رواية لأنه موسى الفصل الاول1 بقلم ماهى أحمد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية لأنه موسى الفصل الاول1 بقلم ماهى أحمد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
الجزء الأول [ رأس السنه ]
صلوا على نبينا محمد 🫀
البدايه : 23/1/2025
في كل رأس سنه ، نقف للحظات نلقي نظره على ما مضى
من السنين، وكأنها قطار يعبر بنا المحطات بسرعه لا تمنحنا وقتاً كافياً للتأمل. نحمل أمانينا للسنة القادمه، باحثين عن السعاده التي تبدو أحياناً كوجهه نهائيه ، لكنها في الحقيقه تكمن في تفاصيل الرحله نفسها.
❧❀❧
كان يجلس على المقعد يقلب حبات سبحته بين أصابعه يراقب زوجته تفتح الخزانه الخاصه بها
تستعد لأرتداء ملابسها الواسعه وقد طغى اللون الأسود على ردائها وقد بدا عليها وقار من هم في مثل عمرها ربما أوشكت على الواحد والخمسون تقريباً او ازيد عامًا
استدارت ترمق زوجها بنظرات ملامه فتجاهلها هو
ثم دست الأموال بداخل كيس النقود الخاص بها ، مدت يدها على الطاوله تلتقط تلك الصوره الفوتوغرافيه التي تجمع أعز ما تملك وهم ابناؤها
الخمسه وكان هبه الله الأولى لها " لقمان" الأبن الأكبر الحنون صاحب الثلاثون عاماً يقف بالمنتصف بين أشقائه بابتسامته الحانيه ونظرتهُ لهم تدل على حنانه الا متناهي أما عن البقيه يجتمعون من حوله وتبدو على وجوههم السعاده الغامره تنهدت بحرقه تهز رأسها في تأثر وانتقلت عيناها تراقب تعابير زوجها المتهكمه ودون أن تشعر تركت البكاء يعرف طريقه نحو وجنتيها ثم قالت بصوتٍ باكٍ مستنكرًا مختنقاً بسبب العبرات :
ـ مش ناوي تيجي معايا المره دي كمان يانصار
هز رأسه نافياً وترك المكان وتحرك منه بخطوات شبه راكضه يلقى على مسامعها :
ـ قولت لاء يانعيمه يعني لاء
تحدثت بألم :
ـ انتَ مابقيتش تنزل من البيت خالص يانصار
ادار ظهره وقال بصوتٍ يحمل في طياته مزيجًا من الحزن والحزم :
ـ عشان من وقت اللي حصل وانا مابقيتش أخرج من البيت ، بقيت كاره الخروج براه بتخنق بحس اني مش قادر اتنفس نظرات الناس ليا كل ما اطلع بحس انهم عايزين ياكلوني بعنيهم اسئلتهم بتنهش فيا وببقى مش عارف أرد اقولهم ايه
قطعت خيط كلماته فجأه، إذ لاح لها في عينيه بريق الإصرار الذي لا يُقاوَم بصوتٍ متزن ، وكأنها تحاول أن تخفف ثقل الكلمات التي تُوشك أن تنطق بها، قالت وهي تمرر ظهر يدها برفق على البرواز الصغير الذي استقر بين كفيها، وكأنها تلامس ذكريات حيه تسكن داخله:
ـ خلاص ، خلاص ياحج نصار اللي تشوفه هاروح لوحدي المره دي بس لازم المره الجايه تيجي معايا
أوشكت عيناها على اختراق الصوره الفوتوغرافيه، إذ اجتاحتها ذكريات كالطوفان، وقلب شارد لا يدري ما يصنع باضطرابه عادت بذلك القلب إلى الوراء قليلًا، ثم اتكأت بجسدها الهلامي على حافة باب غرفته، غارقه في طيات الماضي، حيث انتفضت ذاكرتها تحمل صورة ابنها الثاني، "نوح"، ذلك الشاب ذو العيون البندقية، حاملًا شقاوه تشيب الرؤوس رمقت الحاسوب في غرفته الخاصه، وشرَدت بهدوء تام في ما كان، حينما كان ينزع سماعات الأذن عن أذنيه، ويخبرها:
ـ رايحه فين يانعناعه قلبي في الوقت ده استني ماتنزليش ، شوفي أنتِ عايزه ايه من تحت وانا هجيبهولك ، بس أستني معايا كيكايه هخلص كلام معاها في المكالمه دي وافضالك ياجميل ، الا بالحق قوليلي أخبار ام عبير ايه لسه بطل ولا الزمن هد البطل
انتزعت الحذاء من قدميها ثم ألقته عليه وهي تقول :
ـ ماتلم نفسك ياولا ، أنتَ مش عاتق حد حتى أم عبير دي قد امك
فاقت من شرودها وهي مازالت تسمع بداخل أذنها تأوهاته من ضربتها بضحكات ساخره مسحت عبراتها من على وجنتيها تكمل طريقها للخارج بعدما عدلت من حجابها ، اغلقت "نعيمه " الباب خلفها بأحكام بعدما تأكدت من محتويات حقيبتها بعنايه ، نزلت إلى الحاره بخطى متثاقله، تحمل بين طياتها ثقل الذكريات لم يكن البيت الذي غادرته مجرد بناء من الحجاره والخشب
بل كان شاهداً على أحلامهم، أفراحهم، وأوجاعهم. ذاك البيت الذي كُتب على واجهته بخطٍ عربيٍ متقن "آل موسى" كان يُعرف بين أهل الحاره، ليس فقط لأنه الأكبر أو الأكثر تميزاً، بل لأنه يحمل بين جدرانه تاريخاً عريقاً، وحكاياتٍ لا تنسى.
وقفت على عتبة الطريق، ثم استدارت ببطءٍ لتلقي نظره أخيره على البيت وخاصهً اسم
"آل موسى" ارتسم أمامها وكأنه يهمس لها بأسرار الماضي امتلئت عينيها بحزنٍ عميق، لم يكن مجرد حزن فراق بيتٍ، بل فراق حياةٍ بأكملها وقفت تُحدّق في الطابق الأرضي، حيث النافذه ذات القضبان الحديديه التي كانت تشهد الكثير من الأحاديث بينها وبين تلك المرأه العجوز التي لطالما اعتبرتها كوالدتها كانت تعيش بداخله تطل من تلك النافذه شردت بذاكرتها حين أوقفتها "نجاح" بصرامه :
ـ بت يانعيمه ، نعيمه
تقدمت نعيمه نحو تلك النافذه ذات القضبان الحديديه بتهكم :
ـ انا مش قولتلك ميه مره ماتقوليش بت دي تاني ياما ، لقمان خلاص على وش جواز وكام شهر ويخلف وهبقى جده وانتِ لسه بتقوليلي يابت
في وسط الحاره
مالت على النافذه تقول بغيظ :
ـ ايوه بت وهتفضلي طول عمرك في نظري بت ومش هتكبري أبداً ، وبعدين فين مقصوف الرقبه يحي بعتاه يجيبلي تمن حلاوه من اول امبارح وواقفه مستنياه لحد دلوقتي ومجاش عايزه افطر ياللي منكم لله
ضحكت على قولها وهي تخبرها :
ـ من اول امبارح ولسه مستنياه أنتِ مابتتعلميش ابداً ، قولتلك يحي لاء ، يحي لاء ، ماتديش يحي فلوس ولا تبعتيه يجيب حاجه ابداً
كانت تقولها بنبرةٍ لا تخلو من مزاحٍ لطيفٍ تلك اللحظات البسيطه التي لم تكن تعيرها اهتماماً حينها، باتت الآن أثقل الذكريات في قلبها
عادت للواقع على يد جارتها المقربه لها تهزها ناطقه :
ـ نعيمه ، كل سنه وأنتِ طيبه ياحبيبتي ، انا مش ناسيه وعارفه أن عيد ميلادك النهارده مع يوم رأس السنه يجعل سنه 2025 سنه خير عليكي ، ماتيجي تقضي راس السنه معانا النهارده زي ما كنا بنعمل زمان ده الولا طه جايب تورتايه وحلويات كده على القد قولتي ايه
تخلت عن الصمت وتحدثت رافضه :
ـ لا معلش أنا بحب اقضيه مع العيال
ابتسمت بحسره وهي تسألها :
ـ أنتِ برضوا هاتروحيلهم بالليل كده
لم تتلقى رد هزت رأسها ببسمه حانيه ثم تأملت النافذه من جديد لتجد النافذه خاويةً، موحشةً كحال قلبها أخذت نفساً عميقاً، كأنها تحاول جمع شتات روحها، ثم استدارت مره أخرى لتكمل طريقها تاركه خلفها جارتها "وداد " تهمس بداخلها :
ـ ياعيني عليكي يانعيمه من وقت اللي حصل وانتِ مابقتيش نعيمه اللي اعرفها
كانت الحاره تموج بصخب الحياه ، الأطفال يركضون بفرح بمناسبه دخول عام جديد، والباعه ينادون على بضائعهم، لكن "نعيمه" شعرت وكأنها تسير في وادٍ منفصلٍ عن العالم خطواتها كانت تقودها بعيداً، لكن عقلها ظل معلقاً هناك، عند ذلك البيت، وعند تلك النافذه
خرجت من الحاره بخطوات مثقله، وقلبها يئن تحت وطأة الحزن كانت تمسح الدموع بصمت، وهي تمضي وسط الزحام تبحث عن أي وسيله تنقلها بعيداً عن هذا الضجيج الذي زاد وجعها. الليل كان مكتظاً بالناس، الحركة لا تهدأ، والأصوات تعلو من كل اتجاه.
وقفت طويلاً على حافة الطريق، تترقب سياره أجره لكن الزحام كان طاغياً، والانتظار أطول من احتمالاتها الناس يتدافعون، بعضهم يسرع الخطى، والبعض يصطدم بها عن غير قصد ومع كل اصطدام بسيط، كانت تلتفت دون وعي، وكأنها تنتظر شيئاً أو أحداً ، لم يكن الاصطدام يؤلمها، لكن كل لمسه عابره أعادت إلى ذهنها صورة وليدها " أدم " اصغر ابنائها وهو مصاب بمرض "هافييوفوبيا" الذي يجعل الشخص ينزعج أو يشعر بعدم الراحه الشديده عند لمسه ،هذا المرض يُعرف بـ "رهاب اللمس" ، اضطراب نفسي نادر يتسم بالخوف المفرط أو النفور من اللمس الجسدي، حتى لو كان من قِبَل أشخاص مقربين
تحدث "آدم" بصوت متقطع، كأنه يبحث عن الكلمات بين أنفاسه، وهو يعدل سماعة الرأس المثبته دائماً على رأسه كأنها جزء منه لم تكن تفارقه أبداً، وكأنها درعه الذي يحميه من العالم
يبقى حقيبته قريبه من جسده يضمها بيديه بحرص ، يتجنب بحذر أي اقتراب أو لمس من الآخرين، وكأن لمسه عابره قد تزلزل عالمه الصغير كانت حركاته مدروسه، وخطواته محسوبه، وعيناه تراقبان المسافه بينه وبين من حوله بحذر صامت يخبرها بقلق:
ـ أنا قولتلك ، قولتلك ما بحبش انزل انا في يوم راس السنه ده مابحبش الزحمه ، بكرهها
حاولت أن تمسك بيده بأبتسامه دافئه وهي تقول بلطف:
ـ بس إنت كنت بتحب نجيب الزينه بتاعت رأس السنه وإنت صغير فاكر يا آدم ، كل سنه وانتَ طيب ياحبيبي النهارده رأس السنه
سحب يده بسرعه يحتضن حقيبته من جديد وعيناه تملؤها القلق، يُعدّل نظارته بتوتر وهو يرد بصوت مضطرب:
ـ ما تلمسنيش... ما بحبش حد يلمسني
استفاقت فجأة من ذكرياتها على صدمه خفيفه
في كتفها التفتت لتجد شخصًا مارًا قد اصطدم بها دون قصد وعلى الرغم من ان الضربه لا تذكر ولكنها شعرت بذاك الشعور الذي يثقل الروح ويعيد الجراح القديمه وكأن كل وجه غريب يحمل بين ملامحه طيفه، وكل خطوه تعيدها إلى ذكرى أبعد مما تحتمل تلك الليله المزدحمه ، حاولت أن تستعيد توازنها لكنها سمعت صوت امرأة خلفها تقول بتذمر:
ـ بسرعة شويه يا حجه ، شايفه الزحمه عامله إزاي ، كلنا عايزين نروح بيوتنا.
التفتت إليها وأومأت برأسها اعتذارًا، ثم أعادت نظرها إلى الأمام وقبل أن تنتبه لما يحدث، وجدت نفسها وجهاً لوجه مع سياره سوداء فاخره، تسير نحوها بسرعه لم تستطع التحرك أو التفكير، وفجأه صدمتها السياره ، تجمّع الناس حولها بسرعه، أصواتهم تتداخل بين القلق والغضب نزل السائق من السياره ، شاب في منتصف العشرينات، يرتدي بدله سوداء وقميصًا أبيض، ملامحه تعكس الاحترام والارتباك ركض نحوها بسرعه وهو يقول بقلق:
ـ يا حجه... إنتِ بخير؟
أنا آسف جدًا، ما خدتش بالي، بس إنتِ كمان ما كنتيش باصه قدامك
تعالت الأصوات من بين الحشد؛ قال أحدهم بسخريه:
ـ أيوه، هطلع الغلط عليها دلوقتي
وردت امرأة أخرى بغضب:
ـ لما انتوا ما بتعرفوش تسوقوا، بتسوقوا ليه؟
نظر الشاب إليهم بحيره، ثم قال رجل آخر بنبره جاده:
ـ يا ابني سيبك من الكلام ده ، خدها بسرعه على اقرب مستشفى
أومأ الشاب برأسه وهو يقول بأرتباك :
ـ حاضر، حاضر ، أكيد.
اقترب منها وانحنى بجانبها ليسندها بحذر، ملامحه تنطق بالأسف وهو يقول:
ـ أنا آسف جدًا يا حجه... والله ما كنت عايز ده يحصل مش عارف إزاي حصل كده.
ساعدها على دخول السياره وأغلق الباب برفق، ثم أسرع إلى مقعد السائق وبينما يقود، التفت إليها وقال بقلق:
ـ طمنيني... إنتِ كويسه
لم يتلقى رد كانت جواره فأسرع يهتف بعيون راجيه :
ـ لا بلاش تسكتي كده، لو في أي حاجه قوليلي طمنيني الله يخليكي
وقبل أن تنطق رن هاتفه فجأه ، وظهر على الشاشه اسم "البيت". ضغط على زر الرد وفتح المكبر يضع الهاتف أمامه وصوته يحمل توترًا واضحًا:
ـ ألو، ايوه يارحمه ، الحقيني انا عملت حادثه
كانت "رحمه" زوجته منهمكه في إلباس طفلها ، استعدادًا للخروج، عندما سمعت صوت "عمر" عبر الهاتف يخبرها بأنه قد تعرض لحادثه ، سقطت الملابس التي كانت تحملها من يديها دون أن تشعر واتسعت عيناها بدهشه وصدمه، وملامحها التي كانت هادئه تحولت فجأه إلى مزيج من القلق والغضب هاتفه :
ـ يعني مش هنخرج
. .
. .
.
. . .
هنا في حي صغير بمحافظه "السويس" يدعى هذا الحي بـ "حي الكويت" وبشارع
"جامع بلال بن رباح " بالأخص ، توجد صيدليه تخدم الكثير والكثير من أصحاب ذلك الحي البسطاء ومالكها هو وليدهم " الطبيب طه " ابن ذلك الحي البسيط كان "طه" يقف خلف العداد، يتنقل بنظره بين الزبائن في صيدليته، وقد امتلأت نفسه بالضيق والملل فكل يوم كان يحمل له مفاجآت جديده، لكن ليس بالمعنى الجيد فكلما دخل زبون جديد، يزداد الأمر تعقيدًا البعض يطلب أدويه لم يسمع بها من قبل، وآخرون يصرون على وصفات لا تفهم من أين أتوا بها كان قلبه يكاد يتوقف من شدة الضغط، وهو يبتسم ابتسامه باهته محاولًا إرضاء الجميع رغم ما يعانيه في نفسه حتى أتت له والدته " وداد " تجلس على المقعد رأى " طه" الحزن بعينيها فسألها بأهتمام وهو يسير بجوارها يحضر طلب الزبائن :
ـ مالك يا امي حصل ايه
استدارت تطالعه وقالت بقهر :
ـ نعيمه برضوا عملت اللي في دماغها وراحت تحضر عيد ميلادها مع عيالها
استدار وهو يطالعها بخيبه :
ـ أنا مش قولتلك يا أمي قوليلها انها هتحضر اليوم ده معانا واني جايب تورته مخصوص عشانها
اخبرته وهي تبرر :
ـ قولتلها والله بس اعمل ايه مارضيتش وسابتني ومشيت دي حتى ما ردتش عليا
اردف بتهكم :
ـ طب والعمل هنسيبها كده برضوا
تنهدت قبل أن تضيف :
ـ العمل عمل ربنا يابني
بتر حديثهم دخول فتاه صغيره تطالبه مسرعه :
ـ دكتور طه ، دكتور طه
أخرج سبابته حين رأى الطفله أمامه وأخرج صوت متهكم حينما رأها :
ـ يختـــــاي عايز أيه ياميرو ، ما هي نقصاكي على المسا مافيش غيرك أنتِ عشان أختم بي 2024
طلبت منه بأهتمام وبصوت طفولى والبراءه بعينيها :
ـ عندك رنجه
نطق مستنكراً ما يقال :
أنتي جعانه ياميرو !
اعادت تكرر طلبها :
ـ جعانه ايه بس انا عيانه مش جعانه عايزه رنجه ، رنجه
إجابها "طه" وهو يشير لها :
ـ هتلاقيها عند الفسخاني في الشارع اللي ورانا ده
هزت رأسها نافيه وهي تصحح مسرعه:
ـ فسخاني ايه انا عايزه رنجه اللي بتتحط فيها الأبره دي عشان اخد الحقنه
قالتها بنبره عاليه هذه المره وفهم هو مقصدها :
ـ يختـــــاي ، حسبي الله ونعم الوكيل أنا قولت ما حد هيقصر عمري الا طلباتك دي اسمها سرنجه ، سرنجه يا أخرت صبري
بينما كان يحضر لها مطلبها أخرجت غطاءٍ ما من جيب بنطال لباس البيت المريح الذي ترتديه وبدت كأنها في عجله من أمرها تفاجأ طه من الغطاء سائلاً :
ـ ايه ده كمان
رفعت الغطاء بأتجاهه تمد ذراعيها أكثر ناحيته :
ـ عايزه بقى المرهم بتاع الغطا ده
التفت " طه" خلفه يطالع والدته بلوم وكأنه يلومها على دخوله هذه المهنه ، مالت " وداد" الى الأسفل تحاول أخفاء ضحكاتها التي أوشكت على الأنطلاق بصوتٍ عالى أما عنه فتابع بعدم فهم :
ـ أعمل ايه انا دلوقتي أدوق الغطا بطرف لساني ، حسبي الله ونعم الوكيل
أمرته " والدته " بغضب :
ـ ماتخلص ياطه ادي البت اللي عايزاه خليها تمشي
جذب " طه " الغطاء من الطفله بعنف ثم قام بشمه
مسترسلاً :
ـ خدي يا اخرة صبري ، طلع مرهم ڤولتارين
استرسلت "الطفله " في طلبها تخبره :
ـ وكمان عايزه
بتر حديثها بتهكم :
ـ اقسم بالله لو طلبتي حاجه تانيه لا اكون ضربك بالشبشب أمشي يا أميره
هرولت الطفله للخارج فقام بمناداتها كمن تذكر شيئاً :
ـ بت يا أميره الفلوس
أخبرته وهي تهرول للخارج :
ـ أمي بتقولك حطهم عالنوته
حرك " طه " رأسه بعدم رضا وهو يقول :
ـ شايفه اهوه نص الحاره على كده كل ما اكلم حد يقولي خليها على النوته لحد ما النوته اشتكت
تجاهلت " وداد حديثه بقول :
ـ سيبك من النوته دلوقتي وخليك معايا هنعمل ايه مع نعيمه دلوقتي
اخبرها "طه " مسرعاً بعد أن وجد حجته :
ـ ماتقلقيش انا هستناها ولو اتأخرت هاروحلها لحد عيالها
كانت والدته على وشك أن تُكمل حديثها معه، لكنها توقفت فجأة حينما دخلت امرأة إلى الصيدليه كانت تبدو في منتصف الخمسينات تقريبًا، تمسك بيد طفل صغير، وتجذب الآخر خلفها كان على وجهها تعبير يدل على العجله والارتباك. توجهت نحو ابنها بخطوات سريعه وقالت بصوت فيه رجاء:
ـ بالله عليك يا دكتره ، عايزه الدوا اللي باجي أخده منك كل مره ده لما الواد يبقى سخن وتعبان
سألها بحيره :
ـ أخمن انا بقى ، اسمه ايه
صمتت لثواني ثم انفرجت شفتيها بضحكه بلهاء كمن تذكر شيئاً للتو :
ـ افتكرت ، كان أسمه تقريباً قطفلي الملوخيه
وقفت والدته مذهوله للحظه، خطوط الدهشه ارتسمت على وجهها وهي تحاول استيعاب ما قيل للتو طالعت ابنها بعدم فهم سائله باستغراب شديد:
ـ وإيه اللي بيقطفوله الملوخيه ده كمان
رفع " طه " يدهُ ليسند بها رأسه على الڤاترينه الزجاجيه للأدويه ، وعيناه تضيقان ببسمه سمجه قبل أن يرد:
ـ قصدها كاتفلاي للسخونيه
.
. .
. .
.
. . .
. .
. .
- نزلني هنا يابني
قالتها "نعيمه" برجاء واعترض عمر عليها بقول :
ـ أنزلك فين ياحجه ، احنا لسه ماوصلناش للمستشفى
أشارت لهُ ناحيه قدميها تحركها بتمكن :
ـ بص كده الخبطه خفيفه أنا رجلي سليمه وزي الفل مش محتاجه مستشفى ولا حاجه
حدثها بهدوء منافي تماماً بما داخله :
ـ ايوه بس برضوا لازم اطمن عليكي
نطقت بنفاذ صبر :
ـ اسمع كلامي يابني انا لازم اروح اشوف عيالي عشان انا كده اتأخرت عليهم
فعرض عليها طالباً :
ـ طيب قوليلي فين عيالك وانا اوصلك لحد عندهم
طالعته " نعيمه " بامتنان :
ـ مش عايزه اتعبك معايا السكه من هنا طويله
هز رأسه موافقاً وهو يقول باسماً :
ـ تعب ايه بس ياحجه انا زي ابنك ، وبعدين أنا راضي بس المهم ماسبكيش الا اما اطمن عليكي واسيبك وسط ولادك هو أنتِ عيالك فين بالظبط
أشارت له برأسها للأمام تعلمه وجهتها وهي تقول :
ـ أطلع على قريه عارف
أوصلها " عمر" الى وجهتها وبهت وجهه وعاد بنظراته اليها :
ـ احنا بنعمل ايه في الترب هنا ياحجه بالليل كده
ابتسمت " نعيمه " تحمل حقيبتها بين يديها تهبط من السياره شاكره :
ـ تشكر يابني على توصيلتك ليا
لم يكن في المكان سوى صمت ثقيل يخترقه نباح الكلاب البعيد، وقبور متناثره تتحدى استواء الأرض، كأنها حكايات قديمه غاصت في الرمل ولم تجد من يقرأها وقف يتأمل المشهد، وقد انتفض قلبه بخوف غامض حين رأى "نعيمه " تتقدم بخطى مثقله نحو المدافن كانت خطواتها كمن يسير فوق حافة الألم، كأن الأرض نفسها تتآمر لتثقلها أكثر.
تبعها دون أن يعي السبب، كأن ظله كان مشدودًا إليها بحبل من فضول وريبه ، حين اقترب من المدفن الحديدي، أضاء مصباح هاتفه، لتقع عيناه على لوحه عُلّقت على الباب، نُقش عليها بحروف داكنة "مدفن عائلة آل موسى". ازدادت حيرته، ففتح الباب بخفه ليجدها واقفة في الداخل، محاطة بخمسة قبور، كأنها جزء من تلك الوحده المخيفه
تقدم نحوها، محاولًا أن يفهم سر هذا اللقاء الغريب بين امرأة مسنه وبين صمت الموت ركز ضوء الهاتف على القبر الأكبر في المنتصف، فرأى رخامًا أبيض نقيًا، محفوفًا بعمودين، ومنقوشًا عليه اسم "موسى ظهران " بلون أسود شديد الوضوح كان القبر كأنه مركز الحكايه ، بينما تحيط به أربعة قبور أصغر حجمًا، لكنها لا تقل حضورًا ، قرأ الأسماء واحده تلو الأخرى:
"لقمان نصار "، ثم "يحيى نصار". قلبه صار يضرب كطبل أجوف، وكلما نقل الضوء إلى قبر جديد، كان شيء داخله ينكسر هناك على اليسار، قرأ أسماء القبرين الآخرين:
- "آدم نصار " و " أنس نصار "
أصابته قشعريره بارده حين تأمل التواريخ المنقوشه كان الموت قد جمعهم جميعًا في يوم واحد، 31 ديسمبر. أما أكبرهم، لقمان، فقد توقفت حياته عند ثلاثين عامًا فقط، بينما توزعت بقية الأعمار بين عشرون والثامن والعشرون عامًا.
ارتبك، كأن أنفاسه تتعثر في صدره، لكنه نظر نحو تلك المرأة التي بدت كأنها تقف على حدود عالمين، لا تنتمي إلى الحياة تمامًا، ولا يغمرها الموت كليًا. لم تقل كلمه ، لكن عيناها تحكيان قصة لا يستطيع فك شفرتها.
حينما اقترب منتصف الليل، أخرجت من حقيبتها قالب كعك، كأنه شيء مقدس حملته بعناية كأم تحمل جنينها وضعته برفق على قبر "موسى" ، ثم أشعلت شمعه صغيره وسط الظلام لم تكن الابتسامه التي ارتسمت على وجهها فرحه، بل كانت مزيجًا من الحنين الموجع والشوق الذي ينهش القلب نظرت إلى القبور بنظره مشبعه بالشجن، وهمست بصوت يشبه الأغنيات الحزينه:
ـ ماقدرتش اعدي يوم ميلادي من غيركم ياضي عيوني
وحين دقت الساعه منتصف الليل، اطفأت الشمعه، كما لو أنها سلبت آخر ما تبقى في قلبها من نور. انهمرت دموعها بصمت، وكأنها تُطفئ نارًا عاشت طويلاً في صدرها لم تكن تبكيهم فقط، بل تبكي نفسها، تبكي ذلك الجزء من حياتها الذي دفنته معهم
تراجع " عمر" بضع خطوات إلى الوراء تقرب الى التسحب ، عيناه مثبتتان على المشهد الذي أمامه، قلبه ينبض بقوه كأنما يريد أن يهرب من صدره لم يجرؤ حتى على التفكير في السؤال الذي يتردد في عقله
ـ ياترى دول أولادها
لم يكن هناك حاجة للسؤال، الإجابه كانت واضحه ، محفوره على ملامحها وهي تبتسم لهم برقه أم تحتفل مع أبنائها ، أبناؤها كانوا هم من اختارت أن تبدأ معهم عاماً جديداً، أن تفتح لهم صفحة أخرى من حياتها.
ابتلع ريقه بصعوبه ، وعيناه تهربان منها ومن الحقيقه التي طُرحت أمامه بلا رحمه استدار بأرتباك وسار نحو سيارته، خطواته متعثره كأن الأرض تهتز تحت قدميه فتح باب السياره بعصبيه ، يداه ترتجفان كأنهما عاجزتان عن تنفيذ أبسط الحركات أدخل المفتاح في المكان المخصص لهُ ، لكن اهتزازه العنيف جعله يسقط من بين أصابعه إلى الأرض انحنى بسرعه ليلتقطه، وصوت أنفاسه يعلو كأنه يحاول السيطره على عاصفة تشتعل داخله
وفي تلك اللحظه، كسر صوت هاتفه رتابة الليل. وقف متجمداً للحظه، ثم أخرج الهاتف من جيبه بيد مرتعشه ، ما إن رأى اسم زوجته "رحمه"، حتى شعر بنوع من الطمأنينه، أو ربما نوع من الهروب. تنفس بعمق وضغط على زر الإجابه بصوت متوتر، يكاد يخفي ارتجافه:
ـ رحمه ... أنتِ فين يا رحمه؟
جاء صوتها من الطرف الآخر، حاداً ممتزجاً بنبره من العتاب:
ـ أنا برضوا اللي فين ياسي عمر ؟ أنا اللي قاعده لوحدي؟ دي آخرها؟ تعدي رأس السنة وتسيبني؟ أنا هخرب بيتك لما أشوفك!"
حاول تهدئتها، رغم أنه بالكاد يستطيع تهدئة روحه ارتبكت كلماته وهو يقول:
ـ اهدي... اهدي يا رحمه، أنا جاي حالاً الطريق زحمه بس أنا في السكه
بينما كان يتحدث، لمح زاوية شاشة هاتفه. البطاريه كانت على وشك النفاد، 2% فقط تفصله عن الانقطاع التام صوته أصبح أكثر توتراً، وأكمل:
ـ التليفون ممكن يفصل في أي لحظه ، وانا مش معايا شاحن بس أنا خلاص قربت، دقيقه وهكون عندك
لكنه لم يكن يعرف أن "دقيقه" قد تتحول إلى أبدية فجأه، انقطع الاتصال ، الهاتف أطلق أنينه الأخير، ثم خفتت شاشته. حاول" عمر " أن يشغل الهاتف من جديد، لكن لا جدوى وضع الجهاز بعصبيه على لوحة القياده، بينما تنفلت منه تنهيده ثقيلة أشبه بصرخه مكتومه.
داس على دواسة البنزين بنية اللحاق بالوقت الذي يبدو أنه قرر معاقبته تلك الليله لكن القدر كان يحمل له مفاجأه أخرى ، صوت انفجار مدوٍ صدم أذنيه، واهتزت السياره بشده توقف على الفور، قلبه يخفق كأنه يحذر من شيء أسوأ نزل ليتفقد الأمر، ليجد أحد إطارات السياره وقد مزقته شظايا زجاج متناثره على الأرض انحنى على ركبتيه، يحدق في الضرر كأن عقله يرفض استيعاب ما يحدث وقف سانداً بظهره على باب السياره ينظر الى السماء التي لم يكن بها قمراً تلك الليله فقط نجوم متباعده ، وكأنها تشاهده من بعيد دون اقتراب زفر بتنهيده عميقه يتمتم من بين شفتيه :
ـ يارب ، ده اختبار ده ولا عقاب
صرخ بغضب مكتوم، وصوت أقدامه يركل الحطام بعصبيه توجه إلى صندوق السياره ليتفقد الإطار الاحتياطي، لكنه تذكر فجأه أنه أخرجه في وقت سابق ولم يعيده
وقف هناك، في ظلام المدافن، محاطاً بصمت ثقيل وبرودة تلتف حوله كحبل مشنقه لا هاتف، لا سياره، ولا حتى سبيل للخروج من هذا المكان الذي بدا وكأنه حُكم عليه بالبقاء فيه وحيداً، مع أفكاره التي تحاصره بلا رحمه قطع حبل افكاره صوت نعيمه التى تقف خلفه سائله بنبره مبطنه بالدهشه :
ـ أنتَ لسه ماروحتش
انتفض جسده والتف مسرعاً اليها زادت نبضات قلبه عند رؤيتها تكاد ان تسمعها من كثرة خفقانه تستقبل صمته ، اعادت سؤالها بحيره :
ـ انتَ كويس يابني مامشيتش ليه ، ايه اللي موقفك هنا لوحدك
اسئله سؤال تلو الأخر يستقبله بعينان تائهتان في ملامحها التي تحمل هدوءًا غريبًا وكأنها اعتادت على المكان وظروفه حاول أن يبدو طبيعيًا وهو يقول بصوت متردد:
ـ أنا كنت مروّح ، بس كاوتش العربية فرقع، والتليفون الشحن خلص منه مش عارف أتصل بحد ييجي ياخدني
رفعت حاجبها وهي تنظر إلى وجهه الذي صار شاحبًا، كأنه يحمل لون الموتى، وقالت بنبره شبه
مطمئنه :
"
ـ طيب ، ومالك بتعرق كده ليه؟
ابتسمت ابتسامه حانيه تسترسل :
ـ إحنا في ديسمبر، يعني الجو زي التلج
ولو على التليفون فانا معايا تليفون... سيباه هناك في الشنطه اتصل بحد ييجي ياخدك بدل ما انت واقف كده ، الدنيا ليل، زي ما انت شايف، والمقرئين والزوار مش هييجوا إلا الصبح
أومأ برأسه بالموافقة وهو عاجز عن الرد تحركت نحو المدفن الخاص بعائلتها، فتبِعها بخطوات ثقيله ، كأنه يسير إلى مصير مجهول دخلت هي إلى الداخل، لكنه ظل متجمداً عند عتبه الباب، لم يجرؤ على الاقتراب أكثر أخرجت الهاتف من حقيبتها، والتفتت لتنظر له لتجدهُ يقف خارج المدفن، عينيه معلقتان بها لكنه متجمد في مكانه. ابتسمت وقالت بنبرة تجمع بين الدعابة والحقيقه:
ـ أنا عارفة إنك خايف... بس يا ابني الخوف مش من الميتين... الخوف أكتر من الصاحيين
تجاهل تعليقها ولم يعلق، فقد كان عقله مشغولًا بالتخلص من هذا الوضع الغريب كل ما أراده هو الحصول على الهاتف والاتصال بشخص ينقذه. أمسك الهاتف واتصل بأحد أصدقائه، وبعد عدة محاولات اكتشف أن لا أحد يستطيع الوصول إليه قبل صباح الغد الجميع تحدث عن زحمة الطرق وصعوبة التحرك أغلق الهاتف وهو يتنهد بعمق، وكأن الأمل قد تبخر :
ـ مافيش فايده
التفتت نعيمه إليه وهي تبتسم ابتسامه هادئه، وكأنها تعرف مسبقًا ما حدث، وقالت:
"الظاهر إن لينا نصيب نقعد مع بعض كام ساعه كمان
لم يرد عليها، لكنه نظر حوله كمن يحاول الهروب بعينيه من الواقع بينما هي تحركت بهدوء نحو قبر "موسى" مدت كف يدها خلفه و أخرجت من جانبه "بابور" قديم و"بردا " معدني ، ومن حقيبتها الصغيره زجاجة ماء وكيسًا يحتوي على السكر والشاي بدا واضحًا أنها زائره معتاده لهذا المكان، وكأنها تعتبره بيتًا آخر شغلت الكانون ووضعته على الأرض، ثم ملأت البراد بالماء ووضعته فوق النار المشتعله
رفعت عينيها نحوه، وهي تمسك بالبراد تسأله بهدوء :
ـ أعملك معايا شاي ، عشان تبلع بي كيكه عيد ميلادي
بدت كلماتها عاديه ، لكنها حملت بين طياتها هدوءاً أربكه حدّق فيها لبرهه ، ملامحه كانت مرآة لخوفه، صامتاً كأنه يخشى أن يخطئ التقدير أدركت ما يجول في داخله، فهمت تردده، فابتسمت بخفه وهي تحتسي أول رشفه من كوب الشاي، ثم مدّت إليه كوباً آخر وقالت بلطافه:
ـ ما تقلقش... ما حطيتلكش في حاجه
تردد للحظه ، لكنه أخذ الكوب في النهايه ، وبمجرد أن لامست أصابعه دفء الكوب شعر بشيء من الطمأنينه أخذ رشفه صغيره وهو يراقبها بحذر
قطعت قطعه من الكيك بجانبها، قطعت منها لقمة وأكلتها أمامه بابتسامه عفويه ، ثم عرضت عليه:
ـ تاخد حتة كيك؟ ده أنا عملاها على طريقة أنَس، ابني... هتعجبك قوي.
تلك الابتسامه ، الهادئة كنسيم الفجر، جعلته يشعر بشيء مختلف مد يده وأخذ قطعه صغيره وحين تذوقها انطلق لسانه دون أن يدري:
ـ الله! حلوة قوي الكيكة دي... دي أول مرة أكل كيكه حلوه أوي بالشكل ده
ابتسمت مجدداً، لكن هذه المره كانت ابتسامتها مختلفه، مختلطه بحزن قديم سكن عينيها، وقالت بصوت يحمل الكثير من الذكريات:
" دي طريقة أنَس، ابني... الله يرحمه. كان بيحب الطبخ زي عينيه كان نفسه يبقى شيف مشهور، لكن الدنيا استكترت عليه فرحته وبقى زي ما انت شايف كده قدامك
تنهّدت بعمق، وكأن أنفاسها كانت تحمل معها ثقل الحكايه لم يستطع مقاومة فضوله، نظر إليها وقال بصوت حقيقي لأول مرة:
ـ إيه اللي حصل لأولادك
انقبض قلبها فجأة، وارتجفت يداها دمعت عيناها دون استئذان، لكنها لم تنظر إليه مباشرةً قالت بصوت متقطع:
دي حكاية طويله ، ما تتحكيش باختصار
أصرّ، بصوت هادئ يحمل مزيجاً من الاهتمام والشفقه :
ـ طب احكي الليل لسه طويل ، وإحنا قاعدين ما ورناش حاجة لحد الصبح
ترددها كان واضحاً، لكنها رأت في عينيه اهتماماً صادقاً ربما لأول مره شعرت أن أحدهم يريد أن يسمعها، لا مجرد سماع كلماتها، بل سماع قلبها. حدّقت في النار الهادئه ، ثم بدأت تحكي صوتها يحمل وجع السنوات، وطريقتها في تحضير الكيك، واحتفالها مع أولادها الخمسه الذين أصبحوا الآن مجرد ذكرى
كل تلك الصراعات كانت تثقل كاهلها، لكنها حملتها بصمتٍ غريب، كأنها تروي للعالم بصبرها:
أنا أقوى مما تظنون، وأضعف مما أظهر
كانت عيناها مليئتين بحكايات لم تخرج إلى النور، مشاعر مكبوته تناستها مع الوقت، أو هكذا تظاهرت وكأن كل دمعه لم تنزل كانت تعبر عن صرخه مكبوته في قلبها، وكل ابتسامه منكسره كانت تخبر الحياه: "لن تهزميني، مهما حاولتِ."
كانت تنظر إلى النار المتراقصه أمامها وكأنها ترى انعكاساً لوجعها، وكأن الشراره التي تشتعل وتخبو تمثل سنواتها التي احترقت ببطء دون أن ينطفئ وهج روحها رغم الحزن الذي يلف ملامحها، كان فيها ثبات غريب، ثبات الأم التي فقدت، المرأة التي جرّدت ، والإنسانه التي اختارت أن تبقى واقفه حتى حينما كان السقوط أسهل.
بكلماتها البسيطه ، بابتسامتها التي تحمل نقيضها، كانت كأنها تقول:
"الحياة أخذت مني أغلى ما أملك، لكنها لم تأخذ مني إيماني بأنني سأبقى، ولو للحظة أخرى."
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا