رواية بحر ثائر الفصل الثالث وعشرون 23بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية بحر ثائر الفصل الثالث وعشرون 23بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية بحر ثائر
الفصل الثالث والعشرين
أخطأْت حساباتكَ...
سيادة الثائر......
لا أنا لعبة بيديك...
تحركني كيفما شئت..
ولا قلبي ولا قلبك
ولا عقلي ولا عقلك
أخطأت حساباتك
فقلبي لن يفتح أبوابه..
لمجرد نظرة
من عينين ساحرتين...
أو بضع كلمات هاربة
من سجن غموضك و كتمانك
ربما سيفتح ابوابه لك
لو أطلقت أنت سراح آلامك...
أنا امرأة ماهمني يوما بريق الحب
لكني امرأة دوما ما فتنتني آلامه...
( بقلم فيروزة)
❈-❈-❈
كان يجلس في مكتبه يباشر عمله بجد ولكنه انتفض فجأة حينما انفتح الباب وظهرت والدته أمامه بملامحها الصارمة ودلفت تغلق الباب وتتحدث بلغتها :
- كيف حالك يا ولد ؟
لم يستوعب وجودها بعد لذا دَعَك جفنيه وعاد يطالعها ثم نطق بذهول :
- أمي ؟ ألم تقولي أنكِ ستأتين بعد أسبوع ؟
رفعت حاجبيها تباغته بنظرة ثاقبة مستكشفة به أمره كله لتردف :
- نعم قلت ذلك لأنني أعلمك جيدًا ، ستحاول تدريب تلك الفتاة على كيفية التعامل معي وأنا لا أريد ذلك ، أريد أن أراها على شخصيتها الحقيقية ، هيا انهض وأرني إياها .
افترش بساط الصدمة تقاسيم وجهه لثوانٍ ثم نهض يتجه نحوها يعانقها ويرحب بها ليبتعد ويطالعها مردفًا برجاء :
- أمي أرجوكي توقفي عن اختباراتك هذه ، هكذا لن أتزوج طوال حياتي ، يكفي ما فعلتيه معي في الصين .
توسعت حدقتيها تطالعه بثقب لذا شعر بالرهبة حينما صدرت له ملامح الجمود ونطقت بنبرة متعصبة :
- ماذا قلت ؟ هل تقصد أنني أم سيئة ؟ كل ما فعلته هذا كي أصطفي لك زوجة جيدة تسعدك يا لوتشو ، قل الحمد لله أنني أتيت لأجري اختباراتي على تلك المصرية ولم أعترض ، هيا أمامي لكي أراها .
تحركت خطوة نحو الباب فأسرع يمنعها قائلًا :
- أمي أرجوكي استريحي هنا وأنا سأناديها ، لا داعي لتذهبي إليها ستفزع .
لكمته بحقيبة يدها في كتفه تردف بغيظ :
- تأدب يا ولد ، لما ستفزع هل أنا ناقة أمامك ؟
انكمشت ملامحها حينما تذكرت الإبل لتستطرد بملامح مشمئزة :
- أوه يا الهي لما تذكرت هذا الآن ! لا أعلم كيف يتناولون لحم الناقة هذا ؟!
زفر يحاول أن يهدأ وهو يردد مجددًا يحاول إقناعها :
- لا أنتِ السيدة ميتاي الجميلة وصاحبة الشركة لذا إجلسي مكانك وهي من تأتي إليكِ .
نظرت له بملامح شبه مقتنعة وفكرت لثوانٍ قبل أن تومئ وتتجه نحو المقعد تجلس عليه وتبتسم له لذا تنهد بارتياح واسترسل :
- هذه هي أمي ، سأذهب لأناديها وأعود على الفور .
مد يده ليفتح الباب ولكنها أوقفته تردف بحزمٍ :
- عد إلى مكتبك لوتشو ، هاتفها لتأتي وإياك أن تخبرها بوجودي ، دعني أتعامل معها بنفسي .
تنفس بعمق يهدئ من روعه ثم اضطر لأن يعود لمكتبه ويهاتفها لتأتي وفي داخله أن يمر الأمر مرور الكرام .
❈-❈-❈
قضت الليل تفكر في عرض ماجد الذي أتى في نفس توقيت كلمات داغر ، تتمتع بالذكاء الذي جعلها تربط الأمرين ببعضهما لذا كان عليها اتخاذ قرار يصعب تنفيذه ولكنها ستغامر لتعرف هل ما تشعر به صادقًا أم أنها تتوهم .
جمعت القليل من ملابسها وأغراضها في حقيبة صغيرة ثم توجهت إلى الأسفل كي تخبرهم بقرارها الذي لن يقابلوه بالقبول مطلقًا ولكنها ستنفذه .
وقفت أمامهم وهم يجلسون حول مائدة الفطور ليظهر التعجب على ملامحهم حينما وجدوا حقيبة يدها لذا نهض ماجد يتجه نحوها وتساءل :
- إيه ده يا بسمة ؟ رايحة على فين ؟
ابتسمت له ثم نظرت إلى وجه عمها ونطقت بثباتٍ :
- أكيد حضرتك عرفت إن ماجد عرض عليا الجواز ، وطبعًا أنا اتفاجئت بعرضه لإنه علطول كان بيتعامل معايا كأخ ، ولإن الموضوع جه فجأة أنا قررت أبعد شوية عن البيت وأفكر كويس علشان أعرف آخد قرار .
دب الرعب في قلب ماجد كوالديه ولكنه أعطى رد الفعل الأسرع فأردف بشكلٍ متلهف :
- لا طبعاً ماينفعش تسيبي البيت إيه الكلام ده ! أنا قلتلك فكري براحتك وأنا معاكي في أي قرار .
تأكدت من شكها ، فلا هو أنكر ولا هما تفاجآ بعرضه إذا هي خطة بينهم ، اختفت ابتسامتها وشعرت بالغربة مجددًا لتتنهد بقوة وتحاول التحلى بالهدوء فتابعت وهي تقصد عمها بنظراتها :
- موضوع الجواز والارتباط مش سهل طبعًا ، خصوصًا لو من ماجد اللي كنت شيفاه دايمًا أخ ، محتاجة أبعد وأفكر صح وآخد قرار .
نهض نبيل يرتدي قناعًا مزيفًا حينما سمعها ، فهي لم ترفض عرضه لذا هناك احتمال كبير لتقبل وهذا ما جعله يبتسم وهو يتقدم منها حتى وقف أمامها وأردف بهدوء :
- حقك طبعًا يا حبيبتي ، خدي وقتك في التفكير ، بس هينفع تقعدي في مكان لوحدك بعيد عننا ؟
نطقت زوجته معترضة بنبرة لاذعة :
- لا طبعًا ماينفعش يا نبيل ، بسمة مسؤولة مننا .
لم تعرها أي اهتمام بل تابعت ابتسامتها واسترسلت أمامهم :
- ماتقلقش يا أونكل أنا مش هكون لوحدي ، أنا هقعد مع خالتو منال مامت داغر .
تجلت الصدمة تقاسيم وجوههم ليندفع ماجد ناطقًا :
- ده مستحيل يحصل أبدًا .
التفتت تطالعه بحدة وتجردت من هدوئها تتساءل :
- يعني إيه مستحيل يحصل يا ماجد ؟
أخرسه والده بنظراته ليكظم غيظه منها حتى أنه رفع سبابته يسكت زوجته حينما كادت أن تتحدث ونطق هو بهدوء خبيث :
- إزاي بس يا حبيبتي تقعدي عند ناس غريبة زي دي ؟ بسمة أظن إنك ازكى من كدة .
تكتفت تجيبه بهدوء :
- ماتقلقش يا أونكل أنا بثق فيهم جدًا ، مافيش داعي حضرتك تقلق عليا وسطهم ، وبعدين أنا مش رايحة أعيش هناك أنا بس هقعد معاهم كام يوم وارجع .
- مستحيل يا بسمة ، مستحيل ده يحصل ، يعني إيه تروحي تقعدي مع اللي اسمه داغر ده في بيت واحد ؟
قالها ماجد الذي لم يستطع إخفاء غضبه لتلتفت له وتجيبه بهدوء ضاعف غضبه :
- وفيها إيه ؟ ما أنا عايشة وسطكوا يا ماجد وانت مش أخويا ، تفتكر إني مش هعرف أحافظ على نفسي هناك ؟ وبعدين داغر إنسان محترم جدًا وبيعتبرني زي دينا أخته ، اطمن .
جن جنونه أكثر وكاد أن يعنفها لولا تدخل نبيل الذي صاح به بغضبٍ لم يستطع إخراجه سوى فيه :
- ماجد اخرس إنت ، سيبني اتكلم أنا ، اخرج دلوقتي .
قبض على كفيه وتنفس مرارًا ثم نظر لوالدته التي أومأت له فتحرك يغادر المكان ليتابع نبيل بعد ذلك بتحذير ممزوج بالغضب المكبوت :
- أنا بحاول أكون متفهم يا بسمة بس ماينفعش تقارني ناس زي دول بأهلك ، أنا بسهولة اقدر امنعك من إنك تخرجي برا الفيلا بس أنا عايزك تشوفي بنفسك طريقة حياتهم وعيشتهم وخصوصًا اللي اسمه داغر ده علشان كدة هسيبك تروحي وهو أسبوع واحد وترجعي بس بعدها مش هيبقى عندك أي سبب ترفضي طلب ماجد ، تمام ؟
هل يظنها لن تتحمل حياتهم ؟ هل يظنها أنها تريد الترف والثراء ؟ إنها لا تريد سوى الأمان والراحة لذا أومأت تبتسم وتوحي له أنها رضخت لكلامه فقالت :
- تمام يا أونكل .
تحركت بعدها تسحب حقيبتها وتغادر هذه الفيلا التي تكبت على صدرها .
❈-❈-❈
سؤالها كان واضحًا له لذا زفر وأردف بنبرة متفهمة يحاول بها تهدئة روعها :
- ديما اهدي .
هزت رأسها رفضًا وبمقلتين ملأتهما التساؤلات قالت :
- لا مش ههدى ، إنت مين ؟ جبتني ليه ؟ مستهدفة يعني إيه ؟
يعلم أن ما يحدث معه الآن لم يجربه طوال حياته ، تلك المشاعر التي تغزو قلبه فتؤلمه لم يكن يسمح لها بالاقتراب من محيطه ، كان مغلفًا بالصقيع من كل الاتجاهات ولكن معها يشعر بضعفه الذي يكرهه ويشعر باحتلالها له الذي يبدل ضعفه إلى قوة مفرطة .
زفر زفرة قوية ووقف أمامها ثابتًا مهيمنًا يجيب بنبرة بها لحنًا خصصه لها وبها قوة خاصة به :
- لا المكان ولا الزمان يسمحوا إني اتكلم ، من حقك توضيح بس لازم تسمعيه وانتِ هادية علشان تعقليه كويس ، يالا كملي شغلك وماتشربيش أي حاجة غير اللي أنا هجبهالك بنفسي .
تحرك بعدها يغادر المكتب وتركها تواجه سطوة هيمنته التي جعلتها ترضخ لما يقول بالرغم من تعنيف عقلها لها ، ما يحدث معها من اضطرابات بين عقلها و ... خصمٌ آخر لا تدركه ، لا تدرك أي شيء مما يحدث معها الآن فهذه الأفكار والمشاعر جديدة عليها كليًا ولكنها ستنتظر ، بما أنه قال سيوضح لها ستنتظر وتهدأ .
التفتت تنظر نحو الأصيصة وعينيها وقفت عندها ، كانت هي المستهدفة ، لولا تصرفه لكانت الآن هي الذابلة والفاقدة لحياتها بدلًا عن هذه النبتة .
هل يحميها ؟ وكيف علم بأن القهوة مسمومة ؟ أم أنه يلعب معها لعبة مرعبة خاصة وأن بينه وبين نساء بلده عداء ؟
توغل الرعب داخل قلبها بعدها هاجمتها تلك الأفكار السلبية ولم تعد تستطع ممارسة عملها لذا زفرت بقوة وقررت أن تهدأ فتوجهت إلى الحمام لتتوضأ ، ستلجأ إلى ربها وتذكره ليطمئن قلبها كعادتها دومًا .
❈-❈-❈
طرقت الباب فسمح لها لذا دلفت مكتبه تبتسم نحو مقعده ولكن اختفت ابتسامتها حينما وجدت سيدة صينية تجلس مكانه .
أيقنت أنها والدته لذا عادت تزين ثغرها بابتسامة هادئة وتحركت تنظر نحوه حيث يجلس أمام المكتب لِيقف لها ويطالعها بلطفٍ قائلًا :
- دينا هذه أمي السيدة ميتاي ، أتت لتوها ، ما رأيك في هذه المفاجأة ؟
حاول أن يغمزها بعينيه ولكنها لا تريد ذلك فهي ستتصرف بأسلوبها ولن تتجمل لذا ابتسمت لها بهدوء وأردفت :
- أهلًا بحضرتك سيدة ميتاي ، أنرتي مصر .
تفحصتها ميتاي من رأسها حتى أخمص قدميها تحفظ تفاصيلها لتجدها شابة جميلة للحد الذي يجعلها محط الأنظار ، تبدو ذكية وعملية ، ولكن لا تعلم عن عاداتها شيئًا لذا أومأت بثقل تجيبها :
- شكرًا ، إجلسي .
انزعجت دينا من أسلوبها ولكنها تحلت بالهدوء واتجهت تجلس مقابل لوتشو وأمامها فوزعت ميتاي أنظارها عليهما وتساءلت بنبرة استجوابية :
- ما الذي أعجبكِ في ابني ؟
نظرت دينا إلى لوتشو بهدوء وبرغم قرارها بأنها ستكون واضحة لذا قالت :
- إنه لا يشبه الرجال المتسلطة ، ولا يشبه الرجال القاسية أيضًا .
ابتسمت ميتاي بخفة وأردفت :
- هذا حكم مسبق من فتاة عديمة التجربة ، لا يمكنكِ إصدار أحكام إلا بعد الإطلاع على مجريات الشخصية بشكلٍ كامل ، أنتِ لا تعرفينه بعد ، ربما هو قاسٍ ومتسلط ويجذبكِ بوجهه البريء .
تحمحم بانزعاج ونطق معترضًا :
- أمي ماذا تفعلين .
- اصمت أنت .
نطقتها ميتاي تمنعه من الحديث فزفر بضيق والتزم الصمت فعادت إلى دينا تتساءل :
- السؤال التالي ، ما هو الأهم بالنسبة لكِ ، العمل أم تكوين أسرة ؟
تباهت قليلًا حيث ستجيب بقناعتها التي ظنتها متوافقة معها :
- العمل أولًا ثم يأتي تكوين الأسرة .
صمتت ميتاي لبرهة ثم أجابتها بجدية :
- مخطئة يا فتاة ، مثلما توقعت أنتِ عديمة التجربة ، تكوين الأسرة هو أهم شيء على الإطلاق ، يجب الحفاظ على المورد البشري كي يرتقي العمل .
هذه السيدة غريبة ، صارمة ومتسلطة ولكنها تمتلك من الحكمة ما يجعلها صينية متأصلة لذا شعرت دينا بالتوتر وبدى الانزعاج على ملامحها لتبتسم ميتاي وتسترسل :
- اسمعي ، ربما أنتِ ناجحة في العمل ولكني أشعر أنكِ تهربين وتتخوفين من تجربةٍ ما لذا نصيحة قبل أن ترتبطي بابني عليك أن تحددي ماذا ستقدمين لهذه العلاقة مثلما ستأخذين وإلا سيكون ابني تعيسًا لأن حبه سيصبح من طرف واحد ، لا تنزعجي من حديثي ولكنني لا أرى الحب في عينيكِ له ، هو يستحق الحب وأنتِ كذلك أيضًا ولكن فكري جيدًا .
شردت دينا في كلماتها وملامحها ، لقد جردتها هذه المرأة أمام نفسها ، إنها أدركت دواخلها لذا التفتت تنظر نحو لوتشو الذي يترقب ردة فعلها بتلهف فلم تستطع أن تجيبها بل نهضت تردف بملامح حزينة :
- اسمحا لي .
تحركت تغادر المكتب ولم تتوقع أن تسقط عبرة من عينيها لذا أسرعت تجففها وترفع رأسها متجهة نحو مكتبها وعقلها ينسج كلمات ميتاي بدقة .
أما لوتشو فتجلى الحزن على ملامحه لتجيبه ميتاي بنبرة هادئة مبطنة بالعاطفة :
- إن كانت تحبك بصدق ستخبرك لا تقلق ، هي ليست من الفتيات المتملقات ، دعها تفكر وتختار يا بني ، هذا أفضل لك .
لم يستطع إخفاء حزنه لذا نظر لها وأردف :
- ولكنني أحبها يا أمي ، وسأجعلها تحبني .
أمعنت النظر فيه وعادت لصرامتها تردف :
- أنت أيضًا عديم التجربة ، اهدأ ودعها تختار وهيا قف على رأس عملك .
زفر بقوة ونهض يومئ ثم تحرك خارج مكتبه يتجه لزوج شقيقته ليتحدث معه .
كالعادة يقف يباشر عمله مع صالح الذي ينشغل عقله بحالة والده .
توقفت بسيارتها أمام ورشته وترجلت تتجه نحوه حيث ينحني على السيارة ولم يلاحظها بعد لذا نطقت :
- أزيك يا باشمهندس .
سمع صوتها لذا دب الاشتياق فيه وجعلته يعتدل ويلتفت لها يطالعها باندهاش وقد نسي كل ما قاله وابتسم لها يردف بحبور تجلى في نبرته :
- بسمة ؟ أهلًا وسهلًا ، إنتِ كويسة ؟
اهتمامه بها جعل قلبها يستكين من لوعته لذا تنفست بعمقٍ تجيبه بإيماءة :
- كويسة ، بس كنت محتاجة جراج للعربية .
قطب جبينه متسائلًا باستفهام :
- جراچ ؟ اشمعنى ؟
تكتفت تجيبه بنبرة ثاقبة :
- أنا قررت أقعد مع خالتو منال أسبوع وطبعًا ماينفعش العربية تفضل كدة في الشارع .
- اللهم صلِّ على النبي .
نطقها معبرًا عن ذهوله مما قالته لتبتسم وتنظر نحو صالح الذي ابتسم عليه ليميل عليها ويتأكد مما سمعه متسائلًا :
- تقعدي فين ومع مين ؟ مع خالتو منال اللي هي أمي ؟ وأسبوع ؟ في بيتنا ؟
انشرح قلبها من طريقته التي اشتاقت لها لذا أومأت تجيبه بهدوء يخفي ثورة من المشاعر :
- أيوا يا داغر ، فيه مشكلة ولا إيه ؟
التفت ينظر نحو صالح الذي يكتم ضحكته لذا أشار له يردف :
- لا اضحك يا صالح ماتكتمهاش ، اضحك على اللي أخوك فيه .
قطبت جبينها باستفهام وحاولت ألا تفهم معنى كلامه لذا تساءلت :
- داغر بجد قول لو فيه مانع أنا ممكن أرجع حالًا .
مسح على وجهه يستغفر ثم عاد يطالعها عن كثب ويتساءل باهتمام وهو يرنو منها قليلًا حتى لا يسمعه أحد :
- قوليلي الأول فيه حد زعلك أو اتعرض لك ؟
هزت رأسها بلا تخفي عنه أمر ماجد قائلة :
- لاء مافيش ، أنا بس فيه موضوع مهم حابة أفكر فيه براحتي بعيد عن العيلة ، فقولت آجي اقعد مع خالتو منال ودينا والأولاد .
- وبس كدة ؟
تساءل بها حينما لم تذكر اسمه فأومأت مؤكدة بخبث يغلفه الهدوء :
- أيوة .
تنفس بعمق ثم أومأ وأردف بنبرة رصينة تندفع منها الحب :
- طيب تعالي لما أطلعك وماتقلقيش على العربية هجرچها في الورشة جنب عربيتي .
تنفست بارتياح وأومأت ثم التفتت نحو العربية تخرج حقيبتها فأسرع يلتقطها منها ويتحرك يردف إلى صالح :
- هرجعلك أهو يا صالح .
ضحك صالح يهز رأسه على هذين العنيدين اللذين ينهمر منهما الحب بوضوح بينما تحركا هما نحو المنزل .
❈-❈-❈
انتهى الدوام
بصعوبة بالغة استطاعت إنهاء ساعات عملها وخرجت من المجلة لتتفاجأ به يقف ينتظرها على الرصيف أمام سيارته فأمعنت النظر تتساءل فأردف بنبرة تحمل أمرًا ورجاء :
- من هنا ورايح هتركبي معايا ، يالا !
قالها وهو يتمنى أن تقبل دون اعتراض أو ندية وهذا ما قرأته في عينيه ويفترض أن ترفض ولكن خوفها مما حدث جعلها تومئ بضيق وبملامح متجهمة غير راضية لتلمح في عينيه ابتسامة أخفاها وهو يشير لها أن تتحرك نحو سيارته التي فتح بابها ففعلت واستقلتها لتكون طوال طريق العودة صامتة تتطلع أمامها ولم تتفوة ببنت شفة وفعل هو مثلها ، قبل الكلام معها عليه التحدث مع أخرى فلن يهدأ إلا إذا حل هذا الأمر .
أما هي فالتزمت الصمت وقررت ألا تسأله الآن فهي متعبة ، ستتركه حينما يريد أن يخبرها .
توقف أمام منزلها فترجلت والتفتت تطالعه من خلال النافذة وقالت بخفوت :
- شكرًا .
تحركت بعدها نحو الداخل وأغلقت بابها فتنفس بعمق واستل هاتفه يطلب رقم مارتينا التي أجابته بنبرتها اللعوب :
- كيف حالك أيها البطل الخارق ؟
- أين أنتِ ؟
تساءل بنبرة صلدة مخيفة لتجيبه بتحدٍ :
- في نادي المدينة ، انتظرك .
أغلق وعاد يقود متجهًا إليها وعينيه تحمل وعيدًا سافرًا لا يدرك ثورته أحدٌ بعد .
❈-❈-❈
جلست منال ترحب ببسمة ترحيبًا مليئًا بالعاطفة وداغر يقف متكتفًا ويطالعها بغيظ حيث أنها تتعمد استفزازه حينما قالت :
- تقعدي طبعًا ياقلبي وان ماشلتكيش الأرض نشيلك في عنينا ، دي دينا هتفرح أوي .
ابتسمت بسمة بعدما توغلتها الراحة ، منذ أن دلفت الحارة وهي تشعر بالارتياح لذا زفرت والتفتت تنظر نحو داغر الذي يتابع بصمت وعادت إلى منال تردف :
- تسلميلي يا خالتو منال ، بجد متشكرة على مقابلتك دي ، أنا فعلًا كنت محتاجة أغير جو .
نطقتها بعيون حزينة جعلته يتخلى عن صمته ويتحرك ليجلس بجانب والدته التي تساءلت بحنين :
- مالك يا حبيبتي احكيلي .
ازدردت ريقها ونظرت نحو داغر الذي يتمعن فيها منتظرًا تفسيرها ولكنها تجملت تجيب :
- روتين عملي ممل وبيت بارد يا خالتو ، الواحد أحيانًا بيحب يبعد عن كل ده .
أومأت لها منال مؤيدة ليزفر داغر ويردف بهدوء :
- طيب يا ماما أنا هقعد يومين كدة مع صالح ، أبوه تعبان أوي ومش راضي يروح المستشفى وانتِ عارفة لازم أكون جنبه .
أدركت بسمة أنها السبب لذا نطقت بجدية :
- لا لا مالوش لزوم خالص يا داغر ، خلاص أنا همشي .
اعتدل في جلسته يجيبها بذريعة شبه مقنعة :
- يابنتي بقولك الراجل تعبان جدًا ، وإنتِ عارفة إن صالح أقرب حد ليا ، أنا من زمان عايز أروح اقعد معاه يومين علشان يغير جو بس ماكنتش عارف اسيب أمي ودينا والعيال ، لكن مادام إنتِ معاهم هكون مطمن .
لمح السعادة تتراقص في عينيها وهذا ما أراده ، برغم أنها كانت تتمنى وجوده هنا إلا أن ثقته لها جعلتها تومئ باقتناع ليزفر بقوة حيث التفت ينظر إلى منال ويستطرد :
- خدي بالك هي هتتعبك في الأكل، عمالة تخس تخس بس احنا ماينفعش معانا الكلام ده
ضحكت منال وضربته بخفة على ساقه تنطق بعفوية :
- أيوا وانت عايزها بطاية .
كاد أن يومئ مؤيدًا ولكنه تذكر من هي ومن هو نظر إليها ليجدها تتورد خجلاً جعلها تدعي انشغالها في هاتفها لذا عاد لوالدته يغمزها بعتاب فأومأت له بنية طيبة ودعت في سرها أن يوفق الله بينهما .
❈-❈-❈
ترجل من سيارته أمام المكان المنشود ودلف يبحث عنها بعينيه ليجدها تمارس التنس لذا تحرك لتراه وأشار لها أن تتبعه واتجه يجلس عند طاولة في ركنٍ هادئ .
برغم أن نيران التوعد اندلعت داخله إلا أنه حافظ على ثباته وهدوءه وهو يراها تتقدم منه وتبتسم ثم انحنت لتقبله فابتعد فلم تفلح لذا زفرت تداري خيبتها والتفتت تجلس قبالته وتتلاعب بمكرها متسائلة :
- ما سبب هذا الانزعاج يا ترى ؟
تمعن فيها بثقب ثم تحدث بنبرة مصوبة كسلاح حربٍ محرم :
- اسمعي مارتينا ، لن أسمح لكِ بهدم اسمي الذي شيدته على مدار سنوات من القمع والظلم ، ليس بعدما نلت ما نلته من احترام وثقة وحققت المعادلة الصعبة التي لم يحققها أي عربي هنا ، إياكي مارتينا ، إياكي والمساس بسمعتي ، وإن كنتِ امرأة لا يهمها سمعتها ولا سمعة عائلتها فأنا رجل اهتم كثيرًا بهيبتي وسط جمهوري ، وكذلك أب اهتم بنفسية صغيري ، ما تفعلينه هو عبث بشكلٍ كامل وعدم ثقة منقطع النظير ستجعلني محط اتهامات، تروي وإلا أقسم أنني سأجعلكِ تكرهينني بحق .
اشتعلت كليًا ولكنه برع في تهديده فلم يذكر سيرة ديما أمامها ولكنها بصقت ما في جوفها وهي تلفظ كما يلفظ التنين نيرانه :
- أنت معجب بها ، أليس كذلك ؟
طوال اثنا عشر عامًا يستخدم غشاءً مقوى يخفي به دواخله عمن أمامه والآن لأول مرة يخشى أن تنخدش قوة هذا الغشاء ولكنه سيحاول بالقدر المستطاع لذا تنفس بعمقٍ يجيبها بتريث صارم مجردًا من الغضب وهو يرنو منها حتى بات على مقربة منها :
- انظري إليّ جيدًا مارتينا ، انظري في عيني ، هل ترين داخلهما أي حبٍ ؟ أنا لا أحب سوى ابني وقلمي وكنتِ أنتِ ذات يوم ولكن لم تعودي كذلك بعد كل ما فعلتيه وما زلتِ تستمرين بفعله .
انتفخت أوداجه وهو يبتعد وزفر يتابع بنظراتٍ ثاقبة :
- أخبرتكِ أن القتل وسيلة الضعفاء ، أخبرتكِ أنني أريد أن أصل معها لهدفٍ معين وهذا يعد مكسبًا جديدًا لي بين جمهوري وكذلك وسط أعدائي ، لذا توقفي عن عبثكِ هذا ، هل فهمتِ ؟
حية تتلاعب وتحوم حول ضحاياها ولكنه حاوٍ يعلم جيدًا كيف يروضها وقتما يريد ويستخرج سمها ليكون ترياقًا لذا أومأت تجيبه بنبرة شبه مقتنعة بكلماته :
- حسنًا ، لأنتظر وأرى ما هو هدفك ثائر .
هز رأسه ونهض بعدها يغلق زر بدلته ونطق وهو يتعمق فيها :
- كوني أمًا جيدة ونظمي حقيبة ابنك الذي سيذهب إلى مصر خلال الأسبوع المقبل ، افعلي الأشياء التي يمكنها محو سيئاتكِ من ذاكرتي .
تحرك يغادر وتركها تتأمله وتفكر في كلماته ولأول مرة تقرر التمهل لترى هل تثق فيه أم في حدسها الذي يفحص كلماته .
خطا نحو سيارته بثباتٍ يحسد عليه ، ثباتٍ جعله دومًا كالمحيط الذي لا يدرك أي أحدٍ أعماقه بعد .
انتهت لتوها من تنظيف غرفة معاذ ووقفت تطالعها بأنفاسٍ مجهدة ولكن سعادتها بمجيئ ولد ولدها تفوق أي تعب .
دلف عليها أمجد يتطلع نحو الغرفة المرتبة والتي تليق بحفيده لذا ابتسم برضا واتجه يقف قبالتها ويردف بنبرته المراعية :
- يا علياء لسة أسبوع اعملي براحتك ، بلاش تتعبي نفسك كدة مرة واحدة .
تأملت ملامحه ثم أردفت بنبرة حماسية حنونة :
- كل يوم هنظفها لحد ما ييجي حبيبي ، أخيرًا يا أمجد هشوف ابن ثائر وأخده في حضني أخيرًا .
حاوطها بذراعيه يردف بحب مغلف بالغيرة :
- هو هييجي ياخد الدلع كله ليه ولا إيه ؟ لا لو كدة بقى اكلم ثائر أقوله يخليه عنده ، أنا ماحبكيش تدلعي حد غيري .
ضحكت عليه ووضعت كفها على قلبه تجيبه بحب :
- دا انت كل حاجة حلوة في حياتي ، عقبال ما نجمع أولادنا حوالينا تاني يا أمجد وأشوفهم قاعدين حواليا على سفرة واحدة قبل ما أموت .
ها هي تعود لدرامتها لذا اتخذها ذريعة ليعانقها ويربت على ظهرها بدعمٍ دائم مستطردًا :
- هيحصل إن شاء الله يا حبيبتي ، يالا تعالي نشرب القهوة اللي عملتها .
أومأت له وابتعدا ولكنهما لم يفترقا وتحركا سويًا نحو الخارج كي يرتشفا قهوتهما في شرفتهما كالعادة .
❈-❈-❈
جلس مع مهندس الإلكترونيات في محل عمله ومعهما زينة التي تتحدث مستفسرة :
- يعني يا أستاذ علاء الربح مش هيتفعل من الأول ؟ طيب نعمل إيه علشان ندخل المرحلة دي بسرعة ؟
تحدث المهندس بعملية :
- بصي هو تبع اللي هتدفعوه ، كل ماهتصرفوا على القناة صح كل ما هتديكوا ربح ممتاز ، المهم المحتوى يتشاف .
نظرت إلى كمال بفخر تخبره بنظراتها بأنها فكرت بشكلٍ سليم ليتحدث الأول بتباهٍ :
- بس أنا مش هعمل محتوى مشبوه زي اللي بنشوفهم ، احنا هنقدم حاجة صح الناس تتعلم منها .
مطت زينة شفتيها بضجر ثم تجاهلته ونظرت إلى المهندس متسائلة :
- يعني لو عايزين ندخلها الربح خلال 3 شهور مثلًا هتاخد مننا أد إيه ؟
نظر لهما المهندس ثم رفع نظره يدور حول المكان حتى استقر عند كمال يردف :
- يعني ممكن 100 ألف جنيه ؟
- نــــــــــعــــــــــم .
نطقها كمال وهو ينهض ويفرد كتفيه بغضبٍ ليتوتر المهندس ويستغيث بزينة مردفًا :
- يا فندم ده أقل بكتير جدًا من الربح اللي هتاخدوه لو القناة سمعت ، وبعدين أنا هشتغل لكوا شغل صح .
نظرت زينة إلى كمال نظرة نارية ونطقت بهدوء :
- اقعد يا كمال وخلينا نتفاهم مع أستاذ علاء .
نظر لها بضيق فهو لم يقتنع بعد بفتح هذه القناة لذا نطق :
- اقعد إيه ؟ ده بيقولك 100 ألف ، هو أنا لاقي فلوسي في الشارع ؟
كررت جملتها بنظراتٍ ثاقبة :
- اقعد يا كمال بس مايبقاش خلقك ضيق .
زفر بضيق وجلس حيث أنها كانت مهيمنة فعادت تنظر إلى المهندس وتسترسل بنبرة جدية :
- اسمع يا أستاذ علاء ، اللي معانا 50 ألف بس هتاخدهم وتبدأ شغلك وأنا اوعدك لو القناة سمعت واشتغلت حلو هروق عليك .
- خمسين ألف منين ؟ أنا مش دافع مليم ، مش هشتري سمك في مية أنا .
نطقها كمال الذي لم يعجبه الاتفاق ليتجاهله المهندس بعدما فهم فحوى علاقتهما ونظر إلى زينة يردف :
- وأنا موافق يا مدام ، هبدأ شغل وهتشوفي بنفسك .
أومأت مبتسمة وتنفست بعمق وعقلها يهيئ لها المكاسب التي ستعم عليها وحياة الترف التي ستعيشها ، هي ليست أقل من ديما لتسافر فرنسا وغيرها من الدول ، بل هي أفضل منها وستصبح محط أنظار واهتمام الجميع .
نهض المهندس يغادر على وعد بالاتفاق ليغضب كمال من تجاهلهما له ويردف بضيق :
- أنا مش دافع جنيه يا زينة ، ولا موافق ع الموضوع ده أصلًا .
نظرت له بدلال ونطقت بغنج :
- هتدفع يا كمولتي هتدفع ، اسمع كلامي بس وهتشوف حياتك مع زينة شكلها عامل إزاي .
انعقد لسانه من ردعها وتجهمت ملامحه أكثر حيث لم يعد يستطيع التعبير عما بداخله ولكنه شعر بشيءٍ يقبض عليه إن لم يخرج طاقته لذا بصق كلمة واحدة خوفًا من العواقب :
- شوفت .
❈-❈-❈
ليلًا
تبكي وهي تشاهد التلفاز بعينيها وعقلها في رحلة بعيدة .
لم ترد أن تهاتف عائلتها المكالمة الليلية حيث أنهم سيكتشفون حزنها لذا أرادت أن تنتظر حتى تهدأ ، اليوم تعرضت للقتل مرتين ولا تعلم لِمَ ومن فعلها .
بدأت تندم على مجيئها بالرغم مما حققته خلال فترة قليلة جدًا وآخرها مناظرتها معه التي لاقت جدلًا واسعًا خاصة في بلدها ولكن المقابل كان وحدة واستهدافًا وهي ليست سوى امرأة السلام ، مسالمة لا تحبذ الدخول في أي مشاحنات .
لقد تركت الساحة لتلك الزينة وذاك المسمى بزوجها ونجت بطفليها تجنبًا لأي شجار معهما ، لقد تخلت عن حلمها وكتابها وتقبلت حكم القضاء في بلدها حتى لا تدخل ضمن قائمة المعارضات فقط لأنها مسالمة .
فهل بعد كل هذا تأتي وتواجه خلافات في بلد غريبة لم تستطع عليها صمودًا ؟ لماذا ؟ وهل الدافع يستحق ؟
زفرت بقوة وعادت تجفف دموعها لتفكر بوجهة النظر الأخرى ، رسالتها التي وضعت على عاتقها ، دينها الذي تحاول تبسيطه وتوسيطه للفئة التي تفهمه بشكلٍ آخر أشد عنفًا لا يمت له بصلة وهذا دافع يستحق الصمود ولكن هل هي قادرة على ذلك ؟ هل تمتلك القوة لتواجه ؟
من جهة أخرى طرح القلب أفكاره ، القلب الذي انتظر عقلها أن ينهي صراعه ليعرض عليه شيئًا غير مألوف له ، تشعر أن هناك قوة تحيطها ، رادارًا يحيط بها وينتبه جيدًا عليها منذ أن وطأت قدماها هذه البلد .
قوة غريبة تشعر أنها تمتلكها ولا تراها ، شيئًا غير ملموسٍ أو مرئيٍ ولكنها تستشعره جيدًا .
وقد أتى على سيرته ليعلن هاتفها عن اتصالٍ منه فانتشلته تنظر له بشرودٍ لثوانٍ قبل أن تزفر وتجيب بترقب :
- ألو !
أجابها بنبرة دافئة :
- أنا قدام بيتك ، لو حابة تعرفي إجابات كل الأسئلة اللي بتدور في عقلك دلوقتى خلينا نتكلم ، مستنيكي .
نهضت تدور حول نفسها بتوترٍ من وجوده المفاجئ ثم زفرت بقوة تجيبه :
- تمام .
أغلقت معه ووقفت حائرة تستدل عن هدى ثم قررت أن تسمعه لتستريح لذا اتجهت تبدل ثيابها سريعًا وتخرج إليه .
دقائق قليلة مرت حتى ظهرت أمامه فابتسم لها فتحركت تغلق الباب وتنزل الدرجات القليلة لتواجهه وهي تحتضن معطفها وتحدث :
- ممكن نروح نقعد في المكان اللي كنا اتكلمنا فيه قبل كدة ؟
أومأ وتحرك معها سيرًا يتجهان إلى الحديقة القريبة من برج إيفل .
وصلا وجلسا على نفس المقعد وبينهما بعدًا مناسبًا فتكتفت وانتظرته حتى يتحدث وعيناها لا تلتقيان به فلن تسأله سؤالًا محددًا بل ستتركه يخبرها ما يريد .
سيخبرها عن شيءٍ لا يعرفه الكثيرون عنه ، سيتحدث بعدما التزم الصمت لسنوات ولكنها تستحق .
زفر بقوة يستعد ثم بدأ يوضح بنبرة تحمل بين طياتها أمواجًا من الغموض :
- عيلة ذو الفقار عيلة مصرية أصيلة وخصوصًا عيلتنا ، كلهم شخصيات مرموقة مخلصة جدًا لمصر ، حطت لنفسها حدود صارمة وقررت إنها هتتولى الدفاع بكل شراسة عن البلد ومش هتتقبل أي نقد ، وإن أولادها هيتبعوا نفس النهج ، علشان كدة معظم عيلتي في مناصب هامة في الجيش المصري بس والدي كان نوعًا ما متهاون شويةً معانا أنا وأحمد أخويا ، يعني سابلنا حرية اختيار الكلية المناسبة ، أحمد اختار إدارة الأعمال وأنا اخترت الإعلام ، كنت بحب جدًا المقالات وعندي شغف كبير إني أمشي في سكة لوحدي مش تبع قطيع معين .
تنهيدة حارة صدرت منه ونظر لها نظرة خاطفة ليجدها باتت تطالعه وتوليه كامل انتباهها فهي لم تكن تتوقع أن يسرد لها قصته من بدايتها لهذا تأهبت لتستمع فتابع يعاود النظر أمامه :
- والدتي ست جميلة جدًا وبتحب بلدها جدًا برغم إن جدتها من الأم فرنسية ، كان همها في الحياة إنها تشوفنا مبسوطين ولإن فيه بينها وبين والدي قصة حب عظيمة كان نفسها إن أنا واحمد أخويا نعيش حب زي ده فاختارت لأحمد بنت أخوها لإنها حست إنها بتحبه وده علشان كانت بتتردد علينا كتير جدًا وأحمد وافق لإنه كان منجذب ليها ، إنما أنا ماعرفتش تقنعني بأي بنت سواء من داخل العيلة أو خارجها ، كنت عنيد جدًا ورافض إن حد يفرض عليا أي حاجة حتى لو كانت أمي وكنت مستني أقابل البنت اللي هحبها وهختارها بنفسي .
صمت لهنيهة يتذكر السنوات كأنها أمس واستطرد بملامحه الباردة :
- دخلت إعلام زي مانا عايز برغم الاعتراضات اللي من العيلة واتخرجت وبنفوذ من تحت الترابيزة اتعينت في مجلة مرموقة جدًا وفعلًا ألفت عدة كتب كانت هادية إلى حدٍ ما وبعدها بدأت العيلة تطلب مني مقالات معينة كهجوم على الأراء اللي مش على هواهم واللي شايفين أنها لازم تتردع ، نظام ديكتاتوري ضد أي حد ممكن يتكلم وده بالنسبالي مش الحل لإنه بيزود فجوة الغضب بس بدل ما بيكون غضب معلن بيكون غضب مكبوت وانا بشوف إنه أخطر بكتير ، علشان كدة قررت استغل اسم عيلتي وأعبر عن أفكاري بحرية واتكلم بوجهة نظري اللي مش هتعجب العيلة أبدًا ، وبدأت فعلًا أول مقال وعبرت عن رأيي الشخصي وإن لازم يكون في انسجام وثقة بين الشعب والجهات المعنية وإن ده هيولد طاقة دفاع وقت أي أزمة ، ومن هنا بدأ الانفجار .
تنبهت كل حواسها وتباطأت أنفاسها وهي تستمع له وهو يكمل :
- المقال سمّع جدًا ولقى إعجاب كبير جدًا من الناس والشباب وهنا كان أول حد هاجمني هي عيلتي ، عاملوني على إني خاين ، اتهاجمت من وسائل الإعلام واترفع عليا بدل القضية اتنين وتلاتة وعشرة من محامين كانوا منتظرين وقوعي ، ولما ظهرلي ناس كتير تدافع عني وبدأ يبقالي شعبية كبيرة فجأة ظهرت بنت في الصحافة وقالت إني حاولت اعتدي عليها ودليلها مكالمات ورسايل مني ليها كلها كدب .
- وعيلتك ؟
تساءلت بها بنبرة متحشرجة نسبةً لصمتها ومقلتين حزينتين على ما مر به فهي تشعر به جيدًا ليبتسم بألم ويجيبها بشرود :
- حاولوا يدافعوا عني لانهم عارفين أخلاقي كويس في النقطة دي بس ظهرت بنت خالي وسط العيلة واللي كانت اتجوزت أخويا وقالت أن كلام البنت دي صحيح لأني فعلًا حاولت اتقرب منها كذا مرة ، كان صعب أتوقع إنها تتهمني بحاجة زي دي وسط العيلة وخصوصًا أحمد أخويا بس فهمت بعدها هي قالت كدة ليه ، كان مستحيل أقدر أتكلم وأجرح أخويا وأقول إنها كانت بتحبني وانجبرت عليه وجتلها الفرصة تنتقم لأني كنت دايمًا رافضها ، كان لازم أمشي من البلد اللي اتظلمت فيها ظلم كبير جدًا ، واتفاجئت بعدها بمجرد ما وصلت فرنسا إني اتمنعت من دخولها تاني ، بلدي اللي بعشق ترابها حرمتني منها .
التفت يحدق بها ليجد دموعها معلقة لذا ابتسم بألم وتساءل :
- تفتكري لو حد مكاني ممكن يعمل إيه ؟
بادلته معركة النظرات المؤلمة لا تعلم بماذا تجيبه فهي عاشت ما عاشه وتدركه ولكن ما تعرضت له أقل مما تعرض له هو لذا لن تحكم ليبتسم ويلتفت بنظراته للبعيد مستطردًا :
- عارف إن مافيش عندك إجابة ، وأنا مش عايز إجابة بس كان لازم أعرفك إني واثق فيكي لإنك بتفكريني بنفسي ، كل ما ببصلك بشوف فيكِ ثائر اللي جوايا واللي محدش يعرفه ولا حد فاهمه .
عاد يلتفت لها وبعينين بهما بريق القمر وأضواء عاصمة العشق قال :
- عايزة تعرفي أنا مين وبعمل معاكي كدة ليه ؟
هجوم مسلح بمشاعر التوتر والرهبة والقلق تساءلت بمقلتيها بعدما عجز لسانها عن النطق ليجيبها بثباتٍ صادق :
- لأني بحبك .
عجزت عن استيعاب هذه الكلمة ، أي حب ؟ هل يقصد هذا الذي يتراقص في عينيه أم يسكن نبرته الدافئة ؟ سمعتها من قبل ولكن لم تشعر بها طوال سنواتها سوى الآن لذا احتلها الخوف احتلالًا جعلها تستنكر وتهز رأسها رفضًا لأي حب ولكنه تابع متقبلًا جميع حالاتها وردود أفعالها :
- من أول كومنت كتبتيه ليا وحذفته بعد ما سجلته هنا .
قالها وهو يشير بإصبعه على عقله ويتابع :
- فيكي حاجة غريبة قدرت تجتاز المسافات وتوصلني بس منعني عنك إني لقيتك متجوزة وقلت استوب ، لحد ما كتبتيلي كلمة خاين ، وقتها حسيت إني محتاج أشوفك ونتكلم ، أحكيلك وتحكيلي بس الأمر أشبه بالمستحيل لكن بعد الترتيبات دي كلها والقدر اللي رتب بإننا نتقابل كان لازم أقرر فورًا أعرض عليكي العمل معايا واسيبك تقرري وقلت وقتها إن النصيب اللي جمعني بيكِ في الشارقة أكيد هيكون ليه ترتيبات تانية .
شفتيها باتت ترتعشان بعدما فقد جسدها السيطرة على ثباته أمام سطوة هذه الكلمات ، لقد ظنت أنه لن يلاحظها قط ، تعليقاتها ستذهب هباءً منثورًا وشيئًا من المستحيل جعلها توقن أنه لن يهتم لذا فهي تستمع إليه بذهولٍ تام غطى ملامحها ليتابع موضحًا صفحات كتابه واحدًا تلو الآخر :
- كان لازم اقنعك تيجي وعلشان عقلك مايدورش الأمور غلط كل اللي قولته عن الشغل كان حقيقي جدًا ، تحديكِ علشان تثبتي أفكارك حقيقي ، المناظرة اللي حصلت بينا واللي خلت ناس كتير تبحث ورا كلامك ده كان هدف مهم إنك تبقي هنا ، وآخر حاجة المحاولات اللي استهدفتك النهاردة دي هنعتبرها إنها دليل على تأثيرك .
زوت ما بين حاجبيها وتخلت عن كل ما قاله سوى جملته الأخيرة وكأنها تعلقت بها كذريعة لتهرب من الحالة التي حاوطها بها تحت وطأة حبٍ لا تدركه لذا تساءلت بتحشرجة خافتة :
- يعني إيه ؟
ابتسم على هروبها الواضح له ليومئ مجيبًا على استفسارها :
- فيه مقولة بتقول لو لم يكن لك عدوًا فاصنعه بنفسك ، الإنسان كل ما كان مؤثر كل ما هيلاقي ليه أعداء كتير ، سواءً بقى التأثير ده سلبي أو إيجابي ، وأظن إنك عارفة كويس إنتِ مؤثرة بأي اتجاه لإن مافيش جدال بين الصح والخطأ .
تنفست بقوة فتضخمت رئتيها ورفعت كفيها تمسح عن وجهها لتعطي لنفسها استراحة محارب من كل ما سمعته ، لا تصدق أنه اعترف وسرد لها كل هذا وظل على ثباته ، إنها تشعر بالتشتت والحيرة .
عادت تنظر له مستكملة دور التجاهل حيث أردفت :
- يعني من البداية خالص كل حاجة مترتبة عندك ، علشان كدة وقت المناظرة اديتني مساحتي أعبر ووقتها كنت مستغربة جدًا بس دلوقتي فهمت .
لم يحب أن يستمر هروبها لذا أردف ضاغطًا على أحرفه بنبرة ثاقبة ونظرة راشقة :
- لإني بحبك .
تهاوى قلبها أرضًا وعادت تهز رأسها والتمعت عينيها غير قادرة على تحمل هذا الاعتراف لتجيبه بحزنٍ أهلك طاقتها :
- مش هينفع ، مش هينفع بأي شكل ، أنا ماعنديش أي مشاعر أقدمها لأي حد غير ولادي ، أرجوك سيبني زي ما أنا لأني مكتفية بيهم عن أي شيء تاني .
ود لو عانقها الآن ، ود لو طمأنها لأنه رأى في عينيها خوفًا لا يحب أن يراه لذا أردف بجسارة يواجه خوفها :
- أنا عارف إن القصة اللي كتبتيها دي قصتك إنتِ .
توالت الصدمات ورسمت خريطتها على تقاسيم وجهها ليومئ مسترسلًا كطبيب يلئم جراحًا دون تخدير :
- كل الوجع والانتقادات والاتهامات والغدر وأخرهم الخيانة كل دي حاجات واجهتك إنتِ ، إنتِ هي البطلة الحقيقية .
لم تعد تحتمل التئام جروحها هكذا دون تخدير لذا هبت واقفة تقطع خيطه وتهز رأسها مجيبة بدموعٍ سالت على وجنتيها :
- علشان كدة لو سمحت سيبني في حالي ، أنا ماعنديش أي مشاعر لأي حد ، أنا اتأذيت جدًا من جوايا علشان كدة لو سمحت خليك بعيد عني .
التفتت تغادر بل تركض ببكاء غلف مقلتيها وتركته جالسًا يتابعها ويعلم أنها ستتعافى شيئًا فشيئًا ، لن يحل وثاقه من حولها وسيداوي جراحًا ليس له يدًا فيها ولكن له قلبًا بات مسؤولًا عنها .
يتبع...
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا