القائمة الرئيسية

الصفحات

تابعنا من هنا

قصص بلا حدود
translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية هل الضربة قاضية الفصل 43-44-45-46 بقلم نهال عبد الواحد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)

 رواية هل الضربة قاضية الفصل  43-44-45-46   بقلم نهال عبد الواحد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)




رواية هل الضربة قاضية الفصل  43-44-45-46   بقلم نهال عبد الواحد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)


(الفصل الثالث والأربعين)


بقلم نهال عبد الواحد 


مر الحفل الهاديء بسلام والجميع سعداء سعادة من القلب، صعد العروسان إلى غرفة لهما داخل الفندق سيبيتان فيها وفي الغد موعد طائرتهما.


وصل العروسان إلى باب غرفتهما وفتح نبيل الغرفة بواسطة الكارت الخاص بالباب، ثم وضعه بالداخل وخرج يتيح لعروسه فرصة الدلوف للداخل. 


حملت هاجر فستانها ودلفت إلى داخل الغرفة، ثم وقفت في منتصفها تتطلع لكل إنشٍ فيها بإعجاب. 


كان تصميمها مائلًا إلى اللون الخشبي المتداخل سواء السرير أو خزانة الملابس حتى الصالون المصاحب كان نفس اللون مع تداخل للون القرمزي في كل الفراش، الستائر وسجادة في منتصف الغرفة مستديرة، وللجانب باب مشابه لباب خزانة الملابس نفس اللون والتصميم لكنه باب الحمام. 


ظلت واقفة تشاهد ما حولها في بضع ثوانٍ حتى سمعت صوت غلق الباب، شعرت بدقات قلبها تتزايد وتختلط بتوتر، اضطراب وخجل وأشياء كثيرة متداخلة، فركت يديها بتوتر شديد حتى لمست خاتم زواجها من الذهب الأبيض المطعّم بفصوص الألماس، فنظرت إليه بابتسامة هادئة وهي تعبث فيه بأصابع يدها الأخرى. 


تقدم نبيل مقتربًا منها حتى وقف أمامها فأمسك بيدها وقال: آسف لو كنت جبته لوحدي وعلى ذوقي، كان المفروض أجيب حاجة أحسن من كده وأعملك فرح يليق بيكِ، بس إنتِ عارفة ظروف جوازنا... 


فقاطعته قائلة بسعادة ظاهرة: وأنا عمري ما خطر في بالي مجرد حلم حتى إن يتعملي فرح في فندق زي ده! ولا ألبس فستان زي ده! ولا أعيش من أساسه العيشة دي! أقولك كنت خلاص يئست إني ممكن أتجوز في يوم من الأيام. 


فرفع أحد حاجبيه متعجبًا وقال: وده ليه إن شاء الله ؟! ده إنت يا دوب ثمانية وعشرين سنة!


فقالت: أنا عمر ما حد اتقدملي ولا أُعجب بيّ ولا حتى حاول يتعرف عليّ، لدرجة إني شكيت إن فيّ مشكلة!


فقهقه قائلًا: بأه هو ده السبب!


فأومأت برأسها، فابتسم بحبٍ وقال بنبرة عاشقة: طب أنا كنت هحب مين؟!


ثم تنهّد قائلًا: هاجر، ممكن تستحمليني خصوصًا الفترة دي، داخل حرب وأبواب النار كلها هتتفتح من كل اتجاه عايز أفضل مركز عشان أعرف الضربة هتجيلي منين! ومحتاج حد جنبي يدعمني ويتحملني ويتحمل تصرفاتي، خايف تضايقي أو تزعلى مني بسبب تصرف تحت تأثير ضغوط. 


فأمسكت بيده وشددت في مسكتها ثم قالت: أنا!  أنا جنبك أهو. 


فاقترب منها وقبّل جبهتها بامتنان، لكن ازداد عمق قبلته بمجرد اقترابه، بل بدأ يفقد السيطرة على نفسه عندما استنشق عبير عطرها الذي أسره وشعر بارتعاشة يديها والتي سرت في سائر بدنها. 


فابتعد قليلًا ناظرًا داخل عينيها فأخفضت عينيها لأسفل وتوردت وجنتيها فرفع وجهها بطرف إصبعه على ذقنها فنظرت إليه، فظل محملقًا في وجهها ثم أخذ نفسًا عميقًا وأغمض عينيه فأغمضت عينيها، فاقترب من خدها طبع عليه بضع قبلات متوزعة وهو يهبط برأسه حتى وصل لعنقها في قبلاتٍ متتالية وبدأ يشدد من مسكة خصرها ويزيد لهيبه بزيادة أنفاسها المتلاحقة التي تلامس عنقه، حتى شعر فجأة بقبلة خفيفة من شفتيها تلامس خده، فالتفت فجأة ناظرًا إليها فوجد ملامحها وقد تغيرت مرسلة إليه شفراتٍ فهم مغزاها فنظر لشفتيها والتهمهما فجأة في قبلة عميقة لا يدرك أحدهما كم مر من الوقت، ثم ابتعد قليلًا بأنفاسٍ لاهثة وهي أيضًا، شعرت بتورم شفتيها فتلمستهما بطرف لسانها فازداد لهيبه مرة أخرى واقترب بقبلاته الحارة ثانيًا ورابعًا وعاشرًا... لتكون لحظات ويغرقان في بحر عشقهما الخاص...


وفي الصباح الباكر فتحت صافي عينيها فوجدت نفسها عارية ملتحفة بغطاءٍ مع شخصٍ ما عارٍ هو الآخر، نظرت نحوه متفحصّة فتأكدت من كونه فادي، فشردت قليلًا في أحداث الليلة الماضية وكم كانت مثيرة فابتسمت نصف ابتسامة لعوب، ثم نهضت لملمت ملابسها وارتدتها، خرجت على أطراف أصابعها تتسلل خارج الغرفة، هبطت في الدرج الداخلي للفيلا تلتمس أخيها بالأسفل بعد أن بحثت عنه في غرفته، فوجدته مستلقٍ على أحد الأرائك وأمامه زجاجات الخمر الفارغة وطبق كان يلف فيه السجائر المخدرة.


هزته عدة مرات وهي تناديه تيقظه لكنه كان في سُباتٍ عميق، فابتسمت بسعادة وتنهدت بارتياح ثم صعدت الدرج مجددًا متجهة إلى غرفتها والتي بها فادي نائمًا ممنّية نفسها بالمزيد من اللقاءات المحرمة، لقاءات الهوى المزيّف المدنّس بالخطيئة والعار.


دلفت داخل الغرفة وأحكمت غلق الباب فلاحظته متململًا في فراشها، ظلت تتأمل ملامحه بعض الوقت ثم دخلت إلى الحمام وبدّلت ملابسها بأخرى عارية وأكثر إثارة تكاد لا تُخفي شيء من مفاتنها الأنثوية.


كان فادي قد بدأ يستيقظ وتفاجأ بنفسه أنه قد بات الليلة الماضية في غرفتها، بدأ يبحث عن ملابسه ليرتديها ويخرج خاصةً عندما وجد الفراش فارغًا أمامه. 


لكن بمجرد أن ارتدى بنطاله تفاجأ بها تخرج من الحمام أمامه، فراحت عيناه تتفحّص كل تفاصيل جسدها العاري خاصةً مع مشيتها المتغنّجة.


وجم مكانه فاقتربت منه وتعلقت بعنقه فبادلها العناق متلمسًا ما تطوله يده من بشرتها بشهوانية... ثم حملها وغرقا معًا في بحر المحرمات والشهوات... 


أما نبيل بدأ يستيقظ وهو يشعر بخده يلامس شيئًا ما وعندما تململ في حركته شعر بملامسته لجسد أنثوي ناعم ففتح عيناه ونهض فجأة جالسًا محملقًا في الغرفة التي بها كأنه قد نسى للحظة كل ما حدث بالأمس، لكنه التفت إلى جواره فوجد هاجر فابتسم قليلًا خاصةً وهو يعود بذاكرته لأحداث ليلة البارحة المثيرة، والتي رغم زواجه منذ أعوام لم يقضي مثلها من قبل، فكانت زوجته دائمة التهرب من مثل تلك الأمور بل كانت تنفّره منها لألا يطلبها، بل إنها كثيرًا ما كانت تقلل منه لدرجة أن شعر بضآلة نفسه، لكن ربما تتغنج أمامه قليلًا عندما يكون لها مطالب وتبتعد بمجرد تنفيذ طلبها قبل أن يقربها. 


نفض مثل تلك الأفكار المحبطة والتفت ناحية هاجر النائمة في سلامٍ وطمأنينة، فاتكأ جانبها وعبث في خصلات شعرها المتناثرة على وجهها مبتسمًا من هيئتها ثم تذكّر أمرًا ما. 


فنهض وارتدى بنطاله تاركًا جزءه العلوي عارٍ كما هو،  اتجه ناحية هاتفه وفتحه، ظل يبحث في الرسائل الواردة، حتى قرأ رسالة بعينها، فتبدلت أحواله للعكس تمامًا وصارت عيناه تطلق شررًا وظل يمسح على وجهه تارة وعلى شعره تارة أخرى، ثم ألقى هاتفه على طول يده نحو الأريكة زافرًا بقوة. 


سار بضع خطوات حتى وصل إلى الشرفة، أزاح ستارها قليلًا وأسند برأسه ينظر إلى اللاشيء.


لماذا يا صافي؟! لقد تحمّلتك لعشرة أعوام لا أتذكر فيها أني أهنتك أو أهدرت كرامتك! بل إني قد تحاملت على نفسي لأكمل معكِ رغمًا عني! بل زدت في تحملي لأكثر ما كان ينبغي!

ماذا تعرفون عن رجل غُصب عليه فتزوج بالإجبار ممن لا يطيقها نهائيًا؟! ومع ذلك صمد واستمر، حتى عندما تحرر قلبه وأحب قاوم ذلك الشعور بكل الطرق حتى لا يظلمها! كنت أعاتب نفسي حتى منذ لحظاتٍ قليلة أني أميل إليها أكثر منكِ؛ فلن أستطيع العدل بينكما بأي شكل؛ لأن الحقيقة أنتما لا يمكن المقارنة بينكما من الأساس! 


توقعت الكثير من السيناريوهات، لكن لم أتوقع الخيانة إطلاقًا!


هكذا كان يحدّث نفسه وشعر أنه كاد أن يُجن، لكن صوت رسالة أخرى صدع من هاتفه، فأسرع نحو الهاتف ففتحه فوجد رسالة قادمة من رقمٍ غريب لا يعرفه، ففتحها ليجد صور عديدة لصافي وهي نائمة عارية الجسد مع مقطع فيديو لها في الفراش مع شخصٍ لم يُظهر ملامحه، فأغلق الهاتف تمامًا وقذفه ثانيًا على الأريكة، اتجه يقف عند الشرفة وهو في حالة غضبٍ شديد ضاربًا رأسه في زجاج الشرفة من حينٍ لآخر. 


بدأت هاجر تتململ في فراشها خاصةً مع صوت هذه التحركات داخل الغرفة، فتحت عيناها فلم تجد زوجها جوارها فاستدارت فوجدته واقفًا أمام زجاج الشرفة فابتسمت وهمّت بالنهوض لكن انتبهت لحالتها العارية، بحثت بعينيها عن ملابس لها تكون قريبة فلم تجد، فسحبت الغطاء الملتحفة به ولفّت به فوق صدرها فغطى سائر جسدها. 


سارت بضع خطوات فتعثّرت في شيءٍ ما، إنه فستان زفافها ملقيًّا على الأرض فأمسكت به بإحدى يديها ووضعته على أقرب كرسي ويدها الأخرى تمسك الغطاء على صدرها وظهر على وجهها إحمرار الخجل؛ فمؤكد قد عادت بذاكرتها إلى الليلة الماضية، ليلتها الأولى مع زوجها الحبيب. 


رفعت الغطاء قليلًا بيدها الأخرى لألا تتعثر ثانيةً، كان نبيل مستغرقًا في شروده فاقتربت ووقفت خلفه مباشرةً تفكر فيما يمكن أن تفعله الآن، تنحنحت بصوتٍ مسموع فانتبه نبيل محرّكًا رأسه قليلًا لكن دون أن يلتفت إليها ثم عاود النظر عبر زجاج الغرفة. 


اقتربت هاجر أكثر، تشجعت واحتضنته من ظهره مستندة بخدها على بشرة ظهره وقالت بصوتٍ عذب: صباح الخير يا حبيبي. 


فرد باقتضاب: صباح النور. 


انتبهت هاجر لنبرة صوته فخفت يدها من عليه ثم ابتعدت تدريجيًا وهي تشعر ببعض الحرج وغصة تجتاحها كأن الدموع بدأت تراودها لتهطل؛ فهي تراه ليس على ما يرام من الأمس كأن شيئًا ما كاتمًا لفرحته، لكن مع التفاتة قليلة لمحت هاتف نبيل ملقى به على الأريكة فتوقعت أن ربما قد علم خبرًا قد عكّر مزاجه. 


شعرت بالإشفاق عليه، وبينما كانت تفكر أن تقترب منه مرة أخرى أم لا، إذ التفت نحوها فلمح تلك الدموع التي تهدد بالنزول، فمسح وجهه متنهدًا ثم قال محاولًا أن يكون هادئًا: صباح الخير يا قلبي. 


شعر أنه ضايقها وحاول تهدئة الموقف وتلطيفه، فنظرت إليه مطوّلًا ثم قالت: صباح النور، عامل إيه دلوقتي!


فعقد حاجبيه في دهشة ثم قال: عامل إيه ف إيه!


_ إنت مش فاكر؟!


فأومأ برأسه أن لا يدري، فقالت: إمبارح ف نص الليل قمت من نومك مفزوع كأنك كنت بتحلم بكابوس وعمّال تترعش وكلك عرق، فضلت أطبطب عليك وأهديك وختك في حضني لحد ما روحت في النوم. 


إستمع لما قالته ولم يعقب، ظلّ شاردًا، وبعد قليل أمسكت بيده وربّتت عليها برفق، ثم قالت بأسى وتأثر: حاول تهدى عشان صحتك.


فقال بنبرة منكسرة: طول الوقت كنت عمود العيلة، صحيح بابا ربنا يطوّل في عمره يا رب هو كبير العيلة، لكن أنا المسئول الفعلي عن كل حاجة، أول مرة أحس إني ضعيف أوي ومكسور.


ثم قال: إمبارح قولتلك إتحمليني وإنهاردة بأقولك ما تسبينيش حاسس إني بطولي في صحرا كبيرة مش عارف ليه؟! 


فابتسمت وقالت بحنان: يا حبيبي كل مشكلة ولها حل إن شاء الله. 


فزفر وقال بألم: بس أنا تعبت! تعبت أوي! 


فابتسمت وقالت بلطف: طب وأنا لزمتي إيه! مش لما إنت تتعب تيجي حضني وترمي همومك. 


فاقتربت منه جذبته نحوها على فجأة وضمته إليها فأسند برأسه على كتفها فشددت في ضمته وشدد في ضمته، لكنها شعرت من طريقة تنفسه كأنه يبكي خاصةً مع قطرات الماء الدافئة التي شعرت بها تتساقط على كتفها وظهرها، شعرت بجسده يرتجف قليلًا فبدأت تهبط لأسفل وهو معها حتى جلست أرضًا فجلس معها وهبطت رأسه إلى صدرها فأسند عليه، بدأت تسمع صوت شهقاتٍ تخرج منه ولا زالت تربت عليه حتى هدأ فأمسكت برأسه وأخفضتها لأسفل على رجليها، فكان جالسًا منحنيًا ورأسه على قدميها، وبعد قليل أراح جسده وبسط ساقيه على الأرض فأخذ وضعية الاستلقاء، ويد هاجر تعبث في شعره وتتفحص ملامح وجهه لأول مرة عن قرب بملامح يظهر على وجهها شبح ابتسامة.


ظلا هكذا لبعض الوقت ثم نظر إليها فابتسمت ثم أمسكت بيده وقبلتها وربتت عليها برفق، كم تود لو تسأله عن ما به الآن لكنها تستحي ولا تحب أن تكون فضولية. 


ظل ناظرًا إليها كأنما فجأة انتبه لهيئتها ولوضعهما فنهض جالسًا على فجأة، فانتبهت هاجر وربتت برفق على خده قائلة بريبة: مالك يا حبيبي!


فابتسم قائلًا: أنا كويس إطمني. 


ثم تنهد وقال: آسف نكدت عليكِ في يوم صباحيتك، بدل ما أسعدك وأدلعك. 


فابتسمت هاجر وقالت: يا حبيبي سعادتي هي في قربك، وإني جنبك ومعاك، على ذمتك ومتسمية على اسمك، وبعرف أخفف عنك من همومك...  على أدي يعني. 


فابتسم واقترب منها حتى جلس جوارها تمامًا وطوق خصرها بذراعه مستندًا برأسه على كتفها مقبّلًا بشرة كتفها العارية، وقال: على أدك! ده ما تتخيليش أد إيه شلتِ من على كتافي، لحد قبل ما تصحي ما كنتش شايف غير سواد. 


فقالت مربّتة على كفيه: بعد الشر عنك م السواد، يظهر بأه وشي وحش عليك!


فرفع رأسه وأدار وجهها ناحيته وقال لتعجب: وشك ماله! ده أحلى وش بشوفه وهشوفه كل يوم.


كان يتحدث ويعبث في خصلات شعرها الفحمي وما أن سقطت عيناه على شفتيها حتى شعرت بحرجٍ لا تدري كيف ذلك وهاهي قد صارت زوجته بكل اللغات،  جالسة أمامه عارية لا يسترها أمامه سوى ذلك الغطاء الذي تلفه حولها! 


فنهض نبيل ممسكًا بيدها لتنهض معه وقال: كفاية قاعدة عل أرض بأه. 


فقالت وهي تنهض: ليه بس دي لطيفة أوي! خصوصًا وإحنا مع بعض كده، مش فاضل غير حاجة ناكلها وإحنا قاعدين. 


فضحك نبيل وقال: كده تبقي جعانة!


ثم سألها: إنتِ جعانة بجد؟


فأومأت برأسها قائلة: مش أوي يعني، أنا مش عارفة إحنا الساعة كام بالظبط، لكن لسه في وقت الفطار، ممكن ناخد شاور ونلبس وننزل نفطر وبعد كده نقعد شوية عل بول مثلًا أو نقعد في أي حتة شوية وبعد كده نبقى نمشي ع المطار، بس لسه بدري على ميعاد الطيارة. 


فقال لها: كده تبقي طالعة رحلة مع بت خالتك مش مع جوزك وفي شهر العسل!


فنظرت إليه بعدم فهم وقالت: يعني إيه؟


_ يعني عمرك شوفتِ عروسة بتنزل تفطر تحت وسط الناس!


فأومأت برأسها أن لا ثم قالت: لو كنا في بيتنا كنت جهزتلك الفطار بإيدي وجبته لحد عندك. 


فابتسم وقال: طب أقول يا بختى بأه!


فابتسمت بخجل ولم تعقب، فقال: شوية كده وهطلب الفطار يطلع هنا، ولحد الفطار ما يجي كان في كلمتين كده...


قالها وفاجأها بحملها ثم ذهبا بها لفراشهما في لقاءٍ جديد وغوص في بحر عشقهما الخاص...


وبعد فترة كانت هاجر أمام المرآة وقد بدلت ملابسها وترتدي حجابها محاولة تعديله وهي تدخل جميع خصل شعرها داخله وقد استغرقت بالفعل وقتًا طويلًا لتتقن ربطته بشكل جيد، بينما نبيل قد استعد تمامًا لكنه جلس يشاهدها وهي ترتدي حجابها بإعجابٍ كبير. 


وما أن انتهت من ارتدائه حتى اقترب ضامًّا لها ملاصقًا ظهرها بصدره وهمس وخده مستندًا على خدها مقاطعًا كلماته بقبلات خفيفة على وجنتها: زي القمر! مبروك عليكِ! الحمد لله حققت أمنيتي إني أكون أول واحد يشوفك بالحجاب، وأول واحد يباركلك، وأخيرًا بأيتي ملكي أنا وبس.


فقالت بسعادة وابتسامة رائعة: الله يبارك فيك! أنا خلاص جهزت. 


غادر نبيل وهاجر الفندق ثم اتجها إلى المطار وسافرا، قضيا فترة العمل والتعاقدات التي قد سافرا من أجلها في الأساس، وأيضًا بعد الخروجات والزيارات الترفيهية ليكون أجمل شهر عسل.


ورغم كل الظروف التي يمر بها نبيل ورأسه التي تفتكها الأفكار المختلفة محاولًا إيجاد الحلول، وجد جواره الإنسانة الوحيدة التي شغلت قلبه واستطاعت ببساطة لمساتها الحانية وخفة ظلها أن تخفف عنه وتمدّه بالقوة... ليصمد أمام ما هو آت؛ فمتوقع المزيد من الضربات، لكن لا يدري كيف!


وهاهما عائدين لأرض الوطن بعد رحلة دامت قرابة الثلاثة أسابيع، وما أن هبط الاثنان من الطائرة حتى لمحت هاجر مصورين وصحفيين فنزعت يدها من يد نبيل فجأة وابتعدت عنه بريبة وزعر. 


تفاجأ نبيل بردة فعلها فقال متسائلًا: في إيه مالك!


فقالت بتوتر شديد: في صحفيين كتير هنا ومصورين كمان!


فقال بهدوء: آه، عارف، وإيه اللي فيها!


فأجابت: هيتعرف خبر جوازنا كده!


فالتفت إليها قائلًا بجدية: ما يتعرف، إنتِ كنتِ فاهمة إني هفضل مخبي خبر زي ده سنتين تلاتة ولا إيه! ولما أكلمك أبقى بسرق ولما أحب أبات معاكِ آجي بليل متسحّب زي الحرامية! الصور اللي هتتاخد دلوقتي مع صور الفرح هتملا المجلات والسوشيال ميديا من بكرة، ولازم ترفعي راسك لفوق وتحطي صوباعك في عين التخين وتقوليله أنا مدام نبيل القاضي...


(الفصل الرابع والأربعين)


بقلم نهال عبد الواحد 


هبط نبيل وهاجر من درج الطائرة مشبّكًا يده بيدها وسار بانسجامٍ جوارها، فاقترب الصحفيون والتقطوا عدد من الصور، فسار بزوجته بعد أن صرّح بخبر زواجه وسيرسل إلى تلك المجلات الصور الخاصة بزفافهما. 


ركب نبيل وهاجر سيارته الرباعية التي كانت تنتظره خارج المطار وتبعتها أخرى من الحرس، كانت هاجر طوال الطريق في حالة قلق شديد من هذه الخطوة، بينما نبيل كان شاردًا تمامًا مفكّرًا كيف سيواجه تلك المرأة بخطيئتها وبأعصابٍ باردة!


لكن! من أين يأتي بالأعصاب الباردة؟! فداخله غليان كبير، حاول التخلص من حالته هذه لأنها ستجعله يفتك بها بمجرد رؤيتها وربما قتلها، أو ربما سيصاب بمكروهٍ فورًا؛ فشدة الغليان في رأسه بدأت تسحب الصداع إليه.


قرر أن يلهي نفسه بحديثه مع زوجته وبعض المزحات الخفيفة التي ربما تهدئ من روعه، لكنه قد تفاجأ بها في قلقٍ جم!


ربتّ على يدها فانتبهت إليه فجأة مع فزة بسيطة منها، فتساءل في لهفة: مالك!


فأجابت: مفيش. 


_ تصدقي واضح إنه مفيش!


_ إنت اتسرعت بتصريحاتك دي، حاسة إنها هتولع نار. 


_ وبعدين! نفضل مستخبيين يعني!


_ مش عارفة. 


_ يبقى تتفضلي تثقي فيّ، وتثقي ف نفسك. 


نظر أمامه وهو يبتلع ريقه ببطء فدلّك رقبته قليلًا كأنه يشعر ببعض الاختناق، ثم بدأ يفك زر القميص العلوي، فانتبهت إليه هاجر ففزعت من هييئته وصاحت بلهفة شديدة: مالك بس! فيك إيه!


ثم تابعت: تحب تقلع الجاكيت يمكن خانقك!


فأومأ برأسه وبدأ يخلع كنزته بالفعل وقد أسرعت تعاونه بلهفة مربتّة عليه بلطف ماسحة على وجهه بلين. 


ثم أخذت الكنزة منه وأحتضنتها بإحدى يديها وبالأخرى تتلمس وجهه متسائلة: بآيت أحسن! حاسس بإيه يا حبيبي؟!


فضحك بألم وقال: إنتِ متأكدة إنك مش عايزة حد يعرف؟!


فوجمت... فأكمل: هه إيه! ده مكتوب على وشك حبيبتي وبتموتي فيّ وملهوفة عليّ لهفة ما حصلتش. 


_ بلاش أتخض عليك يعني!


_ لا اتخضي براحتك، بس ما تقوليش ما نعلنش دلوقتي، ده مكتوب على وشنا حبّيبة!


فضحك السائق، فابتسم نبيل موجهًا كلامه له: ولا إيه يا عم أحمد! شكلنا إيه؟


فقال الرجل بسعادة: ألف مبروك يا نبيل باشا، ربما يتمم بخير وينعم عليكم بالخلف الصالح يا قادر يا كريم! ست هاجر ست الستات ويا زين ما اخترت. 


فغمز لها وقال: قولتش حاجة أهو!


فأعادت ظهرها للخلف وهي تضم كنزته الرمادية إلى صدرها وناظرة أمامها مستنشقة عطره الرجولي فيها بشرود فابتسم من حالتها. 


وصلت السيارات إلى القصر فهبط نبيل ممسكًا بيد هاجر التي كانت ترتعش بشدة، لكنه ما أن انشغل بحديثه مع أحد رجاله إلا وقد سحبت يدها منطلقة مسرعة إلى الداخل حتى لا تدخل برفقته. 


وصلت هاجر داخل البيت، وما أن دخلت حتى أسرعت نحوها كلًا من حبيبة وشاهندة تعانقانها بسعادة بالغة. 


فصاحت حبيبة: وحشتيني يا مضروبة!


فتابعت شاهندة: لا وحشتني أنا أكتر. 


فهمست لها حبيبة: إيه الحلاوة دي! واضح إن صحتك جت عل جواز!


فهمست شاهندة هي الأخرى: لا ده بيلو طلع مش سهل خالص. 


فأكملت حبيبة هامسة بمكر: هو عمل فيكِ إيه عشان تحلوّي وتوردي كده؟ أنا أختك وبنت خالتك وعايزة أستقي من خبرتك... هه!


فتابعت شاهندة هامسة: أيوة احكي كل حاجة بالتفصيل.


فنادت قوت عليهن وقد كانت جالسة جوار رأفت على إحدى الأرائك: سيبوها يا بنات تتنفس، هتكلوها كده. 


فانسحبت هاجر دون رد من بينهن وأسرعت نحو قوت تعانقها بحرارة فقالت قوت بسعادة: حمد الله على سلامتكم يا حبيبتي!


فأجابت بصوتٍ مضطرب: الله يسلم حضرتك. 


ثم سلمت على رأفت وعانقته، فنظرت لهما صافي والتي تجلس على كرسي مقابل تضع ساقًا فوق الأخرى وتحركها بلامبالاة ، فقالت في تعجب: مالكم في إيه! ملمومين حوليها كده ليه؟!


فأجابت حبيبة: أصلها وحشتنا أوي. 


فأجابت صافي باستخفاف: دول هم كام أسبوع!


فتابعت حبيبة هي تجز على أسنانها غيظًا: ما هو سياتك ده إحساس، الناس اللي بتعاشر بعض وتعيش مع بعض لو غابت عن بعض ولو شوية صغننين بيوحشوا بعض، ده طبعًا بعكس الجبلات اللي بيجري في عروقها مية ساقعة. 


وهنا دخل نبيل فازداد ارتجاف هاجر و كأن الدموية كلها قد اختفت من وجهها، وقد لاحظ ذلك نبيل فزفر بضيق ولم يعجبه على الإطلاق.


وما أن دخل حتى أسرعتا نحوه أختيه تعانقاه بحرارة، وكلًا منهما تهمس له: حمد الله ع السلامة يا عريس. 


_ والله وصحتك جت ع الجواز!


_ طب والله إحلو!


فابتسم لهما نصف ابتسامة وقال وهو متجهًا نحو عمته: بطلي بكش إنتِ وهي. 


ثم سلم على أبيه وعمته، وقبل أن يتحرك قيد أنملة صاحت صافي: إده!


فازدادت هاجر رجفةً والتفت إليها الجميع، فقالت مشيرة بسبابتها إليه بطريقة ممتهنة: إنت إزاي تمشي كده! فاتح زرار القميص ومن غير كرافت! وكمان قالع الجاكيت!


فعقد حاجبيه في فجأة قائلًا: أفندم!


فأعادت صياحها: إزاي تقلع الجاكيت أدام الناس؟! الجاكيت يتقلع جوة البيت أو المكتب! لكن تمشي كده ! إزاي حفيد القاضي باشا يمشي من غير الجاكيت؟! ماشي بالقميص بس زي باقي العامة!


فصاحت فيها حبيبة: الجاكيت الجاكيت! إيه يعني قالع الجاكيت! هو كان قالع البنطلون عل فضايح اللي عملاها دي!


فقالت فجأة: إيه!


فالتفت إليها نبيل فنظرت في خزي قليلًا وقالت معتذرة: آسفة مش قصدي! بس هي مستفزة أوي! يعني جوزك راجع م السفر ما علقتيش ولا حتى سلمتِ عليه بإيدك وعاملة هيصة وهوليلة عشان حتة جاكيت!


فأجابت بلامبالاة: دول هم أسبوعين بس. 


ثم التفتت لهاجر وسألتها باشمئزار: إيه اللي إنتِ لابساه ده!


فأجابت بصوتٍ مرتعش: اتحجبت. 


_ ليه يعني؟!


_ عشان فرض ربنا وسُترة للمرأة. 


_ سُترة! بلدي أوي!


_ ربنا جعل الحجاب للمرأة لأنها غالية أوي زي اللؤلؤ اللي بيتخبّى جوة الصدفة. 


_ بس شكله وحش وبيداري الجمال، إيه المنظر ده بذمتك!


_ الجمال مش لازم يظهر لكل الناس للي يستحقه وبس. 


قالت هاجر الأخيرة بطريقة مختلفة فتأثر نبيل بكلماتها، ثم أكمل بسخرية: الحاجة الحلوة العريانة بيقف عليها الدبان، يعني زيها زي الزبالة! 


فأكملت صافي بتهكم: على فكرة، إنت بآيت زيهم بتتكلم بطريقة الحواري وأخلاق الحواري. 


فصاحت فيها حبيبة: ومالها طريقة الحواري وأخلاق الحواري! مش كفاية بأه! الراجل جاي م السفر وإنتِ شغالة توليع بس ومستلمة واحد واحد! هي دي يا ختي أخلاق السرايات خليهالك! 


فأجابتها: تفهمي إيه إنتِ ولا تعرفي إيه أصلًا عن السرايات وحياتهم!


فصاحت حبيبة: ما تسيبني عليها أضربها على بؤها الست دي! 


فتابعت: شوارعية همجية! كله عندك ضرب ضرب! عايزة تضربيني زي ما ضربتي عادل!


فالتفت نبيل، الأب والعمة نحو حبيبة في نظرات متسائلة، فقالت بتراجع: في إيه!


فقال نبيل بحدة: إنتِ ضربتِ عادل قبل كده؟!


_ هه! آه مرة زمان، ده قبل ما أقابلكم ولا أعرف إني بنتكم. 


فسألها الأب: ليه يا حبيبة؟


سكتت قليلًا ثم أجابت بتردد: لأنه مد إيده عليّ.


فقالت صافي بحنق: أخويا مش همجي ولا شوارعي عشان يضرب بنت!


فصاحت فيها حبيبة: أخوكِ حيوان وهمجي وقذر، وبيحسب إكمنه ابن باشوات إنه خلاص هيطيح في الخلق!


ثم قالت: بصي يا حلوة، ماما وخالتي الله يرحمهم علمونا إن جسم الواحدة ملكها و بس ومش من حق حد يمد إيده لأي سبب، البنت وجسمها زي عسكري الحدود اللي يحاول يقرب بس يإما يقدم وثيقته يا إما يتضرب بالنار، وبالنسبة للبنت الوثيقة دي هي عقد الجواز، وغير كده مفيش أي تعامل إلا من بعيد لبعيد، يعني ممنوع الاقتراب!


فابتسم نبيل بسخرية واشمئزاز نحو صافي ثم فتح ذراعيه لأخته فاتجهت نحوه فاحتضنها و قبّل جبهتها قائلًا: يسلم لسانك يا بيبو. 


فقالت شاهندة: وأنا كمان يا نبيل بجهز في لبس وهتحجب. 


فبسط ذراعه الآخر وضم أخته الأخرى وقبّل جبهتها، ربتّ على رأسيهما قائلًا بصوتٍ منخفض: ربنا يحميكوا يا اخواتي ويكفيكوا شر نفسكم وشر الأشرار!


كانت هاجر تتابعه بين أختيه بابتسامة عطرة وتنهيدة، كم هو أخٌ حنون! لكنه أحن زوج. 


فابتسم لها نبيل وأومأ لها بجفنيه فاقتربت بضع خطوات ورخّى ذراعيه عن أختيه فابتعدتا قليلًا، ووقفت هاجر عن مقربةٍ منه.


لكن تدخلت صافي قائلة وهي تنهض واقفة: إبقى خليهم ينضفوا الجاكيت دي.


فتساءل نبيل: ليه؟


فأجابت بتأفف: زمان الجاكيت بأه ريحته البرفيام بتاعها، أوف!


فقال نبيل وهو يمد يده لتقترب هاجر فطوق كتفها بذراعه واقترب من رأسها يتشممها بتلقائية مشتاقًا لعطرها، لكنه لم يشتم شيئًا، فتساءل: إنتِ مش حاطة أي عطر!


فأومأت برأسها نافية وأجابت: سمعت إنه حرام، هحط في البيت بس. 


فضمها إليه مربتًا عليها، لكن صافي لم تسكت وصاحت: خليك قاعد دايمًا مع الناس البيئة لما هتبقى زيهم! 


فصاح نبيل بصوتٍ قوي رجّ البيت: صافي! مش من حقك تهيني أي حد! ولا حد أخد رأيك م الأساس! ولآخر مرة إياكِ تغلطي في هاجر أو حبيبة!


_ طب حبيبة وطلعت أختك، لكن ست هاجر دي إيه!


_ تتكلمي معاها باحترام لأنها حرم نبيل القاضي، يعني مراتي! 


وشدد على خصرها مقربًّا إليه فأجابت صافي بتهكم: يا سلام!


فابتعد قليلًا وأخذ يضرب كفًّا بكف: لا حول ولا قوة إلا بالله! بقولك مراتي! إتجوزنا وواقفة في حضني أهي! إيه! المفروض أثبتهالك إزاي دي؟! أبوسها أدامك!


فصاحت بصدمة: بأه إنت اتجوزت عليّ أنا! ومن مين؟! من دي! ده إنت ماعندكش ذوق خالص! 


وفي لحظة كان نبيل منقضًا عليها جذبها من ذراعها وسحبها خلفه، كأن رصيد الصبر قد انتهى بالكامل، وهي لا زالت تصيح: سيب إيدي يا مجنون! والله لاوريك!


سحبها خلفه دون رد، حتى تغالت في سبابها فصاح بملء صوته: صافي!


كان صوته قويًّا وهيئته مريبة؛ فكأن وجهه قد اسود فجأة وسيتحول لمستذئب وربما تخرج له أنياب عملاقة ويشرب دماءها كمصاصي الذئاب!


ارتجفت هاجر رعبًا من صوت زوجها القوي، بينما وجم الباقون لا يستوعبون ماذا يجري فهو في هيئة لم يُرى عليها من قبل!


وصل نبيل إلى غرفة نومهما ولا زال ساحبًا صافي خلفه ثم فتح الباب ودفعها للداخل، فسقطت أرضًا على إحدى ركبتيها. 


ثم صفق خلفه الباب بقوة وقد بدأت تعيد سبابها له من جديد، فانحنى قليلًا ثم جذبها من شعرها لأعلى فنهضت واقفة وبدأت تتأوه. 


وصاحت: سيب سيب! 


فتركها ووقف أمامها مباشرةً مرسلًا لها نظرات حارقة، ثم قال: اللي زيك المفروض يترجم لحد الموت. 


_ أنا ما عملتش حاجة غلط تستحق كل ده!


فصاح فيها بقوة: ما تجننيش!


_ إيه يعني اتكلمت عنهم! أنا مش كذابة، ما هم فعلًا تربية حواري!


_ لا ده إنتِ مصممة تموتيني بالسكتة القلبية بأه!


ثم صاح بقوة: طب اللي يغلط ده! يبقى قاعد مختشي وخزيان من عملته أحسن حد يعرف! لكن يبقى غلطان من ساسه لراسه ويبجح كمان! لا دي جديدة!


فضيقت عينيها ثم قالت: ما تقول م الآخر. 


_ خونتيني ليه؟!


فقالت بصدمة: هه!


_ خونتيني ليه؟! كنت مقصر مع معاليكِ ولا حاجة! رغم عمايلك اللي إنتِ عارفاها كويس وما كنتش بقصر معاكِ بس طبعًا مش غصب عنك! إستحملتك أد إيه! عمري هينتك ولا قللت منك! جيت على نفسي وكمّلت معاكِ، ووالله كنت هكمل عادي من غير حاجة! ما خلاص إنتِ كنتِ موّتي فيّ أي إحساس بمعاملتك وبرودك، بطلت أحس! بآيت آلة شغل وبس! حتة صخرة ما بتحسش! حتى يوم ما قلبي دق قُلت لا ما ينفعش وجيت على نفسي وكنت بموت قلبي بإيدي عشان ما اجيش عليكِ! لكن إنتِ هتعيشي وتموتي جبلة ما حصلتيش الحيوانات، و توصل كمان للخيانة!


_ طب ما إنت خونتني مع دي يبقى خلاص خالصين! 


فلطمها على وجهها بقوة فصاحت فيه ممسكة وجهها: إنت اتجننت!


فصاح فيها بقوة: أنا اللي اتجننت! وكمان بتقولي خالصين!


فلطمها مرة أخرى، فصاحت فيه: زي ما انت عملت أنا عملت ما نبآش خالصين!


فضرب كفًّا بكف وقال بغضبٍ شديد: ده أنتِ معتوهة بأه! لا ما نبآش خالصين! أنا اتجوزت على سنة الله ورسوله! وأنا الراجل يعني ينفع أجمع، إنتِ بأه إيه! يجوز تجمعي برضو! إيه بتخترعي دين جديد!


_ وأنا ما بحبكش ومش طايقاك! بقرف منك يا أخي! نفَسَك بيقرفني! لمساتك بتشكني! مش عايزاك! مش عايزاك!


فقاطعها قائلًا: ما طلبتيش الطلاق ليه؟! يا ريتني كنت طلقتك من ساعة ما جدو إتوفى. 


_ عشان تاخدوا الفلوس كلها لوحدكم! فلوس جدو وباباك وبابي!


_ إنتو إيه! ما بتفهموش! بآلنا سنين بنفهمكم إن ده ما حصلش! وإنتو برضو راكبين دماغكم!


_ وبما إني مش طايقاك ولا طايقة حد فيكم، إتفضل طلقني وخلّصني، وحقنا هنعرف نرجعه منكم. 


_ أنا ف إيدي أسجنك بتهمة الزنا على فكرة.


_ ما تقدرش تثبت. 


_ والله! اللي خلاني أعرف يخلي معايا الدليل لده. 


فصاحت فيه: إتفضل طلقني طلقني!


فقال بهدوءٍ خارجي: إنتِ طالق.


فصاحت متوعدة: والله! لنَدّمكم على كل عمايلكم دي! والله هخليك تتمنى الموت وما تطولهوش...


ال٤٥ وال٤٦

(الفصل الخامس والأربعين)


بقلم نهال عبد الواحد 


كان صوت نبيل وهيئته وهو ساحبًا صافي مفزعًا جعل هاجر ترتعد خوفًا، ظلت واجمة في مكانها ثم تحرّكت نحو الحديقة تاركة الجميع دون أن تتحدث ببنت كلمة؛ فقد رأت شخصًا آخر لا تعرفه ولم تتوقعه إطلاقًا، تُرى هل هذا الجانب الآخر من نبيل؟!

لقد شعرت بأن به خطبٌ ما منذ أول يوم زواج! هل تزوجها ليقترب منها ويتذوقها فقط ثم يرمي بها مثل ابنة عمه؟!


ثم عاودت نفسها نافية كل ذلك؛ فقد شعرت بحبه وعشقه لها وصِدق حديثه، كم كان لطيفًا معها! هادئًا ورقيقًا، بل أرق ما يكون! كم يشبه في رومانسيته أبطال الروايات الرومانسية!


ظلت على حالها محدثة نفسها، ظنت به سوءًا ثم نفت كل شيء بل ودافعت عنه في نفس اللحظة!


وفجأة سمعته يناديها بهدوء، صوته قريب خلفها مباشرةً، استدارت وقد بدا على وجهها ملامح الخوف والتردد، لكن نبيل قد قرأها بسرعة وسألها بصدمة: إنتِ خايفة مني؟!


فترددت وزاغت عيناها كأنها تفكر في الإجابة، فأمسك كتفيها هزهما بضع مرات وصاح: خايفة!


فشعر برجفتها بين يديه فأدرك أنه يزيد الطين بلّا! فلم يلبث أن ضمها إليه وربتّ عليها ثم همس بهدوء: ده أنا قايلك، إستحمليني وما تسيبنيش، بمر بظروف صعبة وهحارب في كذا جبهة ومش عارف الضربة هتيجي منين ومحتاجك ما تسيبنيش. 


قال الأخيرة وشدد في عناقه، ففعلت مثله وقررت أن تتبع قلبها، ربتت عليه وخللت أصابعها بين خصلات شعره الخلفية بلطف.


فهمس لها مؤكدًا: والله بحبك!


فابتعدا قليلًا ونظر كلًا منهما للآخر ثم أكمل: عارف إن فضولك مجننك، بس مش هينفع أحكي مش قلة ثقة فيكِ، بس عشان الموضوع ما يخصنيش لوحدي، يخص كمان واحدة كانت مراتي. 


فتساءلت في صدمة: إنت طلقتها؟!


فأومأ برأسه وتابع: ومش بسببك. 


ثم قال بطريقة منهكة: من فضلك يا هاجر أنا تعبان ومش قادر أناهد في أي حاجة...


ثم قال: تسمحي تستضفيني ف أوضتك الفترة دي لحد ما أغير الأوضة اللي فوق تمامًا؟


فابتسمت بخفة مربتة على خديه بحنانٍ جم قائلة: أستضيفك العمر كله يا قلبي، تآنس وتنور. 


فضمها إليه مجددًا وهو يريح رأسه على كتفها؛ شاعرًا أن رأسه لا يقوى على حملها وكأن أحدهم جالسًا فوق رأسه. 


ابتعد قليلًا متجهين نحو الداخل؛ شعر إن لم يدخلا الآن ربما يسقط مغشيًّا عليه من الضغط، التفتت نحوه هاجر لتحدّثه فوجدت قطرات دم هابطة من أنفه، فتوقفت فجأة وجذبته نحوها ليقف هو الآخر، وصاحت في خوفً ولهفة: إيه الدم ده!


فأجاب بصدمة: دم!


وبدأ يتلمس أسفل أنفه، فتابعت بتأكيد: أكيد ضغطك عِلِي! لا حول ولا قوة إلا بالله!


أمسكت به بشدة تخشى سقوطه أرضًا تمشي به متجهة إلى الداخل ولازالت تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله!


دخلا معًا إلى الداخل وكان الجميع لا زال جالسًا لكنه قد فزع من هيئة نبيل فالتفوا حوله.


_ مالك يا نبيل؟ فيك إيه!


_ جراله إيه!


فأجابت هاجر: شكل ضغطه عالي. 


فصاحت قوت وهي تهرول لأعلى: هجيب جهاز الضغط من فوق بسرعة. 


وبالفعل أحضرت قوت جهاز قياس الضغط، وكانت دموع هاجر تسيل بلهفةٍ وخوفٍ شديد، تم قياس الضغط وبالفعل كان عاليًّا، فقالت: ده عايز دكتور ضروري. 


فصاح الأب بلهفة: كلمي الدكتور بتاعي يجي فورًا!


وكان رد قوت أن تحركت مسرعة، بينما جثت هاجر على ركبتيها أرضًا تسنده، نُقل نبيل بعد فترة بناءً على طلبه إلى غرفة هاجر وكان قد أعطاه الطبيب حقنة وعلاج مناسب مع بعض التعليمات اللازمة. 


دخلت هاجر حمام غرفتها شاعرة بالحزن، التعب والإجهاد الشديد، فتحت الماء فوق رأسها؛ تريد أن تهدأ؛ فاليوم كان حافلًا بحق. 


خرجت هاجر من الحمام مرتدية منامة ليلية، وقد لمحته بدأ يتململ في فراشها.


اقتربت جلست جواره، أمسكت بيده وظلت ناظرة إليه، حتى بدأ يتململ ليستيقظ، لكنه مجرد أن فتح عيناه ووجدها جواره أخذ نفسًا عميقًا ثم شدد يده على يدها مقبّلًا باطن كفها. 


_ حاسس بإيه دلوقتي!


_ حاسس بيكِ.


_ يوه! قول بجد وطمنني.


فقبل يدها مرة أخرى وقال بتعب: بموت...


فصاحت بهلع: مالك يا نبيل!


فضحك بتعب وقال: بموت فيكِ...


زفرت براحة ولا زالت تلتقط أنفاسها فتابع: إطمني أنا بخير.


وهنا سمع صوت طرقات، فتساءلت هاجر بصوت مسموع: مين؟!


فآتاها صوت حبيبة: أنا يا جوجو. 


فتساءلت وهي تنهض: حد معاكِ؟


فقالت حبيبة: كلنا. 


فنهضت وارتدت مئزرها فوق منامتها؛ فحتى المحارم لهم حدود في رؤية المفاتن الأنثوية للمرأة أو الفتاة، واتجهت تفتح الباب والجميع قد دخل. 


كان نبيل يتابع تصرفها بفخر وإعجاب، هتف الأب بلهفة: عامل إيه دلوقتي يا حبيبي!


فأجاب محاولًا المزاح: مالكم في إيه! أنا بخير الحمد لله! إطمنوا بأه. 


فردت هاجر: الحمد لله! ربنا يزيدك شفاء يارب!


مكثوا بعض الوقت، فطُرق الباب وكانت إحدى الخادمات، دخلت وضعت صينية والتي بها عشاء خفيف!


ثم قالت: أي خدمة تاني يا سعادة البيه!


فأجاب نبيل: آه، عايزك تنقلي لي من جوة حاجاتي كلها وتجبيها هنا عبال ما أغير الأوضة دي وانسفها. 


فأجابت هاجر موجهة للخادمة الكلام: إستني إذا سمحتِ، أنا اللي هنقل حاجة البيه وهتولى كل شئونه... 


فانصرفت الخادمة، فأكملت هاجر: أوضة النوم مكان خاص وما حدش ينفع يدخل عمّال على بطّال، ولما تقوم بالسلامة كمان هبهرك.


قالت الأخيرة وهي تبتسم لزوجها فابتسم لها نبيل قائلا: بس كده مين هيرتب وينضف الأوضة؟!


فأجابت: وأنا روحت فين يا حبيبي؟ عادي هروق الأوضة وأنضفها وأغسل وكل حاجة تخصك عليّ.


فقبّل كف يدها مرة أخرى، فقالت حبيبة: بصراحة! في حاجة، البنت دي مش بستريح لها خالص.


فأكملت هاجر موافقة: أيوة فعلًا، لكن مفيش أدلة. 


فأجاب عليهما نبيل: مش عايزينها أمشيها؟


فأسرعت هاجر قائلة: لا لا! بلاش قطع الأرزاق ده مجرد انطباع، إن بعض الظن إثم. 


فتنهد نبيل باستسلام: اللي يريحكم. 


وبعد قليل استأذن الجميع تاركين الغرفة، صعدت هاجر لأعلى تحضر بعض الملابس ومتعلقات نبيل ثم عادت فوجدته شاردًا ناظرًا إلى سقف الغرفة، فقررت ألا تفاتحه في أي أمور ربما تزعجه؛ فقد كان منفعلًا بشدة لدرجة رفعت ضغطه بشكل خطير. 


تُرى ماذا فعلتِ يا صافي ليهيج ويثور هكذا؟! يبدو أن فِعلتِك شنيعة!

شردت قليلًا في أمرٍ ما ثم عادت تستغفر ربها على ظن السوء بها. 


اتجهت نحو زوجها تعاونه لينهض إلى الحمام ويأخذ حمامًا دافئًا، كانت لا تتحدث، فقط على وجهها أجمل ابتسامة يراها نبيل كلما التفت لها، فأمسكت بيده وقبّلتها، شعر بالفعل أنها تقويه وتمده ببعض القوة التي شعر فجأة أنه قد افتقدها. 


ربّتت عليه وعبثت بشعره برقة وهو نائمًا على وسادتها، كان يشرد حينًا ويتلفت إليها حينًا فيجدها على وضعها فيمسك بيدها ويقبّل باطن كفها مجددًا. 


كأنه كان يقوم بعمل مقارنة داخلية، لكن لا وجه مقارنة، كم أنتِ رقيقة وحنونة يا هاجر!


ثم فاجئته بعد كل هذا الصمت، بقولتها و هي متكئة جواره: أحكيلك حدوتة!


فالتفت إليها وانفجر ضاحكًا؛ فلم يُعرض عليه طلب كهذا منذ أن كان طفلًا، ثم قال ودفن رأسه في حضنها فضمته إليها كطفلها ومسحت على رأسه من حينٍ لآخر وعبثت في خصلات شعره: احكي يا ست شهرزاد... 


فابتسمت بخفة وقالت بأسلوب شهرزاد السارد: بلغني أيها الملك المحزون ذو الرأي الموزون أنه كان... 


مرت أيام وأيام، الأحوال هادئة وأجواء البيت بالكامل يسودها الود، المحبة والحياة الأسرية الطبيعية الهادئة بلا مشاحنات ولا توترات. 


أما عن هاجر فتعاملت من منطلق كونها زوجة عادية وعليها القيام بشئون زوجها، وإن كان عملها قاصر على ذلك فقط؛ فالبيت به خدم يقومون بفعل كل شيء، هي فقط اقتطعت شئون زوجها وخصوصية غرفتهما لتقوم بهما، ترتب ملابسه وتعدها، تقدم له الطعام بنفسها، تهتم بصناعة مشروباته بنفسها إن كان كوب شاي، قهوة أو نسكافيه، تجلس معه يتحدثان في شتى الأمور. 


شعر بسعادة غامرة ورغم أن كل ما تفعله هاجر أشياء عادية تفعلها الزوجات، بل أنهن تفعلن أكثر من ذلك بكثير فليس الجميع لديه خدم في بيته، لكن كان كل هذا يُعد كخيالٍ بالنسبة له، كان يسمع عنه لكنه لم يراه يومًا في السابق. 


أما صافي فقد عادت إلى بيت أخيها وكانت شقة اشتراها له نبيل منذ زمنٍ ليبعده عن القصر حفاظًا على أخته شاهندة وراحتها. 


كانت شديدة الغضب وأخوها أشد غضبًا منها، وذلك القرين الثالث الشبه مقيم معهما لا يقل عنهما غضبًا، و إن كانت دوافع كل واحد من ضلع مثلث الشر هذا مختلفة. 


هتف عادل: الطلاق ده ما كانش ف وقته خالص، إيه اللي عفرته كده بس!


فأجابت صافي بحنق: بأه أنا يروح يتجوز عليّ جربوعة زي دي! 


فرد عليها عادل: خلي حد غيرك يقول كده، إنتِ صدقتِ نفسك! هو من إمتى كان فارق معاكِ أصلًا؟!


فصاحت في وجهه: آه عمره ما كان فارق معايا ولا عمري طِقته، لكن أنا اللي أسيبه! أنا اللي أرميه مش هو! بأه يفضّل عليّ واحدة زي دي من العامة وتربية حواري!


ثم وجهت كلامها لذلك القرين الثالث الجالس في صمت: ما تقول حاجة يا فادي! ساكت يعني من أول القعدة!


وكان يراودها شكٌ من ناحيته أنه من أخبر نبيل بما جرى بينهما؛ فلم يعرف بذاك الأمر أي مخلوق، لكن كيف ومتى؟! وهو كان معها ويحبها، أم فعل ذلك ليطلقها ويتزوجا!


سكت لفترة ثم صاح فيهما: نبيل كان مسافر فين يمضي العقود الجديدة؟!


فتابعت باستهزاء: وإيه علاقة ده بموضوعنا!


فصاح بغضب: نبيل خدعنا كلنا! والصفقة اللي كنا عاملين حسابنا ناخدها خدها بكل سهولة.


فقالت: أنا قُلتلكم قبل كده نبيل مش ساهل ولا طفل صغير تقدر تضحك عليه. 


فصاح عادل: أقسملك إني جبتلك الأخبار دي من مصادر موثوقة. 


فأكمل فادي: بس في الآخر وقّع مع الشركة الإنجليزية. 


فتابعت صافي في صدمة: الشركة الإنجليزية! ده كان مسافر ألمانيا.


فضحك بسخرية ثم قال: ألمانيا! مش بقولكم خدعنا كلنا وإنتِ أول واحدة خدعك، لا ماراحش ألمانيا، غيّر التذاكر في آخر وقت، وللأسف ما عرفتش غير إمبارح بس، مش عايزين الصفقة التانية تروح مننا برضو ولازم نتحرك ونكون أسرع منه. 


تابعت صافي بكُره: لازم ننتقم. 


فأكمل عادل: لازم ناخد كل حاجة ونرميهم ف الشارع. 


فابتسم فادي بشر: لازم نضرب العصافير كلها بحجر واحد وتكون ملعوبة صح وفي الوقت المناسب نشوط ونجيب جون. 


ليردف عادل وصافي معًا: ياريت! إزاي؟!


ليتابع قائلًا: شوفوا، إحنا هـ...

(الفصل السادس والأربعين)


بقلم نهال عبد الواحد 


مرت الأيام والحياة مستقرة وهادئة بين أفراد البيت يملأها مودة، رحمة ودفء لم تحياه منذ زمن، بل لم تحياه مطلقًا، فجدران هذا القصر الفخم تكاد تفر هاربة من شدة ما عاصرت فيه من ظلم، فُرقة وبرودة شديدة مهما أدارت فيه مدفئات، حتى أن الضحكات الصاخبة من قبل لم تكن سوى صورًا مرسومة لزوم التصوير والوجهات الاجتماعية، أما الآن فإن صدع صوت ضحكة أحدهم شعرت كأن الجدران تتراقص معانقة بعضها بعضًا، بل إنها لربما تتمايل من نشوة السعادة بسعادة هذه العائلة. 


لكن نبيل ورأفت كانا يشعران دائمًا أن ذلك الصمت الذي يسبق العاصفة. 


وذات يوم كانت هاجر إجازة هذا وخرج نبيل بمفرده ثم عاد في موعده قبيل المغرب، دخل وجد أباه وعمته جالسين فسلّم عليهما وهو يبحث بعينيه في المكان عن زوجته الحبيبة التي قد اشتاق لها. 


لكنه لم يجدها فأيقن أنها في غرفتهما على أتم استعداد لاستقباله وربما للقاءٍ حار، فأسرع يصعد الدرج فنادته عمته ضاحكة: استني يا نبيل! على مهلك مراتك مش فوق. 


فتوقف فجأة ثم التفت بتعجب قائلًا: أمال راحت فين؟ خرجت يعني!


فضحكت قوت مجددًا وقالت: خرجت إيه بس! دي في المطبخ بتجهز الغدا. 


فهبط درجات السلم بانزعاج وقال مزمجرًا: يعني إيه في المطبخ! وده من إمتى؟! أمال الشغالين اللي هنا بيعملوا إيه!


وقبل أن تجيبه عمته بكلمة كان قد اتجه إلى المطبخ، وقف على بابه فوجد هاجر واقفة مستديرة له بظهرها، فرفع عينيه نحو الجميع وأومأ لهم أن يخرجوا. 


اقترب نبيل من هاجر وتنحنح قليلًا فالتفتت إليه بابتسامة عذبة ثم اقتربت وتعلّقت بعنقه هامسة إليه: حمد الله على سلامتك يا حبيبي، ثواني وأكون خلصت السلطة. 


ثم عادت لموقعها الأول فتساءل: طب ليه يعني؟ ما في ناس دي شغلتها تتعبي نفسك ليه؟!


فقالت وهي تهرس الباذنجان المشوي: يا حبيبي أنا انهاردة أجازة فقُلت أعملك الأكل من إيدي وسألت عمتو عل الأكلات اللي بتحبها وعملت منهم، هه إيه رأيك؟ ما نفسكش تجرب وتاكل من إيدي! ما تخافش يعني مش هيحصل حاجة. 


فقهقه ضاحكًا ثم اقترب منها واحتضن خصرها فألصق ظهرها في صدره وانحنى للأمام قليلًا وأسند بخده على خدها بينما هي لا زالت تكمل عملها. 


فهمس لها: مع إني ما كنتش عايزك تتعبي، بس أكيد نفسي أدوق. 


وقبّلها جوار شفتيها، فشهقت قائلة: الناس يا نبيل!


فكررها مجددًا وقال: مشيتهم برة المطبخ أول ما جيت، هه عملالي إيه عل غدا بأه؟!


فأجابت بنبرة فخورة: رقاق وورق عنب وستيك بالبصل وملوخية خضرا. 


فأغمض عينيه قائلًا بانتشاء: تسلم إيديكِ.


_ تسلم يا غالي، بس بعد كده قولي عل الأكل اللي نفسك فيه وأعمله يوم الأجازة بتاعتي، وحتى لو مش عارفة أعمل الصنف اللي إنت عايزه هسأل الشيف أو ممكن أتصل بالشيف اللي كان شغّال في المحل أيام ماكنا بنشتغل فيه؛ كان بيعمل أكلات تحفة. 


ثم أكملت بنبرة على استحياء: ده طبعًا إذا سمحت، لكن لو مش موافق خلاص بناقص الكلام مع الشيف ده، لكن أحب أطمنك هو مش شاب صغير وراجل محترم. 


كان نبيل صامتًا ولا يجيب فعقدت حاجبيها بدهشة ثم التفتت إليه فوجدته ناظرًا لها مبتسمًا، فأردفت بزمجرة: طب مش بترد عليّ ليه؟!


ثم قالت: والله يا نبيل عمري ما هعمل حاجة من وراك ولا من غير إذنك! ولو إنت مش راضي يبقى كأني ما قُلتش حاجة. 


فزادت ابتسامته وقال: إنتِ جميلة أوي يا هاجر. 


فوجمت في دهشة: هه!


فأعاد خده ليسند على خدها وأكمل: أول ما دخلتوا حياتنا، الأيام الأولانية دي، وعرفت موضوع رياض، جيت طلبت من حبيبة تخف الزيارات عندهم لحد ما أعرف حكايته، فاكر كويس ساعتها إني قُلت الطلب تحصيل حاصل وهي مش هتسمع كلامي وترميه بعرض الحائط، لكن فوجئت إنها نفذته بالحرف ولما جيتم هنا استأذنتني قبل ما تروح تسلم عليهم في بيتهم، و إنتِ أهو أدامي مش بتعملي أي حاجة غير لما تستأذني الأول، حتى تأثيركم وصل لشاهي، حقيقي أنا محظوظ بيكم كلكم. 


فأجابته: يا حبيبي إنت تستاهل كل خير. 


فأكمل: أنا بثق فيكِ أعملي اللي إنتِ عايزاه. 


فقالت بسعادة: يباركلي فيك يا غالي!


ثم قالت: ده أنا ناوية على ورشة عمل متكاملة، هدخل البنات المطبخ واخليهم يطبخوا. 


فأردف: يا لطيف! استر يا رب!


فضحكت وأكملت: طنط نادية مش هتقبل إن حبيبة ما تطبخش لرياض بعد الجواز، وشاهي لازم تحط في اعتبارها إن مش كل الناس من قدرتهم يجيبوا شغّالات.


فضحك وتابع: ما عنديش مانع، خليهم يتربوا. 


فضحك الاثنان ثم قالت: معلش يا بيلو هات معلقة صغيرة ودوق البابا غنوج عايز ملح ولا إيه!


فنظر لها بمكر ثم قال: أروح لحد هناك!


فأومأت برأسها، فأكمل: وامشي كل ده!


فضحكت قائلة: آه معلش، إبقى خد تاكسي. 


فأكمل: وكمان بيتحفّل عليّ! 


ثم أمسك بأحد أصابعها وغمسه قليلًا ثم تذوق وهي تتمايل من كثرة الضحك، ثم قال: مسكّرة.


فتعالت ضحكاتهما... 


بعدها ببضع أيام وفي نفس الأسبوع، كانت هاجر عائدة من الشركة مع زوجها، حبيبة وشاهندة، جلس الجميع وتناول الغداء لكن بمجرد أن صعد نبيل وهاجر لغرفتهما حتى شعرت بلَية شديدة في معدتها، أسرعت نحو الحمام وتقيأت ثم اتجهت إلى فراشها ونامت. 


جلس نبيل جوارها قلقًا، وكان لديه موعد فاضطر للخروج، وعندما جاء في المساء ذهب يبحث عن زوجته لكنه تفاجأ بها في المطبخ. 


فصاح بغضب: يعني إيه تدخلي المطبخ وإنت تعبانة!


فقالت وهي تقلّب شيئًا فوق الموقد: أنا بآيت كويسة ولاقيتني جعانة فقمت أعمل حاجة أكلها. 


فصاح بدهشة: حاجة! أنا شايف حفلة. 


فأردفت قائلة: لا حفلة ولا حاجة، عملت أم علي في الفرن خت الطريقة م شيف المطعم كان بيعملها تجنن، و ده قرص عجة. 


فزم شفتيه بعدم فهم قائلًا: عجة إزاي يعني؟!


فأجابه صوت حبيبة من مدخل المطبخ وهي تدخل بصحبة شاهندة وخلفهما قوت: دي الصورة الشعبية للاسبانش أومليت، بس الخضار مستوي وعليها خُضرة. 


فأجاب: بس كده تبقى تقيلة أوى. 


فالتفت فوجد هاجر جالسة تأكل من قرص العجة بشراهة شديدة، فوجم وفرغ فاه هو وأختيه وتساءل بوجل: في إيه! بالراحة يا قلبي. 


فأجابت هاجر والطعام في فمها: جعانة!


فأردفت حبيبة مازحة: يامّا!


ثم تساءلت شاهندة وهي تفرك ذقنها: بس العجة بعدها أم علي إزاي؟!


فأجابت هاجر ثانيًا والطعام في فمها: نفسي فيهم وجعانة أوي. 


فنظرت إليها قوت نظرة مطوّلة ثم ابتسمت واقتربت بينما الإخوة الثلاثة يتابعون هذه الجائعة التي تأكل بشراهة غريبة وغير معهودة منها. 


انحنت قوت ناحية هاجر ثم همست في أذنها بشيءٍ ما، فانتفضت هاجر على أثره وهبت واقفة! وضعت يدها على بطنها قائلة: قصدك إني ممكن... 


فأسرع نبيل نحوهما في سعادة شديدة فجائية وصاح بلهفة: حامل!


فزفرت قوت وقالت: يا خايبة طب لما نتأكد إبقى قولي.


فأكمل نبيل متسائلًا: و نتأكد إزاي؟


فأجابت قوت: اختبار حمل من الصيدلية ولو مابانش تعمل تحليل حمل بالدم في أي معمل تحاليل. 


فضمها بشدة وصاح بسعادة شديدة: كُلي! كُلي براحتك! وكل الي إنتِ عايزاه أجيبهولك، هروح أبعت حد يجيبه، لا لا أنا اللي هروح اشتريه. 


فهمست حبيبة لشاهندة: يا ترى كل الرجالة بيقلبوا هُبل كده لما مراتاتهم يحملوا!


فسمعها نبيل وقال لها بتوعد مصطنع: طب لما آجي هوريكِ الأهبل هيعمل فيكِ إيه!


فتصنّعت عدم الفهم وقالت: جرى إيه يا بيلو! قلبك أبيض! 


ثم قالت: على فكرة لو سلمتها أمور المطبخ كلنا هيزيد وزننا بسببها. 


فردت عليها هاجر: إيه يعني! ما تطخني شوية بدل ما أنتِ شبه خلة السنان كده. 


فصاحت فيها حبيبة بمزاح: أنا خلة سنان! شاهد يا بيلو!


فأجاب: لا مش شاهد. 


فضحكت هاجر قائلة: شوفتِ! اغلي يا كنكة براحتك!


فتساءلت شاهندة: بتقول إيه دي؟!


فأجابت حبيبة: سيبك منها، دي بتغيطني، اضربها على بؤها يا بيلو مراتك دي. 


فأجابت هاجر: لا طبعًا ده أنا مراته حبيبته. 


فأجاب متدخلًا: لا بلاش السكة دي عشان مش هتمشي معايّ، هي مراتي وانتو اخواتي، يعني هسيبكم تاكلوا ف بعض. 


وهمّ بالذهاب فنادته هاجر: نبيل!


فالتفت إليها قائلًا: أيوة حبيبتي. 


فقالت: ممكن أطلب منك حاجة تجيبهالي معاك. 


_ عيوني. 


_ كنت عايزة بطيخ. 


_ بطيخ!


_ آه، ممكن!


_ ماشي حاضر، هشوفلك. 


فضحكت حبيبة وشاهندة وقالت حبيبة: إنتِ ما صدقتِ! إنتِ لسه حتى ما حللتيش، طب إستني إتأكدي واطلبي بقلب جامد. 


فتكمل شاهندة: والغريب إن نبيل بيطاوعها عادي. 


فأسكتتهما هاجر ثم قالت: ممكن طلب تاني!


فأجابها نبيل: إتفضلي، طلباتك أوامر! 


فأردفت حبيبة بمزاح: هو قصده طلباتك كترت! 


فنظرت لها بغضبٍ مصطنع ثم وجهت كلامها إلى زوجها: بص الطلب ده مش ضروري دلوقتي. 


فضيق عينيه قائلًا: لحظة! هو البطيخ ده دلوقتي!


فأجابت: أيوة عشان أحلي. 


فضحكت حبيبة، شاهندة وقوت، وأكمل نبيل وهو في صدمته: تحلي! يعني العجة بعدها أم علي، وبعدهم هم الاتنين بطيخ!


ولا زالت الفتاتان تضحكن بشدة، ثم تساءل نبيل: طب إيه الحاجة اللي نفسك فيها ومش دلوقتي؟


فأجابت: فسيخ. 


فوجم بصدمة قائلًا: فسيخ اللي هو إزاي؟!


فأجابت حبيبة: اللي هو السمك المعفن. 


فتساءلت شاهندة: معفن! والناس عارفة إنه معفن؟!


فضحكت حبيبة بشدة قائلة: أيوة طبعًا، دي ريحته بتهفهف. 


فقالت قوت: بس حبيبتي ده ما ينفعش أكل للحوامل. 


فأكملت حبيبة: ممكن أخلي رياض يجيبه، هو مرة كان جايب نوع بملح خفيف. 


فتساءل نبيل: وإنتِ بتحبي الفسيخ ده!


فأجابت: لا، ما كنتش بحبه لحد ما مرة رياض دوقني.


فنظر بينهن جميعًا ثم انطلق منصرفًا، وكأن هناك كان من ينصت وتراجع مسرعًا قبل أن يراه نبيل. 


بينما استمرت هاجر في أكلها الشره واستمرت حبيبة وشاهندة المزاح الموجه إليها.


مر بعض الوقت وعاد نبيل باختبار الحمل وبالبطيخ وصعد الجميع إلى غرفة نبيل وهاجر بالأعلى.


أخذت هاجر اختبار الحمل ودخلت به الحمام والجميع في الانتظار، حتى خرجت إليهم بعد قليل تزف لهم البشرى فسعد الجميع بشدة، أما سعادة نبيل فهي مضاعفة؛ فلم يكن يتوقع يومًا أن سيكون له أي ذرية أو يكون أبًّا يومًا ما، وأخيرًا قد جاء فرج الله!


حقًا تستحقين يا هاجر البطيخ!


ترك الجميع هاجر لتأكل البطيخ بينما جلسوا جميعهم في غرفة الأب ليزفون له الخبر، وبعد التهنئات وبعض المزحات.


قالت شاهندة: على فكرة يا بيلو أم علي تجنن، سايبينلك طبقك في الأوضة عندك. 


فقالت حبيبة بمزاح: ولّا زمان هاجر كلته. 


فأجاب وهو يضحك: لا هاجر ضاربة غطس جوة البطيخة ومنسجمة معاها جدًا. 


ثم قال: يا لطيف! هو الستات بيفضلوا كده لمدة تسع شهور! 


فأجابته عمته: مش كل الستات زي بعض. 


مزحت حبيبة مجددًا: يا عيني يا بيلو، روح أمّن على دراعك قبل ما تجوع وإنت نايم وتاكل إيد، رجل... 


فقال وهو يتحرك خارج الغرفة: طب عل إذنكم أروح أشوف المجزرة اللي بتحصل جوة. 


فضحك الجميع، واتجه نبيل إلى غرفة النوم ودلف لداخلها ، فسمع أصوات تقيؤ قادمة من الحمام، فاقترب وذهب إليها يسندها قائلًا: كان لازمته إيه بأه! ما كنتِ كلتِ على أدك. 


فقالت بصوتٍ منهك: كنت جعانة والله يا نبيل!


فأجابها وهو يسندها إلى الفراش مربتًا عليها لتنام، وتمنى بداخله ألا تعيد الكَرّة مرة أخرى. 


تُرى هل ستتوقف عن الأكل الشره أم...


تكملة الرواية من هنااااااا

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع