رواية هل الضربة قاضية الفصل 47-48 بقلم نهال عبد الواحد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية هل رواية هل الضربة قاضية الفصل 47-48 بقلم نهال عبد الواحد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
قاضية الفصل 47-48 بقلم نهال عبد الواحد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
(الفصل السابع والأربعين)
بقلم نهال عبد الواحد
مرت عدة أيام وهاجر على حالها تشتهي الطعام، تأكله بشراهة ثم تتقيأه ونبيل حينًا يشفق عليها وأحيانًا أخرى يمازحها فيما تفعله مندهشًا من طلباتها العجيبة التي لا علاقة لها ببعضها، فيوم تشتهي البطيخ وآخر تشتهي الزيتون ويومًا آخر تشتهي أم الخلول و...
وهو يتبع هواها ملبيًّا طلباتها والتي يتأكد دائمًا أنها ستتقيأها!
ذهب بها إلى الطبيب المختص فطمأنه على صحتها وصحة جنينها، حقيقةً هو لم يذهب بها وحده بل كانت مظاهرة عند الطبيب فكل من حبيبة، شاهندة وقبلهن العمة أصروا على الذهاب معهما!
كان الزوجان سعيدين للغاية ويعدان أنفسهما لاستقبال هذا الكائن أيًّا كان نوعه ذكر أم أنثى لا يهم، المهم قد تحقق الحلم وسيصيرا أبوين.
طوال الوقت إما يبحثان عن أسماء ذكورية وأنثوية أو يشاهدان تصميمات غرف الأطفال ليبدءا في تأسيس غرفة، أو يشاهدان ملابس الأطفال ويهوسا بها خاصةً هاجر التي قد هوست بملابس الإناث وتتفق مع نبيل من الآن أنها ستوحد ملابسهما هي وابنتها، تبحث عن تسريحات لشعر الفتيات، ثم يتفقان في النهاية على قراءة كتب تربوية، ثم تجلس وتحسب الفارق بين موعد ولادتها ومواعيد اختباراتها بالجامعة.
كان الجميع متابعهما شاعرين بهوسهما بطفلهما القادم حد الجنون !
وذات يوم كان رياض يزورهم والجميع جالسين معًا، رياض، حبيبة وشاهندة وقد ارتدت حجابها، العمة قوت والأب السعيد بتجمع أولاده من حوله وبالطبع أبوان المستقبل نبيل وهاجر، في اجتماع عائلي خفيف بين المزاح، الود والمحبة الحقيقية.
هتف رياض موجهًا حديثه إلى شاهندة: مبروك يا شاهي الحجاب، ماشاء الله عليكِ!
فأجابت بابتسامة ودية: الله يبارك فيك شكرًا.
فأكمل موجهًا حديثه لحبيبة: عقبال القاعدين!
فزمت حبيبة شفتيها قائلة: إنت عايزني أتحجب ولا إيه!
— في مشكلة يا فندم!
— مش حكاية مشكلة، بس مش هينفع دلوقتي.
— وإيه اللي ما نفعهوش!
— زي ما انت عارف ما ينفعش أتحجب و بعد كده لما يكون عندي ماتش أقلع الحجاب؛ ما هو مش هينفع حجاب على شورت وكات، ياريت كنا زي بتوع التايكوندو لبس مقفول وطويل، ده حتى كان معانا بنات محجبات في البطولة اللي فاتت في التايكوندو والبينج بونج والشيش.
— يعني سيادتك مش عايزة تتحجبي عشان خاطر الملاكمة، بتحطيهم ف كفتين قصاد بعض يعني!
فأجابت على استحياء: أكيد لأ، إنت زعلت ولا إيه!
— هي كانت أوامري اللي بتكسريها دي عشان أنا اللي أزعل! إنتِ بتزعلي الأكبر منك ومنا كلنا، اللي خلقك وخلق الأمر ده وهو الأعلم بمدى نفعه.
— والله أنا مش معترضة! بس هي الظروف.
فتنهد قائلًا: عمومًا هقفل الموضوع ده مؤقتًا لحد يومين البطولة دول ما يعدوا ولما نرجع بالسلامة لينا كلام تاني.
— لا مش هينفع، طب وبطولة اليابان!
— سيادتك بتحكي في سنة جاية، شكلك نسيتِ إن في فرح!
فتدخلت قوت قائلة: وبعد الفرح ممكن يكون في حبيبة صغيرة أو رياض صغير.
فتوردت وجنتي حبيبة وقالت بخجل: وبعدين يا عمتو!
فضحك الجميع، ثم انحني رياض ناحية حبيبة فاقتربت قليلًا، فهمس لها : عايز أكلم شاهي ف حاجة، قوليلها وتعالوا إنتو الاتنين ف الجنينة.
فزمت حاجبيها ونظرت نظرة مطولة له، ثم أمالت إلى أختها وهمست لها: عايزاكِ شوية برة.
فاستأذنت كلتاهما وانصرفتا وبعدهما بقليل استأذن رياض وخرج خلفهما، وبالطبع نبيل متابعًا جيدًا شعر أن أخته تعاني من أمرً ما، لكنه يثق بوجود حبيبة ورياض إلى جوارها.
همس لهاجر: شكله موضوع كبير!
فتلعثمت ثم قالت: باقولك إيه بلاش تضغط عليّ عشان ما اتكبش ف الكلام ويحلفوا ما يقولولي حاجة، ما أنا بآيت بتعامل معاملة المخبر.
فقهقه نبيل من تشبيهها ثم قال متغزّلًا: أحلى مخبر ده ولا إيه!
ثم قال: عمومًا أنا ملمس شوية كده الموضوع، وعارف أختي ودماغها التركي الناشفة!
فضحكت بخفة، فتساءل: يعني ما طلبتيش طلب عجيب من طلباتك يعني! خلاص بطلتِ تجوعي؟!
فقالت بغضب مصطنع: شكلك بتتريق كالعادة!
— لا يا حبيبتي أنا بنكشك بس.
ثم ضحك وقال: خايف أحسد نفسي عليكِ!
— على إيه يعني!
— مش واخدة بالك مدلعاني إزاي وبتراعيني إزاي! وإزاي شيلاني على راسك؟
— يا حبيبي ده العادي، كل الستات بتعمل كده، بتطبخ وتراعي جوزها، دول أكتر مني بمراحل كمان ومفيش خدم، تلاقيها تغسل وتمسح وتكنس وتطبخ وبتروح الشغل وبتودي مدارس ودروس وتمارين وقايدة صوابعها العشرة وفي الآخر مفيش تقدير، ده كمان ممكن تلاقي سوء معاملة وإهانة، لكن إنت الله أكبر ! ربنا كرمني بيك أي حاجة بعملها بتدلعني قصادها أد إيه! بتحبني بجد وتخاف عليّ! بتهتم بيّ وتقدّرني وتحترمني! يبقى بعد كل ده مش عايزني أردلك الحب والاهتمام بشوية حب ودلع!
فأمسك بيدها وقبّل باطن كفها وقال: ربي يبارك فيكِ يا أم البنين والبنات!
فزمت حاجبيها قائلة: مين دي اللي أم البنين والبنات؟!
— إنتِ يا قلبي، لسه عايزين نكمل الفريق.
فضحكت وضحك، فقالت قوت تشاكسهما: شكلنا قاعدين عزول، تحبوا نطلع ونسيبكم على راحتكم!
فأجاب نبيل: الأحلى إننا إحنا اللي نطلع ونقعد فوق على راحتنا.
فضحكوا جميعًا...
أما رياض، حبيبة وشاهندة فتحدثوا بدايةً في أمورٍ شتى ثم قال رياض: كنت عايزك ف حكاية كده يا شاهي!
فردت: إتفضل.
— إيه اللي مزعلك من إيهاب؟ عملك إيه مخليكِ مقطعاه كده؟!
سكتت قائلًا ثم قالت: بص يا رياض، إحنا من ساعة ما اتعرفنا على بعض وإحنا بنتكلم عادي وبعد كده الأمور اتطورت شوية من حيث انطباعتنا وإحساسنا، وبعد كده يجي يقولي أنا لسه مش عارف آخد قرار في موضوع خطوبتنا! خلاص براحته مش تحت أمره ولا وقت ما يقولي مش وقته أستنى ووقت مايقولي يلا أقوله أهلًا وسهلًا!
— لا حول ولا قوة إلا بالله! والله الواد ده بيحبك وتعبان جدًا من تطنيشك ده وعاوز كلمة منك عشان يجي يتقدم.
— والمفروض إني أفرح كده صح!
ثم نهضت واقفة تهمّ بالإنصراف ثم عادت لهما ترفع سبابتها له محذرة: رياض، إوعى تتدّخل وتقوله حاجة! سيبه! مش هو محتاج وقت يتفضل براحته بأه، أنا بنت عندي عزة نفس مش برمي نفسي على حد، عل إذنكم.
وانصرفت، فأكملت حبيبة قائلة بفخر: جدعة والله! وسيبه بأه يستاهل ويتربى شوية.
— أعوذ بالله! جنازة وتشبعي فيها لطم! عمومًا وقتنا الحالي على أد استعدادات السفر وأول ما نرجع نجهز للفرح، وربنا يهديهم بأه بدل وجع القلب ده! المهم إن هو اللي كان بينصحني زمان!
— ليه كنت محتاج حد يقنعك إنت كمان!
فأدرك رياض الورطة التي أوقع نفسه فيها، فتنحنح وقال بنبرة أكثر لطفًا: لا طبعًا، بس في البدايات يعني لو كنتِ فاكرة إني كنت ضد فكرة الارتباط، بس إنتِ طبعًا غيرتيني.
— أيوة اضرب ولاقي! هعمل نفسي مصدقاك لما نشوف آخرتها.
بعدها في نفس الأسبوع وعلى مائدة الإفطار صباحًا، الجميع يتناول فطوره معًا، قال نبيل لزوجته: خلاص خدتِ الأجازة وطنشتيني ف الشغل!
فأجابت: يومين كده واروق وآجيلك يا سيدي.
فأكمل بوله: أصلك بتوحشني يا قمر!
فضحكت وضحك، فتابعت قوت: لا طبعًا دي لسه في أول الحمل ولازم ترتاح! استحمل شوية!
فأردف متصنع الضجر: الواحد مش عارف يتحمل إيه ولا إيه!
فلكزته هاجر فضحك الجميع، ثم تساءل: يومكم إزاي يا بنات؟
فأجابت شاهندة: هروح بعربيتي واستأذن ف نص اليوم، هروح أزور سلمى صحبتي عشان ولدت.
فأومأ برأسه، ثم سأل حبيبة: وإنتِ؟
فأجابت: معلش هنزل على سكتك لحد اتحاد الملاكمة عايزيني هناك وبعد كده هكلم رياض وأشوف خلص مشاويره ولا إيه عشان لسه في حاجات تخص سفرنا.
فأومأ نبيل برأسه، ثم أومأ لها بطرف عينه أن تستأذن أبيها فتحرجت قليلًا، ثم تنحنحت وقالت: هه يا بابا! ولا عند حضرتك اعتراض.
وجم رأفت لا يصدق أنها قالت بابا أخيرًا، فابتسم ابتسامة عريضة وتغرغرت عيناه بدموع الفرحة هو وكل الموجودين، ثم قال بحنان: براحتك يا حبيبتي ولو تحبي أكلملك حد.
فأسرعت قائلة: لا شكرًا، عايزة أعتمد على نفسي.
— براحتك يا حبيبتي، عمومًا أنا تحت أمرك في أي وقت، وربنا يوفقك!
نهض نبيل واقفًا فسلم على زوجته وأشار لحبيبة تنهض وتلحق به، فسارت بضع خطوات وترددت قليلًا ثم قالت: أنا ماشية يا بابا، عايز حاجة!
فابتسم مرة أخرى بسعادة بالغة، ثم نهض واقفًا فاتحًا ذراعيه فانطلقت داخل حضنه تنعم بحضنٍ أبوي عظيم أسعد قلبيهما وأسعد الجميع ثم قبلة أبوية عميقة على جبهتها بعدها انصرفت حبيبة براحة.
جلس رأفت وهو سعيد للغاية، لكن بعد لحظات شعر بانقباضة صدر لا يدري لماذا!
أما هاجر فبعد انصراف الجميع ظلت جالسة بصحبة قوت ورأفت ثم نادت على إحدى الخادمات: إذا سمحتِ إعمليلي فنجان يانسون، ومعلش طلعيه فوق عشان هطلع دلوقتي.
فتدخلت قوت: إنتِ بتستأذنيها! روحي يلا إعملي اللي الهانم طلبته!
ثم وجهت كلامها لهاجر: بلاش الحنية الزايدة دي يا حبيبتي، عشان ما يطمعوش فيكِ.
فأجابت بعفوية: والله يا عمتو عادي! أنا لا هانم ولا غيره، كلنا زي بعض مخلوقين من طين يبقى ما لهوش لزوم أتكبر على خلق الله، ماحدش يعرف ظروفها إيه اللي خلتها تنزل وتشتغل الشغلانة دي!
ثم قالت: زمان لما كنا بنشتغل أي حاجة بسيطة عشان نكفي نفسنا حاجاتنا الأساسية وبس، و كان حد فيهم يتنطط علينا ولا يسئ معاملتنا أد إيه كنا بنتوجع ونتقهر على حالنا، وبصراحة ما أحبش أعمل كده ف حد ولا أحسسه بده لأني دوقت واتوجعت، مش عشان ربنا إداني هنسى أصلي وأتعافى وأتكبر على خلق الله.
فابتسمت قوت وقالت: ربنا يكملك بعقلك يا حبيبتي ويقومك بالسلامة، والله بتفرحيني بكلامك إنتِ وحبيبة.
— تسلمي يا عمتو، أستأذنك أطلع اتفرد شوية عشان مش قادرة.
— خلاص يا حبيبتي مفيش داعي تنزلي إرتاحي إنهاردة ف أوضتك وخفي الطلوع والنزول لحد ما الشهر التالت ده يعدي على خير.
— حاضر يا عمتو.
ثم انصرفت متحركة ببطء صاعدة الدرج الداخلي ممسكة أسفل بطنها حيث شعرت بتقلصات شديدة منذ بضعة أيام، وصلت إلى غرفتها بعد وقت ومجهود وقد بدأت تتعرق، كانت الخادمة قد وصلت بكوب اليانسون فأخذته منها وشكرتها ثم انصرفت الخادمة .
دلفت هاجر إلى غرفة نومها واستلقت في فراشها، وضعت الكوب جوارها على الكوميدون ترتشف منه القليل من حينٍ لآخر بعد أن تناولت قرص مسكن نصحها الطبيب بتناوله عند الشعور بالتقلصات، ولكن فجأة...
(الفصل الثامن والأربعين)
بقلم نهال عبد الواحد
خرج نبيل بصحبة أخته متتأبطةً ذراعه ثم ركبا معًا وانطلق السائق برباعيته، كان يبدو على نبيل السعادة والرضا.
- الحمد لله! ربنا كرمنا آخر كرم والله!
- مالك يا نبيل بس!
- فرحان بيكِ يا بيبو! أكبر مشكلة ف حياتنا اتحلت! ولا إيه؟! لسه في مشكلة هنا؟!
مشيرًا إلى رأس حبيبة فضحكت بخفة ثم أجابت: لا خلاص أنا بآيت بنت عادية، مش بس عشان افتكرت إنه مظلوم وسابنا مجبر، لا عشان كمان شوفتوه أد إيه بيحبني وصدره واسع واتحمل كل عيوبي وقلة ذوقي طول الفترة دي، أنا بآيت بحب بابا وكلمة بابا! وحاسة إني عايزة أفضل أقول بابا بابا بابا!
فربت على يدها وقال: والله يا حبيبة ما حد ف الدنيا هيحبك أده ولا يخاف عليكِ من الهوا الطاير زيه! ولا حتى سي رياض بتاعك ده.
فضحكت فأكمل بسعادة: عارفة، صحيح أنا طول عمري طبيعي ومش عقد زي ناس هه! وعارف بابا أد إيه بيحبنا وبيتعب عشانا، بس إحساسي دلوقت بعد ما هبقى أب مختلف تمامًا، مش عارف عبال ما جوجو تولد هيحصلي إيه! ولا لما أمسكه في إيدي واشيله هبقى عامل إزاي؟!
قالها بعينين مترقرقتين فابتسمت حبيبة قائلة: ربنا يقومها بالسلامة ويشرف البيه أو الهانم وتسلمهولي أدربه من وهو ف اللفة.
فنظر نبيل لأعلى وهو يصفر كأنه لا يسمع شيء، فضحكت حبيبة فضحك هو الآخر ولكزها بخفة.
وصلت السيارة إلى المكان المنشود فهمّت حبيبة بالنزول فناداها نبيل: بقولك لو خلصتِ كلميني أبعتلك العربية.
فأجابت: لا مش ضروري هكلم رياض ونتفق، إنت عارف السفر آخر الأسبوع وفي حاجات عايزين نجيبها.
- طب يا بيبو هكلمك كل شوية أطمن عليكِ.
- تسلملي يا عيون بيبو!
هبطت حبيبة من السيارة ملوّحة له بابتسامة متسعة ثم غادرت وبعدها غادرت السيارة.
وصل نبيل إلى الشركة وبعد عدة ساعات طلب الهاتف الداخلي للشركة: من فضلك ابعتيلي آنسة شاهندة القاضي، إيه ما جاتش! ما جاتش ولا جت ومشت؟! طب تمام...
أغلق الخط وأخذ يتصل بشاهندة على هاتفها المحمول مرارًا لكن لا إجابة! فتأفف قائلًا: ماشي يا ست شاهي، وكمان ما بترديش عليّ! ما هي حبيبة وهاجر يسيبوا الشغل وإنتِ تزوغي، لما أروح بس...
قطع كلامه لنفسه اتصال زوجته، فنظر للهاتف مبتسمًا بشدة ثم فتح الخط وقال مقلّدًا عبد الحليم حافظ بدندنة: روحي! حياتي! من إمتى غرامك مستنيه؟! تيرارارا...
إيه! مالك! فيكِ إيه؟! إنتِ تعبانة ولا بتعيطي ولا إيه؟! طيب طيب مسافة السكة إلبسي هكلم الدكتور وجاي حالًا!
نهض مسرعًا فزعًا، قلبه يدق بسرعة غريبة، أنفاسه تلهث بشدة وللحظاتٍ يتوقف عقله عن التفكير! أمسك هاتفه في يده وركض دون أن يفعل شيء، ثم ركب سيارته وأمر السائق بالتحرك، وأخيرًا تذكر أنه لم يحادث الطبيب، فاتصل به: آلو! أيوة يا دكتور أنا نبيل القاضي، أيوة بالظبط! هاجر تعبانة وبتشتكي من مغص شديد وبتعيط ف التليفون! طيب حاضر مسافة السكة هجيبها لحضرتك في المستشفى!
بعد فترة وصل أخيرًا إلى البيت، هبط من السيارة ودخل إلى الداخل ركضًا بهيئة مريبة، فاستوقفته نداءات عمته الجالسة تهمّ بصنع القهوة وأمامها صينية بها القهوة و(الكنكة) والفناجين.
- مالك يا حبيبي بتجري كده ليه؟
فأجاب بأنفاسٍ مقطوعة: هاجر كلمتني وتعبانة أوي!
فنهضت واقفة تسرع نحوه: لا حول ولا قوة إلا بالله! استر يارب!
واتجها الاثنان للأعلى وخلفهما رأفت، دلف نبيل إلى الغرفة فوجدها طريحة الفراش تبكي بشدة، وجهها شاحبًا ومتعرقًا بشدة، تلتقط أنفاسها بالكاد، حتى إنها من شدة الوجع فقدت قدرتها على الصراخ.
اقتربت قوت مع نبيل يساعدانها لتنهض من الفراش، لكن بمجرد وقوفها سقطت مغشيًّا عليها وتفاجأ الجميع بكم الدم الملطخ لملابسها والفراش.
ارتعدت فرائسه ودبَّ الرعب في نفسه، فأسرع هو وقوت بوضع عباءة سوداء عليها وحجابًا أسودًا، حملها نبيل وأسرع بها وتبعه أبوه وعمته.
كان طوال الطريق يتحدث إلى الطبيب ليستعجله، كانت كل الأفكار السيئة تقتحم عقله لكنه يقاومها محاولًا صرفها عنه تمامًا.
وصل الجميع إلى المشفى وبمجرد أن فحصها الطبيب أمر بإعدادها وإدخالها إلى غرفة العمليات، كان نبيل، رأفت وقوت في قلقٍ شديد لا يفهمون ماذا حدث حتى الآن!
وبعد فترة وجيزة خرجت إحدى الممرضات فأسرع نحوها نبيل وقوت ثم رأفت، فأسرع نبيل في سؤاله: خير طمنيني! أنا جوز مدام هاجر.
فأجابت بطريقة عملية: إطمن يا فندم، المدام هتروح غرفتها على طول هي تعبت من كتر النزيف وبالمحاليل والعلاج والأكل الكويس هتبقى أحسن، حتى الدكتور قال إنها ممكن تروح إنهاردة عادي بس آخر اليوم.
فقالت قوت: ما قُلتيش يا بنتي هي كانت في العمليات ليه؟!
فأجابت بهدوء: إجهاض يا فندم.
صعق الثلاثة، في حين أكملت الممرضة بطريقة عملية: اتفضلوا ع الغرفة، المريضة هتحصلكم والدكتور كمان.
ثم انصرفت وتركتهم في صدمتهم وحزنهم العميق، اتجه الثلاثة يجرّوا أرجلهم إلى الغرفة وبعدها مباشرةً أحضروا هاجر وكانت بين الوعي واللاوعي، كانت دموع نبيل تسيل لاإراديًا، بكي بكاءً مريرًا كأنه لم يبكي طوال حياته من قبل، ورغم حزن قوت الشديد على ماجرى إلا أنها كانت تحاول تهدئة ابن أخيها المنهار، أما رأفت فكان لا يزال واجمًا ناظرًا لابنه حينًا وإلى هاجر حينًا أخرى.
بدأت هاجر تسترد وعيها مصدرة أنينًا فاقترب منها نبيل وقوت، وبدأت تفتح عينيها وبمجرد أن فتحتها ورأت وجه نبيل المتورمة عينيه من كثرة البكاء ووجه قوت المتحسّر، دارت بعينيها داخل الغرفة لتتأكد أنها في مشفى، وضعت يدها تتلمس بطنها ودموعها تسيل، تساءلت بصوتٍ متقطّعٍ: هو إيه اللي حصل؟! إوعى يكون اللي ف بالي!
فأومأ نبيل برأسه ودفن وجهه في عنقها باكيًا بحرقة فانتحبت هي الأخرى، فصاحت فيهما قوت: جرى إيه إنتوا الاتنين! مالكمش نصيب فيه! بتحصل كتير وإن شاء الله كام أسبوع وربنا يعوض عليكم من تاني وتحمل تاني، ما ينفعش كده أبدًا!
فأتى صوت طرق للباب فاعتدل نبيل جالسًا، مسح دموعه بينما أحضرت قوت حجاب هاجر ووضعته على رأسها ثم فتحت الباب وكان الطبيب فدخل يتفحص النبض والضغط بنفسه ثم ضغط قليلًا على أسفل بطنها.
فتسآل نبيل: خير يا دكتور!
فأجاب: إطمن حضرتك مفيش مشكلة، تمشي ع العلاج وتاكل كويس وهتبقى زي الفل وإن شاء الله يحصل حمل بعد كده.
فعقّب نبيل: يا رب!
فأكمل الطبيب: بس كان في حاجة.
فقال نبيل: إتفضل خير!
فأجاب: الإجهاض ده مش عادي.
فاتسعت أعين الجميع وانتبهوا إلى كلامه، فأكمل: واضح جدًا إن المدام كانت بتاخد علاج إجهاض وتنضيف للرحم، أنا وقفت النزيف بس لكن ما عملتش تنضيف واتأكدت بنفسي إنها مش محتاجة! عمومًا حمد الله على سلامة المدام، عل إذنكم.
وانصرف الطبيب، فالتفت الجميع إلى هاجر فقالت بصوتٍ ضعيفٍ باكٍ: لا والله ما أخدت حاجة! أنا معقول هقتل ابني ولا بنتي! ده أنا كنت طايرة بيه، والله ما اخدت حاجة ولا عمري أعمل كده أبدًا! معقول هغضب ربنا وأعمل كده!
فقالت قوت مربتة: إهدي يا حبيبتي إحنا مصدقينك، بس كلام الدكتور ده إيه؟
فصاحت باكية: والله ما عملت حاجة!
فأمسكت بيد نبيل تستجديه عطفًا: صدقني يا نبيل والله ما عملت كده!
فربّت على يدها بهدوء ووجهه بلا ملامح أو تعبيرات، فقالت قوت مغيرة للموضوع: معلش يا نبيل، عايزاك تروح البيت تجيب غيارات لمراتك، المفروض تغير ومفيش هدوم.
فأومأ برأسه ساحبًا يده من يد زوجته ونهض واقفًا وبعد قليل انحنى مقبّلًا رأسها دون أي تعقيب ثم انصرف.
فصاحت هاجر منتحبة بانهيار: والله يا عمتو ما أخدت حاجة!
فضمتها إليها وربّتت عليها قائلة: صادقة يا حبيبتي، بس معلش هو معذور وزعلان هو كمان، عبال ما يروح ويجي تكون أعصابه هديت.
خرج نبيل متجهًا إلى سيارته شاردًا حتى وصل إلى البيت، كانت ملامحه البائسة تغني عن أي سؤال، دخل البيت يجر أقدامه بتثاقل متجهًا إلى غرفة نومه، لكنه شعر بثمة أحد يسير خلفه ويعد عليه أنفاسه، لكنه تابع دون التفات.
وصل إلى غرفته ثم دخل متعمّدًا ترك الباب مفتوحًا قليلًا؛ فسمح لمن بالخارج رؤيته، أحضر حقيبة صغيرة وضع فيها عدة قطع من ملابس هاجر، ثم انتبه لملابسه الملطخة بالدماء فدخل غرفة الملابس ثم أبدلها، همّ أن يخرج فالتفت إلى الفراش الغارق بالدماء.
اقترب بتباطؤ ودموعه تسيل، جثى على ركبتيه جوار السرير ناظرًا إلى الدماء باكيًا بحرقة، ثم انتبه، نهض واقفًا، مسح دموعه ومسّد بيده على شعره للخلف، لا يدري لماذا التفت إلى فنجان اليانسون الموضوع فوق الكوميدون ممتلئًا نصفه، كانت تراوده أفكار كثيرة...
فتح أحد الأدراج وكان فيه علبة دواء صغيرة داخلها علبة بلاستيكية صغيرة.
وبسرعة أفرغ الأقراص من داخل العلبة البلاستيكية إلى العلبة الكارتونية خاصتها ثم سكب باحتراس القليل من مشروب اليانسون وأغلق العلبة، نظّف خارجها بمنديلٍ ورقي ثم دسّ تلك العلبة في حقيبة الملابس.
حمل حقيبة الملابس وخرج بها فلمح الخادمة فنادى عليها فجاءته مسرعة وعلى وجهها كل ملامح الزعر والرعب، كان نبيل محدقًا فيها محاولًا قراءة ما داخلها، فأسرعت في سؤالها: والست هاجر عاملة إيه؟ ألف سلامة عليها، والله زعلت أوي!
فأجاب بألمٍ كبير: كل شيء راح خلاص، خشي غيري فرش السرير وابقى... خدي فنجان اليانسون اللي جوة ده، وادعيلها ربنا يعديها على خير!
فتساءلت: هي حالة الست خطيرة.
فنظر إليها ولم يعقّب ثم انصرف فورًا، خرج نبيل إلى الخارج فأشار لأحد رجاله ثم همس إليه بشيءٍ ما، فأومأ الرجل بعدها انصرف ملبيًّا طلبه.
رنّ هاتفه مرة أخرى، فوجد اسم رياض وقبل أن يجيب شعر بمن يتابعه ولا زال يعد خطواته، فتنهد ثم فتح الخط: أيوة يا رياض.
ثم صاح: إيه! وإنتو فين؟ حالًا حالًا مسافة السكة!
أغلق الخط وقال بصوتٍ مسموع: استر يا رب!
أسرع نبيل إلى حيث أخبره رياض، وصل إلى المشفى أخذ يركض هنا وهناك منذ أن دخل يبحث عنهم، حتى أخيرًا قد لمح رياض وإيهاب فأسرع نحوهما قائلًا بهيئته المريبة: شاهندة جرالها إيه؟!
سكت إيهاب متذكّرًا ما حدث... خرجت شاهندة من البيت في الصباح بسيارتها متجهة إلى الشركة، لكن فجأة سمعت صوت سيارة تسير جوارها تصدع بصوتها فالتفتت فوجدتني فتأففت ونظرت أمامها، فناديتُ عليها: حقك عليّ!
فلم تلتفت فأكمل: أنا آسف مش قصدي!
فصاحت في وهي تقود سياراتها: آسف دي تقولها لما تدوس على صباع رجلي بالغلط!
فصِحت مجددًا محاولًا أن أقرّب سيارتي منها لتكون متوازيتين ومتقاربتين: أنا غلطان خلاص، إسمعيني طيب هقول إيه.
- مش إنت محتاج وقت تفكر روح فكر يلا بعيد عني!
- غلطان والله! إسمعيني بس!
- آسفة مش فاضيالك!
- كلمة واحدة!
- ولا نص كلمة!
- إركني خمسة أكلمك بس وبعد كده كملي مشوارك.
- مش هقف!
- كفاية الله يخليكِ! أما تعبان من غيرك! عشان خاطري إركني ثواني وامشي بعد كده.
وبعد محاولات عديدة من المحايلات أومأت أخيرًا برأسها، وهمّت لتوقّف السيارة ولكن!
إن المكابح لا تعمل! فصاحت بملء صوتها بهلعٍ وهي تعاود الضغط بقدمها: إلحقني يا إيهاب! الفرامل سايبة!
فزعرت فجأة فحاولتُ إخفاء زعري هذا قائلًا: طب حاولي تاني يمكن معلّقة ولا بتدوسي بنزين بدل فرامل.
فصاحت مجددًا: سايبة والله سايبة!
ثم صاحت: هخبط الناس!
فصِحتُ بتوترٍ: حاولي!
لكن محاولاتها لم تنجح ولا زالت تصيح ولا زال يسير جوارها يقويها بصياحه، وفي النهاية طلبتُ منها محاولة الخروج إلى إحدى الطرق الخارجية الدولية لتقلل فرص الاصطدام بالمارة أو السيارات.
أخذت تمشي من هنا وتخرج من هناك وأنا أسير جوارها أشجّعها وهي لا زالت تصرخ، حتى خرجنا بالفعل لإحدى الطرق صعدت أحد الكباري، فصِحتُ فيها: الكوبري ده بيترمم مفتوح آخره! حاولي تلفي م الناحية التانية.
فصاحت: مش عارفة!
فلم أجد إلا ذلك الطلب، فقال: نطي يا شاهي!
فصاحت: إيه!
فأكّدت: نطي يا إما هتطلع أدامك وآخد أنا الخبطة!
فصاحت: لا!
-نطي!
-لا!
فصِحتُ مجددًا وقد اقتربتُ منعا: نطي!
وفجأة تجرأت دون أن تدرك من أين أتتها هذه الشجاعة ثم فتحت الباب وصاحت بقوة ثم قفزت من السيارة وهي تجري، لتكمل السيارة سيرها حتى سقطت من فوق الكبري، وبعد لحظات انفجرت...
فأكمل إيهاب موجّهًا كلامه إلى نبيل بعد أن عاد إلى حاضره: والله هو ده كل اللي حصل!
فتساءل نبيل: وإنت إيه اللي وداك عندها؟!
فتلعثم إيهاب قليلًا ثم قال: كنت بحاول أكلمها من زمان وهي رافضة فقابلتها على أساس أقنعها إني آجي وأتقدم، لكن وأنا بقنعها تقف تكلمني ولو ثانية واحدة بس، فجأة لاقيتها بتصرخ إن الفرام سايبة.
فسكت نبيل قليلًا ثم تنهّد بعدم فهم: العربية لسه جديدة، إزاي فراملها تسيب؟!
فتساءل رياض بريبة: قصدك إيه!
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا