القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية بحر ثائر الفصل الرابع وعشرون 24بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)

 

رواية بحر ثائر الفصل الرابع وعشرون 24بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)





رواية بحر ثائر الفصل الرابع وعشرون 24بقلم أية العربي (حصرية وجديده في مدونة قصر الروايات)






أحتار... 



كيف إذا ابتسمتِ تكونين بهذا الجمال 



و كيف إذا عبستِ يصيب قلبي هذا الدمار



وكيف إذا نظرتِ صوّبت سهما، وأصاب ذاك السهم قلبي



وإذا خجلتِ اصطاد ذاك الخجل قلبي.. ووقع  قلبي 



أحتار  من أين لعينيك... 



تلك السلطة على قلبي.... 



لَعَلِّي أحبكِ... 



أَيا امرأة ثار لأجلها قلبي



وعليّ أنا تمردا.....



( بقلم فيروزة  ) 



❈-❈-❈



جالسة بين الصغيرين ومنال ودينا تشعر أنها تنتمي إليهم  ،  الحياة هنا بها كمًا فائضًا من السكينة التي تفتقدها  . 



الصغيران يلعبان ويركضان ومنال تحضر الطعام والمشروبات بين الفينة والأخرى ودينا تجلس تتحدث معها عن لوتشو ووالدته  . 



أجواء هي بحاجة إليها عوضًا عن الذهاب إلى معالجٍ نفسي يعالج اكتئابها ووحدتها  . 



مشاعرها التي رفضت خلودهم إلى النوم  ، شعرت بالضيق حينما أمرت منال الصغيران بالتوجه نحو غرفتهما والنوم بعد روتينهما اليومي المعتاد والذي يتميز بالجزء الديني حتى اعتادا عليه  .



نهضت دينا بعد ذلك تزفر بقوة فرأي بسمة يتعارض مع أحلامها  ، أخبرتها أن تختار بقلبها لذا نظرت لهما وأردف  :



- تصبحوا على خير  ، أنا هدخل أنام علشان هروح الشغل بدري  .



ودعاها فدلفت غرفتها مع الصغيرين واتجهت منال تجلس بجانب بسمة وتبتسم لها متسائلة باهتمام  :



- اعملك كوباية شاي وساندوتش  ؟



اتسعت حدقتا بسمة وأجابتها بملامح مصدومة واضعة راحتها على معدتها :



-  ساندوتش إيه يا خالتو  ،  مافيش أي مكان خلاص دانا أكلت أكل أسبوع قدام  . 



ابتسمت منال بتباهٍ وأجابها بنبرة ودودة  : 



- أهو الأكل ده البت دينا بتاكله في تلت دقايق ومش بيبان عليها  ،  بتحب الشوكولاتا أد عينيها ونقطة ضعفها الحلويات  . 



رفعت كفيها تلوح بهما قائلة برفضٍ قاطع  : 



- لالالا حلويات إيه  !  مش بحبها خالص  . 



تعجبت منال مما تسمعه وقالت بتهكم مبطن بالحنان  : 



- شكلك هتتعبيني وهكلم داغر هو اللي يجيلك يأكلك  . 



( نعم يا خالتو فلتناديه وسأتناول الشهد منه  ) هكذا تحدث لسان حالها لذا تحمحمت بتوتر وأجابتها بابتسامة هادئة  : 



- لاء بجد يا خالتو مش هقدر آكل فوق طاقتي  ،  وبعدين أنا مش رفيعة يعني للدرجادي  . 



قالتها بترقب لعل منال تحدثت عن داغر قليلًا لتبتسم الثانية وتجيبها  : 



- إنتِ كلك على بعضك بطاية  . 



- هو إيه حكاية بطاية دي يا خالتو  ؟ 



تساءلت بها حينما سنحت الفرصة التي خلقتها هي لتجيبها منال بزفرة قوية معربة عن جزء من مشاعر ابنها  : 



- دي كلمة داغر ابني  ،  كل ما كنا نقوله هتتجوز امتى يقول مش عايز  ،  طب يابني اخطب يقول لاء  ،  أصل من كتر تعلقه بديما كان نفسه ربنا يبعتله واحدة زيها  ،  طيبة وعاقلة وبتوزن الأمور صح وكان مطلع عليها الاسم ده علشان طول عمرها جميلة وعودها ملفوف كدة على عكس عود القصب اللي جوة  ،  المهم انه لحد دلوقتي مش راضي يخطب غير بنت تكون شبه ديما  . 



توترت نظرتها بعدما كانت تستمع مبتسمة وتساءلت بشكٍ  : 



- مش راضي  !  بس هو قالي إن فيه مشروع خطوبة فعلًا  . 



أفشت سره حينما هتفت  : 



- كداب  ،  ولا مشروع خطوبة ولا حاجة هو كان جه عليه يومين فضل يقول هخطب هخطب وتحسيه عايز يهرب من حاجة وانا واخواته وصالح فضلنا نكلمه ونحاول نفهم منه اللي حصل وهو مافيش  ،  عيبه إنه مش بيحكي أبدًا  ،  دايما مايحبش يشيل حد همومه  . 



لا تعلم هل تقبل منال أم تعانقها ولكنها تستطيع أن تفتح قفصها الصدري لنسمات الهواء  ،  تنهيدة ارتياح عبرت إلى فؤادها فانتعش لذا ابتسمت واسترسلت وهي تتثاءب  : 



- طيب يا خالتو أنا هقوم أنام بقى معلش والصبح نكمل كلامنا  . 



أومأت منال ونطقت وهي تشير لها نحو غرفة داغر  : 



- قومي يا حبيبتي أنا جهزتلك سرير داغر وغيرتلك الملايات ،  نامي وارتاحي والصبح نتكلم  . 



( هل سأنام على سريره أيضًا  ؟  هل تتعمدين فعل هذه الحركات يا خالتي  ؟)  



حدثت نفسها بهذه الكلمات مجددًا قبل أن تومئ بهدوء وتنطق شاكرةً بحرجٍ  : 



- شكرًا يا خالتو تعبتك معايا  . 



تحركت بعدها نحو غرفته ودلفت تغلق الباب خلفها وللحظة تخيلت أنها زوجته وأنه أمامها لذا ابتسمت كأنه يراها  . 



نظرت حولها ثم اتجهت للفراش وجلست تتحسسه بكفها ومرت على عقلها كلمات منال  ،  ما السبب الذي جعله يتخذ قرارًا كهذا  ؟  هل حدث ما تتوقعه  ؟  يجب أن تعلم ولكن كيف  ؟ 



مهما بلغت جسارتها لن تبادر بالاعتراف بمشاعرها مطلقًا


 ،  لن تتخذ خطوةً كهذه إلا حينما يعترف هو أولًا  . 



نظرت حول رفٍ يضع عليه أغراضه الشخصية فنهضت تتجه إليه والتقطت الفرشاة الخاصة به ونظرت لها بحبٍ يسكن أضلعها بعدما فاض به القلب  ،  لا تعلم متى اجتمع داخلها هذا القدر من الحب له ولكنها تعلم أنه يستحق  ،  برغم أنه يصغرها إلا أن صفاته الرجولية جعلته كعملة نادرة وسط عملات يتم تداولها بسهولة  . 



وضعت الفرشاة وامتدت يدها نحو عبوة كريم الشعر وفتحتها ترفعها إلى أنفها  ،  هي نفس الرائحة التي تشمها حينما يميل ويتحدث إليها  ،  حتى خصلاته مميزة مثله  . 



أغلقتها ووضعتها مكانها ثم انتشلت زجاجة عطره ورفعتها تشمها وتزفر بقوة قبل أن تقرر الابتعاد  ،  لا تعلم هل هي تبتعد عن شخصيتها العملية أم أنها تقترب من شخصيتها الحقيقية دون أن تدري  . 



تعجبت حينما تذكرت بأنه لم يأخذ أغراضه معه  !  ماذا سيفعل من دونهم  ؟ 



هزت رأسها على أفكارها المراهقة ثم قررت التسطح والنوم متنعمة بدفء الفراش كأنه لم يتركه  . 




❈-❈-❈



وصلت إلى منزلها ودلفت تغلقه واتجهت ترتد على الأريكة وتنظر للأمام وتعيد تشغيل حفلة كلماته في ساحة عقلها . 



لم تتذوق طعم الحب ، لم تتعرف على كنهه ولكن ربما هناك أوقاتًا شعرت فيها بالراحة والطمأنينة والاحتواء كأن أحدهم يعانقها كمثل وقتها حينما كانت تقرأ كتبه .



نهرت نفسها سريعًا على تذكرها لهذا ، لقد أتت إلى هنا لهدفٍ مُعين لا يمكنها تغييره وإلا فيجب عليها العودة ، نعم العودة هو القرار السليم فهو خطط ودبر لكل هذا . 



أي عودة ؟ ماذا عن الحكم القضائي ضد كتابها ؟ ماذا عن فرصة العمل التي لن تجدها في بلدها ؟ ماذا عن المقابل المادي الذي تجنيه كل شهر وترسل منه الجزء الأكبر لطفليها ؟ 



صراعات جعلت الدوار يزورها لذا وضعت كفيها تحيط عقلها وتناجي ربها مرددة بهمس : 



- ‏يارب افتح عليَّ فتحًا يُذهلني اتساعه، وأنر بصيرتي باﻷسباب والحكمة ما يملؤني قناعة، وارضَ عني رِضًا لا أشقى بعده أبدًا، وامنُن عليّ بِقرَّة عينٍ غير منقطعة، وبقلبٍ سليم وفكرٍ رحيم وكامل التسليم لكل أقدارك .



تنفست بعمقٍ وقررت أن تهاتف طفليها فهي في أمس الحاجة لرؤيتهما والتحدث إليهما الآن . 



❈-❈-❈



تمدد على الفراش في منزل صالح سابحًا في أفكاره  ،  هو ليس ساذجًا وبرغم عدم إنكار سعادته لوجودها في منزله إلا أنه يتساءل عن السبب  . 



عهدها ليست متطفلة وليست اندفاعية  ،  عهدها حكيمة في قراراتها ولكنه لم يستوعب سبب هجومها الكاسح عليه اليوم بسطوتها وطلتها وملامحها التي اشتاق إليها  . 



وبرغم قناعاته الداخلية بأنها تبادله المشاعر إلا أن أصوات الأرق تلقي أفكارها على عقله فتخبره أنها تعتبره صديقًا وتستريح مع عائلته  ،  مشاعر الراحة فقط وليس إلا  . 



زفر بقوة ونظر للجهة المقابلة حيث ينام صالح بعمق لذا همس داخله بخفوت  : 



- يابختك يا عم صالح  ،  بلا حب بلا وجع قلب  . 



قالها وابتسم على حاله ثم التفت يرفع الغطاء عليه وينام بعدما قرر إقصاء فكرة الخطبة التي كان ينويها  ،  لن يفعلها وسينتظر لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا  . 



غفا وهو يظن أن صالح لم تلمسه شرارة الحب ولا يعلم أنه يعيش حلمًا مع خاطفة فؤاده  ،  حلمًا نسجه عقله الباطن ليسعد قليلًا ويتمنى أن يتحقق يومًا  . 




❈-❈-❈



في الصباح



تتسطح على الفراش وعقلها يدور حول كلماته ، منذ أن استيقظت وهي هكذا لا تفعل شيء ، حتى أنها تفكر ألا تذهب للعمل اليوم ، فكيف ستذهب وتنظر في عينيه بعد اعترافه هذا ! 



تحتاج لقوة هي لا تمتلكها ، دومًا نقطة ضعفها هي عاطفتها ، مشاعرها التي تنتمي إلى الحنان والليونة وكأنه اكتشف هذه النقطة وتآمر عليها . 



ليس من السهل عليها الوقوع في الحب حتى وإن طالبها قلبها بذلك بل يجب عليها بعد تجربتها أن تُحكّم العقل ولا شيئًا سواه  ، والعقل هنا يحذرها بألا تفعل . 



تنهيدة حارة صدرت منها وتقلبت للجهة اليمنى تتذكر محاولات قتلها ، هل سيحاولون مجددًا ؟ هل هذه هي حرية الرأي التي تتكفل بها البلاد الغربية للجميع ؟ 



مازال صراع عقلها قائمًا لذا همست بتضرع : 



- ربي وكلتك أمري وأنت خير وكيل ، اللهم دبره كما تشاء فإني لا أحسن التدبير . 



جاءها اتصالًا منه فالتقطت هاتفها تنظر له ولم تجب سريعًا بل ظلت تحدق في اسمه ، كلما دعت بدعاءٍ أو فكرت فيه يهاتفها ! 



أجابت بنبرة جادة يغتالها التوتر : 



- صباح الخير يا أستاذ ثائر . 



ظنت أن نبرته ستختلف ولكنه نطق برسمية مفرطة : 



- ماجتيش المجلة ليه يا أستاذة ديما ؟ 



تعجبت قليلًا من رسميته في السؤال لتجيبه مبررة : 



- معلش يمكن ماقدرش آجي النهاردة ، تعبانة شوية . 



أجابها دون نقاش : 



- للأسف ماينفعش ، لازم تيجي ، فيه مقالات مهمة لازم تنزليها ، ساعة بالكتير وتكوني في المجلة . 



انزعجت من نبرته واعتدلت تجلس لتجيبه بنزق : 



- عادي أنا ممكن أنزل المقالات وأنا هنا . 



أجابها ساخرًا بغلاف جاد : 



- مهو بردو ممكن تنزليها وأنتِ في مصر بس للأسف الأوبشن ده مش متاح عندنا . 



استفزها بكلامه لتجيبه بتساؤل : 



- هو ممكن فعلًا أنزّل وأنا في مصر ؟ 



أدرك أنها تفكر جديًا في الهرب منه لذا أجابها قاطعًا آمالها : 



- راجعي العقد بتاعك يا أستاذة ديما ، لازم تستمري في المجلة 6 شهور على أقل تقدير علشان نقدر نثق في أدائك وبعدها ممكن تباشري العمل من أي مكان . 



زفرت بإحباط فهي تتذكر هذا الشرط وهو بقاؤها هنا لمدة ستة أشهر ، استرسل بصرامة مبطنة بحنانٍ لم تدركه بعد : 



- الساعة بتقل ، مستنيكي وخدي بالك كويس وإنتِ جاية . 



أغلق وتركها في حيرتها لتقرر بعدها النهوض والذهاب إلى العمل ، حسنًا رفع من على عاتقها حمل مقابلته خاصةً بعد نبرته الجادة التي تحدث بها ، يبدو أنه يعاني من انفصام  . 



لا يهم  ،  ما يهمها الآن هو التعامل بهذه الرسمية 




❈-❈-❈



طرق الباب وانتظر لتفتح له إحداهن ولم يفتح بمفتاحه احترامًا لوجودها  . 



ولكنه لم يكن يتوقع أن تفتح له بنفسها لذا توقف متصنمًا يطالعها لثوانٍ ولسان حاله يردد  : 



( عقبال ما تفتحي لي باب شقتنا  ) 



توترت من نظراته ولكنها تجاوزت توترها وأفسحت له المجال قائلة  : 



- اتفضل  . 



- يزيد فضلك يا بنت الأكابر  . 



دلف يتحمحم لتسرع إليه رؤية وتعانق ساقه كعادتها فبادلها وربت على كتفها فتساءلت بتلقائية  :



- داغل إنت كنت فين  ؟ وليه خالتو بسمة نامت في أوضتك  ؟



نظر لها ولم يجب حينما قابلته منال مبتسمة وهي تحمل أطباق الطعام قاصدة المائدة مردفة  : 



- حماتك بتحبك يا داغر  ،  يالا علشان تفطر  . 



- الله يرحمها يا ماما  . 



نطقها داغر بتلقائية كأن قلبه بات مسؤولًا عن تحريك لسانه منذ أن رآها لذا التفتت تطالعه بعينين متسائلتين فتهرب منها بعينيه واتجه مع الصغيرة يجلس على المائدة وتساءل باهتمام  : 



- أومال دينا فين ومالك  ؟ 



أجابته بسمة وهي تقف أمامه على الجهة الأخرى  : 



- دينا لسة نايمة ومالك بيغير هدومه جوة  . 



أحب اندماجها مع عائلته بهذه السرعة  ،  أحب استقبالها وإجابتها على أسئلته كأنها منهن وهذا ما يريده  ،  ليت هذا الثراء لم يكن له وجود لكانت الآن زوجته فلم يعد فارق السن عائقًا بينهما  ،  حتى أنه يراها تصغره بأعوام  ،  يرى أنه المسؤول عنها ولكن  ...  تبقى ثروتها هي العائق بينهما  . 



أومأ وأجابها وعلى ثغره ابتسامة ملفتة  : 



- ده العادي بتاع دينا  ،  خلوها نايمة أنا أصلًا مابقتش عايزها تروح الشركة دي  . 



جلست مقابله تردف بترقب  : 



- أنا كنت بفكر اعرض على دينا تشتغل معايا في الشركة  ،  إيه رأيك ؟ 



انكمشت ملامحه بضيق مصدره عائلتها وتساءل  : 



- تشتغل معاكي  ؟  هتشتغل معاكي إيه وهي تخصص صيني  ؟  



هزت كتفيها حينما لاحظت انزعاجه تجيبه  : 



- وإيه يعني ما الشركة كبيرة وأكيد لينا تعاملات كتير مع الصين  . 



زفر يومئ وأنب نفسه على انزعاجه أمامها ولكنه لا يريد لشقيقته أن تعمل عند تلك العائلة التي لا تفكر سوى بالمال فقط  . 



خرجت دينا من غرفتها تتساءل بملامح ناعسة بعدما استمعت لحديثهما  : 



- أنا مش هسيب الشركة أصلًا  ،  صباح الخير  . 



هز داغر رأسه من عنادها بينما أجابتها بسمة بهدوء قررت الالتزام به  : 



- صباح النور  . 



دقائق والتفوا جميعهم حول المائدة يتناولون الفطور ولأول مرة يشعر داغر بأنه يريد تناول كل شيء برغم إحساسه بالشبع  ،  شعورًا متناقضًا ولكنه ممتع في حضرتها  ،  ليتها تظل هنا إلى الأبد  ،  ليت عائلتها تتركها له وتأخذ كل شيء  . 



ليت هذا الأسبوع لا ينتهي أبدًا  .




بعد مرور  أسبوعٍ 



عاد من المطار بعدما أوصل ابنه معاذ الذي سافر إلى مصر ، شيئًا ما داخله يشعر بالراحة والطمأنينة ،  الآن يمكنه التحرك بحرية أكبر ، الآن يمكنه تأمينها بشكلٍ أكبر . 



طوال الأسبوع يتعامل معها بجدية لأنه يعلم هويتها جيدًا ، يدرك أنها رأت كثيرًا وعانت كثيرًا  ،  يدرك أنها آيلة للسقوط ولن تثق بسهولة ولن تقنعها التصرفات العاطفية . 



هي تحتاج إلى ترميم يعيد لها الثقة  ،  تحتاج لوقتٍ وهو يعطيها ما تحتاجه بصبرٍ ظاهري ولكن قلبه يشتاق ، يشتاق لها بشكلٍ يعجز الاشتياق عن تفسيره . 



ليست مجرد امرأة تركت أثرًا في حياته ، إنها تمثل له العودة ، الوطن ، السلام النفسي من أمورٍ شتى ، تمثل له الجائزة الكبرى في كل تحدياته على مدار سنوات  ،  من كل لحظة معاناة وألم عاشهما ولم يستطع إلا أن يتظاهر بالثبات  ،  إنها تمثل الدواء الذي بحث عنه ليعالج جراحه  ،  إنها حقًا امرأة السلام . 



يريد احتضانها واحتواءها وأن تميل روحه عليها ، اثنان وأربعون عامًا يعاني من وحدة القلب الباردة والآن بات يشعر بدفئها يقترب منه  ، يشعر أنها تنتمي إليه خاصة بعدما علم عنها كل شيء  . 



توقف بسيارته جانبًا ثم قرر مهاتفها ، أجابته بترقب فأردف بنبرة مشتاقة لم يعد يستيطع إخفاءها : 



- ينفع أشوفك ؟ معاذ سافر حالًا ، إيه رأيك لو نتقابل بليل في مكاننا ؟ 



مكاننا ؟ أي مكان ؟ هل جُن هذا ؟ ألم يعاملها برسمية طوال أسبوع لدرجة أنها ظنت بأنه حينما اعترف بحبه كان يتعاطى شيئًا ما ؟ حقًا لم تعد تفهمه لذا أجابته بفتور : 



- مكاننا ؟ أستاذ ثائر النهاردة يوم أجازتي وبحب أقضيه في البيت . 



تساءل باهتمام : 



- بتعملي إيه طول الوقت ده لوحدك ؟ 



يبدو أنه يريد التحدث لذا تحركت تباشر صناعة قالب الكيك وأردفت بهدوء : 



- بكلم ولادي وبقرأ وبكتب وبطبخ ، وحاليًا بعمل كيكة بالتفاح . 



هل سيحدث شيئًا إن ذهب إليها الآن ومكث معها ؟ إن وقف يعد معها كعكتها ويضمها ؟ إن احتضنها وقرأ لها بدلًا من أن تجهد عينيها في القراءة ؟ إن شاركها مكالمة طفليها وشاركته مكالمة طفله ؟ 



تنهيدة قوية معبأة بالأمنيات خرجت من صدره فتوغلت إليها فوترتها ليستطرد بهدوء ملغم بالحب والحنين : 



- هتاكليها لوحدك ؟ أنا بحبها على فكرة . 



إنه ماكر يبتزها عاطفيًا لذا أردفت تواري عاطفتها  : 



- بسيطة بكرة إن شاء الله هجبلك تدوق في المجلة . 



زفر بإحباط ليصمت قليلًا وحينما طال صمتها قال بنبرة هادئة يتوغلها الإحباط : 



- تمام يا ديما ، أشوفك بكرة . 



انزعج ولكنه جليدي لذا تحرك يكمل قيادته نحو منزله وليتسلى بطرقه الخبيثة . 



❈-❈-❈



هي من قالت أنها لن تترك الشركة وهي الآن التي اتخدت قرار الاستقالة  . 



طوال الأسبوع وهي تفكر في كلام ميتاي الذي اخترق هدوءها وأعاد رشدها إلى صوابه  ،  كانت ستظلم نفسها وتظلم معها لوتشو الذي أحبها وترى ذلك في تصرفاته  . 



كانت ستقحم نفسها في زيجة وبين عائلة لا تعلم عنها شيئًا ومن الواضح لها أنه يتبع قرارات تلك العائلة لذا قررت أن ترفض عرضه وتقدم استقالتها  . 



حزينة جدًا لأنها تحب عملها هنا ولكن هذا هو الحل المناسب بعد أيام من التفكير  ،  ستقبل بعرض بسمة وتعمل معها  . 




طرقت الباب فسمح لها لذا تحركت للداخل بملامحها الهادئة وعينيها الحزينة التي لم تصل إليها ابتسامتها  ،  رآها فانفرجت أساريره وأردف بترحاب  : 



- مرحبًا أيتها الجميلة  ،  هل جئتِ لتريني  ؟ 



ازدردت ريقها وتابعت حتى وقفت أمامه ثم مدت يدها تناوله ورقةً تعجب وهو يلتقطها منها وتساءل  : 



- ما هذه  ؟ 



- استقالتي  . 



نطقتها مباشرةً بنبرة عملية اعتادت عليها فتجمد يحدق بها فتركت له الورقة وأسدلت ذراعيها جوارها تنتظر أن تنتهي صدمته ولكنها لم تنتهِ بل تساءل بقلبٍ منقبض  : 



- السبب  ؟



توترت ففركت أصابعها وهي تجيبه بعيون متأرجحة بينه وبين الأرض  : 



- كدة أفضل يا لوتشو  ،  أنا فهمت إننا مختلفين تمامًا عن بعض  ،  والدتك كان معاها حق  ، أنا مش هعرف اتأقلم مع عاداتكوا  ،  سامحني  . 



لا لن يسامحها  ،  ليس بعدما استهدفت قلبه  ،  ليس بعدما تعلق بها  ،  ليس بعدما أقنعته بتفهم لم يستشعره ولكنه أرغم نفسه على تصديقه  . 



هز رأسه رافضًا يجيبها  : 



- لن أقبلها دينا  ،  سأعتبر أن مقابلة والدتي هي السبب في هذا القرار المتسرع وسأتفهم خوفكِ ولكن دعيني أخبركِ أنني صاحب القرار الأول والأخير في حياتي  ،  فكري جيدًا دينا ولا داعي للتسرع  . 



وقفت أمامه عاجزة متأرجحة بين رفضٍ وخوف  ،  يقيدها بنظراته التي لم ترَ التصميم بهما مثلما هو الآن  . 



رفع الورقة أمامها ثم قام بشقها إلى نصفين ثم أربع ووضعها على مكتبه يسترسل بثباتٍ جعله يبدو مهيمنًا على غير عادة  : 



- أنا لن أترككِ دينا  ،  أنا أحبك ووالدتي تعلم ذلك جيدًا وستتفهم  . 



تجمدت من نبرته وحدقت به لثوانٍ لتجده ينهض ويتجه نحوها ليقف أمامها ويستطرد وهو يتكتف وعلى محياه ابتسامة هادئة  : 



- اذهبي إلى المنزل واستريحي اليوم وغدًا خذي لي موعدًا مع شقيقك  ،  سآتي أنا ووالدتي لنطلب يدكِ بشكلٍ رسمي  . 



تساءلت تتعلق بذريعتها فنطقت بتوترٍ بالغ  : 



- داغر مش موافق  . 



- سأقنعه لا تقلقي  ،  في النهاية ستكونين لي  . 



نطقها بتأكيد واتسعت ابتسامته فتهاوى قلبها بشكلٍ لا تدركه لذا حاولت أن تغادر فترجت قدميها أن تتحركا وبالفعل تحركت تردف  : 



- عن إذنك  . 



غادرت بعدها وتركته يقف يتتبع أثرها  ،  سيفعل المستحيل ليحصل عليها ولن يجعل والدته تتدخل في شؤونه هذه المرة  ،  ليس بعدما وجدها  . 




❈-❈-❈



أنهت ترتيب الطابق الأرضي لمنزلها فهي منذ أن وطأت قدماها البيت لم تكتشف ولم تصعد إلى الطابق العلوى أبدًا كأنها تخشاه ، اتجهت تقطع الكيك بعد أن تركته يبرد ثم وضعت نصفه في علبة بلاستيكية ثم أحضرت كيسًا ورقيًا ووضعته به واتجهت نحو غرفتها ترتدي معطفها وحجابها لتقرر الذهاب إليه وإعطائه الكيك ليتناوله طازجًا أفضل . 



خرجت من المنزل وخطت في شارعها ثم انعطفت من شارع جانبي لتصل إلى شارعه . 



دقيقة أو اثنتين حتى وقفت أمام منزله ، أخبرها أنه يقطن خلفها مباشرةً فهل هذا هو ؟ 



تنفست حتى تضخمت رئتيها ثم تحركت نحو الباب تطرقه بتوترٍ وحذر خشية من ظهور شخصٍ آخر . 



حينما فتح الباب وظهر أمامها ناقضت نفسها وتمنت لو أنها رأت شخصًا غيره فقد كان يقف قبالتها يرتدي سروالًا وتي شيرت رياضي أظهر عضلاته عن قرب ، رأته وهو يمارس الملاكمة ولكنه الآن قريبًا جدًا ، وشمه ظاهرًا أمام عينيها بوضوح لذا تسلطت عليه تحاول استكشاف ماهيته لتتفاجأ به يقترب منها كأنه يسمح لها باستكشافه فتوترت ورفعت عينيها تطالعه بحذرٍ ألا يقترب أكثر ثم أردفت وهي تناوله الكيس : 



- اتفضل ، قلت تاكلها طازة أفضل . 



التقطه منها يبتسم ثم أجابها : 



- تعرفي إني كنت جعان فعلًا ، اتفضلي نشرب قهوة ! 



باغتته بنظرة محذرة وهزت رأسها تجيبه بجدية : 



- شكراً ، عن اذنك . 



التفتت تغادر ولكن فضولها أجبرها على العودة إليه لذا نظرت في عينيه وتساءلت : 



- هو ممكن أسألك سؤال ؟ 



تكتف فاتسعا كتفيه وأجابها مرحبًا : 



- أكيد . 



عادت عينيها تنظر لوشمه ثم ارتفعت إلى عينيه سريعًا وتساءلت : 



- الوشم ده لبنت مغطية شعرها بحجاب ؟ مصرية صح ؟ 



مالت عينيه ينظر لوشمه ثم عاد يتمعن فيها ونطق بجدية لا تتناسب مع نظرته : 



- تقريبًا انتِ . 



قطبت جبينها بعدم فهم وعينيها تسأله عن مقصده ليجيبها مسترسًلا وهو يتقدم منها خطوة أخرى : 



- لما رسمته كنت بشرح للي بيعمله البنت اللي في خيالي وطلعت دي  ، بس دلوقتي بشوفها إنتِ . 



توترت من قربه ومن نظراته لذا ابتعدت تجيبه بثباتٍ زائف : 



- بس أكيد وقتها كنت عارف إن الوشوم حرام يا أستاذ ثائر ذو الفقار . 



ضغطت على كلماتها والتفتت تغادر مسرعة هربًا منه قبل أن تفضحها نبضات قلبها المتسارعة ، هربت وندمت على مجيئها له فيبدو أنه لن يكف عن أفعاله  ، ولكن هل حقًا هي المرأة التي كان يبحث عنها  ؟ كيف ذلك وهو لم يرَها قط  ؟ 



ابتسم بخفة عليها حينما وجدها تخطو بسرعة شبه مهرولة هربًا مما يفعله  ، اتجه يعود لمنزله ليتناول كعكتها اللذيذة والتي يشم رائحتها قبل أن تحضرها .




وقف أمجد في المطار تجاوره علياء ينتظران ظهور حفيدهما  ،  قلبيهما ينبضان بصخب لا يصدقان أنهما بعد لحظات سيلتقيان بحفيدهما للمرة الأولى  . 



حماسهما وصل لدرجةٍ غير مسبوقة حتى أن علياء سبقتها دموعها فرحًا تستعد لرؤيته  . 



دقائق قليلة وظهر معاذ يدفع حقيبته وينظر في وجوه الموجودين وما إن رآهما حتى هرول إليهما يناديهما فلم تتردد علياء في الذهاب إلى وضمه بقوة اشتياق اهتز لها جسديهما  . 



تعانقه وتقبله وتبكي وتنادي على ابنها ثائر كأن هذا الصغير نسخة طبق الأصل منه  . 



حاوطهما ماجد وانتظر دوره ليعانق حفيده ولكن دموعه لم تنتظر بل سبقته على هذا اللقاء الممتلئ بالمشاعر  . 



لسنوات عدة حرما من ولديهما والآن يعانقان حفيدهما لأول مرة  ،  لم تحل علياء وثاقها من حوله فضحك أمجد من بين دموعه وتحدث بمحبة  : 



- يالا بقى يا علياء سيبي الباقي لما نروح  ،  عايز أحضن ابن ابني  . 



ابتعدت علياء بامتعاض ولكنها رفعت كفها تتحسس وجه الصغير الذي سكنت السعادة خمائل قلبه من هذا العناق وهذا الكم من المحبة لذا وجد جده يبادله هو الآخر فرحب به واتجهوا سويًا الى السيارة عائدون إلى المنزل برفقة الغالي ابن الغالي  . 




❈-❈-❈



انقضى الأسبوع سريعًا  ، سريعًا جدًا لدرجة أنها لم تشعر به هنا ، لقد ظنت أنه كثيرٌ جدًا لتفكر وتقرر رفض طلب ماجد ولكنها اكتشفت أنها تحتاج للبقاء هنا  ، تعلم أن هذا يعد ضربًا من ضروب الخيال ولكنها ستحاول  ، سترفض عرض ماجد ولترى ماذا سيحدث بعدها  .



لقد غمروها بمشاعر لم ترَها أو تعيشها طيلة حياتها  ، منال كانت لها أمًا حنونة  ، ودينا شقيقة صغيرة  وديما صديقة وفية والطفلان ونسًا لا يُمَل منه  .



أما داغر فهو حبيب غلف قلبها بالطمأنينة والراحة  ، الآن ترى محبته وليست صداقته  ، نعم باتت ترى حبه لها ولا يمكن أن تكون مشاعرها من طرفٍ واحدٍ لذا سترفض الزواج من ماجد ثم ستتحدث معه عن شيءٍ كانت قد اتخذت القرار بعدم أخذ خطوتها فيه  . 



قطع حبل أفكارها رنين هاتفها برقم عمها لذا حينما رأته زفرت بضيق وقررت أن تنهض وتذهب للشرفة لتجيبه  . 



وقفت تردف بترقب وهدوء  : 



- أزيك يا أونكل  ؟ 



أجابها دون عناء الرد على سؤالها بعدما فاض به من غيابها عن العمل  : 



- الأسبوع خلص  ،  هترجعي امتى يا هانم  ؟ 



زفرت تحاول فك الحظر عن صدرها فأجابته  : 



- مش هرجع يا أونكل  ،  أنا بدور على بيت اشتريه وهتنقل فيه  . 



- نعم  ؟ 



نطقها باستنكار وهو يجلس خلف مكتبه فتابعت بنبرة جادة تهاجم بها حدته  : 



- اللي سمعته يا أونكل  ،  ماينفعش أكون في نفس المكان مع ماجد اللي طلب إيدي للجواز  ،  خصوصًا إني فكرت في عرضه ولقيت إن الأفضل نكون اخوات زي ما احنا  . 



بهدوءٍ مخيف كشر عن أنيابه وسألها باستهزاء متجسدًا في نبرته : 



- وده طبعًا بسبب الاسطى داغر  . 



تنهدت بعمق ولم تجبه سريعًا حيث أنها التفتت تنظر إلى داغر الذي ناداها يردف مبتسمًا  : 



- يالا يا بسوم الغدا اتحط  ،  سيبك من الفون وتعالي علشان تاكلي  . 



سمعه نبيل ليشعر أن عالمه ينهار وأن ذلك المهندس خطط لينتقم ويستولي عليها وعلى ثروتها لذا تأججت أنفاسه ونطق بتوعد مخيف  : 



- تمام يا بسمة  ،  روحي علشان الغدا مايبردش  ،  وابقي سلميلي على الاسطى داغر وبلغيه إن اللي بياكل لوحده بيزْور  . 



تعجبت حينما وجدته يغلق الخط في وجهها وانقبض قلبها بشعورٍ سيء من كلماته وخشت أن تتجسد فكرتها التي راودتها للتو لذا نفضت رأسها تجبر عقلها ألا يصدق هذه الأفكار  ،  فمهما كان نفوذ عمها لن يفعل ذلك أبدًا  . 



❈-❈-❈



ليلا جلست تشاهد التلفاز بعينيها وعقلها منشغلٌ بطفليها ، لم تعد تحتمل بعدهما عنها برغم عدم انقطاع تواصلها معهما طوال اليوم ولكنها اشتاقت لضمهما لذا فقد آن الآوان لتحضرهما ولكن كيف ؟ 



هل تأخذ أجازة أسبوعية وتعود لتجلبهما سريعًا أم سيكون هناك عائق ؟ كثيرًا عليها قضاء ستة أشهر بدونهما ، هل تتحدث معه عن ذلك ؟ 



وكالعادة حينما تفكر به يهاتفها لذا ابتسمت وهزت رأسها تجيبه بترقب : 



- سلام عليكم ! 



تنهد صوته ثم أجابها بدفء : 



- وعليكم السلام ، أنا قاعد دلوقتي في المكان بتاعنا ، ممكن تيجي شوية! 



تنهدت تسبل أهدابها وتفكر قليلًا ، برغم هالة الهيمنة المحيطة به إلا أنها تلاحظ إلحاحه عليها منذ أن اعترف بتلك المشاعر لذا لم تستطع الرفض ، ستذهب وتتحدث معه عن أمر طفليها الذي يشغلها لذا أردفت بهدوء خافت : 



- تمام ، جاية . 



- مستنيكي . 



أغلقت معه ونهضت متجهة نحو غرفتها لتبدل ثيابها ، كانت تشعر بالوحدة وأحيانًا تخاف من مكوثها في هذا المنزل البارد وأوقاتًا كثيرة تمل ولا تستطيع الخروج والتنزه لذا فإن اتصاله أتى في الوقت المناسب .



دقائق وكانت تخطو باتجاهه فرآها لذا اتخذ جانبًا يفسح لها المجال لتجلس ففعلت تبتسم بهدوء مردفة : 



- شكرًا . 



تحدث وهو يتكتف وينظر أمامه : 



- المكان هنا بقى بتاعنا رسميًا ، مابقتش أشوف حد بيقعد هنا غيرنا . 



التفت يطالعها ويسترسل : 



- تفتكري دي مقصودة ! 



ابتسمت ساخرة تجيبه بثبات : 



- أكيد لاء ، يمكن لإنه هادي شوية وبعيد عن الدوشة . 



أومأ يجيبها بمغزى : 



- زينا . 



تنفست بعمق فيبدو أن كلماته ستأخذ منحى آخر لذا أرادت أن تتحدث عما يشغلها فقالت : 



- فيه موضوع مهم شاغلني عايزة أسألك عنه . 



والاها انتباهه واهتمامه قائلًا : 



- أكيد اتفضلي . 



بدأت تخبره بما يشغلها وبحنانٍ وقلبٍ ملتاع قالت : 



- يعني بما إن السكن موجود والشغل كويس الحمدلله كنت عايزة أجيب ولادي معايا هنا ، أنا اضطريت أسيبهم في مصر غصب عني بس قلت أشوف الوضع الأول هيكون إيه هنا وبيتهيألي إنه مناسب ولا إيه ؟ 



تمعن فيها قليلًا ثم أجابها بغموض : 



- الأفضل يكونوا مع عيلتك في مصر يا ديما ، وجودهم هنا معاكِ هيقيدك عن حاجات كتير . 



لم ترُق لها كلماته وظنتها أنانية منه لذا جابهته : 



- حضرتك ليك شغلك وبس ودي حاجة مش هقصر فيها ، أنا بسألك علشان لو ينفع آخد أجازة أنزل أجيبهم وأرجع ،  وطبعا قبلها داغر والمحامي هيتمموا اجراءاتهم . 



مسح على وجه ثم أجابها موضحًا : 



- فكري شوية يا ديما ، ماتنسيش أنك استهدفتي مرتين هنا ، وده مش معناه إن هنا مش أمان بس انتِ محتاجة حد بتثقي فيه يكون معاهم وأظن مافيش أفضل من عيلتك . 



هو محق وكلامه أقرب إلى المنطق ولكنها استرسلت بنبرة مشتتة : 



- يمكن معاك حق ، يمكن هناك أأمن ليهم شوية عن هنا بس أنا مش بثق في باباهم علشان كدة فكرت إنهم يبقوا قريبين مني  ، أصلًا بعدهم عني صعب أوي  ، حاسة إني كنت أنانية لما اخترت الشغل هنا وسيبتهم ، أنا مش عارفة أعمل إيه ؟ 



نكست رأسها تضعها بين كفيها وتخفي وجهها بحيرة وحزن ، أصبحت مشتتة بين أمرين حلوهما مر  ، لأول مرة تفصح عن همٍ يعتليها أمامه ورؤيتها هكذا لم ترُق له على الإطلاق ، ليست هي المرأة التي تحني رأسها أبدًا لذا كان عليه أن يعيدها إلى صوابها فأردف موضحًا بنبرة يسكنها الغموض : 



- اصبري شوية يا ديما ، فيه احتمال آخد عفو ولو ده حصل هقدر أرجع مصر ووقتها هفتح فرع للمجلة هناك وإنتِ هتكوني مسؤولة عنه  ، وحتى لو مارجعتش ممكن إنتِ اللي تقومي بالمهمة دي . 



رفعت رأسها والتفتت تحدق به باندهاش ثم اعتدلت تتساءل : 



- ده بجد ؟ إزاي ده هيحصل ؟ وامتى ؟ 



زفر وتابع بثبات وشرود : 



- محامي العيلة فتح قضيتي تاني وهنشوف هيحصل إيه ، علشان كدة أنا بعت معاذ على مصر ، هناك أأمن ليه ، ونفس الأمر بالنسبة لأولادك ، وأوعدك إن قريب جدًا هتشوفي أولادك سواء أنا كنت معاكِ أو لاء . 



وعده كان بمثابة عهد وثقة طمأنتها ، برغم كل أفعاله وكلماته ومنشوراته إلا أن شيئًا داخلها أجبرها على الوثوق به لذا زفرت براحة ونظرت له بامتنان تجيبه : 



- شكرًا . 



ابتسم لها ولكن رنين هاتفه أخذه عن تأملها لينتشله من صفو أفكاره حينما وجد المتصل هو توماس لذا تجهمت ملامحه وأجاب بنبرة جليدية : 



- اسمعك . 



تحدث توماس بتخابث : 



- جهز نفس غدًا أيها الثائر ، موعدك مع خصمٍ جديد ، كن مستعدًا . 



فاجئه بالأمر ولكنه لم يندهش بل توقع أن يفعلها توماس معه فهو في نهاية الأمر عدوه لذا لم يبدِ انزعاجه بل تساءل بنفس وتيرته الباردة : 



- من هو ؟ 



ابتسم يجيبه باستفزاز ونبرة تحمل من الشماتة أطنانًا : 



- أندريه أودلف . 



لاحظت ديما تجهم ملامحه وتصلب فكه ولكنه أجاب بصقيع جعلها تتعجب من كم ثباته : 



- حسنًا ، جهز حفلتي . 



أغلق معه وشرد قليلًا يفكر ، يريدون سقوطه بأي ثمن ، يسعون ليهدموا شخصيته التي شيدها لتكون حصنًا وواجهة لبحره لذا لن يسمح لهم ولكن .... 



كان ابنه يمده بالدعم ، نظرات الفخر والثقة في عينيه كانت نقطة قوته والآن هو ليس هنا ، التفت يقابلها فوجدها تحدق به منتظرة تفسيرًا لا تود السؤال عنه لذا سألها يأمل ألا ترفض طلبه : 



- عندي منافسة بكرة مع شخص بيكرهني ، إيه رأيك تيجي معايا ؟ 



كلمة يكرهني كفيلة لتؤكد لها أنه بحاجتها ولكن من هي لتقدم له أي مساعدة ؟ وهل من الصحيح أن تذهب معه ؟ 



لا ليس صحيحًا كل ما يحدث معها خطأ وعليها أن تعود لرشدها لذا زفرت بضيق واستغفرت والتفتت تجيبه : 



- تمام ، هاجي معاك . 



تفاجئت من نفسها قبله ولكنها قالتها وانتهى الأمر 



❈-❈-❈



لم ينتظر إلى أن يعود إلى المنزل بل تحرك بعدها نحو المصنع ليرى ويتحدث إليه  . 



جلس معه في مكتبه المغلق ونظر له والشر يتحالف مع عينيه وأردف بغضبٍ سافر  : 



- رفضت عرضك  ،  رفضت الجواز منك  ،  وقريب جدًا هنلاقيها متجوزة الواد الميكانيكي ده  . 



هاج ماجد وحاوط عقله بعدم استيعاب بعدما نهض يتحرك بعبثية ويردف  : 



- أنا مش مصدق أنها بتتحدانا كدة عيني عينك  ،  دي مابقتش تخاف من أي حاجة خالص  . 



نظر نبيل نحو ابنه الذي يدور حول نفسه وصرخ  : 



- اقعد  . 



طالعه بضيق ولكنه جلس ينفذ أمره فتابع يبصق أحرفه الخبيثة  : 



- هي فعلًا مابقتش تخاف  ،  علشان كدة لازم نخوفها  ،  أنا كنت غلطان لما فكرت آخدها بالسياسة  ،  بس هي محتاجة قرصة ودن  . 



قطب ماجد جبينه مستفهمًا وتساءل  : 



- يعني إيه يا بابا  ؟  ،  ناوي على إيه  ؟ 



نظر نحوه شزرًا وهمس بفحيح  : 



- ناوي أضغط على نقطة ضعفها  ،  مهي لازم تقبل بالجواز منك يا ماجد سواء بالرضا أو الغصب  ، ثروة الراوي مش هتروح لحتة ميكانيكي زي ده  . 




❈-❈-❈



في اليوم التالي 



يجاوران بعضهما متجهان إلى الصالة الرياضية ، عقله شاردٌ حتى أنه لم يباشر عمله اليوم بشكلٍ جيد . 



طوال ليله يتدرب ويشاهد مقاطع لخصمه ويركز عليها ، يعلم كيف يفكر ولكن أحيانًا يخدع من أمامه ، خبيث لدرجة تجعل منافسه يصاب بالحيرة لذا عليه أن يكون مستعدًا لأي شيء منه لأنه مجبرٌ على لعب هذه المصارعة تحديدًا . 



تجاوره وتلاحظ شروده وصمته وليس الآن فقط بل هو كذلك منذ الصباح ، هناك أمر يخفيه وليس مجرد مصارعة فهذه ليست مرته الأولى ولكن ما هو؟ . 



قاد حتى توقف أمام الصالة الرياضية ثم نظر لها يحاوطها بنظراته وأردف محذرًا : 



- هتقعدي في الصف التاني بعيد عن الشغب ومهما حصل ماتتحركيش من مكانك ، هتلاقي بنات من المجلة جوة ممكن تقعدي معاهم . 



أومأت له وترجلا ودلفا سويًا وبالفعل اتجهت تجلس مع زميلاتها ولكنها اتخذت مقعدًا منفردًا حسب رغبتها . 



نظرت حولها وشعرت بالضيق ، المكان معبأ بجمهورٍ أكبر من المرة السابقة وعلى ما يبدو أن هذه المباراة هامة حيث لمحت القليل من المصورين في الأرجاء لذا توغلها التوتر ولكنها لن تتزحزح من مكانها ، أتت معه وستغادر معه وانتهى الأمر داخلها . 



بعد قليلٍ خرج المنافس الأول والذي كان ضخم البنية بجسدٍ غرق في الوشوم وملامح وجهٍ مكفهره تثير الريبة فيمن يطالعه لذا انسحبت أنفاسها وفرت دماءها خوفًا منه ليس عليها ولكن على ثائر الذي ظهر يرتدي مئزرًا قاتم اللون وتحرك نحو ركن الحلبة يخلع مئزره لتظهر عضلاته ووشمه وملامحه الوسيمة أمام الجميع فتعالت التصفيرات وسمعت الهتافات باسمه بينما هو ثابت متأهب لا يتزعزع به إنشًا واحدًا . 



بدأت الجولة الأولى ونشب العراك الذي تفادى فيه ثائر لكمات خصمه ببراعة والآخر يبتسم له بشرٍ وتوماس يقف في الأرجاء متحمسًا ومستمتعًا كما لم يكن من قبل ضامنًا تحطيم شموخ ثائر وطوي صفحته في مجال المصارعة ثم يليه مجالًا آخر  . 



كلما حاول الآخر إطاحة ثائر وجده مستعدًا للكماته وكأنه درس طريقته جيدًا لذا بدأ يشعر بالغضب وصاح يزأر بجنون : 



- سأقتلك الليلة أيها الحقير . 



تعالت الصيحات وعم الصخب فتوترت ديما كثيرًا بل هجم عليها الخوف خاصةً وأنها لا تنتمي إلى هذا المكان ولكنها متجمدة كمن التصقت بالمقعد لترى ما سيحدث مع ثائر الذي يؤدي أداءً جيدًا . 



لم يبالِ ثائر بتهديدات الآخر له بل استمر في الهجوم عليه حتى كاد الآخر أن يسقط لولا صراخ توماس باسمه يحثه بنظراته على فعل شيء ما لذا اختطف نظرة سريعة عليه فوجده يشير له نحو جانبه لذا انخلع من قبضتي ثائر بعنفٍ وأسرع يسدد له لكمة غير قانونية في جانبه الذي جرح فيه من قبل  . 



كانت ضربة عنيفة لم يتحملها ثائر وتألم ينحني ويتمسك بجانبه الذي نهشه الألم وجعلته يحني ظهره ليستغلها الآخر حيث رفع قبضتيه ونزل بهما على ظهره بقسوة جعلته يركع أمامه فضحك بشر وتبعه توماس يضحكان بشماتة وتهاوى قلب ديما على هيأته وهو راكعًا أمام هذا الحقير الذي تأكد أنه دمر مقاومته . 



تعالت الصيحات وأصبح الأغلبية ينادون باسم ثائر ويجشعونه ولكن ألم ظهره وجنبه لا يحتملان لذا لم ينتظر الآخر بل ركله بساقه بقسوة مفرطة أسقطته أرضًا في الحال   .



ليهلل ويستعرض نفسه كأنه فاز قبل أن تُعلن النتيجة حتى ، يتباهى بأنه الوحيد الذي غلب أسطورة ثائر ذو الفقار التي دامت لسنوات لم يغلبه فيها أحد . 



صمتٌ وحزنٌ استحوذ على الجميع إلا من صرخات قليلة مؤيدة للآخر وعلى ملامح توماس تجسدت سعادة ليس لها مثيل . 



تجمدت كليًا وهي تراه يصارع الألم ولم تحتمل ذلك بل تناست هويتها ولقبها وسلامها وتناست كل شيء لذا نهضت تنزل من مقعدها وتتجه نحوه فلن تحتمل أن يصاب بأذى ، هي هنا في حمايته  ،  وقلبها الآن يرتجف خوفًا  . 



اتجهت نحوه وقبل أن تنطق وجدته يصارع لينهض ويتمسك في الحبال فاستردت روحها وابتسمت تحفزه بتشجيع وتومئ له بأن ينهض وينهي حفلته  . 



بنظرة خاطفة حدق بها ويكفيه فرحتها بنهوضه لذا أومأ لها بثقة واعتدل يرى الآخر يتباهى بما حققه  ،  يواليه ظهره ولم يلاحظ نهوضه فقد كان منشغلًا بانتصاره العظيم لذا أسرع يقبض على رأسه من الخلف وقبل أن يستوعب الآخر كان ينزل به أرضًا بحركة مميتة ولكنه يتقنها ويؤديها بشكلٍ دقيق حتى لا يقتل خصمه  ،  حاوطه مقيدًا حركته فبات الآخر يهتز ويتلوى محاولًا النجاة من قبضته عبثًا حيث أن ثائر جمع جُل طاقته ليحطم غروره ويهدم سعادة توماس  . 



وفعلًا تهاوى الآخر على الأرض معلنًا عن استسلامه وسط صدمة توماس آور ليان وفرحة لم تسع ديما التي قفزت تصفق بحماس ليراها ويبتسم حيث باتت تشبه صغيره وتناست أنها امرأة السلام  

يتبع...

تكملة الرواية من هناااااا

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


 

تعليقات

التنقل السريع