القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية بحر ثائر الفصل الثاني وعشرون 22بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)

 

رواية بحر ثائر الفصل الثاني وعشرون 22بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)






رواية بحر ثائر الفصل الثاني وعشرون 22بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)




رواية بحر ثائر الفصل الثاني وعشرون 22بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)



بوصلة حياتي... 



أضاعت طريقها..... 



فقدت الاتجاهات.... 



وجهتها الوحيدة 



أصبحت أنت..  عينيك.. ثم أنت... 



مشكلتي... أتعلمين مشكلتي؟؟؟ 



أني أنوي أن أشن حربا عليك.. 



فأنظر إلى عينيك.. 



فيهزمني السلام فيهما... 



أنوي أن أخطفك من نفسك... 



وفجأة يحدث.... 



أني  لا أجد نفسي معي... 



أتراها معك؟؟؟ 



أنوي أن أجعلك خلف خطاي تسيرين.... 



فأراها خطواتي أنا تتبعك أينما تذهبين..



( بقلم فيروزة) 



❈-❈-❈



هبطت طائرتهما منذ قليل في الأراضي السعودية 


تحديدًا في مكة المكرمة حيث سيؤديان مناسك العمرة ومن ثم سيذهبان إلى ماليزيا لقضاء رحلة سياحية ممتعة  . 



لا تصدق يسرا أنها الآن في الحرم  ، سيمكثان في الفندق القريب منه  ،  هنا ستدعو ربها بكل ما تريده  ،  هنا ستخبره بكل ما يعتلي داخلها وهو أعلم  ،  هنا عند بيته الحرام ستبكي لأنها كانت تشتاق لزيارته ونالتها  ، ستبكي لأنها تشتاق لطفلٍ صالح وليتها تناله  . 



تنهدت بحرارة لاحظها دياب ليردف وهو يجاورها ويتجهان نحو الفندق  : 



- مبسوطة يا يسرا  ! 



يعلم أنها في قمة سعادتها  ،  لقد فاجأها بهذه العمرة وكانت مفاجأة لا مثيل لها لذا التفتت تطالعه بمقلتين تحملان امتنان العالم كله وأجابته بحبٍ  : 



- قليلة أوي الكلمة دي يا دياب  ،  قليلة على إحساسي دلوقتي  ،  ربنا يباركلي فيك  . 



ابتسم يشاركها سعادتها وأردف وهو يشير لها نحو الأعلى : 



- طب يالا نطلع علشان نستريح واوريكي الحرم من فوق  . 



تحمست لرؤيته ولكنها نطقت برجاء  : 



- لا لو سمحت يا دياب أنا مش تعبانة  ،  خلينا نطلع نحط حاجتنا وننزل علطول ندخل الحرم  . 



أومأ لها طواعيةً وبالفعل دلفا الفندق مع الشخص المسؤول عن رحلتهما والذي كان يسبقهما بخطوتين  . 




❈-❈-❈




دلفت منزلها واتجهت تستريح وتتنفس بعمق  ،  تجاوزت أولى المناظرات وقامت بأداءٍ أسعدها . 



تحركت نحو غرفتها تنزع ثيابها ثم اتجهت نحو الحمام لتغتسل بمياه دافئة ربما يهدأ ألم ظهرها الذي ينبض بطريقة أزعجتها واضطرت لتظهر عكسه   . 



خرجت بعد قليل واتجهت تؤدي فرضها ثم تحركت تتمدد على الفراش واستلت هاتفها لتتحدث مع داغر قبل أن تنام  . 



❈-❈-❈



كان قد عاد إلى منزله بعدما هدأ  . 



دلف غرفته بعدما اغتسل وتوضأ حتى لا يلتقي مع أمه أو دينا  ،  لقد حذره صالح من أن يرتبط بهذه الطريقة وإلا سيندم  ،  أخبره أن يتمهل قليلًا  ،  ألا يظلم نفسه ويظلم فتاة لا ذنب لها  ،  فهو أفضل من يعلم كيف يكون حب الرجال  ،  لا يموت حتى ولو مات الرجل نفسه  . 



وقف في ركنٍ ما ينوي الصلاة  ،  سيستخير ربه فيما هو مقبلٌ عليه  ،  لقد تعب وتألم من قرارات واتهامات ومشاعر تنخر صدره لذا فإنه سيتخذ هذا السبيل  . 



بدأ صلاته لتسقط همومه واحدة تلو الأخرى في كل حركةٍ يؤديها حتى سجد وبات يدعو الله بما فيه الخير له وأن يريح قلبه فردد هامسًا  : 



-  اللَّهمَّ إني أرْجو رَحمَتَكَ، فلا تَكِلْني إلى نَفْسي طَرْفةَ عَيْنٍ، أصْلِحْ لي شَأْني كُلَّهُ، لا إلهَ إلَّا أنتَ. - ربّي إنيّ أسألك أن تريحَ قلبي وفكري وأن تصرف عني شتات العقل والتفكير، ربّي إنّ في قلبي أمورًا لا يعرفها سواك فحققها لي يا رحيم، ربّي كن معي في أصعب الظروف وأرني عجائب قدرتك في أصعب الأيام  ، اللهم أسألك أن تطمئن قلبي وتيسر لي أمري، فأنت ربي لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. اللهم إني أسألك باسمك الأعظم أن تزيل من قلبي كل خوف وقلق يسكنني، وأنزل على قلبي السكينة والهدوء برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم امنن علي براحة النفس وتيسير أموري كلها فأنت الميسر وأنت على كل شيء قدير  ، اللهم آمين يارب العالمين اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل محمد  . 



نهض بعدها ليبدأ في ركعته الثانية ومن ثم يردد دعاء الاستخارة ويختم صلاته  . 



رن هاتفه بعد أن سلّم وانتهى من صلاته نهض يتجه نحوه ويلتقطه ليرى اسم ديما لذا تنهد بعمق وجلس على طرف الفراش يفتح المكالمة ويجيبها  . 



ما إن رأته حتى ابتسمت فوجد نفسه يبادلها بمحبةٍ وقال  : 



- عاملة إيه يا ديما  . 



أجابته تعبر عن مشاعرها  : 



- مبسوطة أوي يا داغر  ،  النهاردة كانت أول مناظرة بيني وبين ثائر ذو الفقار  ،  كنت بتمنى تكون جنبي وتشوفني وأنا بتناقش معاه وبرد على كل أسئلته  . 



يثق بها ويعلم أنها ستتولى هي قمرة القيادة  ،  يعلم أنها ستؤثر ولن تتأثر بما يحدث حولها لذا أومأ بفخرٍ وقال  : 



- أنا عارف إنك قدها طبعًا  ،  دا إنتِ ديما الصابر  ، ده كفاية اسمك  . 



ضحكت بسعادة واسترسلت  : 



- انفخ فيا كمان يا داغر أكتر ما أنا منفوخة  . 



هز رأسه معترضًا يجيبها  : 



- لاء طبعًا ده حقك وأقل كمان  ،  إنتِ يابنتي مش عارفة قيمة نفسك ولا إيه  ؟! 



تنفست بعمقٍ وسعادة ليعلن هاتف داغر عن وجود مكالمة أخرى فأغلقها وأكمل مع شقيقته لتسأله بترقب  : 



- مين بيرن عليك  . 



لم يكن يريد أن يتحدث عن هذا الأمر خاصةً وأنه يعلم رأيها منذ أن علمت بقرار خطبته لذا تجهمت ملامحه وعم الهدوء تقاسيمه لتتساءل بترقب  : 



- بسمة  ؟ 



أومأ لها مطلقًا تنهيدة قوية من صدره فأومأت بتفهم ونطقت  : 



- طيب اقفل معايا ورد عليها يا داغر  . 



هز رأسه بنفي : 



- مش هرد يا ديما  ،  أنا أصلًا عايز أنام  . 



- لو ليا خاطر عندك رد عليها  ،  بسمة امبارح كانت بتكلمني وهي تعبانة جدًا وحالتها النفسية مش أحسن حاجة  ، بسمة بتحبك ولو انت مش شايف ده ومش حاسس به تبقى بجد مش بتحبها  . 



زفر بقوة يمسح على وجهه أمامها فحاولت أن تتروى معه لأنها تدرك حجم صراعه الداخلي لذا استطردت بهدوء  : 



- اقفل معايا يا داغر وكلمها وشوف كانت عايزاك في إيه  . 



أومأ بصمت فأغلقت وتركته يتمدد على فراشه ويفكر هل يهاتفها بعد كل هذا الغياب  ؟  



❈-❈-❈



كانت تبكي في غرفتها  ،  لم تكن تصدق أن غيابه وهروبه منها سيضعفانها هكذا  ،  عُرفت دومًا بالشامخة القوية  ،  حتى بعد وفاة والديها تظاهرت بالقوة والشموخ وأكملت مسيرتهما كي لا يستغل ضعفها أحد  . 



ولكنها أحبته  ،  أحبت سماعه لها  ،  حمايته التي كانت تستشعرها دومًا  ،  سؤاله عنها  ،  اهتمامه بها  . 



كانت تغلق محبتها بقشرة تدعى الصداقة ولكنه لم يكن يومًا صديقًا  ،  منذ أن رأته ورأت الجزء الأفضل في شخصيته وهي تتخذه عوضًا عن اليتم والفقد والوحدة  ،  تستشعر الأمان من نظراته لها  ،  تستكين من نبرة صوته لذا فإن ابتعاده عنها هكذا فجأة وهروبه المتعمد منها أضعفها  ،  جعلها تتخبط حتى في العمل  . 



ويبقى السؤال الذي يتردد صداه في عقلها ويجعلها تتأرجح بين أمرين أيسرهما مر  . 



هل تضحي به مقابل وصية والدها في الحفاظ على ممتلكاتها  ،  أم تضحي بممتلكاتها وتهدم وصية والدها مقابل الحصول عليه  ؟ 



مجرد تفكيرها في هاذين الاختيارين يعكس مدى حبها له لذا فهي تتألم وفقدت شهيتها كثيرًا وباتت الآن في أبهى صور التعب  . 



انتشلها رنين هاتفها من حزنها لتلتقطه بلهفة حينما أخبرها قلبها أنه هو وحينما تأكدت انفرجت أساريرها واعتدلت لتجيبه بهدوء ينافي صخب نبضاتها وطرقات جانبي عقلها  : 



- أزيك يا داغر  . 



أغمض عينيه اشتياقًا لصوتها  ،  أغمض ليستمتع به قبل أن يجيبها بهدوء مفتعل  : 



- الله يسلمك  ،  عاملة إيه  ؟ 



شخصيتها تأبى الإفصاح عما بها برغم أنها ودت لو بإمكانها إخباره لذا نطقت بجدية زائفة تزامنت مع تسلسل خيطٍ من الدموع  : 



- كويسة الحمد لله  ،  بحاول أتواصل معاك من زمان مش بترد عليا وجيتلك الورشة قالولي إنك في مشوار  ،  هو فيه حاجة حصلت  ؟ 



نطقتها بحشرجة ونشيج صدر منها لا إراديًا فوصل إليه ليدرك أنها تبكي لذا وخزه قلبه واستنشق بصعوبة وشعر بالتوتر حتى في جلسته لذا أردف بجدية مفعمة بالحنان  : 



- إنتِ عارفة إن معظم شغلي برة الورشة يا بسمة  ،  الزباين بيتصلوا عليا وبروحلهم بنفسي وصالح بيسد مكاني  ،  صوتك ماله  ؟  حد مزعلك  ؟ 



يفترض أن يقسو ليبتعد ولكنه وجد نفسه يستفسر عما بها  ،  الزمته مسؤوليته تجاهها بذلك وهذا ما كانت تفتقده حيث تحشرجت وأجابته تبتلع غصتها  : 



- لا كله تمام  ،  أنا بس اخدة دور برد وخطرت على بالي دلوقتي قلت أحاول أكلمك يمكن ترد عليا  ،  وكويس إني اطمنت عليك  . 



أيخبرها بما ينوي فعله  ؟  هل يلقي بعود الثقاب المشتعل ويرى ردة فعلها  ؟  أم يلتزم الصمت  ؟  يخشى أن يؤلمها أكثر ولكنه يريد أن يصل لقرارٍ نهائي لذا ازدرد ريقه وأردف بصعوبة  : 



- معلش لو ماكنتش برد بس فعلًا كنت مشغول  ،  والفترة الجاية داخل على مشروع خطوبة فلو ماردتش ماتبقيش تزعلي  . 



أي زعل  ؟  هو يتحدث عن الزعل الطبيعي  ؟  هي الآن تواجه آلامًا لا حصر لها  ،  أحدهم يعتصر قلبها فينزف وهي ملجمة عن فعل شيء لذا تساءلت باستنكار ولم تعد تستطع إخفاء ألمها من شدته  : 



- مشروع خطوبة ؟  كويس جدًا إنك عرفتني  ،  لإني كنت قربت أصدق إنك مختلف  . 



لم تنتظر رده أو فهمه لكلماتها بل أغلقت وارتمت على الفراش تجهش في بكاءٍ مرير تتعهد أن تصبح من بعده أقوى وأقوى وأقوى حتى تنكسر  . 



❈-❈-❈



صباحًا 



تستقل مارتينا سيارة والدها الذي يعود بها إلى المنزل  ،  تجلس تشاهد اللقاء الصحفي الذي جمع بين ثائر و ديما  . 



تركيزها منصب على تلك العربية وملامحها ونظرات ثائر نحوها  ،  هادئة تمامًا كمياه محيط أعماقه مرعبة  . 



نظرة خاطفة من والدها الذي قال بنزق  : 



- كفي عن مشاهدة أي شيء يتعلق به  ،  يكفي ما حدث معكِ بسببه  . 



لم تُعِر والدها أي اهتمام بل استمرت في المشاهدة والتمعن لتتساءل بعدما انتهى اللقاء  : 



- متى أخبرك بشأن معاذ  ؟ 



زفر والدها يجيبها باعتراض  : 



- منذ أسبوع  ،  وبالطبع لم أقبل   . 



التفتت تطالعه بعدما دست الهاتف في جيبها وبعيون ماكرة نطقت  : 



- أترك الأمر لي  ،  لا تتدخل في ذلك   . 



انتابه الغضب ليستطرد موبخًا  : 



-  سأتدخل مارتينا كما تدخلت وأخرجتك الآن بعدما كان توماس ينوي إبقاءك في السجن للأبد  ،  أنتِ إلى الآن لا تدركين حجم ما فعلتِ ومع من تلاعبتِ ،  أنتِ لا تعلمين ما المقابل الذي قدمته كي أجعله يتنازل  . 



عادت تنظر إليه وتساءلت بترقب وهي تتكتف  : 



- ما المقابل أبي  ،  أخبرني كيف جعلته يسحب دعوته  ؟ كنت أعلم أنك ستجد حلًا ولكن آخر ما كنت أتوقعه أن يتنازل توماس . 



أومأ يجيبها بغموض وشرود  : 



- توماس لديه الكثير من الأسرار التي اكتشفت إحداها بصعوبة  ،  هو لا يحبذ ظهورها وبسببكِ أنتِ لا يمكنني فضحه  . 



انتابها الفضول لمعرفة هذا السر لذا أردفت بنبرة مترجية مبطنة بالخبث  : 



- هيا أبي أخبرني ما هو هذا السر  ؟ 



التفت لها يطالعها بتعمن ويدرك إنه إن أخبرها فمن المؤكد ستخبر ثائر به أو ستساومه لذا عاد يتطلع على الطريق واستطرد  : 



- لن أخبركِ مارتينا  ،  لا تحاولي  . 



ابتسمت بتخابث ورفعت حاجبيها تجيبه بمغزى يفهمه  : 



- كما تريد  .




ما إن دلفت الشركة ورآها حتى أسرع إليها يناديها  : 



- دينا  . 



التفتت تقابله بتعجب ثم نظرت حولها بحرج من نظرات الموظفين ولكنها تجاوزتهم سريعًا واتجهت تقف قبالته وتساءلت بخفوت  : 



- فيه إيه يا لوتشو  ؟ 



تحمحم يشير لها أن تتبعه ففعلت حتى خرجا من الشركة ووقفا بالقرب من ملحق السيارات فسألته بعينيها فأردف بتوتر  : 



- أمي ستأتي الأسبوع المقبل ،  لقد أخبرها والدي عن أمرنا وقررت أن تأتي وتراكي بنفسها  . 



قطبت جبينها وتساءلت  : 



- طيب وفيها إيه  ؟  ومالك متوتر ليه كدة  ؟ 



زفر بقوة وحاول أن يشرح لها بشكلٍ سريع فقال  : 



- انظري دينا  ،  أمي لها طريقة خاصة بها  ،  دعيني أخبركِ عن كيفية التعامل معها  ،  ساعديني كي يمر الأمر بسلام  . 



شعرت بالضيق بعدما نقل لها توتره وتساءلت بتوجس  : 



- هو إنت خايف  ؟  مش المفروض إنك زي ما فهمتني ليك رأي مستقل  ؟ 



أومأ يؤكد بجدية  : 



- نعم بالطبع أنا كذلك  ،  ولكنني لا أريد أن أختلف معها  ،  أنا أريدها أن تتقبلك وتبارك زواجنا لذا أرجوكي ساعديني  ،  الأمر بسيط فقط دعيني أخبركِ عن كيفية التصرف معها ولكن لننتظر بعد العمل  ،  ما رأيكِ  ؟ 



تنفست بعمقٍ وتكتفت تنظر حولها  ،  لقد اختارته ليهون عليها صعاب الحياة وتبتعد عن الأخطاء التي وقعت فيها والدتها وديما ولكن يبدو أنها ستواجه حماة متسلطة ستلقنها درسًا جديدًا في الحياة  . 



أومأت بعد تفكير دام لثوانٍ تجيبه  : 



- تمام  ،  خلينا دلوقتي نخلص شغلنا ونتكلم  ،  وماتنساش إنك لازم تتكلم مع داغر تاني زي ما قولت  . 



انفرجت أساريره وأومأ مرارًا يردف بحماس وسعادة  : 



- حسنًا حسنًا لا تقلقي  ،  هيا لندخل  . 




❈-❈-❈



في العاشرة تململت في نومها حينما رن هاتفها لذا التقطته تنظر لشاشته بنصف عين لتجده اتصالًا من شقيقها فأجابت بنعاس  : 



- صباح الخير يا حبيبي  . 



تعجب من صوتها وتساءل  : 



- ديما إنتِ لسة نايمة  ؟  ماروحتيش الشغل النهاردة ولا إيه  ؟ 



انقشع نعاسها ونهضت تسأله وهي تنظر لساعتها  : 



- هي الساعة كام ؟  يا نهار أبيض دي عشرة  ،  أنا راحت عليا نومة  . 



قام بتهدئتها بنبرته الحنونة يسترسل  : 



- طيب معلش حصل خير  ،  اهدي كدة وقومي افطري وبعدين روحي  . 



كانت بالفعل قد وصلت إلى الحمام تجيبه  : 



- ماشي يا حبيبي هخلص واكلمك تاني  ،  قول لماما إني هكلم الولاد في المكتب علشان اتأخرت  . 



أغلقت معه وأسرعت تغتسل وتتوضأ ثم خرجت تؤدي روتينها بشكلٍ سريع لتتجه إلى المكتب . 



❈-❈-❈



تعمد أن يذهب اليوم باكرًا إلى عمله بالرغم أن هذا ليس من طباعه ولكن من المؤكد أن اليوم مختلفًا عن غيره  . 



لقد تم إطلاق سراح مارتينا ويجب عليه أن يستعد جيدًا  ،  الأيام القادمة لن تكون هادئة على الإطلاق  . 



لم يكن يتوقع أن يتنازل توماس عن دعوته القضائية ضدها  ،  ما توقعه هو محاولات والدها لإخراجها لذا فكان أمامه متسعًا من الوقت ولكنهم حاصروه الآن  . 



نظر في ساعة يده ليجدها الحادية عشرة إلا عشر دقائق لذا عبث بهاتفه يتابع شيئًا ليبتسم ويتنفس باطمئنان حينما وجدها تدلف المكتب توزع ابتسامتها على الجميع وتسرع خطاها نحو مكتبها ليتساءل بضيق  ...  لمَ أعينهم تتغزل بابتسامتها  ؟ 



مال فمه بابتسامة هادئة يسخر بها من نفسه  ،  بات يشعر بالغيرة كثيرًا  ،  ثائر ذو الفقار الجبل الجليدي يغار   . 



احتلت عقله أمس بمناظرتها له ولولا مسألة مارتينا لكانت هي بطلة أحلامه  . 



التفت يجلس على مكتبه ويباشر عمله وعادت مارتينا تحتل أفكاره  ،  يجب عليه أن ينتبه جيدًا وإلا حدث مالم يحمد عقباه وهذا ما لن يسمح به  . 



ما إن فتحت مكتبها ودلفت حتى تفاجأت بمقعد جديد يشبه الأريكة  ،  تعجبت واتجهت تتحسسه ولسان حالها يردد  : 



- من جاء به ولماذا  ؟ 



تنهدت وجلست عليه لتشعر براحة تحيط بجسدها  ،  مريحًا بشكلٍ جعلها تغمض عينيها وتبتسم وتتنفس بعمقٍ حيث فردت ظهرها عليه بأريحية تستمتع باحتوائه لجسدها  . 



عادت تبصر وتتساءل مجددًا هل علموا أن مقعدها السابق كان غير مريح  ؟  وهل تم تغيير مقاعد المكاتب جميعها  ؟ 



لم تلاحظ ذلك أثناء دخولها لذا نهضت تتجه نحو النافذة المطلة على المكاتب لترى المقاعد كما هي  ،  لم يتغير شيئًا على الإطلاق لذا زادت حيرتها ولكن عقلها انشغل بشيءٍ آخر  ،  امرأة تدلف المكتب وتخطو بتغنج يثير التعجب ،  ملابس غربية بحتة وزينة صارخة وعطرًا فرنسيًا يفوح في المكان كله  . 



قطبت جبينها وهي تراها تتحرك نحو مكتب ثائر ذو الفقار وفتحته دون استئذان لتشهق ديما وتهمس لنفسها  : 



- يا خبر  ؟  هو هنا  ؟ 



رفعت ساعتها تنظر فيها لتجدها تمام الحادية عشر لذا قطبت جبينها فهي لم ترهُ أتى للتو  ،  هل أتى باكرًا على غير عادة  ؟  ومن هذه  ؟  هل هي  ...  طليقته  ؟ 



شردت تتذكر ملامح المرأة التي رأتها معه من قبل في إحدى الصور لتومئ لنفسها قائلة  : 



- أيوا هي  . 



التفتت تعود لمكتبها وتباشر عملها معنفة نفسها على فضولها النسبي والذي يزيد حينما يتعلق الأمر به لا تدرك لماذا لذا فتحت الحاسوب الخاص بها كي تبدأ وتندمج في العمل  . 



❈-❈-❈



لقد ظنت مارتينا أنها ستقتحم مكتبه ويستقبلها بحفاوة خاصةً بعدما نالت حريتها  ،  لم تتوقع أن يرفع نظره ويطالعها بهذا الكم من البرود واللا مبالاة  . 



 تعجبت وهي تقترب منه فحذرها بعينيه قائلًا  : 



- اجلسي مارتينا  . 



توقفت عن سيرها نحوه وزفرت بإحباط واتجهت تجلس كما قال لتضع ساقًا فوق الأخرى وتجيبه  : 



- لم أكن أتوقع هذا الاستقبال منك ثائر  ،  ظننتك اشتقت لي ،  ولكن يبدو أن هناك أمرًا جديدًا قد طرأ على حياتك  . 



فهم مغزى حديثها ليجيبها بنظرات رسمية مباشرة  : 



- كيف اشتاق لأم ابني التي سُجنت بتهمة القتل لرجلٍ كانت على علاقة به لعدة أشهر ؟! 



تجهمت ملامحها ونطقت باندفاع وهي تقرب وجهها المنكمش منه  : 



- إن لم أقتله كان سيقتلني  ،  لقد كنت أدافع عن نفسي أم هل كنت تريد موتي  ؟ 



باغتها بنظرة جردتها وتابع من بين أسنانه بهدوءٍ عاصف  : 



- أنتِ أقمتِ علاقة معه مارتينا  . 



صمتت تطالعه بتوتر وهرب اندفاعها فتابع بذات الحالة  : 



- حينما تزوجنا أخبرتك أنني منفتح ولكنني لستُ ساذجًا  ،  لي هويتي التي تعرفينها جيدًا وبرغم ذلك فعلتِ كل ما هو مخالف  ،  تريدنني أن أتقبل أفعالك  ؟  حسنًا ماذا عن ابني  ؟  ألن تخجلي منه وهو يراكِ امرأة قتلت عشيقها  ؟  



- ليس عشيقي ولن يكون  . 



نطقتها بغضب لحظي فتابع  : 



- إذا ماذا كنتِ تفعلين في سريره  ؟  



نهضت تنحني على المكتب وتطرق بكفيها بقوة وهي تباغته بنظرة تملك واستطردت بتجهم  : 



- فعلت ذلك من أجلك  ،  كل ما فعلته كان كي أنتقم منه على ما فعله بك  ،  حاولت قتله من أجلك أنت أيها الغبي  . 



حدق بها ولمح الجحيم في عينيها فزفر واسترسل بهدوء يزيدها جنونًا  : 



- اجلسي لنتحدث  ،  يجب على معاذ أن يذهب إلى مصر هذه الفترة  ،  هو متعب نفسيًا بعد كل تلك الأحداث  ،  دعينا نحل هذا الأمر  . 



صمتت لهنيهة تطالعه وجلست تزفر لتهدأ ثم أردفت باستفهام  : 



- ولمَ مصر  ؟ 



بهدوء افترش تقاسيم وجهه أجابها  : 



- أمي تتلهف لرؤيته  ،  تريد أن تأتي هي إلى هنا كي تراني وتراه وأنا لا أريدها أن تأتي لذا فليسافر هو لها ويقضي معها بعض الوقت  . 



أقنعها بذلك فهي لا تريد رؤية وجه والدته التي تكرهها ولكنها امرأة الاستغلال لذا استطردت بترقب  : 



- وما المقابل ثائر  ؟ 



ابتسم بسخرية وأجابها   : 



- المقابل أنكِ ستحاولين إصلاح ما أفسدتيه  . 



- موافقة  . 



نطقتها ونهضت تتحرك نحوه فكاد أن يمنعها ولكن ما  منعها طرقات على مكتبه وتبعها دخول إحدى المحررات تبتسم بحرجٍ وتردف  : 



- سيد ثائر هذا المقال يحتاج موافقتك للنشر  . 



أومأ لها وأشار لها بيده لتناوله الجهاز اللوحي الخاص بها ففعلت وزفر يتحدث معها وترك مارتينا تطالعه بضيق ثم اتجهت تنظر إلى الخارج من نافذته وتتفحص المكاتب لترى هل هذه المرأة هنا بينهم أم لا  . 



دارت بعينيها على الجميع ولم تلاحظها لذا ابتسمت ولكن لم تفلح أن تصل ابتسامتها لعينيها حيث وجدتها تظهر من مكتبٍ خاص وتتجه نحو آلة الطباعة الموجودة في ركنٍ ما . 



تفشت الصدمة ملامحها لتتبخر ويظهر بعدها الغضب والحقد امتزجا فحولا ملامحها إلى لوحة شرٍ لا تليق إلا بها واتقد داخلها نيرانًا سعرة أشعلتها ديما بهيأتها  . 



التفتت تطالعه وتساءلت وهي تتتبع المحررة حتى غادرت الغرفة : 



- هل تصالحت مع المحجبات  ؟ 



رفع نظره إليها وعلم أنها رأتها ومن خلال نظرتها أدرك المخاطر التي ستحيط ديما لذا كان عليه أن يجيبها بذكاء حيث قال  : 



- إن كان الصلح الذي تعنيه سيجعلها ترفع راية الاستسلام وتعود لوطنها خالية الوفاض بعدما أحطم أفكارها واحدة تلو الأخرى  ،  فنعم  . 



- ماذا تقصد  ؟ 



تساءلت بشكٍ ليبتسم ثم نهض يتجه إليها ويقف قبالتها وينظر معها نحو ديما التي تنشغل بطباعة الأوراق ليردف بنبرة واثقة ونظرة برع في تزييفها  : 



- لم تتحداني امرأة عربية من قبل لذا فأنا أحببت كثيرًا هذه اللعبة  ،  سأجعلها تشعر أنها تنتصر إلى أن تظنني استسلمت ثم  ...  ستصبح أضحوكة لتعود من حيث أتت وتندثر هي وأفكارها المتعفنة . 



نظرت في عينيه لتستشف الحقيقة من الكذب فلم تستطع حيث صدّر لها غشاءً من البرود لذا تساءلت بتأرجح  : 



- ولمَ تفعل هذا  ؟ 



هو على يقين بأنها لم تقتنع ولكنه سيسعى ليفعل أي شيء يجعلها آمنة لذا نطق يرفع حاجبيه  : 



- ربما تسلية  . 



حدقت فيه لهنيهة ثم تلاعبت بابتسامة متصنعة خبيثة تجيبه  : 



- لنتسلى إذًا  . 



قالتها وتحركت تستل حقيبتها وتغادر ملوحةً له ليقف يدس كفيه في جيبيه ويتابعها من خلف النافذة وهي تخطو نحو ديما حتى توقفت أمامها فلاحظتها ديما التي التفتت تبتسم لها  . 



ابتسامتان أتيتا من عالمين مختلفين  ،  إحداهما يسكنها الموت وأخرى تهب الحياة  ، إحداهما خلفها الجحيم وأخرى عفوية جعلت الأولى تنطق بترحيب زائف  : 



- أهلًا بكِ في فرنسا  . 



تعجبت ديما من نظرتها التي لم ترِحها على الإطلاق ولكنها نطقت بهدوء  : 



- شكرًا لكِ  . 



انخلعت من المكان تغادر وداخلها تعهد  ،  حتى وإن كان صادقًا لن تسمح لأي مشاعر أن تولد بينهما  . 



وهذا ما علمه جيدًا لذا زفر بقوة وضيق وتحرك يتجه لمكتبه ويفكر في عدة حلول  .




كالعادة جلس يطعم والده الذي تدهورت حالته كثيرًا  ،  حتى أنه يشعر بقرب النهاية  ،  ربما تضاعف ألمه لبعده عن بلده  ،  كان يتمنى أن يموت ويدفن بها ولكن يبدو أن إرادة الله تسبق الأمنيات لتصنع خططًا تفوق استيعابنا  . 



نظر صالح إليه نظرة منطفئة وتحدث بنبرة حزينة  : 



- خلينا نروح عالمستشفى يا حج رُد عليي  . 



هز رأسه بوهن وأجابه  : 



- صالح  ، دقلي على عمك محمود بدي أحكي معه ضروري  . 



نهش الخوف جدران قلبه فتألم  ،  يشعر أيضًا بما يشعر به والده ولكنه أطاعه يحمل هاتفه ويطلب رقم عمه المقيم في ولاية كاليفورنيا  . 



أجاب العم يردف بحبورٍ وود  : 



- هلا صالح  ،  كيفك يا عمي  ؟ 



ابتسم صالح بملامحه الحزينة يجيبه  : 



- الحمد لله يا عمي  ،  إنت كيفك  ؟ 



ناداه والد صالح فأدار الثاني الهاتف نحو والده الذي حينما لمح شقيقه عزّت عليه نفسه وبكى حنينًا له يردف بترجٍ  : 



- تعال أشوفك يا محمود  ،  تعال و جيب معك الأمانة  . 



انزعج محمود من حالة شقيقه وتحدث إلى صالح معاتبًا  : 



- ليش هيك تاركه يا صالح  ؟  انقلو عالمستشفى دوغري  . 



نظر صالح لوالده بقلة حيلة ثم أجاب عمه  : 



- ياعمي عم أحاول معه من أسبوع مش قابل ،  ياريتك تيجي يمكن يتحسن  . 



زفر محمود بعمق وعيناه لا تفارق ملامح شقيقه الذي يبادله النظرات ويخبره أن يأتي لرؤيته لذا أومأ محمود يردف  : 



- خلص راح أحجز وأنزل بأقرب وقت  . 



- وما تنسى الأمانة  . 



اضطر صالح لإغلاق المكالمة ونظر لوالده الذي يلتقط أنفاسه لذا تساءل  : 



- أمانة شو يابا . 



لم يجد بدًا من إخباره  ،  خاصةً وأنه على فراش الموت ورأى كيف تعامل معهما المحيطين بهما فقال موضحًا بنبرة واهنة  : 



- عمك معاه مصاري لإلي  ، وديعة باسمي من زمان وخليتا معه  ،  كنت بدي اجيبا لما نرجع ع غزة ونعمل  مشروع هناك ونبلش من أول و جديد بس يمكن الله مش كاتب  ،  لهيك رح أسلمك إياها وانت افتح مشروع هانا مع صاحبك  ،  مصنع زغير على ادكوا وكبروه سوا  ،  زي ما أكرمنا ووقف معانا لازم نردله الجميل يا صالح بس بدي أوصيك وصية  . 



 كان يشعر أن بين عمه ووالده شيئًا من هذا القبيل لذا التمعت عيناه بدموعٍ أبت أن تسقط ولا يعلم ماهية الشعور الذي يراوده الآن ولكنه خليطٌ من الحزن والقهر والظلم والقليل من الراحة  ،  تلك الراحة التي تسبب فيها داغر لذا سيحاول بالقدر المستطاع فعل أي شيءٍ من أجله  ،  تنفس بقوة وأردف  : 



- الله يطول بعمرك يابا . 



- اسمعني بس  . 



أومأ يوليه اهتمامه وينحني عليه فتابع بوهن  : 



- وصيتي تصلي في الأقصى لما يتحرر وتدعيلي بالرحمة  ،  ولو ما عرفتش تنفذها وصي ابنك ينفذها  ، واحكيله على اللي صار معانا  ،  وقوله يحكي لابنه  ،  أوعى يا صالح تطلع من جلدك في يوم من الأيام  ،  أوعى تنسى يابا  . 



تنهيدة معبأة بأدخنة نيران القمع والظلم الذي رآه  ،  نيران الفقد حينما سقطت عائلته أمامه ولم يستطع إسعافهم  ،  حينما توقفت والدته وشقيقته الصغرى أمام عينيه ووقف يصرخ ويشق الألم صدره دون جدوى أو سبيل للراحة ولولا إصابة والده التي أجبرته على الخروج لكان الآن بينهم  . 



ازدرد ريقه وأومأ بطاعة يردف بنبرة تحمل أطنانًا من الحزن الذي يسعى داغر ومن حوله في إزالته  : 



- مش راح أنسى  ،  مستحيل أنسى  . 



❈-❈-❈



في اليوم التالي  . 



في المكتب جلست تفكر بشرود وتعجب فمنذ الصباح وهي تلاحظ حركة غريبة حولها  ، كأن هناك من يتتبعها  ، تتذكر حينما حاولت عبور الطريق وكادت سيارة أن تصدمها لينتشلها رجلًا ويبعدها بشكلٍ مفاجىء قبل أن يحدث ذلك  .



فعلها وغادر دون حتى أن تشكره وتراه جيدًا  ، المشهد كان مريبًا بالنسبة لها  .



لتأتي وتتفاجئ بثائر قد أتى باكرًا اليوم أيضًا  ،  هناك شيئًا يدور حولها لا تفسر كنهه  . 



تنهيدة حارة خرجت من جوفها وأرادت التركيز فيما تكتبه لذا حاولت أن تصفي ذهنها فنهضت تتجه إلى آلة تحضير القهوة لتضع بها إحدى أقراص القهوة المضغوطة وتضغط على  شاشتها منتظرة تحضيرها  .



لم يمر ثوانٍ حتى امتلأ الكوب بالقهوة فحملته وما إن كادت أن ترتشف منه حتى وجدت باب مكتبها يطرق ويتبعه دخول ثائر المفاجئ ليغزوها التعجب وتقف تمسك بالكوب متسائلة بتوتر حينما وجدته يغلق باب المكتب خلفه ويتقدم : 



- خير يا أستاذ ثائر  ؟ 



نظر إلى الكوب في يدها ثم رفع نظره يتعمق في حدقتيها وتحدث بهدوء وخطواته تستهدف موقعها  : 



- النهاردة عندي مباراة ملاكمة ودية وأنا متعود آخد معاذ معايا  ،  بس هو طلب حاجة غريبة شوية  . 



قطبت ما بين حاجبيها تتساءل حتى بات أمامها فمد يده ينتشل منها كوب القهوة ورفعه إلى أنفه يشمه ثم أنزله وتمعن فيها مجددًا يسترسل بثباتٍ : 



- قال لي إنه حابب تيجي معانا  ،  لو ماعندكيش مانع  . 



تفشى التوتر في جسدها من قربه ومن نظراته ومن احتلاله لقهوتها لتجده يتحرك نحو النافذة المطلة على الشارع وفتحها فالتفتت تنظر لما يفعله لتجحظ حينما وجدته يسكب القهوة داخل قصيصة الزرع لتسرع نحوه متسائلة بعدم استيعاب  : 



- إنت بتعمل إيه  ؟! 



التفت لها ثم ألقى الكوب في السلة القريبة منه واسترسل  : 



- بكرة هنعرف  ،  ومن دلوقتي لبكرة ماتشربيش ولا تاكلي أي حاجة هنا  ،  تمام  ؟ 



وجدت نفسها تومئ له رغمًا عنها  ،  فصرامة نظراته كانت كافية لترضخ دون سؤاله عن السبب  ولهذا تنفس بارتياح والتفت يخطو نحو الباب وتوقف قبل أن يفتحه يعيد سؤاله وهو يواليها ظهره ويضع يديه في جيبيه  : 



- هتيجي معانا ولا أبلغ معاذ إنك مش موافقة  ؟ 



سمحت لرئتيها أن تتنفسا بعدما ابتعد عنها وفكرت لهنيهة  ،  يمكنها أن ترفض ولكن لأجل الصغير أجابته  : 



- هاجي  ،  علشان خاطر معاذ  . 



هز رأسه دون أن ينطق حرفًا وغادر وما إن دلف مكتبه حتى تجهمت ملامحه وتوعد لـ مارتينا إن تأكدت شكوكه  . 




❈-❈-❈



مساءًا 



اصطحباها معهما في سيارته  . 



جلست في الخلف متوترة شاردة تفكر هل أخطأت حينما قبلت  ؟  ولكن فرحة الصغير بذهابه وحماسه الواضح وهو يتحدث مع والده جعلاها تهدأ وتسعد لأجله  . 



العلاقة بين الأب وابنه صحية بشكلٍ أثار إعجابها  ،  إنه أبٌ مثالي يحب ابنه كثيرًا ولم يعِق طلاقه التواصل بينهما وحتى الصغير مرتبطٌ به بشكلٍ وتيد  . 



تنفست بعمق ليسألها معاذ سؤالًا مفاجئًا  : 



- هل لديك أطفال  ؟ 



ابتسمت له تجيبه بهدوء والتمعت عينيها بالحنين لصغيريها اللذان تهفو لرائحتهما  : 



- نعم  ،  لدي مالك ثمانِ سنوات  ،  ورؤية خمسة سنوات  . 



تجلت السعادة فوق ملامحه واستطرد متلهفًا  : 



- وأين هما  ؟  



رسم الحزن لوحته على صفحة وجهها وأجابته بابتسامة مشتاقة  : 



- في مصر  ،  مع عائلتي  . 



أُحبطت مخططاته ونظر لوالده يردف بترقب  : 



- أبي هل يمكنك إحضارهما  ؟  سأكون سعيدًا إن تعرفت عليهما  . 



تحدث ثائر بثبات وعينيه على الطريق  : 



- سأعمل على أن تراهما حينما تذهب إلى مصر يا معاذ  . 



واسترسل وهو يسلط أنظاره عليها من خلال المرآة  : 



- إن وافقت السيدة ديما  . 



قطبت جبينها وتساءلت  : 



- هو معاذ هينزل مصر  ؟ 



أومأ يجيبها  : 



- أيوة  ،  هينزل فترة يزور عيلتي ويقضي الأجازة معاهم  . 



أومأت له وعادت لصمتها وتساؤلات عقلها عن شخصيته التي مازالت تخطو في درب اكتشافها  . 



❈-❈-❈



عفت عنه منذ الأسبوع الأول للخصومة حينما احتاجت للنقود  ،  بعدما اتخذ من محل عمله منزلًا له  ،  الوضع كان مزريًا بشكل لا يصدقه  ،  لقد ساءت حالته كثيرًا لذا ما إن طلبته حتى لبى طلبها على الفور متحججًا وفرحًا بأنها تحتاجه  . 



هاتفته ليعود فتهللت أساريره وعاد على الفور ولكنها صدمته حينما ألزمته النوم في غرفة منفصلة عنها بذريعة أن عليه أن يعمل من أجل أن تسامحه  . 



بالقليل من مكرها الأنثوي ودلالها المفرط أقنعته أن تصرفها كان بدافع غيرتها عليه وابتلع الطعم كالعادة لذا اضطر إلى شراء قطعة ذهبية لها عبارة عن خاتم ليتفاجأ بها تكافئه كما يحب وكما تمنى  . 



والآن تجلس أمامه تحاول إقناعه بالأمر الذي فكرت فيه لذا قالت  : 



- أنت قلقان من إيه يعني يا كمال  ،  ما كله بقى بعمل كدة  . 



شرد يفكر في حديثها  ،  لقد كان يسخر من هؤلاء فهل سيفعل مثلهم الآن  ؟  هز رأسه يردف بين رفضٍ وقبول  : 



- واحنا ليه نطلع نعرض حياتنا على النت  ؟  وبعدين هنعمل إيه يعني وهنطلع نتكلم في إيه  ؟ 



هزت كتفيها بتغنج ودلكت معدتها تجيبه  : 



- يعني نروح مثلًا أنا وانت نشتري حاجات ابننا  ،  نصور روتينا اليومي  ،  نعمل فيديوهات عن أد إيه إنت بتحبني وبتموت فيا  ،  نطلع لايف وأنا بولد والناس تشوف لهفتك عليا  . 



وجدته شاردًا لم يقتنع بعد لذا تابعت  : 



- الحاجات دي بتفرق مع الناس وبيصدقوها أوي  ،  ده غير إن الفلوس اللي بتيجي من ورا الفيديوهات دي بالكوم  ،  وأهو رزق كمان وانت عارف البحر يحب الزيادة  . 



زفر ونهض يرتدي ساعة يده ويردف بتردد وهو ينوي التحرك  : 



- سيبيني بس اقلبها في دماغي وبطلي زن  ، يالا سلام  . 



تحرك يغادر وتركها تتأفأف بضيق من عدم موافقته ولكنها تعلم أنه عاجلًا أم آجلًا سيرضخ  . 




❈-❈-❈



في سريرها بعد العودة 



تتمدد بعدما أغلقت مع والدتها وطفليها للتو في مكالمة استمرت لساعة راجعت معهما الآيات التي حفظاها وفهماها والدروس التي ذاكراها  ،  تسابق الاثنان على محادثتها أولًا ولولا منال وتنظيمها كان أصبح الأمر عبثيًا حيث أن رؤية أرادت أن تحصل على التميز بدلالها الذي تسبب فيه داغر  . 



تنهيدة حارة مرت على رئتيها ليعود ثائر يقتحم ثنايا عقلها  ،  رأته اليوم وهو يصارع خصمه بقوة ويسقطه دون أن يرف له جفن  ،  كان جسورًا وقاسيًا معه للدرجة التي جعلتها تنكمش وتخفي وجهها بين كفيها على عكس معاذ الذي كان يشاهد بحماس  . 



نعم الآن فهمت مقصده حينما كتب في بحره الثائر 



(  إن أردت التعبير عن غضبك الداخلي تظاهر بالبرود وانتظر قليلًا  ثم اذهب واكسر كأسًا وادعي وقوعها بالخطأ  ،  أو اكسر جسدًا وادعي أنك تمارس الملاكمة ) 



إذًا هو كان غاضبًا  ؟  ممن هو غاضب  ؟  قبل ذهابه لم يكن يظهر عليه أي غضبٍ  . 



ما حدث اليوم منه مريب وهي بحاجة تفسير لتفهم الكثير وإلا لن تشعر بالراحة ولن يتوقف عقلها عن طرح الأسئلة  ،  يكفيها الأسئلة التي تدور في فلك عقلها حول حياتها لذا عليها سؤاله مباشرةً عما يريده منها  ،  إنه يخفي شيئ وستعلمه  . 



نهضت بعدها لتصلي القيام وتقرأ وردها اليومي وأذكارها التي تمدها بالنشاط والراحة ليومها التالي  . 



❈-❈-❈



هاتفها لتراه في حديقة الفيلا الخاصة بهم ففعلت لترى ماذا يريد والحزن يسيطر عليها من كل حدبٍ وصوب منذ أن أخبرها داغر بأمر خطبته القريبة  . 



جلست أمامه تنتظر حديثه وجلس أمامها يتفحص ملامحها بثقب لذا تساءل باهتمام ظاهري  : 



- مالك يا بسمة  ؟  احكيلي إيه مزعلك  ؟ 



بالطبع لن تخبره ولكن هل يشعر بها حقًا  ؟  هل يفهمها مثلما كان يفعل سابقًا  ؟  أم أنه يمارس المكر خلف قناع الاهتمام هذا  ؟ 



لم تعد تدرك شيئًا ولكنها مشتتة الآن لذا هزت رأسها تجيبه  : 



- أبدًا  ، أنا كويسة  ،  قول لي كنت عايزني في إيه  ؟ 



يحاول التروي جيدًا لذا وضح بهدوء وعينيه لا تفارق عينيها  : 



- أنا قبل ما اتكلم مع بابا أو ماما في أي حاجة قلت اكلمك إنتِ الأول وأعرف رأيك وصدقيني هحترم قرارك جدًا مهما كان  ،  واطمني مافيش بعدها حد هيفرض عليكي أي حاجة  . 



ضيقت عينيها مستفهمة فاستطرد بخبثٍ  : 



- أنا بحبك  . 



فرغ فاهها تطالعه بصدمة فأومأ بابتسامة لطيفة وتابع  : 



- بصي أنا عارف إن الموضوع هيكون صدمة بالنسبالك بس أنا فكرت كويس ولقيت إن دي مشاعري من ناحيتك من زمان  ،  أنا اللي كنت بحاول أفسرها اهتمام وأخوة أو ارتياح للكلام معاكِ بس الحقيقة أن كل ده حب  ،  وبعيد عن أي خطط أو أهداف لبابا أو ماما أنا مستعد أعمل أي حاجة تقولي عليها علشان أثبتلك إن ده مش كلام  ،  دي حقيقة يا بسمة  ،  أنا بحبك  . 



لم تستوعب ما تسمعه منه ولكنها سبحت تفكر فيما يحدث وفي الأحداث التي تسير من حولها  ،  ابتعاد داغر وهروبه منها  ،  مشروع خطبته  ؟  اعتراف ماجد بحبٍ لم ترهُ ربما بسبب تسلط عمها وشكها به  ؟ 



هل كل هذه الأحداث صدفة  ؟  أم أن هناك أمرًا يجب عليها أن تراه  ؟ 



أسبلت حينما نهض يسترسل بهدوء وتريث  : 



- بصي فكري على أقل من مهلك أنا مش مستعجل  ،  وزي ما قلتلك أي قرار أنا هكون معاكي فيه حتى لو على حساب قلبي  . 



❈-❈-❈



في صباح اليوم التالي دلفت مكتبها ثم تحركت تضع معطفها وحقيبتها واتجهت تفتح نافذتها ولكنها وقفت متجمدة حينما وجدت زرعتها ذابلة لا حياة فيها  . 



لثوانٍ من الصدمة وعدم الاستيعاب ثم غزاها جيشًا من التساؤلات لتهمس لنفسها  : 



- مش ممكن القهوة تعمل كدة  . 



التفتت مسرعة تخطو باندفاع خارج مكتبها لتتفاجئ به يدلف لتوه من باب المبنى لذا اندفعت نحو فتعجب لتردف بين الموجودين  : 



- ممكن تيجي معايا ثواني  ؟! 



لمح الغضب يتراقص في عينيها فتحرك أمامها نحو مكتبها وتبعته وحينما دلف أغلقت الباب واتجهت نحو النافذة تشير له على القصيصة قائلة بذهول  : 



- ممكن تشرح لي إيه ده  ؟ 



تسلطت عيناه على القصيصة ليسود الغضب مقلتيه وأردف بنبرة متوعدة  : 



- القهوة مسموسة  . 



صدمة أفقدتها النطق لثوانٍ قبل أن تهز رأسها وتتساءل  : 



- مسموسة إزاي  ؟  ومن مين  ؟ وليه  ؟ 



توقف أمامها لأول مرة كأنه يقطن خلف قفص اتهام شيّد بنظراتها لذا أجابها بنبرة مبطنة بالكثير  : 



- لازم تاخدي بالك كويس أوي من هنا ورايح يا ديما  ،  إنتِ مستهدفة  . 



الذهول الذي يتراقص في عينيها يعتدي على ركوده فيود لو يثور ويغرق الجميع ولكنها الآن تركض في متاهة عقلها دون هدى لذا تساءلت والخوف ينهش قلبها  : 



- إنت مين  ؟

تكملة الرواية من هناااااا


لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


 

تعليقات

التنقل السريع