفكر معاها، كنت هدفع وهديها، طول عمري عايز أشوفها أحسن الناس وأحسن مني، كل اللي واجعني وقاهرني أنها عملت كده من ورايا سرقتني بدل ما تقولي ساعدني ياخويا أنا عايزة أسافر".


أسترسل حديثه بنبرة غاضبة:


"عمري ما بخلت عليهم بحاجة، جت عليا أيام كنت هنا مش لاقي أكل وبمشي يومي بالعافية عشلان ابعت ليهم الفلوس اللي تكفيهم وزيادة ومقصرش لا في مصاريف جامعتها ولا في مصاريف البيت ولا في فلوس مدرسة هدير الخاصة ودروسها"...


لم يكن طارق الوحيد الذي يشعر بالعجز كان نضال أيضًا، لأنه لا يمتلك كلمات قد تواسي هذا القلب الجريح من أقرب الأشخاص له....


-أنا مش عارف أقول إيه يا طارق...


قاطعه طارق بنبرة ساخرة:


"أنا نفسي مش لاقي حاجة أقولها، خلينا في المهم، خلي بس هدير اليومين دول عند إيناس وطنط حُسنية"..


سأله نضال باهتمام واضح:


-طب وبعد كده هتعمل إيه؟!..


تحدث طارق بـألمٍ:


"هدير لسه عيلة أنها تقعد لوحدها في البيت ياريتها كبيرة شوية، بكرا هتكلم مع أشرف لازم يشوف حل أو تروح تقعد معاه، لازم يشيل المسؤولية شوية أنا مش عارف أعمل حاجة وأنا هنا"


رد نضال عليه بجدية:


-بس مراته يعني من زمان المعاملة بينها وبينكم مش أحسن حاجة من أيام أمك الله يرحمها، وأخوك ساكن بعيد ودروسها هتكون بعيدة أوي عليها...


غمغم طارق بانزعاج:


"للأسف مفيش حل تاني هو أخوها مهما كان الوضع هيكون أحسن من أنها تفضل لوحدها لحد ما أتصرف، حتى مش عارف هتصرف ازاي وأنا هنا بعيد عنها، أنا هقفل لأني مخنوق جدًا وهكلمك بكرا"..


وعلى هذا المنوال انتهت المكالمة بين نضال وطارق، وبعدها بدقائق جاء دياب من الخارج هاتفًا:


-أبوك نزل شقته وسلامة دخل نام..


تمتم نضال بسخرية:


-يلا ننام أحنا كمان الليلة دي باينها مش هتخلص...


رد دياب عليه وهو يأتي ويستلقي على الفراش:


-منك لله يا أحلام كسرتي بنفس أخوك وضايقتيه.


-متجبش سيرتها علشان أنا بجد موجوع على طارق أوي، والمشكلة أنها اخته ياريت الحركة دي كانت حصلت من الغريب ولا تحصل من أخته لحمه ودمه..


صمت دياب لعدة دقائق يحاول التفكير في هذا الوضع المعقد لكن الأمر صعبًا؛ حاول نضال تغيير الموضوع هاتفًا:


-صحيح أمك هتبدأ الجلسات امته؟!.


رد دياب عليه ببساطة:


-بكرا أول جلسة ان شاء الله.


-ان شاء الله بالشفاء بإذن الله.


غمغم دياب بتمني:


-يارب..


ثم أسترسل حديثه باهتمام وهو ينظر له:


-صحيح مقولتليش..


ضيق نضال عينه هاتفًا باستنكار وهو يستلقي بجانبه على الفراش هو الآخر:


-مقولتش إيه؟!


-عملتوا إيه في حوار سلمى؟!.


رد نضال عليه موضحًا ما حدث:


-معملناش حاجة أنا قولت لبابا ميفتحش الموضوع تاني ومن ساعتها الوضع متعلق المفروض على المسرحية اللي عملها أبويا أنهم هيردوا علينا؛ وأنا قولتله يطنش واعتقد كلام سلمى كان واضح قدامنا يعني هي مش عايزة تتجوز أصلا..


غمغم دياب بنبرة شبة ناعسة:


-والله أنتَ هتندم لو ضيعت واحدة زي سلمى من إيدك، هي اينعم معقدة شوية من حوار ابوها وباين من كلامها بس فعلا هي دي اللي تنفع ليك وحتى شبهك في حاجات كتير ومتتسابش بصراحة..


تمتم نضال ساخرًا:


-اه وإيه كمان؟!...


ضحك دياب ثم تحدث مشاكسًا أياه:


-دي غيرة بقا؟! متقلقش دي مرات اخويا ومتحرمة عليا....


قذفه نضال بالوسادة ووضعها فوق وجهه وهو يضغط عليها:


-نام بقا في ليلتك اللي مش معدية دي أحسن، أنا مش ناقصني زهران نمرة ثلاثة..


ضحك دياب من وسط همه وأبعد الوسادة عن وجهه بصعوبة ثم حاول أن يتنفس جيدًا كما أبعد يد صديقه:


-ده في اعتبار أن سلامة نمرة اتنين صح؟!.


غمغم نضال وهو يسحب الغطاء:


-اسكت بقا أنا دماغي هتنفجر وعايز أنام..


قال دياب هو الاخر بصدقٍ:


-وأنا كمان عايز أنام...


_______________


أتى والدها في الصباح الباكر وهو يحمل العديد من الأغراض المنزلية كاللحوم، الخضروات، المنظفات، البهارات، الأرز، السكر، واحتياجات المنزل الضرورية أو التي يعرفها....


وقام بشراء الفطور حتى يتناوله معها ومع بهية، وبالفعل تناول الثلاثة الطعام ثم جلس على الأريكة يتحدث مع ريناد بنبرة جادة:


-عرفت أنك بتحضري المحاضرات كلها...


تحدثت ريناد بحماس وهي تجلس بجواره مغمغمة:


-ايوة بحضر، وعايزة أطلب من طلب..


سألها محمد بفضول بعدما أخذ رشفة من القهوة التي تتواجد بين يديه:


-عايزة إيه؟!.


غمغمت ريناد برجاء حقيقي:


-عايزة الفون بتاعي..


رد عليها محمد رد قاطع:


-لا..


تحدثت ريناد بعصبية حاولت كبتها قدر المُستطاع هي تحاول أن تمر أيامها لكنها لم تعتاد بعد على ما يحدث:


-هيحصل إيه لو اديتهوني يعني؟!...


كانت تحتاج إلى الهاتف بدأ يتابعها عدد لا بأس به وهي ترغب في أن تقوم بتصوير مقاطع ذات جودة جيدة، ترغب في هاتفها الذي يتواجد به كاميرا رائعة فهي كانت دومًا مهووسة بالتصوير والهاتف الذي يتواجد معها لا يسعفها أبدًا في هذا الأمر..


هتف محمد بجدية ونبرة هادئة:


-خلاص هديهولك...


جاءت بهية من الداخل وهي تسير على عكازها حتى جلست على أحد المقاعد...


نهضت ريناد هاتفه بحماس حقيقي ونبرة شبة صارخة:


-بجد؟!..


عقب محمد على حديثها مؤكدًا للمرة الثانية:


-وهديكي اللاب كمان..


قاطعت ريناد حديثه بامتنان حقيقي:


-ربنا يخليك ليا يا بابا، Thank you...


تمتم محمد بجدية وهو يوضح لها الأمر يناظرها بهدوء وملامح مرتخية:


-مش تسمعي كلامي للآخر؟!! هديهوملك بشرط..


ذهب الحماس والبسمة من وجه ريناد وهي تسأله باستغراب:


-شرط إيه ده؟!.


هتف محمد بثبات:


-لما نتيجة الترم الأول تظهر، واتأكد أنك مش بتروحي علشان تريحي دماغك مني وخلاص أتأكد أنك بتذاكري، أشوف النتيجة بعيني وتكوني جايبة تقدير كويس ساعتها هديكي الفون واللابتوب كمان...


تمتمت ريناد بنبرة منفعلة:


-وإيه علاقة ده بالنتيجة يعني ما في ناس كتير معاها مواد في الجامعة أفرض منجحتش يعني؟! وده أول semester ليا في الجامعة...


هنا خرج صوت بهية هاتفًا بنبرة جادة:


-وأنتِ ليه سايبة الناس اللي بتنجح وماسكة في اللي بيسقطوا؟!..


كان ينقصها حقًا حديث تلك المرأة حتى تقوم بتزويد الأمر في أعين والدها...


تحدث محمد بنبرة جادة:


-مش شرط أنك بتروحي الجامعة وقاعدة في البيت وبطلتي تقابلي صحابك الصيع معناه أنك واخدة الموضوع بجد، لازم أشوف النتيجة بعيني، أنا عمومًا اتأخرت عندي ميعاد ولازم امشي..


هتفت ريناد بغضب واضح:


-أنا مصروفي خلص خلاص، ومحتاجة فلوس..


تحدثت هنا بهية مرة أخرى وكادت ريناد تقتل نفسها بسببها:


-مش أنا لسه مدياكي مئتين جنية من كام يوم تمشي أمورك بيهم؟!..


غمغم محمد وهو يعقد حاجبيه:


-متديهاش فلوس لما مصروفها يخلص هي لازم تمشي قد الفلوس اللي معاها..


أردفت بهية بنبرة بريئة:


-مهوا قولت برضو هي لسه مش واخدة على الوضع الجديد، وقولت مش مشكلة اساعدها شوية تمشي الشهر بس قولتلها بلاش تصرفهم بسرعة زي ما بتعمل بس مفيش فايدة..


تحدث محمد بجمود وهو يضع يده في المعطف الذي يرتديه وأخرج منه عدة ورقات ووضعهم على الطاولة:


-دول خمسمائة جنية، نصهم هيتخصموا من مصروف الشهر الجديد، أنا بس متساهل معاكي لغايت ما تعرفي ترتبي أمورك حسب المصروف اللي معاكي...


أردفت ريناد بغضب كبير وهي تتوجه صوب غرفتها:


-أنا رايحة ألبس احسن واروح الجامعة أرحم علشان كده كتير..


تحدث محمد بنبرة عالية لتسمعها وهي في الرواق:


-يلا لو تحبي اوصلك للجامعة في طريقي لو اتأخرتي عن ربع ساعة همشي وابقي اركبي المترو زي كل يوم...


جاءه صوتها سريعًا:


-لا أقل من خمس دقائق وهكون خلصت والله..


___________


يجلس في غرفته في المستشفى...


يفكر فيما حدث ليلة أمس حينما رأى شقيقة أحلام وذلك الرجل، كانت صدمة فاجعة بالنسبة له بأنها سافرت من دون أن تخبر عائلتها، توقع الكثير من الأمور الغير جيدة التي قد تكون فعلتها بسبب مكالمتها العجيبة تلك وهي تخبره بأنها خائفة لكنه لم يتوقع شيئًا هكذا...


كأنه كان يتعامل مع أمرأة أخرى خلال السنوات الماضية وفقط في الفترة القصيرة جدًا الماضية رأى أمرأة مختلفة تمامًا...


كيف تفعل هذا؟!..


يحاول إيجاد مُبرر واحد يجعلها تصيب عائلتها بالذعر بهذا الشكل والسفر من خلفهم ولكنه لا يجد أي مُبرر..


طرقات خافتة على الباب جعلته يأذن لصاحبها بالدخول فـ ولجت السكرتيرة الخاصة به حينما يكون متواجدًا في المكتب الخاص بالإدارة:


-دكتور جواد مدام رانيا برا...


تحدث جواد باستنكار وهو يكرر اسمها:


-رانيا برا؟!.


وقبل أن يتفوه بكلمة أخرى كانت رانيا تتخطى الفتاة وهي تدخل إليه هاتفه:


-صباح الخير يا جواد...


غمغم جواد بنفاذ صبر وهو يوجه حديثه إلى الفتاة:


-اتفضلي أنتِ يا نسرين..


هزت الفتاة رأسها بإيجاب ثم رحلت وأغلقت الباب خلفها وهنا دخلت رانيا ونهض جواد هاتفًا وهو يكز على أسنانه:

-إيه اللي جابك هنا يا رانيا؟!...


تحدثت رانيا بنبرة جادة وهي تجلس على المقعد الذي يتواجد أمام مكتبه متحدثة ببساطة:


-مفيش حبيت أجي واشوفك، النهاردة عيد ميلادك..


جواد لم يكن رجلًا شغوف بيوم مولده...

ولا يحتفل به..

حتى أنه يتنساه في بعض الأوقات ولولا التهنئات التي تأتي من أصدقائه على مواقع التواصل الاجتماعي لكان تنساه للأبد..


أكثر ما يفتقده اليوم هو تحية والده الصباحية في يوم مولده وأحيانًا كان يأتي له بهدية...


حتى رانيا وهي زوجته لم تهتم يومًا بهذا اليوم وسارت على نهجه بأنه لا يحتفل به، حتى أنها كانت تنسى معايده بطريقة شفاهية حتى...


تحدث جواد بسخرية شديدة:


-غريبة يعني مكنتيش بتفتكري عيد ميلادي وأحنا متجوزين جيتي تفتكريه واحنا مطلقين؟!.


ضحكت رانيا ثم أردفت بنبرة مشاغبة:


-شوفت بقا، كل سنة وأنتَ طيب يا جواد أنا كمان جيبت ليك هدية..


أخرجت من حقيبة يدها صندوق كرتوني متوسط الحجم يعود إلى أحدى علامات ساعة اليد العالمية والمفضلة لدى جواد...


 بشكل عام هو دقيق جدًا فيما يخص ساعات اليد ورابطة العنق، ويحب شرائهم بشكل كبير أكثر من أي شيء أخر لديه هوس نوعًا ما بهما..


وضعتها أمامه مما جعل جواد ينظر لها بعدم فهم، هي لم تفعلها وهي زوجته ستفعلها الآن؟!.


تلك الزيارة خلفها شيئًا حتما...


تحدث جواد بنبرة واضحة وحادة بعض الشيء:


-خير يا رانيا، الزيارة دي وراها إيه بقا؟!.


ردت رانيا عليه بانزعاج حقيقي استطاعت رسمه:


-عيب يا جواد تتكلم معايا بالطريقة دي، يعني أحنا ولاد عم في الأول والآخر أكيد مش هنقطع مع بعض حتى لو أطلقنا، أحنا قرايب...


عقد جواد ساعديه وأخذ يتأملها كما يتأمل كلماتها الزائفة:


-فعلا؟!.


تحدثت رانيا بجدية:


-أيوة طبعا..


صمت جواد لعدة ثواني ثم سألها بنبرة غامضة وهو ينظر لها من أسفل نظارته الطبية:


-أنتِ إيه أخبارك وأخبار شغلك صحيح ودنيتك...


غمغمت رانيا بتلقائية وهي تنظر له:


-الحمدلله الأمور كلها تمام أنا كنت هفتح فرع جديد في مول **** بس إيجاره غالي جدًا...


هنا بدأت تضح الرؤية قليلًا مما جعل جواد يتحدث بنبرة ساخرة:


-طب لو مش قد الخطوة ومش مستعدة ليها، هتاخديها ليه انتظري شوية..


أردفت رانيا بضيقٍ:


-يعني هو انتشار ليا وحساها فرصة مش هتتعوض بصراحة..


رد جواد عليها من دون تفكير:


-وطبعا جاية ليا مع الساعة علشان اساعدك..


كان يرغب في صنع تمثال لها تقديرًا لوقاحتها وهي تخبره:


-وليه لا؟! إيه المشكلة لما تساعدني؟! أنا بنت عمك، سيبك من إني طليقتك، اعتبرني بنت عمك وبس وواقعة في مشكلة ومحتاجة مساعدة منك، عمو لو كان لسه عايش مكنش أتردد لحظة أنه يساعدني..


تحدث جواد بنبرة جادة وهو ينظر لها نظرات قاتلة:


-بلاش تدخلي من ناحية بابا لأن دي أخر حاجة ممكن أصدقها منك ده أولا، وثانيا دي مش مشكلة أساعد بنت عمي فيها، بنت عمي بتدلع وجاية فاكرة أنها هتديني على قفايا ولا إني مغفل، متفتكريش أنك هطولي مني جنية إلا لو حصلت ليكي مصيبة فعلا أو مشكلة ساعتها ممكن وده هعمله لأجل صلة القرابة مش علشانك...


هتفت رانيا بانزعاج واضح وأنقلبت ملامحها المرتخية تمامًا وهي تتحدث:


-بقا كده؟!.


غمغم جواد بقوة وغضب حقيقي:


-الغريب أنك فاكرة إني هطلع الموبايل وأحولك على حسابك اللي أنتِ عايزاه، أنا مش ساذج يا رانيا ولا مغفل، أنا بس كنت بحب أريحك كونك مراتي وكل جنية أخدتيه مني كان بمزاجي علشان أريح دماغي منك من جهة ومن جهة تانية أنه يخليكي على الأقل تقدري وقفتي جنبك ولما اعوزك ألاقيكي لكن ده محصلش...


تحدثت رانيا بنبرة ساخرة:


-مكنتش اتوقع منك كده..


قاطعها جواد بنبرة جادة وهو يشير ناحية الباب:


-توقعي كده وتوقعي الاسوء من كده لو حابة، وياريت تقومي تمشي ومتخلنيش اشوفك تاني، التكية اللي كنتي عايشة فيها راحت..


نهضت رانيا هاتفة بتهكم واضح بعدما عرفت برحيل أحلام بواسطة طبيبة تعمل هنا قابلتها قبل أن تدخل إليه:


-معرفش إيه المعاملة دي يعني ما حبيبة القلب مشيت يعني مبقاش في حد.


لم يندهش من معرفتها بل تحدث ببرود:


-أصلي محبتش أكرر غلطي تاني واتجوز رانيا نمرة اتنين لأنها مفرقتش عنك كتير، امشي يا رانيا عندي عملية كمان ساعة وعايز أصفي دماغي...


-ماشي يا جواد بكرا تندم.....


رد عليها جواد بنبرة واضحة:


-مش اكتر من الندم اللي أنا فيه إني اتجوزتك في يوم من الأيام..


استشاطت غضبًا فأقتربت من المكتب وانحنت وأخذت الساعة التي أتت بها ثم رحلت...


______________


منذ المكالمة التي دارت بينهما وحديثها بأنه إذا يرغب بها، يتقدم لخطبتها وهو اختفى تمامًا..

للمرة التي لا تعرف عددها...


لم يرسل لها شيء كما لم يجرب الاتصال بها...

حتى أنه توقف عن مشاركة المنشورات على صفحته الشخصية أو ظهور أي نشاط له بأي طريقة...


عاد حمزة يختفي من جديد...

كان لديها موعد اليوم واعتذرت عنه وأخبرت صاحبته وأخبرتها بأنها سوف ترسل لها صديقة أخرى تعمل في ذات المجال وفي الحقيقة من الجيد أن الفتاة تفهمت الموقف ولم تحدث مشكلة..


هب لا ترغب في مغادرة المنزل...

 تشعر بالضيق الشديد من نفسها...

لم يكن عليها قول الأمر بمنتهى الصراحة أمامه..


تسرعت في أن تصرح برغبتها...

كان ينقصها فعليًا هو التصريح بحبه أو بإعجابها به لتكون قد أكملت أفعالها الحمقاء...


جاءت والدتها من الخارج فـ كان باب الغرفة مفتوحًا، جلست انتصار على طرف الفراش هاتفة:


-مالك قاعدة لوحدك كده ليه؟!..


تحدثت سامية بنبرة مكتومة:


-عادي مفيش حاجة..


أردفت انتصار باهتمام وهي تعقد ساعديها:


-مش كنتي بتقولي عندك عروسة النهاردة، منزلتيش يعني؟!..


تمتمت سامية بنبرة متوترة:


-أبدًا حسيت إني محتاجة ارتاح فروحت بعتها لواحدة تانية يعني والموضوع مشي..


تحدثت انتصار بتلقائية:


-في حاجة يا سامية؟!.


ارتبكت سامية قليلا وهي تسألها:


-حاجة زي إيه؟!.


هزت والدتها كتفها بلا مبالاة هاتفة:


-حاجة زي أي حاجة أنا المفروض اعرفها، بقالك فترة أحوالك مش عجباني وكل ما أسالك تقولي مفيش، قوليلي يا بنتي متخبيش عليا، أنا امك يعني احنا ملناش غير بعض...


لوهلة كانت ترغب في قص كل شيء لوالدتها لكن امتنعت ورأت بأنها فكرة غير صائبة ابدًا تحديدًا لأنه اختفى ويبدو أنه يبتعد تلك المرأة ولن يعود..


-لا مفيش حاجة يا ماما. 


تحدثت انتصار مستنكرة وهي تشير إليها:


-يعني قلبة الوش دي رباني يعني ولا إيه؟!.


أخذت سامية أنفاسها ثم غمغمت بنبرة مختنقة:


-هو مفيش أي حاجة بعملها بتعجبكم؟! قاعدة في البيت مش عاجب أبقى قالبة وشي، اخرج يبقى بخرج كتير، كل حاجة اعملها مش عجباكم..


تحدثت انتصار بعد فهم ثورتها:


-وطي صوتك بس يا حبيبتي أحنا بنتكلم، ومتعليش صوتك وأنتِ بتكلميني، أنا جاية أشوفك مالك مش علشان تهبي في وشي زي البابور...


ثم أسترسلت انتصار حديثها:


-عمك بعتلك الشهرية بتاعتك برا، وسأل عليكي قولتله نايمة...


أردفت سامية بنبرة عفوية:


-اه مهوا اتصل بيا بس مردتش..


ضيقت انتصار عيناها وسألتها بعدم فهم:


-مردتيش عليه ليه بقا؟!.


غمغمت سامية بلا مبالاة أثارت شكوك انتصار هي متأكدة من أن هناك شيء تخفيه ابنتها عنها لكنها لا تعرف ما هو وهي لا ترغب في إخبارها بما يحدث معها:


-أبدًا مليش مزاج أتكلم مخنوقة ومش عايزة أتكلم مع حد وياريت تسبيني لوحدي شوية لأني عايزة أنام شوية...


نهضت انتصار مُردفة بوعيد بسيط:


-ماشي يا سامية لما نشوف أخرتها معاكي إيه يا بنتي واعملي حسابك أنا شوية كده ونازلة رايحة لخالك....


غمغمت سامية بنبرة جادة:


-هاجي معاكي علشان أوصلك بس أنام ليا ساعة كده..


_______________


-هو أنتِ هتروحي الشغل بكرا؟!.


سألت يسرا ابنتها التي تجلس بجوارها على الأريكة هذا السؤال، فأردفت سلمى بنبرة هادئة وهي تأخذ رشفة من مشروبها الساخن..


-يا ماما ما أنا قولتلك الجيم مقفول بسبب التصليحات والحاجات اللي بتحصل غير أنهم كانوا مأجرين واحتمال ينقلوا مكانه...


تحدثت يسرا وهي تدرك الأمر:


-اه صح، أنتِ قولتيلي فعلا بس نسيت.


تمتمت سلمى بنبرة هادئة بعدما تركت الكوب على الطاولة المتواجدة أمامهما وأعادت خصلة شعرها السوداء الفارة خلف أذنيها..


-أنا كلمت أحمد على فكرة امبارح..


" أحمد "


هذا الرجل الذي يكون شقيق صديقة لها وهو من تقدم لها والسبب في عودة والدها أو لم يكن السبب الحقيقي لكنه عامل محفز...


سألتها يسرا باهتمام كبير وهي تنظر لها:


-وقالك إيه؟!.


أردفت سلمى وهي تحاول إخبارها باختصار كبير المكالمة الطويلة التي دارت بينهما:


-مفيش هو أنا فهمته وضعي مع بابا لأنه ولا كان يعرف حاجة ولا اخته تعرف؛ وبصراحة هو اتفهم الموضوع يعني وقالي خلاص أنه مش هيتصل بيه تاني ولا هيسبب ليا أي ازعاج..


تحدثت يسرا بتخمين:


-تفتكري علشان كده ابوكي اختفى ومجاش من ساعتها؟! ولما يلاقي الواد طنشه مش هيلاقي حاجة يقولها..


تمتمت سلمى بعد صمت طال لثلاثة دقائق تفكر في حديث والدتها:


-بصراحة معتقدش، أكيد بيدور على موضوع جديد لو حاجة يجي يتكلم فيها ده مش معناه أنه هيختفي بالسرعة دي مدام ظهر بعد السنين دي كلها يبقى ملهوش مكان يروحه...


هتفت يسرا بنبرة هادئة محاولة تغيير الموضوع لكن ليس كليًا:


-كنت الصبح بتكلم أنا وخالك...


سألتها سلمى بفضول:


-وقالك إيه؟!.


أردفت يسرا وهي تسرد لها تفاصيل المكالمة:


-قالي أنه مضغوط جدًا في الشغل ومش هينفع ينزل، وقالي أنه لما ينزل، هينزل مرة واحدة يعني نحدد كتب الكتاب والفرح بتاع جهاد علشان يحدد الاجازة يكون فيها، لأنه مش هينفع يجي علشان موضوع مدحت ويسافر وبعدين ينزل تاني علشان كتب الكتاب والفرح...


غمغمت سلمى بتفهم ونبرة عقلانية:


-خلاص تمام اتكلمي مع سلامة ومع بنتك وحددوا الميعاد وعرفوه علشان يظبط أموره...


تحدثت يسرا وهي تنظر لها نظرة ذات معنى:


-طب مش المفروض نتكلم معاهم كمان في موضوعك أنتِ ونضال...


ردت عليها سلمى بضيقٍ ورفض قاطع:


-مفيش كلام ومفيش موضوع متحاولوش تعملوا موضوع من الهواء، ردي عليهم إني مش بفكر في الجواز وبعدين يعني من أمته أستاذ نضال بيفكر فيا يعني ده اللي اعرفه أنه كان هو وبنت عمه شبه مخطوبين يعني وبيحبها..


عقبت يسرا على حديث ابنتها بنبرة جادة:


-يمكن ده كام كلام وبس عمر ما حد منهم قال حاجة زي كده، ولو كان في حاجة اكيد مكنوش هيجوا يطلبوا إيدك وبعدين أنا عمري ما شوفت بين سامية ونضال عمار..


صمتت سلمى لثواني ثم عقدت ساعديها هاتفة بانزعاج واضح:


-ميخصنيش عموما في عمار مفيش عمار أنا مش هتجوزه لا هو ولا غيره...


ردت عليها يسرا بنبرة واضحة:


-مش كل الرجالة أبوكي يا سلمى زي ما في رجالة وحشة في رجالة كويسة وأنا شايفة نضال شاب كويس يعني ومحترم وعقلاني كده زيك مش خفيف زي سلامة حتى...


أردفت سلمى عليها بإصرار واختناق شديد:


-ماشي أنا مش عايزة اتجوز ومش بفكر في الجواز وياريت نقفل على السيرة دي أنا هقوم ألف الخمار وانزل علشان ادي الحقنة لطنط بهية...


بينما في الداخل كانت جهاد غاضبة ترتدي إسدال الصلاة الخاص بها، وهي تحمل الهاتف بعدما قرأت رسالته النصية...


"أنا أمنية حياتي تقلعي يا جهاد".


-السافل، قليل الأدب والله ليأخذ شبكته، لا وبعتها واختفى وقفل تليفونه فاكرني مش هرد عليه، فاكرني مش محترمة ولا إيه؟! والله لاوريه.....


لفت الحجاب الخاص بالاسدال الأسود وخرجت من الغرفة..


استوقفها نداء والدتها التي لم تكن تظن بأنها راحلة ظنت بأنها سوف تؤدي فرضها:


-عايزين نكلم سلامة علشان نحدد ميعاد كتب الكتاب...


قاطعتها جهاد بقوة وغضب كبير:


-ولا نكلم ولا نحدد، ده ليلته معايا مش معدية، وهديله شبكته حالا...


-في إيه يا بنتي بس؟!...


لم تلبِ نداء والدتها وخرجت من المنزل مما جعل يسرا تتحدث بعدم فهم:


-قومي البسي الخمار يا سلمى وانزلي وراها شوفي بنت المجنونة دي رايحة فين، أنا رجلي مش شايلاني البت دي والله لاوريها على اللي هي فيه ده..


______________


-ها إيه رأيك عرفت هتعمل إيه؟!.


رد دياب عليه ببساطة:


-لا معرفتش..


تحدث نضال ساخرًا وهو يقف أمام المطعم الخاص بالمشويات الذي يمتلكوه...


-يعني إيه؟! هو أنا بقالي ساعتين بشرح وبكلم نفسي؟! وبعدين هو أنا قولت إيه غير أنك هتقعد على الكاشير وهتستلم الاوردرات بالتليفون ده أنا بعملها لما مصطفى بيتعب وقبل ما مصطفى يجي علشان كان اللي قبله بيغيب كتير...


غمغم دياب بنبرة متعالية:


-لا يا بابا أنا مش هرد على تليفونات أنا ودني بتوجعني مقدرش طول اليوم أكون حاطط تليفون على ودني بزهق ده وأنا خاطب كانت خطيبتي بتضايق...


قاطعه نضال بسخرية:


-أنتَ هتحكيلي قصة حياتك يا دياب في إيه..


تحدث دياب بنبرة هادئة:


-اه وشوف حد يرد على التليفونات أنا مبعملش حاجتين في وقت واحد، معنديش تركيز، همسك الكاشير بس ولو مش عجبك همشي ومش هشتغل..


غمغم نضال بجدية وهو يضع يده على كتف صديقه:


-عارف يا دياب أنا شوفت كتير وقليل مشوفتش حد ناقص أبوس إيده علشان يشتغل...


هتف دياب بهدوء:


-معلش اصلي بتكبر عليك عايز اشوف إحساس الواسطة علشان مجربتهوش قبل كده وبعدين أنا وسطتي مش أي واسطة أنا وسطتي أبو كريمة، المعلم زهران يعني أي حاجة مش هتعجبني هروح أقوله أو اتصل بيه، ده اللي يرص حجر لأبوك يكسب قلبه..


تمتم نضال بسخرية وهو ينظر له ويضيق عينه:


-وده من امته العمار والحب اللي ما بينكم ده؟!، أنتم كنتم عاملين زي الضراير..


عقب دياب على حديث صديقه بمرحٍ:


-زمان بقا كُنا فعل ماضي وبعدين أنا وهو بقينا سمنة على عسل من ساعة ما فكرنا نجوزك، وهنجوزك وتبقى أبو زهران الصغير أو دياب مش هنختلف...


وقبل أن يتحدث نضال، على ما يبدو صديقه يرغب في أصابته بجلطة كما يفعل شقيقه ووالده..


-أخت العروسة جت..


رفع نضال رأسه لينظر ناحية ما ينظر له دياب، فوجد جهاد تقترب منهم وهي تحمل كيس بلاستيكي أبيض ويظهر ما يتواجد بداخله مثل وضوح الشمس بأنها عُلبة مجوهرات..


تحدث دياب بنبرة خافتة لم يسمعها سوى صديقه:


-هو السَبت عند العروسة اتقطع ولا إيه؟! ولا هما غيروا الروتين..


رد نضال عليه بنبرة خافتة هو الاخر:


-التغيير مطلوب في العلاقة علشان ميزهقوش..


أقتربت منهما جهاد هاتفة بانفعال:


-أنا روحت البيت ملقتش حد يفتحلي البوابة واضح أن مفيش حد هناك ولا مرات عمك حتى هناك وروحت الجزارة عمو زهران مش موجود ولا أنتَ، وقالولي أنك هنا


تحدث نضال بابتسامة حاول رسمها تحديدًا وهو يراها تسير بالاسدال تلك المسافة التي لا تعد صغيرة يبتعد هذا المطعم عن شارع خطاب قليلًا:


-ازيك يا جهاد، هو في حاجة ولا إيه؟!.


غمغمت جهاد بنبرة مُنفعلة:


-أيوة فيه، دي الشبكة اديها لاخوك قليل الأدب اللي مش محترمني قوله إني بنت ناس ومحترمة وعيب أوي اللي بيعمله ده، اديله شبكته ومش عايزة اشوفه ولا ألمحه تاني حتى..


أردف نضال بعدم فهم ودياب كان صامتًا ويكتم ضحكة بصعوبة لا يدري لما:


-اهدي بس وتعالي اقعدي..


ردت جهاد عليه بعصبية:


-محدش يقولي أهدي...


رفع نضال بصره ليجد سلمى واقفة على الرصيف الآخر وعلى ما يبدو أنها كانت تحاول العودة حينما رأته، هي لا ترغب في أن تقابله تلك الفترة...


أشار لها نضال بأن تأتي بعفوية وتحدث:


-أختك واقفة هناك...


استدارت جهاد هي الأخرى وأشارت لها هاتفة باستنكار:


-تعالي..


جاءت سلمى مُجبرة وهي تعبر الطريق ثم أقتربت منهم هاتفة بنبرة مكتومة:


-السلام عليكم..


رد نضال ودياب في الوقت نفسه وخرج صوتهما وكأنه صوت رجلًا واحد:


-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..


وجهت سلمى حديثها إلى شقيقتها بعصبية هي الأخرى:


-ممكن افهم في إيه؟! ونزلتي كده ليه؟!!! أمك قلقت عليكي نزلتي ومفهمتيش حد في إيه؟!.


قالت جهاد بنبرة قوية:


-نزلت علشان أديهم شبكة الباشا اللي مختفي ومبيردش عليا بعد عملته السوداء.


تحدث نضال وسلمى في وقتٍ واحد:


-عمل إيه؟!..


شعرت جهاد بالخجل من إخبارهم ثم قالت بنبرة كانت على وشك أن تبكي فيها:


-أبقوا اسألوه هو عمل إيه...


هتف نضال سائلا سلمى بجدية:


-طيب في إيه يا سلمى؟!.


نظرت له سلمى وهي تتجنب التواصل البصري الصريح معه بعد كل ما حدث الأيام الماضية:


-والله معرفش، هي كانت قاعدة في أوضتها فجأة خرجت ونزلت ومفهمناش حاجة..


"جهاد!!"


كان هذا صوت سلامة الذي يأتي بعدما أصطف بسيارته أمام المطعم ثم اقترب منهم بملامح غاضبة وجامدة فهو أتى ليخبر شقيقه ما حدث معه لكنه لا يعلم ما الذي تفعله جهاد هنا:


-أنتِ بتعملي إيه هنا؟!.


قال سلامة تلك الكلمات وهو يتفحصها بحذائها المنزلي والاسدال، وهيئتها الغريبة عليها...


فـ جهاد التي تتعمد دومًا أن تكون في أشد حالاتها أناقة حتى ولو كانت ذاهبة  إلى شراء الخضروات...


غمغمت جهاد وهي تعطيه الكيس البلاستيكي ليأخذه منها بصدمة:


-بعمل اللي كان المفروض يتعمل من زمان...


قاطعها سلامة ساخرًا:


-بدل ما تكوني خايفة وقلقانة عليا علشان موبايلي اتقفل وأنا بكلمك جاية تديني الشبكة علشان اتأخرت في الرد..


ردت عليه جهاد بقوة ولم تستوعب كلماته جيدًا:


-لا وأقلق ليه بعد اللي قولته؟!..


كان الثلاثة يراقبون الحوار بفضول كبير وهذا ما جعل سلامة يرد عليها:


-قولت إيه يا بنتي؟!..


ضحكت جهاد مستهزئة:


-اه؛ كلهم بيقولوا كده برضو لما حد يواجهم...


غمغم سلامة بنبرة مُنفعلة:


-بقولك إيه أنا مش طايق نفسي الموبايل أتسرق وأنا ماشي في الشارع وخارج من الشغل وبكلمك، جه موتوسيكل خده من ايدي وروحت عملت محضر..


قاطعته جهاد بنبرة جادة:


-من أخلاقك وتصرفاتك ونيتك..


تحدث سلامة بنبرة غاضبة:


-يا بنتي متنرفزنيش...


هنا أردف نضال باهتمام:


-معلش بس لو هنزعجكم ونقطع المشكلة رقم ثلاث ألاف بتاعتكم تقول أيه اللي حصل براحة علشان أفهم؟!.


رد سلامة على حديث شقيقه بانزعاج واضح:


-يا عم كنت راكن العربية بعيد في بارك كده، وماشي في الشارع ماسك التليفون في ايدي بس كنت مش ماسكة برضو بإحكام وبكتب وبسجل ريكوردات ليها وبكلمها جه موتوسيكل في ثواني لطش الموبايل مني، ولقطت نمرة الموتوسكيل وروحت عملت محضر بس...


نظر له دياب ونضال بأسى.


عقبت جهاد على حديثه بجدية:


-الشبكة معاك ابقى هاتلك تليفون جديد يا أستاذ سلامة بقا وريح دماغك..


قاطعها سلامة بغضب كبير:


-بت أنتِ أنا ساكتلك من الصبح وعامل حساب أننا في الشارع، بقولك مسروق ومش طايق نفسي، وبعدين أنا كنت بكلمك، وبنتكلم في حوار القاعات، وبسمع الريكوردات بتاعتك وبقولك أقلعي السماعة علشان بتقعد توش ده اللي فاكره يعني ولا جيت جنبك ولا اتخانقنا إيه بقا اللي أنتِ عاملاه ده؟!!.


"طيب أنا همشي أنا"


قال دياب تلك الجملة ورحل حينما شعر بأن وجوده هنا غريبًا..


 شعرت جهاد بأن هناك دلو من الماء المثلج ثم إسكابه فوق رأسها..


كان عادة سلامة أن يرسل لها رسائل متقطعة...


"أنا أمنية حياتي تقلعي يا جهاد....


كان هناك رسالة أخرى يقوم بكتابتها بعدها..


"أم السماعة دي علشان بتقعد تزن في ودني مع صوتك ومش سامعك كويس من يوم ما جبتيها وانا مش عجباني"..


ويظن سلامة بأنه قد أرسل الأخرى..


أما جهاد عادت خطوتين إلى الوراء تحت نظرات الجميع هاتفة وهي تحاول أن تدافع عن نفسها رغم إدراكها بأنها حمقاء تحديدًا بسبب شكوته المكررة من السماعة، كيف ظنت به بأنه يقصد شيئًا أخر؟!


-أيوة ميصحش تكسر بخاطري كل شوية والسماعة اللي بحبها تقعد تقولي شيليها...


كان من نصيب سلمى الحديث تلك المرة ساخرة:


-يعني أنتِ عاملة كل ده علشان السماعة؟! والله أنا غلطانة إني نزلت وراكي من أساسه...


أردف نضال متعجبًا:


-مش ملاحظة أنك بالغتي شوية يا جهاد ده أنا قولت الواد عامل مصيبة وكنا هنتبرى منه...


تمتم سلامة بسخرية وهو ينظر إليها نظرات غاضبة:


-اهو الحمدلله شهادة الناس الغريبة أنا مجيبتش حاجة من عندي...


قالت جهاد بابتسامة مرتبكة:


-ممكن أخد الشبكة؟!.


أردفت سلمى ساخرة:


-لا متديهاش الشبكة وخلصونا والحوار ده بدل ما أحنا هنفرج المنطقة علينا كل شوية...


تمتم نضال بنبرة هادئة:


-كوني محضر خير..


صاحت سلمى مستنكرة وبعفوية شديدة وكأنها تتحدث مع شخصًا أخر غير نضال:


-هما دول نافع معاهم خير ولا شر..


غمغم سلامة وهو يمد يده بالكيس البلاستيكي إلى جهاد مرة أخرى:


-خدي الشبكة، وربنا يهديكي.


قالت جهاد برقة وهي تأخذ الكيس منه:


-حقك عليا المهم طمني حصل إيه؟!.....


قبل أن يتفوه سلامة بأي شيء تحدث نضال:


-طب ادخلوا اقعدوا بدل ما احنا واقفين كده والناس داخلة وخارجة..


غمغمت سلمى بنبرة جادة:


-هي تروح أحسن بدل ما هي نازلة بشبشب البيت بس لو عايزة تقعد براحتها أنا ماشية عندي ميعاد..


سأل نضال بعفوية شديدة وهو ينظر لها:


-رايحة فين؟!...


كررت جهاد السؤال مرة أخرى:


-استني نروح مع بعض وبعدين أنتِ رايحة فين يعني؟!..


تحدثت سلمى بحرج كبير وهي لا تعلم لما يسألها هذا السؤال ما شأنه إلى أين سوف تذهب؟!..


 لكنها أجابت كونها تتحدث مع شقيقتها..


-رايحة لطنط بهية علشان ميعاد الحقنة بتاعتها مش مروحة، نص ساعة كده وجاية...


نظر لها نضال بتفكير وهنا قالت جهاد:


-خلاص هستناكي أروح معاكي هقعد افهم حصل إيه، وقولي لماما أن مفيش حاجة وابقي عدي عليا...


____________


في صباح يوم جديد..


استيقظت سامية من النوم وأخذت تقلب في هاتفها بأعين بها بقية نوم...


لكن شيء واحد جعلها تفتح عيناها على أخرها...


رسالة من حمزة...


"ابعتيلي رقم عمك علشان أخد ميعاد وأطلب إيدك منه"


___________يتبع____________


لو وصلتم لهنا دمتم بألف خير ونتقابل في فصل جديد


 ومتنسوش الفوت والكومنت...


بوتو يحبكم💜💜



الفصل الثالث عشر من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم

#شارع_خطاب


بقلم #fatma_taha_sultan


____________


اذكروا الله.

دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.


_________________


مشكلة الناس أنهم يتوقعون من كل إنسان أن يكون مثلهم في عاداته وأفكاره وعند هذا يسمونه عاقلاً 


‏"علي الوردي"


- إن الجيل الحالي، يرى كُل شيء الآن بوضوح، وتدهشه الضلالات، ويضحك من سخافات سلفه ولكن الجيل الحالي يضحك ويبدأ بثقة في النفس وإعتداد في سلسلة من الضلالات الجديدة، سيضحك منها الخلف أيضًا فيما بعد.


- نيقولاي غوغول.


الحياة محيرة أحيانا، لابد من الحزن لكي نعرف السعادة، والضوضاء لكي نقدر الهدوء، والغياب لكي نقدر قيمة الحضور .


#مقتبسة


____________


-ما تخليكي معانا شوية يا بنتي مستعجلة على إيه بس؟!.


قالت حُسنية تلك الكلمات وهي تقف مع هدير هي وايناس التي تحمل صغيرها وابنتها تمسك في ملابسها، بينما حور تنظر لها بأعين منزعجة، حزينة، ومشفقة عليها....


لم تكن العلاقة بين حور وهدير قوية إلى حدٍ كبير كما بين طارق ودياب أو حتى إيناس وأحلام، لكنها على الأقل جارتها، وزميلة لها في أغلب الدروس لذلك ما مرت به هدير صعبًا جدًا عليها أن تتخيله...


الأثنان في المرحلة الدراسية ذاتها...


هتفت هدير بحرج كبير تحديدًا حينما علمت بمرض حُسنية التي لم تكن تعلم عنه شيئًا مُسبقًا لذلك وجودها كان حرج وازعاج كبير بالنسبة لها وتحديدًا أن الإنسان لا يرتاح إلا في منزله، غير أنها كانت السبب لمدة يومين أن يمكث فيهما دياب خارج المنزل...


-لا خلاص، أشرف جاي النهاردة ويدوبك أحضر شنطتي وألم حاجتي قبل ما يجي أنا بجد أسفة لو ازعجتكم الأيام اللي فاتت دي كلها...


هتفت حُسنية بعتاب وهي تتحدث بصوتٍ حنون:


-متقوليش كده يا بنتي وتزعليني منك تاني، ده بيتك ومفتوح ليكي في أي وقت، وأحنا هنا أهلك أي حاجة بس كلمينا واتصلي بينا...


أنتهى الحديث وأخذتها حُسنية في أحضانها تاركة قُبلة حنونة على رأسها، وبعدها فعلت إيناس الأمر نفسه وهي تعطيها قُبلة على رأسها ووجنتيها أيضًا...


 حينما أتى الدور على حور غمغمت بتردد:


-اتصلي بيا لو عوزتي أي حاجة بخصوص الدروس أنا اللي اعرفه يعني أن اخوكي ساكن في ******* ودي بعيدة عن هنا معرفش هتنقلي دروسك ولا هتيجي المهم يعني أنا موجودة لو احتاجتي أي حاجة..


غمغمت هدير بامتنان حقيقي وهي تنظر لهما بحب:


-شكرًا جدًا ليكي يا حور لو احتاجت حاجة أكيد هكلمك..


ثم ختمت حديثها وهي تنظر إلى الجميع:


-مع السلامة. 


قالت حور ووالدتها في صوتًا واحد:


-مع ألف سلامة..


وكان لـ إيناس تعقيب مختلف قليلًا:


-خلي بالك من نفسك وأنا برضو هكلمك علشان اطمن عليكي جالك ولا لسه ولا عملتي إيه، ركزي في التليفون يا حبيبتي علشان مقلقش عليكي....


ردت عليها هدير رد مختصر رغم امتنانها الحقيقي لهم:


-حاضر.


______


تدور زوجته حوله في الشقة كانت تصرخ، أنا هو يرتدي ملابسه ويتجهز للذهاب إلى شقيقته وهي لا تتوقف عن الصراخ وأن تظهر فضبها الواضح مما يحدث بكافة الطُرق...


تحدثت زوجته بـصوتٍ مرتفع للغاية:


-أنا مش موافقة على اللي بتعمله ده، وأنتَ تشيل قرفها ليه، بعد ما اختها الـ ***** سافرت من وراكم، زي ما هي شافت مصلحتها كل واحد فيكم يشوف مصلحته بلا قرف....


رد عليها أشرف وهو يستدير أثناء غلقه أزرار قميصه بانفعال طفيف لا يُنافس غضبها حتى:


-احترمي نفسك، دول اخواتي...


قاطعته زوجته ولم تعطه الفرصة حتى أن يستكمل حديثه:


-خلاص يا أبو الشهامة والرجولة هما اخواتك وأنتَ حر معاهم وتتحمل القرف، لكن أنا إيه اللي يجبرني على كده وليه حد يقيد حريتي أنا وعيالي في البيت وبعدين هي الشقة قد إيه علشان تروح تجيبلنا حد فيها؟!..


غمغم أشرف باستنكار شديد:


-هو أنا رايح أجيب ليكي راجل في البيت يقيد حريتك؟! دي اختي وبعدين عيلة صغيرة وملهاش غيرنا دلوقتي..


تمتمت زوجته بلا مبالاة ونبرة جاحدة:


-مش مشكلتي ما تقعد لوحدها إيه المشكلة يعني؟! هي أول واحدة تقعد لوحدها يعني ولا أخر واحدة ما تقعد وترضى بظروفها وخلاص، احنا اللي جاي على قد اللي رايح معناش حاجة نصرفها على حد..


تحدث أشرف بنبرة هادئة وهو يفسر لها الأمر من تلك الناحية:


-متقلقيش من ناحية الفلوس، طارق هيدفع مصاريف أكلها ودروسها وكل حاجة...


ضحكت زوجته هازئة وهي تغمغم بنبرة منفعلة:


-والله ومين هيدفع حق الخدمة اللي هخدمها من غسيل هغسله وأكل هطبخه؛ أعمل حسابك إني مش موافقة على اللي هتعمله ده لو أخوك سمعك كلمتين وخلاك توافق على اللي هو عاوزه براحتكم لكن أنا مليش دعوة بـده كله، كل واحد يشيل شيلته...


رد عليها أشرف وهو يكز على أسنانه:


-أنا رايح أجيبها والكلام خلص بقا ظبطي أمورك فترة كده لغايت ما نلاقي حل.....


تحدثت زوجته بغضب واضح:


-والحل ده هتجيبه منين وهتعمله ازاي؟! ما أنتَ عارف وأنا عارفة أن لسه سنين عقبال ما أخوك ينزل، وهو أحنا هنشيل القرف والهم ده كله سنين؟!...


غمغم أشرف وهو ينظر لها باختناق كبير بسبب الضغط التي تمارسه عليه:


-ارحمي شوية واهدي وافرضي وشك بلاش تيجي البت تقعدي ضاربة بوز قدامها واهدي شوية، أكيد هنلاقي حل...


قالت زوجته تحاول التفكير في أي حل:


-والله أنا شايفة أنكم تشوفوا ليها عريس وخلصونا من الدوشة دي وتتجوز واخوك يجهزها وخلاص......


-أنا شايف أنك تهمدي وتسكتي بقا علشان أنا قرفان  ومش ناقص قرفك اتحملي شوية...


______________


تجلس انتصار بين الخيوط المختلفة، فـهوايتها المعروفة والمفضلة هي "الكروشية" وعمل الكثير من الأشياء المختلفة، وشاح، سترة، مفرش، جورب والكثير من الأشياء الرائعة...


ها هي ترتدى نظارتها الطبية وتقوم بعمل وشاح جديد لها، وجاءت سامية من الداخل شاعرة بالحماس الرهيب، بعد رسالته تلك، كانت على وشك أن تصرخ من الفرحة، كان ردها عليه بأنها أرسلت رقم عمها فقط وشاهد الرسالة دون تعقيب...


جلست سامية على الأريكة بجوار والدتها ثم هتفت بنبرة جادة:


-ماما ممكن تسيبي اللي بتعمليه ده لأني محتاجة أتكلم معاكي في موضوع مهم جدًا...


رفعت انتصار رأسها ونظرت إلى ابنتها من أسفل النظارة الطبية:


-موضوع إيه ده؟!.


ردت عليه سامية بارتباك:


-يعني سيبي اللي في ايدك الأول وبعدين نتكلم..


تركت انتصار ما يتواجد في يدها وخلعت نظارتها الطبية ثم أردفت وهي تعقد ساعديها وتنظر إلى ابنتها:


-اهو اديني سيبت كل حاجة يا سامية، إيه بقا الموضوع المهم اللي عايزة تتكلمي فيه؟!..


تنهدت سامية وأخذت تفرك يدها بتوتر رهيب، مما جعل والدتها تهتف باستغراب:


-ما تتكلمي...


تحدثت سامية مرة واحدة دون أي تمهيد:


-ماما أنا جايلي عريس....


صمتت انتصار لدقيقتين تحاول استيعاب الأمر وما تسمعه من ابنتها وكانت ملامحها خالية من التعابير، جامدة تمامًا...


قالت سامية بتردد:


-في إيه ماما؟! بقولك جايلي عريس سكتي ليه كده؟!.


غمغمت انتصار باستغراب شديد وهي تحاول التفكير في الأمر، على ما يبدو بأن هذا سبب التغيير الذي طرأ عليها الفترة الأخيرة والتي سألتها أكثر من مرة عن السبب ولكنها لم تجيبها...


-تعرفيه منين ده؟!..


ردت عليها سامية مفسرة الأمر سريعًا:


-كان زميل ليا في الجامعة بس كان من ساعة ما اتخرجت مشوفتهوش وكده...


هتفت انتصار بنبرة منطقية وهي تنظر لها بعدم فهم:


-ومدام مشوفتهوش من ساعة ما اتخرجتي إيه اللي ظهره مرة واحدة وعايز يتقدم ليكي دي؟!..


تنهدت سامية بضيقٍ من أسئلة والدتها المتوترة ثم غمغمت:


-يعني من فترة كده اتواصل معايا عن طريق أخته كانت عروسة عندي؛ واتكلمنا مع بعض وقالي أنه عايز رقم عمي علشان يتقدملي...


-طيب.


غمغمت سامية بانزعاج واضح فهي لم تعجبها تلك الإجابة:


-وهو إيه اللي طيب ده؟! مش فرحانة يعني فرحة واحدة بنتها جايلها عريس..


هتفت انتصار بسخرية ثم غيرت نبرتها إلى أخرى منطقية:


-هو أنتِ عايزاني أقوم اتنطنط وارقص علشان جاي ليكي عريس؟! هو أول عريس يجيلك يعني؟!! وبعدين أنا معرفهوش ولا أنتِ قولتي حاجة عنه يعني لما نشوفه وكده ساعتها احكم واتكلم واقول، ولا أنتِ موافقة،!..


أردفت سامية بنبرة جريئة:


-أيوة ده يفرق معايا عن نضال وعن أي حد اتقدم ليا الفرق إني أنا عايزاه وبحبه ومش مستنية رأي حد..


صاحت انتصار بغضب وهي تنظر لها نظرة ذات معنى:


-احترمي نفسك ومتنسيش أنك بتتكلمي مع أمك مش مع واحدة صاحبتك وأنتِ مش من الشارع علشان تقولي مش مستنية رأى حد، وبعدين منين اتقدملك لما شافك علشان عملتي ميكب لاخته، ومنين تقوليلي بحبه وعايزاه؟! يعني أنتم في حاجة ما بينكم؟!..


قالت سؤالها الأخير بحدة واضحة، مما جعل سامية تهتف بنبرة متوترة ومهتزة قليلا:


-لا مفيش حاجة بينا بس أنا من زمان معجبة بيه وبحبه من ساعة ما دخلت الجامعة وبحبه من غير ما حتى يعرف، ولما صدقت انه قالي أنه عايز يتقدم ليا...


تحدثت انتصار بنبرة عقلانية:


-ماشي يا سامية هعمل نفسي مصدقاكي، ومدام خد رقم عمك يبقى استنى لما يكلمه وساعتها عمك أكيد هيجي يتكلم معانا ونبقى نديله ميعاد ونجيب خالك ممان ونتكلم معاه ونشوفه وبعدين نسأل عنه...


تمتمت سامية باندهاش وهي ترفع حاجبيها:


-يعني إيه نستنى عمي لما يجي يتكلم؟! ما نروح احنا نديله فكرة عن الموضوع الأول علشان ميبقاش مش عارف حاجة كده...


-لا الصح والأصول بتقول لما تدخلي راجل يكلم راجل متدخليش أنتِ...


زفرت سامية بضيقٍ وهي تخبرها:


-أنا شايفة نديله فكرة أحسن قبلها...


غمغمت انتصار بنبرة هادئة وهي ترتدي نظراتها حتى تعود وتستكمل ما كانت تفعله:


-أنا شايفة أنك تسمعي الكلام ولو مرة واحدة...


_________


رحلت هدير....


 فأتى دياب ليتناول الغداء مع عائلته وبعدها تجهزت حور حتى تذهب إلى الدرس وأخبرها دياب بأنه سوف يرافقها إلى المركز وبعدها سوف يذهب إلى المطعم...


وها هو يسير بجوارها في الشارع...


كانت حور عابسة إلى حدٍ كبير، مما جعل دياب يسألها بنبرة هادئة:


-إيه وراكي امتحان النهاردة ولا إيه؟!.


هزت حور رأسها نافية وهي تخبره موضحة:


-لا أبدًا النهاردة عندي مراجعة والحصة الجاية عندي امتحان على كل اللي خدناه..


سألها دياب بنبرة جادة:


-اومال إيه اللي مخليكي زي البومة كده؟!، حتى الحمدلله ماما كويسة إلى حدٍ ما بعد الجلسة الأولى الحمدلله.


هتفت حور بنبرة هادئة وهي توافقه فيما يقوله:


-أنا أكيد مضايقة بسبب ماما وفعلا زي ما أنتَ قولت الحمدلله هي كويسة، بس أنا زعلانة أوي بسبب اللي أحلام عملته وزعلانة على هدير. ...


تنهد دياب وهو يسير بجوارها متمتمًا بانزعاج لا يقل عنها، فيما يخص هدير ويخص صديقه:


-ربنا يعينها ويقويها على الفترة الجاية..


توقفت حور عن السير وفعل دياب المثل كـ رد فعل طبيعي، قالت حور بانزعاج شديد:


-أنا مش عايزة ادخل طب ولا عايزة اكون دكتورة ولا عايزة أكون حاجة.


رد دياب عليها ساخرًا:


-إيه هتقعدي في البيت يعني ولا إيه بعد ده كله؟!...


تمتمت حور بنبرة غريبة بالنسبة إلى دياب:


-كده أنا مش عايزة اكون دكتورة ولا أكون أي حاجة، ولا عايزة في يوم اتغر في نفسي لدرجة إني أعمل كده في أقرب ما ليا، لأن أحلام مكنتش وحشة كده ولا في يوم من الايام كنت اتوقع او حد يتوقع أنها تعمل كده...


كلامها كان غريب لكنه عميق نوعًا مما جعل دياب ينظر لها ببلاهة عدة دقائق يحاول قول أي شيء، أو أن يجمع رد فعل مناسب...


-مفيش حاجة اسمها حد يتغر في نفسه، لازم تثقي في نفسك ومعدنك وتربيتك، وأحلام مش نموذج نمشي عليه بالعكس هي حالة شاذة ومش من الطبيعي أن الانسان يعمل كده، متفكريش بالطريقة دي تاني يا حور، وبلاش تحطي في دماغك كده علشان مزعلش منك وبعدين أنا واثق في تربيتي ليكي، الكليات ملهاش علاقة بأي حاجة ممكن يعملها الإنسان....


ابتسمت حور له وأخذت نفس طويل ثم أردفت بنبرة هادئة:


-مش عارفة شكلي اتهبلت شوية بسبب الحاجات اللي عماله تحصل...


كان من الطبيعي أن تشعر بالتشوش، الأحداث كانت كثيرة حولها وفظيعة، أولها فقدان دياب لعمله؛ فسخ خطبته، طلاق شقيقتها، مرض والدتها، حسنًا لم يحدث لها هي شيء واضح لكنها تأثرت بهذا كله وتحاول إخفاء الأمر...


تمتم دياب بنبرة جادة وهو يضع يده على كتفها:


-ربنا يوفقك، مش مهم تكوني دكتورة ولا تكوني اللي تكونيه أهم حاجة تكوني في المكان اللي يناسبك واللي ميخلكيش تتخلي عن أي حاجة اتربيتي عليها، وتكوني في المكان اللي تنفعي نفسك وتنفعي بيه غيرك..


ابتسمت له حور ثم أردفت بفزع مرة واحدة:


-يالهوي أنا اتأخرت، الكلام خدنا........


_______________


بعد يوم طويل قضاه في المستشفى..


عاد "جواد" إلى منزله، واستوقفه حارس الفيلا حينما فتح له البوابة من أجل أن يدخل بسيارته قائلا...


"مدام رانيا جت من شوية وسابت لحضرتك ده بس مدخلتش"


أنهى حديثه وهو يمد يده بالصندوق الكرتوني التي أخذته ليلة أمس من على مكتبه بعدما أتت به....


أخذه جواد منه وعلى وجهه بسمة لا تعبر عن السعادة لكنها كانت هازئة إلى حدٍ كبير...


وضعها جواد بجانبه في المقعد المجاور له في السيارة ثم ولج واصطف بسيارته وسار بضعة خطوات حتى وصل إلى الباب الداخلي للمنزل وفتحه وولج ليجد نسمة جالسة على الأريكة وتشاهد التلفاز، ومنيرة تجلس بجوارها ويبدو أنها تشعر بالنعاس لكنها تنتظر نوم نسمة أولا...


اليوم تأخرت عن أن يعود على العشاء وأخبرهم بألا ينتظره أحد...


تحدث جواد بنبرة هادئة لكنها مرتفعة قليلًا حتى تصل لهما:


-مساء الخير..


قالت منيرة ونسمة التي تنظر له مبتسمة في وجهه؛ في ذات الوقت:


-مساء النور..


جاء جواد وأقترب من شقيقته تاركًا قُبلة على رأسها متحدثًا بنبرة هادئة وفضولية بعض الشيء وهو يجلس بجانبها:


-إيه اللي مصحيكم لغايت دلوقتي؟!...


عقبت نسمة على حديثه والبسمة لا تفارق ثغرها:


-قاعدة مستنياك..


ثم وجهت حديثها إلى منيرة هاتفة باحترام وبطئ وهي تبتسم لها بعدما استدارت بوجهها:


-أنا عايزة عصير..


اندهشت منيرة من طلبها في العادة هي من تصر عليها في أمور الطعام والشرب، لكنها على ما يبدو ترغب في أن تتحدث مع شقيقها على انفراد وفهمت منيرة الأمر هاتفة:


-حاضر يا حبيبتي..


نهضت منيرة ثم سألت جواد قبل رحيلها:


-اعملك حاجة تشربها يا ابني؟! ولا احطلك العشاء..


رد عليها جواد بنبرة هادئة:


-لا تسلمي أنا واكل وشارب كل حاجة.


ابتسمت له منيرة ثم رحلت متوجهة صوب المطبخ، هنا وضعت نسمة كف يدها الصغير والممتلئ نسبيًا على يد شقيقها متحدثة بنبرة هادئة:


-عماد كلمني النهاردة...


ما الجديد بأن شقيقها يحدثها؟!!..

يبدو أن هناك شيء ترغب في قوله...


نظر لها جواد مشجعًا أياها على الاستمرار بالتأكيد هناك شيء ترغب في قوله لن تكتفي بتلك الجملة ولم يخب ظنه وهي تسترسل حديثها بتردد:


-قالي أنه عايزني أسافر بس أنا مش عايزة..


ضيق جواد عينه وسألها باستغراب ونبرة حنونة رافعًا يده ويضعها على وجهها:


-وإيه المشكلة مش عايزة تسافري ليه؟!..


هتفت نسمة بنبرة جادة وصادقة وكانت تتوقف بين كل كلمة والأخرى:


-كده مش عايزة اسيبك وامشي مش هسافر إلا لو كنت معايا أنتَ سيبت كل حاجة وجيت قعدت هنا علشاني حتى رانيا...


رد جواد عليها بهدوء شديد لا يخرج إلا معها وأعصاب مرتخية غير مشدودة صدقًا أفضل وقت يقضيه تلك الفترة يكون معها هي فقط..


معها يشعر بأن الدنيا بخير...


-أنا مسيبتش رانيا علشانك ولا عملت كده علشان تقعدي تحملي نفسك ذنب، أنا ورانيا مينفعش نكمل مع بعض بأي شكل من الأشكال...


صمت لثواني ثم أسترسل حديثه بنبرة جادة:


-وبعدين إيه المشكلة لما تسافري وتغيري جو مع عماد؟!....


غمغمت نسمة برد قاطع:


-أنا مش هسافر من غيرك ولا هسيبك لوحدك...


تمتم جواد بنبرة هادئة بعدما جاءت منيرة وهي تضع أكواب العصير الطازج على الطاولة:


-متربطيش نفسك بيا أنا مش بيكون عندي وقت أسافر لاجازة طويلة زي دي خصوصًا أن الفترة دي عندي ضغط كبير في الشغل...


ردت نسمة عليه مرة أخرى مؤكدة ما قالته:


-مش هروح حتة إلا معاك غير كده خليني هنا.. 


صمت جواد لعدة ثواني ثم تحدث بنبرة مختصرة:


-طيب نأجل الكلام في الموضوع ده شوية؛ اشربي العصير ونتكلم بعدين كده كده لسه في وقت...


"بعد مرور ساعة كان يجلس جواد على فراشه".


يقوم جواد بالتقليب في هاتفه بذهن شارد، صدع صوت هاتفه يعلن عن اتصال من رقم غريب فأجاب..


-ألو..


جاءه صوت رانيا أفسد حالته المزاجية الهادئة نوعًا ما:


-مساء الخير يا جواد؛ غريبة أنك لسه صاحي يعني ده أنا قولت مش هترد يعني خصوصا أنك سايب المستشفى من بدري...


ما ينقصه الآن فعلا رانيا...


تحدث جواد وهو يرد عليها بسخرية:


-معلش معرفش إني المفروض اخد إذن جنابك علشان ميعاد نومي، وبعدين ده رقم مين ده؟! وبلاش تحسسيني إني متراقب وأن حضرتك عارفة كل تحركاتي...


ردت عليه رانيا بنبرة هادئة:


-أنا غيرت رقمي ومش براقبك ولا حاجة أنتَ فاهمني غلط، وأنا قولت بس أكلمك علشان اعتذرلك على اللي عملته امبارح أنا كنت متعصبة ومتوترة شوية، لكن أنا مكنش قصدي اقول كده، ولا كان قصدي أخد الهدية بتاعتك طبعا وأنا ماشية، فعديت من شوية سيبتها...


ابتسم جواد بسخرية شديدة على ما يبدو هي ترغب في أن تستعمل معه سياسة أخرى...


-مكنش له لزوم تتعبي نفسك أنا نسيت عمومًا اللي حصل مع السلامة..


أنهى المكالمة ولم ينتظر حتى ردها على كلماته...

يكفي هذا العبث والانزعاج التي تسببه له...

لقد طلقها..


ماذا يفعل أكثر؟!.

 ما السبيل حتى يتخلص منها أكثر من هذا؟!!..


____________


منذ ليلة أمس العاشرة مساءًا وحتى الآن الثامنة صباحًا وهو يعمل على "التوكتوك"...


 لا يدري لما وافق حينما أخبره صاحب "التوكتوك" بأن الشاب الآخر الذي يعمل بعده لن يأتِ اليوم فأخبره أن يستمر هو حتى التاسعة صباحًا، لم يكن يرغب في العودة إلى المنزل، لا يرغب في أي وقت فراغ يجعله يفكر فيما يحدث........


كان يسير به حتى أشارت له فتاة ما بالقُرب من الشارع الذي يقطن فيه ولم يهتم للنظر لها....


وقف من أجلها وهي ركبت دون أن تخبره إلى أين سوف تذهب ووقف دياب منتظر منها قول أي كلمة وإلى أين هي ذاهبه؟!..


 لكنها لم تتفوه بشيء غير......


-يلا..


رفع دياب عيناه ونظر ناحية المرأة ليرى الجالسة خلفه والتي لم تكن سوى ريناد:


-أنتِ رايحة فين؟! هو أي اللي يلا..


تمتمت ريناد باستغراب وهي تنظر له:


-أنتَ بتعمل إيه هنا؟!..


ألا ترى ماذا يفعل؟!

ما الشيء الغير مفهوم؟!..


تلك الفتاة أما ساذجة أو غبية ليس لها احتمال أخر في عقله...


-بأخذ التان بتاعي، ميحلاش ليا أعملتان إلا الساعة ثمانية الصبح وأنا راكب التوكتوك...


أنهى سخريته ثم غمغم بنبرة مُنفعلة بعض الشيء:


-هكون بعمل إيه يعني شغال على التوكتوك ممكن تقوليلي رايحة فين؟!..


أجابته ريناد ببساطة رغم اندهاشها الكُلي من عمله الجديد؛ لما لا يعمل في مكان أخر يشبه عمله السابق؟!...


 كانت ساذجة بـ حق، هي لم تحتك يومًا بـسوق العمل لا تعلم كيف يسير ولكنها تظن بأنه يمكنه إيجاد عمل أخر بسهولة:


-رايحة محطة المترو، بس ياريت بسرعة علشان أنا متأخرة...


سار دياب نحو محطة المترو بصمت يسيطر على الأجواء بينما ريناد كان الهاتف بين يديها تراقب التعليقات التي أتت على مقاطعها الأخيرة...


"أنتِ طريقة كلامك مستفزة بشكل رهيب"


"إيه المنتجات والأسعار وطريقة الكلام اللي مش ماشية مع عفش بيتكم دي؟!".


"طبعا الحاجات دي جيالك هدية مهوا اللي زيك هتجيب الحاجات دي منين وطالعة تعملي بيهم ميكب، اهو دول اللي اسمهم بلوجر، شحاتين لقوا فجأة حتة لحمة"


كانت ثلاثة تعليقات كافية حتى تفسد يومها رغم أن هناك العديد من التعليقات الإيجابية لكن تلك الثلاثة كانت مزعجة إلى حدٍ كبير...


 أما دياب كان يشعر بالغيظ الشديد، من يصدق أن سبب تركه لعمله والتي يظهر من أنها من طبقة عليا تختلف عن طبقة قريبة والدها تمامًا أن تقطن في بنايته....


وها هي تجلس في التوكتوك الذي يعمل عليه، غريبة تلك الدنيا متغيرة، بـشكل غير مفهوم.....


-أنتِ بتعملي إيه هنا؟!.


سألها دياب هذا السؤال بعفوية شديدة لترفع ريناد رأسها وتنظر عليه بأهدابها الكثيفة وبشرتها الصافية إلى حدٍ كبير من المنتجات التي تقوم باستخدامها والتي استمرت عليه وجعلت زينب تقابلها وتعطيهم لها....

 كانت جميلة ورقيقة إلى حدٍ كبير...


تحدثت ريناد بعفوية شديدة:


-هكون بعمل إيه؟! راكبة معاك في التوكتوك علشان توديني المترو..


قاطعها دياب مستنكرًا من هذا الغباء:


-أكيد مش بسأل على كده، بسأل يعني أنتِ ليه قاعدة مع بهية...


هتفت ريناد بنبرة تلقائية وكئيبة:


-بتعاقب، حتى مش بيتي بس اللي اتغير لا جامعتي كمان وعربيتي مبقتش معايا، ولا تليفوني حياتي اتقلبت..


لا تدري أي نوبة ضحك انتابته وهو يسمع كلماتها، أنه لشيء عجيب حينما ترى بأن شخص تم عقابه...


وعقابه أن يعيش في منطقتك وحياة تشبه حياتك، أنه شيء عبثي من الدرجة الأولى والغريبة أنه لم يكن يسخر منها تلك المرة ولكنها انزعجت هاتفة....


-طبعا تلاقيك مبسوط، وشمتان فيا، أو شايفني واحدة مُرفهة...


توقف دياب عن الضحك مقاطعًا أياها بنبرة جادة:


-اشمت فيكي يا ستي ليه وأنا مالي...


ردت عليه بنبرة جادة:


-علشان اللي عملته فيك....


غمغم دياب بكوميديا سوداء:


-والله الدنيا عملت معايا الصح أكتر منك وبعدين يعني متقلقيش أكيد أنتِ اللي عملتي مصيبة أكيد..


أردفت ريناد كاذبة:


-معملتش حاجة، ومفيش حاجة تستحق أن يحصل فيا كده..


رد عليها دياب بشرود وهو ينتبه إلى طريقه وليس لها:


-الله أعلم..


-مامتك عاملة إيه دلوقتي بدأت جلسات؟!..


كاد أن يتوقف في منتصف الطريق بسبب هذا السؤال ولكنه رد عليها بنبرة جادة وهو يستكمل سيره:


-وأنتِ عرفتي منين؟!...


لم ترد إخباره بأنها كانت تسترق السمع له ولشقيقته من الشرفة ولكنها عقبت بكذبة بسيطة:


-من نينا بهية..


صمت لثواني ثم رد عليها هاتفًا:


-الحمدلله بخير بدأت اول جلسة...


-خير ان شاء الله..


-ان شاء الله خير...


ثم أسترسل دياب حديثه بنبرة شبة ساخرة فهو لا يرغب بأن يكون الحديث جيدًا بينهما:


-وتمشي وترجعي لحياتك قريب...


-يارب..


بعد دقيقة تقريبًا توقف دياب قُرب محطة المترو مغمغمًا:


-وصلنا...


هبطت ريناد هاتفة وهي تمسك حقيبة يدها التي كانت مفتوحة من الأساس وجذبت أنظار دياب:


-ها عايز كام؟!...


رد عليها دياب بنبرة عادية:


-اللي تدفعيه..


غمغمت ريناد بنبرة مرحة:


-مفيش خلي؟!..


تمتم دياب وهو ينظر لها بسخرية:


-وإيه فائدة خلي مدام كده كده هأخد منك، أنا مبحبش الكلام ده، يلا خلصي علشان أروح انام..


أخبرها بأن تدفع ما تدفعه كل يوم، فأخرجت ريناد محفظتها من الحقيبة ثم أخرجت منها عدة ورقات بالنظر يمكنك معرفة أنهم يتخطوا الخمسمائة جنية مما جعله يعقب هاتفًا بنبرة متهكمة:


-هو أنتِ عبيطة ولا بتستهبلي؟!...


ضيقت ريناد عيناها ونظرت له بغضب هاتفة:


-وليه الغلط ده أنا عملت إيه دلوقتي؟!.


تحدث دياب بعدم فهم وثورة واضحة:


-في واحدة تبقى لازقة في التوكتوك كده اللي هو شوية وهتقعدي جنبي ومطلعه الفلوس اللي معاها كلها علشان تحاسب التوكتوك وماسكة الموبايل بالايد التانية كده ما تعلقي يافطة تقولي للناس اسرقوني شكرًا..


سألته ريناد بنبرة جادة وعفوية:


-اومال أعمل إيه يعني مش بطلع الفلوس علشان أحاسبك..


وضع دياب يده على وجهه هاتفًا وهو يحدث نفسه لكن صوته مسموعًا إلى حدٍ كبير:


-هو يوم باين من أوله أول وأخر يوم اطبق على التوكتوك ده....


أبعد يده عن وجهه لتتأمل هي قسماته وملامحه الرجولية، المنحوتة والواضحة ولحيتة المصففة بعناية رغم كل شيء..


غمغم دياب موجهًا حديثه لها وهو ينظر لها:


-الموبايل تحطيه في الشنطة أو في جيبك؛ الفلوس تتحط في الشنطة بالمحفظة وتخلي مئة جنية مثلا أو الفكة برا في سوستة لوحدهم متخليش فلوسك كلها في مكان واحد وتطلعيه بالشكل ده، بدل ما تلاقي في مرة حد لطش منك المحفظة وجري بالتوكتوك...


حديثه بدأ منطقيًا نوعًا ما في نظرها فهزت رأسها موافقة وفعلت ما طلبه منها ووضعت المحفظة في الحقيبة بعدما أخرجت مئة جنية منها فقط وقدمتها له هاتفة:


-هات ثلاثين بقا، وبليز بلاش فلوس قديمة بحبها جديدة......


سألها دياب بجدية وغضب واضح:


-أنتِ عايزاني اديكي ثلاثين جنية من المئة؟!.


هزت رأسها بإيجاب:


-أيوة..


-جتك أوه.


ثم رفع يده وهو يدعي ربه أن يخلصه منها هاتفًا:


-يارب ارحمني منها يارب...


صرخت ريناد في وجهه هاتفة بانزعاج واضح:


-أنتَ مش عاجبك حاجة صح؟! قولتلي ادفعي زي ما بتدفعي وبقولك خد سبعين وهات ثلاثين مش عاجبك، أنا دفعت امبارح كده..


تحدث دياب بعدم تصديق:


-أنتِ كل يوم لما بتركبي توكتوك بتدفعي سبعين جنية؟!.


ردت عليه ريناد بجدية رغم إدراكها بأن هناك خطبٍ ما لا يعجبه:


-أنا دي تاني مرة اركب توكتوك علشان متأخرة في العادة بمشي او بركب تاكسي أو أوبر، بس امبارح الداتا كانت خلصانة فركبت توكتوك وخد سبعين جنية مني بس...


-أنا هاخد خمسين بقا..


ابتسمت ريناد في وجهه متمتمة:


-أنتَ رخيص جدًا..


نظر لها دياب نظرة كادت أن تحرقها ثم تنهد وهو ينظر لها:


-الراجل استغفلك مهوا واحدة شنطتها مفتوحة ومطلعه قدامه كل الفلوس اللي في شنطتها هيقولها إيه يعني؟!..


ابتلع ريقه ثم أسترسل حديثه مغمغمًا:


-المشوار ده يدفع في خمسة جنية لو راكبة مع ناس يعني النفر بخمسة، لو راكبة لوحدك خمسة عشر جنية يوم ما تقولي اضحك عليكي بيأخد منك عشرين أو خمسة وعشرين لو هو ابن حرام وراكبة لوحدك، أكتر من كده تصوتي وتتخانقي وتلمي عليه الشارع......


نظرت له ريناد بـغضب:


-يعني أنا اضحك عليا؟!..


-تخيلي؟! الغريبة أنك فاكرة أنه لسه واخدة بالك أنه مضحوك عليكي، ده أنتِ اللي بتعاقبي نفسك مش أهلك اللي بيعاقبوكي فوقي كده ومتخليش حد يضحك عليكي...


غمغمت ريناد بنبرة جادة وشعر بأن الدموع ترقرقت في عيناها:


-ماشي معاك حق خلاص أنا كده فهمت ومحدش هيضحك عليا تاني، خد بقا وهات ثمانين...


تمتم دياب بهدوء:


-مش عايز منك حاجة، خلاص خليها عليا المرة دي، والمرة الجاية هاجي أخد منك السبعين جنية ده أنا أوصلك كل يوم على كده أنتِ لوحدك بدورين تلاتة............


ضحكت ريناد ثم غمغمت بنبرة مختنقة:


-يعني كده هدفع ولا لا علشان محسش إني مشيت وهي عزومة مراكبية زي ما بتقولوا.....


قال تلك الكلمات بعدما راقب انزعاجها الواضح حينما أدركت بأنها مغفلة وتعرضت لنصب واضح، ولذلك لم يرغب في أن يزيد الأمر  عليها:


-لا مراكبية إيه؟! أنتِ بتدفعي سبعين جنية في التوكتوك يلا امشي شوفي أنتِ رايحة فين نهارك أبيض.....


ابتعدت ريناد بعدما غمغمت ببساطة:


-باي...


كان من نصيب دياب....

أن يقود "التوكتوك" ويذهب إلى تسليمه وبعدها إلى المنزل، ينام بضعة ساعات قليلة ويذهب إلى المطعم لاستلام عمله الآخر.......


____________


-لا مش عاجبني خليها تأخدهم هي....


قالت سلمى تلك الكلمات وهي تتفحص الملابس التي أتت بها والدتها، هي لا تقوم بتجهيز ابنتها الصغرى فقط بل تفعل هذا مع سلمى لكن الفارق الوحيد بأن سلمى لا يعجبها أي شيء وتظهر تمردها واستيائها الواضح...


تمتمت جهاد بنبرة مرحة:


-معلش يا ماما خلاص هاخدهم أنا أصل سلمى مش هتتجوز بلبس عادي كل لبسها هيكون sport...


ضحكت سلمى بسخرية وهي تنظر له بعدما قذفتها بالوسادة:


-إيه يا بت العسل ده، خليكي في نفسك بقا...


ثم وجهت حديثها إلى والدتها بغضب:


-عطلتوني وأنا بتمرن القعدة معاكم كسل رهيب يارب الجيم يفتح تاني بقا..


تحدثت يسرا بانزعاج واضح:


-بس أنتِ وهي، أنا جايبة ليها وجايبة ليكي متقعدوش توشوا جنب ودني أنا هقوم أصلي العصر أحسن...


كانت ترتدي الإسدال وهي تتحدث معهما، لكن قرع الجرس، فذهبت يسرا لتفتح الباب ووجدت أمامها أخر شخص ترغب في وجوده...


وهو مـــدحـــت...


-إيه اللي جابك؟!..


غمغم مدحت وهو يدخل دون إذن:


-جاي اشوفكم وفي موضوع عايز اتكلم فيه معاكم...


كانت سلمى جالسة في مكانها لم تتحرك ولم تثور كما كانت تفعل أما جهاد انقلبت ملامحها هاتفة باختناق:


-إيه اللي جابك تاني هو أنتَ بتختفي كام يوم وترجع تظهر من تاني؟!...


تحدث مدحت ببراءة شديدة وهو يجلس على المقعد:


-أنا حبيت اسيبكم كام يوم تهدوا كده علشان متحصلش مشكلة زي المرة اللي فاتت أنا برضو أخاف على سمعتكم الصويت والخناق مش حلو علشانكم وجاي أتكلم معاكم بالهدوء أهو... 


الغريب أن يسرا كانت على وشك الاعتراض وكذلك جهاد لكن سلمى قالت بنبرة هادئة ورزينة عكس العادة أو الحالة التي تنتابها حينما تراه:


-اتكلم عايز تقول إيه؟!...


أردف مدحت بحماس من هدوء سلمى تحت نظرات يسرا التي تحاول أن تفهم الوضع:


-أنا جايب ليكي عريس بقا لُقطة المرة دي....


سألته سلمى بخبثٍ وهي تنظر له:


-والعريس الاولاني يعني راح فين؟! مش كنت من أسبوع باين بتقول هيجوا بعد يومين مسمعناش منك خبر يعني..


توتر مدحت ولم يجد إخبارها بأن الرجل اختفى ولم يقوم حتى بالحديث معه، لكن لحسن الحظ هو وجد الفرصة الذهبية، وكيف ألا تكون؟!..


حينما يشاركه اين عمه ويقوم بتزويج ابنته إلى ابنه سوف يشاركهم في تجارتهم كما وعده بالمبلغ البسيط الذي يتواجد معه...


قريبه يريد تزويج ابنه الذي يعمل في السعودية إلى فتاة هنا تصبح زوجة وتكون مع عائلته وتجبره على العودة، ويرغب في أن تتم الزيجة سريعًا قبل أن يسافر ابنه مرة أخرى، ورأى صورتها التي تتواجد مع ابنة عمها التي أتت إلى خطبة جهاد وألتقطت صورة معهم وأعجب بها...


تحدث مدحت بارتباك:


-يعني مكنش داخل دماغي أوي ومكنش من طرفي يعني، فأنا جيبت لك عريس إيه لقطة ابن عمي هو ابنه بقا وقبل ما ترفضي هما قدامهم ساعة وجايين وشوفيهم صدقيني جوازة متحلميش بيها..


هو يضعها أمام الأمر الواقع إذن!!

لكن هل هو يقدر أن يتحمل عواقب هذا الفعل؟!!


تحدثت يسرا بانزعاج شديد وهي توجه حديثها لها


-خليك في نفسك يا مدحت وقوم خد بعضك وامشي لو فعلا مش عايز مشاكل، بنتي مش هتتجوز أي حد من طرفك ومش هتتجوز غير اللي هي عايزاه..


قال مدحت بخوفٍ واضح استطاعت سلمى الشعور به، من أن يكون بين أقاربه في موضع حرج إذا لم يوافقوا على مقابلتهم......


-أنا قولت إيه بس؟! أنا بقول تقعد معاه ويشوفها وتشوفه هو أنا قولتلها هنكتب كتابكم...


قبل أن يسترسل حديثه غمغمت سلمى بنبرة هادئة ومسالمة جعلت الجميع ينظر لها باستغراب ففغر فاه جهاد وهي تنظر لها:


-تمام يدوبك نقوم نروق البيت ونجهز مدام جايين.


سألها مدحت بفرحة حقيقية وقد لمعت عيناه وقتها:


-بتتكلمي بجد؟!..


هزت سلمى رأسها مؤيدة:


-أيوة بتكلم بجد مفيش مشكلة لما أقعد معاهم ونشوف انزل بقا على القهوة اقعد تحت لغايت ما نروق الدنيا وابقى اطلع معاهم..


هنا تغيرت ملامح مدحت هاتفًا بشكٍ:


-اوعي تكوني بتقولي كلام وخلاص وغرضك تمشيني وتحرجيني مع الناس...


هزت سلمى رأسها نافية وهي تخبره:


-لا والله هقعد مع الناس...


تحدثت يسرا بعدم فهم:


-أنتِ بتعملي إيه أو بتقولي إيه؟!...


قالت سلمى ببراءة وكلمات لم تدخل في عقل والدتها التي تعرفها جيدًا بينما مدحت قام بتصديق الأمر:


-مدام خلاص اداهم ميعاد وجايين كمان ساعة يبقى هما ضيوف لازم نكرمهم ونستقبلهم خصوصًا أننا قرايب...


تحدث مدحت بنبرة هادئة والابتسامة لا تفارق وجهه:


-ربنا يكملك بعقلك يا بنتي يارب....


بعد مرور ساعة ونصف..


 كان بالفعل أتى مدحت ومعه ابن عمه وولده؛ وزوجته، أما يسرا كانت غير راضية عما يحدث تمامًا صامتة لا تفهم ما الذي تنوي عليه ابنتها.....


بينما في الغرفة كانت سلمى تقوم بلف خِمارها تحت مراقبة جهاد لها التي تشعر بالصدمة والدهشة مما تفعله شقيقتها...


-هو أنتِ بجد هتخرجي تقابليهم؟!...


-ايوة، واتفرجي واسكتي.


تحدثت جهاد بعدم فهم:


-اتفرج على إيه؟!.


-على اللي هعمله في أبوكي قدام قرايبه اللي أنا متأكدة أنه راسم عليهم راسمه تانية خالص لأن طول عمرهم في وداي وهو واخوته في وادي تاني...


أنهت حديثها وانتهت مما تفعله بعدما أرتدت أكثر ملابسها أناقة وخرجت لتجلس معهم تحت نظرات والدتها الصامتة بينما والدها هو من رحب بها.....................


"أهي العروسة جت أهي".


جلست سلمى وكان في البداية التعارف بينهما طبيعي، إلى أن تحدثت والدة الشاب:


-ما شاء الله أحسن من الصورة ألف مرة كمان قمر..


ردت عليها سلمى بحياء:


-تسلمي يا طنط..


غمغمت المرأة بترحاب واضح رغم شعورها بأن والدة العروس غاضبة أو هناك شيء بها:


-هتكوني زي بنتي بالظبط ربنا مرزقنيش إلا بـ ياسر ابني وأنتِ هتكوني بنتي التانية..


قالت سلمى بنبرة غريبة:


-يعني إيه مش فاهمة؟!..


ضحكت المرأة ثم أردفت بنبرة هادئة:


-بعد الجواز ان شاء الله، مهوا أنتِ هتكوني عايشة معايا في البيت واهو نونس بعد طول ما ياسر مسافر...


نظرت سلمى إلى المدعو بـ ياسر ونظرت إلى والده والجميع تقريبًا:


-هو واضح أن في سوء تفاهم...


تحدث والد الشاب بعدما وضع فنجان القهوة على الطاولة:


-سوء تفاهم إيه يا بنتي بس ده احنا لسه بنقول يا هادي وبنتعرف...


ابتسمت لهم سلمى هاتفة بثبات غريب تحسد عليه:


-أنا اتقرأ فاتحتي على أخو خطيب اختي، بابا مقالش ليا سبب الزيارة، الحقيقة أن هو لسه راجع لو مكنتوش تعرفوا هو لسه راجع بعد أكتر من عشر سنين سابنا فيهم ومنعرفش عنه حاجة ولا هو يعرف عننا حاجة واللي ربتنا أمنا وبس، أنا كنت فاكرة أنكم جايين تصلحوا ما بينا مش أكتر...


تحدث الشاب أخيرًا المدعو بـ ياسر هاتفًا:


-يعني إيه اللي بتقوليه؟!.


ردت عليه سلمى ببساطة:


-زي ما سمعت للأسف هو ميعرفش حتى بنته مخطوبة ولا لا...


نهض ياسر هاتفًا بغضب واضح:


-يلا يا بابا، يلا يا ماما..


نهض والده ووالدته ثم هتف ابن عم مدحت وهو ينظر له الذي كان قد ابتلع لسانه:


-لينا كلام تاني بعدين يا مدحت احنا مش عيال صغيرة علشان تجيبنا نتهزق بالشكل ده..


ردت عليه سلمى التي نهضت هي الأخرى:


-معلش غلطتك أنك وثقت في حد ساب مراته وعياله وهج من غير سبب، وساب بناته تربيهم أمهم، ولو مكنش قالك المعلومة دي اديني بعرفك بلاش تأمنه على أي حاجة لأن أكيد كان له مصلحة في الحوار ده.........


_____________


يجلس زهران في شرفة منزله أمامه كوب الشاي على الطاولة، وبين يده خرطوم الأرجيلة...


وكانت شرفة المنزل تطل على الجزارة الذي يجلس بها نضال الذي يتمم على ما يحتاجه من لحوم إلى المطعم....


و على يده الأخرى هاتفه يشاهد بعض المقاطع بشكل عشوائي، ومرة واحدة وجد سامية تدخل الشرفة، فـ فتح لها سلامة الباب وحينما سألت عن عمها أخبرها بأنه في الشرفة فولجت إليه..


ترك زهران الهاتف وابتسم في وجهها هاتفًا..


-أهلا يا بنتي تعالي اقعدي عاش من شافك ولا بتردي على تليفون ولا غيره..


ابتسمت سامية على مضض وجلست متوترة تحاول إيجاد مُبرر:


-يعني كان عندي برد وكده وتعبانة شوية الفترة اللي فاتت..


لم يصدق زهران كلماتها ولكنه سحب نفس من الأرجيلة متمتمًا بنبرة هادئة:


-ألف سلامة عليكي يا بنتي، ودلوقتي عاملة إيه؟! 


ردت عليه سامية باقتضاب:


-الحمدلله أحسن كتير، الله يسلمك يا عمو...


ابتسم لها زهران ثم أردف بنبرة هادئة حينما وجدها صامتة:


-أخلي سلامة يعملك شاي؟! تشربي حاجة؟!..


هزت سامية رأسها نافية ثم ابتلعت ريقها بارتباك شديد فـ والدتها لم تنفذ ما تريده وأخبرتها بأنها لن تصعد وتتحدث معه في شيء، لذلك قررت أن تفعل هي تحديدًا حينما أرسل لها حمزة رسالة لها اليوم يخبرها أن تمهد إلى عمها الأمر، وها هي تتحدث:


-لا شكرا ملهوش لزوم يتعب نفسه أنا اصلا طالعة علشان أكلم حضرتك في موضوع كده...


هتف زهران مشجعًا أياها:


-اتكلمي يا بنتي في إيه؟!.


قالت سامية دفعة واحدة:


-في واحد زميلي كلمني وطلب رقمك..


رد زهران عليها:


-إيه عايز عجل ولا خروف؟! وزميلك ده يكلمك ليه؟!..


لم يعجبها رده الساخر لكنها ظلت هادئة للنهاية متحدثة  وهي توضح له:


-اخته حجزت معايا يوم فرحها وشافني هناك، وبعدها اتواصل معايا وعايز رقمك علشان يتقدملي وأنا اديته رقمك علشان يكلمك وحبيت أعرفك يعني اللي حصل..


رمقها زهران بنظرات غامضة بالنسبة لها لم تفهمها جيدًا أبدًا، وتحدث بنبرة عملية:


-والأستاذ شغال إيه بقا؟! وتعرفي عنه إيه؟!....


غمغمت سامية بتوتر كبير لم تكن تظن بأنها سوف تشعر به:


-يعني مش عارفة تفاصيل أوي بس اللي عرفته من اخته أنه عنده كافية تقريبًا...


قاطعها زهران بجدية:


-على العموم مش هو خد رقمي وهيتصل يبقى خلاص بلاش نسبق الأحداث وساعتها هتكلم معاه ونخليه يجي وهسأل عنه بلاش نتكلم في حاجة لسه محصلتش..


رغم انزعاجها من أن تعقيبه لم يختلف كثيرًا عن والدتها لكنها أردفت بنبرة مطيعة:


-ماشي أنا على العموم بس حبيت أعرفك اللي حصل..


-ماشي يا حبيبتي..


نهضت سامية من المقعد هاتفة:


-أنا هنزل بقا علشان رايحة أنا وماما عند خالو...


رد عليها زهران وهو يحافظ على البسمة فوق وجهه:


-ماشي يا بنتي ابقي سلمي عليه، صحته عاملة إيه دلوقتي؟!..


غمغمت سامية بنبرة جادة:


-يعني صحته أحسن كتير الحمدلله..


-الحمدلله...


ختمت حديثها:


-يلا مع السلامة.


-مع السلامة يا سامية..


رحلت سامية ولم تخرج من الشقة فـمر سلامة بجانبها  أثناء خروجها حتى يدخل إلى الشرفة هاتفًا بحماس والهاتف الجديد بين يديه:


-الحق يا بابا...


تحدث زهران بنبرة ساخرة:


-في إيه هتقطع خلفي...


رد سلامة عليه ساخرًا:


-هو أنتَ لسه عايز تخلف؟!.


-أفرض نفسي هفتني إني أخلف أنتَ مالك أنتَ، وبعدين ألحق إيه وفي إيه؟!!.


غمغم سلامة وهو يخبره بما أتى من أجله:


-سلمى وافقت على نضال أبوها كان جايب ليها عريس والعريس لسه ماشي جهاد بتقولي قالت قدام الناس أنها موافقة على نضال....


لم يكن لا سلامة ولا حتى زهران مدركين بأن سامية لم تغادر بعد واستمعت إلى حديثهم تقريبًا...


بينما هذا يحدث كان في منزل يسرا...

صدع صوت صفعة على وجه سلمى من قِبل والدها "مدحت" الذي أخذ يصرخ بهسترية:


-أنا غلطان إني صدقتك، وصدقت أنك هتحترمي نفسك فضحتيني قدام قرايبي، حسبي الله ونعم الوكيل فيكي...


جاءت جهاد من الداخل بعدما كانت تراسل سلامة، ووقفت بينه وبين سلمي وكذلك يسرا التي صرخت في وجهه..


-أنتَ اتجننت بتمد إيدك على بنتي والله لاوريك يا مدحت...


تحدثت سلمى بنبرة جادة وهادئة إلى حدٍ كبير وكأنها لم تتلقى صفعة للتو لكن رُبما ما يصبرها بأنها تجده بتلك الحالة هذا يعني أنها نجحت:


-الغريب والله أن صدقتني وصدقت أن هيكون ليك كلمة عليا، أو إني هقابل ضيوفك وهتجوز على مزاجك، ولعلمك يكفيني أنك اتفضحت قدام قرايبك اللي ميعرفوش حقيقتك؛ أنا مش هتجوز ولا عايزة اتجوز وأنتَ السبب...


أخذ مدحت يحاول إبعاد جهاد ويسرا من طريقه وتعالت صراخاتهم لكن أنقذهم صوت هاتفه ليخرجه من جيبه بلهفة ظننًا منه بأن المكالمة تأتي من والد ياسر..........


هو يرغب في تصليح الأمر قدر المُستطاع...


لكن كان الاتصال من رقم غريب، فأجاب مدحت بغضبٍ:


-ألو...


جاءه صوت زهران:


"أبو سلمى معايا؟!"..


اندهش مدحت من هذا التعريف ولكنه عقب بهدوء ظاهري:


-أيوة مين معايا؟!..


"أنا المعلم زهران، حبيت أتصل بيك زي ما اتفقنا علشان أعرف رد عروستنا على طلبنا"..


نظر لها مدحت بغيظٍ وهو يهتف ناظرًا لها بتحدي:


-العروسة موافقة ومستنيكم في أي وقت نحدد ميعاد وتيجوا يا معلم زهران......


هنا خرجت عين سلمى من مكانها!!!

لما يتحدث زهران في هذا الوقت تحديدًا؟!.....


_________


في الشرفة...


وضع زهران الهاتف على الطاولة متمتمًا:


-نروح نحدد ميعاد كتب كتابك أنتَ وجهاد ونقرأ فاتحة سلمى ونضال..


نهض زهران من مكانه وهتف بصوتٍ جهوري وهو يستند على السور الحديدي:


-نــضــال، واد يا نـــضـال....


كررها أكثر من مرة وهنا رفع نضال بصره إلى والده بعدما كان يتحدث مع أحد الشباب وهو ينظر له بعدم فهم...


يشير له بيده يسأل عما يحدث....


تحدث سلامة بقلق مما يحدث وهو يقف بجواره:


-أنتَ بتعمل إيه يا بابا، أنا شكلي لازم ألحق استخبى استرها علينا يارب...


تحدث زهران بنبرة مرتفعة رنت في أرجاء الشارع بأكمله:


-عروستك وافقت يا عريس، ألف مبروك يا حبيبي...............


_________يتبع__________


لو وصلتم لهنا دمتم بألف خير ونتقابل في فصل جديد ان شاء الله💜💜


متنسوش الفوت والكومنت .


بوتو يحبكم...


الفصل الرابع عشر من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم

#شارع_خطاب


بقلم #fatma_taha_sultan


____________


اذكروا الله.

دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.


_____________________


- اختصرها أدهم شرقاوي حين قال:

تعلَّم أنْ تُفارِق! العَلاقاتُ الّتي انتَهَتْ كأنَّها قُبورٌ، والقُبورُ لا تُنبَشُ ومَن صارَ وراءَ ظَهرِكَ فدَعْهُ وراءَ ظَهرِكَ

لا تَكُنْ أَسيرَ ماضِيكَ...


ولا تَترُكِ البَابَ مُوارَبًا حتّى لا يُغرِيكَ بالرُّجوعِ، المعارِكُ الّتي لا طائِلَ مِنها تَستنزِفُكَ، فأَدِرْ ظَهرَكَ، الصَّداقاتُ الّتي تَنقُصُ مِن قَدْرِكَ لا تَلزَمُكَ، فتعلَّم أنْ تُفارِقَ!


والأَماكِنُ الّتي تَقتُلُ فيكَ شَغَفَكَ تُطفِئُكَ، فتعلَّم أنْ تُغادِرَ


#مقتبسة


‏يُؤجر المرء على سعيه، لحظاته الصعبة، صمته الطويل، يُؤجر على يقينه بالله، رغم استحالة الاسباب لكنه متيقن بأن كل شيء سيكون على ما يرام..


#مقتبسة


______________


رحل مدحت تاركًا أياهم بعدما أخبر زهران بأنه سوف يُحدد موعد ويخبره بأن يأتي فيه من أجل قراءة الفاتحة وتحديد موعد عقد القرآن الخاص بـ جهاد وسلامة..


كانت سلمى واقفة في مكانها بعد رحيله لا تعلم ما الشعور الذي يسيطر عليها، هل يجب عليها أن تشعر بالألم النفسي بسبب الصفعة التي تلقتها منه؟!

أم يجب عليها أن تشعر بالسعادة لأنها أفسدت صورته عند أقاربه؟!.....


لا تعلم حتى...


 هل يجب عليها أن تنزعج بسبب دخولها في أمر نضال مرة أخرى؟!..


كان سؤال واحد يأتي على عقلها وقالته بصوتٍ مرتفع أمام والدتها وشقيقتها:


-ليه عم زهران اتصل دلوقتي تحديدًا وبابا هنا، اشمعنا؟!!!...


رفعت يسرا رأسها التي تجلس على الأريكة بجوار جهاد وكلاهما يتملكهما الصمت....


لكن كالعادة لم يدوم صمت جهاد طويلًا وهي تعترف على ذاتها متحدثة بنبرة خافتة لكنها مسموعة نوعًا ما:


-أنا اللي كنت بكلم سلامة وقولتله في وسط ما بكلمه أن كان جايلك عريس يعني وأنك قولتي كده..


سمعت سلمى كلماتها ولكنها هتفت بعدم تصديق وهي تنظر لها:


-أنتِ بتقولي إيه؟!.


نهضت جهاد مغمغمة بتردد وهي تنظر لها بحرج شديد:


-والله مكنش قصدي ومكنتش أعرف يعني أنه هيقول لعم زهران في ساعتها وأنهم هيتصلوا وبابا هنا؛ أنا كنت بتكلم بعفوية...


صرخت سلمى بغضب كبير:


-ليه عملتي كده ليه؟! يعني مكنش باين إني بقول الكلام ده وخلاص في لحظتها، روحتي جريتي تعرفيه ليه؟!..


قالت جهاد بجدية وهي تناظرها بارتباك:


-لا أنا افتكرتك بتتكلمي بجد والله..


رددت سلمى كلماتها بغضب واستهزاء حتى أن صوتها كان مرتفع بـشكلٍ كبير:


-افتكرتني بتكلم بجد أه...


صاحت هنا يسرا وهي مازالت جالسة مكانها:


-متزعقيش ووطي صوتك ولا أنتِ عايزة تفرجي الناس علينا وخلاص؟!.


غمغمت سلمى بانفعال كبير وهي تحاول جاهدة خفض صوتها:


-يعني أنتِ مش شايفة اللي بنتك عملته؟! راحت علطول فتنت للبية بتاعها، اللي في ساعتها قال لأبوه وراح أبوه اتصل هو كمان....


قالت يسرا بنبرة جادة وهي تنظر إلى الاثنان:


-أنتم الاتنين غلطانين مش جهاد بس اللي غلطت يا سلمى.


تمتمت سلمى بنبرة هسيترية:


-يعني اضربت بالقلم قدامكم وكمان فوقها طلعت غلطانة.


تحدثت يسرا بنبرة واضحة وعقلانية:


-حضرتك السبب في أنك تضربي والسبب في كل اللي حصل من البداية، مكنش لازم توافقي أنه يجيب ابن عمه ومراته وابنه وتعملي نفسك البنت اللي بتسمع كلام أبوها.


ابتلعت يسرا ريقها ثم أسترسلت حديثها بنبرة واضحة:


-مكنش لازم تعملي النمرة دي قدامهم، ومكنش لازم تدخلي نضال في الموضوع، لو مكنتيش عملتي كل ده مكنتش الأستاذة التانية لقت حاجة تقولها للباشا بتاعها.


نظرت سلمى لها بـخذلان رهيب لم تكن تتوقع أن والدتها سوف تهاجمها بتلك الطريقة فحاولت الدفاع عن نفسها:


-أنا كنت برد اعتبارنا برد ولو واحد في المئة من اللي عمله فينا.


ردت عليها يسرا بقوة:


-محدش طلب منك تعملي حاجة، واديها جت على دماغك وورطي نفسك في جوازة وفي موضوع نضال اللي هو اخو خطيب اختك زي ما قولتي بالبونت العريض قدامهم، يعني مينفعش تطلعينا صغيرين قدامهم دي الناس اللي هناسبهم، هتروحي تقولي قدامهم معلش اصل انا وابويا ملناش كلمة؟! أي مشكلة هضر أختك.


ابتلعت ريقها ثم تحدثت بانفعال:


-كل واحدة فيكم تخفى من قدامي علشان أنا ولا طايقة نفسي ولا طايقاكم بعمايلكم دي، لأول مرة أحس أن دي مش تربيتي ولا دي التصرفات اللي المفروض تطلع منكم.


تحدثت سلمى بنبرة مغتاظة:


-على فكرة كده كده كانت الناس هتيجي..


ردت عليها يسرا بحكمة لكن نبرتها لم تخلو من الغضب الواصح وكذلك نظراتها:


-كنا هنشوف حل ساعتها لو رفضتي، بدل اللي عملتيه ادخلوا أنتم الاتنين ومش عايزة أسمع صوت واحدة فيكم خلوني أفكر هعمل إيه مع مدحت علشان أنا مش هستني لما خالكم ينزل وبعدين نبقى نشوف الحوار اللي دخلتينا فيه، حسابكم معايا أنتم الاتنين بعدين.


___________


"ألف مبروك يا نضال يابني"


"ألف مبروك أخيرا هنفرح بيك"


"ألف مبروك يا معلم نضال"


اختلفت عبارات التهنئة وتعددت بشكل ملحوظ من الشباب والعاملين في جزارة والده وهو يرد عليهم بوجوم وعدم فهم وينظر إلى والده في الشرفة نظرات توعد واضحة قرأها سلامة في عيناه فجذب والده ثم تركا الاثنان الشرفة تحت أنظاره.


بعدما انتهت عبارات التهنئة وأدى الجميع واجبهم، ترك نضال المكان وتوجه صوب المنزل بوجه غاضب إلى حدٍ كبير بعدما صرح أحد الرجال الذي يعمل معهم بأنه ذاهب لشراء المشروبات الغازية على شرف الخبر الذي انتشر سريعًا.


دخل من بوابة المنزل ثم صعد على الدرج متخطيًا الطابق الأول وتوقف بين الطابق الأول والثاني ليجد سامية واقفة التي عندما شعرت بحركة على الدرج تصنعت بأنها كانت تهبط وتوقفت فقط عند رؤيته.....


بعد سماعها إلى حديث زهران وسلامة، وبعدها استمعت إلى مكالمة زهران ووالد سلمى، بعدها سمعت صوت زهران يرن في أرجاء الشارع لذلك ظلت في الإنتظار...


تحدث نضال بنبرة مقتضبة حاول جعلها عادية لكنه فشل:


-أنتِ كنتي بتعملي إيه فوق؟!.


ردت سامية عليه بنبرة ساخرة:


-هو ممنوع؟! وبعدين هكون بعمل إيه يعني؟! كنت طالعة أتكلم مع عمي في موضوع كده...


ثم صمتت لعدة ثواني وهنا أردفت بانتصار:


-لا مش هخبي لازم أقولك، أنتَ مش غريب أكيد لما تطلع عمو هيقولك، أنا جاي ليا عريس وطلعت أقول لعمي وعرفته إني اديته رقمه.


لو كانت تلك المعلومة سمعها نضال قبل عدة أشهر، لكانت تملكته ثورة عجيبة وغضب واضح وصرح بأنه ليس هناك رجلًا أخر سوف يتزوجها غيره، لكن العجيب أنه استقبل الخبر بفتور رهيب وغريب عليه هو شخصيًا...


 لا يدري نضال لما توقع الشخص؟!!

على ما يبدو أنه هو هذا الشاب الوحيد الذي كان يقوم بالتعليق والإعجاب على منشوراتها على مواقع التواصل الاجتماعي وكان ملفه الشخصي مغلق ولم يستطع معرفة أي شيء عنه.


-طيب كويس مبروك..


لم تلمح غيرة نضال التي تعرفها حق المعرفة في جملته، لم تجد منه أي شيء، انزعجت...

 نعم انزعجت كونها كانت تتلقى اهتمام من شخص معين وفجأة انقطع...


 هذا شيء يجعلك رغمًا عن أنفك تشعر بالدهشة والضيق حتى لو كنت تستنكر هذا الاهتمام في الماضي.


هتفت سامية محاولة استكمال الحديث:


-العريس كان زميلي في الجامعة وبيحبني بجد مش أي كلام.


ابتسم نضال بهدوء رغم أنه انزعج كثيرًا وهناك قسم منه قد اشتعل لكنه يتحكم في نفسه وأعصابه أكثر مما يعتقد الناس إلا عند تصرفات أبية وشقيقه فقط.


أعجبه هذا الاستعراض نوعًا ما...


-الله أعلم..


ضيقت سامية عيناها وسألته بنبرة ظهرت فيها عصبية حاولت أن تخفيها قدر المستطاع ولكنها على ما يبدو لم تنجح:


-يعني قصدك إيه؟!.


هز نضال كتفه بلا مبالاة هاتفًا بجدية:


-قصدي أن محدش عارف؛ يعني متتكلميش بثقة عن حد لسه معشرتهوش ولا شوفتي منه حاجة، وعلى العموم ربنا يوفقك في حياتك يا بنت عمي.


كلماته كانت غريبة وازعجتها بشكل غريب لكنها حاولت الحديث بنبرة قوية:


-نبقى نعمل بقى خطوبتنا في يوم واحد ان شاء الله، أصلي سمعت أن عروستك وافقت هي كمان؛ سمعت لما كنت فوق..


رد عليها نضال بهدوء مميت:


-لا مبحبش الافراح المشتركة، وخصوصًا فرحي أنا لأن فرحتي تخصني محدش يشاركني فيها، يلا عن اذنك.


أنهى حديثه وصعد على الدرج متوجهًا صوب الشقة، وكانت هي في حالة هياج غريبة فـ بدلًا من أن تزعجه؛ ازعجها هو ببساطة شديدة...


هبطت سامية وتوجهت صوب الشقة وأخرجت المفتاح من جيب سترتها ثم فتحت الباب وولجت وكانت والدتها ترتدي العباءة السوداء تتجهز للذهاب؛ فتحدثت باستغراب شديد عند رؤيتها:


-أنتِ كنتي فين؟! أنا صحيت من النوم بعد ما ريحت شوية واخدت دش وصليت ودخلت اوضتك أقولك تجهزي لقيتك مش موجودة.


هتفت سامية بغيظٍ وهي تغلق الباب:


-كنت عند عمو بقوله على موضوع حمزة.


صاحت انتصار مستنكرة وهي تنظر لها بغضب واضح:


-هو مفيش فايدة فيكي يا بنتي؟! لازم تعملي اللي في

 دماغك، امبارح قولت ليكي اسكتي واستني لما الواد يتصل بيه الأول برضو روحتي عملتي اللي في دماغك.


قالت سامية بانزعاج شديد وحنق:


-اهو ده اللي حصل أنا كنت عايزة اعرفه واقوله الأول، وكده أنا مرتاحة أن لما يتصل بيه هيكون عنده فكرة عن الموضوع.


غمغمت انتصار ساخرة:


-باين على وشك أنك مرتاحة، وبعدين يعني ما المحروس وأخد الرقم من امبارح متصلش ليه؟!!.


أردفت سامية باختناق وشكٍ بدأ يراودها:


-أكيد يعني بيعرف أهله وهيتكلم يعني بلاش الاستعجال؛ متقعديش تعصبيني علشان أنا مخنوقة لوحدي واستني اريح حبة وبعدين نمشي...


صاحت والدتها باستهجان:


-لا مش هستني أنا رايحة لخالك أبقى حصليني أنتِ.


_______________


في ذات الوقت...

بالأعلى...


يجلس سلامة على الكرسي المتواجد خلف باب حجرة سلامة، التي أصبحت مخبأ لهم الآن، كان والده أمامه هاتفًا:


-مش كنا خدنا كريمة بدل ما هي في البلكونة لوحدها كده في البرد مهوا اتأخر اهو شكله مش طالع أو رجع تاني.


هتف سلامة ساخرًا وهو يصفق بيده:


-يعني ده وقت كريمة؟! ده وقت كريمة؟!!!!!


ثم أسترسل حديثه باستغراب:


-والله أنا خايف معرفش اتأخر كده ليه؟!، هو بيدور على سلاح طيب؟! مهوا التأخير ده مش طبيعي، وبعدين يعني كان لازم يا بابا تذيع الخبر في الشارع مفيش تليفون، مفيش نستناه لما يجي.


"أنتم فين"...


صوت نضال الجهوري والعالي بشكل مخيف وصل لهم، لكنه كان بعيدًا نوعًا ما عن الغرفة.


هتف سلامة بقلق:


-شكله بيدور علينا استر يارب، استر يارب، اعمل إيه اقوم أصلي ركعتين طيب؟! أنا حاسس أنه هيخلع الباب وهيطيرني بالكرسي...


قاطعه زهران ساخرًا ومتهكمًا وهو يتناول الموزة الذي أتى بها من الخارج:


-ليه أندر تيكر بروح خالتك؟! متقعدش تهري كتير.


رد سلامة عليه بنبرة ذات معنى:


-ومدام هو مش أندر تيكر إيه اللي جابك تجري ورايا ودخلت معايا الأوضة لما لقيناه ساب الناس وداخل العمارة.


ضيق زهران ملامحه قائلا بحرج:


-إيه؟؟!


-إيه؟!!!


حاول زهران الدفاع عن نفسه بقوة:


-أنا بس مبحبش وجع الدماغ لا أكثر ولا أقل، راجل بشتري دماغي وصاحب مزاج.


بمجرد أن شعر سلامة بأن مقبض الباب يتحرك، يحاول نضال فتحه ويصرخ من الخارج..


"افتحوا".


انتفض سلامة كـ من لدغته عقربة ووجد نفسه يجلس فوق قدم أبيه هاتفًا:


-بسم الله الرحمن الرحيم.


دفعه زهران عنه مغمغمًا:


-يا شيخ انشف كده في إيه يعني؟! يعني هو هيكسر الباب مش للدرجاتي.


سمع صوت نضال من الخارج هاتفًا:


-افتحوا الباب هو أحنا مش هنبطل حركات العيال دي، انتم بتستخبوا مني؟!.


نهض زهران ووقف خلف الباب وسلامة يتبعه:


-في إيه يا نضال يا حبيبي؟! إيه بس اللي معصبك كده أنا بس بتكلم مع اخوك على انفراد في موضوع يخصه ويخص خطيبته، وبعدين هنستخبى منك ليه يا ابني؟!!.


-إيه اللي عملته ده؟! ومين قالك أنها وافقت أصلا؟! وبعدين ازاي تنادي في البلكونة وتجرسني كده.


عقب زهران على حديثه بجدية شديدة:


-نجرسك ليه يا حبيبي بس؟! وبعدين يعني دارو على حوائجكم بالكتمان.


وضع سلامة يده على وجهه هاتفًا بصوتٍ منخفض:


-داروا على حوائجكم بالكتمان إيه؟! ده أنتَ صوتك رن في الشارع ولا الميكروفون بتاع تكبيرات العيد.


سأله زهران باهتمام:


-اومال بيتقال إيه في المواقف اللي زي دي بعد اللي عملته؟! 


تمتم سلامة بذكاء خارق كما يظن:


-الجواز إشهار...


-الجواز إشهار..


ردد زهران الجملة بثقة وصوتٍ مرتفع لتصل إلى نضال الذي صاح:


-هو أنا متجوزها عرفي وأنتَ بتعملي إشهار؟! ما تقولوا كلام عدل وافتحوا الباب بدل ما أكسره...


رد زهران عليه متشنجًا:


-تكسر الباب ليه ان شاء الله؟! هو أنتَ فاكرني خايف منك ولو راجل اكسر الباب هو أنا فلوسي فلوس حرام ولا إيه؟!!.


لم يجد رد من نضال لمدة دقيقتين مما جعل زهران يعقب:


-هو سكت ليه؟!..


تمتم سلامة بعدما عقد ساعديه يحاول التفكير:


-يمكن حس أن موقفه ضعيف وفقد الأمل فينا ومشي.


-يمكن كل شيء جائز...


جاءهم صوت نضال هاتفًا:


-مش هكسر الباب بس هكسر الشيشة ولا اسمها إيه دي...


تحدث سلامة من الداخل:


-اسمها كريمة...


أزاح زهران المقعد تحت محاولات سلامة المميتة بأن يثنيه عما يفعله لكنه في النهاية فتح الباب بالمفتاح هاتفًا:


-عندك سلامة أعمل فيه اللي أنتَ عايزة بس كريمة لا يا ابني، دي حبيبتي اللي بتسمعني وبتشيل همي، لو مخنوق تسمعني، لو فرحان بتسمعني.


لم تكن الأرجيلة مع نضال من الأساس لكنه يعرف ما الذي يزعج أبيه وسيجعله يخرج له.


هتف سلامة بعدم استيعاب:


-والله سلامة مبقاش له لازمة دلوقتي؟!، بقولك إيه يا نضال من الآخر أبوك هو اللي عمل كل ده أنا ولا ندهت عليك ولا نيلة وخد عندك هو اللي كلم ابوها بنفسه..


دافع زهران عن نفسه بعدما لم يجد الأرجيلة وفهم خدعة ابنه:


-ومين اللي عرفني أصلا أن سلمى موافقة غيرك أنتَ يا فتان أنتَ والبت بتاعتك..


غمغم سلامة محتجًا:


-إيه البت بتاعتي دي كمان هو أنا ماشي معاها؟!.


تجاهل زهران هذا كله ووجه حديثه صوب نضال:


-إيه اللي أنتَ بتعمله ده وطالع وعمال تزعق وتعلي صوتك ولا زعابيب أمشير، البت وافقت عليك فين المشكلة؟! ده جواز هو احنا بنضربك بالنار..


هتف نضال برفض قاطع:


-استحالة سلمى توافق ابنك كان موجود وأنتَ كنت موجود وكلنا شوفنا إزاي هي رافضة الجواز.


ابتسم زهران ثم أردف وهو يضع يده على كتف نضال:


-أنتَ مستهون بنفسك ولا إيه؟! وبعدين أنا ورثت لكل واحد فيكم الشخصية اللي مفيش ست تقاومها وأكيد أنتَ كان ليك نصيب علشان كده البت مقدرتش تقاوم بتقولوا عليها ايه يا واد يا سلامة؟!..


عقب سلامة على حديث والده مؤكدًا:


- كاريزما، وفعلا نضال كده مشيته، بصته، صوته كل حاجة فيه كاريزما....


تركهم نضال وذهب إلى غرفته هو فهم بأنه يعيش مع شخصيتين يصعب عليه النقاش معهم وإلا سوف تصيبه عدة جلطات سيحتار الأطبة في كيفية علاجها.


تمتم زهران بعد رحيل نضال:


-هو تليفوني فين صحيح عايز أكلم الواد رفعت..


غمغم سلامة بعدم فهم:


-ليه أنتَ عايز حاجة من السوبر ماركت ولا إيه؟!..


-لا أنا كنت عايزه يوزع حاجة سقعة على الناس للمناسبة الحلوة دي...


رد سلامة عليه بسخرية:


-والله يا بابا ما هترتاح إلا لما نضال يوأدنا هيكون وأد الرجال على أيد نضال لأول مرة في التاريخ..


__________


-خلاص يا دياب سيبها على الله وبعدين يمكن مرات اخوك واخوك يتعلموا من الدرس أو السنين تكون غيرتهم يعني في النهاية محدش بيفضل على حاله.


كان هذا تعقيب دياب الذي يدخن سيجارته في الشرفة وهو يستند على سور الشرفة بجسده والهاتف في جيبه ويضع في أذنيه السماعة، يحاول التهويين على صديقه طارق منذ ما فعلته أحلام وهو ليس بخير أبدًا.


تنهد طارق وجاء صوته متوجعًا ومتألمًا إلى حد كبير، فما الوضع لو كان بالفعل أمامه؟!..

يبدو أن حالته لا ترثى.....


-عارف إيه أكتر حاجة متعبة يا دياب؟!.


سأله دياب باهتمام كبير:


-إيه يا طارق؟!..


 أخذ طارق يتحدث موضحًا العجز والحيرة التي يشعر بها:


-إني عارف أنهم ولا اتعدلوا ولا نيلة، وعارف أن هدير مش هتكون مرتاحة معاهم، لكن معنديش حل تاني ولا هعرف أنزل..


صمت لعدة ثواني ثم هتف طارق بقلة حيلة:


-كان عندك حق يا دياب..


عقب دياب بعدم فهم:


-كان عندي حق في إيه مش فاهم؟!...


حاول طارق تذكيره بتعقيبه قبل سفره الذي في كل مرة يتضح صحته:


-كان عندك حق لما قولت زمان إني مسافرش، وأنا قاوحت كنت فاكر أن المشكلة مشكلة فلوس وبس، وجبت الفلوس ومعملتش حاجة ليا، لا عرفت أحضر عزاء امي وانزل ولا عرفت أكون موجود جنب أختى دلوقتي.


السفر بالطريقة الغير شرعية غير أمن تمامًا تحديدًا إذا كنت هارب قبل قضائك الخدمة العسكرية، لذلك الأمر يختلف عن شخص طبيعي وجد عمل وسافر بطريقة رسمية.


أغلق دياب عينه ثم قال له ببساطة:


- يا طارق كان ممكن تكون قاعد ومش عارف تعمل حاجة وساعتها هتحس بالعجز برضو والخنقة، كل واحد بيعيش حسب نصيبه وقدره، ملهوش لازمة تقعد تضايق في نفسك، أنتَ عملت اللي عليك وزيادة أوي.


تمتم طارق بنبرة يائسة وبائسة:


-والله محدش بقا عارف مين اللي عمل ومين اللي معملش، أنا مش فارق معايا حاجة قد هدير دلوقتي وخايف أنها متقوليش الحقيقة لما أسالها عاملين معاها إيه وكده أصل أنا عارف أنهم مش هيجيبوها البر.


رد دياب عليه على غير العادة برد متفائل يشبه ردود نضال التي يسخر منها في مشاكله ولكنه على الأغلب الإنسان ليس لديه سوى مواساة من أمامه حتى ولو يعلم بأن الأمل مفقود في الأمر لا يكون عنده حلول أخرى.


-يا عم تفائل وبلاش تفكر كده، ان شاء الله هيخلفوا ظنك والأمور هتكون تمام.


رد طارق عليه بتمني حقيقي:


-يارب يا دياب؛ يارب..


ثم أسترسل حديثه بجدية:


-يلا بقا روح نام ربنا يعينك، أنا كمان هنام علشان هصحى بدري، تصبح على خير.


-وأنتَ من أهله يا طارق..


انتهت المكالمة بينهما وظل دياب يدخن سيجارته ويقلب في هاتفه، كان مازال يجلس في الشرفة رغم الجو البارد جدًا لكن تلك عادته....


هو لا يحب التدخين أمام والدته أو شقيقته وتضاعف الأمر بوجود أطفال صغيرة.


في وسط ما ينتقل بين المقاطع بلا هدف وجد اسمها يزين الشاشة..


" لــيلــى "


كان يرغب في تجاهل الاتصال لكن كيف يتجاهل اتصال أمرأة كانت في حياته لمدة ست سنوات تقريبًا؟! لا يستطيع فعلها...


أجاب دياب عليها بنبرة مكتومة:


-الو..


جاءه صوتها الدافئ وهي تغمغم:


-ازيك يا دياب عامل إيه؟!..


رد عليها دياب بتلقائية:


-بخير الحمدلله، أنتِ عاملة إيه؟!.


كيف يتجرأ ويسألها عن حالها، ألا يعلم بأنها لم يعد لها حياة بعد غيابه عنها وتركه لها...

 هل أصبح قاسيًا؟!...

أم يظن بأنها سوف تكون بخير في غيابه؟!!!


أجابت عليه ليلى بنبرة غير حقيقية أبدًا:


-الحمدلله بخير..


ثم عاتبه وهي تقول بنبرة منزعجة:


-أنا بعتلك أكثر من مرة على الواتس والفيس ومردتش عليا وبلاش تكدب وتقول مشوفتش.


كيف يخبرها بأنه كان يتتوق للحديث معها تحديدًا في تلك الفترة الصعبة التي يمر بها، كان يحتاج للحديث باستفاضة عما يشعر به، لكنه لم يرغب في أن يعطيها أمل كاذب أو حتى أن يستغلها تحديدًا لأنها لم تعد له.


لم تجد منه رد فـوصلت أجابته التي لم يخبرها بها لذلك قالت:


-طنط عاملة إيه؟!..


رد عليها دياب بهدوء:


-الحمدلله كويسة بدأت الجلسات وماشيين على كورس العلاج..


غمغمت ليلى بنبرة هادئة:


-ربنا يشفيها يارب، وبإذن الله هتقوم بالسلامة، محنة  وهتعدي.


-يارب. 


ثم سألها رغمًا عنه:


-أنتِ متصلة ليه يا ليلى؟!..


قالت ليلى بتردد وحرج:


-متصلة أطمن عليك وبعدين يعني إيه الطريقة دي؟!.


-ليه غاوية تتعبينا ومش عايزة ترضي باللي حصل؟! 


كان سؤاله في الصميم هي بالفعل تؤلمه أكثر كونها لا تعطيه فرصة لنسيانها أو التخطي، نعم هو يتجاهل رسائلها ولا يرسل لها رد لكنه يقرأها باهتمام بالغ.


ردت عليه ليلى رد غريبًا كونها تجيب به أو تخبره هذا الخبر بعد سؤاله:


-ماما جابت ليا عريس وعايزاني أقعد معاه.


رغم الألم الحارق الذي شب في صدره إلا أنه غمغم بعقلانية:


-طب كويس، اديه فرصة محدش عارف الخير فين.


غمغمت ليلى بعدم استيعاب:


-أنتَ بتتكلم بجد؟! أنتَ ليه بتعمل كده معايا يا دياب؟! ليه بتعمل معايا كده؟! للدرجة دي أنا مش فارقة معاك؟! كأني مكنتش خطيبتك والبنت اللي بتحبها.


تحدث دياب بعيدًا عن عواطفه:


-انا مش بعمل حاجة يا ليلى دي ظروفي وحياتي وأنا مش هقدر أعلقك معايا بكلمتين مفيش اسهل منهم، أنا مكنتش وحش معاكي علشان اعمل كده، ولو علقتك هكون بخرب الدنيا اكتر، أنا عندي اخوات بنات ومتمناش أن حد يضحك عليهم، شوفي حياتك ودنيتك يا ليلى واختاري الاصلح ليكي.


قالت ليلى بصوتٍ باكي قبل أن تغلق المكالمة:


-سلام يا دياب.


أغلقت المكالمة تاركة أياه يشعر بمشاعر غريبة هو راضي من جهة بأن هذا هو النصيب ولا يستطيع قول كلمات أخرى.....


هو لا يستطيع الوفاء بها، هو لا يعلم ما الذي تحمله الأيام القادمة لذلك ليس من الممكن أن يعلق فتاة به........


فتاة كان بينهما قصة حب وهذا ما يجعله غاضبًا ومغتاظًا يدعو الله أن يهون عليه ما يحدث...


_____________


بعد مرور يومان..


في الثامنة ونصف صباحًا..


"نــضـال"

"نــضـال قوم"

"قوم"


أخذ سلامة ينادي عليه أكثر من مرة وهو يقف بجوار فراشه ويضع يده على كتف شقيقه...


تقلب نضال في نومته وتحدث بصوتٍ ناعس ولم يفتح عينه بعد:


-في إيه؟!.


تحدث سلامة بنبرة متوترة:


-قوم بسرعة بس.


فتح نضال عينه هاتفًا بقلق وهو يعتدل في نومته:


-في إيه أنتَ كويس؟! أبوك كويس؟!!!.


رد سلامة عليه بنبرة هادئة:


-لا مفيش حاجة متتخضش أحنا زي الفل...


غمغم هنا نضال بنبرة غاضبة وهو يدفعه بعيدًا عن الفراش ويعود يستلقي مرة أخرى ويجذب الغطاء فوقه:


-ومدام أنتم زي الفل بتصحيني ليه؟! وإيه اللي قوم بسرعة دي؟!!!...


تمتم سلامة بجدية لا تناسب تمامًا ما يقوله:


-بصحيك علشان تقوم وتنزلني وتخرجني من البيت.


تحدث نضال بعدم فهم وهو يضيق عينه وينظر له:


-أنزلك فين؟! إيه اللي بتقوله ده على الصبح وبعدين هي الساعة كام؟!.


رد عليه سلامة ببساطة بعدما نظر على ساعة يده:


-الساعة دلوقتي ثمانية ونص.


صاح نضال مستنكرًا وهو يفتح عينه على أخرها:


-ومدام الساعة لسه ثمانية ونص بتتنيل على عينك تصحيني ليه؟!.


تحدث سلامة باستنكار واضح وهو يخبره بما يريده:


-علشان تقوم و تعديني من عند دور مرات عمك، ووصلني لغايت البوابة، يلا يا نضال أبوس إيدك أنا متأخر على الشغل بقا.


تمتم نضال وهو يعتدل في الفراش لم يفهم ما يحدث:


-هو أنتَ نُغة يعني علشان أقوم انزلك؟! هو أنتَ في الحضانة هنزل أركبك الباص يعني ولا إيه؟!.


عقب سلامة بتوضيح وهو ينظر له بغيظٍ:


-مرات عمك عاملة عزومة للقطط تحت ومش عارف اعدي والبجحين مش بيتحركوا ولا يجروا وأنا نازل وفيهم القطة السوداء اللي هتقطع ليا الخلف في يوم دي، مرات عمك حاطة ليهم أصناف سمك، ودراي فود، وحاطة لبن، أكتر من ست قطط وأنا مش عارف أنزل وتأخرت على الشغل.


يخاف سلامة من القطط بشكل هستيري ومخيف، تحديدًا لأن هناك قطة قامت بعضه في طفولته وأخذ الكثير من الحقن الطبية بسببها ومن وقتها وهو يخاف منهم بشكل واضح، وحتى جهاد تشاركه هذا الخوف.


تحدث نضال بنبرة غاضبة:


-يعني مش مكسوف من نفسك أنك رايح الشغل ومش عارف تهش القطط  أو تعدي من جنبهم ما تكبر بقا.


قاطعه سلامة ساخرًا:


-مش وقت علاج بالصدمة بقا، خلص قوم...


نهض نضال وأرتدى سترته الثقيلة المعلقة بعدما فرك عينه وتحدث بصوتٍ في بقية نوم:


-أعمل فيك إيه يارب ارحمني؟!.


خرج نضال من الحجرة وخلفه سلامة يمسك في طرف سترة شقيقه بشكل عجيب حتى أن زهران خرج من الحمام ورأى هذا المشهد ليعقب بصوتٍ فيه بقية نوم:


-أنتم رايحين على فين كده؟!.


رد نضال على أبيه بنبرة متهكمة:


-رايح أهش القطط لأبنك وأوصله لغايت العربية وممكن اجيبله سندوتشات بالمرة ما أنا خلفته ونسيته.


ثم وجه حديثه إلى سلامة مستنكرًا:


-صحي أبوك بعد كده هو أولى بيك.


تحدث زهران بنبرة ساخرة:


-ملكش دعوة بأبوه.


التقطت أنف نضال رائحة يعرفها جيدًا فأردف:


-في إيه يا بابا هو أنتَ مولع فحم على الصبح كده؟!.


أستدرك زهران الأمر وهو يسير نحو المطبخ:


-أيوة صح، أصلي صحيت من النوم نفسي هفتني على حجر كده قولت أولع الفحم واشربلي حجر وبعدين أنام تاني، كويس أنك فكرتني ده أنا نسيت كنت رايح أنام تاني أصيل يا نضال...


تحدث نضال بنبرة منفعلة:


-قابل يا عم هيولع لينا في البيت علشان يشرب حجر الساعة ثمانية الصبح.


صاح زهران ساخرًا وهو يقف في المطبخ:


-يلا خد أخوك ووصله وهشتكه وهاتله السندوتشات وبلاش نكد وتنظير على الصبح، هتقلوا مزاج الواحد.


-لا كله إلا مزاجك يلا احنا...


كان هذا تعقيب سلامة....


_________


في العاشرة صباحًا...


كان جواد يرتدي ملابسه ويتجهز للذهاب لمقابلة أحد أصدقائه قبل الذهاب إلى المستشفي....


 مر وقتٍ طويل ولم يراه بسبب مواعيد العمل المختلفة وظروف الحياة المتغيرة لدى الجميع...


هبط من غرفته وكانت نسمة لم تستيقظ بعد، فـهي لا تستيقظ إلا بعد الظهيرة..


أغلق باب المنزل خلفه وسار بضعة خطوات ليذهب إلى سيارته وجد سيارة أخرى تصطف بجوار موضع وقوفه....


لم يكن صعبًا عليه تحديد هويتها تحديدًا بما أنها ولجت إلى الداخل..


هبطت فتاة من السيارة...

 ترتدي بنطال جينز وسترة جلدية، رافعة خصلاتها لأعلى وترتدي نظراتها الشمسية، لم تكن  تلك الفتاة، سوى هايدي التي تقطن في المنطقة ذاتها، وتكن صديقة نسمة، هي في منتصف العشرينات من عمرها.


ابتسمت هايدي ورفعت نظارتها الشمسية:


-صباح الخير يا دكتور..


رد عليها جواد مبادلًا أياها الابتسامة:


-صباح النور يا هايدي، عاملة إيه؟!.


غمغمت هايدي بهدوء:


-الحمدلله كويسة، أنتَ إيه اخبارك؟! بقالي كتير مشوفتكش، لما باجي اقعد مع نسمة بتكون في الشغل.


هتف جواد بنبرة عادية وهو يجيبها:


-يعني في ضغط شوية في الشغل، الغريبة أنك أنتِ جاية بدري كده، اللي اعرفه أنك بتيجي متأخر عن كده.


قاطعته هايدي بخفة تحاول تبرير موقفها غير أنها أتت من أجل رؤيته لذلك أتت مبكرًا كونها لا تراه، فهي تأتي في غيابه وترحل قبل أن يأتي:


-يعني النهاردة إجازة من الشغل قولت اقضى اليوم من أوله مع نسمة، وأنا اللي هصحيها بنفسي.


هايدي تشعر بالاعجاب الشديد بشخصية جواد منذ الصغر ليس حبًا، لكنها معجبة به إلى حدٍ كبير، وذلك شعور داخلي لها لم تشاركه مع أحد أبدًا، ولم يكن هذا السبب هو الذي يجعل صديقتها مع نسمة تستمر، هي بالفعل تحبها وتقدرها ولها مكانة خاصة في قلبها، لكن رُبما فعلتها اليوم كانت نابعة من كونها علمت بطلاقه وهذا الشيء الذي أسعدها بشكل أكبر مما تتخيل.


هتف جواد بهدوء:


-ان شاء الله تقضوا مع بعض يوم حلو.


شعرت بأنه على وشك الرحيل فحاولت تذكر أي شيء يمكن أن تجعله يتحدث معها لمدة أطول:


-طب قولت إيه على الـ Day use بتاع السخنة؛ أنا عايزاها تيجي معايا أوي وبعدين يعني متخافش هنكون مع أهلي وأنتَ عارف هما بيحبوها ازاي؛ وممكن طنط منيرة تيجي معاها.


كان جواد يجد في بعض الأحيان في الماضي والده يبالغ في رفضه بعض الأمور بخصوص نسمة، وحتى أنه كان أوقات يرفض خروجها مع جواد نفسه لو كان المكان لا يعجبه....


 لكن الآن بدأ يفهم أن هذا الخوف يكون طبيعيًا نوعًا ما، شعور غريزي واضح، كونه يرغب في أن تكون نسمة مرتاحة وفي مكان لا ينظر لها شخص نظرة قد تزعجها، الأمر له أبعاد كثيرة لم يكن يفهمها إلا بعد أن أصبح هو الذي يهتم بشئونها ويتخذ القرارات التي تخصها.


رد عليها جواد بحيرة واضحة من إلحاحها وهو يعقد ساعديه:


-مش عارف والله يا هايدي يعني.


قاطعته هايدي بصدقٍ:


- أكيد أنتَ عارف نسمة بالنسبالي وأنا هاخد بالي منها وهنسافر بعربيتي أنا وهي وطنط منيرة بس وهما هيكونوا راكبين عربياتهم.


تنهد جواد ثم غمغم باختصار:


-مش لسه اسبوعين؟! سبيني افكر وان شاء الله خير، أنتِ من أكتر. الناس اللي بابا كان بيطمن أن نسمة تكون معاهم وأنا كمان بس خوفي عليها طبيعي ملهوش علاقة بيكي.


تفهمت هايدي الامر وقالت بنبرة ذات معنى:


-أنا كنت عايزاها معايا وعلشان تغير جو، كمان هي من بعد طلاقك من رانيا وهي نفسيتها تعبانة شوية وأكيد أنتَ لاحظت ده، وقبلها مكنش في عمار بينهم وهي كانت بتضايق.


تمتم جواد بنبرة جادة:


-ربنا يسهل وقتها، عن اذنك علشان عندي ميعاد مع السلامة.


-اتفضل مع السلامة.


_____________


في أحدى المطاعم بالقُرب من الجامعة، كانت تجلس ريناد مع صديقتها وخطيبها الذي يكن صديق إلى ريناد أيضًا.


استطاعت صديقتها الوصول لها عبر حسابها على مواقع التواصل الاجتماعي...


 بعد أيام طويلة تحاول ريناد الوصول معهم إلى موعد محدد كان الموعد هو اليوم.


عقب الشاب بنبرة هادئة بعدما أخذ رشفة من مشروبه:


-المكان هنا مش أحسن حاجة وزحمة أوي ما كنا روحنا أي حتة تانية أحسن.


تحدثت ريناد باختناق واضح وهي تخبره:


-ياريت كان ينفع أنا زهقت من كل حاجة وأصلا مينفعش أروح اي حتة بعيدة، بابا بيعرف كل حاجة ومتحدد وقتي أنا علشان أقعد معاكم القعدة دي قولتله أني قاعدة مع واحدة اتصاحبت عليها في الجامعة.


غمغمت صديقتها وهي تنظر لها بأسى وهي تعدل من وضع نظراتها الشمسية فوق رأسها:


-أنتِ اللي غلطانة يا ريناد من الأول قولتلك الشلة دي مش عجباني اهو أخرتها روحتي معاهم وحصل اللي حصل.


تحدثت ريناد بسخرية:


-بقولك إيه او جاية تقعدي تضايقيني بالكلام خدي خطيبك وامشي أحسن.


نظر الشاب إلى خطيبته نظرة ذات معنى فحاولت الحديث بنبرة لينة إلى حدٍ ما، فـغضبها كان نابع من انزعاجها من حال صديقتها:


-خلاص مش قصدي؛ أنا بس مضايقة علشانك، ومضايقة بسبب عقاب أونكل ليكي، أنا مش عارفة اعمل إيه طيب اروح اتكلم معاه؟!


قاطعتها ريناد بنبرة سريعة وواضحة:


-لا إياكي تروحي تتكلمي معاه هتخربي الدنيا لو عرف إني بقابلكم وبكدب عليه.


تحدث الشاب هنا وهو يستند على الطاولة بذراعيه:


-أعتقد لو كنتي قولتليه أنك معانا مكنش هيعمل مشكلة أنتِ اللي كدبتي عليه وده غلط.


يبدو لها أنه محقًا وهذا ما جعل ريناد تهتف بنبرة تائهة:


-أنتم بس متعرفوش حاجة، متعرفوش يعني إيه امشي من بيتي واروح اعيش في منطقة زي دي، لا وكمان الفون بتاعي مش معايا وكل حاجة مش معايا حتى عربيتي، أنا وقفت طابور طويل علشان اعمل اشتراك مترو عمري ما اتخيلت إني ممكن اعمل كده.


أسترسلت حديثها وهي تخبرهم معاناتها:


-بعد ما كتت بشغل music  هادئة انام عليها بقيت بنام على صوت التكاتك والمهرجان وصوت الدومنة بتاعت القهوة، غير إني بمشي الشهر كله بأقل من أربع ألاف جنية..


كان الاثنان ينظران لها بضيقٍ لا يعرفون كيف يقدمون لها العون والمساعدة؛ ولم تنتظر ريناد أي تعقيب منهم ووجهت الحديث إلى صديقتها متمتمة:


-فاكرة الولد اللي رمى العصير في وشي.


قالت صديقتها بجدية:


-ايوة فاكراه، أنتِ ساعتها كنتي rude أوي معاه و كان عنده حق يعمل أكتر من كده فيكي.


ثم صمتت وتحدثت بعدم فهم:


-وهو إيه اللي فكرك بيه؟!.


خرجت ضحكة ساخرة من ريناد على حديث صديقتها التي لم تفهم لما تضحك؟!..وكذلك الشاب إلى أن تطوعت ريناد وأخبرتهما بالمفاجاة:


-الولد ده طلع جار نينا بهية اللي أنا قاعدة معاها وساكن في نفس العمارة.


شهقت صديقتها متحدثة بعدم تصديق بعد لفظة إنجليزية معترضة خرجت منها:


-ازاي ده؟!.


هتفت ريناد وهي تهز أكتافها:


-اهو ده اللي حصل بقا، والولد صعبان عليا جدا ظروفه وحشة أوي أوى، وأنا كنت السبب أنه يطرد من الشغل وعنده مصايب قد كده، حقيقي مش قادرة أسامح نفسي أبدًا.


سألها الشاب بفضول:


-وعلى كده شافك وحصل ما بينكم كلام؟!.


هزت ريناد رأسها في إيجاب وهنا أردف الشاب بسخرية:


-أنا بحاول اتوقع عمل فيكي إيه، أنا عرفت اللي حصل في يومها وغلطتك ولو أنا مكانه مش هرحمك خصوصًا أنك بقيتي ساكنة معاه.


أنهي حديثه وضحك فعقبت ريناد بغضب:


-سكتي خطيبتك.


حاولت صديقتها كتم ضحكتها بصعوبة ثم أردفت:


-خلاص سيبك منه، قوليلي عمل معاكي إيه؟!..


ردت ريناد عليهما وهي تسترجع في عقلها كل المواقف التي جمعتهما رغم قلتها لكنها لا تنساها:


-أبدًا معملش حاجة وأنا بعد تفكير طويل اتنازلت واعتذرت ليه وهو قالي أنه قبل اعتذاري وأنه نصيب بس يعني كان أكيد كلام وخلاص منه.


تحدث الشاب مؤيدًا:


-ده أكيد كلام وخلاص فعلا..


حاولت صديقتها تغيير الموضوع هاتفة بحماس:


-حفلة **** ***** يوم عشرين الشهر الجاي حجزنا، بقولك إيه ما تيجي معانا.


قاطعتها ريناد بوضوح:


-مش هينفع...


تحدثت الفتاة بحماس واضح فهي اشتاقت لها وترغب في أن ترافقهما من جديد:


- الـ ticket مش غالية ندفعهالك عادي وتيجي معانا، بجد وحشتيني أوي وعايزاكي معايا.


ابتلعت ريناد ريقها بحرج رغم أنها تعلم بأن صديقتها تمتلك نية حسنة:


-الموضوع مش موضوع فلوس وبس الامتحانات فاضل عليها أيام وبابا مش هيوافق عموما إني اخرج أو اتاخر....


زفرت صديقتها بضيق وعقدت ساعديها وهنا تحدث الشاب:


-ريناد احنا اخوات لو محتاجة حاجة قوليلنا عمومًا سيبك من موضوع الحفلة.


قالت ريناد بحرج كبير:


-لا شكرا مش محتاجة حاجة....


بعد تلك الكلمات تحدثت الفتاة بنبرة مرهقة قليلا وجائعة:


-ما يلا نطلب الأكل ونأكل مع بعض أنا جعانة أوي.


______________


من أجل تلك الزيارة قطعت يسرا طريقًا طويلًا حتى تذهب إلى المنزل الذي يعيش فيه أشقاء مدحت والتي كانت تقطن فيه معه لمدة عام وبعدها باع شقته إلى شقيقه الأكبر وذهب بها إلى شارع خطاب واستأجر شقة فيه، بسبب المشروع الذي فتحه ولم ينجح، هو دومًا كان صاحب المشاريع الفاشلة غير مهتمًا بأطفاله وقوت يومهم...


صبرت كثيرًا ولم تكن صاحبة شكوى أو شجار طوال الوقت وتقدر حالته النفسية بعد كل خسارة وخسارة لكنه لم يقدر هذا بل طلقها ورحل دون أسباب واضحة فعل ما كان يجب أن تفعله هب وتطلبه هي لكنها أستمرت من أجل بناتها، لكن في النهاية هو من تركها...


صعدت وقرعت الجرس رغم اندهاش الجميع من إتيانها إلا أنهم استقبلوها في شقة شقيق مدحت الكبير وطلبت منه أن يأتي بشقيقه الآخر الذي بالمناسبة يقطن معه في البناية ذاتها..


بالفعل جلس الرجلان معها وكانت زوجة الشقيق الأكبر لمدحت موجودة..


تمتمت يسرا بنبرة هادئة ولبقة:


-أولا أنا آسفة إني جيت كده من غير ميعاد بس أرقامكم ممسوحة من عندي ولولا أن الموضوع مهم أنا مكنتش جيت، حتى أن الزيارة أتأخرت كمان...


تحدث شقيق مدحت الأكبر معلقًا على حديثها:


-خير يا أم سلمى؟!.


هتفت يسرا بوضوح وهي تنظر لهم:


-طبعا أكيد عرفتم أن مدحت رجع من السفر..


رد عليها شقيق مدحت الأصغر بانزعاج واضح ليس منها لكن من شقيقه فهو أكثر من أعطى مدحت في الماضي نقودًا في كل مرة لمساعدته ولكنه لم يكن يستقيم أبدًا:


-أيوة عرفنا أنه رجع، وجه هنا مرتين وعرفنا أنه بيحاول يرجعك.


تمتمت يسرا بنبرة هادئة رغم اندهاشها الكلي مما سمعته:


-تمام ممكن تتصلوا بيه من فضلكم يجي علشان محتاجة اتكلم معاه كلمتين قدامكم ومش هينفع اتكلم غير في وجوده.


بعد مرور ساعة تقريبًا...


بعد اتصال شقيق مدحت الأكبر به أتى على الفور وجلس على المقعد متمتمًا:


-إيه جاية تشتكيني عند اخواتي فكراني عيل صغير ولا إيه؟!.


هتفت يسرا بنبرة جادة:


-أنا عمري ما اشتكيتك من حد زمان في عز ما كان المفروض اعمل كده، أنا جيت بس أشهد أخواتك الاتنين ومرات أخوك عليك...


نظرت يسرا للجميع مغمغمة باعتذار لطيف:


-معلش اسمعوني شوية ومحدش يمل مني لأني هتكلم في مواضيع فات عليها كتير أوي بس للأسف ضروري تتفتح من تاني وهي مش غريبة عنكم كلكم عارفينها...


هتفت المرأة بنبرة هادئة وهي تعقد ساعديها:


-سامعينك يا يسرا.


تنهدت يسرا تنهيدة طويلة ثم أردفت بعدها:


-الراجل ده اتجوزني فوق الستة عشر سنة، كنت صاينة فيهم بيته رغم كل الظروف الوحشة اللي كان هو السبب فيها مكنتش بشتكي لحد ولا لأهلي ولا ليكم، رغم أن كل شيء كان واضح وضوح الشمس قدامكم إلا إني متكلمتش في يوم من الأيام ولا أحرجته قدام حد.


كز مدحت على أسنانه مقاطعًا أياها:


-يسرا حافظي على كلامك مهوا أنا مش هستغرب بجاحة بنتك مهي تربيتك..


قاطعه شقيقه الأكبر بضيقٍ:


-سيبها تقول اللي هي عايزاه...


أسترسلت يسرا حديثها السابق بنبرة جادة:


-جه في يوم وليلة اختفى وبعت ليا ورقة طلاقي برضو مجتش اشتكي ولا جيت عند باب حد فيكم ولا فتحت بوقي، اشتغلت وربيت بناتي وكملت حياتي على كده ولا في يوم طلبت حاجة من حد رغم كل حاجة وحشة مريت بيها لوحدي.


نظرت إلى مدحت هاتفة تلك المرة بجدية:


-محبتش أجي اشتكي او أمد أيدي او أشيل حد شيلة مش شيلته؛ وأشيله نتائج عمايلك يا مدحت.


نهض مدحت من مكانه هاتفًا:


-امشي اطلعي برا واضح أن...


قاطعه شقيقه الآخر منزعجًا مما يحدث:


-ده مش بيتك علشان تقول مين يطلع ومين ميطلعش واقعد وسيبها تتكلم.


ظل مدحت واقفًا بعد شعوره بالحرج بسبب كلمات شقيقه الأصغر وهنا أخرجت يسرا مصحف من حقيبتها ووضعته على الطاولة ثم قالت:


-اخوكم بعد ما غاب اكتر من عشر سنين معرفش عنه حاجة راجع يقول أنه ردني وعايز يعيش معانا في البيت وأنا مش مصدقاه، لو كان ردني يحلف على المصحف ده قدامكم كلكم.


ازدَردَ مدحت ريقه بصعوبة تحت نظرات الجميع وهنا تحدث شقيقه الأكبر سائلا أياه بطريقة مباشرة:


-أنتَ رديت مراتك من غير ما تعرف يا مدحت؟!.


لم يجب مدحت عليهم وهنا قالت يسرا بنبرة جادة:


-لو مرضتش تحلف هتكون دي الإجابة اللي أنا متوقعاها منك أنك معملتش كده.


قال مدحت بصوتٍ خافت لم يجد الجراءة أن يمسك المصحف بين يديه ويحلف كذبًا:


-مردتكيش بس كنت حابب أننا نرجع وكنت هقولك الحقيقة لو وافقتي.....


قاطعته يسرا وهي تنهض وتقف في مكانها:


-كنت عارفة أنك كداب ومرضتش أقولها قدام عيالك بصراحة، مرضتش أقولهم أن أبوهم كداب، طب أفرض يا أخي كنت صدقتك، كنت هتدخل البيت وهتعيش معايا في الحرام وكأني مراتك؟!!!!...


ختمت حديثها بنبرة شبة صارخة:


-رد عليا؟!!...


حاول مدحت أن يستمر على نفس الوتيرة:


-كنت هقولك أكيد..


أردفت يسرا بنبرة جادة وهي تحاول أن تكبح دموعها قدر المُستطاع:


-كنت هتقولي امته؟! كل حاجة في حياتك عملتها حرام دي الحقيقة اللي مقولتهاش زمان بس اديني بقولها ليك دلوقتي، القروض اللي كنت بتعملها حرام، السلف اللي اخدته من اخواتك ومن غيرهم وغيرهم ومسددتهمش في رقبتك حرام، غير الستات اللي كنت بتمشي معاهم في الحرام، كل عيشتك كانت حرام في حرام يا مدحت.


ذهبت نحو الطاولة وأخذت المصحف ثم وضعته في حقيبتها الجلدية متمتمة:


-أسفة إني ازعجتكم أنا بطلب منكم تعقلوا اخوكم، لأن ما بينا بنات، لو حابب يصلح علاقته بيهم بجد أهلا وسهلا مش حابب بلاش ينكد عليهم عيشتهم اللي حاولوا يتأقلموا عليها.


تحدث شقيق مدحت الاصغر بعدما نهض الجميع:


-أنا مش عارف أقولك إيه...


تمتمت يسرا بجدية:


-مش محتاجة حد فيكم يقول حاجة أنتم بس كنت مجرد شهود على اللي بيتقال لأنه لو جه واتعرض ليا او لبناتي بأي شكل من الأشكال يضايق أنا هعمله محضر.


هتف مدحت بنبرة متوترة من أن يذهب كل شيء:


-يسرا سبينا نحاول نصلح....


غمغمت يسرا بجدية:


-اللي بيصلح ده بيكون عنده حاجة يصلحها احنا مفيش بينا حاجة علشان تتصلح من أساسه كل حاجة ما بينا ماتت من سنين طويلة ومينفعش ننبش في القبور اللي فيها الميتين.


ثم ختمت حديثها موجهه حديثها للجميع:


-مع السلامة...


رد الثلاثة عليها


"مع السلامة".


أما رابعهم مدحت الذي يقف مذهولًا وقبل أن تصلها زوجة شقيقه الأكبر إلى باب الشقة هتف بتردد:


-زهران وابنه هيجوا يوم الجمعة علشان قراءة الفاتحة هو كلمني النهاردة.


كان تعقيب يسرا بسيطًا قبل أن ترحل:


-هتيجي وتكون أب لبنتك يتفق لجوازتها ويتفق اتفاقات يقدر عليها ويكون راجل تعالى أنا مش همنعك، لكن هتيجي تعمل حركات وكلام ملهوش لازمة أو تمد ايدك على بنتي تاني ده اللي مش هسمح بيه..


____________


يوم الخميس.

ما قبل قراءة فاتحة نضال وسلمى...


كانت سلمى في منزل بهية كعادتها من أجل "الحقنة"...


توطدت علاقة سلمى بريناد قليلًا وتعاطفت معها حتى أن ريناد أخبرتها بأنها من الممكن أن تشترك في صالة الألعاب الرياضية حينما تعود إلى العمل مرة أخرى؛ أحبت الفكرة ولم تجد أشتراكها مبلغًا ضخمًا بالنسبة لها، بل أن بهية شجعتها بأنها سوف تقنع أبيها بأن يدفع اشتراكها...


نما إلى سمع سلمى وبهية صوت الجرس فنهضت الأولة، لتفتح الباب بسبب وجود ريناد في المرحاض...


فتحت سلمى الباب ووجدت أمامها نضال مرة أخرى، ودياب كان يهبط على الدرج بسرعة لكنها استطاعت رؤيته وهنا عقبت سلمى بعدم فهم من وجوده هنا :


-هو المنظر ده كل شوية بيتعاد ولا إيه؟!!.


_______يتبع_______



الفصل الخامس عشر من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم 

#شارع_خطاب 


بقلم #fatma_taha_sultan 


___________


اذكروا الله.

دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.


__________


‏"الحياة لا تعرف الانتظار، إما أن تمضي أنت، أو تمضي هي"

#مقتبسة


لا ترضى بنصف اعتذار، ولا تسمح بأن تُجادَل في حقك، ولا تستنفذ طاقتك في تبرير خياراتك للآخرين، ولا تخسر قيمتك بالنزول إلى من لا يحترمك، ولا تُصاب بحمى إثبات ذاتك عند الجميع. 

‏— صالح التويجري


- إنّ كل مصيبة تنزل بأحد من البشر، تشتمل دائمًا على شيء يفرحنا.


- دوستويفسكي 📚.


_____________


يجلس نضال مع دياب في القهوة بعدما انتهى عمله الأول ويتبقى عمله الثاني لكن هناك ساعة باقية لذلك جلس مع نضال في المقهى قبلها...


وأخذ نضال يقص له أخر الأخبار والتطورات فيما يخص أمر سلمى وما فعله والده، الحي أو المنطقة بأكملها أصبحت على علم واضح بأنه في الغد ذاهب لقراءة الفاتحة..


-طيب أنا عندي فكرة كويسة جدًا.


استغرب نضال من تعقيب دياب الغريب، هو يحتاج مواساة رُبما أو حل لكن يشعر بأن الحلول ضيقة والأفكار محدودة لذلك ما الفكرة التي وردت لدى صديقه؟!..


ضيق نضال عينه هاتفًا بعدم فهم:


-فكرة إيه مش فاهم؟!


رد دياب عليه موضحًا بعدما أخذ رشفة من القهوة الساخنة التي تتواجد أمامه:


-لأول مرة استفيد من لت وعجن أختى حور في حاجة، حور بتقول أن سلمى عند بهية وهي لسه قافلة معايا لما كانت طالعة من عندها؛ إيه رأيك لو تروح تسألها وتقولها في وشها، هو أبوكي جابرك يا سلمى؟!..


تمتم نضال بعدم اقتناع وهو ينظر للناحية الأخرى:


- أنتَ بتهزر صح؟.


هز دياب رأسه نافيًا مغمغمًا بجدية:


-لا مش بهزر هتروح وتسألها وتريح دماغك مع أن بايم أنك بتتلكك برفضها لفكرة الجواز وبعدين اللي شوفناه لما كنا قاعدين هي مش من النوع اللي ممكن حد يجبرها على حاجة مش عايزاها...


..كـــانــت تــلـك المحادثة هي السبب في هذا...


نما إلى سمع سلمى وبهية صوت الجرس فنهضت الأولة، لتفتح الباب بسبب وجود ريناد في المرحاض...


فتحت سلمى الباب ووجدت أمامها نضال مرة أخرى، ودياب كان يهبط على الدرج بسرعة لكنها استطاعت رؤيته وهنا عقبت سلمى بعدم فهم من وجوده هنا :


-هو المنظر ده كل شوية بيتعاد ولا إيه؟!!.


هتف نضال مرتبكًا يا ليته لم يستمع إلى حديث دياب، لكن مدام جاء إلى هنا عليه أن يتصرف:


-مساء الخير يا سلمى عاملة إيه؟!..


ردت عليه سلمى بنبرة جادة لا تخلُ من الدهشة:


-أنا الحمدلله كويسة، بس يعني أنتَ بتعمل إيه هنا؟!، أنا ولا سايبة البيت ولا عاملة مشكلة يعني علشان حد يدور عليا..


ابتسم نضال رغمًا عنه هاتفًا:


-عارف متخافيش مش جاي وجايب القوات علشان نقبض عليكي زي المرة اللي فاتت، أنا جاي لوحدي.


سألته سلمى بدهشة لم تذهب وهي تنظر له:


-عرفت مكاني منين؟!.


تمتم نضال وهو يوضح لها ما حدث وهو يحاول أن يتمتع بالجسارة المطلوبة لهذا الموقف:


-من حور أخت دياب والحقيقة أنا جيت بس علشان أتكلم معاكي كلمتين يكون بعيد عن البيت ومش هطول عليكي..


هتفت سلمى باستغراب ولا تنكر أنها شعرت بالفضول الشديد:


-طيب اتفضل..


قال نضال وهو يحرك يده أثناء حديثه بحركات عشوائية مع كل كلمة:


-يعني لما كنا قاعدين هنا قولتي أنك رافضة الجواز وفضلتي تتكلمي قدام الكل بوضوح، وأنا استغربت بصراحة لما عرفت أنك موافقة عليا وبعديها موافقة أننا نيجي بكرا نقرأ الفاتحة، فأنا حابب أعرف يمكن في حد ضاغط عليكي أو جابرك..


اندهشت سلمى من سؤاله...

لا تدري هو يرغب في رفضها كحجة مثلا؟!.

أم هو بالفعل مراعي ومهتم بألا تكن مغصوبة ولا يرغب في بناء علاقة كهذه؟!


هي لم تتوقع أبدًا حتى في أحلامها أن يسألها سؤال مثل هذا...


فحاولت إيجاد رد مناسب غير الرفض لعدة أسباب، هي لا ترغب في إقامة سوء فهم أو حرج قبل زفاف شقيقتها لتتزوج أولا وليحدث ما يحدث فيما بعد، ومن ضمن أسبابها أنها لا ترغب أيضًا أن تكن علاقتها هي ووالدها أضحوكة أكثر من ذلك، وتعلن للجميع مرة أخرى أفعال والدها لذلك هتفت بنبرة بسيطة...


-أنا محدش بيقدر يجبرني على حاجة..


أنهت جملتها ثم غمغمت بنبرة هادئة وثابتة إلى حدٍ كبير:


-وعلى العموم مستنينكم بكرا ان شاء الله...


قبل أن يستوعب نضال كلماتها ويبحث عن رد مناسب لها كانت ريناد تأتي من الخارج بعد شهقة خرجت منها:


-الكابل اللي بحبه، وصلتم لفين هتتجوزوا امته بقا؟!..


تمتم نضال بنبرة جادة:


-لسه متجوزناش لو اتجوزنا هتكوني معزومة أكيد، بس بكرا قراءة الفاتحة...


هتفت ريناد بودٍ تحت خجل سلمى الواضح من تلك الفتاة التي لا تسيطر على لسانها أبدًا:


-والله مبسوطة علشانكم جدا، لو كنت بعرف ازعرط زي ما بيعملوا هنا أما بيكون فرح كنت عملت؛ بس مبعرفش، أنا مبسوطة علشانكم أوي، congratulations.


أنهت حديثها ثم قالتها بالعربية هي تخشي أن لا يفهمها أحد حتى لو كانت تستخدم كلمات بسيطة ومعروفة للجميع تخشى أن تضع أحد في موقف محرج، تلك عادة لازمتها منذ أن أصبحت تقطن هنا:


-مبروك..


أردف نضال بهدوء:


-الله يبارك فيكي عن اذنكم بقا، مع السلامة.


جاءت من الداخل بهية متمتمة:


-مين يا ولاد كلكم بتروحوا عند الباب ومش بترجعوا.


رد نضال عليها معرفًا نفسه:


-أنا نضال يا حجة بهية.


غمغمت بهية بترحاب:


-أهلا يا نضال يا ابني، وهما موقفينك على الباب ليه ادخل، اتفضل...


قاطعها نضال ببساطة:


-مرة تانية ان شاء الله..


عبست ملامح بهية متمتمة وهي تستند على عكازها:


-جيت في إيه ومشيت في إيه بس؟!.


غمغم نضال عليها موضحًا:


-كنت جاي أقول لسلمى بس كلمتين، عن أذنكم..


ردت بهية عليه بحنان:


-أذنك معاك يا ابني...


ولجت سلمى وكذلك ريناد بعد رحيله وخلفهم بهية، أما هو هبط على الدرج وكان دياب ينتظره أسفل البناية ويدخن سيجارته هاتفًا:


-إيه عملت إيه؟!.


رد نضال عليه رد أحمق:


-قالت مستنيكم بكرا ان شاء الله مش عارف يعني إيه؟!.


هتف دياب بعد ضحكة خرجت منه:


-هيكون يعني إيه يعني بطل غباء؛ البت موافقة عليك وده اللي قولته، أنا بس جيبتك علشان تسمعها بودنك أنها موافقة تتجوزك........


تمتم نضال ساخرًا:


-والله بجد شكرًا على المعلومة مكنتش واخد بالي منتظر التوضيح بتاعك ده.


-عارف والله، أصلا أنا بقول الكلام اللي في الصميم، وطول عمري كلامي صح..


هتف نضال بنبرة مقتضبة:


-يلا يا دياب علشان أنا مش ناقص يلا نمشي تروح تستلم التكتوك وأنا هروح...


_____________


في اليوم التالي...


صدع صوت رنين الجرس...

مما جعل ريناد تنهض من جلستها بين الكتب من أجل امتحانها الذي يتبقى عليه بضعة أيام فقط...


لم يكن هناك من يفتح الباب غيرها لأن بهية تقضي فرضها...


كانت ريناد تنظر لها بعد كل أذان وهي تحرص على أن تقضي الصلاة في وقتها؛ فـتشعر بالاستغراب الشديد منها ولم يكن هذا السبب لكن حتى حديثها دومًا وهي ترضي بحالها، وأسلوبها وتعاملها بأنه لا ينقصها شيء وتقوم بقضاء جميع احتياجاتها هو شيء كثير للعجب بالنسبة لها..


تحاول ولو لعدة ثواني أن تضع نفسها مكانها لا تجد أنها ستكون بهذا الهدوء والرضا أبدًا، أمراة لم تتزوج ليس لديها أطفال، توفت عائلتها بأكملها، في السبعين من عمرها تقطن بمفردها وفاقدة بصرها وتمتلك هذا الرضا أنه شيء يبدو غريبًا لها..


فتحت ريناد الباب ووجدت أمامها حور ابتسمت لها، ولم تكن تلك أول مرة تراها فيها، كانت حور ترتدي الإسدال وتحمل بين يديها طبق به أنواع مختلفة من المحاشي...


 كانت تلك عادة والدة دياب في الكثير من الأحيان ترسل إلى بهية من الطعام التي تصنعه وكانت تفعل معها بهية المثل، لكن توقفت والدة دياب منذ مرضها تقريبًا لكنها عادت تفعل اليوم حتى تشغل نفسها وتمارس حياتها بشكل طبيعي بدلًا من التركيز فيما تفعله جلسات الكيماوي بها، نفسيًا وجسديًا....


-ازيك يا ريناد عاملة إيه؟!.


ردت عليها ريناد بترحاب وهي تنظر على الطبق:


-الحمدلله تمام، في حاجة ولا إيه؟!.


ولجت حور متخطية ريناد كعادتها هاتفة بنبرة عفوية:


-ماما عملت محشي ليكم وبعتت ليكم الصينية دي وفيها ممبار كمان، هي بهية فين؟!.


تتعجب ريناد من أن حور لا تستخدم أية ألقاب مع بهية لكنها عقبت بالرغم من ذلك:


-هي بتصلي جوا..


ثم أخذت تراقب الصحن بعيناها مما جعل حور تهتف مشجعة:


-دوقي المحشي لو لفيتي مصر كلها مش هتلاقي حد يعمل محشي أحسن من ماما وايناس...


تناولت ريناد واحدة من الباذنجان ووضعتها في فمها كانت لذيذة بشكل كبير رغم أنها لم تكن تتوقع هذا، لكنها كانت رائعة أكثر مما وصفت حور، لذلك هتفت ريناد بإعجاب حقيقي:


-بجد حلو أوي.


أردفت حور بنبرة هادئة:


-بالهنا والشفاء...


سألتها ريناد بعفوية فهي كانت دومًا تراها تمر على بهية بعد دروسها وتلك لم تكن المرة الأولى التي تراها فيها..


-إيه مكنش وراكي دروس النهاردة ولا إيه؟!.


كان سؤالها منطقيًا بالنسبة إلى ملابسها فـعقبت عليها حور بهدوء:


-اه مكنش عندي النهاردة ده اليوم الوحيد الراحة اللي عندي؛ وقولت انزل اقعد معاكم شوية وافصل من جو المذاكرة شوية، كلت ونزلت ليكم بالصينية علطول هقعد معاكم نصاية وبعدين هطلع اذاكر علشان الامتحان الشامل...


قالت ريناد باقتراح عفوي:


-حلو ده وممكن نعمل كام فيديو..


رفضت حور الأمر وهي تشير إلى ملابسها:


-فيديو إيه اللي اعمله بالاسدال اناقتي مهمة ولا اقولك عادي أنا واثقة في نفسي...


أعجبت ريناد بشكل كبير من المقاطع التي تنشرها حور عبر الحالة على الواتساب بعدما تبادلا الأرقام، لم يكن لدى حور فكرة أن ريناد تنشر المقاطع للجميع....


هي تظن بأنها فقط تقوم بتنزيلها على حسابها الشخصي رُبما ولم تهتم لسؤالها كما لم توضح ريناد الأمر...


_____________


في السابعة مساءًا.


ترتدي سلمى ملابسها كاملة وخِمارها، وكانت تجلس في حجرتها فوق الفراش في انتظار أن يأتي زهران وعائلته...


تحاول التفكير في كل شيء يحدث. 

كما تفكر في لقائها معه ليلة أمس، فهي تظن بأنه فقط كان يحاول أن يجد رفضها كذريعة وحجة حتى ينتهي من الأمر يبدو لها أنه لا يرغب في تلك الزيجة..


ولا تعلم لما أتى لطلب يدها إذا لا يرغب فيها؟!


-سلمى...


شهقت سلمى حينما انتشلها صوت جهاد التي تقف أمامها مباشرة وتنادي عليها، مما جعل جهاد تتحدث باستغراب:


-أنتِ اتخضيتي كده ليه؟! أنا بقالي شوية معاكي في الأوضة..


هتفت سلمى بدهشة من أنها لم تشعر بشقيقتها يبدو أنها كانت غارقة في أفكارها ولكنها حاولت إيجاد مُبرر لها:


-مفيش كنت بفكر شوية وسرحانة وبعدين الإنسان يخبط على الباب يعمل صوت..


ردت عليها جهاد بمنطقية وهي تضع يديها في جانبيها:


-اخبط إيه؟! أنتِ فاكرة أنها اوضتك لوحدك وأنا اقتحمتها دي اوضتي زيي زيك وبعدين الباب كان مفتوح وإيه اللي واخد عقلك؟!..


كادت أن تتحدث لولا جهاد التي أسترسلت حديثها:


-على فكرة هما جم برا بقالهم شوية، سلامة ونضال وعم زهران وطنط انتصار..


سألتها سلمى بعفوية شديدة:


-وسامية مجتش معاهم؟!.


أردفت جهاد معترضة:


-وإيه اللي هيجيب سامية ياختي؟! هي سامية طايقانا في الطبيعي علشان تيجي في يوم زي ده؛ والله ما عارفة ازاي أمها خلفتها، أمها حاجة بصراحة وهي حاجة تانية.


تمتمت سلمى وهي تعقد ساعديها بهدوء وثبات انفعالي:


-بلاش تتكلمي كده في النهاية هي معملتش لينا حاجة دي مجرد تخيلات في دماغك أنتِ وبس.


تحدثت جهاد مستنكرة وهي تجلس أمامها على الفراش:


-يا سلام؟! يعني أنتِ بذمتك مش بتشوفي نظراتها ولا حاسة أنها لما بتتكلم معانا بتتكلم معانا من طرف مناخيرها وبالعافية، معرفش شايفة نفسها ليه كده..


تنهدت سلمى باختناق ثم أردفت:


-بلاش تتكلمي في الموضوع ده، ولا تتكلمي عنها بلاش تعادي حد مدام معملش ليكي حاجة بشكل واضح ومباشر.


حاولت جهاد أن تتحدث في شيء أخر غير سامية متمتمة وهي تنظر على وجه شقيقتها:


-قومي حطي ليكي شوية بلاشر ولا حطي روج خفيف كده..


رغم عشق سلمى الشديد إلى مستحضرات التجميل والتي تشتريها في بعض الأحيان بكثرة إلا أنها لا تضعها إلا في المنزل...


لذلك ردت على شقيقتها بوضوح:


-أنا بحب شكلي الطبيعي.


قاطعتها جهاد ساخرة في البداية ثم حاولت أن تتحدث بنبرة لينة:


-هو أحنا في برنامج صباح الخير يا مصر علشان تقوليلي البوقين دول وسر جمالي هي شرب المياة كتير، حطي حاجات خفيفة مش هتكون باينة أصلا، ومعرفش أنتِ متنحة ليه كده، افرحي يا عروسة بقا..


هتفت سلمى باعتراض وسخرية وهي تنظر لها نظرات قاتلة:


-مش عارفة افرح، في حاجة غلط، وبعدين ابعدي عن وشي دلوقتي علشان كل ما بفتكر أنك السبب في اللي أنا فيه النهاردة ده ببقى عايزة امسكك واعجنك.


نظرت لها جهاد بضيقٍ ثم غمغمت وهي تسترسل الأخبار التي أتت من أجلها وما يحدث في الخارج:


-ماشي يا ستي ماشي، على فكرة عم زهران بيكلم خالو في التليفون وبيتفق معاه على جوازتك أنتِ ونضال هما جم بقالهم شوية أنتِ شكلك مش معانا ومش مركزة.


تمتمت سلمى بنبرة غير مفهومة بالنسبة إلى جهاد:


-تفتكري هيجي؟!.


سألتها جهاد بغباء أغضبها:


-مين ده اللي هيجي؟!..


غمغمت سلمى باستنكار:


-هيكون مين يعني أبوكي، المفروض أمك راحت لأهله وطلع مردهاش زي ما قالت هي مقالتش تفاصيل بس دي الحاجة اللي قالتها وهو عارف أنهم جايين النهاردة تفتكري هيجي؟!.


قالت جهاد وهي تتذكر ما كان يحدث في الخارج قبل دخولها:


-والله يا سلمى مش عارفة، بس أنا سمعتهم برا بيقولوا أنه مدام اتأخر كده يبقى مش هيجي وعلشان كده كلم خالك علشان الاتفاق..


كانت سلمي في تلك اللحظة منقسمة إلى قسمين، القسم الأول هو أنها سعيدة بأنه لن يأتي ويسبب لهم المزيد من الاحراج....


أما القسم الآخر قسم طفولي يشعر بالرغبة في وجوده، يرغب ولو في مرة أن تكون موضع اهتمام بالنسبة له...


فـهو هرب للمرة التي لا تعرف عددها حتى لا يتحمل أي مسوؤلية..


الهروب هو ما ملخص ما يفعله والدها دومًا...

ورُبما هو صفة بشرية لذلك لا تشعر بالثقة تجاه أي شخص...


..بعد مرور ساعة تقريبًا..


بعد وقت طويل من الإنتظار أخبرت يسرا الجميع بأنه لن يأتِ..


كانت سلمى تجلس بجوار والدتها وانتصار على الأريكة بينما جهاد كانت تجلس على أحد المقاعد..


سلامة، نضال وزهران يجلسون على أريكة واحدة..


زهران كان يعلم أمر يسرا بأنها ليست على ذمة هذا الرجل والفضل يعود إلى سلامة "الذي عرف من جهاد بالطبع"..


لذلك زهران كان يشعر بالسعادة وفي البداية ظل الجميع ينتظر أن يأتي مدحت حتى أن زهران حاول الاتصال به شكليًا فهو لا يرغب بوجوده لكن هاتفه كان مغلق، لذلك اتصلت يسرا بشقيقها حتى يتحدث معه معلنة بكل وضوح بأن مدحت لن يأتي لم يخب ظنها فيه ولو لمرة هو دومًا يختفي وقت المسؤولية..


هتف زهران بنبرة هادئة وجادة وهو ينظر إلى يسرا:


-طبعا كتب كتاب سلامة وجهاد كده أتحدد بعد شهر والفرح بعدها بأسبوع والحمدلله سلامة بعت للقاعة وهتكون متاحة الميعاد اللي أحنا عاوزينه، وهيروح يدفع ويحجز وكله تمام وأحنا يعتبر خلصنا موضوع سلامة وجهاد وأنا بتكلم مع خالكم وبالنسبة لخطوبة سلمى ونضال يشوفوا هما عايزين يعملوها فين و...


قاطعت سلمى حديث زهران هاتفة بجدية:


-الخطوبة عائلية بينا وبين بعض أفضل يعني أنا شايفة كده.


سأل زهران ولده متمتمًا:


-إيه رأيك يا نضال؟!.


رد نضال عليه بنبرة هادئة:


-معنديش مشكلة أنا كمان مبحبش الافراح الكبيرة في الخطوبة.


تمتم زهران بنبرة عذبة وهو ينظر إلى يسرا:


-نشوف الست يسرا رأيها إيه؟!.


نظر سلامة ونضال إلى بعضهما نظرات ذات معنى لتعقب يسرا بنبرة رزينة وهادئة:


-أنا معنديش مشكلة مدام الولاد عايزينها عائلية اللي يحبوه.


هتف زهران بنبرة جادة لكنها لا تليق أبدًا بنظراته وحديثه:


-وأنا زي الست يسرا بالظبط معنديش مشكلة في حاجة الولاد يعملوا اللي حابينه.


تمتمت سلمى برجاء أخير لعلها تحاول تأخير الأمر قدر المُستطاع:


-ممكن نعمل الخطوبة لما خالو ينزل بعد فرح سلامة وجهاد ان شاء الله.


رد زهران عليها رافضًا ما تقوله :


-لا يا بنتي إيه اللي يقعدنا لبعد الفرح وبعدين خالك ممكن ميكنش عنده وقت يقعد ده هو قال هينزل واحتمال يقعد يوم بس بعد الفرح ويسافر وهيجي يوم كتب الكتاب الصبح كان بيحجز التذاكر أونلاين وهو بيكلمني، وبعدين  بعد الفرح أكيد هنكون لسه خارجين من فرح جهاد وسلامة مش هنلحق.


تنهدت سلمى بضيقٍ تحت نظرات نضال الذي يحاول تفسيرها وتحليلها جيدًا، وأردفت:


-اللي يريحكم..


قبل أن يتحدث أي شخص كان زهران يهتف مرة أخرى موجهًا حديثه إلى يسرا:


-المهم أمك رأيها إيه في الموضوع؟!.


هتف سلامة بصوتٍ غير مسموع للجميع إلا نضال الذي يجلس ملاصقًا فيه بسبب ضيق الكنبة:


-مش هنخلص أحنا.


تمتمت يسرا مقترحة:


-فعلا مش هنلحق نعملها وهو هنا.


أردف زهران بإعجاب حقيقي بحديثها:


-اهو ده الكلام المضبوط واللي يدخل الدماغ، احنا نجيب الشبكة وبعدها بكام يوم نحدد ونعمل الخطوبة هنا بينا وبين بعضينا.


تمتمت انتصار بنبرة جادة وابتسامة لم تفارق ثغرها رغم كل شيء هي ترى سلامة ونضال أطفالها لذلك هي سعيدة من أجله حتى ولو كانت تتمناه إلى ابنتها:


-ربنا يتمم بخير ليكم يا حبايبي..


قال الجميع في نفس واحد تقريبًا..


"آمين"


هتف زهران بنبرة هادئة:


-خلاص نحدد يوم ان شاء الله ونضال يجي هو ومرات عمه فيه وتروحوا تجيبوا الشبكة ان شاء الله ونعمل الخطوبة بعدها بكام يوم، وكمان مش عايزينها تزيد عن سنة ولو قبل السنة ده يكون احسن عايزين نفرح بيهم؛ جهاد وسلمى بناتي واللي بس هيفكر يزعلهم فيهم أنا بس اللي هقفله.


قالت انتصار بنبرة لينة وهي تنظر لهم بمودة:


-ربنا ما يجيب زعل ويجعلها جوازة السعد والهنا ليهم يارب.


تمتمت سلمى بنبرة شبة هامسة:


-ده لو كملت.


شعر زهران بأن شفتيها تحركت أو أنها حركت رأسها مما جعله يسألها:


-بتقولي حاجة يا سلمى يا بنتي؟!


قالت سلمى بنبرة مغتاظة:


-لا مبقولش حاجة يا عمو.


تمتم زهران بلا وعي:


-اللي تشوفه الست يسرا..


عقب نضال بعدم فهم:


-هي قالت حاجة أساسًا.


ضحك سلامة محاولًا أن يمرر الموقف متمتمًا من وسط ضحكاته التي لاحقه الجميع بعدها:


-أبوك بيحب يهزر كالعادة يعني.


كان زهران يشعر بالغيظ من نضال، لكنه حاول أن يسترسل الحوار بلباقة:


-يلا نقرأ الفاتحة.....


قالت جهاد بحماس شديد:


-استنوا هتصل بخالو فيديو كول علشان يقرأها معانا.


_____________


بعد مرور أسبوعين..


هذا الاتصال الثالث الذي يأتي منها...

تجاهل الأول والثاني مُرغمًا بقوة كبيرة يفرضها على نفسه لكن لم يستمر طويلًا هذا التحكم الجبار، مما جعله يرد عليها...


-ألو.


جاءه صوت ليلى الدافئ لكنه الحانق في الوقت نفسه:


-ألو، ازيك يا دياب عامل إيه؟!.


تمتم دياب بنبرة هادئة:


-أنا الحمدلله بخير، أنتِ عاملة إيه؟!.


أردفت ليلى بانزعاج كبير وألم واضح وضوح الشمس هي تتألم، لم يعد لها حياة من بعده هو لا يشعر بها أبدًا:


-هو أنا مش بوحشك، مش بتفكر تتصل بيا؟! مش بتفكر تبعتلي ماسدج تطمن عليا، معقول مسحتني بالشكل ده من حياتك؟! ونسيت كل حاجة ما بينا، لو كنت عملت كده طب قولي أنا ازاي انسى؟! وبلاش كلام ملهوش لازمة أنا مش عايز اديكي أمل.


كلماتها أصابته ولكن عقب دياب على حديثها بجدية:


-هو مش كلام ملهوش لازمة أنا فعلا مش عايز اديكي أمل، ولا أقول كلام أنا مش قده، مش ده دياب اللي عرفتيه، وبعدين يعني فاكرة إني مش بفكر أتصل بيكي بدل المرة مليون في اليوم؟! ده ساعات ايدي بتروح على رقمك وببقى عايز أكلمك، لكن مينفعش وبعود نفسي أنه مينفعش ولازم تعملي أنتِ كمان كده.


ختم حديثه هاتفًا بوضوح:


-أحنا مبقناش لبعض المقاوحة هتتعبك؛ أنا مفيش في ايدي حاجة اعملها لو كان في ايدي أي حاجة اعملها أو حاجة تنفع أو حتى لو أمل بسيط، أنا استحالة كنت سيبتك، أنا سيبتك من عجزي يا ليلى افهميني ارجوكي.


ردت عليه ليلى بصوتٍ جامد لكنه مهزوز رغم ذلك من كلماته القوية:


-أنا قعدت مع العريس واديته فرصة زي ما قولتلي رغم كسرتي وقتها قعدت بس أنا مش شايفة غيرك يا دياب، وأنا من حقي عليك تطمني وتعرفني أنها مرحلة انتقالية في علاقتنا وأننا راجعين زي كل مرة.


هتف دياب بنبرة صارخة لكن صراخ غير مسموعًا، قلبه يصرخ وينزف ولا يشعر به أحد:


-دياب مش بيعلق واحدة بكلمتين يا ليلى لو أنا كده مكناش وصلنا لهنا، أنا سيبتك علشان مش قد إني اتجوزك وإني أكمل في العلاقة دي، مش علشان افضل اتكلم معاكي من ورا أهلك ياريت تفهمي كلامي كويس.


ردت عليه ليلى بانفعال شديد:


-أنتَ ليه بتحسسني اني رخيصة وبجري وراك اللي ما بينا مكنش هين..


تمتم دياب بنبرة غاضبة بعض الشيء:


-لكنه خلص يا ليلى صدقي ده علشان ترتاحي وتريحيني أنا مش سايبك بمزاجي ده غصب عني والله، ويمكن أنا غلطان إني مبلكتكيش ساعتها كان لازم اعملك بلوك وامسح رقمك واعملي أنتِ كمان كده، مبقاش ينفع يا بنت الناس سلام..


أنهى المكالمة وبعدها قام بحظرها من كل شيء أتى أمام عينه...


وأخذ ينظر على الأرض العارية من دون أي شيء فوقها، قامت شقيقته في الصباح بغسل جميع السَجاجِـيد قبل أن تذهب هي ووالدتها برفقة أطفالها إلى خالتها سمر، أما حور كانت في الدرس..


أقترب موعد هبوطه من المنزل من أجل استلام عمله في مشويات خطاب.


___________


اليوم كان يجلس في حديقة المنزل يتناول قهوته ويقلب في هاتفه بلا هدف حقيقي....


اليوم إجازة من العمل، وقرر أن يقضى اليوم بأكمله مع نسمة في المنزل حتى أنه سوف يقوم بالشواء اليوم بنفسه بعدما قام بتجهيز اللحوم في الصباح الباكر والآن يجلس هنا لأن هايدي تجلس مع نسمة في غرفتها.


جاءت منيرة من الداخل وهي تحمل الكعك التي صنعته، ووضعته على الطاولة أمامه مما جعله يعتدل في جلسته ويبتسم هاتفًا بتقدير وثناء واضح:


-تسلم إيدك، شكلها حلو اوي.


هتفت منيرة بنبرة هادئة:


-الله يسلمك يا ابني.


ثم جلست بجوارة وكانت تلك عادتها، هي تخطت الخمسين من عمرها، هي تعمل هنا في المنزل منذ سنوات حينما كان جواد طفلًا صغيرًا..


كانت متزوجة وبعد وفاة زوجها دون أطفال بسبب عدم انجابها لم تفكر في الزواج ثانيًا وأستمرت تعمل في العديد من البيوت حتى وقعت على هذا المنزل الذي أصبح بيت ثاني لها، هي ليست مجرد عاملة بل هي عضو في العائلة منذ الأيام التي قضتها برفقة والدة جواد...


تمتمت منيرة بنبرة موضحة:


-أنا سيبت اللحمة وكل حاجة زي ما هي وبعتهم يجيبوا فحم علشان اللي هنا خلص.


هز جواد رأسه بهدوء ثم غمغم بعدما ترك هاتفه:


-ماشي بس مدام قعدتي القعدة دي يبقى في حاجة عايزة تقوليها.


ابتلعت منيرة ريقها هاتفة بارتباك كونها مكشوفة إلى هذا الحد:


-هكون عايزة إيه بس يا ابني، أنا قولت اقعد معاك مواريش حاجة اعملها ونسمة فوق مع الست هايدي أنا حتى حطيت ليهم كيكة وعصير وحاجات، وياريت الست هايدي تقعد علشان تتغدى معانا لما تشوي بليل..


رد جواد عليها بلا مبالاة:


-هي حرة وبعدين هايدي مش غريبة لو عايزة تقعد هتقعد لو وراها حاجة هتمشي براحتها يعني هي مش مجبرة تكون موجودة طول الوقت، وكفايا أوي أنها بتيجي يوميًا بعد شغلها..


غمغمت منيرة هاتفة بنبرة ذات معنى:


-اه والله بنت أصول ومحترمة، ولما روحت معاهم العين السخنة بجد كانت شايلة نسمة من على الأرض شيل قبل ما تقول الحاجة بتكون عملتها، والله كانت واخدة بالها منها أكتر مني.


لما تشيد بدورها أمامه؟!

هو يعرفها منذ أن كانت طفلة ويعرف اهتمامها بـ نسمة جيدًا، منذ الطفولة تقريبًا...


تمتم جواد بهدوء:


-اه.


زفرت منيرة بضيقٍ مما يفعله على الأغلب هو لا يفهم ما تريده أبدًا أو يرغب في أن تفقد أعصابها، لكنها قررت قرار أخر وهو أن تتحدث في الأمر بنبرة واضحة وصريحة ليس عليها أن تنتظر أن يفهم تلميحاتها لأنه لن يفعل...


-في موضوع كده حابة أكلمك فيه بخصوص هايدي.


تحدث جواد بنبرة جادة فيما يقوله:


-لو هايدي بعتاكي علشان سفرية جديدة فأنا مش هوافق، أنتم لسه راجعين من كام يوم وبعدين أصلا ربنا وحده يعلم قلقي طول ما أنتم هناك كان إزاي أصلا لولا حماس نسمة ولولا مكالمات عمو فريد أنها تروح معاهم واتحرجت إني ارفص مكنتش وافقت من قلقي عليها.


غمغمت منيرة وهي توضح أكثر له:


-مش ده اللي عايزة اكلمك فيه أكيد لو سفرية مش هكون أنا اول واحدة أعرف بيها؛ أنا جاية أكلمك بخصوص هايدي نفسها.


ضيق جواد عينه وسألها بعدم فهم:


-مالها هايدي؟!.


تحدثت منيرة قائلة الأمر كله دفعة واحدة:


-يعني أنا شايفاها بنت مناسبة.


-بنت مناسبة لإيه؟!


أردفت منيرة بانزعاج جلي:


-ليك يابني هتكون مناسبة لأيه يعني؟! بحاول ألفت نظرك ليها البنت مش هتلاقي زيها.


تحدث جواد باستنكار واضح بعدما استدرك الأمر:


-أنتِ عايزاني أتجوز هايدي يعني ولا إيه؟!.


هزت رأسها بإيجاب وابتسامة قوية رُسمت على ثغرها مغمغمة:


-أيوة.


ضحك جواد كما لم يضحك من قبل لمدة دقيقة تقريبًا ثم أردف وهو يحاول التوقف عن ضحكاته بصعوبة:


-والله ضحكتيني وأنا بقالي كتير مضحكتش...


عقدت منيرة حاجبيها وتحدثت بانزعاج واضح:


-هو إيه اللي ضحكتك وبقالك متير مضحكتش أنا مش بوزع نكت أنا بتكلم بجد على فكرة.


هنا تغيرت ملامحه تمامًا وتحدث بنبرة مستنكرة:


-أنتِ بتهزري أكيد، أولا هايدي دي زي اختي وثانيا عيلة صغيرة بالنسبالي، وإيه اللي جابها في دماغك أصلا؟!!!..


تحدثت منيرة بدفاع واضح عن فكرتها:


-متكبرش الموضوع أوي الفرق مش كبير زي ما بتحاول توصفه، وبعدين مالها هايدي؟! بنت ناس وشبعانة وعينيها مليانة زي ما أحنا بنقول، بتحب اختك وحط تحتها مليون خط الجملة دي وكمان معجبة بيك..


ردد جواد جملتها الأخيرة:


-معجبة بيا؟!..


هتفت منيرة بتأكيد:


-أيوة باين من نظراتها وبلاش نظراتها من سؤالها عنك حتى لو أنتَ مش موجود، وهي اللي تناسبك فعلا وتنفعك.


حاول جواد التفكير في الكلمات التي يسمعها، وإيجاد تفسيرات واضحة وهو يتذكر مقابلاته الصغيرة جدًا ليها وغمغم:


-أولا أنا مظنش أنها معجبة بيا، ثانيًا حتى لو هي كده مش معناه إني اروح اتجوزها ومش معناه برضو تكلميني عنها بالشكل ده، مش كل واحد أعجب بحد أو بشخصيته بينه وبين نفسه ده معناه أنه عايز يتجوزه، غير أن دي كلها تحليلات في دماغك أنتِ وبس..


تمتمت منيرة بضيقٍ وهي تعقد ساعديها:


-والله بقا أنتَ حر أنا عايزة مصلحتك يا ابني وأنتَ عارف.....


قاطعها جواد بنبرة واضحة وهو يشرح لها منطقه:


-بلاش نتكلم في الموضوع ده تاني، هايدي صاحبة نسمة وجارتنا وبس، يوم ما اتجوز تاني ده لو عملتها أصلا هتجوز واحدة بتحبني ولا هي شايفاني Atm ، ولا أن ابويا شايفها مناسبة ولا علشان بتهتم باختي، واللي هتحبني هتعمل اللي يريحني مش هفضل أنا بس الطرف اللي بيدي كل حاجة.


هتفت منيرة بحزن على حاله:


-هو أنا قولت إيه لده كله يا ابني بس؟! أنا بقولك اللي أنا حاساه، وبقولك فكر مش أكتر.


تمتم جواد بنبرة جادة وهو ينظر لها:


-ده مش وقت نتكلم فيه في حاجة زي دي ابويا مكملش كام شهر ميت؛ وأنا لسه مطلق من شهر، ده مش وقت نتكلم فيه عن حاجة سواء هايدي أو غيرها وأنا مقدر أنك عايزة مصلحتي والله بس مينفعش...


____________


بعد مرور ربع ساعة تقريبًا...

بدأ دياب يشعر بالهدوء قليلًا بدلًا من أعصابه المشدودة بسبب تلك المكالمة.


فحاول التفكير وهويشعر بتأنيب الضمير الرهيب..

هو يعلم بأنها لا تستحق أبدًا قساوة كلماته، لكن في النهاية لا يصح غير الصحيح حتى لو كان هو أكثر شيء إيلامًا.


نما إلى صوته رنين الجرس فنهض من جلسته وألتقط مفاتيحه وهاتفه حتى يهبط بعدما يرى من الطارق..


فتح الباب ليجد أمامه تلك الفتاة الغريبة...


-مساء الخير..


سألها دياب باستغراب:


-خير؟!..


هتفت ريناد وهي تفسر سبب إتيانها:


-أنا بكرا عندي امتحان.


ضيق دياب عينه يحاول فهم ما تقوله تلك المعتوهة وعقب ساخرًا:


-إيه أجي اذاكرلك يعني ولا إيه؟! ولا عايزاني اوصلك للمترو؟!..


تحدثت ريناد نافية هذا كله ولم تدرك أنه حقًا يسخر منها:


-لا أبدًا شكرًا، أنا رايحة الامتحان بـ outfit كله أبيض في أبيض....


ضحك دياب هاتفًا من وسط همه:


-إيه أبيض في أبيض هو فرحك في اللجنة على المراقب ولا إيه؟!.

 

كزت ريناد هنا على أسنانها متمتمة بانزعاج:


- على فكرة Not funny، المهم أن لبسي اتغسل وعايزة احطه على الحبل يعني أنشره يعني ضروري وأنتم حاطين سجاد وعمال ينقط وأنا محتاجة أنشر.


هتف دياب بنبرة هادئة حتى يتخلص منها:


-البسي غيره سهلة..


قاطعته ريناد بنبرة منزعجة:


-والله؟! كتر خيرك مكنتش عارفة أعمل إيه، حل عبقري، بقولك اتصرف في الغسيل وأنتَ مالك ألبس إيه وملبسش إيه؟!..


تمتم دياب وهو يشير لها متهكمًا:


-أنا مالي بلبسك إيه؟! أنتِ اللي عماله توصفي هتلبسي إيه، وبعدين في حد يركب مواصلات لابس أبيض في أبيض وبعدين يعني إيه أبيض في أبيض هو أنتِ فلاحة، احنا في الشتاء.


صرخت ريناد في وجهه متمتمة بغضب واضح:


-معلش يا أستاذ إيلي صعب، هأخد رأيك مرة تاني في لبسي وإيه الألوان اللي تنفع ومتنفعش ممكن تدخل تقولهم يشيلوا السجاد بعد أذنك...


هتف دياب بنبرة غامضة:


-هو مش هيلحق ينشف عمومًا على الصبح احنا في الشتاء.


قاطعته ريناد بعدم تصديق كلماته:


-ما تشيل السجاد أسهل بدل ما أنتَ عمال توجد ليا حلول بديلة إيه رأيك؟! دخلني أقولهم أنا أحسن...


أشار إليها بالدخول، فابتسمت لأنه توقف عن الحديث وستنهي الأمر وما أن تحركت خطوة واحدة أشار لها بيده أن تتوقف هاتفًا:


-أنتِ رايحة فين؟!


عقدت ريناد حاجبيها هاتفة باستغراب أنه جعلها تتوقف بعد دعوته، هي أصبحت تمتلك علاقة إلى حد ما مع عائلته:


-رايحة أقول لطنط حُسنية تشيل السجاد أو تسيب ليا نص احط فيه هدومي.


تمتم دياب بنبرة عصبية بعض الشيء:


-هو أنتِ أي حد يقولك حاجة تعمليها؟!! يعني أي حد يقولك ادخلي تدخلي، مفيش تفكير لمدة دقيقة حتى؟!.


هزت كتفيها بلا مبالاة مغمغمة:


-أيوة إيه المشكلة مش فاهمة أنتَ كل حاجة بتكبر المواضيع ليه؟!


هتف دياب موضحًا بنبرة غاضبة إلى حدٍ كبير:


-أنتِ غبية ولا بتتغابي ولا دي طبيعتك؟!، يعني أنا راجل غريب وبقولك ادخلي وأنتَ فاتحة صدرك على الآخر ورايحة تدخلي بجد مفيش احتمال واحد في المئة اني بكدب عليكي ومحدش جوا يخليكي تفكري ولو لثواني.


ضيقت ريناد عيناها هاتفة بنبرة عصبية هي الأخرى:


-وأنتَ تكدب عليا ليه أنتَ اللي مش طبيعي والله، مش طبيعي؛ يعني قولتلي ادخلي علشان أكلم طنط وبعدين تقولي افرضي اني لوحدي هو أنتَ مجنون؟!.


-أنا بفهمك أن مش كل حاجة حد يقولك عليها تعمليها لازم تفكري ولو لدقيقة، بلاش الثقة الغريبة اللي في الناس دي.


هتفت ريناد بحماقة واضحة:


-كده علشان محدش مضطر يكدب يعني، إلا لو كنت تاجر أعضاء.


بــلاء

صدقًا أنها بــلاء فوق رأسه...


-يلا امشي من هنا واتكلي على الله..


ردت عليه ريناد بغباء واضح:


-مش همشي غير لما تدخلني علشان اتكلم مع طنط ممكن تعديني.


-يا صبر أيوب والله، امشي يا بنت الناس أنا قاعد لوحدي اقسم بالله، وبعدين متقلقيش وهؤحطلك السجاد في نص واحد علشان تنشري اللبس الابيض في الابيض بتاعك علشان هي ليلة بيضاء اتكلي على الله.


صاحت ريناد في وجهه:


-والله أنتَ قليل الأدب فعلا يعني عمال تعزم عليا اني ادخل وأنتَ لوحدك؟! أنا ليا كلام تاني مع أهلك...


تمتم دياب هو الأخر بنبرة متشنجة:


-بقا أنا قليل الأدب يا أغبى ما شافت عيني؟! يلا يا بت امشي من هنا أنا جيبت اخري منك....


هبطت ريناد وهي تنتعه بأفظع الشتائم بكل اللغات التي تعرفها، كان يستحق صفعة منها على وقاحته، هو رجل وقح على ما يبدو....


لن تتعاطف معه مرة أخرى....


______________


يجلس زهران على الأريكة وهو يقوم بوضع الفحم على الأرجيلة، جاء نضال من الداخل وهو يرتدي سترة جلدية سوداء وأسفلها قميص من الصوف أسود، والبنطال كان من اللون الأسود أيضًا.


 يرتدي ساعة يده عند خروجه من الرواق.


توقف زهران عما يفعله بمجرد رؤيته بتلك الهيئة حتى كاد الفحم المشتعل أن يسقط منه لكنه تمالك نفسه وبمجرد أن وضعه مكانه ترك خرطوم الأرجيلة بعصبية معلقًا:


-إيه السواد ده كله؟! أنتَ رايح عزاء ولا رايح تجيب الشبكة مع العروسة، هي العروسة محروقة؟!..


اندهش نضال من تعليق والده لكنه تحدث بنبرة طبيعية لأنه لم يكن يقصد أي شيء:


-هو أنا أول مرة ألبس كده؟! وبعدين شكلي حلو يعني.


تمتم زهران بسخرية واضحة وهو يراقب وجهه بعدما قام بضبط لحيته وتهذيبها:


-حتى لو حلو الأسود الكتير ده مش بيعجبني أنا، وبعدين سيبك من اللبس، افرض وشك شوية؛ أفرض وشك يا حبيبي مش عارف طالع نكدي  كده لمين؟! ده أنا اسعد لحظات حياتي كلها هي اللي كنت بمشي فيها في جوازة.


هتف نضال بنبرة منفعلة بعض الشيء:


-والله ده وشي الطبيعي.


تحدث زهران نافيًا بعدما ألتقط خرطوم الأرجيلة وسحب نفس منه:


-لا مش الطبيعي لما استلمتك في المستشفى لما أمك ولدتك مكنتش ضارب بوز ومكلضم كده، افرح متبقاش نكدي، بكرا تبوس إيدي على اختياري لسلمى.


تمتم نضال هنا متحدثًا بنبرة ذات معنى:


-الحاجة الوحيدة اللي بحاول انساها هي دي وبلاش تفكرني بيها أنك السبب في اللي أنا فيه دلوقتي، بحاول أنسى أنك أنتَ اللي بادئ الموضوع واتعامل عادي.


هتف زهران معترضًا:


-والله نكدي، ده ربنا يكون في عونها هي، فكها يا ابني علشان ربنا يفكها عليك، انبسط كده وافرح، وبعدين ده احنا لسه بنحيب الشبكة وقدامكم فترة خطوبة تتعرفوا فيها على بعض أكيد لو الدنيا ممشيتش خلاص كل واحد يروح لحاله.


لم يعد هناك وقت للاعتراض لذلك هتف نضال بهدوء وتمني حقيقي:


-ربنا يعمل اللي فيه الخير..


عقب زهران على حديثه بجدية شديدة:


-والله دي أحسن جملة قولتها.


سأله نضال مؤكدًا:


-مش ناوي تيجي؟!.


هز زهران رأسه نافيًا ثم غمغم بعدها بحكمة:


-لا وأنا هعمل إيه؟! دي شغلة ستات ومرات عمك هتحصلكم على هناك مع سلامة وجهاد، والله أنا ما عارف سلامة جاي معاكم ليه المفروض الحريم هي اللي تروح..


ثم ابتلع ريقه وقال:


-روح كده وافرض وشك واطلع خد خطيبتك وامها من قدام شقتهم وأنا مكلم عمك شعبان وهو مجهز ليكم كل حاجة..


___________


بعد مرور أكثر من نصف ساعة...


كانت سامية تجلس في حجرتها تشعر بالاختناق الشديد، لم يعد لحياتها طعم أو لون، منذ أن أسود وجهها أمام والدتها وعمها...


رغم أنه لم يصرح شخص أمامها طوال الأيام الماضية بتساؤلاته عن عدم اتصاله إلا أنها تشعر بحرج كبير، وضعها في موضع الحمقاء وهي التي أخبرت الجميع، بينما مر أسبوعين لم تسمع فيهما صوته ولم تتلقى اتصال منه، لم ينفذ وعده...

لم يتصل بعمها..


حتى أنه مختفي اختفاء غريب من مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت تلك عادة غريبة عنده، والحساب الشخصي لديه فارغ في الغالب ليس به منشورات كثيرة أو تفاصيل...


حتى الأصدقاء يقوم بأخفائهم لا تعرف عنه شيء.

لما فعل بها ذلك؟!.


هي تشعر بألم كبير...

هل يتلاعب بها؟!

هل كانت لعبة في يده؟!!!


لما يخبرها بأنه سوف يتحدث، وبجعلها تشعر بالحماس ويطلب منها أن تخبر الجميع وبعدها يختفي..


كرامتها وكبرياؤها يمنعها من الاتصال به، وبأي وجه ستفعل؟! هل سوف تسأله لما لم تتصل وتطلب يدي؟!!


سمعت سامية صوت الجرس فمسحت دموعها سريعًا ونهضت من فوق الأريكة ثم سارت بضعة خطوات إلى أن وصلت إلى باب الشقة وقامت بفتحه...


لتجد زهران أمامها وهو يرتدي بنطال أسود، وسترة صوفية سوداء، ومعطف أسود....


 نظرت له سامية بانبهار واستغراب شديد، الملابس كانت تناسبه إلى حدٍ كبير وحينما وجدها زهران تنظر له باستغراب أردف بقلقٍ:


-إيه بتبصي كده ليه؟!.


تمتمت سامية بتوضيح:


-مش عارفة يا عمو بس أول مرة ألاقيك لابس أسود في أسود كده، ونادرا ما تلبس حاجات غير العبايات..


قال زهران ببساطة شديدة:


-يعني حبيت أغير شوية، بس إيه رأيك حلو الأسود عليا؟! أنا قولت اغير واتبع الموضة، بعدين الأسود على الأسد بيمنع الحسد.


هتفت سامية بإعجاب حقيقي بعد ضحكة خرجت منها بسبب تعقيبه الأخير:


-زي القمر يا عمو والله صغرت يجي عشرين سنة.


تحولت نظرات زهران المشاغبة إلى أخرى منزعجة هاتفًا:


-ليه كان يبان عندي كام سنة قبل كده؟!..


ضحكت سامية رغمًا عنها:


-ولا حاجة أنتَ لسه شباب يا عمو.


غير زهران الحديث ببراعة:


-أمك نزلت ولا لسه؟!..


ردت سامية عليه بتوضيح:


-ماما راحت مشوار كده والمفروض هتقابل سلامة برا برا..


هتف زهران متذكرًا:


-ايوة صح نسيت؛ المهم صحيح الواد اللي كنتي بتتكلمي عليه ده متصلش بيا ولا حاجة يعني....


شحب وجه سامية، أصفر وجهها بشكل مخيف في ثواني وهي تبتلع ريقها هاتفة بتردد:


-مش عارفة يمكن عنده حاجة، أو في حاجة حصلت........


نظر لها زهران غير مقتنعًا وغير الحديث للمرة الثانية متمتمًا:


-بقولك إيه ما تيجي معايا أنا رايح ليهم عند الصايغ..


رفضت سامية بتردد هاتفة:


-معلش والله يا عمو أنا بس تعبانة شوية ومخنوقة ومش حابة أنزل.


لم يرغب زهران في أن يضغط عليها لذلك غمغم بنبرة ذات معنى وهو يوضح لها أنه يعرف همها ويعرف ما الذي يجعلها لا تتحرك من المنزل والذي يجعلها شاحبة بهذا الشكل:


-ماشي اللي يريحك، اهم حاجة متحطيش في بالك حتى لو متصلش سيبك منه....


______________


يقف نضال أسفل البناية يضع يده في جيبه ينتظر هبوطها هي ووالدتها، وكلما تمر بضعة دقائق ينظر على ساعة يده....


 لا يعلم لما تأخرا عن الموعد...


ليس معه رقمها حتى يتصل بها، ولا رقم والدتها، أليس هذا شيئًا غريبًا..


أنه لا يمتلك رقم الفتاة التي يذهب لشراء الشبكة معها وقريبًا خطبتهما.


اتصل بوالده الذي أجاب عليه:


-خير عملتم إيه وصلتم؟!.


تمتم نضال بنبرة ساخرة:


-وصلنا إيه أنا لسه واقف تحت مش عارف منزلوش ليه لغايت دلوقتي أنتَ مش متفق معاهم امبارح؟!.


جاءه صوت زهران ببساطة وهو يخبره:


-اتصل بيها بالتليفون يا ذكي وبعدين أنا قولتلك اطلع وخبط عليهم.


عقب نضال ساخرًا:


-لو معايا رقم اكيد كنت اتصلت، بفكر ابعت لسلامة يبعتلي رقمها.


قاطعها زهران باستغراب:


-وليه كل ده!؟ اطلع عادي خبط عليهم وشوف في إيه، مش لازم تفضل واقف في الشارع، ودنك منين يا جحا لسه هتتصلي بسلامة...


بعد دقائق..

اقتنع فيها نضال بحديث والده وكان يقوم بقرع الجرس ويقف أمام الشقة وبعد دقيقة تقريبًا فتحت له سلمى الباب...


هتف نضال أولا وهو يرسم بسمة على ثغره:


-مساء الخير، عاملة إيه؟!.


عقبت سلمى على حديثه بنبرة هادئة:


-الحمدلله بخير.


تمتم نضال بحرج وهو يشرح لها:


-أنا بقالي شوية واقف تحت ولقيتكم اتأخرتو فقولت اطلع يعني..


هتفت سلمى مفسرة له الأمر:


-ماما كان ضغطها علي شوية وكنت بعمل ليها كركدية وهي بتلبس جوا أسفة لو اتأخرت..


هتف نضال بهدوء ونبرة سريعة:


-لا مفيش حاجة، أهم حلجة صحتها كويسة دلوقتي؟! وبعدين لو تعبانة ممكن نأجلها يوم تاني.


ردت سلمى عليه مختصرة وهي تنظر له:


-الحمدلله أحسن وضغطها نزل شوية.


-الحمدلله.


قالها نضال ثم تنهد وغمغم بنبرة هادئة:


-خلاص أنا هنزل بقا استناكم تحت لغايت ما تخلص.


ردت سلمى عليه رافضة:


-لا استنى..


توقف نضال بعدما كان تحرك بقدمة حركة واحدة وهو يغمغم:


-في حاجة؟!.


هزت رأسها بإيجاب وهي تتحدث بعدما عقدت ساعديها:


-يعني في حاجة حابة أتكلم معاك فيها.


نظر لها باهتمام وقال بإنصات:


-اتفضلي طبعًا.


تنهدت سلمى ثم قالت بجدية دون تردد ولو لثانية واحدة، كانت صريحة بشكل مفجع:


-أنتَ أول مرة لما جيتوا تطلبوا إيدي مكنتش موجود، وجيت في نص القعدة، وأنا حاسة أنك مكنتش عايز تتقدملي أو في حاجة حصلت مش مفهومة...


حاول نضال أن ينفي الأمر مغمغمًا:


-أنتِ بتقولي إيه..


هي تتذكر جيدًا تلميحات زهران يوم قراءة الفاتحة الواضحة وهي ليست حمقاء أبدًا بل منذ عدة أيام تفكر في الأمر، ونظراته إلى والدتها، حتى كلماته كانت واضحة وضوح الشمس وهي تعلم زهران جيدًا، لذلك أردفت بعدما فكت ذراعيها:


-بقول اللي سمعته يا نضال متهايقلي في حاجة غريبة حصلت بس مش قادرة اوضحها بس عم زهران كان جاي يطلب إيد امي مكنش جاي علشاني أنا وأنتَ..............


______يتبع___

تكملة الرواية من هنااااااا

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا

  

تعليقات

التنقل السريع