القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية بحر ثائر الفصل الثامن عشر 18بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)

 

رواية بحر ثائر الفصل الثامن عشر 18بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)










رواية بحر ثائر الفصل الثامن عشر 18بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)





الفصل الثامن عشر


أنت أنثى دافئة جدا، ناعمة جدا، عنيدة مكابرة ولطيفة جدا، 



كلما كنت بالقرب منك منك أشعر بالدفئ



لذا أنا دوما حريص على البقاء قربك



أشاكسك حينا فتغضبين



تهاجمك حينا أمواجي فتغرقين



تلفحك نسمات البرد بقلبي فترتعشين.. 



لأهديك معطفي علّكِ من عطري تسكَرين



حريص بكل الأشكال على البقاء قربك 



وأنت لا تفهمين.. 



منذ جئت وأنا بالفعل لم أعد أشعر أني وحيد غريب



وكأن منزلي الدافئ أخيرا قد عاد إلي.. 



ياامرأة السلام... يا سلامي



( بقلم فيروزة) 




❈-❈-❈



لم يرحموها  ،  أتت الأخبار عبر الإعلام المصري لتكمل عليها  ،  جعلوها مادة دسمة يستخدمونها في القيل والقال وتصدرت البحث دون أن يتأكدوا من اتهامها أو تبرئتها مما نُسب إليها  ، خاصة بعض القنوات التي أيدت رأي المحامي ووصفوها بأنها تسعى لإفساد العلاقات الزوجية . 



ظنت أنها بعيدة عن المؤامرات  ،  لقد ظنت أنها مجرد كاتبة ستعبّر بقلمها عما تشعر ولم تكن تتخيل أن يصل بها الأمر إلى هنا  ،  خاصةً في بلدها التي تحبها كما يحب الجنين أمه  . 



ولكن على ما يبدو أنها كانت ذات عقلٍ صغيرٍ ،  الآن فهمت السلبيات التي تحيط ببلدها كمرضٍ جلدي شوه مظهرها الرائع بعد عينٍ أصابتها بالحسد من شدة حُسنها  . 



متى تتعافين يا بلادي  ؟  متى تعودين جميلة كما كنتِ  ؟  متى يرحل عنكِ كل خبيث  ؟ 



عجلت من قرار سفرها  ،  لم تعد تطيق المكوث هنا بين هؤلاء البشر الذين نزعوا من قلوبهم الخير  . 



ولكن تبقى المعضلة في صغيريها  ،  تعقيد الأمور القانونية لسفرهما معها خاصة وأنها لن تقبل بأخذ الإذن من ذلك الكمال جعلها تفكر في العرض المطروح من قِبل الجميع وهو تركهما هنا مع عائلتها ريثما ترتب أمورها   . 



عائلتها التي كانت ومازالت هي القارب الذي واجهت به كل الأعاصير وبالأخص شقيقها  . 





❈-❈-❈



خرجت من شقتها تغلق الباب خلفها وتحركت نحو المصعد تنوي زيارة ديما لتجد رحمة تغادر شقتها أيضًا وتحمل الصغير في حاملته  . 



ما إن رأتها حتى ابتسمت وتحدثت بهدوء وهي تتجه نحوها  : 



- أزيك يا يسرا  ،  عاملة ايه  ؟ 



أومأت يسرا تجيبها بهدوء ملغم بالمشاعر التي نثرتها حول الصغير  : 



- كويسة الحمدلله  . 



استقلتا المصعد سويًا ونزلتا بصمتٍ قطعته رحمة أمام مدخل العمارة تتساءل  : 



- إنتِ رايحة منين يا يسرا  ؟  أصل النهاردة معاد تطعيم قصي فلو ينفع توصليني  ؟ 



التفتت يسرا تحدجها بنظرات متفحصة وكادت أن ترفض خاصةً بعدما تأكدت من شخصيتها المستغلة ولكن تململ الصغير داخل بيته وبكائه جعلاها ترضخ زافرة بقوة ثم تحركت نحو سيارتها تجيبها  : 



- تمام اركبي  . 



أطاعتها رحمة واتجهت تستقل الجهة المقابلة هي وصغيرها الذي هدأ من هدهدتها له وبدأت يسرا تشغل المحرك لتقود بصمتٍ وجدية  . 



بعد دقائق قليلة قطعت رحمة الصمت وهي تتساءل بنوعٍ من المكر  : 



- يسرا أنا مش عايزاكِ تكوني زعلانة مني  ،  أنا عارفة إنك عملتي معايا اللي مافيش حد عمله ووقفتي جنبي طول فترة حملي وأنا هفضل مديونة ليكي ولدياب بده  ،  بس أنا ساعات بخاف  ،  حاولي تفهميني لو سمحتي  . 



انزعجت من نطقها لاسم زوجها هكذا ولكنها لم تظهر ذلك بل تساءلت بشكٍ وعينيها على الطريق  : 



- بتخافي من إيه  ؟  ممكن توضحي  ؟ 



تنفست رحمة بعمق وتابعت بترقب وعينيها على ملامح يسرا المتحفزة  : 



- إنتِ عارفة إن مابقاش ليا حد وحتى أهلي رافضين يسامحوني واتخلوا عني  ،  مافيش في حياتي غير قصي اللي اتعلقت بيه جدًا  ،  غصب عني بحس إني أنانية في حبه ومش عايزة حد يشاركني فيه  ،  فهماني  . 



آلمها قلبها لذا اعتصرت عينيها لتتخطى عثرات هذا الشعور ولكنه ملأ دروبها لذا أجابتها بنبرة حزينة مغلفة بالصقيع دون النظر نحوها  : 



- لا مافيش داعي لخوفك أصلًا يا رحمة  ،  أنا ساعدتك لإني مش من النوع اللي بشوف حد في وضعك واتجاهله  ،  وعلى فكرة دياب قال لي بلاش  . 



التفتت تباغتها بنظرة ذات مغزى توضح لها أنها باتت تفهم نواياها لذا استطردت  : 



- يعني حذرني لإنه بيخاف على مشاعري جدًا في الأمر ده بس أنا أكدت له إن مافيش أي حاجة هتأثر على مشاعري بالعكس  ،  أنا إنسانة سوية الحمد لله بتمنى الخير لغيري  ،  وهو عارف كدة ودي أكتر صفة بتعجبه فيا  ، وطبعًا حقك تكوني أنانية في حب ابنك  ، كلنا أنانيين مع اللي بنحبهم ومستحيل هنسمح بحد تاني يشاركنا فيهم  .



توترت نظرات رحمة لذا التفتت مسرعة تنظر أمامها وتهدهد الصغير الذي بكى مجددًا بينما أكملت يسرا سيرها وهي تفكر في تلك القاطنة جوارها  ،  ترى بماذا تفكر  ؟ 


  



❈-❈-❈



كان يباشر عمله بتركيز قبل أن يدلف عليه عامل يصيح باحترام  : 



- باشمهندش داغر ماجد بيه عايزك في المكتب  . 



التفت يطالعه وعبس وجهه حينما سمع اسم ماجد ليستغفر الله ويزفر ثم أردف بثقل  : 



- ماشي يا نادر روح إنت كمل شغلك . 



غادر العامل ووقف داغر يفكر  ،  لقد طفح الكيل منه ومن أفعاله  ،  يوميًا يتسكع ويتكاسل في إدارته للمصنع ولولا صرامة داغر وصالح لكان تم إغلاق هذا المصنع من اليوم الثاني لإدارته  . 



إنه مستهتر لا يفلح في شيء سوى الأمر والنهي في قرارات خاطئة لذا لن يصمت بعد الآن  . 



تحرك نحو مكتبه وقد رآه صالح وتمنى ألا يحدث ما لا يحمد عقباه  ،  وصل داغر إلى المكتب وطرق الباب قبل أن يفتحه ويدلف ليباغته الآخر بعنجهية ويبصق كلماته المهينة بانزعاج كاذب وهو يعتدل في جلسته  : 



- ماتدخلش غير لما اسمحلك  ،  هي مش وكالة من غير بواب  . 



استنكر داغر ما يقوله وصاح يجيبه  : 



- هو مش إنت اللي بعت لي أجيلك ولا أنا بيتهيألي  ؟ 



- وده يديك الحق إنك الباب تفتح وتدخل  ؟ 



أجابه بتوبيخ متعمد إهانته أمام نفسه ولكن شخصية داغر تأبى هذا الأمر برمته لذا اقترب منه يردف بتأهب أخافه  : 



- بقولك إيه يا أستاذ ماجد  ،  ماتخليك دوغري معايا  ،  عندك حاجة تقولها ولا ارجع أشوف شغلي وتشوف شغلك إنت كمان  ! 



بالرغم من توتره من صلابة داغر إلا أنه نهض يطرق بكفيه على المكتب ويصيح بعلو  : 



- إيه الطريقة الهمجية بتاعتك دي  ؟  إنت فاكر نفسك بتتكلم مع واحد صاحبك  ؟  أنا هنا مدير ومالك المصنع يعني تقف وتتكلم عدل  . 



زفر داغر بقوة ومسح على وجهه مستغفرًا لتمر على عقله بسمة وثقتها به لذا قرر أن يغادر من أمامه وفعل حينما التفت ينزع نفسه ويخرج من المكتب تحت أنظار ماجد المتعجبة من جرأته  . 



اندفع داغر عائدًا إلى عمله ولكن ماجد قد قرر اتخاذ الخطوة التي اتفق عليها هو ووالده  ،  لقد اتفقا على أن يخرجاه من المصنع بأي ثمن  ،  يوقعاه في بسمة ليضمنا عدم عودته مجددًا لذا  .... 



تحرك ماجد خارج مكتبه يتجه نحو العمال حتى توقف أمام داغر وأردف بتوبيخ وصياح  : 



- هو انت إزاي تتعامل معايا كدة  ؟  لتكون ورثت في المصنع وأنا ماعرفش  ؟  أنا لما أكلمك يبقى تقف قدامي باحترام  ،  إنتوا هنا شغالين عندي  ،  فاهم  ! 



التفت داغر ينظر لوجوه العمال التي التفتت له لذا عاد يباغته بغضب يحاول تقييده ويردف  : 



- أنا فعلًا جيت ووقفت قدامك باحترام بس إنت عايز تعمل مشكلة  ،  عديها يا أستاذ ماجد علشان ملوش لازمة وخلي كل واحد يشوف شغله  . 



تعمق فيه لثوانٍ قبل أن يبتسم مستهينًا بسخرية واضعًا كفيه في جيبيه بتعالٍ مسترسلًا بتقليل  : 



- لا دانت شكلك واخد ضمان فعلًا  ،  ليكون حد وعدك كدة ولا كدة ومصدق نفسك  ؟ 



ربما يتعمد استفزازه أو تحديه ونجح في ذلك حيث أنه أشعل مواقد تحفزه لذا أردف داغر بشموخٍ ترعرع فيه  : 



-  واضح كدة إنك مش فاهم يعني إيه حد عنده ضمير في شغله وبيراعي ربنا فيه ودي مشكلتك للأسف   . 



انحنى قليلًا يميل عليه ويهس من بين أسنانه بغلٍ مقيد  : 



- أنا واحد كرامتي فوق أي اعتبار ومش أنا اللي افرض نفسي على حد ولا اخد ضمان على حاجة مش بتاعتي  ،  خليك في حالك بعيد عني  . 



ابتعد عنه ينظر لملامحه التي تجهمت من مغزى كلامه وأدرك أن بسمة تخبره بكل شيء عنه لذا اشتعل غيظًا وظل متجمدًا يصوب عينيه نحوه وهو يفحص إحدى الماكينات  . 



لقد أصبح خطرًا عليه هو  ،  لقد مسه هو  ،  ليس خطرًا على العمل فهو يعمل بجدٍ وليس خطرًا على بسمة فهو نوعها المفضل ولكنه إن تركه الآن سيفرض سيطرته أكثر وأكثر  ،  سيظن أنه انتصر  ،  سينجح في الحصول على ما يريده لذا استيقظت وحوشه الكاسرة وبتهورٍ تمناه اندفع نحوه يرطمه في الماكينة بقوة وبشكلٍ مفاجئ تألم على أثره داغر ولكنه أسرع يعتدل ويقبض على تلابيبه يصيح بجهور  : 



- إنت جيت للشخص الغلط  ،  خدلك ساتر بعيد عنـــــــــــــــي  . 



رفع ماجد كفيه ليهاجمه فأسرع صالح يخلصهما مع بعض العمال وعمت الفوضى في المكان وتأهبا ينظران لبعضهما بكرهٍ واضح بعدما نجح العمال في فصلهما لذا نطق ماجد بغل صريح ومسبة  : 



- ماتحلمش توصل للي إنت عايزه  ،  أنا فاهم أشكالك كويس وعارف إنك حاطط عينك على بسمة  ،  فوق يالا دانت بإشارة مني أدمرلك مستقبلك كله  . 



حينما ذكر اسمها أمامه تهيأت شياطينه تلزمه بضربه لذا نفض نفسه من أيدي صالح وهجم عليه على حين غره يسدد له لكمة قوية التوت أنفه على أثرها قبل أن يعاود العمال فصله عنه  . 



كاد أن يهجم عليه مجددًا ولكن وقف صالح  أمامه ينطق بقوة محذرًا  : 



- بيكفي ياخو ، هيك عم تجيب الحق عليك . 



لجمه صالح لينزع نفسه ويقرر أن يغادر المصنع  ،  لقد احتمل فوق طاقته وليس هو الذي تُهدر كرامته حتى لو كان على حساب وصية بسمة  . 



زفر صالح بقوة واندرجت ملامحه تحت بند الحزن وقرر أن يتبعه وليكن لكل حادثٍ حديث  . 





❈-❈-❈




تجلس ديما في منزل عائلتها بين والدتها وشقيقتها والصغار وبسمة ويسرا ،  جميعهن تتحدثن وتحاولن إقناعها  . 



تجلس معهن مشتتة وعينيها لا تفارق صغيريها اللذان يلعبان بينهن  . 



نظرت إلى يسرا التي تؤكد لها بحنين  : 



- ديما إنتِ عارفة شغل دياب وعارفة إنه طول الوقت برا البيت صدقيني هكون معاهم هنا يوميًا بس يارب طنط منال ماتزهقش مني  . 



قالتها ونظرت إلى منال بابتسامة متنكرة لتطالعها الأخرى باندهاش وتردف بنبرة معاتبة  : 



- اخص عليكِ يا يسرا ده كلام  ؟  بالعكس بقى انتِ هتنسيني غياب ديما شوية  ،  وبعدين مانتِ كمان عارفة إن معظم الوقت قاعدة مع الولاد لوحدي ودينا وداغر في شغلهم  . 



استرسلت وهي تنظر لابنتها  : 



- وانتِ يا ديما خلاص يابنتي بقى كفاية قلق وخوف  ،  معقول خايفة عليهم معايا  ؟  دول حتة من قلبي وانتِ عارفة كدة  ،  وبعدين مش هما بنفسهم قالولك موافقين  ؟ 



تنهيدة قوية معبأة بالحنين وهي تنظر لهما ثم زفرت وأردفت توزع نظراتها بينهن  : 



- مش خوف يا جماعة  ،  أنا مطمنة عليهم معاكوا طبعًا  ،  انتوا بتحبوهم وبتراعوهم زيي وأكتر بس قلبي مش قادر  ،  خايفة أوي آخد خطوة زي دي وأكون أم اتخلت عن ولادها علشان خاطر نفسها  . 



تحدثت بسمة بنبرة عقلانية مبطنة بالتوبيخ  : 



- طيب وإنتِ اتحملتي تمن سنين في ضغط وحزن وقهر علشان مين يا ديما  ؟  كنتِ كل مرة تسامحي في حقك علشان مين  ؟  خلقتي مليون فرصة تكملي بيها  ،  لو سمحتي بلاش مرة تانية تقولي إنك أم اتخلت عن أولادها  ،  كل ما في الأمر إنك رايحة مكان جديد وغريب ومش هتعرفي تتحركي بيهم بسهولة هناك ولا توصلي رسالتك بشكل صح غير لما تستقري  ،  ولما تستقري تقدري ترجعي وتاخديهم أو العكس ممكن ماترتاحيش هناك وترجعي وتبقى مجرد تجربة وعدت  ،  وعلى فكرة أصلًا فكرة إنهم يكونوا معاكي دي مش صح بالنسبالهم خالص  ،  هنا فيه استقرار ليهم أكتر ، وماتنسيش كمان إن باباهم هيحطلك العقدة في المنشار ومش هيقبل بسفرهم وإنتِ في الوقت ده مش حمل جدال معاه  . 



نظرت دينا إلى بسمة وأردفت بإعجاب وهي ترقص حاجبيها وتقوم بدور داغر الغائب  : 



- عليا النعمة عاقل وعسل وكلامك عسل  . 



ابتسمت بسمة وتذكرت داغر وحركاته لتتحمحم بحرج كأنهن اكتشفن أمرها بينما شردت ديما لثوانٍ ثم أومأت تردف بنبرة تائهة  : 



- مش قادرة غير إني أوافق  ،  أنا فعلًا محتاجة أعرف وافهم الوضع هناك هيبقى عامل إزاي الأول   . 



زفروا بارتياح فأخيرًا وافقت حتى لو لم تقتنع بشكلٍ كامل ولكن ستتأكد أن هذا هو القرار السليم في الوقت الراهن . 



نظرت لصغيريها ونادتهما تفتح ذراعيها لهما قائلة بقلبٍ منفطر  : 



- مالك  ،  رؤية  ،  تعالوا  . 



أسرع الصغيران يلبيان طلبها فعانقتهما بقوة تقبلهما قبلًا متتالية عميقة كأنها ستسافر الآن  . 



نزلت دموعها تزامنًا مع دموع يسرا ومنال ثم ابتعدت قليلًا تنظر في وجهيهما وتردف بنبرة منفطرة  : 



- هسافر ومش هتأخر عليكوا  ،  هرجع تاني بسرعة وهكلمكوا كل يوم فيديو كول وأنا هناك  ،  ودايما هنكون على تواصل   ،  تمام ولا زعلانين مني  ؟ 



عاد مالك يعانقها ويردف بنبرة حنونة تشبه نبرة خاله   : 



- ماتزعليش يا ماما  ،  مش إنتِ سافرتي قبل كدة وجيتي وإحنا كنا مبسوطين  ،  أنا نفسي أسافر معاكي أوي بس هستني هنا لما تيجي تاخديني  ، روحي إنتِ الأول وكلمينا كل يوم ولما تشتري بيت كبير تعالي خدينا أنا ورؤية وتيتة وخالو داغر  .



- أخص عليك وأنا يا مالك  ؟



نطقتها دينا باستنكار وصدمة ليلتفت لها مسترسلًا بمرح طفولي  :



- انتِ بتنامي كتير يا خالتو  ، مش بتحسي لما نيجي نصحيكي  ، هنسافر إحنا ولما تصحي ابقي تعالي  .



ضحكن على الصغير وضحكت ديما من بين دموعها وعانقته هو وشقيقته التي أردفت مثله  :



- ماتزعليس يا ماما  .



أصدرت تنهيدة معبأة بالحيرة والحنين والخوف واستمرت في عناقهما تفكر مجددًا وتتساءل هل ستحتمل الحياة هناك بدونهما  ؟  


❈-❈-❈



جلس في مكتبه يشاهد الإعلامي المشهور وهو يهاجم كتابها  ،  يصيح ويلوح بيده مدعيًا أنها من المؤكد ستكون مطلقة ولا يمكن لشخصٍ تحمل امرأة مثلها  . 



النرجسية العظمي التي يمتلكها جعلته يفرد ظهره على المقعد بانتشاء وتباهٍ  ولسان حاله يردد 


( لقد جعلت سيرتي علكة في أفواه الجميع من خلال كتابها وها هو عقاب الله أوقعها في نفس الحفرة التي حفرتها لي  ) 



شامتٌ بشدة ومع ذلك لا تسافر من ذاكرته قط  ،  يتذكر ملامحها  ،  عينيها  ،  هدوءها  ،  كل إنشٍ بها  ،  وخجلها الذي يفتقده الآن  ،  شتان بينها وبين زينة ويحمد الله أن الأفكار تختبئ خلف قناعٍ صُنع من ملامح كارهة وحاقدة وإلا فُضح أمره على يد زينة التي لا تهاب الفضائح . 



دلفت المحل تتجه نحوه وقد ظهر حملها في هذه العباءة  ، جلست في مقعدها تلتقط أنفاسها وتتساءل بشكٍ بعدما أغلق الهاتف ودسه في جيبه حينما رآها  : 



- كنت بتتفرج على إيه  ؟  



تمعن فيها ثم ابتسم وأردف بنبرة ماكرة وملامح متلونة  : 



- رونالدو وهو بيلعب  ،  إنتِ نزلتِ ليه وانتِ تعبانة  ؟ 



نظرت حولها تركز مع العمال الذي يباشرون عملهم ويلمعون الواجهة والبضائع ثم عادت إليه تردف  : 



- زهقت وامي مش مبطلة رغي فوق نفوخي ،  قولت آجي أشوفك بتعمل إيه وأشوف الشغل ماشي إزاي  . 



أومأ لها فاسترسلت وهي تحدق في المقعد الخاص به  : 



- قوم اقعد مكاني وسيبني أنا على الكرسي ده مريح أكتر  . 



نهضت تتحرك نحوه لينهض بطاعة فجلست مكانه تستريح واتجه هو يتأفأف بضيق ويجلس مكانها فها هي ستبدأ نوبات سيطرتها عليه وعلى العمال وما عليه سوى القبول .





في مكتبه جلس يسرد إلى والده ما حدث عبر الهاتف والآخر يقابل الكلمات بابتسامة خبيثة ليجيبه  : 



- عارف لو اللي في دماغي حصل يبقى إنت حليتها يا ماجد  ،  مش هي موصياه على المصنع وهو سابه ومشي  ،  يا سلام بقى لو كرامته نقحت عليه وساب الشغل خالص  ،  ساعتها هي اللي هتبعد عنه  ، إنت عارف إن بسمة في موضوع الشغل مابتهزرش  . 



نفش نفسه على المقعد حينما أعجب والده بفعلته ليردف بتباهٍ  : 



- هيحصل يا بابا  ،  مش هيرجع بعد ما اتعلم عليه قدام العمال  . 



ضحكة ساخرة مرت على ملامح نبيل الذي يعلم أن ابنه هو من تلقى الضربات ولكنه أيضًا يعلم أن داغر لن يقبل الفتنة التي ألقاها ابنه والتي ستتسبب في أقوال متداولة عنه وعن بسمة لذا سيقرر الابتعاد  . 



زفر واسترسل  : 



- خد بالك إنت بس من المصنع وأوعى الشغل يتأثر  ،  رجع المهندس بتاعنا وحط عينك عليه كويس  ،  عايزينها تعرف إن غيابه مش فارق  . 



أردف الآخر بطاعة وعلى محياه ابتسامة شامتة  : 



- ماشي  ،  سلام  . 



❈-❈-❈



نزلت بسمة بعد زيارتها لمنزل منال وكادت أن تستقل سيارتها لتغادر ولكنها تفاجأت حينما رأت داغر يأتي من بعيد بملامح متجهمة  . 



وقفت أمام سيارتها تنتظره حتى وصل إليها وقد رآها فزفر بضيق وابتلع لعابه لتتساءل بقلقٍ وتوتر  : 



- مالك يا داغر  ؟  حصل حاجة  ؟ 



لا يعلم كيف يخبرها ولكنه تحدث يوضح دون مراوغة  : 



- أنا مش هشتغل في المصنع تاني يا بسمة  . 



اتسع بؤبؤيها وتساءلت بصدمة  : 



-  ليه  ؟  احكيلي  ؟ 



نظر حوله فوجد الأعين عليهما لذا نطق بضيق  : 



- تعالي اطلعي فوق ونتكلم  . 



هزت رأسها رفضًا وتحدثت وهي تفتح باب سيارتها  : 



- لا اركب وهنروح مكان نتكلم فيه  . 



أطاعها واتجه يستقل السيارة وبدأت تقود خارج المنطقة متجهة إلى مكانٍ هادئ ولكنه ما إن تخطى حدود الحارة حتى أردف  : 



- اقفي هنا  . 



توقفت على قارعة الطريق والتفتت تطالعه فزفر واستطرد بنبرة جادة  : 



- إنتِ يمكن تشوفي إني اصغر منك بس أنا مش شايف كدة  ،  أنا اللي كان مقعدني في المصنع مسؤوليتي ناحيتك  ،  لكن لو المسؤولية دي هتتفهم غلط والناس هتشوفني إني واحد استغلالي زي ما ابن عمك قال يبقى لازم أبعد  ،  كله إلا كرامتي يا آنسة بسمة  . 



قطبت جبينها متسائلة  : 



- ماجد اللي قال الكلام ده  ؟ 



أومأ يسترسل  : 



- أيوا قال  ،  وغيره هيقول ولو ماتقالتش في وشي هتتقال من ورا ضهري  ،  وأنا مش بتاع الكلام ده  ،  أنا واحد دوغري وكنت بشتغل في المصنع بما يرضي الله وسواء ده مصنعك أو مصنع أي حد هشتغل كدة بالضبط  ،  بس يمكن أنا اللي نسيت نفسي شوية معاكي ودي غلطة مني  ،  بس ملحوقة معلش  . 



تساءلت مستفهمة وقد وخزها قلبها خاصةً وهي تراه يعتذر عن مشاعر لم يعترف بها من الأساس  : 



- يعني إيه يا داغر  ؟  هتبعد  ؟  هتتخلى عني بعد كل اللي حكيتهولك عنهم  ؟  ما أنا عرفتك تصرفات ماجد ناحيتي  ،  وقلتلك إنه هيحاول يستفزك وإنت قلت أسيب الموضوع عليك  ،  هتتخلى عني إنت كمان  ؟ 



آلمه قلبه للدرجة التي لم يصل لها من قبل  ،  استوحش داخله شعورًا سيئًا وشعر أنه تحت ضغط بين مشاعره وكرامته التي أهدرها ماجد منذ قليل لذا أردف دون النظر لعينيها  : 



- يا بسمة أنا في الأول والآخر واحد غريب ووجودي في المصنع أو عدمه مش هيفرق كتير خصوصًا إن العمال الجداد بيشتغلوا أحسن مني وعندهم ضمير وبيحبوكي  ،  بلاها مني وخليني في ورشتي زي مانا  ،  وبعدين أنا تحت أمرك في أي حاجة تعوزيها في أي وقت إنما مصنع تاني بعد اللي حصل النهاردة ده لاء  . 



سلطت أنظارها عليه لثوانٍ وبرغم صراع الأفكار التي تعاني منها داخل حلبة عقلها إلا أنها أومأت تدعي التفهم قائلة بنبرة تخفي بين طيات ثباتها الكثير من الاحتياج  : 



- تمام يا داغر زي ماتحب  . 



أومأ وأسرع يفتح باب السيارة ويترجل ثم أغلقه وارتكز على نافذتها بساعديه يطالعها مردفًا  : 



- خدي بالك من نفسك  . 



تحرك بعدها يعود لمنزله بضيقٍ يستحوذ عليه  ،  قراره لم يأتِ من أحداث اليوم فقط بل منذ أن أمسك ماجد الإدارة وبدأ يتعمد استفزازه  ،  لقد تحمل وصبر وانتظر ابتعاده عن المصنع فقط لأجلها لكن ضاق به الحال واليوم قُضي الأمر  . 




أما هي فرفعت يدها تنزع دمعة فرت من عينيها واستلت هاتفها تتحدث إلى ماجد الذي أجابها بترقب فقالت  : 



- إنت فين  ؟ 



أجابها وهو يغادر المصنع متعمدًا  : 



- أنا برا  ،  ومش عايز اتكلم دلوقتي  ،  كفاية أوي اللي حصلي بسبب المهندس اللي إنتِ عينتيه وخلتيه يتعامل معايا كإني بشتغل عنده  ،  سبيني لما اهدا يا بسمة ونبقى نتكلم  . 



أغلق قبل أن تجيبه وقد قرر أن يستعمل معها أسلوبًا جديدًا تعلمه من داغر على مدار أسابيع من مراقبته له  . 



❈-❈-❈



بعد أيام وبعد الجلسة الثانية التي لم تخرج منها جيدة خاصةً حينما قدم المدققين والنقاد أدلة تدين كتابها  ،  كيف وجدوا كل هذه الثغرات  ؟  لدرجة أنها باتت تصدقهم وتكذب نفسها  ،  لم تخطئ في حق أحد  ،  هي آخر النساء التي يمكنها اتهام قوانين بلادها وما حدث معها ظلمًا واضحًا خاصةً أن القاضي حكم بإيقاف نشر كتابها حقًا لحين صدور الحكم في قضيتها بعد أسبوع  . 



نصحها المحامي أن تسافر قبل ذلك وأنه سيتابع بنفسه وإن كان الحكم لصالحها سيرفع قضايا تعويض على كل من اتهمها وذمها  . 



جلست ليلًا تفرز المشتريات التي ابتاعتها مع يسرا من أجل السفر  ،  ملابس وأغراض شخصية وغيرها  . 



المال الذي عاد عليها من كتابها أنفقته في مصاريف هذه الرحلة وتدعو أن تكون رحلة مثمرة بالخير وألا تندم عليها  . 



الآن بدأت تفكر في العائد المادي الذي ستجنيه من هناك مقابل العمل  ، ستسعى لتضمن حياة صغيريها من صحة وتعليم ونشأة كريمة  ، ستحاول تلبية احتياجاتهما بالقدر المستطاع دون الاعتماد على أحدٍ  .



جلست تجهز حقيبتها ليرن هاتفها معلنًا عن اتصال من ثائر ذو الفقار  ، تعجبت من مكالمته لها في هذا الوقت ولكنها زفرت وقررت أن تجيب عله شيئًا هامًا  .



أجابت تردف بنبرة رسمية  :



- سلام عليكم   ، خير يا أستاذ ثائر  ؟



لا يعلم لما هاتفها ولكنه يعلم ما تمر به لذا أراد أن يتحدث إليها فقال  :



- وصلتي لفين  ؟ السفر قرب خالص  .



ارتدت على طرف الفراش ووضعت قطعة الملابس من يدها تتنفس بعمق وتجيبه  :



- أيوا  ، أنا دلوقتي بجهز الشنطة  . 



تنهد واستطرد بنبرة جادة  : 



- تمام  ، عندك حساب بنكي  ؟ فيه مبلغ مقدم من المجلة ليكي علشان ترتيبات السفر  .   . 



تحمحمت تجيبه بهدوء  : 



- ممكن تخليه معاك لما أوصل  ،  أنا خلاص تقريبًا مش ناقصني حاجة  . 



يعيد نبرتها على عقله ليستكشف ما بها ولكنها كانت ثابتة وجادة وصامتة تنتظر حديثه فتساءل بترقب  : 



- مسألة اللغة  ،  حلتيها  ؟ 



أردفت توضح بتروٍ  : 



- زي ما قولت لحضرتك قبل كدة أنا بتكلم فرنسي كويس والفترة اللي فاتت كنت بدرب على كدة  ،  يعني اطمن من ناحية الموضوع ده مش هتعبك  . 



عن أي المتاعب تتحدثين أيتها الديما  ؟  أفْشلتِ أولى خططي في إعطائكِ دروسًا خاصة.. بالفرنسية   . 



لاحظت صمته واستشفت أنه يفكر في أمرٍ لم تدركه نواياها لذا قالت  : 



- طيب تصبح على خير  .



- وانتِ من أهل الخير يا ديما  .



هكذا كانت إجابته وتعمد نطق اسمها وتعمد الضغط على نبرته قبل أن يغلق وتغلق هي منشغلة بأفكارها البعيدة تمامًا عن أفكاره  . 



دلف عليها شقيقها بعدما سمعها تتحدث مع أحدهم لذا تساءل بترقب  : 



- بتتكلمي مع مين دلوقتي  ؟ 



التفتت تبتسم له وأجابته بصدق  : 



- ده أستاذ ثائر  ،  بيقول إن فيه مبلغ من المجلة ليا بس بلغته إني خلصت كل حاجة  . 



أومأ بتفهم مبطن بالإحباط وجلس على طرف الفراش ينظر للحقيبة ليستطرد بحزنٍ يكتم صوته بابتسامة ونبرة مرحة  : 



- أيوا بقى ديما الصابر هتبقى اد الدنيا ومحدش هيعرف يكلمها  ،  عقبالنا يارب  . 



قالها وهو يرفع كفيه للأعلى لتجاوره تُمعن النظر في مقلتيه حيث لمحت ما يخفيه لذا نطقت  : 



- مش ناوي ترجع المصنع تاني يا داغر  ؟  علشان خاطر بسمة  ،  هي كلمتني وقالت ان ابن عمها هيستلم فرع شركة اسكندرية بعد اسبوع  ،  هي عايزاك ترجع بس مش هتقولها  . 



لف وجهه عنها فلم يكن يريد أن يفتح هذا الصندوق معها فاسترسلت بليونة  : 



- داغر أنا فهماك كويس  ،  وعارفة إنك مش هتتحمل حد يفكر إنك بتستغلها  ،  بس يكفي إنها واثقة في ده  ،  هي عارفة كويس إنك لا يمكن تستغلها  ،  بالعكس إنت كنت بتحافظ عليها وعلى مصنعها علشان كدة وصتك إنت عليه وعندها ثقة فيك  ،  كان قرار غلط منك إنك تبعد  . 



التفت يقابلها بتعجب واستنكار وقد استطاعت جذبه  لحديثها لذا قال  : 



- لا يا ديما مش تصرف غلط  ، أنا قلتلك هو قال إيه وعمل إيه قدام العمال وإنتِ عارفة أخوكي كويس  . 



أومأت مرارًا تجيبه بمغزى  : 



- أيوة عارفاه كويس وعلطول كدة أعصابه فايرة  ،  مهو مش كل الأمور اللي تتحل بالخناق يا داغر فيه حاجات عايزة السياسة خصوصًا لو اللي قدامك ده قاصد يستفزك  . 



لوح بيده يجيبها وينهي النقاش  : 



- أهو اللي حصل بقى يا ديما وقفلي ع السيرة دي علشان خاطري  ،  البني آدم ده أنا اصلًا جايب أخرى منه  . 



زفر بقوة يسترسل بنبرة أقل حدة  : 



- المهم إنتِ عرفتي هتروحي على فين  ؟  فيه عنوان معاكي ولا لسة ماتعرفيش  ؟ 



هزت كتفيها تجيبه بشرود  : 



- لاء مش عارفة بس أستاذ ثائر هيبعتلي حد في المطار أكيد  ،  اللي أعرفه إن المكان اللي هسكن فيه قريب من المجلة والمنطقة فيها عرب كتير  . 



أومأ بتفهم يجيبها  : 



- أيوة هو قالي كدة  ،  ربنا يوفقك وتكون سفرية خير عليكي وتحققي كل اللي نفسك فيه  . 



اتجهت بجذعها نحوه تعانقه فاحتواها يربت على ظهرها بحنانٍ وتنفس بعمق يفكر في سفرها وبسمة  .



كانت تبكي في غرفتها  ،  لا تعلم لمَ باتت دموعها مؤخرًا تزورها باستمرار فهي ليست بالباكية سريعًا ولكن يبدو أن الأمر حينما يتعلق بالقلب يختلف  . 



لا تلومه على قراره ولكنها ظنت أنه سيتجاوز الكثير لأجلها والآن ترى الأمور بوضوح وتتساءل عن سبب هذا الظن  ؟ 



هو مجرد صديق وحتى لو كان أكثر من ذلك فليس مضطرًا لتحمل مشاكلها وعنجهية ماجد  . 



هي تبحث عن شخصٍ بصفات لم تعد منتشرة في الواقع  ،  زفرت بقوة وقررت أن تغادر غرفتها التي باتت تخنقها  . 



استلت كتاب ديما عله يذكرها به وترجلت تنزل إلى الحديقة لتشتم الهواء قليلًا علها ترتاح من صخب الأفكار التي تمارس ساديتها على عقلها  . 



اتجهت تجلس بالقرب من المسبح وفتحت الكتاب لتقرأه للمرة الثانية وخاصةً الجزء الذي ذكرته ديما فيه  ،  تقرأ كم هو أخٌ داعم وحنون  . 



غصة سكنت حلقها وهي تتذكره لتعاود عينيها تمتلئ بمخزون الدموع اشتياقًا له وتساءلت هل تفعلها وتهاتفه  ؟  هل هي قادرة على فعلها  ؟ 



دست يدها في جيب مئزرها السميك تستل هاتفها وتنظر في الوقت لتدرك أنه لم ينم بعد لذا ستحاول التحدث معه خاصة وأن الكتاب أعاد لها لهفة حديثه  . 



ولكن قبل أن تفعل ظهر ماجد من خلفها يضع على كتفيها شالًا واتجه يجلس قبالتها ويردف بخبث  : 



- بتعملي إيه يا بسمة في الجو ده  ؟ 



زفرت بضيق وهي تتمسك بطرفي الشال ثم أغلقت الهاتف تعيده لمئزرها ةأجابته بهدوء  : 



- أبدًا  ،  اتخنقت فوق شوية قلت أنزل اقعد هنا  . 



أومأ يدعي التفهم ثم أردف بمكرٍ ودهاء  : 



- أنا شوفتك من فوق وقلت أجي اتكلم معاكي في موضوع مهم  . 



تساءلت بشكٍ وانعدام ثقة يقفز من عينيها  : 



- خير يا ماجد  . 



زفر بقوة وتابع يحيد بنظره عنها حتى لا تفضحه نظراته  : 



- يعني بما إني همسك فرع اسكندرية وأسيب المصنع قلت أقولك تكلمي المهندس داغر يرجع شغله  ،  أنا كنت مخنوق منه شوية لإنه عصبي وقل أدبه عليا قدام العمال بس كلمة حق هو شايف شغله كويس أوي والعمال بيحبوه  ،  المهندس اللي بابا جايبه ده مش أمين وأنا خايف أسيب المصنع تحت إيده  . 



كادت ألا تصدق أذنيها مما تسمعه لذا اعتدلت تتكتف وتتساءل بانتباه  : 



-  معقول يا ماجد  ؟  إنت خايف على المصنع  ؟  وكمان عايزني أرجع داغر  ؟  أنا مش مصدقة  . 



ابتسم بثبات يجيبها بتمهل وثقل مصطنعان : 



- أنا نفسي مش مصدق اللي بقوله  ،  بس إنتِ كان معاكي حق  ،  كل مرة كنت ببوظ حاجة بتصلحيها ورايا  ،  الشركة واللي حصل فيها بسببي ولولا تدخلك  ،  أنا يمكن بعاند مع بابا في الشغل شوية لإني مش بحب الأوامر والتحفظ على رأيي  ،  بس بعد ما فكرت لقيت إن من مصلحتنا كلنا إننا نتفق  ،  وجه الوقت اللي اعترف فيه إن إدارتك للشركة والمصنع أحسن مني ومن بابا كمان  ،  علشان كدة بما إني ماشي خلال أسبوع اتكلمي معاه يرجع ده لو إنتِ حابة يعني . 



كلماته أقنعتها قليلًا أو ربما وجهه الجديد لائم قناعاتها لذا أومأت بتفهم فنهض بعدها يبتسم ويردف  : 



- تصبحي على خير  ،  ويالا اطلعي الدنيا برد عليكي  . 



تحرك يغادر وتركها حائرة في تغيير دفة اتجاهاته  ،  هل ينوي أمرًا أم أنه بالفعل بدأ يسلك المسار الصحيح  . 




❈-❈-❈



استيقظت صباحًا وودعت والدتها وشقيقتها  ،  تعمدت أن تغادر باكرًا وصغارها نيام  ،  لقد عانقتهما طوال ليلة حزينة باكية  ،  منذ أن غفيا وهي تودعهما ولم تذق طعم النوم وقررت أن تغادر قبل أن يستيقظا  . 



ارتدت حجابها وغادرت مع شقيقها متجهة إلى المطار  . 



داغر الذي اقتنع بعدما رأى القبول في عينيها  ،  بعدما رأى ما تعرضت له من مظالم وضغوطات  ،  داغر الذي قرر أن يضع صخرًا على قلبه ويتركها تسافر بلدًا  أوربيًا وتواجه الحياة هناك بمفردها أو بجيش من الكتب والأفكار وسلاحًا واحدًا تمتلكه  ..  وهو القلم  . 



وصلا إلى المطار وصف سيارته وترجل متعمدًا ألا ينظر في وجهها البتة  ،  ملامحه متجهمة حزينة ولكنه يؤدي دوره على أكمل وجه  . 



اتجه يلتفت ويفتح  صندوق السيارة ويستل حقيبتيها ويمسك بهما ثم قال وهو يسحبهما بعدما أغلق سيارته  : 



- يالا يا ديما علشان ماتتأخريش  . 



تحرك وتبعته تدرك أنه يتعمد عدم النظر لها حتى وصلت إلى بوابة المطار فناولها الحقائب لتعبر وقال بنبرة عجلة  : 



- يالا ادخلي إنتِ  ،  خدي بالك من نفسك  ،  وأول ما تنزلي كلمينا  . 



حديثه كان يوجهه لها وعينيه كانت تنظر لكل شيءٍ عداها هي بينما عينيها لا تنظر لسواه  . 



ازدرد ريقه وتنهد بعمق ثم أردف بجبين مقتطب: 



- يالا يا بنتي ادخلي بقى  . 



أومأت وأمسكت بحقيبتيها تسحبهما خلفها ودلفت تاركة خلفها أخًا سقطت دموعه ما إن عبرت  ،  أخًا نادرًا وتعلم أنه نادر وتعلم أنها أكثر النساء حظًا وفضلًا لامتلاكها داغر الصابر  . 



اتجهت تتمم الإجراءات وجلست تنتظر موعد طائرتها بعقلٍ يدور في فلكٍ ملغم بالأفكار  . 




بينما هو استقل سيارته يغادر متجهًا إلى وجهة غير معلومة ولكنه حزين  . 




❈-❈-❈



استيقظ ثائر يستعد لاستقبالها وما إن علم بصعودها على متن الطائرة القادمة إلى باريس حتى اتجه يستل هاتفه ويطلب رقم المحامي شاكر وهو يحمل فنجان قهوته في يده  . 



وقف في شرفة منزله يتطلع للأمام منتظرًا إجابته حتى سمعه يقول  : 



- أهلًا بثائر ذو الفقار  ،  إيه الأخبار طمني  . 



تحدث بنبرة هادئة تحمل بين طياتها الكثير من أمواج بحره  : 



- ركبت الطيارة  . 



أومأ المحامي وتساءل  : 



- طيب تحب أعمل إيه بعد كدة  ؟ 



زفر بقوة وارتشف من فنجانه رشفة ثم أجابه بعيون ثاقبة : 



- كمل طبعًا  ،  الكتاب لازم يتوقف نشره في مصر  ،  بس أنا عايزك في حاجة تانية  . 



لم يعد يفهم عليه ولكنه انتظر وتساءل  : 



- خير  ؟ 



صمت لهنيهة ثم بهيمنة قال 



- زي ما فيه إعلاميين اتكلموا عنها وهاجموها عايزك توظف ناس تدافع عنها  ،  عايز اسم ديما الصابر يتردد دايمًا  ،  بما إن الإعلام المصري حب يطلعها ترند يبقى لازم تاخد حقها  . 



زفر شاكر يفكر ثم أردف  : 



- فهمتك ومن الناحية دي ماتقلقش  ،  أعرف ناس هتخدمنا كويس في الحتة دي  ،  بس على فكرة ممكن يحاولوا يتواصلوا مع طليقها ويطلع يتكلم  ،  علشان تبقى عارف  . 



ابتسم بجانب فمه يردف بغموض  : 



-  سيبه يطلع يتكلم  ،  وقتها هو بنفسه هيقدم لها دفاع من نوع خاص وهيغلط  ، واللي يغلط لازم يتحاسب  ، ولا إيه يا متر  ؟  



تعجب المحامي وتساءل بحيرة  : 



- نفسي أفهم بتعمل معاها كدة ليه  ؟ 



ارتشف من فنجان قهوته مجددًا وأردف بنبرة تحمل الكثير  : 



- عندها حاجة أنا عايزها  . 



أغلق معه بعدها وتحرك يضع فنجانه على الطاولة ثم استل معطفه وتحرك نحو الأسفل متجهًا لاستقبالها  . 



❈-❈-❈



بعد ساعات  . 



هبطت طائرتها في باريس  . 



توجهت مع المسافرين إلى المطار واتجهت تتمم إجراءات الوصول التي دامت حوالي ساعة  . 



كان ينتظرها في ساحة الاستقبال  ،  يجلس يدخن لفافة تبغه ويفكر بها  ،  سيراها الآن وسيرى هل فهمت رسالته وعملت بها أم أنها مازالت بحاجة لبعض التدريبات ؟  



انتهت من الإجراءات والتفتت تبحث بعينيها عنه بتوتر وقلبٍ منقبض  ،  تشعر أنها على وشك البكاء  . 



الزحام من حولها ولكن الوحدة هجمت على قلبها للتو  ،  دارت عينيها في المكان تتمنى رؤية أحدٍ تلجأ إليه فرأته يجلس بعيدًا في ركنٍ منفرد  ،  ما إن لمحته حتى تحركت نحوه تسحب حقيبتيها وتسرع للوصول إليه ربما هدأ شعور الوحدة والخوف هذا  . 



لمحها تأتي بخطواتٍ متمهلة وتبتسم له فتحدث عقله بما عجز لسانه عن قوله  



نعم انظري لي وحدي  .. اغمريني بدفء عينيكِ  


لنمحي الحزن من روايتنا ونسرد عشقًا يغزو الآفاقِ 


يا وطنًا بلا شعبٍ جئتِ إلى مغتربٍ بلا مأوى 


يا سكنًا موصودًا وفي القلب مفتاحه يأوى 


يا نسمات هلت ووطأت سهلًا


يا ديما رطبت الفؤاد بهطولها أهلًا  . 




نهض يلقي سيجارته في المكان المخصص ثم تقدم خطوتين وتقابلا  ،  وقف يتأملها وتحرك لسانه طواعية يردف  : 



- حمدالله على السلامة   . 



ابتسمت تتنفس بعمق علها تهدأ وأجابته بتريث ينافي صخب نبضاتها  : 



- الله يسلمك  . 



تأملها في الحجاب وابتسم ابتسامة جانبية ثابتة لا تعبر عما بداخله ليستطرد بنظرة رسم فيها التحدي  : 



-  اتحجبتي  !  



بشموخٍ رفعت رأسها وأجابته  : 



-  أيوا   . 



نظراته جعلتها تصدّر له الجدية وتحركت نحو باب الخروج تسحب حقائبها وتسبقه خطوة ليردف بالفرنسية التي يتقن الخبث بها : 



- ولكنه أخفى جزءًا من جمالك  . 



توقفت عن السير والتفتت برأسها تطالعه بتعجب  ،  هل يتغزل بها  ؟   



أردفت بثقة ولغة مماثلة وتحدٍ التمع في مقلتيها  : 



- وهذا هو المطلوب  . 



عادت تنظر أمامها وتكمل سيرها ووقف يحدق بها لثانية لا يخفي اندهاشه بها وعلى محياه ابتسامة خبيثة ثم قرر اللحاق بها وسحب الحقائب بدلًا عنها  . 



خرجا من المطار واتجه إلى سيارته يفتح صندوقها ويضع به الحقائب ثم فتح لها الباب وأردف  : 



- اتفضلي  . 



توترت قليلًا ولكنها استقلت مكانها واتجه للجهة الأخرى يستقلها ويقود  . 



تساءل وهو ينظر أمامه  : 



- الرحلة كانت كويسة  ؟ 



لم تكن كذلك  ،  كانت رحلة مجهدة فكريًا  ،  كانت باردة ولكنها رحلة كرحلاتها التي واجهتها في الحياة لذا زفرت وأجابته بإيماءة بسيطة  : 



- الحمد لله تمام  . 



صمتت ثم تساءلت بحرج  : 



- أنا محتاجة اكلم أهلي  ،  ممكن موبايلك  ؟ 



دس يده يخرج هاتفه ويناولها إياه قائلًا بترحاب  : 



- أكيد اتفضلي  . 



تناولته وطلبت رقم شقيقها الذي أجاب على الفور يردف بلهفة حينما وجده رقم ثائر  : 



- وصلت  ؟ 



أجابته بحنين  : 



- أيوة يا داغر أنا ديما  ، ماتقلقش يا حبيبي أنا وصلت ودلوقتي مع أستاذ ثائر رايحة على السكن  ،  أنا هشتري خط جديد وهكلمكوا فيديو كول أول ما أوصل  . 



أجابها بنبرة هادئة بعض الشيء خاصة حينما اطمئن لوصولها  : 



- تمام يا حبيبتي ارتاحي ونامي شوية ولما تصحي نتكلم  . 



هزت رأسها تردف بتأكيد وحنين جعل نبرتها متحشرجة :



- لاء هكلمكوا  ،  الولاد وحشوني جدًا  . 



- تمام  ،  خدي بالك من نفسك يا ديما  . 



أومأت وأغلقت معه ثم ناولت الهاتف إلى ثائر الذي التقطه منها وهو يقود لتشكره وتردف بترقب  : 



- شكرًا  ،  بس هو ممكن تقف نشتري خط اتصالات ؟ 



دس يده في جيبه يخرج ظرفًا ورقيًا ويناولها إياه قائلًا بثبات  : 



- اتفضلي  . 



التقطته منه متعجبة ورفعت نظرها تطالعه وتساءلت  : 



- ده من ضمن الشغل بردو ولا إيه  ؟ 



أومأ يجيبها بثقل  : 



- بالضبط  ،  ورقمك معايا  . 



اندهشت من سرعة بديهته ولكنها أومأت وأكملا طريقهما بصمتٍ اخترقته بعض الأسئلة السطحية  . 



وصل أمام بناية في شارع جانبي يؤدي إلى الشارع الرئيسي المؤدي إلى برج إيفل  ،  حتى أنها رأته وانبهرت به من قريب ولكن ما أثار انزعاجها هو القمامة المنتشرة في بعض الشوارع التي من المفترض أن تكون شوارع باريس الحالمة  . 



لحسن الحظ أن الشارع الذي ستقطن به نظيف ومشجر  . 



ترجل يتجه ليأخذ حقيبتيها وتحرك نحو البيت وناولها المفتاح مردفًا  : 



- اتفضلي  ،  ده البيت اللي هتقعدي فيه والمجلة قريبة جدًا من هنا  . 



نظر حوله يشير لها على البيوت المجاوره ويتابع  : 



- البيوت اللي حواليكي دي فيها عرب ومصريين  ،  الشارع هنا يعتبر كله عرب  . 



تنهيدة مريحة مرت على رئتيها لذا ابتسمت وأومأت فتابع يستطرد  : 



- في الشارع اللي بعد ده موجود بيتي  ،  بالضبط في ظهر بيتك بس الواجهة على الشارع التاني  . 



نظرت له بتمعن  ،  إذا مكانه في ظهرها مباشرةً  ؟  من المؤكد أنها مجرد صدفة ولكنها شعرت بالراحة الآن  . 



وجود مصريين وعربًا حولها جعلاها تطمئن ووجوده في ظهرها  ...  عفوًا أقصد وجود منزله في ظهر منزلها جعل قلبها يهدأ رويدًا رويدًا  .



يتبع...

تكملة الرواية من هناااااا

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


 

تعليقات

التنقل السريع