القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية بحر ثائر الفصل الواحد وعشرون 21بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)

 





رواية بحر ثائر الفصل الواحد وعشرون 21بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)





رواية بحر ثائر الفصل الواحد وعشرون 21بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)






طيف من الحب يداعب مخيلتي



وأنا معك... 



شيئ من الحياة يسري داخلي 



إذا لي تبسمتِ



وإذا اسمي ناديت.. 



وإذا  لي تحديتِ



وانا معكِ... 



كل جراحي تطفو على سطح وجهي



لا لتؤلمني أكثر... 



لكن لتندمل بحبك... 



وتذيب صقيع المشاعر بداخلي وأكثر



بقلم ( فيروزة) 



❈-❈-❈



منذ أن غادرا سويًا وهي تلتزم الصمت المريب الذي جعله يتركها تعود للمنزل وحدها ومكث في محل عمله إلى الآن . 



اقترب منتصف الليل وهو يفكر كيف يتجنب طوفانها ليجد أن أفضل الحلول هو مكوثه هنا حتى تنام أو تهدأ كي يقنعها بشيء هو غير مقتنع به . 



يأبى الاعتراف بأنه يخشاها ، يقنع نفسه بأن طاعته لها ما هي إلا احتواء لغضبها العاصف خاصةً وأنها تشبع رغباته جيدًا . 



تحرك مضطرًا إلى منزله بعدما غادر العمال ولم يبقَ سواه ، وصل إلى المنزل وكاد أن يدلف من بوابته ولكنه تفاجأ بصوتها يصدح من شرفة شقتها وهي تردف موبخة : 



- استنى عندك إنت داخل فين ؟ 



توقف يرفع رأسه عاليًا يطالعها ليجدها تلقي حقيبة ملابسه من الأعلى والتي ارتطمت أرضًا فانكسرت لتتناثر منها القطع لذا تملكه الغضب وهو يرى ملابسه في الشارع وقد تجمع القليل من الناس من حوله ليروا ما يحدث معه لذا رفع رأسه مجددًا وتحدث بغضب : 



- إنتِ اتجننتي يا زينة ؟ بتعملي إيه ؟ 



قالها وهو يشير على الملابس لتستطرد بنظرات حادة وصوت عالٍ  : 



- احمد ربنا إني بعمل كدة بس، وخد هدومك وروح نام في المحل علشان تفتكر أيام ماكنت بتنام هناك قفاك يأمر عيش وانت مع الحلوة اللي شوفت منها أيام حلوة  ، يا كمولتها  . 



باغتها بنظرة متوعدة ثم نظر حوله إلى جيرانه ولم يجد سواهم ليصدّر لهم غضبه لذا نطق ملوحًا بيده  : 



- بتبص على إيه منك ليه يالا كل واحد على بيته  . 



نفض الجيران أيديهم ووجوههم منه وتحركوا يغادرون وهم يناجون نفوسهم بأن ما يحدث هذا ما هو إلا استرداد حقوق ديما التي سلبها من قبل . 




رفع رأسه مجددًا ليجدها تصفع النافذة وتتركه يتحسر على أيامٍ كان يعيش فيها ملكًا  . 



انحنى يلتقط ملابسه ثم نهض يحملها وتحرك عائدًا إلى محل عمله وهو يفكر كيف يجعلها تندم وتأتي لتراضيه  ،  كيف سينام الليلة مُعاقبًا  ،  وكيف وصل به الحال إلى هنا  . 



لقد كان يمتلك زوجة هادئة لا يتذكر يومًا أنها رفعت صوتها أمامه أو أهانته أو قللت من شأنه  ،  نعم كانت مُقصرة معه ولكنه أخطأ في وزن أموره  ، لقد باع تقصيرها في إشباعه بوابلٍ من الفضائح التي يخشى أن تقلل من مكانته ذات يوم  . 



لقد وزن الأمور بمكيالٍ غير عادل والآن هو وحده من يعاني فإحدى كفتيه تتنعم في فرنسا والأخرى تتنعم في شقته ولم يستطع إلا أن يقبل  . 



❈-❈-❈



في الصباح 



وقف داغر مع صالح في ورشة عملهما  ،  يعملان بجدٍ وكفاءة عالية  ،  صوت القرآن الكريم يصدح من الورشة فيبعث في نفوسهما ونفوس المارة الطمأنينة  . 



توقفت سيارة أمام ورشته وترجل منها رجلًا يرتدي بدلة سوداء بملامح متجهمة تجهمًا يلازمها ،  التفت الرجل ينظر إلى داغر الذي رفع رأسه يحدق به وقد عرفه جيدًا  ،  هذا هو نبيل الراوي عم بسمة  . 



تنفس داغر بعمق وهو يرى الآخر يقترب منه حتى توقف أمامه يردف من أسفل نظراته التي لم تُخفِ الكره في عينيه : 



- أزيك يا باشمهندس  ،  قلت أجيلك بنفسي يمكن أقنعك  . 



عمت التساؤلات فوق ملامح داغر لذا نطق وهو يرفع رأسه ويتكتف  : 



- هتقنعني بإيه يا أستاذ نبيل  ؟



نظر نبيل نحو صالح الذي لم يعطِه أي اهتمام برغم أنه يوليهما السمع حيث يستعد ليواجهه إذا تعرض لداغر بكلمات مؤذية  . 



ليعود إلى داغر ويردف  : 



- ممكن نقعد ونتكلم  ! 



نطقها من طرف لسانه فهو يتمنى لو استطاع حل الأمر بشكلٍ آخر ولكنه لن يخسر ابنة أخيه ولن يخسر أمام هذا الفقير لذا تمهل وتصرف بدهاء وأتى  . 



أشار له داغر نحو المقعد داخل الورشة واتجها يجلسان وتأهبت حواس الأول لينزع الثاني نظارته ويحدق فيه بنظرات ثاقبة قائلًا  : 



- أنا عايزك ترجع المصنع  ،  خلينا نتكلم بصراحة  ،  أنا واحد مسؤول عن منظومة كبيرة زي منظومة الراوي  ،  تحت إيدي ناس كتير وهما كمان تحت إيدهم ناس أكثر ولازم أشوف المصلحة العامة فين  ،  وانت شغلك في المصنع مشهود له بالكفاءة العالية  ،  علشان كدة قلت أجيلك بنفسي واقنعك ترجع  . 



تعجب داغر ولم يقتنع بحديثه لذا تساءل بشكٍ مبطن بالسخرية  : 



- يعني حضرتك جاي تكلمني بنفسك وسايب المنظومة الكبيرة علشان تقنعني أرجع المصنع  ؟  معقول ده يا أستاذ نبيل  ؟ 



ابتسم نبيل ابتسامة خافتة ثم أومأ يجيبه  : 



- بالضبط  ،  وياريت تقبل علشان أقولك على النص التاني من الحوار  . 



- اللي هو إيه  ؟ 



فطنة داغر جعلته يدرك أن وراء كلماته هذه كلمات أخرى أشد خبثًا لذا تأهب يستعد لسماعها فمال نبيل عليه يهس بنظرات مظلمة  : 



- هترجع المصنع تشوف شغلك وبس  ،  مالكش دعوة ببسمة  ،  حاول تتجنبها تمامًا لإن مش نافع بأي شكل  ،  صدقني لو ينفع هفرح بس مش نافع  ،  بص إنت فين وهي فين  ،  الحب ده كلام عيال طايشة مابتفكرش إنما إنتوا واعيين كويس للفروق اللي بينكوا علشان كدة محدش منكم هيصارح التاني بس أنا فاهم  . 



تهاوى قلب داغر داخل جسدٍ متصلبٍ وملامح متجمدة بمقلتين قاتمين واتقدت داخله رغبة في لكمه ولكنه تمالك ليسترسل نبيل بذات النبرة الخافتة  : 



- أنا مش بقلل منك  ،  أنا بحطك قدام مراية الحقيقة  ،  أنا عارف إنك مش طماع وجدع وشهم ووقفت مع بسمة كتير بس فكر كدة لو حبكم ده اتعرف نظرة الناس عليك هتكون شكلها إيه  ،  هتتحمل يتقال عنك جوز الهانم  ؟  هتتحمل يشفوك دايمًا أقل منها  ؟  طيب هتتحمل إنها في يوم من الأيام وبدون قصد ممكن تقولك كلمة كدة ولا كدة  ؟  مهو ده الواقع يا داغر وانا بفكرك باللي نسيته  ، أنا يهمني مصلحة بنت أخويا علشان كدة لازم احطك قدام الواقع  . 



طعن قلبه بسكينٍ صدِئ لذا انتقم سريعًا لكرامته حيث أردف بشموخٍ استعصى على حالته  : 



- معلش لحظة علشان انت فاهم غلط  ، هو مين قالك أصلًا إني بحب بسمة  ؟  بسمة صديقة مش أكتر وأنا بتصرف معاها بأخوة  ،  كلامك ده كله مالوش أي لازمة  . 



نجح نبيل في رسم خطته وجني حصادها  ،  ها هو داغر ينتقم لكرامته مثلما توقع ولن يقترب مجددًا من بسمة لذا نهض يردف  : 



- ممكن فعلًا أكون فسرت عدم رجوعك المصنع إنه بسبب كدة  ، بس بما إنك بتعتبر بسمة صديقة يبقى ارجع وواصل شغلك  ،  هستنى أشوفك قريب هناك  ، واطمن بسمة في الأول والآخر بنت أخويا وماحدش هيخاف عليها أكتر مني   . 



غادر بعدها وترك خلفه بركانًا ثائرًا على وشك الاندلاع ليتحرك صالح نحوه ويردف معاتبًا  : 



- إنت ليش حكيتله اللي جاي يسمعه  ؟  معقولة يا داغر ما لاحظتش خباثته  ؟ 



بجسدٍ مشتعلٍ أجابه  : 



- يسمع بقى ولا مايسمعش هي دي الحقيقة يا صالح  ،  نقطع عرق ونسيح دمه علشان نخلص  ،  الموضوع ده مستحيل يحصل وسيبك بقى من الزفت القلب  ،  ملعون أبوه  . 



اندفع بعدها يغادر الورشة  ،  يغادر الشارع  ،  يغادر المنطقة بأكملها  ،  جُل ما يريده الآن هو إطفاء نيرانه المشتعلة داخل صدره  . 



قلبه يؤنبه على بسمة التي سيتركها في طريقٍ وعر وكرامته تأبى العودة وعقله يقنعه بكلمات نبيل المسمومة  ،  إنها في نهاية المطاف ابنة أخيه  . 



 



❈-❈-❈



جلست دينا في كافتيريا الشركة يقابلها لوتشو الذي أراد أن يتحدث معها  ،  لم تعد تبالي بنظرات زملائها فهم في كل الأحوال يغتابونها لذا نادته لتتحدث معه أثناء استراحة الغداء  . 



جلس ينتظر حديثها فتحمحمت وبدأت تلقي أسئلتها  : 



- أنا حابة أتعرف عليك أكتر  ، أعرف طباعك  ،  عاداتك  ،  عيلتك  . 



انفرجت أساريره فما سؤالها إلا شبه تأكيد له على أنها تتقبله لذا ابتسم وتحدث بنبرته  : 



- بالطبع يجب أن أخبركِ عني الكثير  ، مثلًا عائلتي التي تعيش في بكين  ،  لدي أمًا رائعة ووالدي وشقيقاي هم من يديرون الشركة الأُم هناك  ،  لدي شقيقة متزوجة من سيو المدير التنفيذي للشركة هنا كما تعلمين  . 



أومأت فهي تعلم أن مدير الشركة هو زوج شقيقته لذا تنفس بعمق يتابع  : 



- أنا لستُ حاد الطباع  ،  حتى أن عائلتي أحيانًا تنزعج من طريقتي ولكنني أحب أن أكون لينًا في تعاملي  ،  والدتي صارمة قليلًا وهي أيضًا تدير الشركة الأم مع والدي ولكنها تحبني كثيرًا لذا تتقبل اختياراتي  ،  وأما عاداتي فاسألي وأنا أجيبكِ  . 



انتابها القلق من والدته قليلًا ولكنها أقنعت نفسها بأنها بعيدةً عنها  ،  وحتى إن كانت صارمة في عملها فهذا أمرٌ جيدٌ لذا تساءلت  : 



- هو إنت فعلًا هتستقر هنا  ؟  وهل عيلتك هتوافق على ارتباطك بيا  ؟ 



شبك كفيه وأجابها بصدق  : 



- انظري أنا تحدثت مع زوج شقيقتي وهو رحب باختياري وبالنسبة لوالدي أعلم أنه سيرحب أيضًا  ،  تبقى المُعضلة في والدتي فهي سترغب في رؤيتكِ أولًا والتعرف عليكِ قبل موافقتها  . 



ضيقت عينيها متعجبة فهل سيكون نصيبها مع حماة متسلطة حتى لو صينية؟  



زفرت بقوة ثم أومأت وتساءلت بتوترٍ وحرجٍ حيث أن ملامحها انكمشت باشمئزاز حينما نطقت  : 



- طيب هو انتوا من الجزء اللي بياكل حشرات معينة زي ما هو متعارف عليه في العادات الصينية ؟  



ترقبت إجابته لتجده يبتسم بل يضحك ويجيب بمزاح  : 



- أتقصدين الجراد  ؟  أم الصرصور  ؟  



أخفت وجهها بكفيها حينما شعرت بالغثيان فتحمحم معتذرًا واستطرد سريعًا  : 



- حسنًا اهدئي أنا لا أتناول تلك الأشياء  ،  أنا أتناول الأطعمة المتعارف عليها لا تقلقي  ،  ولكن والدتي تتناولها  . 



هل عليه أن يكون صريحًا إلى هذا الحد بشأن والدته التي وضعتها في القائمة السوداء من الآن  ،  الآن فهمت لما هي متسلطة فمن ذا الذي يتناول وجبة عبارة عن حشرات ولا يصاب بالتسلط والتقشف  . 



حاولت التقاط نفسًا قويًا ثم طالعته بتمعن وأردفت بهدوء  : 



- طيب خلينا نبعد عن السيرة دي ونتكلم عنك أكتر  . 



أومأ وبدأ يسرد عليها مقتطفات عنه وعن طباعه وتصرفاته وهي تستمع له بتركيز  . 




❈-❈-❈



ظهرًا في فرنسا



انتهت من عملها وكتابة المقالات ولم تعد تعلم ماذا عليها أن تفعل  ،  رفعت يدها تنظر في ساعتها لتجدها مازالت الثانية  . 



مازال هناك ساعتان على العودة للمنزل وقد بدأت تشعر بالضجر خاصةً وأنها داخل المكتب وحدها  . 



نهضت من مقعدها تتجه نحو النافذة الداخلية وتنظر منها عمن في الخارج  ،  الجميع يعمل ومنشغلون في حواسبهم  ،  إنهم يمتازون بالنشاط  ، وكذلك يتسامرون مع بعضهم البعض . 



تنهيدة حارة خرجت من جوفها لذا قررت أن تتجه إليه وتطلب منه أن تغادر وتستغل الوقت المتبقي في التنزه في شوارع باريس  . 



اتجهت تستل حقيبتها ومعطفها وتحركت تفتح الباب وتتجه نحو مكتبه  ،  في قرارة نفسها هناك شعور لا تعلم مهيته ولكنه يشبه صوتًا داخليًا يناديها ويطلب منها رؤيته  ،  باتت تحب وجوده  ،  تحب النظر إلى وجهه البارد  ،  تحب نظرة عينيه الثاقبة التي يحدق بها نحو الجميع  ،  ولكن لا تسألها عن السبب فهي لا تعلمه  . 



طرقت باب مكتبه تحت أنظار الموظفات الفرنسيات ليسمح لها بالدخول لذا تنفست بقوة ولفت المقبض تفتح الباب ودلفت ولم تنظر له مباشرةً وكأنها ستصاب بصاعقةٍ مثلًا لذا ازدردت ريقها ورفعت مقلتيها تطالعه بهدوء فوجدت عينيه منكبة عليها فأسرعت تنظر في ساعتها وتردف بنبرة جاهدت لتبدو طبيعية  : 



- أستاذ ثائر ياريت تسمحلي أطلع دلوقتي  ،  أنا خلصت شغلي  . 



- وراكي حاجة مهمة  ؟ 



سألها بنبرة باردة يسكنها دفئٌ خاصٌ بها لتهز رأسها وتوضح  : 



- لاء بس هتمشى شوية  ،  من وقت ما جيت وأنا نفسي اتمشى في شوارع باريس  . 



نهض يلتقط أغراضه وتحدث بالفرنسية بنبرة خبيثة مستفزة وهو يرتدي معطفه  : 



- تلك المدينة الأوربية التي لا تفضلينها  ،  أحيانًا أحب تناقضكِ  . 



شعرت بالغيظ ولكنها ابتسمت وأجابته بشموخٍ ورأسٍ مرفوع  : 



- اتعلمته منك  . 



وقف أمامها وحدق فيها يردف بشبح ابتسامة لم تلاحظه  : 



- جيد  ، يبدو أن هناك أمل لتتراجعي عن أفكاركِ  . 



لم تخفِ ابتسامتها بل أنها لا إراديًا ضحكت فانهارت جبال جليده وعم الدفء قلبه وهي تنطق بثقة  : 



- أمل امرأة عربية أصيلة  . 



عبرت من أمامه تنوي المغادرة ولكنها لاحظت حركته فالتفتت تتساءل بجبين مقتطب  : 



- هو حضرتك رايح فين  ؟ 



تحدث بثقل ظاهري وهو يدس كفيه في جيبي معطفه ويحدق بها بخبث : 



- هعرفك على شوارع باريس  ،  الموضوع مش سهل حتى لو بتتكلمي فرنسي كويس  ،  وبلاش تعترضي علشان أنا فعلًا كنت همشي  . 



زفرت بهدوء ظاهري لتُسّكت ضجيج عقلها واضطرت للتحرك معه بخجلٍ  ،  هل تتصرف بشكلٍ صحيح  ؟  بالطبع لا ولكنها إن رفضت ستبدو في موقفٍ ضعيفٍ لا تفضله لذا صمتت  .




عاد إلى منزله ودلف يتجه للأريكة ويرتد عليها لتسرع رؤية الصغيرة لاحتضانه وتهلل قائلة  : 



- داغل جه داغل جه   . 



عانقها وربت على خصلاتها بملامح متجهمة ينبعث الحزن منها  ،  الحزن الذي لاحظه مالك الذي يقف قبالته فأسرع إلى جدته التي تقف في المطبخ فناداها يهمس  : 



- تيتا تعالي شوفي خالو داغر  ،  شكله زعلان أوي  . 



تعجبت منال وتركت ما في يدها وتحركت نحو الخارج تنظر في وجه ابنها لتجده يطرق رأسه ويجلس يفكر لذا اتجهت تجلس جواره وتساءلت بقلقٍ وهي تلفه لها  : 



- مالك يا داغر  ؟  حصل حاجة يا حبيبي  ؟ 



التفت يحدق بها لهنيهة ثم أردف بابتسامة لم تصل لعينيه  ،  ابتسامة أجبر نفسه على صنعها ونطق ما قرره منذ قليل   : 



- سايبة ابنك كدة لحد دلوقتي من غير جواز  ؟  اصحابي عمالين يكلموني ويعزموني على أفراحهم وأنا شكلي هموت من غير ما افرح  . 



- بعد الشر عنك ربنا يجعل يومي قبل يومك ويطول في عمرك  . 



اندفعت في قولها تنهره ليربت على ظهرها يقول بتريث  : 



- بعد الشر عنك يا ست الكل  ،  ربنا يباركلنا في عمرك  ،  بس بجد يا ماما شوفيلي كدة بنت حلال تكون طيبة وبطة كدة ملفوفة علشان خاطر ابنك يتلم بقى  . 



قالها بمزاح يخفي وراء ستار حزنٍ بالغٍ لمحته في عينيه فتساءلت بقلبٍ منفطر  : 



-  فجأة كدة  ؟  وبسمة  ؟ 



التفت التفاتة مبالغ بها ونطق بحدة  : 



- بسمة إيه يا حاجة منال  ؟  أنا مالي ومال بنت الأكابر دي بس  ؟  هي صديقة لكن أنا عايز ارتبط بواحدة من توبي  ،  نفهم بعض وارجعلها آخر النهار ألاقيها مستنياني  ،  مش عارف إيه اللي طِلع في دماغك ناحية بسمة بس أنا تفكيري مختلف  . 



لم تصدق كلماته وهذا ما قرأه في عينيها لذا نهض يخفي ما ينهش في صدره ويتابع  : 



- زي ما قولتلك يا أمي دوريلي على بنت من منطقتنا كدة تكون إنسانة محترمة وكويسة  ،  آن الآوان بقى تزغرطي لابنك بدل ما انتِ عمالة تزغرطي للجيران كلها وسيباني  . 



نطقها وتحرك بعدها نحو الحمام وجلست تطالع أثره بتعجب وحيرة  ،  هل حقًا ما يقوله أم أن هناك أمرٌ قد حدث  ؟ 



❈-❈-❈



في شوارع باريس 



وداخل سيارته السوداء الفارهة والتي تشبه شخصيته كثيرًا  ، مهيبة وغامضة . 



تجلس ديما تتطلع من النافذة وتشعر بالتوتر والتقيد  ،  هي لا تفضل ركوب سيارة أثناء نزهتها بل تفضل التجول بنفسها سيرًا على قدميها لذا التفتت له وابتسمت تردف بترقب  : 



- كفاية كدة يا أستاذ ثائر  ،  وقفني على جنب لو سمحت  . 



- لاء  . 



أجابها بثباتٍ استفزازي وهو يقود في طريقه لتكظم غيظها وتتساءل بهدوء  : 



- يعني إيه لاء  ؟ 



تنفس يجيبها بغرور دون النظر نحوها  : 



- عايزة تنزلي ليه  ؟  لو تعرفي عدد البنات اللي نفسهم يكونوا مكانك مش هتفكري تنزلي  . 



تنفست تُهدئ من ثورتها فهي لا تحب الغرور لذا أردفت  : 



- بالضبط يبقى نزلني على جنب وركب أي واحدة من اللي نفسهم يركبوا جنبك  . 



أومأ وتوقف بسيارته يمينًا لتظنه اقتنع لذا حاولت فتح الباب ولكنه أوصده يلتفت لها فتعجبت وحدقت به تردف بضيق  : 



- ممكن تفتح الباب  . 



أسند ذراعه على طارة القيادة وطالعها ثم تحدث باستفاضة  : 



- بصي برغم إن فرنسا بلد حريات بس ده ماينمنعش إن فيها نسبة تطرف من ناحية حاجات معينة  ،  زي حجابك مثلًا وطريقة لبسك  ،  وعلشان ماتواجهيش مضايقات في شوارع إنتِ أصلًا ماتعرفيهاش خليني أعرفك على الشوارع اللي ممكن تتمشي فيها والشوارع اللي يفضل تبعدي عنها  ،  وعلى فكرة التطرف ده الدولة بتسعى إنها تقضي عليه . 



قالها يبرر حينما لمح ابتسامة جمّلت ثغرها ولكنها لم تستطع منع نفسها من قول  : 



- مافيش داعي تبرر  ،  أنا فهمتك جدًا  ،  بس بردو هنزل وماتقلقش أنا مذاكرة كويس وعارفة كل اللي قولته ده  ،  وكمان عارفة الشوارع الكويسة اللي همشي فيها ،  ممكن أنزل بقى  ؟ 



لم يجد مبررًا للرفض لذا هز كتفيه باستسلام وفتح القفل ففتحت الباب وترجلت تلوح له بتحدٍ وتتحرك على الرصيف لتعبر الطريق ملتفتة يمينًا ويسارًا بينما هو انشغل بالتطلع عليها قبل أن يقرر صف سيارته وتتبعها   ، ستتعبه في التعامل معها ولكن العجيب في الأمر أنه يعشق هذا النوع من التعب  ، ترى كيف ستمر الأيام معها  ؟ ومتى ستحين اللحظة المناسبة  ؟



لقد وضع خططته وهو الآن يسير عليها ولكنها أحيانًا تغير مساره ليجد أنه هو من يتبعها وليس العكس كما ظن  . 




❈-❈-❈



بعد مرور شهر



تم نشر كتابها وحقق مبيعات عالية حيث تم الدعاية له على أنه الكتاب المعاكس لأراء ثائر ذو الفقار وعلى أساسه ستتم المناظرة بين الكاتبين . 



استلمت أول راتب لها والذي تم تحويله لحسابها البنكي وقامت سريعًا بتحويل الجزء الأكبر منه لعائلتها وطفليها . 



لا تصدق أن هذا الوقت مر على تواجدها هنا ، تفتقد طفليها بطريقة تجعلها تبكي دومًا برغم أنها تحدثهما باستمرار ولكن لا مر أشد مرارة من الغربة والبعد عن العائلة . 



ربما الشيء الذي يهون عليها علقم الأيام هنا هو عملها الذي باتت تحبه كثيرًا ، أحبت كتابة المقالات عن قوة المرأة المسلمة ، مقالات هادئة نوعًا ما لا تثير الجدل مثل مقالاته . 



الآن تجمع الأبحاث وتستعين بكتب عامة كي تبدأ في كتابها الثاني والذي سيتضمن حضارة بلدها والهوية المصرية التي تفتخر بها . 



إن كان هو يعبر عن حبه وعشقه لفرنسا حسنًا ، وإن كان يتقبل الرأي الآخر فحسنًا ، وإن كان قرر أن يأتي بها لتتحداه فحسنًا ، لذا ستكتب وهو لن يعترض . 



طوال شهر حاوت اكتشاف أي شيء عن شخصيته ولكنها لم تنجح ، غموضه يزداد حوله ، هادئ وقليل الكلام ولا يتحدث عبثًا ، كل كلمة تصدر من بين شفتيه لها معنى ومغزى ومبطنة بهدف معين لذا فإنها تمرر كلماته على جهاز فحص عقلها قبل أن تتلقاها أذنها . 



ويبقى السؤال الفضولي يلازمها وليته يثق بها ويجيبها ، ما السبب الذي جعله يبتعد عن مصر كل هذه السنوات بل ويمنع من دخولها ، وهل يكره بلده ؟ أم يعتب عليها ؟  . 



لقد رأت رصانته وحكمته وذكاءه في تصرفاته حتى لو كان ضدها فما هي أسبابه  ؟ 



تنهدت ووضعت يدها في خصرها تميل وتئن من تقلصات ظهرها ، يبدو أن الجلوس على المقعد لوقتٍ طويل له ضريبة ، كانت تعاني من ألام الظهر في السابق ولكن هذا كان نادرًا أما الآن فبات الألم يزورها كل يومين على الأقل وهي لا تفضل المسكنات لذا تحاول استعمال كريمًا موضعيًا ولكن لم تفلح أن تصل للمنطقة المقصودة لذا .. 



زفرت واتجهت تتمدد على الأريكة في الصالة الخاصة بها . 



شردت مجددًا في موعد اليوم حيث ستقام المناظرة بينهما ، ربما للتوتر نسبة كبيرة في ألم ظهرها وتقلصات معدتها ، ليس خوفًا من مواجهته ولكن ترقبًا لثقته الكبيرة وغموضه . 



مدت يدها تلتقط هاتفها وتفتحه لتظهر صورة طفليها لذا ابتسمت وقربته تقبلهما ثم عبثت به تعيد تشغيل المقاطع التي جمعتها عن حقوق المرأة في فرنسا كأنها تراجع قبل ليلة امتحان . 



كانت تتابع بتركيز قبل أن يعلن هاتفها عن اتصال منه ، قطبت جبينها فهو نادرًا ما يهاتفها لذا أجابت بترقب : 



- السلام عليكم ! 



أجابها بنبرة رسمية : 



- وعليكم السلام ، جاهزة  ؟ هعدي عليكِ قبل المعاد نروح سوا . 



تنهدت بعمق وعقلها يصور لها الحدث ، جميع الحضور يؤيدونه في رأيه وهي بينهم بمفردها مثلها كمثل السفينة التي أبحرت في رحلة عبر محيطٍ عاصف بالأمواج . 



أجابته بهدوء يخفي توترها  : 



- تمام  . 



لم يخفَ عنه توترها لذا أردف مشاكسًا بالفرنسية تحت غطاءٍ من الجمود  : 



- سيكون من الأفضل لكِ أن تذهبي معي  . 



ابتسمت ساخرة تجيبه : 



- قمة الديمقراطية والتواضع سيد ثائر ذو الفقار . 



لوى فمه بابتسامة تقسم أنها لمحتها وقال قبل أن يغلق : 



- سنرى يا امرأة السلام . 



أغلق وزفرت على جملته ، هل يسخر منها ؟ سترى أيها الغامض من هي امرأة السلام إذًا . 



❈-❈-❈



حياتهما روتينية كثيرًا  ،  ليس هناك شيئًا جديدًا يضاف عليها لذا زفر بعدما انتهى من طعامه وطالعها بحبٍ يتساءل  : 



- إيه رأيك يا يسرا لو نسافر كام يوم لأي مكان  ،  عايز أفصل شوية من الشغل  ،  عايز أكون معاكي في مكان جديد نغير جو سوا  . 



بادلته النظرات والحماس ولكنها تذكرت طفلا صديقتها  ،  كيف ستبتعد عنهما لأيام  ؟  لقد تعلقت بهما أكثر من السابق ولم يمر يومًا منذ أن سافرت ديما إلا وهي معهما لذا نطقت بتردد  : 



- هي فكرة ممتازة جدًا بس  ...  



مال برأسه يستفهم فتابعت باستعطاف  : 



- إنت عارف إن مالك ورؤية اتعودوا إني أروحلهم كل يوم  ،  هينفع أسافر واسيبهم  ؟ 



لم يعجبه ردها ولكنه تفهم قلقها لذا زفر وأومأ يوضح  : 



- أيوة يا يسرا عادي  ،  روحي النهاردة شوفيهم وعرفيهم اننا هنسافر كام يوم أنا وانتِ  ،  الموضوع بسيط ومامتهم نفسها مسافرة  . 



شردت قليلًا وانفطر قلبها عليهما لذا أومأت بهدوء برره بأنه عدم اقتناع لذا استرسل  : 



- يسرا هترجعي لنفس الموال تاني  ؟  هتعلقي نفسك بحاجة مش ليكي تاني  ؟ 



رفعت نظرها له ثم مرت غيمة على عينيها جعلته يدرك أنها تتألم لا إراديًا وتخشى أن تبوح بما يعتري داخلها لذا زفر يستغفر وسعى يبحث عن السلام لينطق بعدها بنبرة لينة  : 



- يا حبيبة قلبي بتعملي في نفسك ليه كدة  ،  ليه مُصرة إنك تعذبي نفسك بحاجة ربنا عز وجل بيختبرنا فيها بالصبر والرضا  . 



أسرعت ترفع كفها وتلتقط دمعتها قبل أن تسقط منها وأردفت بنبرة متحشرجة  : 



- أنا راضية جدًا يا دياب ومؤمنة بقضاء الله بس إحساسي ده غصب عني  ،  مهو أنا لو ماتعلقتش بمالك ورؤية وقت غيابك بحس إني هتجنن  ،  عايزة أشغل عقلي طول الوقت مع حد  ،  أنا عارفة إنك لو ينفع مش هتسبني أبدًا بس دي طبيعة الحياة  ،  ده شغلك ولازم هتبعد لكن صدقني الوقت اللي بتبعد عني فيه بحس بوحدة رهيبة بتاكل من عقلي وتفكيري  . 



كعادته دومًا رجلًا متفهمًا يبحث عن حلٍ يجبر به خاطرها لذا نهض يتجه نحوها ويمسك برسغها ويتحرك معها نحو الأريكة ليجلسان عليها براحة فاحتضن كفيها بين راحتيه واستطرد وعينيه تسافر عبر ملامحها  : 



- طيب خلينا نسافر كام يوم زي ما قلتلك وهنكون مع بعض طول الوقت  ،  ولما نرجع أوعدك أني بنفسي هدورلك على شغل مناسب  ،  إيه رأيك  ؟ 



شردت في ملامحه  ،  سيبحث لها عن عملٍ  ؟  لقد كان يرفض هذا المبدأ من باب غيرته عليها والآن سيحاول كي يريحها لذا ابتسمت له وبمقلتين يفيض منهما الحب ونبرة متأثرة بما يفعله هذا الرجل قالت  : 



- أحيانًا بحس إن إنت كتير عليا  ،  معقول أنا استاهل الحب ده كله  ؟ 



أسرع يدخلها بين ضلوعه ليثبت لها أنها لا تستحق سوى الحب لذا بادلته العناق فبات يملس على ظهرها باحتواء ويردف  : 



- أنا اللي ربنا بيحبني إن معايا أجمل ست في الدنيا  ،  ماتقوليش كدة تاني  . 



أومأت وهي داخله ولم ترد أن تبتعد حتى أنها قبضت على قميصه ترفض ابتعاده ليفصل بينهما رنين هاتفه لذا زفر بضيق واضطر أن يبتعد ويلتقطه ليجد أن المتصل هو شقيق رحمة لذا بدى الانزعاج على وجهه وأردف  :



- ده أخو رحمة  ، جارة الهنا  .



نطقها ساخرًا فابتسمت وقالت تشجعه  :



- رد شوفه عايز إيه  ؟ 



أومأ وفتح الخط  يجيبه بترقب  : 



- أيوا سلام عليكم  ؟ 



- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته  ،  أزيك يا أستاذ دياب عامل إيه  ؟ 



- بخير الحمد لله  ،  اتفضل سامعك  ؟ 



أردف الآخر بترقب  : 



- طيب أنا حولت مبلغ على حسابك اللي أخدته قبل كدة  ،  ياريت لو سمحت تسحبه وتوصله لرحمة لإني مش حابب اتواصل معاها بنفسي  ،  يعني زي مانت فاهم  . 



تنهيدة قوية تدل على ضيقه صدرت منه لتومئ له زوجته كدعمٍ لذا نطق  : 



- تمام ماشي  ،  بس ياريت بعد كدة تبلغني قبل ما تحول  . 



شعر الآخر بانزعاجه لذا أردف معتذرًا  : 



- معلش اعذرني يا أستاذ دياب وأنا آسف بس صعب أني اتواصل معاها وفي نفس الوقت مش هكون مرتاح إلا لو بعتلها مبلغ هي وابنها  . 



- تمام  . 



هكذا أجابه دياب مختصرًا قبل أن يغلق ويزفر بضيق فهو قد تجنبها منذ آخر حدثٍ بينهما وخاصةً بعدما لاحظ محاولاتها في التودد إليه لذا نطقت يسرا تخفف من وطأة ضيقه  : 



- عادي يا دياب ماضايقش نفسك  ، اسحب المبلغ وانا هوصلهولها وانتهى الموضوع  .



أومأ لها بتنهيدة ثم نهض فنهضت تقابله فانحنى يقبل ثغرها قبلة خاطفة ويردف بحب  :



- تمام خليني أخلص شغلي واشوف هعمل إيه  .



أومأت تربت على صدره وودعته حتى باب المنزل فغادر وأغلقت الباب واتجهت تلملم الأغراض وتستعد لتذهب الى منزل منال  . 



وكعادتها جارتها تقف في شرفة منزلها تتطلع على دياب وهو يغادر إلى عمله ومازالت الفكرة قائمة في عقلها  .





الساعة السادسة وخمسون دقيقة 



بلباسٍ محتشم وحجابٍ هندم بعناية ليخفي خصلاتها بشكلٍ تام وملامح تخلت عن مستحضرات التجميل سوى من كحل عربي ومرطب شفاه ، بهوية عربية وشموخ امرأة خرجت من منزلها لتجده ينتظرها أمام سيارته  .



لمحة سريعة منه عليها ربما لم تستمر لثانيتين ولكنهما كانتا كفيلتان ليتمعن هيأتها الفاتنة وكالعادة نجح في التخفي خلف قناع الجمود وهو يردف ويشير لها نحو الباب الذي فتحهُ بنبلٍ  : 



- اتفضلي  . 



 بتوترٍ ملحوظ حاولت أن تبتسم وهي تومئ وتحركت تستقل سيارته ليلتفت مستقلًا جهته وبدأ في القيادة  . 




لم يكن مقر الندوة بعيدًا لذا فطريقهما لم يطُل حيث توقف أمام المكان وأردف وهو يفحصه بعينيه  : 



- وصلنا  . 



ترجلا سويًا وانتظرها ثائر حتى لفت إليه فتحرك وهي تتبعه ليبتسم له الحارس ولكنه باغت ديما بنظرات عدوانية لا تعلم سببها لذا باغتته بنظرة تحدي ودلفت تخطو جواره لتتفاجأ بحشدٍ كبير في صالة واسعة وأصوات التقاط الصور والفلاشات الخاصة بالكاميرات توثق صورتها وهي تجاور ثائر . 



هجم عليها جيش من التوتر وشحبت ملامحها فانحنى قليلًا نحوها يدرك جيدًا ما أصابها خاصةً وقد لاحظ توترها من قبل في مؤتمر الشارقة لذا نطق بهمس تنبعث منه القوة : 



- افردي ظهرك وارفعي راسك وابتسمي ، إنتِ هنا علشان تثبتي هويتك . 



التفتت تطالعه بشيءٍ من الاندهاش والحيرة ، هل يشجعها أم يعينها على تحديه ؟ هل يدعمها أم يوضح لها أنه يدرك توترها ؟ 



لمحته يرفع حاجبيه ويومئ لها لذا ابتسمت . 



ابتسمت وفعلت مثلمها أوصاها ، فردت ظهرها ورفعت رأسها وسطعت ابتسامتها وهي تخطو بينهم حتى وصلت إلى المقعد الذي يقابل مقعده وجلسا سويًا بين الحضور . 



بدأ يتحدث بأريحية وثبات ، بثقة اعتاد عليها يشرح ويتحدث عن كتبه بسلاسة وتركها تتأمله وتتأمل طريقة شرحه وتستشف منه كيفية التعامل في مثل هذه الحالات .



ولكنه فاجأها بنظرته نحوها وسؤاله :



- ولكن السيدة ديما لها رأيٌ آخر ، هي ترى أن المرأة العربية أكثر قوة مما هو ظاهر ، عقلها ملغم بالأفكار السلمية والتي تحقق المعادلة الصعبة بل أنها تستتر خلف أمور دينية تهاجم بها كل من يعترض أفعالها ، هل يمكنكِ أن تشرحي لنا ذلك ؟ 



ابتسمت وانتشلت الثبات من داخلها بصعوبة لتجيبه بنبرة هادئة وعالية في آنٍ واحد : 



- دعني أولًا أشكرك سيد ثائر ذو الفقار لأنك كنت سببًا قويًا في ارتدائي للحجاب ، فأنا أم لطفلين وابنة عائلة جميلة لم تجبرني يومًا على ارتدائه بالرغم من فرضيته في ديني ، قضيت اثنا وثلاثين عامًا من عمري أتمنى لو أنني استطيع اتخاذ قرار ارتداءه ، لم أمتلك القوة الكافية لفعلها وربما هذا التأرجح نابعٌ من قلة خبرة كافية بأسباب ارتدائه الفعلية ولكن أتى منشورك ليؤكد لي أن شرعيته تكمن في شيء واحد وهو الحفاظ على هويتي الأنثوية كما ميزني الله عز وجل .



نظرت في مقلتيه وتابعت بنظرة تحدي وابتسامة ثقة :



- حينما أرفقت صورة حصان وكنت تدلك خصلاته ودونت أسفلها ( ما يميز الفرس المؤنثة ( الحجر ) ويجذبك لها أولًا هي خصلاتها ، جميلة ناعمة و .. بنية ، لو أننا أخفيناها لن ننبهر بها مجددًا ) ، كنت محقًا جدًا آنذاك بالفعل أنا لست سلعة لينبهر بي أحد ، من يريد أن ينبهر بي فلينبهر بعقلي ، بأفكاري ، بأخلاقي وهذا يكفي للعالم الخارجي .



أجابها ثائر بابتسامة ساخرة :



- أنا لا أرى هذا على الإطلاق ، فسري لي كيف يتم الزواج في وطنك ؟ أليس بعرض العروس كسلعة ؟ ثم بيعيها لزوجٍ يفعل بها ما يريد ؟ 



وخزة آلمتها وتذكرت نفسها وكيف باعها والدها لذلك الزوج الذي فعل بها ما يريد ، هو محق في ذلك ولكنها ليست قاعدة ، تجلى الألم في عينيها لذا أسبلت جفنيها لتخفيه بابتسامة وملامح هادئة تواري بها آلامها التي كشفت عن نفسها له ليسمعها تجيبه : 



- إذًا أنت تتعمد أن ترى الأمثلة السيئة فقط وتعمم أفكارك على أساسها وهذا خطأ كبير سيد ثائر ، التعميم لغة الجهلاء وأنت سيد الحكماء . 



قالتها بتحدٍ جعل حزنها يتبخر لذا مال فمه بابتسامة لم تصل لعينيه وأردف بنبرة في ظاهرها تتراقص الاتهامات القاسية وفي باطنها مواجهة الذات : 



- إذًا لماذا كتبتِ عن قهر المرأة وكيف انتشر كتابك في فترة قصيرة وهذا دليل على أنه لامس الكثيرات من نساء العرب اللاتي تعانين من المشكلة ذاتها ومنهن من تخشى الإفصاح نظرًا للعنف الذي سيقع عليها ، وكيف تم قمعه ومنعه من النشر في وطنك ؟ وهل هناك رابط بين القصة المذكورة وانفصالك ؟



لم تكن تتوقع أنه سيوقفها أمام المرآة الآن ، مناظرة هذه أم مواجهة لذاتها ، يمكنها أن تمتنع عن الإجابة ولكن هذا سيكشف عن نقطة ضعفها لذا التقطت نفسًا لم تهتز له كتفيها وأجابته بثقل وبترتيب على مجمل أسئلته :



- كتبت عن قهر المرأة لأنني أسعى لإصلاح هذا الأمر ولينشأ على يد المرأة التي عانت من تجربتها جيلًا سليمًا فكريًا ، أقوى سلاح توجهه نحو قوى الفساد هو جيلًا يفكر ، جيلًا ينشأ على المعرفة وأهمها معرفته بأمور دينه فبالنسبة لي أنا ديني وضع لي الخريطة التي لن تضلني طوال حياتي ولكن هناك حالات كثيرة للأسف الشديد ضلت المسار نتيجة ابتعادهم عن الأسس الدينية الصحيحة .



زفرت تعتدل في جلستها وتتايع بتريث :



- دعني لا أتحدث بطريقة دينية حتى لا يقال عني متشددة وأنا لست كذلك على الإطلاق لذا لنأخذ مثال بفرنسا المتقدمة والمثقفة أليس كذلك ؟ هنا تقتل امرأة كل ثلاثة أيام على يد شريك حياتها ، رقم مرعب بالطبع ليجعل فرنسا تتصدر قائمة الدول الأوربية في حالات عنف المرأة ، هنا تظهر المرأة في أبهى صورة لها على أغلفة المجلات وإعلانات الطرق لكن خلف هذه الصورة النمطية يستتر واقع مرعب يختبء بين زوايا المدن الراقية ، بالطبع هنا قانون يحمي المرأة ولكن ماذا إن كان من يطبقه هو نفسه من يعنفها ويستغل نفوذه في ذلك ؟ 



تنفست بعمق تسترسل : 



- هنا صحفية تدعى صوفي بوتبول ألفت كتابًا بعنوان silence, on cognf من المؤكد تعلمونها جيدًا لذا لن أتحدث عنها وسأدع ذلك لكم ولكن ما أود توضيحه هو أن العنف يوجد في كل مكان ومن المؤكد أسبابه كثيرة ولن نستطيع السيطرة عليه سوى بالوعي والتربية السليمة والأسس التي يجب زرعها في الأطفال ، وللعلم ستون بالمئة من نساء فرنسا تخفن أيضًا من الإبلاغ عن شريكها نسبةً لبطشه ، اربعون بالمئة فقط تمتلكن الجسارة لأخذ حقوقهن ونصفهن يتنازلن بعد التهديد ، ولهذا بالنسبة لي لا أبالغ حينما أقول أنني وجدت في ديني كل السبل التي توصلني للسلام وأهمهم السلام النفسي وهكذا أعلم صغاري ، وأنت سيد ثائر أتساءل كيف لا تدرك بعد قوة المرأة العربية ووالدتك العربية هي من ساهمت بشكلٍ كبير في بناء شخصيتك المؤثرة ؟ 



كان يستند على كفيه يطالعها بثقب ليجيبها بهدوء شديد : 



- والدتي من أصول فرنسية . 



لم تكن تعلم لذا اندهشت لتتساءل : 



- حسنًا ، ولكنها تزوجت برجلٍ عربي مسلم ، هل قمعها ؟ هل عنفها ؟ أخبرني شيئًا تعلمته منه من فضلك . 



أجابها بمغزى : 



- المحن لم تخلق عبثًا بل خلقت لتصنع العظماء . 



أومأت تؤيده بشدة وتسترسل : 



- بالظبط ، والدك محق جدًا ، اعلم أن المرأة العربية ليست مهدرة الحقوق ولا هي مثبطة الأفكار ولكنها فقط تحتاج إلى المزيد من الوعي وإلى شريك حياة يدرس خريطة دينه جيدًا ويقدر قيمة الأنثى في حياته وهذا ما أسعى لتحقيقه أنا والكثيرات مثلي في بلادنا العربية . 



نظرت للحضور وتابعت بابتسامة : 



- دعوني افتخر بتاريخ بلدي وأخبركم عن بعض الشخصيات النسائية المؤثرة لدينا من بداية الملكة كيلوباترا إلى الدكتورة هالة سمير مرورًا بالعالمة المصرية سميرة موسى والدكتورة لطيفة النادي والدكتورة فدوى الجندي وغيرهن الكثيرات من النماذج المشرفة والتي تجاهلها السيد ثائر ذو الفقار بشكلٍ تام كما تجاهل ذكر الوجه الآخر لفرنسا والذي ذكرته منذ قليل ، هل هذا التجاهل متعمد أم هو قلة معرفة ؟ 



تساءلت وهي تطالعه بتحدي لتجد في عينيه نظرة لم تفهم ماهيتها هل هي تحدي أم إعجاب أم كلاهما ، تحولت نظرته للبرود ونطق بنبرة ساخرة : 



- لنقل أنني أيضًا أمتلك قائمة من أسماء سيدات عربية أثرن سلبًا على بلادهن ، ويبقى السؤال هنا ، هل هذا يمنع انتقادي للأخطاء ؟ هل هذا ينفي أو يكذب كلامي ؟ 



أجابته بجدية : 



- بالطبع لا ، بإمكانك النقد كما تريد ولكن لتكن منصفًا قليلًا ولا تعمم كما قلت ، لا تتحدث عن أي شيء بشكلٍ مطلق ، أترك مساحة لتكن محايدًا ولتنصف الجزء الإيجابي في بلدك ليراها العالم بمنظور مختلف . 



تعمق فيها قليلًا وأعاد سؤالًا لم تجب عنه : 



- حسنًا سألتكِ هل هناك رابط بين القصة المذكورة وانفصالك ؟



باغتته بضيق ، حاولت تجاهل هذا السؤال ولكنه يريد إجابتها أمام الجميع لذا أجابته بالتواء لا يشببها :



- نفس الشيء لديك ، إن كانت أفكارك عن المرأة العربية تترابط مع حياتك فلماذا انفصلت عن زوجتك الفرنسية ؟ 



هكذا داهمته بسؤالها المفاجئ الذي جعله يبتسم ولم يستطع إخفاء أسنانه من الظهور ليجيبها بثبات أخفى به أمره : 



- هذا شيءٌ خاص جدًا . 



- وهو كذلك بالنسبة لي أيضًا . 



❈-❈-❈



جلست دينا في غرفتها تفكر بتوتر  ،  لقد أخبرها لوتشو أنه سيتحدث مع شقيقها مجددًا ولكنها متوترة  ،  يجب أن تتحدث معه أولًا وتخبره بأنها تقبل به وبأنه مناسب لها  . 



سمعت صوته يأتي من الخارج فتنفست بعمق وحاولت أن تتحلى بالثبات كي تتحدث معه  ،  إنه منذ شهرٍ يتعامل معها بنوعٍ من الفتور  ،  تعلم أنها أحزنته ولكنه أيضًا يعلم طباعها لذا ستحاول الاعتذار منه وتتحدث معه أيضًا  . 



خرجت من غرفتها لتجد مالك يجلس على طاولة الطعام يذاكر دروسه وتجاوره رؤية ترسم وتلون لذا وقفت على بابها تنظر لشقيقها الذي يتحدث مع منال بخفوت والأخرى تحضر الطعام  . 



اقتربت لتسمعه يردف  : 



- إنتِ عمالة تتهربي وأنا بقالي شهر قايلك دوري على واحدة بنت حلال مافيش فايدة  ،  فكرك يعني إني مش هعرف أدور بنفسي  ؟ 



زفرت منال بانزعاج وتحدثت تحاول إقناعه خاصةً بعد حديثها مع ابنتها ديما التي أكدت لها حبه لبسمة  : 



- يا حبيبي لو على بنات الحلال موجودين كتير  ،  بس هتخطب إزاي واحدة مش بتحبها  ؟ 



انزعج من كلمات والدته لذا أجابها بملامح متجهمة  : 



- تمام يا ماما خليكي إنتِ بقى بعيدة عن الموضوع ده وأنا هدور بنفسي  . 



سمعته دينا فلم تتقبل كلماته بل اندفعت تجابهه  : 



- تدور إيه  ؟  إنت طالب أكلة معينة  ؟  ده جواز يا داغر أزاي يعني  ؟  وبعدين إنت بتحب بسمة وكلنا عارفين كدة  . 



لم يكن ينقصه حديثها لذا التفت يشير لها نحو غرفتها ويردف موبخًا  : 



- أدخلي على أوضتك وملكيش دعوة إنتِ يا عاقلة  . 



أثار حنقها لذا وقفت أمامه تردف بغيظ  : 



- لاء طبعًا ليا دعوة ولا هو إنت تدخل في حياتي ومش عايز حد يدخل في قراراتك اللي كلها غلط  . 



احتدت ملامحه وشعر بأنه محاصر بين والدته وشقيقته التي يعتبرها ابنته لذا زفر بقوة يحيد ناظريه عنهما فتابعت دينا بنفس نبرتها  : 



- أيوا مش لاقي كلام علشان اللي بقوله صح يا داغر  ،  إنت بتحب بسمة  . 



لفظ مافي جبعته فلم يعد يحتمل احتراقه أكثر  : 



- كنت بحبها  ،  ارتحتوا كدة  ؟  إنتِ وامك واختك حتى الواد اللي هناك ده كلكم واخدين بالكوا إني حبيتها وماخدتوش بالكوا إن حكايتنا ماتنفعش بأي شكل  ،  دي واحدة مش من توبنا  ،  تصاحبكوا اه  ،  تحب تيجي تقعد معاكوا ماشي  ،  انما تبقى مراتي وتعيش وسطينا هنا مش هينفع بأي شكل من الأشكال  ،  علشان كدة ياريت بقى نقفل على الموضوع ده مليون باب ومحدش يفتحه قدامي تاني نهائي  . 



لاحظتا احتراقه الذي ينبعث من نبرته  ،  لاحظتا حزنه ولمعان مقلتيه لذا قررت دينا الصمت  ،  في هذه النقطة هي تؤيده خاصة وأنه صاحب القوامة في هذه العلاقة لذا تألمت تومئ له لتردف منال بقلبٍ منفطر ليس بيده حيلة  : 



- خلاص يا حبيبي اللي تشوفه يا داغر  ،  اخطب يابني لعل وعسى ربنا يحببك في اللي إنت هتخطبها  ،  اخطب بس لو ليا غلاوة في قلبك اوعى تتجوز وانت مش مرتاح  . 



تعمق في مقلتي والدته قبل أن يزفر بقوة ويندفع مغادرًا تاركًا كل شيء خلفه  ،  يتألم  ،  حتى وهي تخبره أنها ستنفذ طلبه يتألم  ،  حتى وهو يسعى ليسترد كرامته يتألم  ،  حتى وهي تحاول الوصول له ويختبئ منها يتألم  . 





❈-❈-❈



انتهت المناظرة الأولى لهما والتي دامت لمدة ساعة وقد قرر أن تجمعهما عدة مناظرات أخرى حيث أحب الحضور الانسجام الملحوظ في تناقضهما كما أنها غيرت نظرة البعض منهم عن المرأة المحجبة وخاصةً العربية بعدما وجدوا أنّ عندها قدرًا قيمًا من المعرفة بالرغم من دراستها المتوسطة وهذا ما أثار دهشتهم حينما أخبرتهم بذلك متعمدة . 



عاد كلٍ منهما إلى منزله شاردًا في أفكاره ولكن الجزء الأكبر من الشرود كان من نصيب ثائر والسؤال يتكرر في عقله ، ماذا بعد ؟ 



قطع حبل أفكاره اتصالًا من أحدهم فأجاب متعجبًا ليأتيه صوته قائلًا : 



- مارتينا ستخرج غدا من السجن ، لقد تنازل توماس عن الدعوة . 



تجهمت ملامحه وسكنها الغضب وتساءل : 



- كيف تنازل ؟ 



- أنت ستعرف .

يتبع..

تكملة الرواية من هناااااا

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


 

تعليقات

التنقل السريع