رواية هل الضربة قاضية الفصل الرابع 4بقلم نهال عبد الواحد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
رواية هل الضربة قاضية الفصل الرابع 4بقلم نهال عبد الواحد (حصريه وجديده في مدونة قصر الروايات)
(الفصل الرابع)
بقلم : نهال عبدالواحد
وصلت سيارة الأجرة فنزلت الفتاتان، سارتا بضع شوارع تبدو المنطقة عادية من الطبقة المتوسطة ليس المكان براقٍ ولا شديد العشوائية.
دخلتا إلى أحد محلات لشراء بعض مستلزمات البيت، ثم سارتا بضع شوارع أخرى حتى وصلتا إلى بيتٍ قديم، هو أقدم بيتٍ بالمنطقة وأقلها من حيث عدد الأدوار؛ فكل البيوت المجاورة قد تم هدمها واستبدالها بعماراتٍ مرتفعة.
كانت الفتاتان تسكنان شقة بالدور الأرضي، فتحت إحداهما وولجت إلى الداخل تتحسس بيدها باحثة عن مفتاح الإضاءة ثم أنارته ودخلت الأخرى خلفها.
كانت المدخل عبارة عن صالة صغيرة بها أريكة عربية، كرسيان جميعها مغطى بقطع قماشٍ ملونة قديمة، منضدة خشبية مغطاة بغطاء من البلاستيك وحولها أربعة كراسي خشبية، وإلى الجانب جهاز تلفاز قديم ومغطى؛ فلا وقت لتشغيله.
يبدو من هيئة الجدران قِدم طلائها من تلك البقع الصفراء المنتشرة على السقف والجدران وأيضًا بعض الشروخ والتصدعات.
وضعت حبيبة الكيس الذي كانت تحمله على تلك المنضدة، خلعت حذاءها ثم جلست بإنهاك على الأريكة وقد مددت رجليها للأمام وتحرك أصابع قدميها مصدرة تأوهاتٍ ضعيفة، جلست هاجر جوارها تحرك أصابع قدميها هي الأخرى لكن بأنينٍ أعلى.
نظرت حبيبة أمامها لترى عدة صور شخصية معلقة أحدهم لأمها، أخرى لخالتها وغيرهما تجمعهن الأربعة لكن لازالت حبيبة وهاجر طفلتين في المرحلة الإعدادية، وأخرى لخالتها وزوج خالتها في عرسهما، فترحّمت عليهم جميعًا من داخلها.
ثم عادت برأسها للخلف وأغمضت عينيها لتتذكر وكأن صوت أمها يناديها الآن....
- يا حبيبة! يا حبيبة! يا بت ردي عليّ!
كنتُ جالسة على نفس الأريكة وضامة ساقيّ إليّ وشاردة في ذلك الفيلم الذي أشاهده وعيناي تزرفان دمعًا.
بالطبع يجئ في أذهانكم أنه فيلمًا رومانسيًا! لكنه لم يكن إلا مشهدًا من فيلم الباب المفتوح وذلك الأب القاسي يضرب ابنته بالحذاء، هكذا هي صورة الأب التي لا أعرف غيرها أو بمعنى أدق أتخيلها؛ فأنا لم أعرف يومًا أي أب.
جاءت أمي مرتدية جلبابًا بيتيًا دهسها الزمن، رابطة رأسها بوشاحٍ بيتي، وتصيح: يا بت مش بنادي عليكِ!
فانتبهت إليها فجأة ماسحة دموعي بطرف كمي واعتدلت في جلستي وأجبتُ بصوتٍ مختنق: نعم يا ماما.
نظرت أمي بيني وبين شاشة التلفاز لترى ذلك المشهد القاسي، فتنهدتْ وأغمضتْ عينيها بضغطة ثم زفرت بشدة قائلة مغيّرةً لحالتها وللموقف بالكامل: قومي عشان تنزلي تجيبي حاجات من على أول الشارع.
فنهضتُ وتحركتُ بضع خطواتٍ بتثاقلٍ نحوها ثم توقفتُ وسألتها: هو بابا كان بيضربك كده!
فأجابت ببعض الحسرة: أبوكِ عمره ما مد إيده عليّ، ولا حتى سمّعني كلمة تزعلني، أبوكِ كان راجل محترم مفيش زيه.
فرفعتُ نبرة صوتي وقلتُ محتدة بقسوة وحنق: وهو الراجل المحترم يهج ويسيب بيته وبنته من سنين من غير ما يعرفوا إن كان حي ولا ميت! هو الراجل اللي مفيش زيه يسيبك تشتغلي دادة في الحضانات وتتعاملي أسوأ معاملة عشان نلاقي الضروري!
فتحدثت بكسرة: خلاص يا حبيبتي، ولاد الحلال دلوني على معاش السادات ده و.....
فقاطعتها محتدة: وده هيكفي إيه ولا إيه! ده أنا داخلة على ثانوية عامة.
فأجابتني بصوتٍ مختنق: معلش يا حبيبتي، مش هينفع تدخلي ثانوية عامة، إحنا مش حمل مصاريفها ولا مصاريف دروسها، خشي ثانوي فني وهو تاخدي الدبلوم واهي شهادة برضو، وهينفع تشتغلي بيها.
فقلت بنبرة يائسة: يعني حتى أبسط حقوقي إني اتعلم واخش كلية.....
- زيك زي بنت خالتك.
فصحتُ باكية: طب هي ومش عايزة تذاكر، أنا ذنبي إيه!
فاحتضنت وجنتيّ برفق وقالت بصوتٍ حنون: مش ذنبك عارفة، بس ده نصيب وقدر، وما حدش بيهرب من قضاه.... آه..
وبدى عليها فجأة التألم ففزعتُ وأجلستها على أقرب كرسي قائلة بلهفة شديدة: مالك يا ماما! إنت تعبانة؟!
فضغطت على رأسها وقالت بتألم وتوجع: اطمني، تلاقي ضغطي عِلي ولا حاجة، هخش أنام، كملي الغسيل وخلي هاجر تروح تجيب الطلبات....
ثم أفاقت حبيبة من شرودها وهي تهمس لنفسها: كنتِ تعبانة ومخبية عليّ عشان معكيش تتعالجي.
وفجأة صاحت فيها هاجر وهي تهز يديها أمام وجهها: إنتِ يا زفتة انت روحتي فين؟! بآلي ساعة عمالة أكلمك!
فتنهدت حبيبة واستدارت بوجهها نحوها وأجابت بتثاقل: نعم.
فلكزتها هاجر قائلة: يا بت إنت باردة! ما تردي عليّ!
فقالت حبيبة بنفاذ صبر: طب قولي تاني عشان ما سمعتكيش.
فقالت وهي تنهض من جلستها وتفك أزرار كنزتها: إيه رأيك أعمل سندوتشات جبنة تركي واسخنها ف الفرن عشان العشا!
فنهضت حبيبة واقفة واضعة يديها في خصرها وصاحت فيها: عشا! أمال اللي كلناه في المطعم ده إيه!
فأسرعت هاجر قائلة: دي وجبة الغدا.
فزفرت الأخرى قائلة: واكلين الساعة تسعة يبقى غدا! عمومًا سميه بأي مسمى أنا مش جعانة، أنا هغسل شوية الغسيل دول وانشرهم واشرب كوباية لبن وخلاص.
فتأففت هاجر وضربت بكفها على الآخر: يآدي اللبن! يا بت اتفطمي بأه.
فزمت شفتيها وقالت بامتعاض: أنا محتاجة بروتين كتير وعمري ما هبوظ جسمي بالكوارث اللي عايزة تاكليها عل مسا دي، البطولة قربت ولازم أحافظ على جسمي.
فتأففت هاجر ثانيًا: يآدي البطولة اللي هوساكِ! هتستفادي إيه ف الآخر؟! هه! مش كفاية مضيعة تعبك وشقاكِ عل التمرين والكلام الفاضي!
فصاحت حبيبة بانفعال: التمرين يا حلوة مش كلام فاضي! ولو كنتِ سمعتي كلامي وواظبتي كان زمانك بآيتي معايا!
فقالت ببعض التهكم: طب ما إنتِ أخدتِ بطولات أد كده قبل كده، إشي بطولات الجمهورية وإشي بطولات إفريقيا، كنتِ عملتِ إيه؟ ولا إيه اللي اتغير؟! ما ادينا محلك سر ولا حد سمع عنك، يا حبيبتي البلد دي مش بتقدر غير لعيبة الكرة، عمرك سمعتِ عن أبطال في لعب تانية ومشاهير عادي كده زي حازم إمام ولا عصام الحضري؟!
فانفعلت قائلة: بس هيجي يوم وكل الأبطال دول يتقدروا صح! نفسي بجد ناخد وضعنا! نفسي الملاكمة النسائية تنتشر، وبعدين حتى من غير بطولة لازم كل واحدة تتعلم فايتنج عشان تدافع عن نفسها ضد الأشكال الزبالة اللي مالية الدنيا، وأدينا بطولنا ف الدنيا دي، لا أب ولا أخ ولا خال ولا عم ... حاجة هم!
فزفرت قائلة: يييي! يادي إسطوانة كل يوم! يا بنتي ارحميني ما بتزهقيش! بدل ما الواحدة منا تحوش قرشين و تبدأ تجيب لنفسها حاجات وتشيلها من شوارها يعني، بدل ما إنت مضيعاهم ع التمرين...
فقاطعتها زافرة: ييييييي! ده إنت اللي ما بتزهقيش! شوار يعني جواز! يعنى أوافق إن راجل يتحكم فيّ ويذلني! هو في رجالة عدلة ف الزمن ده! بصي حواليكِ يا ماما! شوفي الجيران اللي بنسمع صوت خناءاتهم! اللي بيضرب مراته واللي لسانه طول كده! إنتِ فاكرة منى اللي اتجوزت من سنة وكانت ساكنة في البيت اللي جنبنا! جوزها الندل طردها م البيت بابنها على كتفها في انصاص الليالي وجت لأبوها مارضاش يفتحلها وفضلت قاعدة ع السلم لحد النهار ما طلع وراحت للمدعوء اللي متجوزاه تتذلله عشان يدخلها الشقة هي وابنها، طب هنروح بعيد ليه؟! الراجل اللي شايلة اسمه اللي سابني أنا وأمي وكان عمري شهور! سابنا من غير ما نعرفله طريق ولا عمره فكر يسأل عننا ولا يعرف عايشين إزاي! أمي كانت بتشتغل دادة عشان تلاقي تصرف، ولا تروح تمسح السلالم وتنفض لدي وتنضف لدي! ودي تزعقلها ودي تهينها! وف الآخر تعبت وجت على نفسها عشان مش حمل مصاريف دكتور ولا علاج! اسكتي يا هاجر اسكتي!
فربتت عليها وقالت بهدوء: يا حبيبة الله أعلم باللي حصل وأكيد...
فقاطعتها بصياح: إوعي تقوليلي معاه عذره ولا أي كلام حفظاه منك ولا منها الله يرحمها! مش قادرة أفهم إزاي اتحملت وفضلت على ذمته بالإسم؟! ده أنا لو منها أموت م الجوع ولا افضل على ذمته!
فضمتها وربتت عليها لتهدئ من روعها فهي تعلم أنها لن تغير فكرها ولن تتراجع عن رأيها في أبيها بل لم تسامحه أبدًا، فربتت حبيبة على يدها وتركتها، فتنهدت هاجر وقالت هامسة لنفسها: ربنا يهديكِ يا حبيبة يا بت خالتي ويعوض صبرك خير!
ثم أكملت: وأنا كمان يارب!
وفي الصباح وكان رياض قد نهض من فراشه بعد ليل من النوم المتقطع، بدّل ملابسه، وقف أمام المرآة يصفف شعره بأناقة ليستعد للخروج ويحدّث نفسه في المرآة: وبعدين ف الورطة السودا دي! إيه يا رياض اتهبلت وبآيت مراهق!
ثم ضرب خديه ببعض الضربات بيديه وهو لازال يحدث نفسه في المرآة: فوق فوق! إيه اللي حصل لكل ده! عادي! هه عادي...
فقاطعته أمه وهي تضرب كفيها ببعضهما وصاحت: اتهبلت يا رياض! بتكلم نفسك ف المراية!
فانتبه إليها وقال: لا لا! ده أنا بس بفكر بصوت عالي.
فزمت شفتيها وقالت: طب يلا عشان تفطر.
فقال وهو يخرج من الحجرة مسرعًا ليهرب من الموقف: لا والله بجد! طب بسرعة بأه عشان ورايا مشاوير.
وجلس رياض يتناول بضع لقيمات وهو شارد ثم قال لنفسه: لا والله ما هينفع كده!
وكان صوته مسموعًا، فانتبهت له أمه وقالت متعجبة: يووو! هو إيه أصله ده!
فتنحنح وقال: لا لا ولا حاجة.
ثم نهض واقفًا، فنادته أمه: بقولك...
فالتفت إليها فأكملت: أنا رايحة عند رباب أختك انهاردة، أصلها عازمانا عل غدا.
فابتسم قائلًا: وماله يا ست الكل براحتك وأنا هبقى آجي على معاد الغدا.
وسار بضع خطوات فنادته مجددًا: بقولك....
فالتفت إليها قائلًا: اتفضلي يا ست الحبايب.
فقالت وعيناها تزوغا باضطراب: ابقى جيب معاك زيارة حلوة لأختك.
فضيق عينه محاولًا قراءة أمه وقال: وأنا من إمتى بروح لرباب وإيدي فاضية؟!
فربتت على كتفيه وهي تتصنع ضبط ياقة كنزته وقالت باضطرابٍ واضح أمامه: طب ابقى كمان غيّر الجاكيت الرصاصي ده، وإلبس الأبيض الجديد بتبقى فيه زي القمر.
فرفع حاجبه وصاح: لا والله! هو في حد معزوم معانا ولا إيه يا ست الحبايب؟!
فتلعثمت وقالت: لا أبدًا....
ثم قالت: إلا بس واحدة جارتها إنم....
فقاطعها مسرعًا: والله كنت عارف يا نادية! عمالة تلفي وتدوري وأنا شامم ريحة عروسة ف الموضوع، طب مش جاي عل غدا وهاكل ف الشارع، حاجة تانية!
فقالت ببعض التوسل: يا بني الله يهديك عايزة أفرح بيك وأشوف عيالك قبل ما اموت!
فأمسك بيدي أمه وقبلهما ثم قال: بعد الشر عليكِ العمر الطويل ليكِ يا روح قلبي.
فقالت: طويل ولا قصير، مسيري هقابل وجه كريم، هسيبك بطولك يا ضنايا، وبعدين أنا باقولك شوفها واقعد معاها هو خد هيجوزهالك غصب.
فقبل رأس أمه وقال وهو يتجه لباب الشقة: ريحي نفسك يا نادية مش هتجوز وعمري ما اعمل العاملة دي ف نفسي أبدًا، أسجن نفسي وأحكم على نفسي بالإعدام! مستحيل! يبقى وش واحد اصطبح واتمسى بيه كل يوم! وخناق وقرف وتحكم! لا آسف ما اعطلكمش.
فقالت الأم بنبرة هادئة: يا حبيبي دي ما تتخيرش عن أختك.
فضحك وقال: ما ده في حد ذاته يخليني أخلع وأقول يا فكيك.
وقبل أن تزيد الأم بكلمة أخرى كان قد فتح الباب وألتفت ملقيًا قبلة لأمه في الهواء وانصرف....
فنظرت الأم بعينها لأعلى وقالت بنبرة دعاء: ربنا يهديك يا رياض يا ابن بطني ويفرحني بيك عن قريب يا إله السما!
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق
فضلا اترك تعليق من هنا